الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣٢
الجزء ١ الجزء ٢

فالأئمة وعلى رأسهم جدّهم محمد بن عبد الله عليهم‌السلام قد فاقوا الأولين والآخرين ، وبلغوا فيه حدّا لا يحتاج أحد إلى شيء من أمور دينه ودنياه وسعادته وآخرته إلّا كان علمه عندهم ولهم الجواب وهم الدعاة إلى سبيل الخير والسعادة الواقعية ، ولهم الإشراف على الأمور حتى النيات والأعمال وعلى ما يقع وما سيقع وعلى منطق الطيور وعلى ما يحتاج إليه الجن وغيرهم ، فنحن غير قادرين على وصفهم ، فقد وصفوا أنفسهم بأنفسهم كما في الزيارة الجامعة : كيف أصف حسن ثنائكم وأحصي جميل بلائكم ، وبكم أخرجنا الله من الذلّ وفرّج عنّا غمرات الكروب ...».

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : إنّ الله لا يجعل حجته في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري (١).

وعنه عليه‌السلام قال :

إنّ الله تعالى أحكم وأكرم وأجلّ وأعظم وأعدل من أن يحتج بحجة ثم يغيب عنهم شيئا من أمورهم (٢).

وفي تعبير آخر قال عليه‌السلام :

من شك أنّ الله تعالى يحتجّ على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه فقد افترى على الله (٣).

وورد عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول :

لا والله لا يكون عالم جاهلا أبدا ، عالما بشيء جاهلا بشيء ، ثم قال : الله أجلّ وأعزّ وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ؛ ثم قال : لا يحجب ذلك عنه (٤).

وعن سيف التمّار قال :

كنا مع أبي عبد الله عليه‌السلام وجماعة من الشيعة في الحجر ، فقال : علينا عين ، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا ، فقلنا : ليس علينا عين ، فقال : وربّ

__________________

(١) رسالة التنبيه للحر العاملي نقلا عن الكافي.

(٢) بصائر الدرجات : ج ٣ ص ١٤٣.

(٣) نفس المصدر.

(٤) أصول الكافي : ج ١ ص ٢٦٢.

١٠١

الكعبة وربّ البنيّة (أي بنّائي الكعبة كآدم وإبراهيم وإسماعيل) ثلاث مرّات لو كنت بين موسى والخضر عليهما‌السلام لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأنّ موسى والخضر عليهما‌السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة»(١).

وغير ذلك من الأخبار المتواترة التي توجب اليقين والاطمئنان ؛ قال العلّامة الطباطبائي (قدس‌سره) :

«إنّ الإمام وقف على حقائق العالم كيف ما كان بإذنه تعالى سواء كانت محسوسة أم غير محسوسة كالموجودات السماوية والحوادث الماضية والوقائع الآتية وتدلّ على ذلك الروايات المتواترات المضبوطة في الكافي وبصائر الدرجات وبحار الأنوار وغيرها» (٢).

النقطة الثالثة :

ذكر المصنف أن الإمام عليه‌السلام يعرف ما يستجد من الأشياء عليه بواسطة الإلهام المودع في نفسه القدسية ، ومعنى ذلك أن الإمام عليه‌السلام قبل الإلهام كان جاهلا بالأشياء التي استجدّت عليه ثم عرفها بالإلهام ، وهذا منقوض بحكم الأدلة العقلية والنقلية لما في ذلك من نسبة الجهل إليه في حين أنه حجة الله وسفيره ، والحجة لا يكون عالما بشيء وجاهلا بشيء آخر كما مرّ في النصوص المتقدمة.

فالإلهام الرباني للإمام عليه‌السلام ما هو إلّا إصدار الأوامر إليهم بإظهار ما كان مكتوما عن الناس ، فنزول جبرائيل عليه‌السلام والملائكة المقرّبين على نبينا محمد وعترته الطاهرة ليس فيه أية إشارة إلى كونهم أعلم من النبي والعترة لأن أعلمية جبرائيل يستلزم تفضيل المفضول على الفاضل وهو قبيح ، ومناف لسجود الملائكة كلهم أجمعين لآدم وتعلّمهم الأسماء منه ، واعترافهم بأنه (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ولنصوص كون الأئمة أول ما خلق الله ومن نورهم اشتقّ خلق السماوات والأرضين وأنهم معلّمو الملائكة التسبيح والتقديس ، وعليه فوساطة جبرائيل أو روح القدس في علمهم في هذه النشأة ليس من جهة الجهل بل إنما هو من باب دلالة كثرة الأعوان على عظمة السلطان لا على العجز والنقصان ، وذلك لأنّ غاية

__________________

(١) أصول الكافي : ج ١ ص ٢٦٠.

(٢) بداية المعارف : ج ٢ ص ٥٧ نقلا عن بحثي كوتاه در باره علم امام : ص ٣٤ فارسي.

١٠٢

مرتبة الملائكة الرسالة ولا يمتنع اجتماعها مع الجهل في الجملة ، بخلاف الإمامة فإنّ أول رتبتها الرئاسة العامة الممتنع اجتماعها مع منقصة الجهل عقلا ونقلا.

فالنبي والأئمة عليهم‌السلام فوق مرتبة الحدس التي أكّد عليها المصنّف ، فهذه القوة القدسية المعبّر عنها اصطلاحا بالحدس هي للذين هم في طور الإعداد والاستعداد لنيل الفيوضات العلمية نتيجة بعض الرياضات الروحية ، فتشرق على قوابلهم أنوار اللاهوت فتجلي أثر الظلمة والجهل فتصبح النفس متنوّرة بما هبط عليها من عالم القدس والطهارة ، وهذا إنما يكون للنفوس المتوسطة لا النفوس الكاملة الواصلة التي أصبحت نفوسها مصدر الإشراق وتلألؤ الأنوار ، فالنفس النبوية والولية هي مرآة الحق تنعكس عليها صفات الله تعالى لتشرق على قوابل النفوس في عوالم الدهور.

والإلهام الربّاني أحد طرق العلم اللدني المذكور في القرآن واعتمد عليه العرفاء.

والعلم اللدني قسم من العلوم الشريفة يهبه الباري عزوجل لبعض عباده وليس فيه صنع للأسباب العادية كالحسّ والفكر حتى يحصل من طريق الاكتساب ، ومن شرّف به فقد نال الحكمة وفصل الخطاب كما قصّ ذلك علينا القرآن الكريم انّ العبد الصالح النبي الخضر عليه‌السلام «كما هو الأرجح» نال شيئا منه كما في قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف / ٦٦) ويمكن تحصيل هذا النوع من العلوم عن طريق الرياضات والمجاهدات الروحية حتى تصير القوى الحسيّة والخيالية ضعيفة ، فإذا ضعفت قويت القوة العقلية والروحية ، وأشرقت أنوار القدرة الأزليّة على جوهر العقل ، وقذف في القلب المعارف وكملت العلوم من غير واسطة سعي وطلب فكر ، فإذا أراد سبحانه بعبد خيرا رفع الحجاب بين نفسه والنفس الكلي المعبّر عنه ب «اللوح المحفوظ» فتظهر فيه أسرار المكنونات وينتقش فيها معاني تلك المكنونات ، فيصير المتحلّي بها حكيما ، والحكمة أثر من آثار العلم اللدني ، فما لم تبلغ النفس هذه المرتبة لا تكون حكيمة ، لأنّ الحكمة من مواهب الله تعالى حيث يؤتي الحكمة من يشاء (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (البقرة / ٢٧٠) وأولو الألباب هم الواصلون إلى مرتبة العلم اللدني المستغنون عن التحصيل وتعب العلم ، فيتعلّمون

١٠٣

قليلا ويعلمون كثيرا فالإلهام نوع إيحاء ، والإيحاء مأخوذ من الوحي المستعمل في موارد متعددة في القرآن منها :

١ ـ بمعنى التقدير والإخبار :

كقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (٢) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٣) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٤) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٥) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٦)) (الزلزلة / ٢ ـ ٦).

فالمعنى أنّه سبحانه قدّر في الأرض السّنن الطبيعية بحيث تخرج أثقالها من البشر للحساب ، فتشهد على أعمال بني آدم كما تشهد عليها أعضاؤهم وكتّاب الأعمال من الملائكة وشهداء الأعمال من البشر. وشهادة الأرض «بالإيحاء» على من كان فيها هل هو بإعطاء الحياة والشعور للأرض الميتة حتى تخبر عمّا وقع فيها أو دلالتها على ذلك بلسان الحال؟

لا يبعد صحة الرأي الأول ويشهد له قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء / ٤٥) وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢١) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)) (فصلت / ٢١ ـ ٢٢). فيستفاد من هذه الآيات أنّ الحياة والشعور ساريان في كل الأشياء ، وإن كنّا عن هذا غافلين فلا يكشف له إلّا من ألقى السمع وهو شهيد (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق / ٢٣).

وبناء على الحركة في الجوهر «الحركة الجوهرية» التي أشاد بنيانها صدر المتألهين الشيرازي (قدس‌سره) فإنّ كل شيء ذا شعور وحياة يتجه نحو التكامل الجوهري أو العرضي النسبي بالقياس إلى الحقيقة المطلقة كما يشير إليه تعالى : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (البقرة / ١٥٧). فكلّ الكائنات بدء وجودها منه عزّ اسمه وإليه تنتهي في سيرها.

٢ ـ الإدراك الغريزي :

كما في قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل / ٦٩).

١٠٤

فالوحي هنا بمعنى الإلهام الغريزي والإدراك الباطني عند النحلة وهل ينحصر الإلهام بالنحل دون غيرها من الحيوانات؟ لم يرد في النصوص القرآنية إيحاء إلى غير النحل من الحيوانات وإن كان لغيرها من الفهم ما يحيّر الألباب ، فاختصاص الوحي بالنحلة لميزة لا ندرك كنهها بالضبط ، نعم ، أثبتت الدراسات العلميّة الدقيقة التي قام بها علماء الحيوان بخصوص حياة النحل أنّ هذه الحشرة العجيبة لها من التمدّن والحياة الاجتماعية المدهشة ما يشبه لحدّ كبير الجانب التمدني عند الإنسان. فلعلّ الحكمة من اختصاصها بالوحي ربما لوجود هذه المميزة ولا يمكن قياس حياة كل الحشرات أو الانعام على حياة النحل وذلك لأنّ المنافع المادية الموجودة في عسل النحل قلّما يوجد في غيرها من المخلوقات الأخر.

وقد أكد القرآن ذلك بقوله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) كما أثبت ذلك الطب الحديث وانه علاج لكثير من الأمراض العصبية والعضوية ...

٣ ـ الإلهام التشريعي :

كما في قوله تعالى : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الشورى / ٤).

٤ ـ الإلهام القلبي ـ أي الإلقاء في القلب :

كما في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص / ٨).

٥ ـ الإلقاء الشيطاني :

كما في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (الأنعام / ١١٣) (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) (الأنعام / ١٢٢) كل هذه الألفاظ المترادفة لكلمة «وحي» يجمعها معنى واحده والإعلام بخفاء كما نصّ على ذلك أعلام اللغة العربية ؛ ولو أطلقت كلمة «وحي» وجرّدت عن القرينة أريد منها الوحي النبوي التشريعي.

ومحلّ الإلهام القلب السليم الذي هو مهبط الملائكة الروحانيين يلهمونه الخير والسّداد لصفاء باطنه وحسن توجهه ، إذ لا تهبط الملائكة على بيوت فيها

١٠٥

كلاب وخنازير وسباع كما ورد أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ، فالقلب المشحون بكلاب الغضب والشهوة لا يمكن أن تدخله ملائكة الرحمة.

فقد ورد عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكّل به ملكا يسدده ؛ وإذا أراد بعبد سواء أنكت في قلبه نكتة سوداء وسدّ مسامع قلبه ووكّل به شيطانا يضلّه ثمّ تلا هذه الآية : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (١).

فالنكت في القلب عبارة عن تجلّي الإلهام في قلوب العارفين ، وهذا التجلّي إمّا بسماع صوت أو قذف في قلب أو رؤيا صالحة في المنام وهو ما يسمّى بالكشف ، وهنا يستحسن بيان الفرق بين الوحي والإلهام المعبّر عنه بالكشف.

فيقال : إنّ التعليم الربّاني لبعض عباده يتمّ عبر طريقين :

الأول : عبر إلقاء الوحي ؛ حيث إن النفس إذا كملت وزال عنها درن الطبيعة أقبلت بوجهها على باريها ، وتمسكت بجود مبدعها ، واعتمدت على إفادته وفيض نوره ، فيتوجه إليها باريها توجّها كليّا ، وينظر إليها نظرا رحمانيا ، واتّخذت من العقل الكلي [هو النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] قلما ، ومن تلك النفس الكلية لوحا ، انتقشت فيها العلوم المختصة بها ، فصار العقل الكلّي كالمعلّم ، والنفس القدسي كالمتعلم ، وتحصل جميع العلوم لتلك النفس ، والنفس فيها جميع الصور من غير معلّم وتفكّر ، ومصداق هذا قوله تعالى : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً).

الثاني : عبر القذف الإلهامي : وهو تنبّه النفس الكلّي للنفس الجزئيّ على قدر صفاته وقبوله واستعداده.

فالوحي أثر فيض الله ، والإلهام أثر الوحي ، والعلم الحاصل عن الوحي يسمّى علما نبويا ، والحاصل من الإلهام يسمّى لدنيّا كشفيّا.

والوحي قسمان ؛ خاصّ عامّ.

__________________

(١) لاحظ التوحيد للصدوق ص ٤١٥ ط. قم.

١٠٦

أمّا الخاص : ما كان مقتصرا على الرسل وأولي العزم وهذا قسمان :

الأول : ما ينزل على هؤلاء من الوحي بواسطة جبرائيل عليه‌السلام لقوله تعالى :

(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) (البقرة / ٩٨).

الثاني : ما نزل عليهم بغير واسطة لقوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ...) (الشورى / ٥٢).

(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (النجم / ١١).

ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحديث المستفيض : «إنّ لي مع الله حالات لا يسعني فيها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل».

وهذا القسم من الوحي يشمل العترة الطاهرة أيضا لقوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (الأنبياء / ٧٤).

كما أشارت عدّة نصوص عنهم عليهم‌السلام بذلك كما في مناقب ابن شهرآشوب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل في فضل أمير المؤمنين علي والصديقة الطاهرة فاطمة عليهما‌السلام قال : «وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة واجعل في ذريتهما البركة ، واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما يرضيك» (١).

فالوحي الوارد في الآية وحي تسديد لا وحي تشريع وذلك لأنّ قوله تعالى في ذيل الآية : (وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) يفيد أنهم كانوا قبل ذلك عابدين لله ثم أيدوا بالوحي وعبادتهم لله إنما كانت بأعمال شرّعها لهم الوحي المشرّع قبلا. أضف إلى ذلك أن قوله تعالى : (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) أي أوحينا إليهم تحقيق وتنفيذ أمر الزكاة التي هي إنفاق مالي خاصّ بشريعتهم ، فيكون إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أمرين متحققين تشريعا سابقا على الوحي التسديدي أو التكويني الذي هو عبارة عن إمدادهم بالتوفيق والقدرة والجاذبية المعنوية من أجل تنفيذ هذه الأمور (٢).

__________________

(١) لاحظ نور الثقلين : ج ٣ / ٤٤١.

(٢) لاحظ تفسير الميزان : ج ١٤ / ٣٠٥ وتفسير الأمثل : ج ١٠ / ١٨٢.

١٠٧

وما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطبا الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» يراد منه أنك لست نبيّا ينزل عليه الوحي التشريعي أمّا الوحي التسديدي فلا مانع منه بل الأدلة تؤيّده.

فالقسم الثاني يسمّى بالإلهام أو الوحي الخفي. أما القسم الأول فهو الوحي الجليّ ويشهد لهذا التقسيم أنّ كثيرا من الأنبياء ما نزل عليهم جبرائيل ولا ملك آخر غيره وكانوا أنبياء بالوحي الخفي كأنبياء بني إسرائيل.

وأما الوحي العام : فمشترك بين الحيوانات كالنحل والجمادات كالوحي إلى السماء والأرض. وكالوحي للإنسان كما في الإيحاء إلى أم موسى ومريم وسيّدة النساء والأئمة المعصومين عليهم‌السلام.

أمّا الإلهام فقسمان : خاصّ وعامّ أيضا :

فالخاصّ : ما كان مقتصرا على الأولياء والأوصياء وأتباعهم وتارة بواسطة : كما لو كان بصوت خارج عن الشخص يسمعه ويفهم منه المعنى المقصود ، وهذا يخصّصونه بأول حالة للأنبياء كالرؤيا وغيرها ويعدّونه من القسم الثاني من الوحي. وأخرى بغير واسطة : كما لو كان بقذف المعاني والحقائق في قلوب الأولياء من عالم الغيب دفعة أو تدريجا كشعاع الشمس عند ما تشرق على البيوت.

والعام : يكون بسبب شرعي وآخر غير شرعي.

فما كان بسبب شرعي فهو تسوية النفس وتحليتها وتهذيبها بالأخلاق المرضية والأوصاف الحميدة موافقا للشرع الحنيف. ويشهد له قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٨) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٩) (الشمس / ٨ ـ ٩) وما كان بسبب غير شرعي كالحاصل للمرتاضين والبراهمة والرهبان وغيرهم ممن روّض نفسه بأسباب غير شرعية. وللتمييز بين الإلهامين لا بدّ من ميزان يعرف به إلهام الخير من إلهام الشرّ لذا وضع العرفاء ميزانا لذلك أخذوه عن العترة الطاهرة مفاده :

أنّ كل ما يكون سببا للخير وصفاء الباطن بحيث يكون مأمون الغائلة في العاقبة ويحصل بعد توجّه تام إلى حضرة الحقّ ولذّة عظيمة مرغّبة في العبادة فهو إلهام خير أو يسمى بالخاطر الملكي. وكل ما يكون سببا إلى الشرّ وكدورة الباطن فهو إلهام شيطاني. وبما أنّ الوحي التشريعي قد انسدّ بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والوحي

١٠٨

التسديدي مخصوص بالأئمة عليهم‌السلام بقي الإلهام العام فهو بعد لم ينسدّ منذ آدم عليه‌السلام إلى زماننا هذا ، فإن قوته وظهوره في هذا الزمن أكثر من قبل ، لأنه سبحانه لمّا سدّ باب الوحي الخاصّ بكلا قسميه التشريعيّ والتسديديّ : أراد عزّ اسمه أن يفتح باب الإلهام ليتسع طريق الولاية لطفا بعباده وعناية بأحوالهم.

* * *

١٠٩

الباب الثانى والعشرون

عقيدتنا في طاعة الأئمة (عليهم‌السلام)

قال المصنّف (قدّس الله روحه) :

ونعتقد أنّ الأئمة هم أولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم ، وأنهم الشهداء على الناس ، وأنهم أبواب الله والسبيل إليه والأدلاء عليه ، وأنهم عيبة علمه وتراجمة وحيه وأركان توحيده وخزّان معرفته ، ولذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء (على حدّ تعبيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وكذلك ـ على حدّ قوله أيضا : (إن مثلهم في هذه الأمة كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى) وأنهم حسبما جاء في الكتاب المجيد : (عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى ، ونهيهم نهيه ، وطاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته ، ووليهم وليّه ، وعدوّهم عدوّه ، ولا يجوز الردّ عليهم ، والرادّ عليهم كالرادّ على الرسول والرادّ على الرسول كالرادّ على الله تعالى ، فيجب التسليم لهم والانقياد لأمرهم والأخذ بقولهم.

ولهذا نعتقد أن الأحكام الشرعية الإلهية لا تستقى إلّا من نمير مائهم ولا يصحّ أخذها إلّا منهم ، ولا تفرغ ذمة المكلّف بالرجوع إلى غيرهم ، ولا يطمئن بينه وبين الله إلى أنه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلّا من طريقهم. انهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات ، والادعاءات والمنازعات.

* * *

١١٠

ولا يهمّنا من بحث الإمامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية ، فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التاريخ ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها ، وإنما الذي يهمنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الأخذ بأحكام الله الشرعية وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به وإن في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم ولا يستضيئون بنورهم ابتعادا عن محجّة الصواب في الدّين ، ولا يطمئن المكلّف من فراغ ذمّته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى ، لأنّه مع فرض وجود الاختلاف في الآراء بين الطوائف والنّحل فيما يتعلق بالأحكام الشرعية اختلافا لا يرجى معه التوفيق ، لا يبقى للمكلف مجال أن يتخيّر ويرجع إلى أيّ مذهب شاء ورأي اختار ، بل لا بدّ له أن يفحص ويبحث حتى تحصل له الحجّة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاصّ يتيقن أنّه يتوصل به إلى أحكام الله وتفرغ به ذمّته من التكاليف المفروضة ، فإنه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمّته منها ، فإنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقينيّ.

والدليل القطعيّ دال على وجوب الرجوع إلى آل البيت وأنّهم المرجع الأصلي بعد النبي لأحكام الله المنزلة ، وعلى الأقلّ قوله عليه أفضل التحيّات : (إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا : الثقلين ، وأحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي. إلّا وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

وهذا الحديث اتّفقت الرواية عليه من طرق أهل السنّة والشيعة فدقّق النّظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه ، فما أبعد المرمى في قوله : (إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا) والذي تركه فينا هما الثقلان معا إذ جعلهما كأمر واحد ولم يكتف بالتمسّك بواحد منهما فقط ، فبهما معا لن نضلّ بعده أبدا. وما أوضح المعنى في قوله (لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) فلا يجد الهداية أبدا من فرّق بينهما ولن يتمسّك بهما معا ، فلذلك كانوا (سفينة النجاة) و (أمانا لأهل الأرض) ومن تخلّف عنهم غرق في لجج الضّلال ولم يأمن من الهلاك. وتفسير ذلك بحبّهم فقط

١١١

من دون الأخذ بأقوالهم واتّباع طريقهم هروب من الحقّ لا يلجئ إليه إلّا التعصّب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربيّ المبين.

* * *

بحث المصنّف (قدس‌سره) في نقطتين مهمتين :

الأولى : ان الأئمة عليهم‌السلام هم أولو الأمر.

الثانية : الأدلّة على عصمتهم ووجوب الرجوع إليهم.

أما النقطة الأولى :

فتتضمن التركيز على ولايتهم وطاعتهم التشريعية أمّا ولايتهم التكوينية فلم يتعرض لها المصنّف (قدس‌سره) لبداهتها عند الإمامية ، ولكونها من لوازم ولايتهم التشريعية لقربهم من المبدأ الفيّاض عزّ شأنه.

وفي النقطة الأولى نبحث في الولايتين المختصتين بهم عليهم‌السلام هما :

الأولى : الولاية التشريعية.

الثانية : الولاية التكوينية.

الولاية التشريعية :

الولاية هي الهيمنة والسلطنة والحاكمية والإتباع أو الأحق بالتصرّف من الغير ؛ فكما أن للنبي والأئمة عليهم‌السلام حقّ الطاعة على العباد ، أيضا لهم حقّ التشريع وتقنين الأحكام كما أراد الله سبحانه.

وحق طاعتهم على العباد ينقسم إلى قسمين :

الأول : نفوذ أوامرهم الشرعية الراجعة إلى التبليغ والسير إليه تعالى.

الثاني : وجوب إطاعة أوامرهم الشخصية.

أمّا الأول : فلا شك ولا شبهة في وجوب إطاعتهم في الأحكام الراجعة إلى التبليغ ، فهي قضية قياساتها معها ، إذ بعد العلم بأنّ الأحكام الإلهية لا تصل إلى كل أحد بلا واسطة ، وأنّ النبي صادق ، إنما نبئ عن الله تعالى فلا مناص من وجوب إطاعته وحرمة معصيته وجوبا شرعيا مولويا.

وأمّا الثاني : أيضا لا خلاف في وجوب إطاعة أوامرهم الشخصية التي ترجع إلى جهات شخصهم كوجوب إطاعة الولد للوالد ، مضافا إلى الإجماع وإن لم

١١٢

يكن تعبديا لاستناده إلى الأخبار والآيات التي تدلّ عليه.

ويستدل على الإطاعتين بعدّة من الآيات منها : قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (الأحزاب / ٧).

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب / ٣٧).

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (النور / ٦٤).

(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر / ٨).

(أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء / ٦٠).

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (المائدة / ٥٦).

فهذه الآيات تثبت وجوب طاعتهم وشمول ولايتهم على الأموال والأنفس حيث دلالتها على الولاية ظاهرة سواء الأمور المتعلقة بالأحكام الشرعية أم بأمورهم الشخصية لا سيما بقوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) إذ حكمهم عليهم‌السلام ولو بما يرجع إلى شخصهم تجب إطاعته والأخذ به خصوصا عند ملاحظة موردها كما ورد في تفسيرها من أن زينب بنت جحش استشارت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التزويج وأمرها الرسول بالتزويج من زيد بن حارثة ، فكرهت ذلك وقالت أؤامر نفسي فأنظر الله عزوجل قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ ...) في نفي الاختيار عنها في قبال أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسبما جعله الله تعالى له ، وهذا هو معنى الولاية والحكومة على غيره كما هو ظاهر الآيات والأخبار الدالّة على وجوب الطاعة أو حرمة المخالفة لهم مطلقة فهي بإطلاقها تقتضي العموم لكل أمر حكمي إلهي وسياسي اجتماعي أو اعتباري عرفي أو شخصي عادي ، وذلك لأجل حذف المتعلق في بعضها كقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

وأما الروايات فهي فوق حدّ الإحصاء وكذا عدّة موارد من الزيارة الجامعة

١١٣

المروية بسند صحيح عن مولانا الإمام الهادي عليه‌السلام (١) ، مضافا إلى دليل العقل بدليل أنهم من جملة المنعمين ، وشكر المنعم واجب ، فإطاعتهم واجبة لكونها من جملة الشكر الواجب.

قال المحقق الخوئي (قدس‌سره) :

لا شبهة في كونهم منعمين لكونهم واسطة في الإيجاد والإفاضة بل من أقوى المنعمين وأنّ شكرهم واجب ، وأن إنعامهم من جملة إنعام الله (٢).

وقد يقرّر الحكم العقلي بوجهين :

الأول : حكمه مستقلا بوجوب إطاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام في كل شيء لكونهم أولياء النعم إذ بيمنهم رزق الورى وببركتهم ثبتت الأرض والسماء ، فتجب إطاعتهم وتحرم مخالفتهم في كل أمر مطلقا شكرا لهذه النعمة العظمى التي هي الواسطة للنعم كلها في مقام التكوين والتشريع لأنهم علّة الإيجاد ومبدأ سلسلة الموجودات ، كما أنهم واسطة في تبليغ الأحكام وسابقة في إعلام الناس بمصالحهم ومضارهم.

الثاني : حكمه بذلك بالأولوية ، بالإضافة إلى وجوب طاعة الأب على الابن ، فإنّ الأبوة اذا اقتضت وجوب طاعته على الابن ونفوذ معاملاته وتصرفاته في مال ابنه وجواز أكله من ماله ، وكون ماله مال الأب بل نفسه مال أبيه فكانت النبوة والإمامة مقتضية لوجوب إطاعة النبي والإمام بالأولوية لكون حقهما أعظم من حقه بمراتب ، لوضوح الفرق بين آباء الأنام وبين النبي والإمام كالثرى والثريا ، فإن إحسان الآباء إلى الأولاد وبرّهم بها في مقابل البركات الواصلة إلى جميع الأنام من النبي والإمام كالقطرة في جنب البحر ، أو كالذرّة بالنسبة إلى الدرة ، فإنهم وسائط للفيوضات الكاملة والنعم الباقية الدائمة ، فما يصير علة وسببا لوجوب إطاعة الوالد على الولد يوجد في النبي والإمام أكمله وأعلاه ولهذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنا وعلي أبوا هذه الأمة».

وبهذا يعرف أنه لا خلاف في ولايتهم التشريعية على الأموال والأنفس

__________________

(١) رواها الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه : ج ٢ / ٣٧٠ ط قم ، وكذا الطوسي (قدس‌سره) في التهذيب ج ٦ / ٨٣ ط دار الأضواء.

(٢) مصباح الفقاهة : ج ٥ ص ٣٦.

١١٤

مستقلا وكونهم أولى بالتصرف في أموال الناس ورقابهم بتطليق أزواجهم وبيع أموالهم وغير ذلك من التصرفات ، ويدلّ عليه ما تقدم من الآيات كقوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإنّ الظاهر من الأولوية ، إنما هي الأولوية في التصرّف وكونهم أولياء لهم في ذلك ، وما ثبت للنبي فهو للإمام عليه‌السلام لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من كنت مولاه فهذا علي مولاه ...».

وبالجملة لا شبهة في ولايتهم واستقلالهم في التصرف بأموال الناس وأنفسهم ، وتوهّم كون السيرة على خلاف ذلك وأنّ الأئمة لم يأخذوا مال الناس بغير المعاملات المتعارفة بينهم فاسد ، وذلك من جهة أنّ غير أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن متمكنا من العمل بقوانين الإمامة بل كانوا تحت أستار التقية بل الأمير عليه‌السلام أيضا في كثير من الموارد لم يفعل ذلك لأجل المصلحة وعدم الاحتياج إلى مال الناس وإلّا فلا يكشف عدم الفعل على عدم الولاية كما لا يخفى.

فمقتضى ولايتهم التشريعية تستلزم وجوب طاعتهم المؤكدة بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

وكما قال الامام الهادي عليه‌السلام في الزيارة الجامعة المقدّسة :

«فبحق من ائتمنكم على سرّه واسترعاكم أمر خلقه وقرن طاعتكم بطاعته لما استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي فإني لكم مطيع ، من أطاعكم فقد أطاع الله ومن عصاكم فقد عصى الله ومن أحبكم فقد أحبّ الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله».

فلما ذا قرن الله سبحانه طاعتهم بطاعته؟

فعل ذلك سبحانه وكما دلّ عليه قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (النساء / ٨١) لأنه لمّا كان تعالى بائنا من خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة وكان مصير كل شيء إليه ، وجب في اللطف أن يميّز خلقه بحدودهم التي هي غيوره كما قال الإمام الرضاعليه‌السلام في خطبته : كنهه تفريق بينه وبين خلقه وغيوره (١) تحديد

__________________

(١) في نسخة عيون أخبار الإمام الرضا عليه‌السلام ج ١ / ١٣٦ باب ١١ : (وغيوره تحديد ...) وفي نسخة التوحيد ص ٣٦ (وغبوره تحديد ...) وعلى كل : فالغبور «بالباء» بمعنى البقاء ، أي بقاؤه الملازم لعدم محدوديته محدّد لما سواه. والغيور «بالياء» بمعنى المغايرة بينه وبين خلقه ، من حيث القدمية والحدوث ، فقدمه يوجب حدوث ما سواه.

١١٥

لما سواه ليعرفوه تعالى بمباينته لحدود خلقه ...» فطاعتهم هي طاعة الله تعالى في نفس الأمر بإيقاعها له تعالى بتبيينهم وتوضيحهم مشفوعة بولايتهم ومحبتهم والبراءة من أعدائهم ، ولا يلزم على الظاهر أنّ من أطاع الله فقد أطاعهم لما ورد في حديث مناقب ابن شاذان يرفعه إلى ابن مسعود أنه قال : قال رسول الله لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه الروح ، عطس فقال الحمد لله فأوحى الله تعالى حمدتني عبدي وعزتي وجلالي لو لا عباد أريد أن اخلقهم من ظهرك لما خلقتك فارفع رأسك يا آدم وانظر قال : فرفع رأسه فرأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله نبي الرحمة وعليّ أمير المؤمنين مقيم الحجة فمن عرف حقه زكى وطاب ومن أنكر حقه كفر وخاب أقسمت على نفسي بنفسي وبعزتي وجلالي أنّي أدخل الجنّة من أطاع عليّا وإن عصاني ، وأقسم بعزتي وجلالي أني أدخل النار من عصى عليّا وإن أطاعني» (١).

وهذا مروي في المتواتر معنى عند الفريقين ، فكانت طاعته تعالى في الظاهر قد لا تكون طاعة لهم ، نعم إذا أريد بالطاعة الطاعة التي هي عند الله تعالى وعندهم طاعة فهي طاعة الله الناشئة عن طاعتهم يعني على النحو الذي أطاعوا به الله عزوجل وأمروا أن يطاع به الله سبحانه وهي ما أخذت عنهم ورضوا بها طاعة لله تعالى ولا تكون إلّا بطاعتهم وإنما سميت تلك طاعة له تعالى على زعمهم أنها طاعة له وليست بطاعة بل هي معصية له ، ولهذا يدخل صاحبها النار وذلك لأنه تعالى أمر عباده بأن يأتوا البيوت من أبوابها وقد جعلهم عليهم‌السلام أبوابه وأمر عباده بأن يطيعوه بطاعتهم ، وأخبرهم بأن من أطاعني بطاعة غيرهم فقد أشرك بي ، فهم يطيعونه بطاعة أعدائهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فأخبر سبحانه عن حالهم يوم القيامة فقال : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٣) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٤)) (الأنعام / ٢٣ ـ ٢٤) ، فقال تعالى لنبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا محمد انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون.

ففي الكافي عن مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام في كلام له يعرّض بالمرجئة بعد أن تركهم ومضى عنهم ، فلمّا خرج من المسجد قال الإمام للراوي :

__________________

(١) المناقب لابن شاذان ص ١٣٨ ط دار العالم الإسلامي ، بيروت.

١١٦

يا أبا محمد والله لو أنّ إبليس سجد لله تعالى بعد المعصية والتكبّر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله تعالى ما لم يسجد لآدم عليه‌السلام كما أمره الله تعالى أن يسجد له وكذلك هذه الأمة المفتونة بعد نبيّها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن يقبل الله لهم عملا ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله من حيث أمرهم ويتولّوا الإمام الذي أمروا بولايته ويدخلوا في الباب الذي فتحه الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم.

يا أبا محمد إنّ الله افترض على أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمس فرائض : الصلاة والزكاة والصيام والحجّ وولايتنا فرخّص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة ولم يرخّص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة (١).

الولاية التكوينية :

اتّفقت الإمامية برمتها على ثبوت الولاية التكوينية للنبي والأئمة ولباقي الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، إلّا من شذّ منهم (٢) حيث نفى وجود مثل هذه الولاية لهؤلاء على الكون إلّا بمقدار ما تصل حاجة النبوة إلى ذلك أمام التحديات الموجهة إليهم ، وهو ما عبّر عنه في بعض المواضع ب «الولاية الطارئة».

وقبل بيان دليله ونقضه ، حري بنا أن نبحث في محورين :

الأول : في تحديد مفهوم الولاية.

الثاني : الأدلة على ثبوتها.

أما المحور الأول :

«الولاية» بكسر الواو وفتحها مصدر يلي ولي ، فهو معلول الطرفين ويقال له اللفيف المقرون ، حيث توسطت اللام بين حرفي العلة وهما : الواو والياء.

ولفظ الولاية التكوينية وإن لم يرد في نصّ شرعي خاص ، إلّا أنه مستفاد من عدّة آيات قرآنية تشير إلى المفهوم العام للولاية كقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ

__________________

(١) روضة الكافي ص ٢٧٠ ح ٣٩٩.

(٢) وهو السيد محمد حسين فضل الله في مقالة له تحت عنوان : صورة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن ، مجلة الثقافة الإسلامية «دمشق» عدد ٦٥ الصادر عام ١٤١٦ ه‍ ١٩٩٦ م ص ٧١ وكذا ما أشار إليه في محاضرة مسجّلة بصوته.

١١٧

وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (المائدة / ٥٦).

(هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (الكهف / ٤٥).

مضافا إلى العديد من النصوص الشريفة الدالّة على وجود ولاية للنبي والعترة على عالم العناصر والأجساد

والمتتبع لمعاجم اللغة يجد عدة معاني للفظ «الولي» يجمعها شيء واحد هو : السلطة والهيمنة على الشيء ، أو القرب والدنوّ منه.

قال ابن منظور :

«الولي» هو المتولّي لأمور العالم والخلائق القائم بها ، ومن أسمائه عزوجل الوالي وهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها ، قال ابن الأثير : وكأنّ الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل.

وقال ابن السكّيت : الولاية بالكسر السلطان.

والوليّ : من يلي أمر اليتيم ويقوم بكفايته ، ووليّ المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه ، وفي الحديث : أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل.

ورجل أولى من رجل : أي أحق الناس به من غيره (١).

من الولاية «الولي» وهو القرب والقرابة ، والملك ، والولاية هي البلاد التي يتسلّط عليها الوالي (٢).

والشيء يلي الشيء فهما متواليان : أي متعاقبان ومتتابعان يسير أحدهما خلف الآخر يتبعه ويليه.

من خلال هذا العرض الموجز لمفهوم الولي أو الولاية يفهم أنّ الولاية التكوينية تعني قدرة الولي على التسلط على الظاهرة الكونية ، وتسلّطه عليها باعتبار قربه منها ودنوّها منه ، فهو مستول عليها استيلاء تامّا على نحو الإحاطة والاستيعاب والتحكم.

__________________

(١) لسان العرب : ج ١٥ ص ٤٠٦ ـ ٤٠٧.

(٢) المنجد الأبجدي : ص ١١٦٤.

١١٨

المحور الثاني :

قد عرفت إجماع الطائفة على ثبوت الولاية التكوينية للنبي والعترة الطاهرة عليهم‌السلام ، والولاية عبارة عن تسخير المكونات أو الكائنات الإمكانية تحت إرادة أولياء الله تعالى ومشيتهم بحيث تصير في طاعتهم واختيارهم وينفذ أمرهم فيها بحول الله وقوته كما ورد في زيارة الحجة أرواحنا له الفداء «أنه ما منا شيء إلّا وأنتم له السبب» وذلك لكونهم عليهم‌السلام مظاهر أسمائه وصفاته تعالى فيكون فعلهم فعله ، وقولهم قوله ، وهذه المرتبة من الولاية مختصة بهم وكانت من مقتضيات ذواتهم النورية ونفوسهم القدسية التي لا يبلغ إلى دون مرتبتها مبلغ ولذلك ليست قابلة للإعطاء إلى غيرهم.

وهي من الواضحات عند الشيعة الإمامية بل عند بقية الفرق الإسلامية لا سيما وأنهم يرون الحديث المشهور «لولاك ـ أي لو لا محمّد ـ ما خلقت الأفلاك» لكن تشكيك السيد فضل الله فيها وفي الكثير من معتقدات الشيعة الإمامية المبتنية على الأصول والركائز الفكرية الصحيحة المستوحاة من الأدلة الثلاثة المعتبرة ـ الكتاب ـ السنة ـ العقل ، وفي مقابل هذا تبنّيه للكثير من الأفكار الأشعرية أو المبتنية على الذوق الاستحساني ، استدعانا الردّ على تشكيكاته حفظا لعقائد المؤمنين وإلّا أدّى التقاعس إلى إنكار مجمل المعتقدات الإيمانية وهذا مما لا تحمد عقباه دنيا وآخرة.

من هنا توجب علينا استنهاض الأدلة على ثبوت الولاية التكوينية وهي ثلاث :

١ ـ الدليل العقلي.

٢ ـ الدليل القرآني.

٣ ـ الدليل الروائي.

أما الدليل العقلي :

لا شك أنّ نظامنا الكوني مترابط الأجزاء بعضه مع بعض ، لا يمكنه ـ وهو المعلول بطبعه ـ أن ينفصل عن مصدر وجوده وهي العلة التي أوجدته من العدم لأنّ الذي أسبغ عليه نعمة الوجود ، لا بدّ أن يسبغ عليه نعمة البقاء والاستمرار وإلّا فهو أضعف من أن يستمر بنفسه من دون حاجة لمن أوجده أولا. فالمعلول

١١٩

دائم التعلق بعلته التي هي مصدر وجوده ، وهذا النظام الكوني مرتبط بعلته الأولى وهي الله تعالى ذو القدرة والهيمنة المطلقة والتسلّط التام على مبدأ العلة والمعلول ، لأنّ هذا الكون فيه علل ومعاليل ، وكل معلول مرتبط بعلته ، والعلة الأخيرة فيه مرتبطة بالعلة الأولى وهي القدرة الإلهية المطلقة ، مما ينفى عن مبدأ العلة والمعلول صفة الأزلية ، الأمر الذي يجعل هذا المبدأ قابلا لكل مواصفات الوجود الممكن في كونه قابلا للاختراق وليس شيئا أزليا لا يمكن اختراقه ، ولا إشكال في أنّ القدرة الإلهية هي المهيمنة على ذلك ، وقد منحها الله سبحانه للإنسان في بعض أنماط حياته حينما نراه يخرج من إسار بعض مسارات العلل ليختار مسارات أخرى كما هو الملاحظ في حركة الإنسان الاختيارية حيث نراه يختار جانب الحركة على الجاذبية ، والسرور على الحزن ، والعافية على البلاء فالإنسان باختياره لجانب على جانب آخر ، أو حالة على حالة أخرى إنما فعل ذلك بما منح من ولاية وهيمنة على تصرفاته وبعض الأشياء المحيطة به ، فهو بذا يكون قد اخترق نظام العلة والمعلول بمعنى أنه يكون قد امتلك القدرة على تغليب بعض روابط العلل على بعضها الآخر لينتخب ما يناسبه من ظواهر كونية ، لأنّ الثابت فلسفيا أن نظام العلة والمعلول ـ حتى مع حدوث خرق له كما في المعجزة وما إلى ذلك ـ لا ينتفي من الوجود ، وإنما يمكن تسليط قوانين لها صفة الهيمنة والتسلّط أكثر من فعالية العلية التي تحكم ما بين علّة ومعلول معيّنين كما هو الحال في إمكانية التخلّص من الجاذبية الأرضية ، بتسليط قانون آخر عليها كالحركة مثلا. فمن يريد أن يحصل على مادة كيمياوية معينة ككلوريد الصوديوم (الملح) مثلا يمكنه أن يجمع ما بين مادتي الكلور والصوديوم في ظروف حرارية معيّنة فتنتج له ملحا ، غير أنّ هذا الإنسان حتى وإن وضع أمامه المادتين عينهما ، ولكنه رغب في الاستفادة من المادتين لأغراض الحصول على مادة أخرى غير الملح فيجمع الصوديوم مثلا مع الكربون والأوكسجين ليستخرج منها مادة كاربونات الصوديوم مثلا ، أو جمع ما بين الأوكسجين والهيدروجين مع مادة الكلور ليحصل في ظروف كهربائية معينة على مادة حامض الهيدروليك كما ويمكنه أن يتدخل في معادلات العلية حتى أثناء تفاعل العلة والمعلول ليستحصل معلولا آخر كما لو قام بجمع الكلور مع الصوديوم وأثناء تفاعلهما أدخل معهما عنصرا ثالثا كالكالسيوم ، عندئذ يمكننا أن نشاهد مادة أخرى هي نتاج المادتين

١٢٠