الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


المحقق: اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-154-8
الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

١٢٠

فلسفة العذاب الدائم

سؤال : من الإشكالات التي أُثيرت حول الخلود في النار أو العذاب الدائم الإشكال التالي : انّ من المقرر بين المقننين انّ الجزاء لا بدّ أن يتوازن مع مقدار الجريمة ، ونحن إذا لاحظنا الذنوب أو الجرائم التي يرتكبها الإنسان في الحياة الدنيا نجد انّه لا توجد تلك الموازنة بينها وبين العقاب الأُخروي ، فما هو الطريق لحلّ هذا الإشكال المطروح؟

الجواب : لا ريب أنّ ذلك من الإشكالات المطروحة في هذا المجال والتي تتعلّق بخلود الكافرين في النار ، وأنّه لا بدّ من الموازنة بين المعصية والجزاء ، وهذه القضية من القضايا التي لفتت انتباه العقلاء دائماً وخاصة رجال القانون الجزائي.

ولكن يمكن الإجابة عن الإشكال المذكور بصور مختلفة ، وهي :

١. انّ هذا الإشكال يرد لو كان الجزاء أمراً جعلياً ، فلا ريب أنّ قوانين العقلاء ورجال القانون ترى أنّه لا بدّ من الموازنة بين الجرم وجزائه ، فللسرقة جزاء يناسبها ، وللشتم جزاء يناسبه ، وللقتل جزاء يناسبه ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الجزاء خارجاً عن تلك الموازنة ، فدائماً توجد موازنة بين الجرم والجزاء.

ومن هنا نرى أنّ بعض المقننين يرون أنّ بعض تلك العقوبات متناسبة مع حجم الجرم وبعضها الآخر غير متناسب وتوجد بينهما فاصلة كبيرة.

٣٨١

وأمّا إذا ذهبنا إلى أنّ الجزاء ليس أمراً اعتبارياً جعلياً وإنّما هو أمر تكويني ملازم لوجود الجرم بمعنى انّه توجد رابطة تكوينية بين الجرم وجزائه ، وانّ الجزاء تجسيم للذنب المقترف أو الجرم المرتكب ، فحينئذٍ تنتفي الموازنة المذكورة ، إذ يمكن أن يورث العمل في نفس المجرم هيئة لا تفارقه أبداً ، فتكون الظلمة الناشئة من الشرك بالله والتمرّد على أوامره حالة ثابتة تلازم الإنسان دائماً وتنسجم بصورة عينية في العالم الأُخروي ، وحينئذٍ تتّصف بصفة الديمومة والخلود والعذاب الدائم.

٢. انّنا لا نسلّم انّ العلاقة بين الخطأ والجزاء علاقة جعلية وعقدية وقابلة للزيادة والنقصان ، بل أنّنا نرى وفي الحياة الدنيا قد تكون نتيجة الخطأ لا تنسجم ولا تتوازن مع الخطأ المرتكب ، فنجد انّ الخطأ يقع في لحظة واحدة ولكن عقابه دائم ، فعلى سبيل المثال لو أقدم إنسان ما على الانتحار ـ لأي سبب كان ـ فقد ارتكب جرماً آنياً ، ولكنّه في نفس الوقت خلّف جزاءً غير متناه وهو فقد الحياة إلى الأبد ، أو أنّ هذا الإنسان أقدم على إذهاب بصره من خلال اقتراف عمل لا يتجاوز عدّة ثوان ، إلّا أنّ هذا العمل السريع جداً يستتبع نتيجة دائمة وهي فقد البصر مدى الحياة.

وبالطبع انّ ذلك ليس قاعدة دائمة في جميع الأفعال ، إذ بعض الأفعال يكون جزاؤها موقتاً جداً ولا يتجاوز الدقائق المحدودة.

فمثلاً من يتذوّق الطعام المرّ فانّه يشعر بالألم والمرارة نتيجة ذلك العمل به ، ولكنّه في الواقع شعور مؤقت يزول بعد دقائق.

من هنا نعلم أنّ العلاقة بين الجزاء والعمل تكون على نحوين :

١. علاقة توليدية أبدية.

٣٨٢

٢. علاقة توليدية مؤقتة.

ومن هنا يبحث عن العلاقة بين الجرم والعذاب الأُخروي حيث نقول : إنّ الكفر والشرك هو من قبيل الذنوب التي تكون نتيجتها دائمة وإن كان الجرم موقتاً ، وذلك لأنّ نفس هذا العمل هو المولد والموجد للنتيجة ، وليست النتيجة ناشئة من الاعتبار والجعل والتقنين ، ولقد أشارت الآيات والروايات إلى هذه الحقيقة حيث اعتبرت الدنيا مزرعة للآخرة ، فقد ورد عن الرسول الأكرم أنّه قال : «الدُّنْيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ».

وورد هذا المعنى عن علي عليه‌السلام إذ قال : «الْعَمَلُ الصّالِحُ حَرْثُ الآخِرَةِ». (١)

كذلك ورد هذا المعنى في القرآن الكريم حيث قال سبحانه :

(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ...). (٢)

٣. هناك قاعدة منطقية وفلسفية معروفة تقول :

«ذاتي الشيء لا يختلف ولا يتخلف» بمعنى أنّه لا يمكن إزالته من مكانه بصورة كلّية ، وحينئذٍ فإنّ الإنسان كما أنّه خلق مقترناً بسلسلة من الصفات والخواص الذاتية التي لا تنفك عنه أبداً ، فمن الممكن أن يكون الكفر والشرك الدائم ـ وخاصة العمدي منه ـ كالخصلة والسجيّة الثانوية والدائمة للإنسان بحيث تصبح من ذاتياته بنحو «لا يختلف ولا يتخلّف» وبالنتيجة تكون سبباً للعذاب الدائم (٣). (٤)

__________________

(١). نهج البلاغة : الخطبة ٢٣ ، طبع صبحي الصالح.

(٢). الشورى : ٢٠.

(٣). يقول الحكيم السبزواري في حاشيته على الأسفار : وما يقول المصنّف انّ القسر لا يدوم وانّ الطوارئ والعوارض تزول ، فجوابه : انّه ليس قسراً ولا عروضاً ، بل تصير الكيفية الظلمانية ، جوهرية والعرضية السيّئة ذاتية ، فإنّ الفطرة الإنسانية ذاتية لا تزول والفطرة الثانية أيضاً ذاتية ، إذا صارت ملكة جوهرية ، إذ العادة طبيعة ثانوية. (الأسفار : ٩ / ٣٤٧).

(٤). منشور جاويد : ٩ / ٤٠٣ ـ ٤٠٥.

٣٨٣

١٢١

هدف الجزاء الأُخروي

سؤال : لكلّ عمل يصدر من العاقل الحكيم هدف معيّن ، فما هو الهدف من الجزاء الأُخروي؟ ولما ذا يعاقب الله الإنسان العاصي يوم القيامة؟

الجواب : إذا كان الهدف من المعاد هو إثابة المحسنين والصالحين ومعاقبة المجرمين والعاصين. وبعبارة أُخرى : الهدف أن يصل كلّ منهما إلى نيل جزاء عمله ، فحينئذٍ يطرح السؤال المذكور : ما هو الهدف من وراء ذلك العمل ، ولما ذا يعاقب الله المجرمين؟

وفي مقام الإجابة عن التساؤل المذكور يمكن الإشارة إلى ثلاث نقاط باعتبارها الهدف من معاقبة المجرمين :

١. تشفّي وتسكين الآلام

ممّا لا شكّ فيه انّ الذي يتعرّض للأذى أو توجّه إليه الإساءة أو يهضم حقّه في الحياة الدنيا أو يقتل ، تخلق تلك الأفعال حالة من الألم والمضض في نفسه أو في نفوس ذويه وأحبته ، ولم تهدأ تلك الحرقة ولا تزول تلك المرارة إلّا إذا رأى هو أو

٣٨٤

رأى ذووه من عرّضه لذلك الألم والمرارة أو القتل قد نال جزاءه العادل.

٢. تربية المجرمين

إنّ الهدف من بعض العقوبات هو إعادة تأهيل وتربية المجرمين ، فعلى سبيل المثال تقوم الحكومة بحجز المخطئين أو الأحداث الذين يقومون باقتراف بعض الجرائم في سجون خاصة من أجل إعادة تأهيلهم وتربيتهم عن طريق تعريضهم لظروف جديدة وضغوط خاصة تردعهم عمّا اقترفوه من الجرائم.

٣. ليكون المجرم عبرة للآخرين

الهدف الثالث من العقاب بالإضافة إلى تربية المجرم وتأديبه وإعادة تأهيله في المجتمع ، هو أنّه حينما يعرض للعقاب أمام الملأ العام ، يكون في ذلك عبرة للآخرين للاتّعاظ وعدم الإقدام على الخطأ أو الجرم الذي أقدم عليه.

هذه هي بعض الأهداف من العقاب في الدنيا ، وحينئذٍ يطرح السؤال التالي : ما هو الهدف من العقاب الأُخروي؟ فإذا كان الهدف هو تسكين الآلام ، فالله سبحانه وتعالى أسمى من أن يتّصف بتلك الإحساسات المادية اتجاه مَن يعصيه أو يتمرّد على أوامره ونواهيه.

وإذا كان الهدف هو تربية المجرمين وتنبيههم إلى فداحة الخطأ الذي اقترفوه ، فلا شكّ انّ هذا الاحتمال أيضاً فيه مناقشة ، لأنّ مجال التنبيه والتربية هو عالم الدنيا لا الآخرة.

وأمّا إذا كان الهدف هو اعتبار الآخرين بما ناله المجرمون من العقاب ، فهذا أيضاً لا معنى له ، وذلك لأنّه لا معنى للاعتبار والاتّعاظ في عالم الآخرة ، وذلك لأنّ الحياة قد انتهت وقامت القيامة ولم يبق مجال حينئذٍ للاتّعاظ والاعتبار ونال

٣٨٥

كلّ إنسان جزاء عمله صالحاً كان أم طالحاً.

وللإجابة عن ذلك نقول :

أوّلاً : انّ الإشكال يرد على القول بأنّ المعاد أمر ممكن وليس أمراً ضرورياً ، إذ حينئذٍ يطرح الإشكال : لما ذا أُفيض الوجود على هذا الأمر الممكن وما هي الغاية منه؟ وأمّا إذا قلنا : إنّ هناك سلسلة من العلل والأسباب تقتضي ضرورة المعاد ، فحينئذٍ لا مجال بل لا معنى للسؤال عن العلّة الغائية ، وذلك لأنّ هذه السلسلة من الأسباب التي اقتضت ضرورة المعاد تكمن فيها العلل الفاعلية والعلل الغائية ، فلا بدّ من البحث عن تلك العلل والأسباب التي اقتضت ضرورة المعاد لكشف غايات وأهداف المعاد والجزاء والعقاب.

ويكفي هنا أن نتعرض لذكر واحد من الأدلّة الستة التي أُقيمت لبيان ضرورة المعاد ، وهذا الدليل عبارة عن :

كون المعاد تجلّياً للعدل الإلهي

لا شكّ انّ المعاد مجلى للعدل الإلهي وبدونه لا يمكن أن يظهر عدله سبحانه بصورة تامّة وبشكل كامل.

ومن المعلوم أنّ ميدان القيامة وساحة المعاد يتحقّق فيها الإحسان إلى المحسنين وإثابة الصالحين ، أي تحقّق الحسن والجمال ، وهذا من الأُمور التي يحكم العقل بحسنها وبقبح تركها.

وحينئذٍ يكون جواب السؤال عن علّة تحقّق هذا الفعل الحسن كامناً في نفس الفعل.

وكأنّ الذي طرح السؤال المذكور غفل عن أدلّة ضرورة المعاد وتصوّر أنّ

٣٨٦

المعاد من الأُمور الممكنة التي ينبغي السؤال عن علّتها ولذلك قال : ما هي الغاية من وراء المعاد؟ ولكنّه لو التفت إلى علل المعاد التي تقتضي كونه أمراً ضرورياً ، فحينئذٍ تتجلّى له العلّة الغائية للمعاد والتي تكمن فيه ، والجدير بالذكر أنّ كون المعاد تجلّياً للعدل الإلهي هو أحد علل وأسباب ضرورية المعاد حيث يوجد إلى جانبه علل أُخرى كثيرة.

ثانياً : انّ هذا الإشكال انّما يرد على بعض العقوبات والمثوبات التي تكتسب صفة اعتبارية جعلية ، أي العقوبات التي لا تكون من لوازم وجود الإنسان ، وإنّما تفاض عليه من السماء أو يعاقب عليها كذلك من السماء.

ولكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّه ليس كلّ العقوبات والمثوبات ذات صفة اعتبارية وجعلية ، بل البعض منها فقط من هذا القبيل ، وأمّا البعض الآخر فهو من لوازم وجود الإنسان ، بمعنى أنّ الإنسان وبسبب قيامه بسلسلة من الأعمال الحسنة أو السيّئة في هذا العالم ، تخلق فيه مجموعة من الملكات التي تكون سبباً لتقوّم شخصيته وتحقيقها ، وحين تقوم الساعة يحشر هذا الإنسان بتلك الملكات والصفات ، وتلازمه تلك الصفات ولا يمكنه أن يتخلّص منها ، فتكون سبباً لسعادته وفرحه أو سبباً لعذابه وشقائه.

فالإنسان المذنب وبسبب انطماسه في الشهوات يمتلك صفات وملكات خاصة تخلق له ـ وبصورة قهرية ـ سلسلة من الصور الخبيثة والمؤذية ، وكذلك الإنسان المؤمن والمحسن يمتلك سلسلة من الملكات الجميلة التي تخلق له صوراً بهيّة تلازمه في ذلك العالم ، فالصنف الأوّل يتأذى ويتألّم بعمله ، والإنسان المؤمن يتنعّم ويلتذ بنفس أعماله أيضاً.

ومن هنا تبيّن انّ هذا الجواب يعتمد على نكتة مهمة ، وهي أنّ طائفة من الآلام واللّذات وليدة نفس الإنسان المبعوث والتي تناسب ذلك العالم.

٣٨٧

ثالثاً : ويمكن الإجابة عن التساؤل المطروح بجواب ثالث وهو : انّ الأعمال في هذا العالم لها صورة خاصّة ، ولها صورة أُخرى في عالم البرزخ وفي القيامة ، بمعنى أنّ الشيء الواحد وتبعاً لشروط خاصة يتجلّى بصور مختلفة ، ويمكن استكشاف هذا الدليل من خلال الواقعة التالية :

إنّ رجلاً أتى عثمان بن عفان ؛ وبيده جمجمة إنسان ميت ، فقال : إنّكم تزعمون النار يعرض عليها هذا ، وإنّه يعذّب في القبر ، وأنا وضعت عليها يدي فلا أحسّ منها حرارة النار!! فسكت عنه عثمان ، وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره ، فلمّا أتاه وهو في ملأ من أصحابه ، قال للرجل : أعد المسألة ، فأعادها ، ثمّ قال عثمان بن عفان : أجب الرجل عنها يا أبا الحسن!

فقال علي عليه‌السلام : ايتوني بزند وحجر ، والرجل السائل والناس ينظرون إليه ، فأُتي بهما ، فأخذهما وقدّح منهما النار ، ثمّ قال للرجل : ضع يدك على الحجر فوضعها عليه ، ثمّ قال: ضع يدك على الزند ، فوضعها عليه ، فقال : هل أحسست منهما حرارة النار؟! فبهت الرجل. (١)

وعلى هذا الأساس يكون القول بأنّ بعض الثواب والعقاب تجسّم للأعمال الحسنة والسيّئة والتي تتجلّى تحت ظروف خاصة بشكل وصور أُخرى.

__________________

(١). الغدير : ٨ / ٢١٤.

٣٨٨

١٢٢

الأحوال الطارئة على المؤمنين يوم القيامة

سؤال : من المسائل التي سلّط القرآن الكريم الضوء عليها ، مسألة الأحوال الطارئة على المؤمنين والسعداء يوم القيامة ، نرجو أن تعطينا صورة عن ذلك وبيان تلك الحالات؟

الجواب : لقد سلّط القرآن الكريم الضوء على حالات أصناف كثيرة من الناس الأعمّ من المؤمنين والسعداء ، وبما انّ بيان حالات جميع الأصناف ومواقفهم خارج عن مجال بحثنا هنا ، لذلك سنكتفي بذكر الحالات الطارئة على المؤمنين والسعداء في يوم القيامة.

السعداء يوم القيامة

إنّ الآيات الواردة في هذا المجال يمكن تصنيفها إلى أصناف كثيرة ، منها :

الف : النبي والمؤمنون

قال تعالى :

٣٨٩

(... يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (١)

ب : المتّقون

لقد ركّز القرآن الكريم وفي آيات كثيرة على المنزلة السامية والمكانة العالية للمتّقين عند الله سبحانه وتعالى ، وهذا ما تعرب عنه الآيات التالية :

١. قال تعالى : (... وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ). (٢)

٢. وقال سبحانه : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ). (٣)

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ). (٤)

٣. وقال تعالى أيضاً :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ). (٥)

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ). (٦)

٤. وقال تعالى :

(... لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ). (٧)

__________________

(١). التحريم : ٨ ، وقد جاء مضمون الآية في سورة الحديد الآية ١٢ حيث قال سبحانه : «يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ...».

(٢). النحل : ٣٠.

(٣). الدخان : ٥١.

(٤). الحجر : ٤٦.

(٥). المرسلات : ٤١.

(٦). الحجر : ٤٥.

(٧). النحل : ٣١.

٣٩٠

٥. وقال أيضاً :

(فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ ...). (١)

٦. وقال تعالى :

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ). (٢)

٧. ووصفهم سبحانه بقوله :

(لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ). (٣)

هذه طائفة من الصفات التي يتّصف بها المتّقون يوم القيامة ، وهناك طائفة أُخرى من الآيات الكريمة تشير إلى منزلتهم السامية لا مجال لذكرها هنا. (٤)

ج : الصابرون

كذلك سلّطت الآيات الكريمة الضوء على بيان منزلة الصابرين يوم القيامة ، منها :

١. يسلّم عليهم الملائكة عند دخولهم الجنة ، ويباركون لهم مقامهم الرفيع وفوزهم العظيم :

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). (٥)

__________________

(١). الطور : ١٨.

(٢). الحجر : ٤٧.

(٣). الحجر : ٤٨.

(٤). انظر : النبأ : ٣١ ـ ٣٦ ، المرسلات : ٤١ ـ ٤٣ ، الحجر : ٤٥ ـ ٤٨ ، الدخان : ٥١ ـ ٥٧ ، الرعد : ٣٥ ، الفرقان : ١٥ ، محمد : ١٥ ، آل عمران : ١٣٣ ، التوبة : ١٢٣ ، النحل : ٣١ ، الشعراء : ٩٠ ، الزخرف : ٣٥ ، الذاريات : ١٥ ، الطور : ١٧ ، القمر : ٥٤ ، القلم : ٣٤.

(٥). الرعد : ٢٤.

٣٩١

٢. يعطون أجرهم مرتين ، قال تعالى :

(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ...). (١)

٣. يجزون بأحسن وجه ، قال تعالى :

(... وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). (٢)

٤. جزاؤهم غرف الجنة ، قال تعالى :

(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً). (٣)

وهناك نكتة جديرة بالتنبيه عليها والاهتمام بها وهي انّه لا بدّ لنا أن ندرك جيداً ، انّ طائفة الصابرين لا تمثل قسماً خاصاً وطائفة مستقلة عن المؤمنين والمتّقين ومغايرة لهم ، بل الجميع صنف واحد ، ولكنّهم يمتازون بصفات متعدّدة ولكلّ صفة استحقاقاتها الخاصة بها وثوابها المعيّن لها ، والشاهد على ذلك انّنا نجد الكثير من الآيات التي تتحدّث عن المؤمنين أو المتّقين تردفه بصفة الصبر ، وتعتبر انّ سرّ نجاح وموفقية عباد الله الصالحين هو اتّصافهم بالصبر والثبات ، وهذا ما ورد في الآية ٧٥ من سورة الفرقان التي تحدّثت عن (عباد الرحمن) أو ما ورد في سورة الدهر عند الحديث عن صفات الأبرار حيث قال سبحانه :

(وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً). (٤)

__________________

(١). القصص : ٥٤.

(٢). النحل : ٩٦.

(٣). الفرقان : ٧٥.

(٤). الدهر : ١٢.

٣٩٢

د. المصلّون

لقد أولى القرآن الكريم والشريعة الإسلامية أهمّية خاصة للصلاة التي تُعدّ الآصرة والرابطة المباشرة بين العبد وخالقه ، كما أنّه سبحانه قد امتدح المصلّين الذين يقيمون الصلاة على أكمل وجه ، بمدائح كثيرة ووصفهم بأوصاف ونعوت متعدّدة ، كلّها تحكي عن الأثر المهم الذي تفعله الصلاة في نفس المصلّي والثمرة التي يجنيها من خلال إقامته للصلاة ، حيث قال سبحانه :

(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ* أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) (١).

وبالإمعان في الآيات المذكورة يتّضح لنا المقام الشامخ والمنزلة السامية والرفيعة للمصلّين ، والصفات الجميلة والسمات الطيبة التي يتحلّون بها ، وذلك من خلال النقاط التالية :

١. انّ للصلاة دوراً فاعلاً في الحدّ من حرص الإنسان وطمعه وتزكية النفس

__________________

(١). المعارج : ١٩ ـ ٣٥.

٣٩٣

والروح ، وذلك من خلال الارتباط بعالم الغيب الذي تصغر أمامه جميع الموجودات.

٢. الصلاة عامل فاعل في تحقّق العفّة والطهارة ، ونقاء المجتمع من الفحشاء والفساد والتحلّل الأخلاقي.

٣. انّ للصلاة دورها في خلق روح التكافل الاجتماعي وخلق الشعور بآلام المحرومين والمعوزين ، ودفع الإنسان للإنفاق والبذل في هذا الطريق.

٤. الصلاة تحثّ على الأمانة والوفاء بالعهد ونبذ الخيانة ، ونقض العهود.

٥. الصلاة تحثّ الإنسان المصلّي إلى الشهادة بالحق ، ونبذ كتمان الحق باعتباره عملاً قبيحاً لا ينبغي للمصلّي الاتّصاف به.

ونحن إذا راجعنا آيات الذكر الحكيم والأحاديث الواردة عن آل بيت العصمة والطهارة ، حول الصلاة ، نجد فيها الكثير من النكات الأخلاقية والمناهج التربوية المهمة جداً للفرد والمجتمع بحيث لا يمكن استيعابها بهذه العجالة ، بل هي بحاجة إلى تأليف كتاب أو رسالة خاصة بها.

ه. السابقون

لقد وصف القرآن الكريم المحشورين يوم القيامة بصفات متعدّدة منها أنّه قسّمهم إلى ثلاثة أصناف هي :

١. السابقون.

٢. أصحاب اليمين.

٣. أصحاب الشمال.

ونحن هنا نسلّط الضوء على الوصف الأوّل «السابقون» ومعرفة صفات

٣٩٤

وخصائص هذه الطائفة.

وفي البداية لا بدّ من تركيز البحث على متعلّق السبق وانّهم إلى أيّ شيء سبقوا حتّى نالوا ذلك المقام السامي وفازوا بتلك المنزلة الرفيعة؟

الذي يستفاد من بعض الآيات انّ متعلّق السبق هو الخيرات والحسنات ، بمعنى أنّهم سبقوا إلى نيل الخيرات وكسب الحسنات ، قال تعالى :

(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ). (١)

وفي آية أُخرى يقول سبحانه :

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ...). (٢)

وهذه الآية تقسّم العباد إلى ثلاث طوائف :

١. (ظالِمٌ لِنَفْسِهِ).

٢. (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ).

٣. (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ).

ولأمير المؤمنين عليه‌السلام كلام يصلح أن يكون تفسيراً لهذه الآية حيث قال عليه‌السلام :

١. «ساع سَريعٌ نَجا ،

٢. وَطالِبٌ بَطيءٌ رَجا ،

٣. وَمُقَصِّرٌ فِي النّارِ هَوى». (٣)

__________________

(١). المؤمنون : ٦١.

(٢). فاطر : ٣٢.

(٣). نهج البلاغة : الخطبة ١٦١.

٣٩٥

وعلى كلّ حال فإنّ متعلّق «السبق» هو الخيرات والأعمال الحسنة ، وإنّما أُطلق عليهم هذا الوصف لمسارعتهم في نيل تلك الأفعال الخيّرة والأعمال الصالحة.

نعم استعمل القرآن الكريم مصطلح «السابقون» بنحو يكون المتعلّق فيه هو السبق في قبول الإسلام وترك الكفر ونبذ الوثنية ، وهذا ما أشارت إليه الآية التالية :

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ...). (١)

وبالطبع يمكن القول ـ وبنحو ما ـ انّ السبق إلى الإسلام ونبذ الوثنية هو من أفضل وأكمل مصاديق السبق إلى الخيرات والأعمال الحسنة ، وفي الحقيقة انّ هذا القسم من السابقين أحد مصاديق «السابقون في الخيرات» ، ولعلّ الآية التي وردت في سورة الواقعة والتي تكرر فيها لفظ «السابقون» حيث قال تعالى : (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) ناظرة إلى كلا الصنفين وكلا الحالتين : «السابقون إلى الإسلام ونبذ الوثنية» و «السابقون في فعل الخيرات والأعمال الحسنة».

وخلاصة القول : السبق إلى الخير والفوز على الآخرين في ميادين السباق ونيل قصب السبق في القيام بالوظائف وفعل الخيرات ، يعتبر علامة الجدارة والصفاء الروحي ونقاء العقل والفكر ، لأنّ أصحاب العقول المستنيرة وذوي البصائر ، يميزون الخير عن الشر ويسارعون إلى فعل الخيرات ونيل المكرمات.

إلى هنا تعرّفنا على متعلّق مصطلح «السابقون» ، وكذلك اتّضح لنا ما هو المراد من «السابقون» ، وحان الوقت للحديث عن خصائص «السابقون» والتي ذكرت في القرآن الكريم.

__________________

(١). التوبة : ١٠٠.

٣٩٦

إنّ القرآن الكريم ذكر لهذا الصنف من الناس الكثير من الخصائص والمميزات في الدنيا والآخرة نشير إليها بصورة مختصرة :

خصائصهم وسماتهم الدنيوية

إذا كان السبق في فعل الخيرات علامة على تنوّر العقل وصفاء القلب ، فلا شكّ انّ هكذا جوهرة قيّمة تكون لها آثار أُخرى مهمة ، ولذلك حينما نرى القرآن الكريم يتحدّث عن «السابقون» نراه يشير أوّلاً إلى صفاتهم وسماتهم التي يتحلّون بها ، والتي منها :

أ. (... مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ).

ب. (... بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ).

ج. (... بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ).

د. (... يُؤْتُونَ ما آتَوْا).

ه. (... وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ).

و. ثمّ يشير القرآن إلى السبب الذي جعلهم مشفقين ووجلين من ربّهم ألا وهو إيمانهم القاطع بالمعاد ويوم القيامة حيث قال سبحانه : (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ).

وبعد أن يذكر القرآن الكريم تلك الصفات ويشيد بتلك السمات ، يلحق الكلام بقوله تعالى :

(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ). (١)

إلى هنا تعرفنا على صفاتهم وخصائصهم الدنيوية ، فلنعرج بالقلم

__________________

(١). المؤمنون : ٦١.

٣٩٧

للحديث عن صفاتهم الأُخروية ومكانتهم ومنزلتهم في ذلك العالم والتي تعتبر وبحق قطفاً لثمار خصالهم الفكرية والروحية والعملية.

منزلتهم في الآخرة

لقد تحدّث القرآن الكريم عن منزلة ومكانة «السابقون» في الآخرة ، ووصفهم بصفات كثيرة منها :

إنّ السابقين إلى الخيرات هم المقرّبون كما يقول سبحانه :

(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ). (١)

وبالطبع انّ مصطلح (الْمُقَرَّبُونَ) يطلق وبالإضافة إلى السابقين على طائفة أُخرى كالملائكة.

ولأجل مكا (٢) نتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية عند الله تبارك وتعالى نجد القرآن الكريم يشير إلى ما لهم من الأجر والثواب ، وهذا ما تحكي عنه الآيات التالية :

(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ... عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ* مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ* يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ* وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ* وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ* وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ). (٣)

ثمّ يقول سبحانه : إنّ هذه النعمة وتلك الكرامة لم تمنح لهم اعتباطاً ، بل

__________________

(١). الواقعة : ١١.

(٢). (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسيحُ أَنْ يَكُونَ عَبداً للهِ وَلا الْمَلائِكةُ الْمُقَرَّبُون) (النساء : ١٧٢).

(٣). الواقعة : ١٢ ـ ٢٣.

٣٩٨

جزاء لعملهم وسعيهم في الدنيا حيث قال سبحانه : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). (١)

ثمّ يردف ذلك بنعمة وكرامة أُخرى ، فيقول عزّ من قائل :

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً). (٢)

بقيت هنا نكتة أُخرى ، وهي أنّه سبحانه وصف جماعة بالمقربين وقال :

(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ). (٣)

وحيث إنّ المراد من السابقين ، هم السابقون بالخيرات ، وصف المسيح بأنّه من المقرّبين ، وقال :

(... وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤) باعتباره عليه‌السلام ـ كباقي الأنبياء عليهم‌السلام ـ كان من السباقين إلى فعل الخيرات ، وأنّه من اللحظات الأُولى ومنذ أن كان في المهد صبيّاً سار على خط التوحيد ولم ينحرف عن الصراط المستقيم أبداً.

ثمّ إنّه سبحانه وصف المقرّبين في آية أُخرى بأنّهم شهداء كتاب الأبرار ، وقال :

(إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ). (٥)

وعلى هذا فالسابقون هم المقرّبون وهم شهداء كتاب الأبرار.

__________________

(١). الواقعة : ٢٤.

(٢). الواقعة : ٢٥ ـ ٢٦

(٣). الواقعة : ٨٨ ـ ٨٩.

(٤). آل عمران : ٤٥.

(٥). المطففين : ١٨ ـ ٢١.

٣٩٩

و. أصحاب اليمين

لقد وصف القرآن الكريم طائفة من الناس في يوم القيامة بأنّهم (أَصْحابُ الْيَمِينِ).

حيث قال سبحانه :

(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ). (١)

ثمّ أشار القرآن إلى صفاتهم في عشر آيات من الذكر الحكيم منها انّهم :

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ). (٢)

ولقد اختلف المفسّرون في المقصود من أصحاب اليمين من هم؟ فطرحوا نظريتين :

النظرية الأُولى : انّ المراد منهم هم الذين يعطون كتابهم بيمينهم ، وقد استدلّوا على هذه النظرية بقوله تعالى :

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً). (٣)

وقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ). (٤)

النظرية الثانية : انّ المقصود من اليمين هو اليمن والبركة ، وهم الذين جاء وصفهم في سورة الواقعة ب (أصحاب الميمنة) حيث قال سبحانه :

(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً* فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ). (٥)

__________________

(١). الواقعة : ٢٧.

(٢). الواقعة : ٣٩ ـ ٤٠.

(٣). الإسراء : ٧١.

(٤). الحاقة : ١٩.

(٥). الواقعة : ٧ ـ ٨.

٤٠٠