الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ١

الشيخ جعفر السبحاني

الفكر الخالد في بيان العقائد - ج ١

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


المحقق: اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-153-X
الصفحات: ٤٤٩
الجزء ١ الجزء ٢

إلى الله في حاجتي أو استشفع بك إلى الله في حاجتي أو نحو ذلك أو قال : اقض ديني أو اشف مريضي أو نحو ذلك فقد دعا ذلك النبي والصالح ، والدعاء عبادة بل مخها ، فيكون قد عبد غير الله وصار مشركاً ، إذ لا يتم التوحيد إلّا بتوحيده تعالى في الألوهية باعتقاد أن لا خالق ولا رازق غيره ، وفي العبادة بعدم عبادة غيره ولو ببعض العبادات ، وعبّاد الأصنام إنّما أشركوا لعدم توحيد الله في العبادة». (١)

ويرد على كلام الصنعاني هذا أنّه لا مرية أنّ لفظة الدعاء تعني في لغة العرب : النداء لطلب الحاجة ، بينما تعني لفظة العبادة معنى آخر ، وهو : «الخضوع النابع من الاعتقاد بالألوهيّة والربوبية» ولا يمكن اعتبار المفهومين مترادفين ومشتركين في المعنى ، أي لا يمكن القول إنّ كلّ نداء وطلب يساوق العبادة والخضوع ، وذلك للأسباب التالية :

أوّلاً : إنّ القرآن استعمل لفظة الدعوة والدعاء في موارد لا يمكن أن يكون المراد فيها العبادة مطلقاً ، مثل قوله تعالى :

(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً). (٢)

فهل يمكن أن نقول : إنّ نوحاً عليه‌السلام قد عبد قومه ليلاً ونهاراً؟!

وكذلك قال تعالى حاكياً عن الشيطان قوله :

(... وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ...). (٣)

__________________

(١). تنزيه الاعتقاد للصنعاني كما في كشف الارتياب : ٢٧٢ ـ ٢٧٤ ، والآية ٦٠ من سورة غافر.

(٢). نوح : ٥.

(٣). إبراهيم : ٢٢.

١٠١

فهل يحتمل أن يكون مقصود الشيطان هو أنّه عبد أتباعه؟ في حين أنّ العبادة ـ لو صحت وافترضت ـ فإنّما تكون من جانب أتباعه له لا من جانبه اتجاه أتباعه.

في هذه الآيات ونظائرها ـ والتي لم نذكرها روماً للاختصار ـ استعملت لفظة الدعاء والدعوة في غير معنى العبادة ، ولهذا لا يمكن أن نعتبرهما مترادفتين ، ولذلك فلو دعا إنسان ولياً أو نبياً أو رجلاً صالحاً ، فإنّ عمله ذلك لا يكون عبادة له ، وذلك لأنّ الدعاء أعمّ من العبادة. (١)

ثانياً : إنّ المقصود من الدعاء في مجموع الآيات المذكورة هو ليس مطلق النداء ، بل نداء خاص يمكن أن يكون ـ مآلاً ـ مرادفاً للفظ العبادة ، لأنّ مجموع هذه الآيات وردت حول الوثنيين الذين كانوا يتصوّرون بأنّ أصنامهم آلهة صغار قد فوّض إليها بعض مقام الشأن الإلهي ، ويعتقدون في شأنها بنوع من الاستقلال في الفعل ، ومعلوم أنّ الخضوع والتذلّل أو أي نوع من القول والعمل أمام شيء باعتقاد أنّه إله كبير أو إله صغير لكونه ربّاً أو مالكاً لبعض الشئون الإلهية كالشفاعة والمغفرة ، يكون عبادة ولا شكّ أنّ خضوع الوثنيين ودعاءهم واستغاثتهم أمام أوثانهم كانت تنبع من اعتقادهم أنّ هذه الأصنام آلهة أو أرباب أو مالكة لحق الشفاعة و ... ، وباعتقاد أنّها مستقلة في التصرف في أُمور الدنيا والآخرة ، ومن البديهي أنّ أي دعوة لهذه الموجودات وغيرها مع هذه الشروط

__________________

(١). النسبة بين الدعاء والعبادة عموم وخصوص من وجه : ففي هذه الموارد يصدق الدعاء ولا تصدق العبادة ، وأمّا في العبادة الفعلية المجردة عن الذكر كالركوع والسجود فتصدق العبادة ، لأنّها تقترن مع الاعتقاد بألوهية المسجود له ولا يصدق الدعاء لخلوّه عن الذكر اللفظي. ويصدق كلا المفهومين «الدعاء والعبادة» في أذكار الصلاة ، لأنّها دعوة بالقول ناشئة عن الاعتقاد بألوهية المدعو.

١٠٢

عبادة لا محال.

وأوضح شاهد على أنّ دعوتهم كانت مقرونة باعتقاد ألوهية تلك الأصنام الآية التالية:

(... فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ...). (١)

وعلى هذا الأساس فإنّ الآيات المذكورة لا ترتبط بموضوع بحثنا مطلقاً ، إذ الموضوع في بحثنا هو الدعوة مجرّدة عن الاعتقاد بالألوهيّة والمالكية والاستقلالية في التصرف في أُمور الدنيا والآخرة ، بل تكون الدعوة نابعة من كون المدعو عبداً من عباد الله المكرمين ، وأنّه ذو مقام معنوي استحقّ به منزلة النبوّة أو الإمامة ، ولأنّه وعد المتوسلين به باستجابة دعائهم وإنجاح طلباتهم فيما إذا قصدوا الله عن طريقه ، قال تعالى في حقّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(... وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً). (٢)

ثالثاً : إنّ في نفس الآيات المذكورة إشارة واضحة إلى أنّ المقصود ليس مطلق الدعاء وطلب الحاجة ، بل المقصود قسم خاص منه ، وهو ما كان ملازماً للعبادة ، ومن هذه الجهة نجد أنّ في بعض الآيات وبعد الإتيان بلفظ الدعوة يستعمل مصطلح العبادة في نفس المعنى المقصود ، مثل قوله تعالى :

(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). (٣)

__________________

(١). هود : ١٠١.

(٢). النساء : ٦٤.

(٣). غافر : ٦٠.

١٠٣

وبإمعان النظر في الآية المباركة نجد أنّه قد جاء في صدرها لفظ (ادْعُونِي) وفي ذيلها استعمل لفظ (عِبادَتِي) ، وهذا شاهد جليٌّ على أنّ المقصود من هذه الدعوة هو دعوة واستغاثة خاصة في مقابل موجودات يعتقد أنّها تمتلك صفات الإله.

قال الإمام السجاد عليه‌السلام في دعائه :

«فسمّيت دعاءك عبادة وتركه استكباراً وتوعّدت على تركه دخول جهنم داخرين». (١)

وربّما وردت في إحدى الآيتين ذاتي المضمون الواحد لفظة الدعوة ، ووردت في الآية الأُخرى لفظة الدعاء ، مثل قوله تعالى :

(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً ...). (٢)

وفي آية أُخرى يقول سبحانه :

(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا ...). (٣)

وفي آية أُخرى :

(... وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ). (٤)

فقد استعمل في هذه الآية لفظ (تَدْعُونَ) وفي نفس الوقت استعمل لفظ (تَعْبُدُونَ) في آية أُخرى تحمل نفس المضمون وهي قوله تعالى :

__________________

(١). الصحيفة السجادية ، دعاء ٤٥. والمقصود الآية ٦٠ من سورة غافر.

(٢). المائدة : ٧٦.

(٣). الأنعام : ٧١.

(٤). فاطر : ١٣.

١٠٤

(... إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً ...). (١)

وقد ترد كلتا اللفظتين في آية واحدة وتستعملان في معنى واحد كما في قوله سبحانه :

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ...) (٢). (٣)

ونحن ندعو القارئ الكريم أن يراجع بنفسه المعجم المفهرس مادتي «عبد» و «دعا» ليرى بنفسه كيف عُبِّر عن مضمون واحد في آية بلفظ العبادة وفي آية أُخرى عُبِّر عن نفس المضمون بلفظ «الدعوة» ، وهذا بنفسه شاهد على أنّ المقصود من الدعوة في هذه الآيات هو العبادة والخضوع ، وليس مطلق النداء.

هذا والقارئ الكريم إذا درس مجموع الآيات التي ورد فيها لفظ الدعوة وأُريد منه القسم الملازم للعبادة لرأى أنّ الآيات إمّا وردت حول خالق الكون الذي يعترف جميع الموحّدين بألوهيته وربوبيته ومالكيته. أو وردت في شأن الأوثان التي كان عبدتُها يتصوّرون أنّها آلهة صغيرة ومالكة لمقام الشفاعة ، وفي هذه الحالة فإنّ الاستدلال بهذه الآيات في مورد بحثنا الذي يكون فيه دعاء أولياء الله والاستغاثة بهم مجرداً عن الاعتقاد بأنّهم يملكون إحدى تلك الصفات الإلهية يكون من أغرب أنواع الاستدلال ومن أعجب العجب.

ثمّ إنّ الاطّلاع على معتقدات الوثنيّين في عصر الرسالة يزيح الستار عن تلك الحقيقة.

__________________

(١). العنكبوت : ١٧.

(٢). الأنعام : ٥٦.

(٣). وبهذا المضمون وردت الآية ٦٦ من سورة غافر.

١٠٥

٢٤

طلب الأُمور الخارقة للعادة

سؤال : هل طلب الأُمور الخارقة للعادة حدٌّ للشرك؟

الجواب : لا شكّ أنّ لكلّ ظاهرة ـ بحكم قانون العلّيّة ـ علّة لا يمكن أن توجد بدونها ، فليس في الكون الفسيح كلّه ظاهرة حادثة لا ترتبط بعلّة ، ومعاجز الأنبياء وكرامات الأولياء غير مستثناة من هذا الحكم ، فهي لا تكون من دون علة ، غاية الأمر أنّ علّتها ليست من سنخ العلل الطبيعية ، وهو غير القول بكونها موجودة بلا علّة مطلقاً.

فإذا ما تبدّلت عصا موسى عليه‌السلام إلى ثعبان ، وإذا ما عادت الروح إلى الجسد الميت بإعجاز السيد المسيح عليه‌السلام ، وإذا ما انشق القمر نصفين في إعجاز خاتم الأنبياء ، أو سبّح الحصى في يده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس معنى ذلك انّها لا ترتبط بعلّة كسائر الظواهر الحادثة ، بل ترتبط بعلل خاصة غير العلل الطبيعية.

وقد يتصوّر أنّ طلب الأُمور الطبيعية والمألوفة لا يُعدُّ شركاً ولكن طلب الأُمور الخارقة للعادة والخارجة عن السنن الطبيعية يُعدُّ شركاً وملازمة للاعتقاد بألوهية الجانب الآخر المسئول.

١٠٦

وها نحن نتعرض لدراسة هذه النظرية لنرى مدى صحّتها أو سقمها.

إنّ القرآن الكريم قد أشار وفي آيات متعدّدة إلى أنّه قد جرت سيرة العقلاء على طلب المعجزة والأُمور الخارقة للعادة من مدّعي النبوة ، وقد نقل القرآن تلك السيرة عن الذين عاصروا الأنبياء من دون أن يعقب على ذلك بالردّ أو النقد ، مثلاً ـ وبصريح القرآن ـ انّ قوم موسى عليه‌السلام قد طلبوا منه إنزال المطر ليتخلّصوا من حالة الجدب والجفاف التي كانوا يعيشونها في التيه ، يقول سبحانه :

(... وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ...). (١)

قد يقال أنّه لا إشكال في طلب الأمر الخارق للعادة من الأحياء ، ولكن الإشكال في طلبه من الموتى. ومن البديهي انّ الإجابة عن هذا المدّعى واضحة جداً ، وذلك لأنّه ليس للموت والحياة مدخلية في وصف العمل المطابق لأصل التوحيد بنحو تارة يكون شركاً وأُخرى يكون عين التوحيد.

سليمان عليه‌السلام وطلب عرش بلقيس

إنّ سليمان عليه‌السلام قد طلب من حضّار مجلسه إحضار عرش ملكة سبأ بطريقة خارقة للعادة ، يقول سبحانه واصفاً تلك الحالة :

(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ* قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ ...). (٢)

__________________

(١). الأعراف : ١٦٠.

(٢). النمل : ٣٨ ـ ٣٩.

١٠٧

فإذا صحّت هذه النظرية ـ طلب الأُمور الخارقة للعادة يُعدُّ شركاً ـ فلا بدّ من الإذعان بأنّ طلب المعجزة وفي جميع العصور من مدّعي النبوة يُعدُّ شركاً ، وذلك لأنّ الناس في الواقع يطلبون المعجزة والأُمور الخارقة للعادة من مدّعي النبوة لا من الله سبحانه ، قال تعالى :

(... إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). (١)

والحال أنّ جميع شعوب العالم ـ ولتمييز النبيّ الصادق من الكاذب ـ يلجون هذا الطريق ، كما أنّ الأنبياء أنفسهم يدعون الناس للقدوم إليهم ومشاهدة معجزاتهم.

إضافة إلى ذلك أنّ القرآن الكريم قد نقل لنا حوارات تلك الشعوب مع مدّعي النبوّة وطلبهم الإتيان بالمعجزة ، ومن دون أن يستنكر القرآن ذلك الطلب ، وهذا يحكي كون هذا الطلب أمراً مقبولاً.

فلو فرضنا أنّ أُمّة من الأُمم الباحثة عن الحقيقة تأتي إلى المسيح عليه‌السلام وتقول له : إن كنت صادقاً فيما تدّعي من النبوة والارتباط بالسماء ، فاشف لنا هذا المريض أو ردّ بصر هذا الأعمى إليه. فممّا لا شكّ ولا ريب فيه أنّ عملهم هذا لا يُعدُّ شركاً ، بل هو عمل عقلائي صادر من أُناس يبحثون عن الحقيقة ، ولذلك يستحقون المدح والثناء ، فلو صدر هذا الطلب من النصارى بعد رحيل المسيح ـ حسب معتقدهم ـ وطلبوا من روحه الطاهرة والمقدّسة شفاء المرضى ، فلما ذا يا ترى يُعدُّ عملهم هذا شركاً؟!

__________________

(١). الأعراف : ١٠٦.

١٠٨

وقد قلنا سابقاً إنّه لا مدخلية للموت والحياة فيه بأن يكونا طرفاً للشرك أو التوحيد. (١)

خلاصة الجواب

إلى هنا اتّضح جلياً وبصريح القرآن الكريم أنّ هناك مجموعة من عباد الله المخلصين تمتلك القدرة على الإتيان بالأُمور الخارقة للعادة ، وقد صدرت على أيديهم ـ فعلاً ـ أُمور من هذا القبيل ، وكذلك صرح القرآن أنّ هناك عدداً كبيراً من الأفراد طلبوا من أنبيائهم القيام بتلك الأفعال والاستفادة من تلك القدرة والموهبة الإلهية.

وإذا ما ادّعى الوهابيون بأنّه لا يستطيع أحد الإتيان بتلك الأفعال إلّا الله سبحانه فإنّ ادّعاءهم هذا مخالف لصريح الآيات ، وأنّ الآيات المباركة تشهد بخلافه.

__________________

(١). لمزيد الاطّلاع على معجزات السيد المسيح انظر آل عمران آية ٤٩ والمائدة الآية ١٠٠ ـ ١١٠.

١٠٩

٢٥

القرآن وألوهية المسيح عليه‌السلام

سؤال : لقد طرحت مسألة ألوهية المسيح تحت نظرية التثليث ، هل يمكن أن توضّح لنا الرؤية القرآنية لهذه النظرية؟ وكيف أبطل القرآن هذه النظرية؟

الجواب : لقد أقام القرآن الكريم لردّ هذه الدعوة برهانين في غاية الوضوح والعمومية ، وها نحن نشير إليهما فيما يأتي :

البرهان الأوّل : قدرة الله على إهلاك المسيح.

البرهان الثاني : انّ المسيح مثل بقية البشر يأكل ويمشي و ...

يقول تعالى حول البرهان الأوّل :

(... فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ ...). (١)

ولا ريب أنّ جميع النصارى يعترفون بأنّ السيد المسيح عليه‌السلام ابن

__________________

(١). المائدة : ١٧.

١١٠

لمريم عليها‌السلام ، ولذلك يقولون المسيح ابن مريم.

فإذا كان عيسى عليه‌السلام ابناً لمريم ، فلا بدّ إنّه بشر كسائر البشر ، وآدمي كبقية الآدميّين ، محياه ومماته بيد الله وتحت قدرته ، فإن شاء سبحانه منح الجميع الحياة وإن شاء سلبها عنهم ، وإذا كان المسيح من زمرة البشر ـ وهو كذلك ـ فكيف تعتبره النصارى إلهاً وهو لا يملك لنفسه حياة ولا موتاً؟!

ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم قد ركّز في هذه الآية وبصورة كاملة وجلية على بشرية المسيح ، ولذلك وصفه بكونه (ابن مريم) ويتحدّث عن «أُمّه» وعن جميع من في الأرض بقوله : (وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) مشيراً بذلك إلى بشريته ، بل وليثبت أنّ المسيح عليه‌السلام لا يخرج عن كونه بشراً وفرداً من أفراد النوع الإنساني يشترك مع بني نوعه في كلّ الأحكام على السواء.

وبعبارة أُخرى أوضح : إنّ هناك قاعدة في الفلسفة الإسلامية يطلق عليها «حكم الأمثال» ومؤدّاها «حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لا يجوز واحد». فإذا كان هلاك أفراد الإنسان ـ ما عدا المسيح ـ ممكناً كان هلاك المسيح أيضاً ممكناً كذلك لكونه منهم ، وفي هذه الصورة كيف تعتبره النصارى إلهاً والإله لا يجوز عليه الموت؟!

ولتتميم هذا المطلب يختم القرآن الكريم الآية بجملة (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما).

وفي الحقيقة أنّ هذه الجملة تكون علّة للحكم السابق ، فمعناه أنّ الله يملك إهلاك عيسى وأُمّه وكلّ أفراد البشر ، لأنّهم جميعاً ملكه وفي قبضته وتحت قدرته.

١١١

البرهان الثاني : المسيح والآثار البشرية

يؤكّد القرآن الكريم أنّ المسيح عليه‌السلام وأُمّه شأنهم شأن بقية الأنبياء يأكلون الطعام لتلبية حاجاتهم ورفع النقص قال تعالى :

(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ...). (١)

وهذا يعني أنّه ليس بين المسيح وأُمّه وبين غيره من الأنبياء والرسل أيُّ فرق وتفاوت ، فهم يأكلون عند ما يجوعون ويتناولون الطعام كلّما أحسّوا بالحاجة إليه ، ومن المعلوم أنّ الاحتياج دليل الإمكان ، والإله منزّه عن الحاجة والإمكان.

فالمسيح عليه‌السلام إنسان ممكن ولد من إنسان ممكن آخر وهي السيدة مريم عليها‌السلام ، وكلاهما يطيعان الله سبحانه ويعبدانه ويتوسّلان لسدِّ جوعهم بتناول الطعام ، ومع هذه الصفات كيف يمكن لإنسان عاقل أن يعتقد بألوهيتهما؟!

إنّ هذه الآية لا تبطل ألوهية المسيح فحسب ، بل تبطل ألوهية أُمّه أيضاً ، إذ يستفاد من بعض الآيات إنّ مريم عليها‌السلام كانت معرضاً لهذه التصوّرات الباطلة أيضاً حيث يقول سبحانه :

(... أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ...). (٢)

نظرية بنوّة السيد المسيح

تعتبر مسألة بنوّة المسيح عليه‌السلام لله سبحانه إحدى مظاهر الشرك في «الذات»

__________________

(١). المائدة : ٧٥.

(٢). المائدة : ١١٦.

١١٢

حيث تصوّر حقيقة الإله الواحد في صورة آلهة متعدّدة ويقوم «التثليث» النصراني في الحقيقة على هذا الأساس ، أي على أساس اعتبار المسيح ابناً لله سبحانه.

وقد فنّد القرآن الكريم هذا الاعتبار الخاطئ وأبطله وبصورة جلية بطريقين :

الف : عن طريق البراهين العلمية الستة الدالّة على استحالة أن يكون لله ولدٌ مطلقاً ، سواء كان هذا الولد عيسى عليه‌السلام أم غيره. (١)

ب : عن طريق بيان تولّد المسيح من أُمّه واستعراض حياته البشرية الدالّ على بطلان خصوص بنوّة السيد المسيح. وليس النصارى هم وحدهم ممّن ينفرد في الاعتقاد بوجود ولد لله ، بل إنّ مشركي العرب كانوا يتصوّرون أنّ (الملائكة) بنات الله ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الاعتقاد بقوله سبحانه :

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ...) (٢). (٣)

وها نحن نورد أدلّة القرآن الكريم التي تنفي اتّخاذ الولد لله سبحانه ، سواء كان السيد المسيح أم غيره.

ألف : ليست له سبحانه أيّة زوجة حتّى يكون له ولد منها.

ب : إنّه تعالى خالق كلّ شيء.

قال تعالى :

__________________

(١). أقام القرآن الكريم ستة أدلّة لإبطال نظرية بنوّة المسيح وقد جاءت هذه البراهين ضمن أربع آيات من آيات الذكر الحكيم.

(٢). النحل : ٥٧.

(٣). انظر : الإسراء : ٤٠ ، الصافات : ١٤٩ ـ ١٥٣ ، الزخرف : ١٩ ، الطور : ٣٩ ، ولقد أشار القرآن الكريم إلى وجود طائفة من يهود عصر الرسالة كانت تعتقد أنّ [عزير] ابن الله ، حيث قال سبحانه : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيرٌ ابن الله ...) (التوبة : ٣٠).

١١٣

(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). (١)

إنّ الآية المباركة تشير إلى برهانين لاستحالة اتّخاذ الولد لله سبحانه :

الأوّل : إنّ معنى اتّخاذ الولد هو انفصال جزء من الوالد (الحيمن) واستقراره في رحم الأُمّ ، ثمّ تكامله بعد طيّ فترة زمنية معينة ، وهذا يستلزم الحاجة إلى وجود الزوجة لله جلّ شأنه ، والحال أنّ الجميع ينزّهون الله سبحانه من اتّخاذ الزوجة ، كما قال سبحانه (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ).

الثاني : إنّ فكرة اتّخاذ الولد تستلزم ـ حتماً ـ أن يكون الولد غير مخلوق لله ، بل يكون مثيلاً ونظيراً له في الاتّصاف بجميع صفات الألوهية ، كالاستقلال والغنى ، لأنّ الابن ليس مخلوقاً للأب ، بل هو جزء منه ينمو ويترعرع خارج ذاته والحال أنّ الله سبحانه خالق كلّ شيء : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ، كما ورد في صدر الآية جملة : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الدالّة أيضاً على ما قلنا.

ج : الله مالك كلّ شيء :

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً). (٢)

إنّ الآية المباركة تشير إلى برهان آخر لبطلان بنوّة المسيح ، وذلك من خلال الاستدلال بالملكية التكوينية المطلقة لما سواه ، لأنّ ملكية الإنسان بالنسبة لأمواله تنبع من عقد اجتماعي لغرض إدارة شئون الحياة وتحريك عجلتها ، إلّا أنّ مالكية الله للسماوات والأرض وما بينهما مالكية تكوينية تنبع من خالقيته سبحانه للأشياء. (٣)

__________________

(١). الأنعام : ١٠١.

(٢). الفرقان : ٢.

(٣). منشور جاويد : ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦.

١١٤

٢٦

حقيقة التثليث وأدلّة بطلانها

سؤال : ما هي حقيقة نظرية التثليث ، وما هو الدليل على بطلان هذه النظرية؟

الجواب : لقد بيّن صاحب قاموس الكتاب المقدس المستر هاكس حقيقة التثليث وما هو المقصود بالثالوث المقدس ، وفسّر النظرية بقوله : إنّ الطبيعة الإلهية تتألّف من ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر ، أي : الأب ، والابن ، وروح القدس.

والأب هو خالق جميع الكائنات بواسطة الابن ، والابن هو الفادي ، وروح القدس هو المطهر ، وهذه الأقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة وعمل واحد. (١)

والأقنوم ـ لغة ـ يعني : الأصل والشخص ، فإذاً يصرح المسيحيون بأنّ هذه الآلهة الثلاثة ذات رتبة واحدة وعمل واحد وإرادة واحدة.

ومن هنا يمكن أن نتصوّر للتثليث صورتين لا تتناسب أي واحدة منهما مع

__________________

(١). قاموس الكتاب المقدس : ٣٤٤.

١١٥

المقام الربوبي :

١. أن يكون لكلّ واحد من هذه الآلهة الثلاثة وجود مستقل عن الآخر ، بحيث يظهر كلّ واحد منها في تشخّص ووجود خاص ، فكما أنّ لكلّ فرد من أفراد البشر وجوداً خاصّاً به خارجاً وكلّ واحد منهم له شخصية مستقلة ، كذلك يكون لكلّ واحد من هذه الأقانيم أصل مستقل وشخصية خاصة متميزة عمّا سواها.

وبعبارة أُخرى : إنّ هناك طبيعة واحدة ولكنّها تتألّف من ثلاثة أفراد ، كلّ فرد منها يمثّل إلهاً تامّاً ومستقلًّا. غير أنّ هذه النظرية هي عين نظرية الشرك الجاهلي وقد تجلّى في النصرانية في صورة التثليث. ولكن دلائل التوحيد قد أبطلت أيّ نوع من أنواع الشرك من الثنوية والتثليث ، وقد ذكرنا الأدلّة على استحالة وجود الشريك والندّ لله سبحانه.

والعجب أنّ مخترعي هذه البدعة من رجال الكنيسة يصرّون ـ بشدة ـ على التوفيق بين هذا التثليث والتوحيد ويقولون : إنّ الإله في نفس كونه ثلاثة هو واحد ، وفي كونه واحداً هو ثلاثة!! وهل هذا إلّا تناقض واضح؟! وإنّه كما يقال : أكوس طويل اللحية!!

وهل يوجد عاقل في العالم كلّه يدّعي أنّ الثلاثة تساوي واحداً؟! وهل لهذا التأويل من سبب غير أنّهم وجدوا أنفسهم في زاوية حرجة لا يمكن الفرار منها إلّا بمثل هذه التأويلات الباردة؟! وذلك لأنّهم واجهوا الأدلّة والبراهين المحكمة للموحّدين ، والتي تدلّ بوضوح وجلاء على نفي كلّ أنواع الشرك والتثليث ، وهذه البراهين بدرجة من القوة والمتانة بحيث لا يمكن التخلّص منها ؛ ولكنّهم من جانب آخر خضعوا للعقيدة الموروثة ، أيّ عقيدة التثليث

١١٦

التي ترسخت في قلوبهم أيّما رسوخ ، إلى درجة إنّهم أصبحوا غير قادرين على التخلّص منها والتملّص من حبائلها ، فلم يجدوا مفراً إلّا الالتجاء إلى الجمع بين المتناقضين ـ التوحيد والتثليث ـ وقالوا : إنّ الإله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد!!

٢. التفسير الآخر للتثليث هو : أن يقال : إنّ الأقانيم الثلاثة ليس لكلّ منها وجود مستقل ، بل هي بمجموعها تؤلّف ذات إله الكون ، وفي الحقيقة لا يكون أيّ واحد من هذه الأجزاء والأقانيم إلهاً بمفرده ، بل الإله هو المركب من هذه الأجزاء الثلاثة.

ويرد على هذا النوع من التفسير أنّ معنى هذه النظرية هو كون الله مركّباً محتاجاً في تحقّقه وتشخّصه إلى هذه الأجزاء «الأقانيم الثلاثة» بحيث ما لم تجتمع لم يتحقّق وجود الله.

وفي هذه الصورة تواجه أرباب الكنيسة إشكالات أساسية وتحشرهم في زاوية حرجة ، ومن هذه الإشكالات :

ألف : أن يكون إله الكون محتاجاً في تحقّق وجوده إلى الغير (وهو كلّ واحد من هذه الأقانيم باعتبار أنّ الجزء غير الكلّ) في حين أنّ المحتاج إلى الغير لا يمكن أن يكون إلهاً واجب الوجود ، بل يكون حينئذٍ ممكناً مخلوقاً محتاجاً إلى غيره ليرفع حاجته كغيره من الممكنات.

ب : انّ القول بأنّ الأقانيم الثلاثة تمثّل وجودات مستقلة ، وكلّ واحد منها من ناحية الوجود واجب الوجود وضروري الوجود ، فإنّ هذا القول ـ وبلا شك ـ يعني الاعتقاد بوجود ثلاثة وجودات تتصف بأنّها واجبة الوجود.

أمّا إذا كان كلّ واحد منها ممكن الوجود محتاجاً في تحقّقه إلى علّة

١١٧

تخرجه من العدم ، فلا شكّ أنّه في مثل هذه الحالة يكون وجود هذه الأجزاء الثلاثة محتاجاً إلى إله يفيض عليها الوجود والتحقّق ، وبلا شكّ ليس لهذا القول من نتيجة إلّا الاعتراف بأنّ هذا الإله المركّب من أقانيم ثلاثة يحتاج في تحقّقه إلى علّة أُخرى ويكون معلولاً ومخلوقاً لإله آخر يتّصف بالبساطة وعدم التركّب ، لأنّه مع الاتّصاف بذلك لا مفرّ من التفكير بإله آخر ليخرج هذا المركب من العدم إلى حيّز الوجود.

ج : انّهم يدّعون : أنّ في الطبيعة الإلهية أشخاصاً ثلاثة ، وأنّ كلّ واحد منها يملك تمام الألوهية ، والحال أنّهم يقولون : إنّ الثالوث لا تقبل التجزئة.

وبعبارة أُخرى : انّ بين الكلامين تناقضاً واضحاً ، لأنّه إذا كان هناك في الواقع ثلاثة أقانيم وثلاثة شخصيات ، فهذا ملازم للقول بتجزئة الثالوث ، وأمّا إذا قلنا إنّه غير قابل للتجزئة فحينئذٍ كيف يمكن أن نتصوّر وجود ثلاثة وجودات مستقلة؟! بل لا بدّ من القول بوجود مركّب من ثلاثة أقانيم.

وإذا كانت شخصية الابن إلهاً ، فلما ذا يا ترى كان الابن يعبد أباه؟! وهل يعقل أن يعبد إله إلهاً آخر مساوياً له وأن يمد إليه يد الحاجة؟!

د : يدّعي المسيحيون أنّ كلّ واحد من الآلهة الثلاثة مالك لتمام الألوهية ويقولون : إنّ الألوهية قد تجسّدت في عيسى ابن مريم ، وإنّه صلب ـ بعد أن عاش فترة محددة ـ من أجل تطهير وفداء أُمّته التي تلوّثت بالذنوب الموروثة.

وهذه النظرية تواجه عدّة إشكالات وتتوجّه إليها أسئلة جدّية من قبيل : كيف يمكن أن يتجسّد الإله غير المحدود في وجود محدود زماناً ومكاناً باعتباره جسماً ، إذ من المسلّم انّ السيد المسيح وجود ـ جسم ـ عاش في مكان محدود ـ فلسطين ـ وفي زمان محدود ، وقد أحاط به اليهود وقتلوه كما يذهب إلى ذلك

١١٨

النصارى.

ثمّ كيف لم يختل نظام الوجود بعد موته ، إذ المفروض أنّه كان مرتبطاً به ومتعلّقاً به عند ما كان حيّاً وهو الذي يدير شئونه ويدبّر أُموره؟!

ثمّ إنّ نظرية التثليث تواجه العشرات من التساؤلات الجدّية والمهمة التي يعجز أصحاب النظرية من الإجابة عنها ، إذ أنّ هذه النظرية صبغت الديانة المسيحية بخرافة الوثنية الباطلة.

وفي الختام : إنّ الإنسان إذا اطّلع على مثل تلك النظريات وتلك الديانات الباطلة والخرافية يذعن ويعترف بقيمة الآيات القرآنية الكريمة التي تحدّثت عن التوحيد والوحدانية. (١)

__________________

(١). منشور جاويد : ٢ / ٢١٣ ـ ٢١٦.

١١٩

٢٧

تسرّب نظرية التثليث إلى الديانة المسيحية

سؤال : هل يمكن أن تبيّن لنا كيف تسرّبت خرافة التثليث إلى الديانة المسيحية؟

الجواب : يقول الأُستاذ فريد وجدي نقلاً عن دائرة معارف «لاروس» :

إنّ تلامذة المسيح الأوّليّين الذين عرفوا شخصه ، وسمعوا قوله ، كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنّه أحد الأركان الثلاثة المكونة لذات الخالق ، وما كان بطرس ـ الذي يُعد أحد حوارييه ـ يعتبره إلّا رجلاً موحى إليه من عند الله ، أمّا بولس فإنّه خالف عقيدة التلامذة الأقربين لعيسى وقال : إنّ المسيح أرقى من إنسان وهو نموذج إنسان جديد ، أي عقل سام متولد من الله. (١)

إنّ التاريخ البشري يرينا أنّه طالما عمد بعض أتباع الأنبياء ـ بعد وفاة الأنبياء أو خلال غيبتهم ـ إلى الشرك والوثنية تحت تأثير المضلّين ، وبذلك كانوا ينحرفون عن جادة التوحيد التي هي المهمة الكبرى والهدف الأساس والغاية القصوى لأنبياء الله ورسله.

__________________

(١). دائرة معارف القرن العشرين : ٢ / ٧٦٠ ، مادة ثالوث.

١٢٠