الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


المحقق: اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-154-8
الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

ب. الظالمون

إنّ البحث عن الظلم والظالمين وأحوالهم وما لهم من الأوصاف والحالات في الدنيا والآخرة من البحوث الواسعة التي تتطلّب بحثاً مستقلاً ودراسة مبسوطة لتسليط الضوء على جميع تلك الأبعاد ، ولكنّنا نقتصر هنا على بعض تلك الأوصاف والأحوال بنحو موجز ، ومنها :

١. ليس لهم ناصر ولا شفيع

(... وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ). (١)

(... ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ). (٢)

٢. أعدّ لهم عذاب أليم

(... وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً). (٣)

٣. مثواهم مثوى السوء

(... وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ). (٤)

(... وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). (٥)

__________________

(١). البقرة : ٢٧٠.

(٢). غافر : ١٨.

(٣). الفرقان : ٣٧.

(٤). آل عمران : ١٥١.

(٥). غافر : ٥٢.

٣٢١

٤. اليأس من رحمة الله

(... فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). (١)

٥. تحيط بهم سرادق من النار

(... إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ...). (٢)

٦. الحسرة والندم وعض الأيدي

(... يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ...). (٣)

وآيات أُخرى.

ج. الكافرون والمشركون

١. يصف القرآن الكريم الكافرين والمشركين بأنّهم خالدون في النار وانّهم من أشقى الناس حيث يقول سبحانه :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ). (٤)

٢. يحشرون يوم القيامة عمياً وبكماً وصماً ، قال تعالى :

(... وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً* ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ

__________________

(١). الأعراف : ٤٤.

(٢). الكهف : ٢٩.

(٣). الفرقان : ٢٧.

(٤). البيّنة : ٦.

٣٢٢

كَفَرُوا بِآياتِنا ...). (١)

٣. وضع الأغلال والسلاسل في أعناقهم ، قال تعالى :

(... وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...). (٢)

وقال سبحانه :

(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ). (٣)

وقال سبحانه :

(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً). (٤)

٤. يقطع لهم ثياب من نار :

(... فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ...). (٥)

٥. يوم القيامة يعيش الكافرون العسر والشدّة :

(... وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً). (٦)

وقال تعالى :

(فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ). (٧)

٦. أعدّ الله لهم عذاباً مهيناً

__________________

(١). الإسراء : ٩٧ ـ ٩٨.

(٢). سبأ : ٣٣.

(٣). يس : ٨.

(٤). الإنسان : ٤.

(٥). الحج : ١٩.

(٦). الفرقان : ٢٦.

(٧). المدثر : ٩ ـ ١٠.

٣٢٣

(... وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً). (١)

وقال تعالى :

(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ...). (٢)

وقال سبحانه :

(... وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ). (٣)

د. المكذبون

ومن جملة الطوائف الشقيّة يوم القيامة هي طائفة المكذّبين بالدين وبالحقائق الدينية والذين وصفهم القرآن الكريم بوصف «المكذبين» ، ومن البديهي انّ المصداق البارز لهذا العنوان هم الكافرون والمشركون كما وصفوا في سورة الواقعة بأنّهم أصحاب الشمال حيث جاء في السورة بعد ذكر المقرّبين وأصحاب اليمين قوله تعالى :

(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ). (٤)

وفي مكان آخر وصفوا بأنّهم مكذّبون بيوم الدين وقيام الساعة ، حيث قال سبحانه :

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ). (٥)

__________________

(١). النساء : ٣٧.

(٢). فاطر : ٧.

(٣). الجاثية : ١١.

(٤). الواقعة : ٩٢ ـ ٩٤.

(٥). المطفّفين : ١٠ ـ ١١.

٣٢٤

وفي آية أُخرى وصفوا بعنوان الضالّين وانّهم لشدّة ضلالهم اتّخذوا الحقيقة هُزواً ولعباً حيث قال تعالى :

(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ). (١)

وعلى كلّ حال فقد وصف القرآن الكريم الحالة المأساوية والوضع المؤلم والعاقبة السيئة التي يتّصف بها المكذّبون يوم القيامة ، وفي كثير من الآيات جاءت كلمة «الويل» للتعبير عن شدّة العذاب وسوء العاقبة ، ولقد وردت هذه الكلمة في سورة المرسلات عشر مرات ، وكذلك جاءت في سورة المطففين والطور.

بالإضافة إلى ذلك كلّه ذكرت الآيات طائفة من أنواع العقاب التي سيتعرض لها المكذّبون ، والتي منها :

١. لا يؤذن لهم بالنطق :

(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ). (٢)

٢. يقال لهم انطلقوا إلى النار التي كنتم بها تكذّبون

(انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ). (٣)

٣. يستظلّون بما لا ينفعهم :

(انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ). (٤)

٤. شدّة النار التي يحشرون فيها :

__________________

(١). الطور : ١١ ـ ١٢.

(٢). المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦.

(٣). المرسلات : ٢٩.

(٤). المرسلات : ٣٠ ـ ٣١.

٣٢٥

(إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ). (١)

٥. ليس لهم غذاء إلّا الأكل من شجرة الزقوم :

(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ). (٢)

ه. المجرمون والفجّار

من الأوصاف التي أُطلقت على الأشقياء صفتي المجرمين والفجّار.

ولقد وصف القرآن حالاتهم يوم القيامة بالنحو التالي :

١. اليأس من رحمة الله :

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ). (٣)

٢. يعلوهم الغبار والغم والحزن :

(... وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ* تَرْهَقُها قَتَرَةٌ* أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ). (٤)

٣. يحشرون بصورة قبيحة خاصة حيث قال سبحانه :

(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ...). (٥)

(... وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً). (٦)

__________________

(١). المرسلات : ٣٢ ـ ٣٣.

(٢). الواقعة : ٥١ ـ ٥٤.

(٣). الروم : ١٢.

(٤). عبس : ٤٠ ـ ٤٢.

(٥). الرحمن : ٤١.

(٦). طه : ١٠٢.

٣٢٦

٤. إشفاقهم من صحيفة أعمالهم وما دوّن فيها ، ولقد أشار سبحانه إلى تلك الحقيقة بقوله :

(وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ...). (١)

٥. حالة الذل والانكسار

(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...). (٢)

٦. يسحبون في النار على وجوههم

(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ...). (٣)

٧. تمنّيهم الخلاص من العذاب بفداء كلّ شيء عزيز :

(... يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ* وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ* وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ). (٤)

وهناك آيات أُخرى في هذا المجال أيضاً. (٥)

سمات المجرمين في القرآن

يتّضح من خلال ملاحظة السمات والأوصاف التي أطلقها القرآن الكريم

__________________

(١). الكهف : ٤٩.

(٢). السجدة : ١٢.

(٣). القمر : ٤٨.

(٤). المعارج : ١١ ـ ١٤.

(٥). انظر : إبراهيم : ٤٩ ـ ٥٠ ، المدثر : ٤١ ، الزخرف : ٧٤.

٣٢٧

على المجرمين أنّهم كانوا كافرين ومشركين ومكذِّبين بالدين والحقائق الدينية ، وانّهم كانوا يستهزءون بالمؤمنين ، ولقد أشارت آيات الذكر الحكيم إلى ذلك ، فمنها قوله تعالى :

١. (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ). (١)

٢. إنكارهم للمعاد والنار يوم القيامة

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ). (٢)

٣. وفي آيات أُخرى جاءت كلمة المجرمين في مقابل المسلمين ، وهذا شاهد على أنّ المجرمين وصف لطائفة من الناس الذين لم يدخلوا في الإسلام ، قال تعالى :

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ). (٣)

٤. حينما سأل أصحاب اليمين المجرمين عن سبب هذه العاقبة والمصير الأسود الذي وصلوا إليه ، أجابوا بأنّهم كانوا يتّصفون بصفات خاصة نتج عنها هذا المصير الأسود ، وهذه الصفات هي :

ألف : (... لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ).

ب : (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ).

ج : (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ).

د : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ). (٤)

٥. عداؤهم للأنبياء والرسل

__________________

(١). المطففين : ٢٩.

(٢). الرحمن : ٤٣.

(٣). القلم : ٣٥.

(٤). المدثر : ٤٣ ـ ٤٦.

٣٢٨

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ...). (١)

٦. من المجرمين فرعون وقومه

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ). (٢)

٧. يكونون سبباً لإضلال غيرهم

(وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ). (٣)

يتّضح بجلاء من خلال هذه الآيات والآيات الأُخرى أنّ المجرمين ـ ووفقاً للنظرية القرآنية ـ بالإضافة إلى انحرافهم وضلالهم أنفسهم وعدائهم وخصومتهم للأنبياء يسعون لإضلال وانحراف الآخرين ويستهزءون بالمؤمنين وينكرون الآخرة والقيم الإلهية ولا يفكّرون إلّا في الإفساد والانحراف والرذيلة.

ومن البديهي أنّ هذه الصفات تتنافى مع الإيمان بالله واليوم الآخر ، وبالنتيجة يكون المجرمون خصوماً ألدّاء لله سبحانه وللفضائل الإنسانية والقيم الأخلاقية ، ومن الطبيعي جداً أنّهم سيواجهون أشدّ أنواع العذاب يوم القيامة ، كما يظهر ممّا ذكرناه من صفاتهم وسماتهم التي تعرضت لبيانها آيات الذكر الحكيم.

و. المنافقون

بما أنّ صفة النفاق من أقبح الصفات الذميمة ، وأنّ المنافقين يعدّون من أخطر أعداء وخصوم الدين الإسلامي ، لذلك نجد القرآن الكريم قد ركّز على هذه الصفة في آيات كثيرة ، يمكن تصنيفها إلى صنفين أساسيين ، هما :

__________________

(١). الفرقان : ٣١.

(٢). يونس : ٧٥.

(٣). الشعراء : ٤٩.

٣٢٩

١. الآيات التي تتعلّق بصفاتهم وسماتهم الدنيوية.

٢. الآيات التي تتعلّق بصفاتهم الأُخروية.

وأمّا سماتهم الدنيوية فيمكن تصنيفها وبنحو كلّي إلى ثلاث محاور ، هي :

١. صلتهم بالله تعالى.

٢. صلتهم بالمؤمنين.

٣. صلتهم بالكافرين والمشركين.

صلة المنافقين بالله تعالى

بما أنّ المنافق هو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان بالله والتسليم للأحكام الإلهية ، ويعتمد الطريقة النفاقية في التعامل مع الله سبحانه وأحكامه ، من هنا يعتبر المنافقون الوعد والوعيد الإلهي أُموراً كاذبة لا واقع لها فلا يكون لها أيّ أثر على سلوكهم وحركتهم فينسون الله سبحانه وتعالى في مقام العمل بصورة كليّة وتنقطع صلتهم به عزوجل وبرسوله.

إذا عرفنا ذلك نحاول أن نسلّط الضوء على الآيات الواردة في هذا المجال ، وهي :

١. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ). (١)

٢. (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ ...). (٢)

٣. (... نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ...). (٣)

__________________

(١). البقرة : ٨.

(٢). النساء : ١٤٢.

(٣). التوبة : ٦٧.

٣٣٠

٤. (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً). (١)

٥. (... وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ...). (٢)

٦. (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ). (٣)

صلة المنافقين بالمؤمنين

إنّ الآيات الواردة في هذا المجال كثيرة جداً ، إلّا أنّ الأمر الجامع بين هذه الآيات هي أنّها تركّز على أنّ المنافقين يتظاهرون أنّهم من زمرة المؤمنين والصالحين من أجل الاستفادة من المنافع التي يحصل عليها المسلمون والامتيازات التي يكسبونها ، ولكنّهم في اللحظات الخطرة والمواقف العصيبة ، والشروط الصعبة التي يتعرض لها المؤمنون ، تجدهم يتذرّعون بشتّى الذرائع الواهية والحجج الباطلة ، للفرار من ساحة الوغى ويتركون المؤمنين يواجهون المشاكل والصعاب لوحدهم ، ومن هنا يوجهون ضربة شديدة للمؤمنين ـ تحت ستار الصحبة والإيمان الظاهري ـ ولم يكتفوا بترك ساحة القتال ، بل يعملون كالطابور الخامس في خدمة الأعداء وإرشادهم إلى نقاط الخلل والضعف في صفوف المؤمنين ، يقول سبحانه وتعالى واصفاً هذه الحقيقة :

١. (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ). (٤)

__________________

(١). الأحزاب : ١٢.

(٢). النساء : ٨٨.

(٣). البقرة : ١٥.

(٤). البقرة : ١٤.

٣٣١

٢. (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ...). (١)

٣. (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ). (٢)

٤. (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ). (٣)

صلة المنافقين بالكافرين والمشركين

الذي يمعن النظر في آيات الذكر الحكيم يتّضح له وبجلاء أنّ المنافقين والكافرين تجمعهم عقيدة مشتركة وهدف واحد ، وذلك بأنّ الجميع لم يؤمنوا بالله تعالى ولم يعتقدوا بيوم القيامة ، وبرسالة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى يرون أنّ في الرسالة الإسلامية والتعاليم الإسلامية خطراً شديداً على مصالحهم الدنيوية والمادية ، ولذلك اتّحدوا للقضاء على الإسلام والمسلمين أو على أقلّ تقدير الحدّ من نفوذ هذه الرسالة العظيمة.

ومن هنا يتّضح أنّ علاقتهم علاقة صداقة ورابطة منافع ومصالح مشتركة.

ولكن هناك نكتة جديرة بالاهتمام ـ وهي من النكات التي سلّط القرآن عليها الضوء أيضاً ـ وهي أنّ المنافقين لا يفكّرون إلّا بمنافعهم المادّية ومصالحهم

__________________

(١). المنافقون : ٧.

(٢). التوبة : ٤٧.

(٣). التوبة : ٨١.

٣٣٢

الدنيوية ، ولذلك تجدهم مع الكافرين والمشركين ما دامت تلك العلاقة والصحبة تؤمن لهم مصالحهم ومنافعهم ، ولذلك تجدهم يبتعدون بأنفسهم عن مواقع الخطر والشدّة.

وبعبارة أُخرى : أنّ المنافقين لا يكتفون بممارسة الحالة النفاقية مع المؤمنين فقط ، بل أنّهم يعتمدون هذا الأُسلوب وينهجون هذا النهج النفاقي مع إخوانهم من الكافرين والمشركين. ولقد فضح القرآن الكريم هذا المنهج النفاقي بما لا ريب فيه ، حيث قال سبحانه مسلّطاً الضوء على تلك الصفة :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ). (١)

أحوال المنافقين في الآخرة

بعد أن اتّضحت لنا ـ وبنحو ما ـ أحوال المنافقين في الحياة الدنيا ، حان الوقت لنسلّط الضوء على أحوالهم في الآخرة ، وهنا يمكن تصنيف الآيات المباركة الواردة في هذا المجال إلى ثلاثة أصناف ، هي :

١. صلتهم بالكافرين.

٢. صلتهم بالمؤمنين.

٣. حالتهم بصورة عامة.

__________________

(١). الحشر : ١١ ـ ١٢.

٣٣٣

أمّا ما يتعلّق بالصنف الأوّل فقد بيّنت آيات الذكر الحكيم تلك الحالة بالنحو التالي :

(... إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً). (١)

وفي آية أُخرى :

(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ ...). (٢)

والذي يستفاد من هذه الآيات المباركة انّه بما أنّ المنافقين والكافرين كانوا مشتركين في عقيدتهم ، لذلك يشتركون في العقاب والعذاب الأُخروي ، وأنّهم مخلّدون في النار.

وأمّا بالنسبة إلى صلتهم بالمؤمنين في الآخرة ، فقد سلّطت الآية المباركة الضوء على ذلك بقوله سبحانه :

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ). (٣)

والذي يستفاد من هذه الآية الشريفة أنّ المنافقين يحاولون ممارسة نفس المنهج الثقافي ـ الذي كانوا يمارسونه في الدنيا ـ في الآخرة لنيل المنافع الأُخروية والاستفادة من النعيم الذي حصل عليه المؤمنون ، ومحاولة الاستفادة من نور المؤمنين الذي هو في الحقيقة التجلّي الحقيقي لعقيدتهم الراسخة ونيّتهم الخالصة وأعمالهم الصالحة ، ولكن فات المنافقين انّ عالم الآخرة لا مجال لهذا المنهج الذميم

__________________

(١). النساء : ١٤٠.

(٢). التوبة : ٦٨.

(٣). الحديد : ١٣.

٣٣٤

والأُسلوب القبيح فيه ، ولن ينفعهم ذلك أبداً ولن ينفعهم في الخلاص من العذاب الأليم الذي أحاط بهم.

وأمّا بالنسبة إلى القسم الثالث أي الوضع الأُخروي للمنافقين بصورة عامة ـ من دون ملاحظة صلتهم بالمؤمنين أو الكافرين ـ فقد جاء وصفهم في القرآن الكريم بالنحو التالي :

(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً). (١)

وفي آية أُخرى :

(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ...). (٢)

ولعلّ شدّة عذابهم نابعة ـ بالإضافة إلى عدم إيمانهم بالله ورسوله وبالإسلام ، وعدائهم وخصومتهم للمؤمنين والمسلمين ، واتّحادهم مع المشركين والكافرين ـ من كون نفوسهم قد تلوّنت بصفة النفاق الذميمة ، أضف إلى ذلك أنّ خطرهم على المسلمين والمؤمنين كان أشدّ من خطر الكافرين والمشركين.

وعلى هذا الأساس ـ ووفقاً للوحي الإلهي ـ يكون عملهم وعداوتهم للإسلام في الحياة الدنيا أخطر وأقبح من خطر الكافرين ، ولذلك يكون جزاؤهم وعذابهم الأُخروي أشدّ وأخزى من عذاب غيرهم. (٣)

__________________

(١). النساء : ١٣٨.

(٢). النساء : ١٤٥.

(٣). منشور جاويد : ٩ / ٤٤٨ ـ ٤٦٤.

٣٣٥

١١٦

تجسّم الأعمال والملكات

سؤال : من المصطلحات التي تتداول حينما يرد البحث عن الجنة والنار ، أو الثواب والعقاب ، مصطلح تجسّم الأعمال والملكات ، ما المراد من ذلك المصطلح؟

الجواب : نبيّن أوّلاً حقيقة تجسّم الأعمال والملكات ، ثمّ نعرّج على البحث عن أدلّتها.

إنّ المقصود من تجسّم الأعمال أو «التمثّل» هو أنّ الأعمال التي يقوم بها الإنسان في هذا العالم تتجلّى وتظهر في العالم الأُخروي بصورة وشكل يتناسب مع ذلك العالم.

وبعبارة أُخرى : إنّ الثواب والعقاب ، أو النعم والانتقام ، أو الفرح والسرور ، أو الألم والعذاب ، كلّها تمثّل حقيقة الأعمال الدنيوية للإنسان وتتجلّى له في الآخرة.

وبعبارة أكثر وضوحاً : إنّ للعمل الإنساني ـ سواء أكان حسناً أم سيئاً ، جميلاً أم قبيحاً ـ ظهورين فما يكتسبه الإنسان من الأعمال الحسنة ـ كالصوم والصلاة والحجّ والزكاة ، أو ما يقوم به من أعمال البرّ ـ كلّها أعمال دنيوية ولا

٣٣٦

ظهور لها بحسب هذه النشأة سوى ما نشاهده منها. ولكن في نفس الوقت لها ظهور آخر في النشأة الأُخروية يتناسب مع تلك النشأة ، فتظهر بصورة الجنة ونعيمها وحورها وغلمانها ، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الأعمال القبيحة والأفعال السيئة.

وعلى هذا الأساس الأعمال الحسنة لهذا العالم تتغيّر في ذلك العالم وتتحوّل إلى : بساتين وحقول نظرة وحدائق غلبا ، وأولاد مخلدين ، وحور مقصورات في الخيام ، وقصور فارهة ؛ والعكس صحيح ، فإنّ الأعمال القبيحة تتحوّل إلى أشياء تناسبها ، كالنار وسلاسل الحديد وأنواع العذاب من الغل والضرب والزقوم والمهل يغلي البطون وغير ذلك.

وحينئذٍ يكون جزاء كلّ إنسان عين أعماله على الحقيقة ولا مجال هنا للمجازية أبداً ، ففي محكمة العدل الإلهي لا يوجد شيء أفضل من أن يرى الإنسان جزاء عمله ، وتعود عليه نفس نتيجة ما اقترفه من عمل ، صالحاً كان أم طالحاً. وهذا ما يطلق عليه اصطلاحاً بتجسّم الأعمال.

وإلى جانب الكلام عن «تجسّم الأعمال» هناك كلام آخر حول تجسّم الملكات ، وهي أنّ الملكات التي يكتسبها الإنسان في الحياة الدنيا ، كملكة حب الخير والإحسان وملكة الطاعة أو العدل والإنصاف وغير ذلك من الصفات الحسنة ؛ أو ما يكتسبه من الملكات السيئة والذميمة ، كملكة العصيان والتمرّد والحقد على الآخرين وتمنّي زوال النعمة عنهم وغير ذلك من الخصال ، فإنّ لهذه الملكات بحسب الظهور الدنيوي ظهوراً يتناسب مع الحياة الدنيا ، ولكن في عالم الآخرة تتحوّل تلك الملكات وتنقلب بنحو يناسب تلك النشأة ، أي تظهر الحقيقة الباطنية لتلك الملكات والصفات.

٣٣٧

يقول الحكيم السبزواري في هذا الصدد :

فباعتبار خُلقِهِ الإنسانُ

مَلَكٌ أو أعجمٌ أو شيطان

فهو وإن وُحِّدَ دنياً وزّعا

أربعةً عُقبى فكان سبعاً

بهيمةً مع كون شهوةٍ غَضَب

شيمَتُه وإن عَليه قد غَلَب

مكرٌ فشيطانٌ وإذ سجية

سنيّة فصورٌ بهيّة (١)

ذا هو تصوير الحكماء وأهل المعرفة لتجسّم الأعمال والملكات.

تجسّم الأعمال على ضوء القرآن الكريم

هناك طائفة كبيرة من آيات الذكر الحكيم تدلّ وبوضوح على هذه الحقيقة وهي انّ ما اكتسبه الإنسان من خير أو شر يجده أمامه يوم القيامة ، ومن تلك الآيات قوله تعالى :

١. (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ...). (٢)

وكذلك قوله تعالى :

(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً). (٣)

وقوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ). (٤)

ومن الواضح أنّ ظاهر هذه الآيات الكريمة يؤكّد حقيقة أنّ نفس الأعمال

__________________

(١). شرح منظومة السبزواري : المقصد ٦ ، الفريدة ٤.

(٢). آل عمران : ٣٠.

(٣). الكهف : ٤٩.

(٤). التكوير : ١٤.

٣٣٨

التي اكتسبها الإنسان يجدها أمامه يوم القيامة بأعيانها ، وتحضر أمامه بواقعها.

٢. (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ...). (١)

٣. (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً). (٢)

فإنّ صريح هاتين الآيتين انّ ما يقترفه الإنسان من كتمان الحقائق الإلهية أو التجاوز على أموال اليتامى ظلماً ، سيظهر في تلك النشأة بصورة النار في بطونهم ، ولا ريب أنّ الصورة الظاهرية لهذه الأفعال في الحياة الدنيا لم تكن بالشكل المذكور ، بل هو في الواقع يظهر في الدنيا بصورة اللّذات والنعيم الدنيوي.

وعلى هذا الأساس يمكن القول إنّ لهذه الأموال ظهورين ، الظهور الأُخروي يظهر منها بصورة تختلف تماماً عن الظهور الدنيوي ، ولكن (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) تظهر الصورة الحقيقية والواقعية لتلك الأعمال والأموال المغتصبة.

ومن هنا حاول بعض المفسّرين الجنوح إلى تأويل تلك الآيات فقالوا :

إنّ المقصود من هذه النار هي نار جهنم التي يحرقون فيها بعنوان العذاب. والحال انّ هذا التأويل أو التفسير مخالف لظاهر الآيات الكريمة ومدلولها.

٤. (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ...). (٣)

وظاهر الآية انّ نور المؤمنين يسعى أمامهم يوم القيامة ، وليس للنور مبدأ

__________________

(١). البقرة : ١٧٤.

(٢). النساء : ١٠.

(٣). الحديد : ١٢.

٣٣٩

سوى وجودهم الذي يتحوّل إلى نور يشع ويضيء الطريق أمامهم.

وحينئذٍ يطرح السؤال التالي : ما هو منشأ هذا النور؟ ومن أين جاء؟

والجواب : انّنا حينما نرى المنافقين يطلبون من المؤمنين الاقتباس من نورهم كما جاء في قوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) نجد انّ جواب المؤمنين لهم بأنّ ذلك الأمر منبعه الحياة الدنيا التي فرطتم فيها ولذلك يقولون لهم :

(... ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ...). (١)

وهذا الجواب يعرب وبوضوح أنّ هذا النور هو ظهور لما قام به المؤمنون من الأعمال الصالحة في حياتهم الدنيوية.

ثمّ إنّه يطرح السؤال الآخر وهو : كيف نشأ هذا النور من الحياة الدنيا؟

في مقام الجواب عن هذا التساؤل يوجد احتمالان :

١. انّ الشخصية السامية والرفيعة للمؤمنين وفي ظل الطاعات والعبادات تتحوّل إلى مركز للملكات الجميلة والخصال الحميدة ثمّ تتجلّى في عالم الآخرة بصورة النور.

٢. انّه تتجلّى وتتجسّم الصورة الحقيقية والواقعية لأعمالهم الصالحة وصفاتهم الحميدة بصورة النور في تلك النشأة.

ولقد حذّر القرآن الكريم المستكبرين والطواغيت من اكتناز الذهب والفضة وعدم إنفاقها في سبيل الله ، لأنّها ستتحول في عالم الآخرة إلى نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وتتجلّى تلك الأموال بصورتها الحقيقية في عالم الآخرة ، وهذا ما ورد في قوله تعالى :

٥. (... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ

__________________

(١). الحديد : ١٣.

٣٤٠