الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ١

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

فالآية تبيّن مراتب الاختلافات الواقعة في الأحوال الجسمانية من النطفة إلى العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم اكتسائه لحما ؛ وقد أثبت الطب المتطور : أنّ الجنين بعد قطع مراحله الثلاث تبدأ مرحلة تكوين العظام قبل إنبات اللحم ، وبهذا يظهر عظمة وإعجاز القرآن الكريم وبه تظهر عظمة نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي تجلّى على قلبه آيات الله تعالى وأسراره ، وبما يظهر من كشوفات علمية تدلّل صحة ما جاء به الكتاب العزيز الذي تحدّى كل الأمم ، وإعجازه ليس منحصرا ببلاغته الأدبية ، وإنما هو جانب من جوانبه ، بل إعجازه بكشوفاته العلميّة التي تزيد المرء إيقانا بعظمة الله تعالى ومحبّة برسول الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنه معجز بدساتيره الأخلاقية والاقتصادية والسياسية وما إلى ذلك.

إذن هناك مراحل ماديّة لا بدّ أن يمرّ بها الجنين في بطن أمّه ، وتبقى آخر مرحلة تعتبر الأهم وهي إنشاؤه خلقا آخر (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ...) فالإنشاء يعني الإبداع أي أنّ خلقه في آخر مرحلة يختلف عما قبلها من المراحل مما يعني مغايرة هذه المرحلة لما سبقها ، ولا يعني هذا سوى تعلّق الروح بالبدن المادي الذي مرّ بمراحل متعددة ، مما يدل على أن الروح ليس من جنس البدن.

الآية الخامسة :

قوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (الحجر / ٣٠ وص / ٧٣).

وقوله تعالى : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) (السجدة / ١٠).

والآيتان الكريمتان تعطيان نفس المعنى هو :

أنه سبحانه ميّز بين تسوية آدم عليه‌السلام وبين نفخ الروح في جسده ، فالتسوية عبارة عن خلق البدن وتعديل المزاج والأمشاج ، فلمّا ميّز نفخ الروح المضافة إلى الذات الإلهية (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) دلّ ذلك على أن الروح جوهر شريف ليس من جنس البدن العنصري لأنه تعالى غير مادي ، وبما أنها أضيفت إلى نفسه فهي لا ريب غير مادية.

هذه بعض آيات تحدثت عن تجرّد الروح الإنسانية وأنها شيء غير البدن

١٠١

تتعلق بالبدن تعلق تدبير وتصريف.

وأما القسم الثاني :

إن نصوص السنّة النبوية المتمثلة بالعترة المطهّرة عليهم‌السلام تزخر في إثبات تجرّد الروح وأصالتها منها :

الرواية الأولى :

روي عن مولانا الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : قال : لا ينام الرجل وهو جنب ، ولا ينام إلّا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد ، فإنّ روح المؤمن ترفع إلى الله تبارك وتعالى فيقبلها (١) ويبارك عليها ، فإن كان أجلها قد حضر جعلها في كنوز رحمته ، وإن لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع أمنائه من ملائكته فيردّونها في جسدها (٢).

ودلالة المتن واضحة في كون الروح شيئا مجرّدا تختلف تماما عن المادة ، وفيه إشارة إلى ترقّيها إلى عالم الملكوت الأعلى ، ولا يراد من «رفعها» انسلاخها التام عن الجسد وإلّا لمات فورا ، وإنما المقصود الإشعاعات الخارجية عنها المنتشرة من البدن في حركة روحية نحو السماء ؛ ورد عن محمد بن القاسم النوفلي قل :

قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام :

المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها ، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا فقال : إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء ، فكلّما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق ، وكلما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام.

فقلت له : وتصعد روح المؤمن إلى السماء؟

قال عليه‌السلام : نعم.

قلت : حتى لا يبقى شيء في بدنه؟

__________________

(١) في نسخة : «يقبّلها» وليس المراد القبلة على الوجه ، بل هذا من المعاني المجازية التي يرجع فيها إلى القرائن ، فالمعنى أنه تعالى يقرّبها منه.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٣١.

١٠٢

فقال عليه‌السلام : لا ، لو خرجت كلها حتى لا يبقى منها شيء إذا لمات.

قلت : فكيف تخرج؟

فقال عليه‌السلام : أما ترى الشمس في موضعها ، وضوؤها ، وشعاعها في الأرض؟ فكذلك الروح أصلها في البدن وحركتها ممدودة (١).

وفي بعضها أن الروح تخرج من البدن ويراد منها روح العقل لا روح الحيوان ، ويشهد له ما ورد في حديث عن معاوية بن عمّار :

عن أبي جعفر عليه‌السلام ؛ قال : «إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء ، فما رأت الروح في السماء فهو الحق ، وما رأت في الهواء فهو الأضغاث» (٢) ، ومثله ما ورد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء الدنيا ، فما رأت الروح في السماء الدنيا فهو الحق» (٣).

وقد وضّح هذين الحديثين ما روي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال :

«إن المرء إذا نام فإنّ روح الحيوان باقية في البدن ، والذي يخرج منه روح العقل. فقال له عبد الغفّار الأسلمي :

يقول الله عزوجل : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى .. إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أفليس ترى الأرواح كلها تصير إليه عند منامها فيمسك ما يشاء ويرسل ما يشاء؟

فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : إنما يصير إليه أرواح العقول ، فأما أرواح الحياة فإنها في الأبدان لا يخرج إلّا بالموت ، ولكنّه إذا قضى على نفس الموت قبض الروح الذي فيه العقل ولو كانت روح الحياة خارجة لكان بدنا ملقى لا يتحرّك ، ولقد ضرب الله لهذا مثلا في كتابه في أصحاب الكهف حيث قال : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) أفلا ترى أن أرواحهم فيهم بالحركات (٤)؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٣٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٣١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٤٣.

(٤) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٤٣.

١٠٣

الرواية الثانية :

ما ورد عن منتخب البصائر عن المفضّل عن مولاي الإمام الصادق عليه‌السلام قال : مثل روح المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم يعبأ به ، ثم قال : إن الأرواح لا تمازج البدن ولا تواكله (١) ، وإنما هي كلل للبدن محيطة به (٢).

فالحديث الشريف ينصّ على تجرّد الروح بقرينة قوله عليه‌السلام : «وتمازج البدن» فلو كانت مادية لمازجته ممازجة المادة لمشابهها.

إشكال :

إنّ صدر الحديث يناقض ذيله باعتباره ينصّ على أنها داخل الجسد ؛ وذيله على أنّها محيطة به ، فما الجواب؟

أقول : حتى لو قلنا بأنها داخل الجسد ، فعند خروجها منه تبقى محيطة به إلى نزول القبر أما على القول بأنها محيطة بالبدن وخارجة عنه ، فعند الموت تترك تدبير البدن الذي يصدق معها أنها فيه لما يؤنسه أكثر الناس من أنّ الروح في البدن ، فتركها لتدبيره يعني تركها لما لها دخل فيه وفي حركته الطبيعية.

الرواية الثالثة :

ما أورده الصدوق (قدّس سره) عن مولى المؤمنين الصادق عليه‌السلام قال :

إذا قبضت الروح فهي مظلّة فوق الجسد ينظر إلى كل شيء يصنع به فإذا كفّن ووضع على السرير ، وحمل على أعناق الرجال عادت الروح إليه فدخلت فيه ، فيمد له في بصره فينظر إلى موضعه من الجنة أو من النار ، فينادي بأعلى صوته إن كان من أهل الجنة : عجّلوني عجّلوني! وإن كان من أهل النار : ردّوني ردّوني! وهو يعلم كل شيء يصنع به ويسمع الكلام (٣).

أشار الحديث إلى تجرّد النفس بعد موت الجسد ، والمقصود من التجرّد كون الروح أو الأمر المجرّد مما لا يطرأ عليه التغيّر والدثور ، وليس المراد منه «التجرّد

__________________

(١) في نسخة البصائر : «تداخله».

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٤٠.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٥٠.

١٠٤

العقلي أو البرزخي» ويقصد بهما التجرّد عن المادة وآثارها ، معنى ذلك أن للنفس باعتبار مراتبها تجرّدين :

تجرّد عقلي : وهو تجرّد النفس عن المادة وآثارها من الكم والكيف وهو حاصل للنفس عند إدراكها المفاهيم الكلية العقلية عن التصور والتصديق ، فهي في تلك المرتبة مجرّدة عن المادة (أي الثقل والجرم) وآثارها (أي الكم والكيف).

تجرّد برزخي : وهو تجرّد النفس عن نفس المادة دون آثارها وهو حاصل للنفس عند ما تدرك الصور ذات الأبعاد والألوان والكمية والكيفية الخاصة.

فالتجرّد بمعنى عدم الدثور والتلف وعدم ممازجة المادة وهو أعمّ من التجرّدين المتقدّمين.

الرواية الرابعة :

ما ورد في الأخبار المعتبرة القريبة من التواتر الدالّة على تقادم أو أسبقية خلق الأرواح على الأجساد وما ذكره صدر المتألهين من الأدلة (قدس‌سره) (على أنّ الأرواح حادثة بحدوث البدن ثم إنّ التجرّد حصل لها بعد حدوثها بالبدن) مدخول ومخدوش به ، لا يمكن ردّ تلك الروايات لأجلها ؛ هذا مضافا إلى أنه لا يمكن التغاضي والتغافل عن النصوص القرآنية الدالة على أنه سبحانه وتعالى أخذ الميثاق على بني آدم أن لا يعبدوا الشيطان ، ولا يخفى أن أخذ الميثاق عليهم إنما يكون على الأرواح لا على الأجساد من هذه الآيات قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يس / ٦١) ، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (الروم / ٣١) (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس / ٢٣).

فعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو مع أصحابه فسلّم عليه ثم قال : أمّا والله أحبك وأتولاك ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ما أنت كما قلت ، ويلك إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، عرض علينا المحبّ لنا ، فو الله ما رأيت روحك فيمن عرض علينا فأين كنت؟ فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ١٣٨.

١٠٥

وعن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

دخل عبد الرحمن بن ملجم ـ لعنه الله ـ على أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وساق الحديث إلى أن قال ـ قال عليه‌السلام :

إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فأسكنها الهواء ، فما تعارف منها هنا لك ائتلف في الدنيا ، وما تناكر منها هناك اختلف من الدنيا ، وإنّ روحي لا تعرف روحك(١).

وفي علل الشرائع : عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هاهنا ، وما تناكر منها في الميثاق اختلف هاهنا ...» (٢).

هذه الأخبار المتكثرة والتي لا يبعد تواترها المعنوي لا يمكن ردّها البتة.

فظاهر هذه المرويات أنه سبحانه خلق أرواح الآدميين بعد أرواح محمّد والعترة والأنبياء والمرسلين ، بحسب القرب المعنوي منه تعالى.

وللطبيب البارع والفيلسوف المحنّك أبي علي ابن سينا أبيات شعرية في قصيدته العينيّة الرائعة يبين فيها كيفية تعلق الروح بالبدن بعد أن كانت في الرفيع الأعلى :

هبطت إليك من المحل الأرفع

ورقاء ذات تعزّز وتمنّع

محجوبة عن كل مقلة عارف

وهي التي سفرت ولم تتبرقع

وصلت على كره إليك وربما

كرهت فراقك وهي ذات تفجع

أنفت وما ألفت فلما واصلت

ألفت مجاورة الخراب البلقع

حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها

عن ميم مركزها بذات الأجرع

علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت

بين المعالم والطلول الخضّع

تبكي إذا ذكرت عهودا بالحمى

بمدامع تهمي ولمّا تقلع

وتظل ساجعة على الدمن التي

درست بتكرار الرياح الأربع

إذا عاقها الشرك الكثيف وصدها

نقص(٣) عن الأوج الفسيح الأرفع

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ١٣٨.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ١٣٩.

(٣) وفي نسخة قفص.

١٠٦

حتى إذا قرب المسيح من الحمى

ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع

وغدت مفارقة لكل مغلّف

عنها حليف الترب غير مشيّع

سجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت

ما ليس يدرك بالعيون الهجع

وغدت تعود فوق ذروة شاهق

والعلم يرفع كل من لم يرفع

فلأي شيء أهبطت من شامخ

عال إلى قعر الحضيض الأوضع

إن كان أهبطها الإله لحكمة

طويت على الفطن اللبيب الأروع

فهبوطها إن كان ضربة لازب

لتكون سامعة لما لم تسمع

وتعود عالمة بكلّ خفية

في العالمين فخرقها لم يرقع

وهي التي قطع الزمان طريقها

حتى لقد غربت بغير المطلع

فكأنها برق تألق بالحمى

ثم انطوى فكأنه لم يلمع

أنعم برد جواب ما أنا فاحص

عنه فنار العلم ذات تشعشع(١)

فتحصّل مما ذكرنا أن عالم الأرواح قبل الأجساد ثابت في آثار أهل البيت عليهم‌السلام إجمالا ويعبّر عنه بعالم الأشباح والأظلة أيضا.

وبهذا يثبت تجرّد الروح وأصالتها وأنّها غير البدن.

النقطة الثالثة : في معرفة النفس والطرق المؤدية إليها :

إنّ معرفة النفس إحدى الطرق لمعرفة الخالق العظيم ، لأن النزوع إليه تعالى أمر فطري كامن في جبلّة الإنسان ، يشتد كلّما اشتدت عزيمته وتوجهه نحو المبدأ بحركة روحية جوهرية باتباع شريعة سيد المرسلين والأئمة المعصومين عليهم‌السلام قال تعالى :

(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف / ١٥).

(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (البقرة / ١٥٧).

(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (الحجر / ٦٦).

فالمرء مأمور «بحسب فطرته» بالتوجه والسير نحوه تعالى ، فهو دائما بسيره

__________________

(١) لاحظ مصابيح الأنوار للسيد شبّر : ج ٢ ص ٣٧٥.

١٠٧

يبحث عن الله تعالى بفطرته إلى أن تتكشف له سبحات الجلال من غير إشارة ، ولو دققنا النظر في كتابه العزيز لاهتدينا إلى هذه اللطيفة والنكتة الشريفة كما في قوله تعالى :

(فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية / ٢١ ـ ٢٢) وليس تذكير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصا بالمؤمنين ، بل هو عام يشمل الكافرين والملحدين (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (سبأ / ٢٩) ، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (الأنبياء / ١٠٨) ، فرحمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامة إلى العالمين بتذكيره لهم لما جبلوا عليه من الفطرة ، وإحياؤها في نفوسهم ، ولا يتذكر إلّا من عمل بحدود رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحدود رسالته تشمل كل جوانب الإنسانية ، وهذا التذكير هو الحقيقة التي أشار إليها مولى الموحّدين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لصاحبه كميل بن زياد النخعي حين سأله ما الحقيقة؟

قال عليه‌السلام : ما لك والحقيقة يا كميل.

فقال كميل : أولست صاحب سرّك؟

قال عليه‌السلام : بلى ، ولكن يرشح عليك ما يطفح مني.

قال كميل : أو مثلك يخيّب سائلا؟

قال عليه‌السلام : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة.

قال كميل : زدني بيانا.

قال عليه‌السلام : محو الموهوم وصحو المعلوم.

قال : زدني! قال عليه‌السلام : هتك الستر لغلبة السر.

قال : زدني.

قال عليه‌السلام : جذب الأحدية لصفة التوحيد.

قال : زدني.

قال عليه‌السلام : نور أشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره.

قال : زدني.

١٠٨

قال عليه‌السلام : أطفئ السراج فقد طلع الصبح. انتهى.

فنزول الفيض الرحماني على العالمين إنّما هو من أجل إحياء المعارف الفطرية في كوامن النفوس عبر الرسل والأولياء عليهم الصلاة وأزكى التحيات ، وفي القرآن المجيد آيات عدّة تثبت كون النزوع إليه تعالى أمرا فطريا مخزونا في جبلّة الإنسان ، ويمكن تبويبها إلى أصناف عدّة :

الصنف الأول : الآيات الصريحة بالذكرى والتذكير والمذكّر.

مادة «ذكرى» قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (الأنعام / ٩١).

(إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) (هود / ١١٥).

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق / ٣٨). مادة «تذكير» قوله تعالى : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (طه / ٣ ـ ٤).

(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (الحاقة / ١٣).

(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (المدثر / ٥٥).

مادة «مذكّر» قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (الغاشية / ٢٢).

الصنف الثاني : الآيات الدالة على طرد النسيان والغفلة عن النفس الإنسانية.

منها :

قوله تعالى : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) (الجاثية / ٣٦).

(قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) (طه / ١٢٧).

(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ) (السجدة / ١٥).

(نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة / ٦٧).

(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ) (يس / ٧٩).

ربطت الآيات الشريفة بين نسيان الإنسان للآيات التي جاءته وبين لقاء

١٠٩

الآخرة ، لأن الثاني ترشح عن الأول أي أن لقاءه (١) سبحانه يوم الآخرة مترتب على لزوم العمل بالأوامر الإلهية في الدنيا.

وسبب غفلة الإنسان عن المبدأ هو غفلته عن ذاته ونسيانه لها ، فمن أهمل نفسه بوضعها في غير الموضع الذي شرّعه الله تعالى لها ، ولم يتفكر في أصل خلقته من أين وإلى أين؟ ولم يراع أحكام الإسلام التي هي نور الحياة ، لا يمكن لهكذا فرد أن يحصل على المعرفة المطلوبة ، لأنّ من نسي خلقه نسي آخرته ، والعكس هو الصحيح ، لوجود التلازم بين معرفة النفس والمعاد ، ولوجود تلازم إنكاري بين نسيان النفس ونسيان المعاد ، مما يؤدي إلى عدم معرفته لطريق الحياة فيتخبط يمينا وشمالا فيقع في المهالك فيحرم من فيضه تعالى مما يعني الخسران والهلاك ، المعبّر عنهما بنسيان الله تعالى لعبده بقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) الحشر / ٢٠) ومعنى نسيانه لعبده تركه له وعدم نظره تعالى إليه يوم اللقاء بالرحمة والفيض وإلّا فهو عزوجل لا ينسى ما دام العبد مرتبطا بجنابه (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (مريم / ٦٥).

لأنّ الشهود المحض لا يلحقه الغفلة والنسيان ، لأن ذاته المقدّسة كلها علم وقدرة فلا يطرأ عليها شيء من السلوب المادية ؛ لأن النسيان هو زوال صورة العلم المستحيلة عليه تعالى لأنه يستلزم الجهل وهو منزّه عنه سبحانه.

إذن «نسيانه تعالى لعبيده» تركهم في غمراتهم يعمهون ، لأنهم لم يستجيبوا لله وللرسالة وإنما استجابوا لرغباتهم ومشتهياتهم (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (الأنفال / ٢٥).

فأوامر الرسول ألطاف إلهية لإحياء النفوس القابلة التي لم تطفأ جذوتها (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) (يس / ٧١).

لأنّ الفطرة السليمة هي الدعاء لتقبّل الفيض الأقدس على لسان المنذرين والربانيين ، أما المنحرفون الذين طمست فطرتهم وأصغوا إلى كلام إبليس وجنوده فإنه تعالى بعيد عنهم لأنهم سدّوا نوافذ قلوبهم عن نيل الرضوان وفيض الرحمن وإلّا فجوده مبسوط ، والبخل من جهة العبيد لضيق القابليات (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً

__________________

(١) المراد من «اللقاء» : اللقاء الروحي والقرب المعنوي لا الحسي فإنه منزّه عنه تعالى.

١١٠

فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) (الرعد / ١٨) ، أي أن لكل قوم قبلة أو طريقا يختارونه في حياتهم ، فالصالح يختار الجادة الوسطى فييسر الباري عزّ اسمه الوصول إليها والمضي فيها» ، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) (الرعد / ١٩).

أما الطالح الذي اختار جادة الضلال فإنّه سبحانه يمهّد له ويمدّه لأنه باختياره أراده وانتخبه : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) فعند ما يختار المرء جادة الصواب فإنه بذلك يرجع إلى فطرته (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).

الصنف الثالث : الآيات الدالّة على أخذ الميثاق على عبادة الله.

منها قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ...) (يس / ٦١).

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ...) (طه / ١١٦).

ويمكن حمل آدم هنا على آدم النوعي أيضا باعتبار ما عهد إليهم عزوجل ألّا يسيروا خلف الشيطان ، لكنّهم ردّوا الدعوة وانقلبوا صاغرين.

الصنف الرابع : الآيات الدالّة على رجوع الإنسان لفطرته عند الشدائد ودهم الأخطار منها :

قوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (العنكبوت / ٦٦).

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (الأنعام / ٦٤).

(فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) (الأنبياء / ٨٨).

(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (لقمان / ٣٣).

هذه الآيات بأصنافها الأربعة تشير إلى موضوع النفس المهملة عند أكثرنا ، والتي من عرفها عرف الله سبحانه بالمعرفة اليقينية لا بالرسوم والحدود المنطقية كما هو دأب أهل الظاهر الجامدين على القشور دون اللباب. فحقيقة المعرفة ليست سوى التعلق بالمبدإ والربط بالوجود المحض ، لذا لا يمكنه أن يرى حقيقته

١١١

الواقعية ولا يرى ربّه الذي ربطها به ، وربطها يعني فقرها الذاتي إليه تعالى ، فعدم وجدانه لربه سببه عدم وجدانه لنفسه (المطمئنة لا الأمارة) وجدانا حضوريا حقيقيا ، وسبب عدم الوجدان للنفس الملهمة هو الانغماس في عالم الطبيعة والمادة مما يسبّب لهم نسيان إنسانيتهم الأصيلة (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) (آل عمران / ١١٥) (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) (الحجر / ٤) فتثاقلوا إلى الأرض فأصبحوا قردة خاسئين (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) (التوبة / ٣٨) (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (البقرة / ٦٦).

والمسخ عبارة عن التجسد للملكات النفسانية على صور الحيوانات بحسب ما تنطبع عليه النفس من الصفات والملكات ، لذا قال مولى الثقلين : [الصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان وذلك ميّت الأحياء] (١).

فالمسخ في الماهية (لا في المادة) المعبّر عنه بالمسخ الملكوتي لا الملكي لأن الثاني عبارة عن مفارقة الروح من البدن الأول إلى بدن آخر تحل فيه ويعبّر عنه بالتقمص أو التناسخ وهو باطل جملة وتفصيلا. أما الأول فهو عبارة عن ظهور باطن الشخص ، وتجسّد الظاهر بما انطبع في الباطن ، أو بعبارة هو انعكاس الظاهر لما في الباطن ، لأنّ الإنسان الممسوخ الصورة والصفة قد قطع الربط الكمالي بينه وبين المبدأ وتوجه إلى القبلة التي ارتضاها لنفسه غير قبلة الروحانيين والملائكة المقدّسين ، فهبط ونزل من ذروة الإنسانية إلى حضيض البهيمية ، لأنّ واقعية كل إنسان تحددها روحه ، وبما أن نفوس بعض البشر هي روح حيوانية ، فهم حيوانات في الحقيقة إلّا أنهم بشر في الظاهر «الصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان وذلك ميّت الأحياء» ، لأنه فقد الحياة الإنسانية ، فهو ميت ، وصورته الظاهرية لا تبيّن حقيقته ، فحقيقته شيء آخر تكشف لأصحاب البصيرة واليقين.

فيتضح مما ذكرنا : أنّ المسخ تارة في الماهية وأخرى في المادة ، فالأول عليه أكثر الناس لجمودهم على الشهوات والحطام ، والثاني مخصوص ببعض الناس جرى عليهم تغيير الصورة الظاهرية إلى صورة أخرى مع بقاء الروح.

__________________

(١) نهج البلاغة للفيض : الخطبة ٨٦.

١١٢

أما الإنسان السويّ الخلق ، الذي قلبه مرآة تنعكس عليها أشعة الصفات الإلهية ، والذي هو مهبط الملائكة الروحانيين يأنسون به لمجانسته ومشاكلت لهم فهم دائما في حنين إليه لطهارة سره ، فبينهما نوع ارتباط ، لذا ورد في الحديث : «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب» ، فالقلب المشحون بالصفات الخبيثة هي في الواقع كلاب نابحة لا تدخلها الملائكة القادسة لأنه ليس من جنسها ولا على شاكلتها ، «إن الطيور على أشكالها تقع» ، فلا بدّ له من تطهير وتنظيف حتى يصلح لسكن الأرواح العلوية لتوحى (١) إليه بالمعارف والصور العلمية اليقينية كشدة الورع والخشوع واليقين وغيرها ، وما حصل لبعض أهل العلم من العلوم الحاصلة عن طريق الاستنتاج الفكري المحض من دون اتصاف بمكارم الأخلاق وتصقيل النفس بمعالي الآداب لا يسمّى عالما إلّا بنحو المجاز ، فإذا لم يحرّك العلم صاحبه نحو الملكات الفاضلة والأخلاق العالية بتخلية السّر من أدران الطبيعة فهو ميّت الأحياء ، أو كطبيب يداوي الناس وهو عليل ، ومن كان على نحو هذه الصفة فهو من العوام لا العلماء ، لأنّ العلم اليقيني يستتبعه الروح والنور وعدم الالتفات إلى غير الرب المعبود ، هذا قلّ ما نجده عند أهل الظاهر ، فما ظنوه يقينا إمّا تصديق مشوب بالشبهة أو اعتقاد جازم لم تحصل له نورانية وجلاء وظهور وضياء لكدورة قلوبهم الحاصلة من خبائث الصفات ، والسر في ذلك أنّ منشأ العلم ومناطه هو التجرّد ، فكلما ازدادت النفس تجرّدا ازدادت إيمانا واعتقادا ويقينا ، ولا ريب أنه ما لم ترتفع عن النفس أستار السيئات وحجب الخطيئات لا يحصل لها التجرد الذي هو مناط حقيقة اليقين ، فلا بدّ من مجاهدة العدو الداخلي بالتزكية والتجلية حتى تنفتح أبواب الهداية ، وتدخل بوارق النور إلى كعبة المعبود لذا ورد في الحديث «قلب المؤمن عرش الرحمن» ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ، فجهاد النفس يتفرع عنه هداية السبيل والوغول في عالم اليقين لأنّ الجهاد في سبيله ليس منحصرا بسوح الجهاد ، فكم من عدو داخلي أخطر على الإسلام من الذين يتربصون به الكيد من خارجه ، وهكذا الإنسان المؤمن ما يزال يستهويه شيطان يضلّه وعدوّ يغريه ونفس تنازعه من الداخل وهي العدوّ وقهرها هو الجهاد الأكبر «إن أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك»،

__________________

(١) المراء بالإيحاء : الإلهام والتسديد قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى).

١١٣

«رجعتم من الجهاد الأصغر وعليكم بالجهاد الأكبر ، قيل وما هو يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جهاد النفس» ، وهي النفس الأمّارة ، فإذا قهرت الأمّارة تحت سطوة العقل العملي وانقادت تحت بوارق الأنوار الشرعية والرياضات النفسية تجلّت لها عوالم الغيب من وراء الحجب.

فالطريق المتعين للمعرفة الحضورية هي أن يصفّي القلب عن حطام الطبيعة وكل حجاب ، لأنّ الاشتغال بمشتهيات النفس وحطام هذا الأدنى يوجب مزيد التعلّق بالدنيا مما يوجب حبّها وتعلّق الهمة بها ، فيشغل ذلك حيّز القلب فلا تصفى مرآته لينعكس فيها جمال الحق المتعال لكي تحصل المعرفة المطلوبة ، لذا فالأمر يدور مدار تنقية القلب ، فمن رام طريقا غيره هلك ، من هنا اهتمّ بشأنه السفراء عليهم أفضل التحيات ومن بعدهم أهل الخير من العرفاء والصلحاء ، وذكروا طرقا تؤدّي إلى إحياء هذه الفطرة منها :

التوبة والمراقبة والمحاسبة ، والصمت ، والجوع ، والخلوة للعبادة والسهر في الطاعة كالتهجد والذكر والفكر ، كل ذلك مما يورث انقطاع النفس إلى باريها وتوجهها إلى محييها.

إلى هنا انتهينا من بيان الطريق الأول على إثبات وجوده تعالى ، أما الطريق الثاني فبما يلي.

الإدراك العقلي :

تكلمنا فيما سبق عن أهمية الإدراك الفطري المركوز في جبلّة كل إنسان ، هذا الإدراك يؤكّد بالعبادات المشروعة ، إذ كلما ازدادت النفس تزكية وصفاء كان هذا الإدراك فيها آكد وأتم ، وكلّما ازدادت فسقا وانحرافا كان هذه الإدراك فيها ضعيفا ، وربما أدّى إلى الانعدام نتيجة التوغل في الفسق والفجور ، وللرسل والأئمة عليهم‌السلام سهم وافر في ازدياد هذا الإدراك وتقويته ، قال مولى الموحّدين : «واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم ، لمّا بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقّه ، واتخذوا الأنداد معه ، واجتالتهم الشياطين عن معرفته واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسيّ نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم الآيات المقدّرة من سقف فوقهم مرفوع ، ومهاد تحتهم موضوع ، ومعايش تحييهم وآجال تفنيهم وأوصاب تهرمهم

١١٤

وأحداث تتابع عليهم ، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل أو كتاب منزل أو حجة لازمة أو محجة قائمة : رسل لا تقصّر بهم قلة عددهم ولا كثرة المكذّبين لهم : من سابق سمّي له من بعده أو غابر عرّفه من قبله ، على ذلك نسلت القرون ومضت الدهور وسلفت الآباء وخلفت الأبناء» (١).

وهناك طريق آخر للوصول إليه سبحانه أكثر تعقيدا من الطريق الأول وهو التعرّف إليه سبحانه عبر الاستدلالات الفكرية المنطقية والفلسفية توصله إلى المطلوب ، ويختلف هذا عن سابقه. إنّ الطريق الأول مخصوص بمن لم يدخل الشك إلى قلبه وإنما يريد تقوية اعتقاده بربه تقدّست أسماؤه (وكرم صنائعه وفعاله) ، أما الطريق الثاني فهو خاص بمن داخل الشك أعماق قلبه ، فلا بدّ معه من دواء فكري به يعالج مرضه النفسي ، وهذا يتكفّل به الإدراك العقلي الذي هو بمثابة جسر حديدي للعبور إلى ضفة الأمان ، بعكس الأول الذي هو عبارة عن جسور بسيطة توصله إلى مبتغاه.

ومن هذا المنطلق كثرت الأدلة والبراهين لإثبات وجوده تعالى وإن كان عزّ اسمه لا يحتاج إلى دليل يدلّ عليه وهو عين : ما قاله مولاي أبو الأحرار الإمام الحسين عليه‌السلام في دعاء عرفة :

«كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيبا» ، فمعرفته عزوجل من أوضح الأشياء ، لكن ليس عند كل البشر ، وإنما عند من فني في صفاته وتدكدكت إنيته أمام عظمته تعالى الذي سرى حبّه عند المخلصين فتجلّى اسمه على أرواحهم كتجلي النور على جبل الطور فصعق موسى عليه‌السلام ، فكذا تصعق نفوس المخلصين الكاملين حينما تتجلى عليها أنوار المحبة ومشكاة النور فتغيب عن إنيّتها لتصحى به.

ومن هنا قال «توماس كارليل» الذي اقتبس مقالته من مشكاة الولاية : [إن الذين يريدون إثبات وجود الله تعالى بالبرهان والدليل ما هو إلّا كالذي يريد

__________________

(١) الدليل على موضوعات النهج : ص ٢٠١ ، والمراد من «ولده» أي آدم ، ولاحظ شرح النهج محمد عبده : ج ١ ص ١٧.

١١٥

الاستدلال على وجود الشمس الساطعة الوهّاجة بالفانوس] (١).

لذا لم يستدلّ العلّامة المظفر (قدس‌سره) على وجوده تعالى بدليل العرفاء هذا ولا بدليل الفطرة ، وإنما استدلّ على وجوده تعالى بالعقل ، والحكمة فيه : أنّ الناس قد حجبت المعاصي نور الفطرة من قلوبهم ، ومات وهج اليقين في صدورهم ، فهم بحاجة إلى ما يوقظ ضمائرهم ويحيي ما انطفأ في سرائرهم نتيجة ما جنته أيديهم جزاء بما كسبوا وليس الله بظلّام للعبيد ، (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ).

وما هو إلّا العقل ومدركاته حيث به ـ عند فقدان الطريق الأول ـ يمكن الخلاص من ظلمات الشك والحيرة والضلال ؛ لذا قامت الدراسات الفلسفية على تأسيس براهين لإثبات وجوده عزوجل منها :

الأول : برهان الإمكان :

والمراد «بالإمكان» الشيء الموجود الذي اقتضت ذاته الوجود أو العدم ، أي ما كان قابلا لهذه القسمة.

ويقابله واجب الوجود أي الواجب لذاته ومن وجوده نابع من ذاته لا من شيء آخر.

وهذا التقسيم الثنائي للموجود هو ما اصطلح عليه في علم الكلام بلا خلاف بينهم ، حيث يعدّون :

كل معقول أو متصوّر في عالم الذهن أو التصور إذا نسبنا إليه الوجود الخارجي فإما أن يصح اتصافه به لذاته أو لا؟

فإن لم يصحّ اتّصافه به لذاته (لعدم قابلية تحققه في عالم الخارج) فهو ممتنع الوجود لذاته كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ، ووجود المعلول بلا علة توجده. وإن صحّ اتّصافه به فإما أن يجب اتصافه به لذاته أو لا؟

فالأول : هو الواجب لذاته أي الله تعالى واجب الوجود بنفسه لا بشيء آخر.

والثاني : هو ممكن الوجود لذاته لا لغيره أي دائما الممكن وجوده لنفسه ، ومن غيره بحيث لا يمكنه أن يوجد نفسه بل بحاجة إلى من يوجده.

__________________

(١) گلشن راز (فارسي) : ص ٥١.

١١٦

وزبدة المخض :

أنّ المتحقق في عالم الخارج شيئان لا ثالث لهما :

واجب الوجود بذاته وهو الخالق والبارئ العظيم والمصوّر الحكيم.

وممكن الوجود وهو ما عداه سبحانه على الإطلاق.

فالأول : واجب بنفسه من دون أن توجده جهة أخرى وإلّا لتسلسل ، والتسلسل باطل بحكم ضرورة العقل.

والثاني : لا بدّ أن توجده جهة أخرى وإلّا فلا يصح أن يوجد نفسه بنفسه بل لا يمكنه ذلك أصلا ، ولا يمكن أيضا لممكن آخر مثله أن يوجده لاقتضاء ذلك الدور والتسلسل وهما باطلان بحكم العقل ؛ مثال الدور : أن الأول متوقف على الثاني ، والثاني متوقف على الأول.

مثال التسلسل : أن الأول متوقف على الثاني ، والثاني على الثالث ، وهو متوقف على رابع إلى ما لا نهاية. نعم يمكن أن يتوقف التسلسل كما لو توقف الأخير على جهة معيّنة لا يمكن أن تتوقف هي بنفسها على غيرها لعلة فيها تستوجب أن تكون علة لا معلولا ، وبذلك تنتهي سلسلة الموجودات إلى علة العلل وهي الخالق العظيم عزّ ذكره وعلا مجده.

أقسام الإمكان :

ينقسم إلى قسمين :

ماهوي ؛ وآخر وجودي.

فالإمكان الماهوي : المشتق من قيد «الماهية» وهي الذات أو الحقيقة القابلة للاتصاف بالوجود والعدم ، بمعنى استواء الذات إلى الوجود والعدم بحيث يحتاج ترجّح الوجود على العدم إلى سبب خارجي.

الإمكان الوجودي : ما اتّصف به الممكن بالفقر والتعلق بموجده وليس له استقلال في استمراره وبقائه بل هو دائما مرتبط بموجده بعد إيجاده ومفتقر إليه بعده كما كان مفتقرا إليه قبل التحقق والإيجاد ، وهذا ما يعبرون عنه بالتعلق الاستمراري للمعلول بعد إيجاده ، فهو بحاجة للعلة استمرارا كما أنه بحاجة إليها ابتداء.

فهذه الممكنات والموجودات المحدودة روابط صرفة بغيرها لأن ذواتها

١١٧

متعلقة بموجدها كتعلق الأضواء والشروق بذيها ، فهي منعدمة بانسداد روازنها ، بمعنى أن انسدادها يساوي إعدامها تماما كسدّ الروزن في الحيطان المانعة لدخول الشمس للغرفة ، فإنّ انسدادها يعني اعداما للشمس من الدخول إليها ، وهكذا فإنّ هذه الممكنات فقيرة بذاتها إلى من أعطاها الوجود فهي دائمة الارتباط به (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر / ١٦ /).

الثاني : برهان العلّة والمعلول :

مفاده : أنه من المعلوم أنّ الماهية في ذاتها ممكنة تستوي نسبتها كما تقدم إلى الوجود والعدم ، وترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى مرجّح به يفيض الوجود أو يسلبه عنها ، فرجحان أحد الجانبين محتاج إلى غيره ، وكذا حاجة الماهية في رجحان عدمها محتاج إلى الغير ، وهذا الاحتياج نوع تجوّز ومسامحة أي أنّ عدم الماهية يحتاج في عدم تحققه إلى العلة مسامحة في التعبير ، وذلك لأنّ عدم الممكن يكفيه عدم علة الوجود ، فالوجود هو المحتاج إلى العلة ، وأما العدم فيكفيه عدم علة الوجود.

وبعبارة أخرى : [علة العدم هي علة عدم الوجود] وهذه العلّة التي تفيض الوجود على الماهية دائما تكون أمرا وجوديا ، فالعدم لا علة له لأن العدم لا شيئية له ، فهو بطلان محض فلا يكون علة.

وهنا لا شك في أن الموجودات الخارجية كلها معاليل للعلة الموجدة المطلقة ، وهذه الماهيات بدورها محتاجة إلى العلّة لأنّ ممكن الوجود لا يوجد بذاته لفقران ذاته واحتياجها ، وفاقد الوجود كيف يمكنه أن يخلق الوجود ، «فاقد الشيء لا يعطيه» ، فلا بدّ أن يكون وجوده منوطا بتحقق موجود آخر هو علة له لا تتصف بصفات الإمكان وإلّا لاحتاجت إلى من يوجدها ، فثبت أنّ العلة الأولى أو المطلقة التي أوجدت هذه الماهيات لا علة لها لأنه لو فرضنا وجود علة لها لجوّزنا العدم عليها ، لأنه قبل إفاضة العلة الثانية الحياة عليها كانت العلة المفاضة معدومة ، فلا بدّ أن تكون العلة المطلقة مفيضة لا مفاضة.

إضافة إلى خلوّ المعاليل [الموجودات] من صفات الواجب ومنها أنه لا يشوبه نقص وعدم وتركيب عقلي أو خارجي ، وغير متقيّد بقيد أو محدود بحدّ بل هو عين الكمال والوجود وبسيط الحقيقة من جميع الجهات ؛ وهذه الصفات المذكورة لم تتصف بها المخلوقات الخارجية لمحدوديتها وتركيبها وتقيدها

١١٨

بأسباب وشروط.

علاوة لذلك : أن المعلول إذا لم يحتج العلة لزم الخلف (أي عدم كونه معلولا) وهو محال وذلك لأنّ معنى المعلول أنّ جهة ما أوجدته ، ففرض عدم احتياجه للعلة يعني أنه وجد بذاته وهذا خلاف الفرض من كونه معلولا لجهة أخرى ، فبوجود المعلول الذي كان فاقدا للحياة من قبل نستدل على وجود العلة المطلقة وهو ما يعبّر عنه بالبرهان الإني أي الاستدلال بوجود المعلول على وجود العلة ، وقد يعبّر عنه ببرهان دلالة الأثر على وجود المؤثّر.

مفاد البرهان : أن وجود هذا الكون الفسيح بكل ذرّاته ومجرّاته ، جزئياته وكلياته ، دليل وجود موجد له من العدم ، وإلّا فالعدم لا يبدع نفسه ، فالمادة العمياء الصمّاء لا يمكنها أن توجد النور والحياة ؛ من هنا أشار ذاك الرجل البدوي الموحّد حينما سئل عن الدليل على الخالق قال :

[البعرة تدلّ على البعير ، وأثر الأقدام يدل على المسير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، لا يدلّان على العلي القدير؟].

ويفرّع على برهان الأثر ، برهان النظم الدالّ على وجود المنظّم الحكيم لهذا الكون الدقيق إذ لا يمكن للمادة العمياء أن تخلق الإبداع والدقة والإحكام ، ففاقد الكمال كيف يعطيه للآخرين؟!

فببرهان النظم يستدل على وجود الصانع الحكيم البديع.

هذان البرهانان أهم البراهين الفلسفية الدالة على وجود الباري ومن أراد المزيد عليه أن يستزيد من كتب القوم المعدّة لذلك.

انتهينا من بيان الطريقين على إثبات وجوده تعالى ثم نشرع في بيان الأمر الأول من هذا الفصل المتضمن إثبات وجوده تعالى بالصفات الثبوتية ونفي الصفات السلبية عنه تعالى.

تمهيد :

قبل بيان الصفتين [الثبوتية والسلبية] لا بدّ من إيضاح الغاية من ذكر الصفات.

نقول : إنّ غاية ما تقتضيه الأدلة المتقدمة على إثبات وجوده عزوجل هي الإشارة إلى أنه «واجب الوجود» لا وجوب لغيره بل ما عداه رشح من فيضه

١١٩

الأقدس ، ولمعان من نوره الأبهر ، وهذا يكفي للتعرّف عليه أكثر ، بل لا بدّ من إضافة براهين أخرى تثبت له أحوالا وصفات يمكن من خلالها التطلّع إلى جمال نوره ، بها تميّزه عن مخلوقاته ، وإلّا فإنّ مجرّد إثبات أنه واجب الوجود غير كاف في إثبات صفاته ، إذ من الممكن أن يعتقد البعض أنّ المادة أو الطاقة ـ مثلا ـ يمكن أن تكون مصداقا لواجب الوجود أو أنه تعالى اتحد بغيره أو بالعكس ، كما يتوهمه اليهود والنصارى والحلوليون ، فدفعا لتلك التوهمات كان من الضروري أن يبحث علماء الكلام والفلسفة الإسلامية في مسألة نفي الصفات السلبية عنه تعالى التي من خلالها يمكن تنزيه الباري عزوجل من كل صفة نقص وفقر وشين إلى غير ذلك من الصفات التي يجلّ ويتنزّه عنها العليم الحكيم ، وكذا كان من الضروري البحث في مسألة أخرى لا تقلّ أهمية عن الأولى وهي الصفات الثبوتية التي من خلالها تثبت له عزوجل كل صفة كمال وجمال من علم وحياة وقدرة الخ ..

ومن خلال البحث في صفاته تعالى تتعمّق معرفتنا به وتتوثّق الروابط الروحية بيننا وبين سفرائه عليهم‌السلام الذين هم المرآة الحقيقية لعكس الصفات الإلهية على قوابل الأفراد ، أضف إلى ذلك أننا نكون قد مهّدنا الأرضية لإثبات سائر المعتقدات الحقة والمعارف اليقينية.

وهذه الصفات على قسمين :

القسم الأول : الصفات الثبوتية.

القسم الثاني : الصفات السلبية.

أما الصفات الثبوتية :

هي الأحوال أو الصفات التي لا تنفكّ عن الذات الإلهية المقدّسة ولا يمكن إزالتها عنها ، فهي ثابتة بثبوت عين الذات ، وثبوت الذات عين ثبوت الوصف ؛ ويعبّر عنها بصفات الجمال والكمال ، المثبتة للكمال في ذات الموصوف والتي تشير إلى واقعية في ذاته عزوجل كالعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة ..

ويتفرّع عنها صفات فعلية وهي :

صفات يمكن انفكاكها عن الذات في مقام الفعل ، حيث تتجدد وتوجد بعد عدمها ، وهي حادثة ومتأخرة عن الذات تشير إلى كمال في فعل الموصوف كالرازقية والخالقية ...

١٢٠