الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


المحقق: اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-154-8
الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

٩٢

الهجرة في القرآن

سؤال : ما هو مفهوم الهجرة من وجهة النظر القرآنية ، والروايات الشريفة؟

الجواب : لقد حظيت الهجرة بأهمية خاصة في الآيات القرآنية والأحاديث الإسلامية ، والمراد من الهجرة ـ كما سنبيّن ذلك ـ هو الانتقال والحركة من نقطة إلى نقطة أُخرى لينجو الإنسان بدينه ويحفظ عقائده ويتمكّن من القيام بوظائفه وتكاليفه الإلهية وطقوسه الإسلامية بحرية واطمئنان ، لا الهجرة من أجل المال وكسب المقام والجاه والشهرة.

إنّ الهجرة في اللغة تعني القطع والترك ، قال الخليل في كتاب «العين» : الهجر والهجران ترك ما يلزمك تعهده ، ومنه اشتُقَّت هجرة المهاجرين ، لأنّهم هجروا عشائرهم فتقطّعوهم في الله ، قال الشاعر :

وأكثر هجر البيت حتى كأنّني

مللت وما بي من ملال ولا هجر (١)

إذاً إطلاق لفظ «المهاجر» على الذي ينتقل من مكان إلى آخر ، لأنّ هذا الشخص في الواقع يقطع روابطه وعلاقاته مع المكان الذي انتقل منه.

__________________

(١). كتاب العين : ٣ / ٣٨٧ ، مادة هجر.

١٤١

ثمّ إنّ المهاجرة يمكن أن تكون لطلب المكاسب الدنيوية ونيل المكاسب المادية وزيادة المال والثروة أو ما شابه ذلك من الأُمور المادية ، فإذا ما حصل الإنسان على مراده من هجرته وانتقاله فلا ريب أنّه يكون قد حصل على الكمال المادّي الذي توخّاه من هجرته ، ولكن الهجرة في المفهوم القرآني تختلف عن ذلك اختلافاً واضحاً ، فإنّ القرآن يرى أنّ الهجرة في الواقع هي هجرة الجسد والروح معاً ، بمعنى أنّه كما أنّ الجسد يغيّر مكانه وينتقل إلى مكان آخر ، كذلك الروح تهاجر من الشرك إلى التوحيد ، ومن الكفر إلى الإيمان ، ومن العصيان والتمرد إلى الطاعة. تهاجر من الأجواء الضاغطة على إقامة الفرائض إلى أجواء مفتوحة يسمح لها أن تمارس طقوسها بحرية واختيار واطمئنان.

ففي النوع الأوّل من الهجرة يقطع الجسم أواصره وروابطه المادية مع مكان خاص كان قد ارتبط به وقامت بينهما مجموعة من العلاقات والأواصر ، والحال انّ في النوع الثاني من الهجرة ليس الجسم وحده هو الذي يقطع أواصره وروابطه ، بل الروح أيضاً تقطع علاقاتها وروابطها مع الوكر الضيق والمظلم والفضاء الموحش الذي تعيش فيه وتهاجر لغرض الحفاظ على دينها وإيمانها ، ولكي تتمكّن أن تعبد ربّها بعيداً عن الأجواء الضاغطة وتعيش في فضاء فسيح ملؤه المعنويات والحرية العبادية وتلقي هناك رحلها بعيداً عن أعين الظالمين والمشركين ، نعم سوف نتحدّث وباختصار في نهاية البحث عمّا ورد عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «المهاجر من هجر ما حرّم الله عليه». (١)

من هذا المنطلق أولى القرآن الكريم والسنّة النبوية مسألة «الهجرة» عناية

__________________

(١). جامع الأُصول : ١ / ١٥٤.

١٤٢

خاصة ، حتّى أنّ لفظة «الهجرة» بجميع مشتقّاتها قد وردت في القرآن الكريم ٢٤ مرّة هي:

(هاجَرُوا) وردت تسع مرات.

(الْمُهاجِرِينَ) وردت خمس مرات.

(يُهاجِرُوا) وردت ثلاث مرات.

(مُهاجِراً) وردت مرتين.

(يُهاجِرْ) مرة واحدة.

(هاجَرَ) مرة واحدة.

(هاجَرْنَ) مرة واحدة.

(مُهاجِراتٍ) مرة واحدة.

(فَتُهاجِرُوا) مرة واحدة.

وفي الغالب أنّه كلّما ذكرت كلمة «الهجرة» يتداعى إلى الذهن هجرة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة المنورة. تلك الحركة التي كانت تُعدّ منعطفاً هاماً في تاريخ الرسالة الإسلامية عامة وتاريخ الرسول الأكرم خاصة ، حيث كانت لتلك الهجرة المباركة ثمارٌ عظيمة ونتائج بنّاءة ملؤها الخير والبركة والمنافع على الأُمّة ، ولذلك امتازت من بين مئات حوادث ووقائع صدر الإسلام بأن اعتبرت هي مبدأ التاريخ الإسلامي.

ثمّ إنّ في الإسلام ـ بالإضافة إلى الهجرة المصطلحة ـ هجرة أُخرى وانتقال آخر مساحته القلب وهو الهجرة من الذنوب والعصيان إلى الطاعة ، بمعنى أنّ الإنسان يصمّم أن لا يحوم حول الذنب وأن لا يتمرّد على الأوامر الإلهية أبداً. ولقد أشارت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة إلى هذا النوع من الهجرة ، حيث

١٤٣

قال سبحانه :

(... فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ...). (١)

ويمكن أن يقال : إنّ الآية تشير إلى المعنى الواسع للهجرة والذي يشمل ترك الذنب والتنزّه عن التلوث بالمعاصي والرذائل النفسانية ، وذلك بقرينة مقابلة قوله سبحانه : (هاجَرُوا) مع قوله سبحانه : (أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) وإن كان الفخر الرازي قد فسّر الجملتين بنحو آخر حيث قال : المراد من (هاجَرُوا) الذين خرجوا من ديارهم باختيارهم وإرادتهم ، والمراد من (أُخْرِجُوا) الذين أُجبروا على ترك الديار والأوطان.

والذي يؤيد ما قلنا ، الروايات التي وردت في خصوص هذا النوع من «الهجرة» حيث يسأل أحد المسلمين الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّ الهجرتين أفضل؟

فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أن تهجر ما كره ربّك». (٢)

وفي حديث ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال :

«يقول الرجل هاجرت ولم يهاجر ، إنّما المهاجرون الّذين يهجرون السّيئات ولم يأتوا بها». (٣)

وفي بعض الروايات نقل عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة». (٤)

__________________

(١). آل عمران : ١٩٥.

(٢). جامع الأُصول لابن الأثير : ١٢ / ٢٦٢.

(٣). سفينة البحار : ٢ / ٦٩٧.

(٤). جامع الأُصول : ١٢ / ٢٦١.

١٤٤

فإنّ المراد من هذا النوع من الهجرة هو نقاء الروح والنفس وتصفيتها من كلّ أنواع القذارات والرذائل مهما كانت. وذلك بواسطة التوبة والتوجّه إلى الله والالتزام بمقررات الشريعة ، ومن الجدير بالذكر أنّ الاهتمام بهذا النوع من الهجرة وقبولها لا يعني بحال من الأحوال نفي الهجرة بالمعنى المعروف والتي يترك فيها المؤمنون أوطانهم وديارهم وأهلهم و ... من أجل الله سبحانه وتعالى ، إذ قد يتصوّر البعض إذا كان الهدف من الهجرة الجسمانية هو العروج إلى الله والوصول إليه ، فبالإمكان تحقيق ذلك من خلال سلوك طريق العبادة والتفكّر والتدبّر في ذات الله وعظمته و ... ، ولكن هذا التصوّر غير صحيح ، إذ المفروض أنّ الإنسان لم يتمكّن من حفظ إيمانه ودينه ومعتقداته بصورة كاملة تحت ظروف قاهرة وأجواء ضاغطة ، ولكنّه يستطيع أن يهاجر ويترك بلاد الكفر والشرك ليضع رحله في بلاد يحكمها الإسلام ويسمح له بإقامة شعائره الدينية بحرية واختيار ، فلا شكّ انّه وفي مثل هذه الحالة لا يكفي السلوك المعنوي والتفكير والتدبّر في تحقيق الهدف النهائي للإنسان المؤمن.

ولقد ذكر الطريحي في «مجمع البحرين» في مادة «هجر» مجموعة من العبارات يظهر أنّه انتقاها من الأحاديث الشريفة حيث قال :

«والمهاجر من هاجر ما حرم الله عليه ، والمهاجر من ترك الباطل إلى الحقّ. وفي الحديث : من دخل الإسلام طوعاً فهو مهاجر». (١)

__________________

(١). منشور جاويد : ٣ / ٣٢ ، ٥٧ ، ٥٩.

١٤٥

٩٣

التوبة النصوح

سؤال : لقد وردت في القرآن الدعوة إلى التوبة النصوح ، ما هو المراد من ذلك؟

الجواب : لقد دعا القرآن الكريم المؤمنين والمسلمين إلى التوبة النصوح حيث قال سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ...). (١)

«النصح» في اللغة بمعنى الخالص ، كما يطلق على العسل المصفّى من الشمع لفظ «عسل نصوح». إذا عرفنا ذلك ننتقل إلى معرفة ما هو المراد من التوبة الخالصة؟ فنقول : لعلّ المراد هو أنّ الإنسان يتوب إلى الله من خلال وقوفه على قبح الأفعال وخسّتها عن طريق العقل والفطرة والشرع.

وبعبارة أُخرى : أن يكون المحرّك والباعث له على التوبة إحساسه بالعبودية لله ، وانّ توبته تنبع من تلك العين الصافية لا أنّها نتيجة التوبيخ واللوم

__________________

(١). التحريم : ٩.

١٤٦

والعتاب والتقريع ، والخوف من العقاب الأُخروي ، فلا ريب أنّ هذا النوع من التوبة ليس هو المرتبة المتكاملة التي يريدها الله من العبد ، وإن كانت التوبة الناتجة عن الخوف من العقاب الإلهي تنجي الإنسان وتخلّصه يوم الفزع الأكبر ، ولكن في الواقع توجد فاصلة كبيرة بين النوعين من الناحية التربوية والإعدادية والبنائية للإنسان.

ويوجد هناك احتمال آخر وهو : انّ «النصح» في اللغة يأتي بمعنى الإرواء والسقي والإشباع ، ولذلك يقال : «نصح الغيث البلد» بمعنى سقاها وأرواها وأشبعها ، وحينئذٍ يمكن القول : إنّ المراد من التوبة النصوح هي التوبة التي تحيي القلوب الميتة بسبب المعاصي والذنوب ، وتزيل كدر النفوس وظلامها ، وحينئذٍ تكون هذه التوبة خالصة وحقيقية.

وهناك من فسّر «التوبة النصوح» بالتوبة الصادقة.

يقول الجزري في «النهاية» : وفي حديث أُبي : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التوبة النصوح؟ فقال : «هي الخالصة لا يعاود بعدها الذنب» (١). (٢)

__________________

(١). بحار الأنوار : ٦ / ١٧.

(٢). منشور جاويد : ٨ / ٢٤٢.

١٤٧

٩٤

الحكمة من تشريع التوبة

سؤال : لقد دعا القرآن الكريم وحثّ المؤمنين في آيات كثيرة على التوبة والإنابة إلى الله سبحانه ، وحينئذٍ يطرح السؤال التالي نفسه : ما هي الحكمة من تشريع التوبة؟ وهل يا ترى أنّها تكون سبباً لجرأة الإنسان ووقاحته أم لا؟

الجواب : من المسائل المهمة في بحث التوبة هو تحليلها وبيان الحكمة من تشريعها ، وذلك لأنّ القرآن قد أولى التوبة عناية فائقة حيث دعا جميع المذنبين والعاصين والمتمردين على الله إلى الإنابة والرجوع إليه سبحانه والندم على ما صدر منهم ، فخاطب الجميع بقوله سبحانه :

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). (١)

صحيح انّ الآية تحدّثت عن غفران الذنوب جميعها ولم تتحدث عن التوبة بصورة صريحة هنا ، إلّا أنّه يمكن ومن خلال الالتفات إلى المفاهيم القرآنية القول أنّ غفران الذنوب في الحقيقة يتم في ظل مجموعة من العوامل

__________________

(١). الزمر : ٥٣.

١٤٨

التي من أهمّها التوبة والندم ، وانّ تأثير باقي العوامل أقلّ من تأثير التوبة والندم.

يقول سبحانه في آية أُخرى :

(... وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (١)

إنّ هدف التوبة ـ بمعنى التوجّه إلى الله سبحانه ـ لا ينحصر في الندم على الذنب والمعصية ، بل ـ وكما سنوضح ذلك لاحقاً ـ انّ عودة الأنبياء والأولياء إلى الله سبحانه تشملها الآية الداعية إلى العودة إلى الله والتوبة بصورة مطلقة والتي طرحت التوبة باعتبارها أصلاً كليّاً وعامّاً.

وبالالتفات إلى هذا الوعد والعناية الشاملة ، وقع البعض في حيرة وإشكال في فهم حكمة هذا التشريع ، ولذلك أطالوا التفكير في المسألة وخلصوا إلى أنّ : الإعلان عن قبول التوبة يمثّل في واقعه دعوة إلى ارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي ، إذ بإمكان العباد الاتّكاء على هذا الأصل واقتراف المعاصي على أمل التوبة من الذنوب في المستقبل ، لأنّ الباب مفتوح أمامهم ولا داعي إلى إلزام أنفسهم من الأوّل بالطاعات والعبادات ، بل لهم أن يلتذّوا بما حرّم الله فترة من عمرهم ثمّ بعد ذلك يتوجّهون إلى الله بالتوبة والإنابة والله غفور رحيم.

وبالطبع انّ هذا الإشكال لا يختص بتشريع التوبة فقط ، بل أنّ هذا التفكير الساذج يصدق في كلّ عمل اعتبره الإسلام سبباً وعاملاً في غفران الذنوب ، فعلى سبيل المثال : إنّ المخالفين لفكرة الشفاعة تعلّقوا بنفس الإشكال المطروح ، وبما أنّ بحث سر وحكمة الشفاعة يبحث في محله ، نكتفي هنا في البحث عن حكمة وفلسفة تشريع «التوبة» وبالطريقة التالية :

__________________

(١). النور : ٣١.

١٤٩

من الصفات البارزة التي وصف القرآن الكريم بها الأنبياء هي صفتي الرجاء والأمل بالوعد والرحمة الإلهية والخوف والخشية من عذابه سبحانه فهم عليهم‌السلام يعيشون بين الخوف والرجاء ، ففي الوقت الذي يستشعرون حالة الخوف من عذاب البرزخ ترنو أبصارهم إلى جنة الخلد التي وعد بها المتّقون ، وقد عبّر سبحانه عن هذه الخصلة الحميدة للأنبياء والأولياء بقوله :

(... وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ). (١)

وأنت إذا لاحظت آيات الذكر الحكيم تجد أنّها دائماً تتحدّث عن البرزخ والعذاب وتقرنه بالحديث عن الجنة والنعيم الإلهي ، انّ هذا التقارن يحكي أنّ مجال التربية والإصلاح وتهذيب أخلاق الإنسان وسوقه إلى الله وإلى الخصال الحميدة لا يتم من خلال التخويف والإنذار والتهديد فقط ، بل لا بدّ أن تنمّى إلى جانب ذلك حالة أُخرى وهي حالة بعث الأمل والرجاء في النفوس ، ويقال للعباد : إن كان لله سبحانه عذاب ونار فإنّ لديه أيضاً جنة ونعيماً لكي لا يحوم الإنسان حول الرذائل والقبائح وينفض عن كاهله غبارها ودنسها فيما إذا كان قد ارتكب في يوم ما شيئاً منها ، ولا ييأس ولا يقنط من رحمة الله الواسعة ، ويعيش حياته بين الرجاء والخوف.

ولقد وصف القرآن الكريم الأنبياء والرسل بأنّهم المنادون بالخوف والرجاء وبالعذاب والرحمة حيث قال سبحانه :

(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ...). (٢)

__________________

(١). الأنبياء : ٩.

(٢). البقرة : ٢١٣.

١٥٠

إلى هنا اتّضح وبصورة إجمالية دور الأمل والرجاء في حياة الإنسان ، وهذه المسألة بدرجة من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى أكثر من ذلك ، ولكن المهم هو التذكير بأنّ الوعد بقبول التوبة وتحت شروط خاصة ، يُعدّ فرعاً من فروع بعث الأمل في نفس الإنسان المذنب والعاصي ، والمتمرّد على القوانين الإلهية ، بأن يعيد النظر في مواقفه وما ارتكبه من الذنوب والمعاصي وأن يصحّح مسيرته ويطهر سريرته وذاته ويتحوّل إلى إنسان مستقيم الطريقة مرضي الخصال وليس التوبة ـ كما تصوّرها المستشكل ـ محفزاً وباعثاً على الذنوب والتمرّد على القوانين والأحكام الإلهية ، وتوضيح ذلك :

لا ريب أنّ الإنسان غير المعصوم ، وخلال مسيرة حياته الطويلة وتحت ضغط طغيان وجموح الغرائز والميول النفسانية ، يرتكب سلسلة من المعاصي ويقع في الكثير من المخالفات ، ممّا يؤدّي إلى أن تسوّد صحيفة أعماله بالكثير من الذنوب والموبقات.

فلو فرضنا انّ هذا الإنسان الذي وصل إلى هذا الطريق المنحرف ، قد وجد نفسه أمام طريق مسدود وانّ الجسور بينه وبين ربّه قد قطعت جميعاً ، وانّ باب التوبة والإنابة قد أُوصد في وجهه ، ولم تترك له فرصة العودة إلى الطريق القويم ، ما ذا تراه سيفكّر حينئذٍ؟ ممّا لا ريب فيه أنّه وتحت حالة اليأس هذه يفكر بأنّه لم يبق أمامه إلّا طريق واحد ، وهو استغلال ما بقي من عمره في الملذّات والاستجابة للغرائز والميول ما دام يشعر بأنّه معذّب على كلّ حال ، فلما ذا لم يتنعّم في الدنيا على أقلّ تقدير؟ ولا ريب أيضاً أنّه لا يفكّر ولو لحظة واحدة في إصلاح نفسه ، لأنّه يعلم أنّ طريق الإصلاح قد سدّ في وجهه ، فعليه مواصلة طريق الموبقات.

١٥١

ولكن الأُسلوب الصحيح أن يفتح باب التوبة أمام هذا الإنسان ليعتقد أنّ الله القهّار والمعذّب والمعاقب هو نفسه الله الغفور الرحيم (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ)

ويعتقد انّه فيما إذا قرر إصلاح نفسه والعودة إلى طريق الصالحين ومنهج المؤمنين ونفض غبار الذنوب ودنسها وتركها إلى غير رجعة ، وأن لا يعصي الله أبداً ولا يخالف له أمراً ، فإنّ الله سيعفو عنه ويغفر له ويتجاوز عن سيّئاته ، وحينئذٍ سيكون مصيره مصير الصالحين والطاهرين ، فلا ريب أنّه سيقدم على اتّخاذ قرار العودة والإنابة إلى الله والتوبة إلى خالقه ، ويسعى إلى إصلاح نفسه ويكون من المتّقين.

إنّ شعاع الأمل هذا سيحدث في داخل الإنسان تحوّلاً عظيماً يتغيّر على أساسه نمط سلوكه ومنهجه في الحياة إذ كلّما اقترب من الله ابتعد عن الذنوب والمعاصي والموبقات.

ومن هنا يتّضح انّ التوبة ليست هي عامل حثّ وترغيب على المعصية كما يقال ، بل هي في الحقيقة من أهمّ العوامل في تقليل نسبة الذنوب والمعاصي ، وكثيراً ما يهتدي الكثير من الناس المنحرفين والمذنبين في الشطر الثاني من عمرهم ويتوجّهون نحو الطهر والنزاهة وحينها تقل نسبة الجريمة والذنوب في المجتمع.

وأنت إذا ألقيت نظرة على السجون في العالم ، وشاهدت الذين حكموا بأحكام طويلة الأمد أو مدى الحياة ، أو بالأعمال الشاقة ، فلو افترضنا أنّ من ضمن مقررات تلك السجون : انّ السجين الذي يثبت لدى المسئولين على السجن ندامته على ما اقترف ويصلح ذاته ويغيّر أُسلوبه في الحياة ويتحوّل إلى

١٥٢

إنسان مستقيم الطريقة ، فإنّه ستشمله قوانين تخفيف العقوبة أو يطلق سراحه ، فلو علم السجناء بهذه الفقرة القانونية التي تحيي في نفوسهم الأمل في العودة إلى الحياة الحرة والتخلّص من قيود السجن وقضبانه ، فلا ريب أنّهم يحاولون الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية ؛ وأمّا إذا لم توجد مثل هذه القوانين ولم يكن لتوبة السجين وندمه أيّ أثر في تغيير مصيره ، فمن الواضح أنّه لا يسعى إلى تغيير حياته في السجن ، بل كثيراً ما يكون عامل إزعاج للمشرفين على السجن ويتحوّل إلى إنسان مشاكس أكثر ممّا هو عليه في السابق.

ويظهر من بعض الآيات المباركة أنّه كما أنّ التهديد بالعذاب والعقاب يمثّل أحد مرتكزات وأُسس إقامة الحجّة على العباد ، كذلك الأمل والرجاء أيضاً يكون أساساً ومرتكزاً آخر لإقامة الحجة عليهم ، ومن تلك الآيات قوله سبحانه :

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ...). (١)

ثمّ إنّ التوهّم السابق ـ الذي يرى أنّ التوبة تعدّ بمنزلة الضوء الأخضر أمام الإنسان لارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي ـ إنّما يصحّ ويصبغ نفسه بلون الدليل فيما إذا اعتقدنا أنّ التوبة تقبل على كلّ حال وفي جميع الشروط. ولكنّ الإمعان في المسألة يظهر لنا أنّ للتوبة شروطاً خاصة كثيراً ما تكون غير متوفّرة لدى الإنسان المذنب والعاصي ، فإذا لم يطّلع الإنسان على تلك الشروط ويدرك جيداً أثرها فلا يمكنه أبداً التوبة والخضوع للقانون ، بل قد يكون بعضها غير قابل للتوفّر في المستقبل.

ومن الشروط التكوينية للتوبة شرط بقاء الإنسان على قيد الحياة ، ولا ريب

__________________

(١). النساء : ١٦٥.

١٥٣

أنّه لا يوجد مذنب على وجه الأرض يقطع باستمرار حياته إلى الوقت الذي يقرر فيه التوبة ، وحينئذٍ كيف يأمل في التوبة مع هذا الشك والترديد في بقاء حياته لتتسنّى له التوبة ، وكيف يرتكب الذنب على أمل أن يتوب في المستقبل؟

نعم هناك بعض المجرمين يرتكبون الذنوب على أمل التوبة ولكن في الواقع انّ هؤلاء يخدعون أنفسهم بعملهم هذا ، وإذا لم يكن باب التوبة مفتوحاً أمامهم فإنّهم لن يمسكوا أيديهم عن الاستمرار في الجريمة والمعصية ، بل يتظاهرون بالتوبة أمام الناس.

نعم يمكن استغلال الأصل الصحيح والاستفادة منه بطريقة سلبية ، ولكن ذلك لا يكون سبباً للإمساك عن تشريع هذا الأصل التربوي المهم وحرمان الناس منه تحت ذريعة استغلاله من قبل البعض.

ثمّ إنّنا لا بدّ أن ننظر إلى الأُمور نظرة واقعية ، وأنّ نعترف بالحقيقة وإن كانت مرّة ، وهي أنّ غالبية الناس يقترفون المعاصي في حياتهم ويقترفون الذنوب والآثام وانّ المعصومين والمنزّهين من الذنب والخطأ قليلون جداً بعدد الأصابع ، وبالنتيجة نعترف بأنّ الذنوب والمعاصي لا تنفك عن الفرد والمجتمع ، سواء أكان باب التوبة مفتوحاً أم أُغلق باب التوبة في وجوه المجرمين ، ولا شكّ أنّه في مثل هذه الحالة يكون لفتح باب التوبة وتشريعه أثرٌ فاعل في سعادة الإنسان واستقراره لا في شقائه وتعاسته أو ....

نعم إذا كان إيصاد باب التوبة عاملاً في مصونية الفرد والمجتمع عن الذنوب ، أو كان فتح باب التوبة سبباً وباعثاً «للتجرّي» ، ففي مثل هذه الحالة يفقد التشريع حكمته وتفقد التوبة فلسفتها.

ولكن الواقع ليس كذلك ، بل الحقيقة على خلافه ، وذلك لأنّ الإنسان

١٥٤

خلق وهو يحمل مجموعة من الغرائز والميول القاهرة التي قد تتغلّب على قدرة العقل وسلطانه وتجرّه إلى الهاوية ، وهذه ظاهرة لا يمكن اجتنابها أو إنكارها في حياة الإنسان ، وحينئذٍ لا يكون تشريع التوبة عاملاً مساعداً في وقوع الذنب أو كثرته وانتشاره في المجتمع ، بل تعدّ التوبة نافذة أمل وبريق ضوء لتخليص الإنسان من أسر الشهوات وتخليصه من الشقاء والتعاسة.

إلى هنا اتّضح لنا ومن خلال ما ذكرنا ـ أحد الأسرار المهمة لتشريع التوبة ، ومن المناسب جداً الإشارة إلى بعض الروايات التي أشارت بنحو ما إلى هذه الحكمة لتشريع التوبة:

١. عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له» ... قلت : فإن فعل ذلك مراراً ، يذنب ثمّ يتوب ويستغفر؟ فقال عليه‌السلام :

«كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة ، وإنّ الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيّئات ، فَإيّاكَ أَنْ تُقَنِّط المْؤْمِنينَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ». (١)

٢. وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض كلماته القصار :

«الْفَقيهُ كُلُّ الْفَقيه مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، وَلَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللهِ ، وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللهِ». (٢)

ففي هذا الحديث أشار إلى عاملين من عوامل التربية ، أعني : «الخشية والرجاء» ، فإنّ الاكتفاء بصفة الأمل والرجاء فقط هي من صفات اليهود أو من

__________________

(١). بحار الأنوار : ٦ / ٢٠ ، باب ٢٠ ، الحديث ٧١.

(٢). نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، برقم ٩٠.

١٥٥

يسير على منهجهم ، فإنّهم لا يخشون ذنوبهم وجرائمهم مهما كانت عظيمة ؛ وأمّا الذين يعيشون حالة الخوف والخشية فقط فهؤلاء الناس يائسون والقانطون من رحمة الله سبحانه ولا يرون للتوبة أيّ أثر في نجاتهم وخلاصهم من العذاب الأُخروي.

٣. كان الزهري عاملاً لبني أُمية فعاقب رجلاً ـ كما يروى ـ فمات الرجل في العقوبة ، فخرج هائماً وتوحّش ودخل إلى غار ، فطال مقامه تسع سنين ، قال : وحج علي بن الحسين عليه‌السلام فأتاه الزهري فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام :

«إنّي أخافُ عَلَيْكَ مِنْ قُنُوطِكَ ما لا أَخافُ مِنْ ذَنْبِكَ فابعث بدية مسلّمة إلى أهله، وأخرج إلى أهلك ومعالم دينك» ، فقال له : فرّجت عنّي يا سيدي! الله أعلم حيث يجعل رسالته (١). (٢)

__________________

(١). بحار الأنوار : ٤٦ / ١٣٢ ، وقد نقل العلّامة المجلسي هذه الرواية عن مناقب ابن شهرآشوب ، وقد وردت هذه القصة باختلاف يسير في كتاب مجموعة ورّام.

(٢). منشور جاويد : ٨ / ٢١٤ ـ ٢٢٠.

١٥٦

٩٥

تسويل النفس

سؤال : ما هو المراد من تسويل النفس؟

الجواب : لقد تكرّر في القرآن الكريم لفظ «تسويل النفس» والمراد منه أنّ النفس الإنسانية وتحت ضغط الميول والرغبات تزيّن للإنسان الأُمور القبيحة وتصوّرها له على أنّها حسنة ، ومن هنا نرى أنّ بعض العلماء قد أثبتوا للإنسان وجود نفس باسم «النفس المسوّلة» في مقابل «النفس المطمئنّة» أو «اللوّامة» أو «الراضية» فقد خاطب يعقوبعليه‌السلام أولاده حينما ألقوا يوسف في الجب وادّعوا كذباً وزوراً أنّه قد أكله الذئب بقوله:

(... بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ...). (١)

وكذلك نرى المصطلح في قصة السامري الذي دعا الناس إلى عبادة العجل عند غياب موسى عليه‌السلام حيث قال سبحانه حاكياً عنه قوله لموسى عليه‌السلام حينما سأله عن سبب ارتكابه هذا الفعل الشنيع والعمل المنكر الذي سعى فيه لجرّ الناس إلى الشرك والكفر :

__________________

(١). يوسف : ١٨.

١٥٧

(... وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي). (١)

وكما ورد ذلك في الآيات كذلك جاء في الروايات أيضاً فقد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مستقبل طائفة من الناس فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، وفسق شبابكم ، ولم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر؟» فقيل له : ويكون ذلك يا رسول الله؟! فقال : «نعم ، وشرّ من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟» فقيل له : يا رسول الله ويكون ذلك؟! قال : «نعم ، وشرّ من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟!». (٢)

ثمّ إنّ القرآن الكريم الذي نراه يؤكّد ويصدق وجود حالة الخداع النفسي وعملية التسويل والتزيين التي تقوم بها النفس الإنسانية ، يؤكد في نفس الوقت أنّ الإنسان حينما يرجع إلى وجدانه ويغوص في أعماق نفسه يطّلع على حقيقة الأمر ويعرف نفسه جيداً ويدرك بوضوح ما تنطوي عليه من خصال قبيحة ، ويعترف حينئذٍ بخطئه وتقصيره وما صدر منه من ذنوب ومعاصي ، قال سبحانه وتعالى :

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (٣). (٤)

__________________

(١). طه : ٩٦.

(٢). وسائل الشيعة : ١١ / ٣٩٧.

(٣). القيامة : ١٤ ـ ١٥.

(٤). منشور جاويد : ٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

١٥٨

٩٦

عوامل الانحراف والضلال

سؤال : انّ الانحراف عن الطريق القويم والضلال هما من الظواهر التي قد يبتلى بها الإنسان ، ولا ريب انّها وليد مجموعة من العوامل والأسباب فما هي تلك العوامل والأسباب التي تسوق الإنسان إلى ذلك المصير السيّئ؟

الجواب : تحدّث القرآن الكريم وبمناسبات مختلفة عن مجموعة من العوامل التي لا تكون نتيجتها إلّا الضلال والانحراف والغواية ، وممّا لا شكّ فيه أنّ معرفة تلك العوامل والاطّلاع عليها من قبل عباد الله الذين تتوق نفوسهم نحو الخير والصلاح والسعادة تعدُّ سبباً أساسياً وجوهرياً في تكامل الإنسان ورقيّه الروحي والمعنوي والأخلاقي ، لأنّ هذه العوامل المضرّة والمفسدة ـ وكما قلنا تكون سبباً لتعاسة وسوء خاتمة بعض الناس الذين تركوا زمام أُمورهم ـ وباختيارهم وإرادتهم ـ تحت تصرّف هذه العوامل بحيث تسوقهم إلى حيث تشاء ومتى تشاء ، ولكن في نفس الوقت تكون تلك العوامل والأسباب بالنسبة إلى الأفراد المؤمنين والعقلاء والذين يحتاطون لأنفسهم ، سبباً لتكاملهم وثباتهم ورسوخهم في العقيدة الدينية والقيم الأخلاقية.

وهذه العوامل عبارة عن :

١٥٩

١. الشيطان

لقد اعتبر القرآن الكريم في الآيات التي تحدّثت عن عوامل الضلال انّ أحد هذه العوامل هو «الشيطان» الذي يكون سبباً للانحراف ، والضلال ، قال سبحانه :

(كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ). (١)

كما أشار القرآن إلى قول الشيطان بعد أن طرد من مقامه حينما تمرّد على الأمر الإلهي ولم يسجد لآدم عليه‌السلام :

(... لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً* وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ...). (٢)

وفي آية أُخرى يخبر الله سبحانه عن الذين أغواهم الشيطان وأزلّهم عن الطريق حيث قال سبحانه :

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ). (٣)

٢. الهوى وخفة العقل

إنّ للغرائز والميول والأهواء والأحاسيس تأثيراً مهماً في بقاء واستمرار الحياة الإنسانية وديمومة النسل البشري ، وإذا ما سلبت من الإنسان غرائزه وأحاسيسه فإنّه سيفنى ويندثر لا محالة ، ولكن بالرغم من أهميّة تلك الغرائز فإنّها إذا ما لم تعدّل وتوزن ويرسم لها حدودها ومدار حركتها بنحو لا يقع

__________________

(١). الحج : ٤.

(٢). النساء : ١١٨ ـ ١١٩.

(٣). يس : ٦٢.

١٦٠