الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


المحقق: اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-153-X
الصفحات: ٤٤٩
الجزء ١ الجزء ٢

القيّمة تحتاج إلى مهندسين من الطراز الأوّل لاستخراجها وتفعيلها حيث يقول عليه‌السلام :

«واصْطَفى سُبْحانَهُ مِنْ وُلْدِهِ أَنْبِياءَ أَخَذَ عَلى الوَحْي مِيثاقَهُمْ ، وعَلى تَبْليغِ الرِّسالَةِ أَمانَتَهُم ... فَبَعثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ ، وَواتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ ، لِيَسْتَأدُوهُمْ مِيثاقَ فِطْرَتِهِ ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ ، وَيَحْتَجّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْليغِ ، وَيُثيرُوا لَهُمْ دَفائِنَ العُقُولِ». (١)

إلى هنا تمّ بيان هذا الهدف من بعثة الأنبياء والذي يظهر أنّه يتألف من مقدّمتين :

الأُولى : أنّ وجود الإنسان يشتمل على مجموعة من الغرائز والميول الفطرية.

الثانية : أنّ الاستفادة الصحيحة من تلك الغرائز والميول بعيداً عن الإفراط والتفريط بحاجة إلى قيادة حكيمة.

إذاً تكامل الإنسان ورقيّه يحتاج إلى قيادة تستطيع ترشيد تلك الغرائز والميول الفطرية.

الهدف السادس : تعليم الناس الكتاب والحكمة

لقد أشارت آيات من الذكر الحكيم إلى أنّ أحد أهداف بعثة الأنبياء هو تعليم الناس الكتاب الإلهي والحكمة ، ولا شكّ أنّ المقصود من الكتاب هو الكتاب المنزل على كلّ نبيّ في عصره ، كصحف نوح وإبراهيم عليهما‌السلام وتوراة موسى وإنجيل المسيح عليهما‌السلام وقرآن نبي الإسلام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

كما أنّ المقصود من الحكمة هو تلك الدساتير والقوانين الحكيمة التي

__________________

(١). نهج البلاغة : الخطبة ١.

١٦١

تضمن للإنسان سعادة الدنيا والآخرة ، لا خصوص الحكمة المرادفة للفلسفة النظرية في مصطلح أهل المعقول.

قال تعالى حاكياً عن إبراهيم دعاءه بقوله :

(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ...). (١)

الهدف السابع : إقامة الحجّة على العباد

يستفاد من بعض آيات الذكر الحكيم أنّ الهدف من بعثة الأنبياء هو إتمام الحجّة وإقامتها على العباد ، قال سبحانه :

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً). (٢)

ويقول سبحانه :

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣). (٤)

__________________

(١). البقرة : ١٢٩.

(٢). النساء : ١٦٥.

(٣). المائدة : ١٩.

(٤). منشور جاويد : ١٠ / ١٧ ـ ٦٥.

١٦٢

٣٢

الفرق بين النبي والرسول

سؤال : إذا نظرنا إلى مصطلحي النبي والرسول نجد للوهلة الأُولى انّه يوجد ترادف بينهما ، أي أنّ مفهوم الرسول هو نفس مفهوم النبي ، فهل هذا التصوّر صحيح أو يوجد بينهما اختلاف؟

الجواب : إنّ المتتبع لآيات الذكر الحكيم يجد أنّها حينما تتطرق للتعريف بأنبياء الله تستخدم ـ غالباً ـ مصطلحي «النبي» و «الرسول» ، فتارة يرد مصطلح «النبي» فقط ، وتارة أُخرى يرد مصطلح «الرسول» فقط ، وتارة أُخرى يرد كلا المصطلحين ، والذي يظهر من بعض الآيات أنّه يوجد تفاوت بين المصطلحين ، يقول سبحانه :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي). (١)

يتّضح من هذه الآية أنّها تدلّ على أنّ هناك طائفتين : طائفة الأنبياء وطائفة الرسل ، كما أنّه توجد بالإضافة إلى الآية السابقة آيات أُخرى وإن كانت لا ترتقي

__________________

(١). الحج : ٥٢.

١٦٣

إلى مستوى الآية المذكورة في الدلالة على التفريق ، ومن هذه الآيات قوله سبحانه :

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ...). (١)

وقوله سبحانه :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا). (٢)

ويقول سبحانه :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا). (٣)

وهكذا نرى أنّه سبحانه يذكر النبي بعد الرسول تارة مستعملاً حرف العطف وأُخرى مجرداً عنها وهو آية اختلافهما في المفاد ، ومن ذلك يظهر انّ احتمال الترادف بين اللفظين ضعيف ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى إنّ احتمال كون المقصود من الرسول شخصاً غير المقصود من النبي لا ينسجم مع ظاهر تلك الآيات ، وذلك لأنّ في تلك الآيات قد استعمل اللفظان كوصف لإنسان واحد فالموصوف في الآية الأُولى هو الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي الآية الثالثة هو النبي إسماعيل عليه‌السلام.

والحال أنّ في الآية ٥٢ من سورة الحجّ قد تمّ عطف كلمة النبي على كلمة الرسول بحرف العطف (واو الجمع) ، ويظهر من ذلك التقسيم يعني أنّه توجد

__________________

(١). الأعراف : ١٥٧.

(٢). مريم : ٥١.

(٣). مريم : ٥٢.

١٦٤

طائفتان : طائفة الرسل ، وطائفة الأنبياء.

وعلى هذا الأساس سعى المفسّرون للبحث والتنقيب عن الفرق بين الرسول والنبي وذكروا في هذا المجال آراء مختلفة ، ولكنّه من بين جميع تلك الآراء المختلفة هناك رأي اتّفق عليه المفسرون وهو أنّ «الرسول» أخصّ من النبي.

ومن الجدير بالانتباه هو انّ هذه الآيات وغيرها من آيات الذكر الحكيم التي استخدم فيها لفظ النبي والرسول تدلّ جميعها على الحقيقة التالية : وهي انّ ملاك الاتّصاف بالنبوة وإطلاق النبي هو ارتباط الأنبياء بالمقام الربوبي ، أي انّ النبوة متقوّمة بالاتصال بالله والإنباء عنه ونزول الوحي إلى من يسند إليه منصبها بإحدى الطرق. وأمّا الرسالة فهي متقوّمة بتحمّل الرسول إبلاغ ما أُوكل إليه إبلاغه من الأوامر والنواهي والقوانين الإلهية.

وإذا ما وجدنا في بعض الموارد أنّه قد استعملت كلمة النبي من دون رعاية للضابطة المذكورة ، فلا شكّ أنّ ذلك بسبب نكتة قد أدّت إلى هذا العدول. وإلّا يكون للمصطلحين مفهومان : أحدهما «النبوة» وهو مقدّم على الثاني الذي هو «الرسالة».

ومن هنا يتّضح بجلاء أنّه لا يمكن أن يكون اللفظان مترادفين مفهوماً ، بل لكلّ منهما مفهوم يختلف عن المفهوم الآخر.

نعم هما متساويان غالباً في المصداق والانطباق الخارجي ، بمعنى أنّ كلّ نبي (موحى له) هو رسول : أي تقع على عاتقه مهمة الإبلاغ والإرشاد. كما أنّ كلّ رسول (يحمل رسالة من قبل الله سبحانه) فهو نبي يوحى له.

ولكن في الأوّل الحكم غالبي يعني أنّ الأكثرية الغالبة من الأنبياء الذين يوحى لهم هم في نفس الوقت يحملون رسالة إلهية وتشريعات سماوية أُمروا

١٦٥

بإبلاغها ، وإن كان هناك حالات نادرة من النبوة الخاصة ، حيث نجد في بعض الروايات إشارة إلى أنّ بعض الأنبياء غير مبعوث إلى تنفيذ رسالة ما ، كما جاء في «الكافي» باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة.

عن هشام بن سالم ، عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات : فنبيّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها ، ونبيٌّ يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط عليه‌السلام ، ونبيٌّ يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد أُرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا كيونس ... وعليه إمام ؛ والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل أُولي العزم، وقد كان إبراهيم عليه‌السلام نبيّاً وليس بإمام حتّى قال الله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فقال الله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً». (١)

وممّا لا ريب فيه أنّنا في مقام المقارنة بين النبي الموحى إليه من قبل الله وبين الإنسان الرسول الذي كُلِّف من قبله سبحانه في تنفيذ مهمة ما ، وإذا ما أهملنا هذه النكتة الدقيقة في المقارنة فانّنا نجد أنّ القرآن الكريم يتوسّع في استعمال كلمة الرسول فيطلقه على الإنسان والملك بخلاف النبي فلا يستعمله إلّا في الإنسان كما ورد في قوله سبحانه :

(... إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا). (٢)

__________________

(١). الكافي : ١ / ١٧٤ ، الحديث ١ ؛ وبالطبع إنّ إطلاق صفة النبي على مثل هؤلاء الأفراد يُعدّ نوعاً من التوسع والمسامحة في الإطلاق وإلّا فما معنى نبوة لا تتجاوز شخص الإنسان نفسه غير أن نقول : إنّ هذه النبوة بمعنى تلقّي الخبر فقط.

(٢). مريم : ١٩.

١٦٦

ويقول سبحانه :

(... حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ...). (١)

بل يتوسّع القرآن في استعمال الرسول فيطلقه على المبعوث لا من جانبه سبحانه ، كما ورد ذلك في قصة يوسف عليه‌السلام.

(... فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ...). (٢)

وبالالتفات إلى هذين النوعين من الاستعمال لمصطلح الرسول يستحيل القول : إنّ النبي والرسول متساويان ، بل يكون مفهوم الرسول أوسع من مفهوم النبي من جهة تعدّد المصاديق ، وفي الواقع تصحّ النظرية التي تقول : إنّ النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق ، لأنّ كلّ نبي ـ باستثناء النبي المبعوث لنفسه ـ رسول ، وليس كلّ رسول نبيّاً ، لأنّنا قد عرفنا أنّ بعض الرسل ليسوا بأنبياء كالملائكة والأفراد العاديين الذين يرسلون من قبل غيرهم من الناس كالأُمراء والحكام مثلاً.

وبالطبع إنّ هذا المطلب خارج عن بحثنا ، لأنّ بحثنا يدور حول الرسول الاصطلاحي لا الرسول اللغوي والعرفي.

نتائج البحث

من خلال البيان السابق نصل إلى النتائج التالية :

الأوّل : إنّ النبوّة والرسالة مفهومان متغايران حيث إنّ النبوة متقوّمة في الاتّصال بعالم الغيب والإنباء عنه ، وأمّا الرسالة فهي متقوّمة بتحمل الرسول إبلاغ

__________________

(١). الأنعام : ٦١.

(٢). يوسف : ٥٠.

١٦٧

كلام من المرسل إلى المرسل إليه ، وأنّ وصف أي إنسان بأحد هذين الوصفين فإنّما هو بسبب هذين الملاكين المتمايزين.

الثاني : إنّ مقام النبوّة أعلى وأسمى من مقام الرسالة ، لأنّ الحيثية المقوّمة للنبوة هي حيثية الاتّصال والارتباط بالمقام الربوبي ، واستعداد النفس لوعي ما ينزل به الوحي من المبدأ الأعلى ، وأمّا الحيثية المقوّمة للرسالة فهي حيثية تحمل تنفيذ عمل أو إبلاغ قول من المرسل ، وأين شرف الاتّصال بالله والمبدأ الأعلى من شرف تحقيق وتنفيذ عمل في الخارج أو إبلاغ كلامٍ عن شخصٍ إلى الغير.

وبالطبع انّ في مجال الانطباق على المصاديق يكون النبيّ أفضل من الرسول ، وذلك لأنّه في حال اجتماع النبوة والرسالة في شخص واحد فيكون نبياً ورسولاً فإنّ فضيلته وشرفه إنّما ينبعان من كونه نبياً لا من كونه رسولاً ، وإذا ما كان لرسالته فضل أيضاً ، فبلا ريب أنّ الفضل النابع من جهة النبوة أفضل من الفضل والشرف النابعين من جهة الرسالة.

الثالث : النبوّة أساس رسالة الإنسان من الله سبحانه ، إذ رسالة الإنسان من جانب الله ـ كما قلنا ـ لإبلاغ أمره أو زجره لا تتحقّق إلّا باتّصاف الرسول بالنبوة ، وأنّ الرسول الذي أُمرنا باتّباعه ووجوب طاعته هو الرسول المبعوث من قبل الله ، لا أي رسول حتّى لو كان ملكاً أو كان رسولاً من قبل إنسان آخر. وعلى هذا الأساس تكون المرتبة الأُولى هي مرتبة النبوة والارتباط بعالم الغيب ، وبعد ذلك تتعقبها مرتبة الرسالة.

الرابع : إنّ النسبة بين مفهوم النبي وبين مفهوم الرسول الخاص ـ أعني : الإنسان المبعوث من جانب الله سبحانه ـ هي نسبة التساوي بحيث كلّما صدقت النبوّة صدقت بتبعها الرسالة ، وأنّ الأنبياء الفاقدين للرسالة حالة شاذّة ونادرة لا

١٦٨

تتجاوز عدد الأصابع. ومن المعلوم أنّ الشاذ النادر لا يمكن أن يعتبر ملاكاً للتمايز والمقارنة ، أضف إلى ذلك إنّ مثل تلك النبوة الفاقدة للرسالة ليس لها مفهوم واضح. وعلى هذا الأساس فلا فرق بين أن نقول : «محمّد رسول الله وخاتم النبيّين» وبين أن نقول : «وخاتم الرسل» للتلازم بين الأمرين من حيث المصداق.

وعلى فرض كون مفهوم النبي أعمّ من الرسول ويكون شاملاً للأنبياء الذين ليست لديهم رسالة ، ففي هذه الحالة أيضاً يكون إيصاد باب النبوة ملازماً لإيصاد باب الرسالة.

بقيت هناك نكتة وهي أنّ القرآن الكريم قد استعمل عبارة «خاتم النبيّين» ولم يستعمل عبارة «خاتم الرسل» فما ذلك إلّا لأجل أنّ النبوة أساس للرسالة من جانب الله ، وأنّ ختم النبوة يلزم منه ختم الرسالة قطعاً.

وبعبارة أُخرى : إذا ختم مقام الاتّصال بالوحي وتلقي الرسالة والأوامر ، فحينئذٍ ينتفي موضوع الرسالة قطعاً. (١)

__________________

(١). منشور جاويد : ١٠ / ٢٥٧ ـ ٢٧٣.

١٦٩

٣٣

الأنبياء أُولو العزم

سؤال : من المصطلحات المستخدمة في وصف بعض الأنبياء هو مصطلح «أُولو العزم» ما المراد منه؟

الجواب : لقد وصف الله سبحانه طائفة من رسله بأنّهم «أُولو العزم» حيث قال :

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ). (١)

ففي الآية المباركة يأمر الله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر والصمود في وجه الأعداء كوقوف سلفه من الرسل «أُولو العزم» الذين واجهوا معانديهم وصمدوا أمام مخالفيهم ، ومن الحريّ بنا وقبل توضيح المقصود من «أُولو العزم» أن نسلط الأضواء على المعنى اللغوي والقرآني للفظة العزم.

__________________

(١). الأحقاف : ٣٥.

١٧٠

العزم في اللغة والقرآن

يظهر من ابن فارس في «مقاييس اللغة» أنّ لهذا اللفظ معنى واحداً وهو القطع. وإليه يرجع معناه الآخر وهو العزم ، وكأنّه يقطع التحيّر والشك ، قال : «عزم» له أصل واحد صحيح يدلّ على العزيمة والقطع. (١)

وأمّا الاستعمال القرآني لهذه اللفظة فالظاهر أنّه نفس الاستعمال اللغوي ، أي بمعنى التصميم القطعي والجدي ، أو ما يصطلح عليه «عقد القلب». ويشهد لذلك طائفة من الآيات :

١. (... فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ ...). (٢)

٢. (... فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ...). (٣)

٣. (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ...). (٤)

٤. (... وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ ...). (٥)

٥. (... وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). (٦)

والتدبّر في الآية الأخيرة يعطي أنّ العزم ليس مرادفاً للصبر والثبات ، بل يوجد بينهما تلازم ، وذلك كما يظهر من الآية التالية :

(... وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). (٧)

ومن قوله تعالى :

__________________

(١). المقاييس : ٤ / ٣٨٠.

(٢). محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٢١.

(٣). آل عمران : ١٥٩.

(٤). البقرة : ٢٢٧.

(٥). البقرة : ٢٣٥.

(٦). آل عمران : ١٨٦.

(٧). لقمان : ١٧.

١٧١

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). (١)

ومع أنّ الآيات المذكورة تحكي المغايرة بين «الصبر» و «العزم» ولكنّنا مع ذلك نرى الزمخشري في كشافه قد ذهب إلى أنّ اللفظين مترادفان حيث قال : «أُولو العزم أي أُولو الجدّ والثبات». (٢)

ومن خلال هذا البيان يتّضح المقصود من الآية التالية :

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً). (٣)

بناء على ذلك ، فالعزم لغة هو القطع مقابل الوصل ، وفي القرآن الكريم استعمل بمعنى عقد القلب لعلاقة التناسب بينه وبين المعنى اللغوي.

ولذلك نرى أنّ معنى لفظة العزم : هو التصميم القطعي ، وأنّ لفظة «أُولو» معناها أصحاب. وعلى هذا الأساس يكون معنى أُولو العزم : أصحاب وذوو التصميم القطعي والإرادة الثابتة ، والقصد المؤكّد الذي لا ينفصم عن العمل والسعي في سبيل الله سبحانه. وبعد أن عرفنا المقصود من «أُولو العزم» ننتقل إلى بحث آخر وهو :

من هم أُولو العزم من الرسل؟

لقد ذكرت كتب التفاسير وجوهاً واحتمالات مختلفة للإجابة عن التساؤل المذكور نذكرها هنا بصورة مختصرة :

الوجه الأوّل : هم الذين بعثوا إلى شرق الأرض وغربها ، جِنّها وإنسها. (٤)

__________________

(١). الشورى : ٤٣.

(٢). الكشاف : ٣ / ١٢٦.

(٣). طه : ١١٥.

(٤). حق اليقين : ١١١ ، للسيد عبد الله شبر.

١٧٢

والجدير بالذكر أنّ هذا التفسير ينسجم مع النظرية القائلة بأنّ رسالة الأنبياء السابقين هي رسالة عالمية شأنها شأن الرسالة الإسلامية المحمّدية ؛ والحال أنّ عالمية الرسالة تنحصر برسالة النبي الأكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط. وأمّا غيره من الرسل السابقين فلا تمتلك رسالتهم تلك الخصوصية ، حتى رسالة النبي موسى عليه‌السلام ورسالة المسيح عليه‌السلام كانت مختصة بقومهما وبالمناطق التي بعثا فيها ولم تكونا رسالتين عالميتين ، ولقد فصّلنا القول في هذه المسألة في موسوعتنا مفاهيم القرآن. (١)

الوجه الثاني : إنّ المقصود من «أُولو العزم» هم كلّ الرسل ، لأنّه لم يبعث الله رسولاً إلّا كان ذا عزمٍ راسخ وإرادة محكمة في طريق تبليغ الرسالة الإلهية ، لأنّه لا جهاد من دون عزم وثبات.

وعلى هذا الأساس تكون لفظة «مِنْ» في قوله تعالى :

(أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) بيانية لا تبعيضية ، ويكون معنى الآية : اصبر واستقم كما صبر واستقام المرسلون من «أُولو العزم» من قبلك.

ويؤيد ذلك ـ كون جميع الأنبياء من «أُولو العزم» ـ قوله سبحانه :

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً). (٢)

ولا ريب أنّ العمل بالميثاق الغليظ يتوقف على العزم الراسخ والإرادة القوية التي تستتبع الصبر والثبات ، وأمّا تخصيص الخمسة بالذكر فما هو إلّا لعظمة شأنهم ورفعة مكانهم ، وهناك آيات أُخرى بنفس مضمون الآية

__________________

(١). مفاهيم القرآن : ٣ / ٧٧ ـ ١٠٦.

(٢). الأحزاب : ٧.

١٧٣

المذكورة. (١)

وقد يقال : إذا كان جميع الأنبياء هم من «أُولو العزم» فكيف وصف القرآن الكريم آدم عليه‌السلام بأنّه لا عزم له؟ كما ورد في قوله :

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً). (٢)

ويمكن الإجابة عن الإشكال المذكور بأنّ الآية تتعلّق بفترة ما قبل الهبوط إلى الأرض ، والحال أنّ بحثنا يتعلّق ب «دار التكليف» ولا دليل على أنّ آدم قد نسي العهد الإلهي ولم يكن له عزماً في هذه الدار.

نقد الوجه الثاني

إنّ هذه النظرية المطروحة في الوجه الثاني قابلة للمناقشة والمؤاخذة ، وذلك :

أوّلاً : الظاهر أنّ حرف «مِنْ» في قوله (مِنَ الرُّسُلِ) تبعيضية لا بيانية ، وهذا شاهد على أنّ الأنبياء ينقسمون إلى طائفتين : طائفة ارتقت إلى المقام الشامخ «أُولو العزم» ، وطائفة أُخرى لم ترتق إلى هذا المقام الشامخ ، فكيف يا ترى يُدّعى أنّ جميع الأنبياء هم من «أُولو العزم»؟!

ثانياً : أنّ الاستدلال بأخذ الميثاق من الأنبياء دليل على أنّهم كانوا أصحاب عزم وإرادة راسخة غير صحيح ، وذلك لأنّ أخذ الميثاق لا يدلّ على وجود العزم في مقام العمل بالميثاق ، لأنّ الله سبحانه قد أخذ ذلك الميثاق من جميع البشر قبل خلقهم ولم يقم أكثر الناس بذلك الميثاق الذي أُخذ منه يقول

__________________

(١). لشورى : ١٣ ، آل عمران : ٨١.

(٢). طه : ١١٥.

١٧٤

سبحانه :

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ). (١)

الوجه الثالث : يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنّ المقصود من «أُولو العزم» ليس جميع الأنبياء ، بل المقصود طائفة منهم ، وهم الرسل الذين صبروا كثيراً في طريق تبليغ الرسالة ، وكانوا كالطود الشامخ أمام المصاعب والآلام وأساليب التكذيب والأذى التي تعرضوا لها.

ومن الواضح أنّ هذه النظرية تستبطن مطلبين :

الف : إنّه ليس جميع الأنبياء هم من «أُولو العزم».

ب : أنّ المقصود هو تلك الطائفة من الأنبياء التي صبرت في طريق تبليغ الرسالة وكانت كالطود الشامخ.

وأمّا الصبر والثبات في الموارد الأُخرى فلا يكون ملاكاً للاتّصاف بصفة «أُولو العزم»، وكأنّ معنى الآية : اصبر واستقم كما صبر «أُولو العزم» من الرسل في طريق تبليغ الرسالة.

ونحن إذا راجعنا القرآن الكريم لا نعثر على آية نستطيع من خلالها تعيين تلك الطائفة من «أُولو العزم» ، نعم أُشير في بعض الروايات إلى أسماء أربعة منهم ، مثل : نوح عليه‌السلام ، إبراهيم عليه‌السلام ، موسى عليه‌السلام ، وعيسى ابن مريم عليهما‌السلام. (٢)

وفي الوقت الذي نرى أنّ هذه النظرية قد حصرت الملاك في كونهم «أُولو العزم» هو ابتلاؤهم بالشدائد والبلايا في طريق تبليغ رسالتهم ونشرها بين الناس ،

__________________

(١). يس : ٦٠ ـ ٦١.

(٢). انظر تفسير البرهان : ٢ / ١٧٩.

١٧٥

نجد أنّ الروايات الواردة في تفسير الآية توسع الملاك وتطبّق الآية على الأنبياء الذين صبروا في غير مجال تبليغ الرسالة ، كصبر يعقوب على فقدان ولده وذهاب بصره ، ويوسفعليه‌السلام على الجبّ والسجن للمحافظة على نقائه وطهارته أمام مغريات امرأة العزيز ، وداود إذ يبكي على زلّته أربعين سنة ، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنّها معبرة فاعبروها ولا تعمروها ، وقال الله تعالى في آدم : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، وفي يونس حيث قال : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ). (١)

أي لا تكن مثل يونس في استعجال عقاب قومه وإهلاكهم ولا تخرج من بين قومك من قبل أن يأذن لك الله. (٢)

ولكن الرواية على خلاف ظاهر الآية فلا يمكن الأخذ بها ، بل الرواية الأُولى أحكم من الثانية ، خاصة وانّ الرواية الثانية جاء فيها انّ الذبيح بدل (إسماعيل) (إسحاق) ، وهذا خلاف القرآن ، وانّه شبيه بالروايات الإسرائيلية. (٣)

الوجه الرابع : إنّ المقصود من «أُولو العزم» حسب هذه النظرية كلّ من جاء بشريعة مستأنفة تنسخ شريعة من تقدّمه ، وهم خمسة : أوّلهم نوح ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ موسى ، ثمّ عيسى ، ثمّ محمّد عليهم‌السلام.

روي عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قال : «وهم سادة النبيّين ، وعليهم دارت رحى المرسلين». (٤)

__________________

(١). القلم : ٤٨.

(٢). مجمع البيان : ٥ / ١٦٩ ؛ مفاتيح الغيب : ٧ / ٤٦٨.

(٣). بعض المفسرين فسّر ذلك بالأنبياء الذين أُمروا من قبل الله بالجهاد والقتال في طريق نشر الدين ، ومن الطبيعي أنّ هذا التفسير يتّحد مع هذه النظرية ، ولذلك لم نورده كوجه ونظرية مستقلة.

(٤). مجمع البيان : ٥ / ١٩٤.

١٧٦

وقد ورد هذا التفسير في بعض الروايات الخاصة ، فقد روى ذلك الكليني بسند موثّق عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وروى الصدوق رحمه‌الله ذلك بسند موثق أيضاً عن الإمام الرضاعليه‌السلام. (١)

ولكنّ هنا سؤالاً يطرح نفسه وهو أنّه لم يثبت نسخ كلّ شريعة لاحقة لما تقدّمها؟ فعيسى عليه‌السلام ـ مثلاً ـ لم ينسخ شريعة موسى عليه‌السلام ، وقد بيّن الغاية من بعثته وهي القضاء بين بني إسرائيل وفكّ الخصومات ، حيث قال سبحانه :

(قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ). (٢)

فإنّ معنى ذلك أنّ المسيح جاء مبيّناً لا ناسخاً لما تقدّمه من الشرائع ، إلّا إذا كان المقصود من النسخ هو تجديد بعض الأحكام ورفع القيود والأغلال التي كانت موجودة ، حيث قال سبحانه :

(... وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ...). (٣)

الوجه الخامس : المقصود من «أُولو العزم» هم الرسل الثمانية عشر الذين ورد ذكرهم في سورة الأنعام من الآية (٨٢ ـ ٨٦) وهم : إبراهيم ، إسحاق ،

__________________

(١). تفسير البرهان : ٤ / ١٧٨ ـ ١٧٩. وسند الكليني هو كالتالي : عِدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل : «فاصبر كما صبر أُولوا العزم من الرسل» فقال : نوح وإبراهيم و ....

وأمّا سند الصدوق فهو : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال : حدثنا محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال : حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال: «إنّما سمّي أُولو العزم ، لأنّهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع ...».

(٢). الزخرف : ٦٣.

(٣). آل عمران : ٥٠.

١٧٧

يعقوب ، نوح ، داود ، سليمان ، أيوب ، يوسف ، موسى ، هارون ، زكريا ، يحيى ، عيسى، إلياس ، إسماعيل ، اليسع ، يونس ، ولوط.

والدليل على ذلك قوله سبحانه بعد ذكرهم عليهم‌السلام :

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). (١)

وفي نفس الآية يقول سبحانه : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ).

وهذا الوجه من أضعف الأقوال وأبعدها عن الحق في تفسير «أُولو العزم» ، لأنّه سبحانه لم يخص الاهتداء بالثمانية عشر فقط ، بل قد أشار إلى آبائهم وأبنائهم وإخوانهم بقوله :

(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). (٢)

ثمّ أعقب ذلك بقوله سبحانه :

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ...).

ولا وجه لحصر الهداية بالثمانية عشر فقط.

أضف إلى ذلك : إنّ من بين هؤلاء الثمانية عشر اسم النبي يونس الذي ورد في حقّه قوله تعالى :

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ ...).

حيث نُهي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اتّباع طريقة يونس عليه‌السلام العجولة.

والذي يظهر أنّ أفضل وأحكم الوجوه هو الوجه الثالث والرابع ، وهو أنّ

__________________

(١). الأنعام : ٨٩.

(٢). الأنعام : ٨٧.

١٧٨

المقصود من «أُولو العزم» هم تلك الطائفة من الأنبياء الذين صبروا في طريق رسالاتهم وتبليغ دين الله وصمدوا أمام الحوادث كالطّود الشامخ لم يعتريهم تزلزل ولا خوف ، وعلى رأس هؤلاء الأنبياء أصحاب الشرائع وهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والنبي الأكرمعليهم‌السلام.

وبالنتيجة : أنّ الوجه الثالث ينطبق مع الوجه الرابع في جهة من الجهات وهي أنّ الأنبياء أصحاب الشرائع من «أُولو العزم».

وأمّا جهة التفاوت بين الوجه الرابع والثالث فهي أنّ الوجه الرابع يحصر «أُولو العزم» بعددٍ خاص ، ولكن الوجه الثالث يطرح عنواناً عاماً ينطبق على المذكورين في الوجه الرابع وغيرهم من الأنبياء أصحاب الإرادة القوية والعزم الراسخ. ولكنّ الوجه الرابع أقرب إلى الواقع، لأنّه مدعوم بروايتين معتبرتين تشهدان له من بين الوجوه.

١٧٩

٣٤

خصائص الأنبياء العلمية

سؤال : ما هي الخصائص العلمية التي يتحلّى بها الأنبياء عليهم‌السلام ، أو بعبارة أُخرى : ما هي الخصائص التي ينبغي أن يتحلّى بها الأنبياء؟

الجواب : لا ريب انّ الأنبياء يتحلّون بالكثير من الخصائص الحميدة والصفات الحسنة ، ونحن هنا واستلهاماً من آيات الذكر الحكيم نشير إلى هذه الخصائص :

إحدى هذه الخصائص هي العلم الواسع والمعرفة الشاملة والعميقة للقضايا في جميع المجالات وعلى مختلف الأصعدة ، ونذكر هنا وبصورة مختصرة الأبعاد المختلفة لخاصيتهم العلمية والمعرفية مستعينين بالقرآن الكريم.

ألف : المعرفة التامّة بالتشريع الإلهي

من الخصائص الملازمة للأنبياء والتي لا تنفك عن مقام النبوة بحال من الأحوال هي العلم الجامع والمعرفة التامة بالتشريع والتقنين الإلهي.

وبعبارة أُخرى : المعرفة بما يحقّق الهدف من بعثة الأنبياء ، فانّ الهدف من بعثة الأنبياء هو : التعليم والتربية وإقامة العدل والقسط في المجتمع وهداية

١٨٠