الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ١

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

العربية وأساليب القرآن والإحاطة بأخبار الوحي والولاية.

ولمعرفة كون القرآن معجزة في الفصاحة والبلاغة لا بدّ من التخصّص في فنون الكلام المختلفة ، ومقارنة ما يتميّز به القرآن مع سائر أنواع الكلام الفصيح والبليغ.

ولا ينحصر الإعجاز القرآني في البلاغة والفصاحة ، بل هناك طرق عدّة ، يثبت بها إعجاز القرآن ، وما تصوره الأستاذ الحجة الشيخ السبحاني (١) (دام ظله) من أن الإعجاز القرآني منحصر في الجانب البلاغي بالدرجة الأولى ، ثم إنّ بقية العناصر مؤيدات ، هذا الكلام منقوض بالتحدي به من جميع وجوه إعجازه ، ولو كان التحدي ببلاغته وفصاحته دون سواها لم يتعدّ العرب ، مع أنّ التحدي لا يختص بالعربي دون غيره.

قد يقال :

إنّ التحدي بالنسبة إلى العرب بالمباشرة ، وبالنسبة إلى غيرهم بالتسبيب ، فالآية المباركة (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء / ٨٩) لا تنافي انحصار وجوه الإعجاز في الفصاحة والبلاغة.

والجواب :

١ ـ إنّ ظاهر التحدي في الآية المباركة يشمل جميع أفراد البشر والجن على نحو واحد ، والتفصيل بين الأفراد بالمباشرة والتسبيب خلاف الظاهر.

٢ ـ إنّ إطلاق التحدي عام يقتضي شموله لجميع الجهات من الفصاحة والبلاغة والمعارف والأحكام والمغيبات والأسرار ، ولعلّ تأثير هذه الأمور على الأفراد أعظم من جانبي البلاغة والفصاحة ، إذ ليس أكثر الناس فصحاء أو على اطلاع بجوانب الفصاحة حتى نحصر الإعجاز بالفصاحة والبلاغة ، فحصر الإعجاز أو تقييده بالعنصرين المذكورين يعدّ تقييدا من دون دليل ، فيبقى الإطلاق على حاله فيكون التحدي مطلقا ومن كل الوجوه ؛ «فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته ، وللحكيم في حكمته ، وللعالم في علمه ، وللاجتماعي في اجتماعه ، وللمقنّنين في تقنينهم ، وللسياسيين في سياستهم ، وللحكام في حكومتهم ،

__________________

(١) الإلهيات : ج ٢ ص ٢٤٤.

٥٢١

ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعا كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان» (١).

٣ ـ لو كان إعجازه بفصاحته وبلاغته فحسب لكان مات بموت أفراد تلك الفترة التي توفّر فيها أناس على جانب كبير من الفصاحة والبلاغة دون الفترات الزمنية اللاحقة ، حيث تراجع فيها حسّ البلاغة ورهافتها من صدور أكثر أبنائها.

لكن قد يقال : إنّ الإعجاز البلاغي يبقى ببقاء من يعرف خصائص اللغة العربية ولو كانوا قليلين.

... إلى هنا يتضح أن إعجاز القرآن لم يكن بمجرد الفصاحة والبلاغة ، وإن كفى ذلك في الإعجاز والحجة على دعوى الرسالة على أتم الوجوه في المعجزة وأعمّها ، لأنه سبحانه ابتدأ العرب بما يذعنون به يوم ذاك ، وتناله معرفتهم حسب ما عندهم من الأدب الذي برعوا فيه ، فتقوم الحجة عليهم وعلى غيرهم ، ويبقى سائر الإعجاز للفيلسوف والاجتماعي والسياسي المدني يأخذ منها كل منهم بمقدار حظه من الرقي (٢).

والدليل على فصاحة القرآن عند العرب ، ليس قط عجزهم عن الإتيان بمثله ، وإنما لأسلوب عرضه ، إذ ليس هو بالشعر ولا النثر ولا السجع.

وبعبارة : إنّ إعجازه البلاغي يفوق التصوّر بحيث إن بلاغته وقوة بيانه تعجز الآخرين عن الإحاطة بمعانيه الباطنية المتعددة ، فإعجازه يعتبر داخليا أي من داخل معانيه وبطونه ، وليس إعجازه خارجيا قهريا بمعنى أنّ هناك من يقدر على الإتيان بمثل آياته بالفصاحة والبلاغة ، لكنه سبحانه أعجز كلّ من أراد ذلك وصرفه عن معارضته ، ويعبّر عنه ب (الصرفة) أي أن الله تعالى صرف العرب ومنعهم عن المعارضة ، نسب هذا الرأي إلى السيد المرتضى (٣) «قدس‌سره» والنظّام.

وقد احتج السيد المرتضى على دعواه :

«إن العرب كانوا قادرين على الألفاظ المفردة والمركّبة ، وإنما منعوا عن

__________________

(١) تفسير الميزان : ج ١ ص ٦٠.

(٢) أنوار الهدى للشيخ محمد جواد البلاغي : ص ١٣٥.

(٣) رسائل المرتضى : ج ٢ ص ٣٢٤ وكشف المراد : ص ٣٨٤ وتوضيح المراد للطهراني : ص ٦٦٠.

٥٢٢

الإتيان بمثله تعجيزا لهم عمّا كانوا قادرين عليه (١).

«وقد احتمله الطوسي والعلّامة أيضا» (٢).

والجواب :

١ ـ لو كان إعجاز القرآن بالصرفة لوجد في كلام العرب السابقين مثله ، قبل أن يتحدى البشر ، ويطالبهم بالإتيان بمثل القرآن ، ولو وجد ذلك لنقل وتواتر ، لتكثّر الدواعي إلى نقله ، وإذ لم يوجد ولم ينقل كشف ذلك عن كون القرآن بنفسه إعجازا إليها ، خارجا عن طاقة البشر (٣).

٢ ـ إنّ القول بالصرفة يثبت كونه تعالى عاجزا عن الإتيان بما يفوق قدرة البشر على الإتيان بمثله ، مع أنّ قدرته تعالى فوق كل مقدور.

هذا الجواب (٤) من أفضل الأجوبة على الإطلاق في ردّ الصرفة ، لأنّ الله تعالى حينما تحدّى الجن والإنس ، تحدّاهم وهو يعلم عزّ شأنه عجزهم وقصورهم الذاتي في أن يأتوا بمثله ، مضافا إلى أن التحدي لم يكن مقتصرا على الجانب البلاغي والفصاحتي وإنما يشمل كل جوانب الغيب وأسرار الخلقة ، ففي كل آية من آيات الكتاب هناك عدة جوانب إعجازية لا يمكن للبشر أن يحيطوا بها والإلمام بمتعلقاتها.

٣ ـ لو كان العرب قادرين على معارضته ، فلما ذا اندهش الوليد بن المغيرة عند ما سمع ما ألقاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لقد سمعت من محمد كلاما لا يشبه كلام الإنس والجن ، ولما ذا ارتمى عتبة بن ربيعة مدهوشا مبهوتا ملقيا يديه وراء ظهره متكيا عليهما ، مشدّقا بفيه ، مصعوقا عند ما سمع بعض آيات القرآن من النبي.

فلو كانت فصاحة القرآن وبلاغته على نمط كلام الآخرين من فصحاء العرب وبلغائهم ، فلم اهتزوا وتأثروا بسماع بعض آياته ، ولم تكن لهم هذه الحالة في سماع شعر امرئ القيس ولا عنترة ولا غيرهما من أصحاب المعلقات (٥).

__________________

(١) شرح التجريد : ص ٣٨٥.

(٢) شرح التجريد : ص ٣٨٥ والاقتصاد : ص ٢٧٧.

(٣) البيان في تفسير القرآن للخوئي : ص ٨٣.

(٤) هذا الجواب ألهمني إياه علّام الغيوب وله المنّة والفضل.

(٥) الإلهيات : ج ٢ ص ٣٢٨.

٥٢٣

هذه بعض الردود على مسألة الصرفة المزبورة ، ومن أراد المزيد فليراجع المصادر الكلامية عند المسلمين.

وبهذا يتبيّن معنا وهن «الصرفة» بشتى أصنافها ، سواء أكانت بسلب قدرتهم على الإتيان بمثله بعد البعثة ، وإن كانوا قادرين عليه قبلها ، أم بحجب علمهم بنظم كلام مثله ، أم بقطع دواعيهم إلى ذلك ، كل هذا باطل حتى ولو كان القائلون بالصرفة من أعلام الطائفة فإنّ الحق لا يقاس ولا يعرف بالرجال «اعرف الحق تعرف أهله» «أعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا».

الوجه الثاني : علوم القرآن :

إنّ القرآن الكريم كتاب هداية ليس للمسلمين فحسب ، بل لكل من أراد السير إلى السعادة الدنيوية والأخروية ، فهو ليس كتابا مهمته الأبحاث العلمية وذكر القوانين التجريبية أو وضع أسس للإنتاج الثقافي البشري ، فلا يعتبر كتابا علميا محضا ولا خلقيا محضا ، بل هو أعمق من ذلك إذ يحاول أن يضع الإنسان متأملا متفكرا في خلق السماوات والأرض ليكون من الموقنين ، ولتسمو به هذه التأملات إلى عالم التجرّد والفضيلة للوصول إلى الواحد الأحد الفرد الصمد ، لذا ترى في بعض آياته يأتي ببعض الأمثال والقصص تكثيرا للعبرة وتأكيدا للتربية النفسية والروحية ، وهذه الأمثال تتناول الظواهر الكونية أو الأحداث الطبيعية أو زوايا تاريخية ، وهذه الأمثال يؤيدها العلم الحديث بكل اعتزاز وفخر ، ففي القرآن كل ما يريده الإنسان الطالب للحقيقة (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ، ففيه من المعارف والعلوم ما يغني عن آلاف الكتب التي تتناول شتّى العلوم والمبادي والنظم ، وهذه المعارف القرآنية باقية فيه لا يحكم عليها النسخ ولا يقضي عليها قانون التحول والتكامل ، لصحة انطباقها على صلاح الإنسان بمرور الدهر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤٢) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٣)) (فصلت / ٤٢ ـ ٤٣).

فكل ما ورد في القرآن من دساتير وقوانين سياسية واقتصادية واجتماعية وعرفانية مبتنية على أساس الفطرة وأصل التوحيد وهنا يكمن سرّ الإعجاز القرآني العظيم.

قال العلّامة الشيخ محمد جواد البلاغي (قدس‌سره) :

«إنّ إعجاز القرآن لم يكن بمجرّد الفصاحة والبلاغة ، وإن كفى ذلك في

٥٢٤

الإعجاز والحجة على دعوى الرسالة على أتمّ الوجوه في المعجز وأعمّها ، فأين أنت عن عرفانه العظيم الذي هو لباب المعقول وصفوة الحكمة ، وأين أنت عن أخلاقه التي هي روح الحياة الأدبية والاجتماعية ، وأين أنت عن قوانينه الفاضلة وشرائعه العادلة ومحلها من العدل والمدنية ، وأين أنت عن أنبائه بالغيب التي ظهر مصداقها في المستقبل وهلمّ النظر إلى أقصر سور القرآن وما عرفناه من عجائبها الباهرة. انظر إلى سورة «التوحيد» وأنوار عرفانها الحقيقي في ذلك العصر المظلم ، وانظر إلى سورة «تبّت» وأنبائها بهلكة أبي لهب وامرأته بدخول النار وظهور مصداق ذلك بموتهما على الكفر ، وحرمانهما من سعادة الإسلام الذي يجبّ ما قبله ، وانظر إلى سورة «النصر» وأنبائها بغيب النصر والفتح ، كما ظهر مصداقه بعد ذلك ـ إلى أن قال : وأين أنت عن جامعيته واستقامته في جميع ذلك من دون أن تعترضه زلّة اختلاف أو عثرة خطأ أو كبوة تناقض ، فإنّ في ذلك أعظم إعجاز يعرفه الفيلسوف والاجتماعي والسياسي المدنيّ. (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء / ٨٣) (١).

وقال في إحدى كتبه :

وقد خاض القرآن الكريم في فنون المعارف والإصلاح مما يتخصص فيه الممتازون بالرقي في أبواب الفلسفة والسياسة والخطابة والإصلاح من علم اللاهوت أو الأخلاق أو التشريع المدني والتنظيم الإداري أو الفن الحربي أو البشري والترغيب بالجزاء أو الإنذار والتهديد بالنكال أو الحجج والأمثال أو تذكرة المواعظ والعبر ، وجرى ذلك في الميادين الشريفة بأحسن أسلوب وأقوم منهج وبلغ في جميع ذلك أكرم الغايات وأعلاها في الرقي وهو يكرر بحسب الحكمة كثيرا من قصصه ومقاصده ، وفي جميع ذلك لم تشنه زلة اختلاف ولا عثرة تناقض ولا وهن اضطراب ولا سقوط حجة ، ولا فساد مضمون ولا سخافة بيان ...»(٢).

الوجه الثالث : تناسق آياته :

من أدلة إعجاز القرآن ، تناسق آياته وعدم الاختلاف فيها ، حيث إن القرآن

__________________

(١) بداية المعارف : ج ١ ص ٢٩٧ نقلا عن أنوار الهدى : ص ١٣٥.

(٢) آلاء الرحمن في تفسير القرآن : ص ١٢ الشيخ محمد جواد البلاغي.

٥٢٥

يصدّق بعضه بعضا ، ويشهد بعضه على صدق بعضه ، ويفسّر بعضه بعضا ، وهذا شاهد صدق على كونه من عند علّام الغيوب ، ولو كان من عند غير الله تعالى لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، كما يشهد له ما في التوراة والإنجيل من الخبط والتناقض والاختلاف إلى حدّ مهول مدهش (١) ؛ فنزول القرآن خلال ثلاث وعشرين سنة على قلب نبيه الأكرم مع عدم طروء أي تغيير على آيات الكتاب ، لدليل على أنه من عند الله تعالى لا من عند محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما اتهمه بعض المسيحيين ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء / ٨٣).

ويستدل على كون القرآن الكريم ليس من عند النبي محمد ولم يخطّه بيمينه ولا يمين ورقة بن نوفل ولا أحد من البشر بدليلين :

الأول : إنّ القرآن فيه الكثير من المغيبات والقضايا العلمية الكبرى التي يعجز البشر ـ مهما أوتوا من قوة العلم ـ أن يحيطوا بكنهها وحقائقها ، وليس بمقدر النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن لم يتصل بوحي السماء أن يعرفها أو يحدّث عنها ، مع كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتعلم من أحد على الإطلاق كما شهد بذلك جميع البشر من كل الأديان والأسباط.

الثاني : لو كان من عند النبي محمد لبان وظهر من خلال مقارنته مع أحاديث النبي المطهّرة ، حيث يجد اللبيب فرقا شاسعا بين أحاديثه المروية عنه ، وبين آيات الكتاب المجيد.

هذا وقد استدلّ بعضهم على إعجاز القرآن بتناسق آياته وعدم الاختلاف فيها ، لأنها من صنع الله تعالى ، وإلّا لو كانت من صنع النبي محمّد لوجدنا فيها اختلافا كثيرا نتيجة التغيرات الحاصلة في المشاعر والأحاسيس من جرّاء تغيّر الظروف الطبيعية والاجتماعية ، «فإذا افترضنا أنّ القرآن الكريم من صنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه كإنسان خاضع لكل التغيرات المذكورة ، فمع ملاحظة الظروف المتغيرة الحادّة التي شهدتها حياته ، والتي ربما كانت متضادة ومتعارضة فيما بينها تضادا وتعارضا كبيرا ، فلا بدّ وأن تظهر في كلامه اختلافات كبيرة في شكله ومحتواه ،

__________________

(١) لاحظ ما ذكره الحجة البلاغي في الهدى إلى دين المصطفى ص ١٩٦ ـ ٢٣٤ والرحلة المدرسية : ص ١٣٢ ـ ١٨٤.

٥٢٦

مع أنه لم يشاهد أيّ أثر لمثل هذه الاختلافات» (١).

لكن هذا الكلام فيه ضعف ، لأنه أراد من خلاله أن يثبت أنّ هناك تغيرا واختلافا في كلام النبي ـ مع أنه لم يشاهد أيّ أثر لمثل هذه الاختلافات ـ مما يعني أنّ القرآن حيث لا تغيّر فيه فهو من كلام الله تعالى ، فحاول أن يقرّر أن الإنسان تؤثر فيه العوامل والظروف الاجتماعية من أنّ هذا لم يؤثر في النبي وإلّا لوجدنا اضطرابا في حديثه ، فهذا الكلام ما هو إلّا اضطراب في اضطراب لأنّ قياس الإنسان العادي على محمد قياس مع الفارق ، مضافا إلى أنه ليس في كلمات محمد أي تغيّر أو اختلاف ، فقياس كلام النبي على مورد الآية غير صحيح ، وذلك لأنّ مراد قوله تعالى في الآية : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) هو الاختلاف من حيث تراكيب الجمل وصياغتها ، لا من حيث اضطرابها وتضارب بعضها مع بعض وما شابه ذلك.

إذن قياس النبي على غيره من سائر البشر الذين تؤثّر فيهم العوامل الطبيعية ولوازمها ، قياس مع الفارق ، فكان الأولى ألّا يضرب به المثل لأنه غير خاضع للمتغيرات مهما كان نوعها وشكلها.

فكما أنّ القرآن متناسقة آياته كذا كلمات النبي والعترة متناسقة يصدّق بعضها بعضا إلّا أنّ الجوهر مختلف فلا يقاس على كلام الله كلام أحد من البشر على الإطلاق.

فتناسق آيات الكتاب وعدم الاضطراب في معانيها وتراكيبها وغير ذلك ، كل هذا يشهد على صدق كونه معجزة السماء النازلة على قلب نبيه الأكرم محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أثاره بعض المشككين في بلاغة القرآن ، مردود جملة وتفصيلا وما هو إلا كبيت نسجته العنكبوت ، من هذه التشكيكات :

الشبهة الأولى :

إنّ في القرآن أمورا تنافي البلاغة لأنها تخالف القواعد العربية ، ومثل هذا لا يكون معجزا.

أجاب المحقق الخوئي (قدس‌سره) :

هذا القول باطل من وجهين :

__________________

(١) دروس في العقيدة : ص ١٢٧ محمّد تقي مصباح.

٥٢٧

الأول : إنّ القرآن نزل بين بلغاء العرب وفصحائها ، وقد تحدّاهم إلى معارضته ، ولو بالإتيان بسورة واحدة ، وذكر أنّ الخلق لا يقدرون على ذلك ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فلو كان في القرآن ما يخالف كلام العرب فإنّ هؤلاء البلغاء العارفين بأساليب اللغة ومزاياها لأخذوه حجة عليه ، ولعابوه بذلك ، واستراحوا به عن معارضته باللسان أو السنان ، ولو وقع شيء من ذلك لاحتفظ به التاريخ ، ولتواتر نقله بين أعداء الإسلام ، كيف ولم ينقل ذلك ولا بخبر واحد.

الثاني : إنّ القرآن نزل في زمان لم يكن فيه للقواعد العربية عين ولا أثر ، وإنما أخذت هذه القواعد ـ بعد ذلك ـ من استقراء كلمات العرب البلغاء تتبع تراكيبها ، والقرآن لو لم يكن وحيا إلهيا ـ كما يزعم الخصم ـ فلا ريب في أنه كلام عربي بليغ ، فيكون أحد المصادر للقواعد العربية ، ولا يكون القرآن أقلّ مرتبة من كلام البلغاء الآخرين المعاصرين لنبي الإسلام ، ومعنى هذا أنّ القاعدة العربية المستحدثة إذا خالفت القرآن كان هذا نقضا على تلك القاعدة ، لا نقدا على ما استعمله القرآن ؛ على أنّ هذا لو تمّ فإنما يتم إذا اتفقت عليه القراءات ، لأنّ هذه القراءات المعروفة إنما هي اجتهادات من القرّاء أنفسهم ، وليست متواترة عن النبي ، فلو ورد اعتراض على إحدى القراءات كان ذلك دليلا على بطلان تلك القراءة نفسها ، دون أن يمس بعظمة القرآن وكرامته (١).

وفي عبارته الأخيرة التفاتة إلى وجود بعض الأخطاء الإنشائية الواردة في القراءات لا سيما في الرسم العثماني يلاحظها كل قارئ للقرآن منها :

١ ـ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة / ١٦٤) والصحيح : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ).

٢ ـ (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة / ١٠٩) والصحيح : «علّام الغيوب».

٣ ـ (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)

__________________

(١) البيان للخوئي : ص ٨١ ـ ٨٢.

٥٢٨

(الأنعام / ٦) والصحيح : «أنباء ...».

٤ ـ (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (الأنعام / ٢٦) والصحيح : «ينأون ...».

٥ ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنعام / ٥٢) والصحيح : «بالغداة ...» والواو زائدة في الرسم بلا سبب معروف.

٦ ـ (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (الأنعام / ٩٤) والصحيح : «شركاء».

إلى ما هنالك من أخطاء في الرسم العثماني ، مضافا إلى وجود مناقضات فيه قد عرض قسما كبيرا منها العلّامة محمد هادي معرفة في كتابه التمهيد في علوم القرآن (١).

ويرجع السبب في ذلك هو أن الذين انتدبهم عثمان لكتابة المصحف كانوا غاية في رداءة الخط وجهلا بأساليب الكتابة ، ويحدّث ابن داود : أنهم بعد ما نسخ المصاحف ، رفعوا إلى عثمان مصحفا ، فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها ، ثم قال : أما لو كان المملى من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا (٢).

يبدو من هذه الرواية أنّ عثمان كان يعلم من هذيل معرفتها بأسلوب الإنشاء ذلك الوقت ، ومن ثقيف حسن كتابتها وجودة خطها ، الأمر الذي فقده في المصحف الذي رفع إليه ، ومن ثم يؤخذ عليه انتدابه الأول الذي تم من غير فحص ولا عناية.

وروى الثعلبي في تفسيره عند قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) أن عثمان قال : إنّ في المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تغيّره؟ ـ أي ألا

__________________

(١) ج ١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥.

(٢) التمهيد في علوم القرآن : ج ١ ص ٣١٦ نقلا عن المصاحف : ص ٣٢.

٥٢٩

تصححه؟ فقال : (عن تكاسل أو تساهل) دعوه فإنه لا يحلّل حراما ولا يحرّم حلالا (١).

ومع وجود هذه الأخطاء الإملائية في المصحف العثماني الموجود حاليا ، فإنّ ذلك لا يمسّ بكرامة القرآن وذلك :

أولا : القرآن في واقعه ـ هو الذي يقرأ ، لا الذي يكتب ، فلتكن الكتابة بأي أسلوب ، فإنها لا تضرّ شيئا ما دامت القراءة باقية على سلامتها الأولى التي كانت تقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحابته الأكرمين. ولا شك أن المسلمين احتفظوا على نص القرآن بلفظه المقروء صحيحا منذ الصدر الأول فإلى الآن ، وسيبقى مع الخلود في تواتر قطعي.

ثانيا : تخطئة الكتابة هي استنكار على الكتبة الأوائل ، جهلهم أو تساهلهم ، وليست قدحا في نفس الكتاب ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (٢).

ثالثا : إن وجود بعض الأخطاء مبني على القراءات غير المشهورة عند المسلمين.

الشبهة الثانية :

لا شك في وجود نسخ في القرآن الكريم ، وقد نصّ على ذلك القرآن نفسه بقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة / ١٠٧). وقوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) (النحل / ١٠٢).

فوجود آيات ناسخة وأخرى منسوخة في القرآن ، يستدعي وجود تناف وتهافت بين آياته ، وقد نفى سبحانه وجود اختلاف فيه بقوله تعالى : (... وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).

والجواب :

١ ـ إنّ النسخ ليس تناقضا في القول ، كذلك ليس من قبيل الاختلاف في النظر والحكم ، وإنما هو ناشئ من الاختلاف في المصداق من حيث قبوله

__________________

(١) نفس المصدر : ودلائل الصدق : ج ٣ ص ١٩٦.

(٢) لاحظ المزيد : التمهيد في علوم القرآن : ج ١ ص ٣١٧.

٥٣٠

انطباق الحكم يوما ما لوجود مصلحة فيه وعدم قبوله الانطباق يوما آخر لتبدّل المصلحة إلى مصلحة أخرى توجب حكما آخر (١).

٢ ـ إنّ الاختلاف الذي تنفيه الآية المستدلّ بها على عدم النسخ كما تصوره المحقق الخوئي (٢) ، هو ما إذا كان حقيقيا في ظرف الواقع ، أما إذا كان شكليا وفي ظاهر الأمر ـ كما بين الناسخ والمنسوخ ـ فلا تناقضه الآية إطلاقا.

لأنّ من شروط التناقض في القضيتين عند علماء المنطق وحدة الزمان والملاك والشرط ، فإذا تخلّف أحدها فلا تنافي ولا اختلاف ، كما في الناسخ ، ظرفه متأخر ، وملاكه مصلحة أخرى ، تبدّلت عن مصلحة سابقة كانت مستدعية لذلك الحكم المنسوخ.

«فالتنافي بين الناسخ والمنسوخ بدوي ظاهري ، ومع ملاحظة فترتي نزولهما والمناسبات المستدعية لنزول الأولى ثم الثانية ، فإنّ هذا التنافي والاختلاف يرتفع نهائيا» (٣).

الشبهة الثالثة :

ما هي الفائدة المتوخاة وراء ثبت آية في المصحف ، هي منسوخة الحكم ، لتبقى مجرّد ألفاظ يلوكها القرّاء عبر القرون؟

والجواب :

١ ـ لا تنحصر فائدة آية قرآنية في الحكم التشريعي فحسب ، بل التشريع هدف واحد من أهداف كثيرة ومتنوعة نزل لأجلها القرآن الكريم.

والشاهد عليه ، أنّ آيات الأحكام التشريعية لا تتجاوز السبعمائة آية بينما القرآن تربو آياته على ستة آلاف آية ، نزلت في شئون شتّى تجمعها هداية عامة ومعجزة خالدة تحدّى بها القرآن عبر العصور.

٢ ـ كثير من الآيات القرآنية نزلت لمناسبات خاصة وشئون ترتبط بأحداث وقتية لا تعمّ الأجيال والأعصار ، ولا أثر لها ـ فيما عدا الإعجاز والتحدي العام ـ سوى الدلالة على مراحل اجتازتها الدعوة الإسلامية ، والأحداث التي مرّت

__________________

(١) تفسير الميزان : ج ١ ص ٦٧.

(٢) تفسير البيان : ص ٢٨٧.

(٣) التمهيد : ج ٢ ص ٢٩٦.

٥٣١

عليها ، وهي من أكبر الفوائد الباقية كنصوص تاريخية ثابتة تعيّن لنا مراحل اجتازها الزمن في الغابر لتكون عبرة للحاضر والآتي.

الوجه الرابع : أخبار القرآن عن المغيّبات :

من وجوه الإعجاز القرآني إخباره عن المغيبات الكونية والأخبار المستقبلية أو الماضية في آيات عدة منها :

١ ـ إخباره عن الأنبياء السالفين وأممهم (١).

٢ ـ إخباره عن الحوادث المستقبلة (٢).

٣ ـ إخباره عن انتصار الإسلام بقيادة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف بقوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف / ١٠).

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٦) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٧)) (القصص / ٦ ـ ٧).

٤ ـ إخباره عن أسرار الخلقة ونواميس الطبيعة ، وقد أفرد لها بعض الباحثين كتبا خاصة (٣).

فالمتفحص في ما أخبر عنه القرآن من أحوال الأمم والحوادث الماضية ، يجد من نفسه أنّ المصدر الوحيد لبيان تلك الحوادث هو الوحي الإلهي المفاض على قلب نبيه الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي لم يتلقها من أحد من مثقفي عصره مهما بلغوا من الثقافة عتيا ، وليس بمقدور الجن والشياطين إخبارهم عنها لكونها محجوبة عنهم مطلقا ، ولا ينالها إلّا المتصل بوحي السماء ، وقد انحصر يوم ذاك بنبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) لاحظ الآيات التالية : هود / ٤٩ يوسف / ١٠٢ آل عمران / ٤٤ مريم / ٣٤ وغيرها من الآيات الباحثة عن أحوال الماضين.

(٢) لاحظ الآيات التالية : الروم / ٣٠٢ الفتح / ٢٧ المائدة / ٧٠ الأنفال / ٧.

(٣) العلوم الطبيعية في القرآن : الدكتور يوسف مروة.

القرآن يتجلى في عصر العلم ، الشيخ نزيه قميحا.

٥٣٢

الوجه الخامس : أميّة النبي :

ذهب جمهور العامة ، وجماعة من الإمامية إلى أنّ أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم كون النبي الأكرم أميا لا يحسن القراءة والكتابة قبل البعثة وبعدها ، مستدلين على ذلك بأنّ ما يمتلكه القرآن من معارف عظيمة ، وحقائق هامة ، تفوق قدرة البشر المتعلمين والمتخصصين ، فكيف بمن لا يعرف شيئا من الكتابة وعلوم الكلام ، فيكون القرآن بهذا أحد علائم إعجاز القرآن الكريم.

مضافا إلى ظواهر بعض الآيات والأخبار القابلة للحمل على غير الظاهر ؛ وقالوا : إنّ هدف الآيات التي تنفي التلاوة والكتابة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قلع جذور الريب والشك من قلوب المبطلين ، إذ لو كان يزاول القراءة والكتابة ، لصحّ ما قيل من أنّه عليه الصلاة والسلام كان قد حصل على أحوال الماضين ، وأقاصيص الأولين بعد سبره لغورها مما يلقي الريب في قلوب ضعفاء الناس بنبوته مفتوحا بمصرعيه (١).

لكن يرد على هذا :

إذا كان الإعجاز القرآني متوقّفا على أن ننسب إلى النبي الأمية والجهل فهذا من أوهن وأضعف الاستدلالات على المطلب ، وذلك لأنّ الأمية ليست من اللوازم الذاتية لإعجاز القرآن المشتمل على العلوم والمغيبات التي يعجز عن معرفتها فطاحل المتعلمين والعلماء والعباقرة ، فالقول بمعرفته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقراءة والكتابة لا يقدح بإعجاز القرآن كما توهمه البعض ، وأخذوه أخذ المسلّمات حتى بات القائل بمعرفة النبي لهما من الفسّاق والفجّار.

ولو كانت القراءة والكتابة كفيلتين بأن يأتي الآخرون بمثل هذا القرآن ، لما كان سبحانه قد تحدّى الجميع ، المتعلمين وغيرهم على حدّ سواء ، وليست المسألة مورد اتفاق عند المجمعين كل ما في الأمر أنّ الإجماع دالّ على أنه لم يكن يقرأ ويكتب ، لا أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة ، ويشهد له خروج جماعة عن مورد الإجماع كالمفيد والمرتضى وغيرهما ممن ينص على أن المسألة ليست عن موارد الإجماع ، مضافا إلى أنّ الإجماع مستند على ظواهر بعض الأخبار

__________________

(١) معالم النبوة : ص ٣٢٥ بتصرّف ، والبحار : ج ١٦ ص ٨٣ نقلا عن المرتضى في تنزيه الأنبياء.

٥٣٣

القابلة للتأويل.

ونحن هنا لن نسهب بالبحث في هذه المسألة لأنّ ذلك يتطلب كتابا مفردا فيها ، وإنما نستعرض ما قاله بعض أعلام الإمامية ففيه غنّى وكفاية.

قال الشيخ المفيد (قدس‌سره) (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه‍) :

[إنّ الله تعالى لمّا جعل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جامعا لخصال الكمال كلّها وخلال المناقب بأسرها لم تنقصه منزلة بتمامها ليصح له الكمال ، ويجتمع فيه الفضل والكتابة ، فضيلة من منحها فضّل ، ومن حرمها نقّص.

ومن الدليل على ذلك أنّ الله تعالى جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاكما بين الخلق في جميع ما اختلفوا فيه ، فلا بدّ أن يعلّمه الحكم في ذلك ، وقد ثبت أن أمور الخلق قد يتعلّق أكثرها بالكتابة فتثبت بها الحقوق ، وتبرأ بها الذمم وتقوم بها البيّنات وتحفظ فيها الديون ، وتحاط بها الأنساب ، وأنها فضل تشرّف المتحلّى بها على العطال منها ، وإذا صحّ أن الله جلّ اسمه قد جعل نبيّه بحيث وصفناه من الحكم والفضل ثبت أنه كان عالما بالكتابة محسنا لها.

وشيء آخر وهو أنّ النبي لو كان لا يحسن الكتابة ولا يعرفها لكان محتاجا في فهم ما تضمنته الكتب من العقود وغير ذلك إلى بعض رعيّته ، ولو جاز أن يحوجه الله في بعض ما كلّفه الحكم فيه إلى بعض رعيّته لجاز أن يحوجه في جميع ما كلّفه الحكم فيه إلى سواه وذلك مناف لصفاته ومضادّ لحكمة باعثه ، فثبت أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحسن الكتابة.

وشيء آخر وهو قول الله سبحانه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة / ٣) ، ومحال أن يعلّمهم الكتاب وهو لا يحسنه كما يستحيل أن يعلّمهم الحكمة وهو لا يعرفها ، ولا معنى لقول من قال : «إنّ الكتاب هو القرآن خاصّة» إذ اللفظ عامّ والعموم لا ينصرف عنه إلّا بدليل ، لا سيّما على قول المعتزلة وأكثر أصحاب الحديث](١).

وقال السيد المرتضى (قدس‌سره) :

في قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً

__________________

(١) أوائل المقالات : ص ١٣٥.

٥٣٤

لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت / ٤٩) الآية ، ظاهرها يقتضي نفي الكتابة والقراءة بما قبل النبوة دون ما بعدها ، ولأنّ التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة ، لأنهم إنما يرتابون في نبوته لو كان يحسنها قبل النبوة ، فأما بعدها فلا تعلّق له بالريبة ، فيجوز أن يكون تعلّمهما من جبرائيل بعد النبوة قال الشعبي وجماعة من أهل العلم : ما مات رسول الله حتى كتب وقرأ ، وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ايتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا» (١).

وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «رحمه‌الله تعالى» :

«إنّ النبي كان أميّا بمعنى أنه ما كان يقرأ ويكتب لا أنه لا يعرف القراءة والكتابة وكونه أميّا بهذا المعنى ، أي عدم تعاطيه للقراءة والكتابة عليه إجماع المسلمين ومنصوص عليه في القرآن الكريم ، بقوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) ولكن لم يثبت من الإجماع ولا من الكتاب أنه لم يكن يعرف الكتابة والقراءة بحيث يكون فاقدا لهذا الكمال ، ومن هنا تبيّن معنى كونه أنه ليس بأمي أي أنه يعرفها فهو مصيب ، لكن ليس معنى هذا أنه كان يكتب ويقرأ لأنّ ذلك مخالف لنص الآية المتقدمة.

والخلاصة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان حائزا لكمال الكتابة والقراءة من حيث الملكة والقدرة لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلزم أن يكون متصفا بجميع صفات الكمال ، بل يلزم أن يكون أكمل أهل زمانه ، ولا ريب أنّ الكتابة والقراءة كمال ، وفقدهما نقص ، ولكن مصلحة التبليغ ورعاية الإعجاز في محيطه وزمانه اقتضت حسب الحكمة أن لا يتعاطاهما تكميلا للمعجزة» (٢).

وهذا هو الحق الحقيق ، وبه يمكن الجمع بين الآيات والأخبار التي ظاهرها نسبة الأمية إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأما النقطة الثانية : وهي صيانة القرآن عن التحريف :

من معتقدات الإمامية عدم القول بتحريف القرآن ، وأنّ الموجود بأيدينا هو ما نزل على النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن قال منهم بالنقيصة فله رأيه ودليله ولكنه لا يعبّر عن الإجماع الإمامي القائل بعدم النقيصة ، ولا يحق لنا أن ننسب لمن قال

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٦ ص ١٣٥.

(٢) جنة المأوى : ص ٢٥ ـ ٢٦.

٥٣٥

بالنقيصة أنه على غير هدى كما هو صريح قول المصنف في المتن ، فإنّ لهؤلاء (١) الأعلام درجاتهم وفضلهم فلا يحق لأحد أن ينتقصهم أو يتعرّض لهم بسوء ، ما دام لكل فريق دليله يخاصم به يوم القيامة.

والتحريف بمعناه اللغوي هو : «إمالة الشيء والعدول عنه عن موضعه إلى جانب آخر».

وقد حصل هذا التحريف في أوساط الأمة الإسلامية حيث حرّفوا الكلم عن مواضعه؛ وأنت إذا تصفحت كتب التاريخ والتفسير عند علماء العامة ، وجدت الكثير من هذا التحريف في الآيات النازلة بحق آل البيت عليهم‌السلام ، وقد أشار القرآن الكريم لهذا التحريف بقوله تعالى :

(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (المائدة / ١٤).

و (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران / ٧٩).

(بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة / ٤٢).

وتحريف الكلم عن مواضعه عبارة عن : تفسيره على غير وجهه ، وتأويله بما لا يكون ظاهرا فيه ، تأويلا من غير دليل.

فالتحريف عن غير المواضع المخصوصة فيه ، يعني صرف الكلام عن معناه الحقيقي الموضوع له إلى معنى آخر بعيد عنه ، وهذا ما يسمّى بالتحريف المعنوي.

وهناك تقسيمات أخر للتحريف هي بحسب الاصطلاح على وجوه :

١ ـ تحريف لمدلول الكلام كما تقدم آنفا ويعبّر عنه ب «التفسير بالرأي»

__________________

(١) جماعة كثيرة من الإخباريين وكثير من المحدثين أمثال الكليني وعلي بن إبراهيم والطبرسي وقليل من الأصوليين منهم المحقق القمي والآخوند الخراساني وتلميذه المشكيني.

٥٣٦

المنهي عنه شرعا لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (١).

٢ ـ تحريف موضعي : بمعنى إثبات السور أو الآيات على خلاف ترتيب نزولها ، وهذا في الآيات قليل كآية التطهير والإكمال حيث وضعتا في غير المكان المناسب لهما ، لكنه في السور يشمل كل القرآن لأنّ الترتيب الموجود في القرآن حاليا هو على خلاف ترتيب النزول قطعا.

٣ ـ تحريف قراءتي : بمعنى أن تقرأ الكلمة على خلاف قراءتها المعهودة لدى جمهور المسلمين ، وهذا كأكثر اجتهادات القرّاء المبتدعة التي لا عهد لها في الصدر الأول للإسلام ، وهذا غير جائز ، وذلك لأنّ القرآن واحد نزل من عند واحد أحد كما جاء في الحديث عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة» (٢).

وما ورد عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا أعداء الله ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد (٣).

وهذا الوجه يدخل في تحريف اللهجات عند العرب ، حيث كل قبيلة يختلف لهجها عن لهج القبيلة الأخرى عند أداء الحرف أو الكلمة ، والتحريف في اللهجة ، إذ عدّ لحنا في الكلام ومخالفا لقواعد الإعراب ، فإنه غير جائز لقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (الزمر / ٢٩).

مضافا إلى أننا أمرنا بقراءة القرآن بعربية صحيحة لقول الإمام الصادق عليه‌السلام : «تعلّموا القرآن بعربيته» (٤).

ويدخل في هذا النوع من التحريف النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات ، لعدم تواتر القراءات ، ومعنى هذا أنّ القرآن المنزل إنما هو مطابق

__________________

(١) غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٠٤ رقم ١٥٤.

(٢) أصول الكافي : ج ٢ ص ٦٣٠ ح ١٢ ط. قم.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) وسائل الشيعة : ج ٤ ص ٨٦٥ ب ٣٠.

٥٣٧

لإحدى القراءات ، وأما غيرها فهو إما زيادة في القرآن وإما نقيصة فيه (١).

٤ ـ «التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن المنزل ، والتسالم على قراءة النبي إياها.

والتحريف بهذا المعنى أيضا واقع في القرآن قطعا ، فالبسملة ـ مثلا ـ مما تسالم المسلمون على أن النبي قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة ، وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنة ، فاختار جمع منهم أنها ليست من القرآن ، بل ذهبت المالكية إلى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة إلّا إذا نوى به المصلي الخروج من الخلاف ، وذهب جماعة أخرى إلى أن البسملة من القرآن ، وأما الشيعة فهم متسالمون على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبة ، إذن فالقرآن المنزل من السماء قد وقع فيه التحريف يقينا بالزيادة أو النقيصة» (٢).

٥ ـ التحريف بالزيادة بمعنى أن بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل.

والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين ، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة.

٦ ـ التحريف بالنقيصة ، بمعنى أن المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء ، فقد ضاع بعضه على الناس.

والتحريف بهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم ونفاه آخرون ، والمشهور «بين علماء الإمامية» ، بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف ، وذهب جمع من الشيعة والسنّة إلى وقوع التحريف ، قال الرافعي : ذهب جماعة من أهل الكلام ممن لا صناعة لهم إلّا الظن والتأويل ، واستخراج الأساليب الجدلية من كل حكم وكل قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء ، حملا على ما وصفوا من كيفية جمعه ، وقد نسب الطبرسي في «مجمع البيان» هذا القول إلى الحشوية من العامة ، وقد روى العامة الكثير من المرويات الدالة على وجود سقط من الآيات في القرآن منها :

__________________

(١) تفسير البيان : ص ١٩٨.

(٢) البيان للخوئي : ص ١٩٩.

٥٣٨

ما رواه ابن عباس أنّ عمر بن الخطاب قال وهو على المنبر :

«إنّ الله بعث محمّدا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها ، وعقلناها ، ووعيناها. فلذا رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال ... ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ...» (١).

ومنها : ما روي أن عمر بن الخطاب قال :

«والذي نفسي بيده لو لا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطّاب في كتاب الله لكتبت آية رجم الشيخ والشيخة هكذا :

«الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» فإنّا قد قرأناها (٢).

وقد جاء ابن الخطّاب بآية الرجم عند الجمع الأول على عهد زميله أبي بكر ، فلم تقبل منه ، وطلب زيد بن ثابت منه شاهدين بأنها آية من كتاب الله فلم يستطع عمر من إقامتهما (٣).

وقال في البرهان : إن عمر بن الخطاب قال : لو لا أنّ تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها ـ يعني آية الرجم ـ لاحظ الاتقان : ج ٢ ص ٥٥.

ومع ذلك فقد بقيت ركيزة نفسه تبوح بها بين آونة وأخرى حتى أعلن بها صريحا في أواخر حياته.

وهناك آيات أخر زعم ابن الخطاب أنها من القرآن ثم أسقطت منه هي آية الجهاد ، قال عمر لابن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا «أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة» فإنّا لا نجدها؟ قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن (٤).

__________________

(١) البيان : ص ٢٠٢ نقلا عن صحيح البخاري : ج ٨ ص ٢٦ وصحيح مسلم : ج ٥ ص ١١٦.

(٢) صيانة القرآن من التحريف : ص ١٢٥ نقلا عن تنوير الحوالك للسيوطي : ج ٣ ص ٤٢ وفتح الباري لابن حجر : ج ١٢ ص ١٢٧ والاتقان : ج ٢ ص ٥٢.

(٣) صيانة القرآن : ص ١٢٦ نقلا عن الإتقان : ج ١ ص ٥٨ ط. قم.

(٤) الدر المنثور : ج ١ ص ١٠٦ وصيانة القرآن : ص ١٢٧ والاتقان : ج ٢ ص ٥٤.

٥٣٩

وآية الفراش : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهذا حديث مروي عن النبي ظنّه ابن الخطّاب أنه آية قرآنية ، فقد ورد أنه خاطب أبي بن كعب :

أوليس كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : «إن انتفاءكم من آباءكم كفر بكم»؟ فقال : بلى ... ثم قال : أوليس كنّا نقرأ : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فيما فقدنا من كتاب الله؟ فقال أبي : بلى (١).

وروي عن حميدة بنت أبي نواس قالت :

قرأ عليّ أبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة : «إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ، وعلى الذين يصلّون الصفوف الأول» ، قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف (٢).

وروى أبو عبيدة عن نافع عن ابن عمر قال : ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله ، وما يدريه ما كله ، قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر (٣).

وعن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي مائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلّا ما هو الآن (٤).

وهناك العديد من هذه الروايات ذكرها السيوطي في «الاتقان» وغيره عن مفسّري العامة ، حيث ادّعوا أنّ القرآن ذهب منه كثير بذهاب حملته يوم اليمامة ، حيث روى ابن أبي داود عن ابن شهاب قال : بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب (٥).

هذا وقد استدلّ الإمامية على عدم التحريف بوجوه عديدة أهمها من الكتاب قوله تعالى :

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر / ١٠).

__________________

(١) الدر المنثور للسيوطي : ج ١ ص ١٠٦.

(٢) الاتقان : ج ٢ ص ٥٣ ط. دار الكتب العلمية.

(٣) نفس المصدر : ص ٥٢.

(٤) نفس المصدر : ص ٥٣.

(٥) منتخب كنز العمال بهامش المسند : ج ٢ ص ٥٠.

٥٤٠