لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

الأيادي ، ولن تقدر لأن الله تَكَفَّلَ بحفظه ، وأما فقهاؤنا فيقولون إن القرآن مُحَرَّفٌ ، فيردون بذلك قول الله تعالى ، فمن أُصَدِّقُ؟ أَأُصَدِّقُهُم؟ أم أُصَدِّقُ الله تعالى؟ وعرفتُ أن المتعة مُحَرَّمةٌ ، ولكن فقهاءَنا أباحوها ، وجَرَّتْ إباحتها إلى إباحة غيرها كان آخرها اللواطة بالمردان من الشباب!!

وعرفت أن الخمس لا يجب على الشيعة دفعه ولا إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين بل هو حِلٌّ لهم حتى يقوم القائم ، ولكن فقهاءَنا هم الذين أوجبوا على الناس دفعه بإخراجه ، وذلك لمآربهم ـ أي الفقهاء ـ الشخصية ومنافعهم الذاتية.

وعرفت أن التشيع قد عبثت به أيادٍ خفية هي التي صنعت فيه ما صنعت كما أوضحنا في الفصول السابقة ، فما الذي يُبْقِيني في التشيع بعد ذلك؟ ولهذا ورد عن محمد بن سليمان عن أبيه قال : قلتُ لأبي عبد الله رضي الله عنه : (جُعلْتُ فداكَ ، فأنا قد نبزنا نبزاً أثقل ظهورنا ، وماتت له أفئدتنا ، واستَحَلَّتْ له الوُلاة دِماءَنا في حديث رواه لهم فقهاؤُهم.

قال أبو عبد الله رضي الله عنه : الرافضة؟ فقلت : نعم.

قال : لا والله ما هم سموكم به ، ولكن الله سماكم به) روضة الكافي ٥ / ٣٤.

فإذا كان أبو عبد الله قد شهد عليهم بأنهم رافضة ـ لرفضهم أهل البيت ، وأن الله تعالى سماهم به ، فما الذي يبقيني معهم؟

وأقول : هذا كله ملخَّص النتائج التي يزعم أنه توصَّل إليها ، وقد رددنا عليها كلها بالتفصيل ، وأوضحنا ما فيها من الكذب والافتراء بما لا مزيد عليه ، فلا حاجة لتكرار الجواب عليها مرة ثانية.

والكاتب قد ذكر إلى هنا عدة نقاط دعته إلى التخلي عن مذهب الشيعة الإمامية ، مع أن جملة منها لا يستدعي هذا التحول المزعوم ، مثل فتوى الفقهاء بوجوب دفع الخمس في عصر الغيبة ، وقولهم بتحريف القرآن وإباحتهم المتعة

٦٤١

وغيرها ، لأنه إذا كان فقيهاً كما يزعم فيمكنه أن يفتي بسقوط الخمس عن الشيعة في زمن الغيبة كما أفتى بذلك بعض فقهاء الشيعة ، كما أنه يمكنه ألا يقول بتحريف القرآن كما عليه عامة فقهاء الشيعة كما أوضحناه فيما تقدم.

* * *

قال الكاتب : وعن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله يقول : (لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم) رجال الكشي ص ٢٥٣ ترجمة ابن [كذا] الخطاب ، لما ذا يبدأ بكذابي الشيعة فيقتلهم؟

يقتلهم قبل غيرهم لقباحة ما افتروه وجعلوه ديناً يتقربون به إلى الله تعالى به كقولهم بإباحة المتعة واللواطة ، وقولهم بوجوب إخراج خمس الأموال ، وكقولهم بتحريف القرآن ، والبداء لله تعالى ، ورجعة الأئمة ، وكل السادة والفقهاء والمجتهدين يؤمنون بهذه العقائد وغيرها ، فمن منهم سينجو من سيف القائم ـ عَجَّلَ الله فَرَجَه ـ؟؟!!

وأقول : بعد الغض عن سند هذا الحديث والتسليم به ، فإن الكاتب حمَّل الحديث فوق ما يحتمله ، وفسَّره بحسب ما يحب.

والشيعة اسم عام يعم الشيعة الإمامية والإسماعيلية والزيدية وغيرهم ، كما يعم من انتحل التشيع كذباً ثمّ انحرف عن خط أهل البيت عليهم‌السلام كأبي الخطاب والمغيرة بن سعيد وأحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي العزاقر وغيرهم من المنحرفين الذين يدَّعون التشيع لأهل البيت عليهم‌السلام ، وأهل البيت منهم برآء ، ولهذا أورد الكشي هذا الخبر تحت عنوان (ما روي في محمد بن أبي زينب ...) ، المعروف بأبي الخطاب الذي تنتسب إليه الفرقة التي سُمِّيت بالخطابية ، وقد وردت أحاديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام بلعنه والدعاء عليه بأن يذيقه الله حر الحديد.

ففي معتبرة جعفر بن عيسى بن عبيد وأبي يحيى الواسطي ، قال : قال أبو

٦٤٢

الحسن الرضا عليه‌السلام : كان بنان يكذب على علي بن الحسين عليه‌السلام ، فأذاقه الله حرَّ الحديد ، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر عليه‌السلام ، وكان أبو الخطاب يكذب على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فأذاقه الله حرَّ الحديد ، والذي يكذب عليَّ محمد بن فرات (١).

فالكذابون إذن هم الذين ادَّعوا على الأئمة عليهم‌السلام كذباً أنهم وكلاؤهم أو سفراؤهم ، أو غالوا فيهم ، أو نسبوا إليهم عليهم‌السلام أباطيل وأضاليل يريدون بها تضليل الشيعة وإفساد الشريعة ، فلعنهم الأئمة عليهم‌السلام وحكموا بكفرهم وتبرءوا منهم.

هؤلاء هم الكذَّابون المعنيون في الحديث ، لا رواة أحاديث الأئمة عليهم‌السلام الذين تلقوا عنهم علومهم ، وأخذوا بأقوالهم ، وشايعوهم في السِّر والعلانية ، فهؤلاء هم شيعتهم الذين مدحوهم في أحاديثهم التي ذكرنا بعضاً منها في مدح زرارة ومحمد بن مسلم وبريد العجلي وأبي بصير وغيرهم من أجلاء الرواة ، والأحاديث المروية في مدحهم ومدح غيرهم كثيرة.

وهذا المعنى يمكن استفادته من بعض أحاديث أهل السنة ، فقد أخرج أبو يعلى في مسنده عن أبي الجلاس ، قال : سمعت عليّا يقول لعبد الله السبائي : ويلك ، والله ما أفضى إليَّ بشيء كتمه أحداً من الناس ، ولكن سمعته يقول : (إن بين يدي الساعة ثلاثون كذَّاباً) ، وإنك لأحدهم (٢).

والأحاديث الناصَّة على الكذابين الثلاثين كثيرة في مصادر أهل السنة ، مع أن الكذابين كثيرون كما تشهد بذلك كتب الرجال والتراجم والسِّيَر ، وبقرينة عَدِّ الدجال والأسود العنسي ومسيلمة منهم ، ووصفهم في بعض الأحاديث بأنهم كلهم يدعي النبوة ، يفهم أن المراد بالكذابين هم المنتحلين أموراً عظيمة كالنبوة أو الذين يضللون فئات كثيرة من الناس كالدجَّال وغيره ، لا الرواة الذين كذبوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنهم كثيرون جداً ، لا ثلاثون فقط.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٥٩١.

(٢) مسند أبي يعلى ١ / ٢١٨. مجمع الزوائد ٧ / ٣٣٣ ، قال الهيثمي : رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات.

٦٤٣

وأما أن القائم يبدأ بالكذابين من الشيعة أولاً فيقتلهم ، فيرجع سببه إلى أن كذب هؤلاء أقبح من كذب غيرهم ، لأن الكذب على المذهب الحق أشنع من الكذب على المذاهب الباطلة ، ولأنه قد ورد في بعض الأخبار أن القبيح من غير الشيعة قبيح ومن الشيعة أقبح ، لمكان الشيعة من أهل البيت عليهم‌السلام.

ولا يخفى أن الحديث لا يدل بأية دلالة على أن أهل السنة أو غيرهم لا كذاب فيهم ، أو أن كتبهم خالية من الكذب ، أو أن عقائدهم كلها صحيحة ، لأن الحديث لم يكن في صدد البيان من هذه الناحية كما هو واضح.

* * *

قال الكاتب : وعن أبي عبد الله رضي الله عنه قال : (ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن يَنْتَحِلُ التَّشَيُّع). رجال الكشي ص ٢٥٤ أبي الخطاب.

صدق أبو عبد الله بأبي هو وأمي ، فإذا كانت الآيات التي نزلت في المنافقين منطبقة على مَن ينتحل التشيع ، فكيف يمكنني أن أبقى معهم؟؟.

وهل يصح بعد هذا أن يدَّعوا أنهم على مذهب أهل البيت؟؟. وهل يصح أن يدَّعوا محبة أهل البيت؟.

وأقول : سند هذه الرواية هو : خالد بن حماد ، قال : حدثني الحسن بن طلحة ، رفعه عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن يزيد الشامي.

وهي رواية مرفوعة كما هو واضح ، مضافاً إلى أن هذا الحديث اشتمل على مجموعة من المجاهيل ، فإن خالد بن حماد والحسن بن طلحة وعلي بن يزيد الشامي مُهمَلون ، لم يرد لهم ذكر في كتب الرجال ، ومحمد بن إسماعيل مشترك لا يُعرَف من هو.

والنتيجة أن سند هذه الرواية مظلم جداً ، فكيف عوَّل الكاتب على مثل هذه

٦٤٤

الرواية الضعيفة جداً؟

ثمّ إن المراد بمن انتحل التشيع يعني من ادَّعاه وهو ليس من الشيعة.

قال المجلسي قدس‌سره في (بحار الأنوار) :

تبيان : (من ينتحل التشيع) أي يدَّعيه من غير أن يتَّصف به ، وفي غير الكافي : (انتحل). في القاموس : (انتحله وتنحله : ادَّعاه لنفسه وهو لغيره) (١).

قلت : إن وجود منافقين فيمن يدَّعي التشيع لا يعني أن الشيعة كلهم منافقون ، كما أن وجود منافقين فيمن صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستلزم أن يكونوا كلهم منافقين ، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

والعجيب أن الكاتب تمسَّك بهذا الحديث الضعيف لتضليل الشيعة كلهم ، لدلالته على أن آيات المنافقين تنطبق على بعض من يدَّعي التشيع ، وتغاضى في نفس الوقت عن الآيات القرآنية التي نزلت في منافقين يدَّعون الصحبة ، فلم يرَ فيها أي غضاضة على كل الصحابة ولا على بعضهم.

وما عشت أراك الدهر عجباً!!

* * *

قال الكاتب : لقد عرفتُ الآن أجوبةَ تلك الأسئلة التي كانت تحيرني وتشغل بالي.

وأقول : لقد اتضح للقارئ العزيز أن الكاتب جمع حقائقه من أحاديث ضعيفة وأخرى مختلقة ، وأخرى لم يفهمها على وجهها ، ورابعة لم يحسن الجمع بينها وبين ما يعارضها ، فأخذ بإحدى الطائفتين المتعارضتين من دون مرجِّح صحيح ، فكان أخذه بالأحاديث أخذاً انتقائيًّا موافقا للتوجُّه والهوى ، فأية حقائق هذه التي توصل إليها

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٠ / ٩٨.

٦٤٥

هذا الكاتب المدَّعي للفقاهة والاجتهاد؟!

ومما ينبغي بيانه في هذا المقام أن مدَّعي الاجتهاد لم يثبت لقارئه صحة مذهب أهل السنة الذي انقلب إليه ، فإنا لو سلَّمنا بكل مزاعمه وأقررنا ببطلان مذهب الشيعة الإمامية فإن ذلك لا يثبت صحة مذهب أهل السنة ، إذ لعل الحق في مذهب ثالث غيرهما ، وهذه فجوة عظيمة لم يلتفت إليها الكاتب الذي جعل انتقاداته على مذهب الشيعة دليلاً على صحة مذهب أهل السنة.

* * *

قال الكاتب : بعد وقوفي على هذه الحقائق وعلى غيرها ، أخذتُ أبحثُ عن سبب كوني وُلِدتُ شيعياً ، وعن سبب تَشَيُّع أهلي وأقربائي ، فعرفت أن عشيرتي كانت على مذهب أهل السنة ، ولكن قبل حوالي مائة وخمسين سنة جاء من إيران بعض دعاة التشيع إلى جنوب العِراق ، فاتصلوا ببعض رؤساء العشائر ، واستغلوا طيب قلوبهم ، وقلة علمهم ، فخدعوهم بِزُخْرُفِ القول ، فكان ذلك سبب دخولهم في المنهج الشيعي ، فهناك الكثير من العشائر والبطون تَشَيَّعَتْ بهذه الطريقة بعد أن كانت على مذهب أهل السنة.

ومن الضروري أن أذكر بعض هذه العشائر أداءً لأَمانة العلم :

فمنهم بنو ربيعة ، وبنو تميم ، والخزاعل ، والزبيدات ، والعمير وهم بطن من تميم ، والخزرج ، وشمرطوكة الدوار ، والدفافعة ، وآل محمد وهم من عشائر العمارة ، عشائر الديوانية وهم آل أقرع وآل بدير وعفج والجبور والجليحة ، وعشيرة كعب ، وبنو لام وغيرها كثير.

وهؤلاء العشائر كلهم من العشائر العراقية الأصيلة المعروفة في العراق ، وهم معروفون بشجاعتهم وكرمهم ونخوتهم ، وهم عشائر كبيرة لها وزنها وثقلها ولكن مع الأسف تَشَيَّعوا منذ أكثر من مائة وخمسين سنة بسبب مَوجات دُعاة الشيعة الذين

٦٤٦

وَفدوا إليهم من إيران ، فاحتالوا عليهم ، وشَيَّعوهم بطريقة أو بأخرى.

وأقول : هذه الأمور كلها لا تهمنا ولا ترتبط بمعتقدنا من قريب أو بعيد ، وسواء أكانت هذه القبائل شيعية من أصلها وبقيت على تشيعها ، أم كانت سنية فاستبصرت وصارت شيعية ، فإن هذا أمر يرجع لاختيارها ، وكل امرئ مرهون بعمله ، ومسئول عن معتقده.

* * *

قال الكاتب : ونسيت هذه العشائر الباسلة ـ رغم تشيعها ـ أَن سيف القائم ينتظر رقابهم ليفتك بهم كما مر بيانه ، إذ أن الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم سيقتل العرب شر قتلة رغم كونهم من شيعته ، وهذا ما صَرَّحَت به كُتبنا ـ معاشر الشيعة ـ فلتنتظر تلك العشائر سيف القائم ليفتك بها!!

وأقول : لقد أوضحنا فيما مرَّ من هم الذين سيقتلهم الإمام المنتظر عليه‌السلام ومن هم أنصاره وأعوانه ، ولا ريب في أن شيعته ومواليه هم أسعد الناس به ، فراجع ما قلناه فيما تقدم لئلا نتجشم عناء الإعادة والتكرار.

* * *

قال الكاتب : لقد أخذ الله تعالى العهد على أهل العلم أن يبينوا للناس الحق ، وها أنا ذا أبينه للناس ، وأوقظ النيام ، وأنبه الغافلين ، وأدعو هذه العشائر العربية الأصيلة أن ترجع إلى أصلها ، وألا تبقى تحت تأثير أصحاب العمائم الذين يأخذون منهم أموالهم باسم الخُمس والتبرعات للمشاهد ، ويعتدون على شرف نسائهم باسم المتعة ، وكل من الخُمس والمتعة مُحَرَّمٌ كما سبق بيانه ، وأدعو هذه العشائر الأصيلة لمراجعة تاريخها وتاريخ أسلافها لَيَقِفُوا على الحقيقة التي طَمَسَها الفقهاء والمجتهدون

٦٤٧

وأصحاب العمائم حِرْصاً منهم على بقاءِ منافِعِهم الشخصية. وبهذا أكون قد أَدَّيْتُ جزءاً من الواجب.

وأقول : ونحن بدورنا أيضاً ندعو كل منصف لقراءة ما كتبناه في الرد على هذا الكاتب المدلِّس نفسه في الشيعة ، والمدّعي لنفسه الفقاهة والاجتهاد وهو بعيد عنهما كما تبيَّن ذلك بجلاء ووضوح للقارئ الكريم ، ليرى القارئ أن كل إشكالات أهل السنة في نقد المذهب الشيعي الإمامي ما هي إلا خيالات واهية ، وأكاذيب زائفة ، وتلفيقات مفضوحة ، وأنهم لم يسلكوا في محاولاتهم اليائسة لإبطال المذهب الشيعي طريق البحث الصحيح والأمانة العلمية ، بل سلكوا المسالك المحرَّمة ، وانتهجوا الطرق المريبة ، فاختلقوا ما شاءوا من الأكاذيب والأباطيل ، وحرَّفوا النصوص وزوَّروها ، حتى رموا آخر سهم في كنانتهم ، وقذفوا آخر حجر في جعبتهم ، ولكن الله سبحانه قد ردَّ كيدهم إلى نحورهم ، فباءوا بالخيبة والخذلان ، ورجعوا بالهزيمة والخسران.

وإذا كان الكاتب يعلم أن الله سبحانه قد أوجب على العلماء أن يبيِّنوا الحق ، فلا أدري كيف يتأتّى له أن يُظهِر الحق وهو متستِّر بالتقيَّة الشديدة ، ومتكتِّم بهذا النحو من الكتمان؟!

ألا يرى أن من الواجب عليه أن يفصح عن نفسه ويجهر بدعوته ، ويجادل علماء الشيعة ويحاورهم في المسائل التي أنكرها من مذهبهم؟!

لقد لاحظ القارئ العزيز أن الكاتب في كل كتابه لم يذكر أية مناقشة ولو مع عالم واحد من العلماء الذين ادَّعى أنه التقى بهم ، وإنما كان يقتصر على طرح الأسئلة التي يظهر فيها بمظهر المستفهم المستفيد.

فأين كان وجوب بيان الحق وإظهاره الذي أخذه الله على العلماء؟

* * *

٦٤٨

قال الكاتب : اللهم أسألُك بمحبتي لنبيك المختار ، وبمحبتي لأهل بيته الأطهار أن تضع لهذا الكتاب القبول في الدنيا والآخرة ، وأن تجعله خالصاً لوجهك الكريم ، وأن تنفع به النفع العميم ، والحمد لله من قبلُ ومن بعدُ.

وأقول : لقد حصحص الحق وبان جليًّا لكل ذي عينين ، وانكشفت أكاذيب هذا الكاتب وافتراءاته وتدليساته ، وتضارب كلامه ، وضعف استدلالاته ، وتشويهه للحقائق ، وهتكه ظلماً وزوراً لبعض العلماء والأفاضل ، وغير ذلك مما مرَّ تفصيله.

فهل يرتجي بعد هذا كله أن يتقبل الله منه هذا الكتاب الذي صار عاراً عليه في الدنيا ووبالاً له في الآخرة؟!

نسأل الله سبحانه أن يجعل ما كتبناه في ميزان أعمالنا وأن يكون عنده مرضياً مقبولاً ، إنه يتقبل اليسير ، ويعفو عن الكثير ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

٦٤٩

ملاحظات ونتائج مستَخلَصة

من خلال قراءتنا لكتاب (لله ثمّ للتاريخ) خرجنا بملاحظات مهمة ونتائج قيِّمة ، ولنا أن نوضحها ببيان عدة أمور :

أولاً : بيان هوية الكاتب السُّنية :

لقد وقع الكاتب في سقطات واضحة كشفت أنه لم يكن واحداً من الشيعة ، ولا عالماً من علمائهم.

وقد ظهر ذلك من خلال عدة ملاحظات :

١ ـ أن الكاتب قد ردَّد في كل كتابه كلمة (السَّادة) ، وأراد بها علماء الشيعة ، ولهذا لم يصف واحداً من العلماء أو الفضلاء الذين ذكرهم في كتابه ب ـ (الشيخ) ، وأطلق على كل واحد منهم لفظ (سيّد).

فقد وصف الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس‌سره بأنه سيِّد ، في الصفحات ٣ ، ٥ ، ٩ ، ٣٢ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ وغيرها ، وذكر اسمه تارة صحيحاً كما في ص ٥ ، وتارة مغلوطاً كما في ص ٣ ، حيث قال : محمد آل الحسين كاشف الغطاء.

ووصف أحمد الكاتب في ص ٦ بأنه سيِّد ، بينما هو عار عن السيادة والانتساب

٦٥٠

إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما شرّكه في السيادة مع السيد موسى الموسوي في ص ٦ ، وكرَّر الخطأ نفسه في ص ٧.

ووصف الميرزا علي الغروي قدس‌سره في ص ٧ ، ٢١ بأنه سيّد مع أنه ليس من نسل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ووصف الشيخ محمد جواد مغنية في ص ٩ ، ١٣ بأنه سيِّد ، مع أنه معروف بأنه شيخ.

وذكر في ص ٤٨ الشيخ لطف الله الصافي ، ووصفه بأنه سيِّد ، مع أنه ليس من ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو معلوم.

وذكر في ص ٥٢ الشيخ أحمد الوائلي ، ووصفه بأنه سيّد ، مع أنه ليس من ذريّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو معروف.

وفي ص ١٠٥ وصف شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس‌سره بأنه سيّد ، كما وصف الشيخ حسين الكركي العاملي رحمه‌الله بأنه الشيخ الثقة السيد.

وهذه السقطات وغيرها كلها تدل على أن الكاتب بعيد عن الجو الشيعي وعن معرفة العلماء ، وأن معلوماته لا تعدو كونها مسموعات مشوَّشة.

٢ ـ أنه ذكر في ص ٢٠ أنه كان يقرأ أصول الكافي على السيّد الخوئي ، مع أن قراءة كتب الأحاديث ليست من مناهج الدراسة في الحوزة العلمية.

والظاهر أنه ذكر ذلك قياساً على ما هو متعارف في الدراسة الدينية السُّنّية التي يقرأ فيها طالب العلم كتب الأحاديث المشهورة عندهم.

وقد تكرر منه هذا الخطأ في ص ٣١ حيث قال : عند ما قرأنا هذا النص أيام دراستنا في الحوزة مرَّ عليه علماؤنا ومراجعنا مرور الكرام.

٣ ـ أنه في ص ٢٠ صلَّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الكيفية : (صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله) ، وهذه الكيفية لا تصدر من شيعي قط ، وإنما تصدر ممن لم يحفظ كيفية الصلاة

٦٥١

الصحيحة عند الشيعة.

وفي نفس الصفحة صلَّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتين صلاةً بتراء ، أعني (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

وفي ص ٢٣ سلَّم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يصلِّ عليه ، فقال : (إذ دخل عليها ـ أي الزهراء عليها‌السلام ـ أبوها عليه‌السلام).

وفي الصفحات ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٤ ، ٣٠ وغيرها كثير كرر قوله : (رسول الله صلوات الله عليه) ، مع أن الشيعي العامي فضلاً عن طالب العلم أو من يدّعي الاجتهاد لا يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجرداً عن ذكر الآل.

٤ ـ أنه ذكر في ص ٣٤ أن علماء الحوزة في النجف وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة يتمتعون بالنساء رغبة في الثواب ...

وهذا التعبير لا يصدر من شيعي ، لأنه لا يوجد عند الشيعة علماء حسينيات وعلماء مشاهد الأئمة عليهم‌السلام.

٥ ـ أنه أكثر الترضي على أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في كتابه ، كما في الصفحات ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٦ ، ١٥ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٣ وغيرها كثير.

إلا أن الترضي في الطبعات الأخيرة من كتابه قد استُبدل بالتسليم.

لا يقال : إن الكاتب إنما يترضى على الأئمة الأطهار عليهم‌السلام من أجل أنه لا يرى جواز التسليم على غير الأنبياء عليهم‌السلام كما عليه جمع من علماء أهل السنة.

لأنا نقول : إن ذلك مردود بأن الكاتب نفسه صلَّى وسلَّم على آل البيت عليهم‌السلام في كتابه مكرَّراً ، فقال في ص ١٤ : (إذ تذكر لنا تذمُّر أهل البيت صلوات الله عليهم من شيعتهم ... وتذكر لنا من الذي سفك دماء أهل البيت عليهم‌السلام).

وقال في ص ١٧ : (وقالت فاطمة الصغرى عليها‌السلام ...).

٦٥٢

وقال في ص ٢٢ : روى الطوسي عن محمد عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وقال في ص ٢٥ : إن سيدنا ومولانا الحسين الشهيد سلام الله عليه أجل وأعظم ...

وقال في ص ٣٢ : واعلم أن أكثر من تَعَرَّضَ للطعن وللغمز واللمز الإمامان محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما‌السلام وعلى آبائهما ...

وقال في ص ٣٥ : ودرجة الحسن وعلي والنبي عليهم‌السلام جميعاً لا يبلغها أحد مهما سما وعلا إيمانه.

٦ ـ أنه قال في ص ٣١ : (علي بن جعفر الباقر) ، وكل شيعي يعرف أن الإمام الباقر عليه‌السلام هو محمد بن علي ، وأن الإمام جعفراً عليه‌السلام هو الصادق.

٧ ـ في ص ٩٨ أطلق على كتب الحديث الشيعية المعروفة : (الصِّحاح الثمانية) ، وفي ص ١٠٠ قال : (إن صحاحنا طافحة بأحاديث زرارة) ، وقال : (ومن راجع صحاحنا وجد مصداق هذا الكلام) ، وقال في ص ١٠٢ : (قلت : أحاديثه في الصِّحاح كثيرة جداً) مع أن علماء الشيعة أطبقوا على عدم تسمية كتبهم الحديثية صحاحاً ، فخالفوا بذلك أهل السنة الذي قسَّموا كتبهم إلى صحاح وغيرها.

٨ ـ في ص ٩٨ أطلق الكاتب على مؤمن الطاق (شيطان الطاق) ، وهو اللقب الذي ينبزه به العامَّة دون الخاصة.

٩ ـ في صفحة ١١٥ قال : (لقد صدرت في الآونة الأخيرة فتاوى بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات).

مع أنه من البديهي عند الشيعة أن صلاة الجمعة لا تُقام في حسينية.

والحاصل أن كل هذه الأمور وغيرها تؤكِّد بوضوح هويَّة الكاتب السُّنّية ، وتنفي أن يكون شيعياً عاش في الحوزة ودرس فيها ، فضلاً عن أن يكون عالماً من علمائها.

٦٥٣

* * *

ثانياً : أن الكاتب ليس فقيهاً مجتهداً :

كل قارئ واعٍ يستنتج من خلال تأمله في كتاب (لله ثمّ للتاريخ) أن كاتبه ليس عالماً فاضلاً ، فضلاً عن أن يكون فقيهاً مجتهداً ، ويدل على ذلك أمور :

١ ـ أن الكاتب لم يُثْبِت لنا اجتهادَه إلا بمجرد الادِّعاء بأن الشيخ كاشف الغطاء قد أجازه بالاجتهاد ، وبالدعاوى لا تثبت الأمور ، ولا يمكن التسليم له بها ، فإن المدَّعين كثيرون ، والمهم هو إثبات الادِّعاء بالأدلة الصحيحة.

هذا مع أن الإجازة لا تجعل غير المجتهد مجتهداً ، ولا تصير العامي فقيهاً وإن كانت قد تكشف أحياناً عن اجتهاد الحاصل على الإجازة ، ولهذا سمعنا عن مراجع تقليد لا يُشَك في اجتهادهم ، ولكنهم مع ذلك لا يحملون أية إجازة.

٢ ـ أن حوادث كثيرة نقلها الكاتب ـ بزعمه ـ تدل على أنه كان مجرد سائل لا مجتهداً ، فقد قال في ص ٩ : وسألت السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ فقال : إن ابن سبأ خُرافة وضعها الأمويون والعباسيون ...

وفي ص ٢٦ قال : لما سألتُ الإمام الخوئي عن قول أبي عبد الله للمرأة بتولي أبي بكر وعمر ، قال : إنما قال لها ذلك تَقِيَّة!!

وفي ص ٤٢ قال : سألتُ الإمام الخوئي عن قول أمير المؤمنين في تحريم المتعة يوم خيبر ، وعن قول أبي عبد الله في إجابة السائل عن الزواج بغير بينة أكان معروفاً على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

وفي ص ٨٠ قال : وقد سألت مولانا الراحل الإمام الخوئي عن الجفر الأحمر ، من الذي يفتحه؟ ودم مَن الذي يُراق؟

وغيرها كثير وكثير .. ولا نجده يدَّعي ولو مرة واحدة بأنه ناقش الخوئي أو غيره ، مع أن تلامذة الخوئي كانوا يناقشونه في آرائه ، والكاتب ـ لو سلَّمنا بصحة

٦٥٤

حكاياته ـ كان يسأل ويسكت ساخطاً متذمِّراً ، وليس هذا دأب المجتهدين الذين حازوا رتبة الاجتهاد (بتفوق) كما يزعم.

٣ ـ أن الكاتب يحتج بكل حديث يقع تحت نظره ، من غير تفريق بين الحديث الصحيح والضعيف ، فلا تجده في كل كتابه يصف حديثاً واحداً بأنه صحيح ، أو ضعيف ، أو حسن ، أو موثّق.

ومعرفة الأحاديث واعتبارها أول آلات الاجتهاد ، فإن من لا يميِّز بين المعتبر من الأحاديث وغيره كيف يتأتى له أن يستنبط الأحكام الشرعية من الأحاديث المروية؟

٤ ـ أن الكاتب في كل استنتاجاته التي وصل إليها قد أخذ ببعض الأحاديث ، ورتّب عليها النتائج ، من دون نظر في الأحاديث الأخرى المعارضة لها ومحاولة الجمع بينها وترجيح بعضها على بعض.

والجمع بين الأخبار أو ترجيح بعضها من أهم آلات الاستنباط التي لا يستغني عن معرفتها فقيه ، فمع عدم الالتفات إليها كيف يصح استنباطه واستدلاله؟!

٥ ـ أن الكاتب قد وقعت منه أغلاط كثيرة جداً لا يقع فيها الفقهاء المجتهدون.

منها : أنه في كل كتابه لم يميِّز بين الشيخ والسيِّد كما مرَّ بيانه ، وأنه يطلق على العلماء (سادة) حتى لو لم يكونوا منتسبين للذرية الطاهرة.

ومنها : أنه في ص ١٠ أسمى كتاب الكشي : (معرفة أخبار الرجال) ، مع أن اسمه (اختيار معرفة الرجال) ، وهذا لا يخفى على صغار طلبة العلم فضلاً عن العلماء.

ومنها : أنه في ص ١٣ نسب كتاب (جامع الرواة) للمقدسي الأردبيلي ، مع أنه لمحمد بن علي الأردبيلي الحائري.

٦٥٥

ومنها : أنه في ص ١٣ ذكر من ضمن المصادر التي ذكرت عبد الله بن سبأ (التحرير للطاوسي) ، مع أنه (التحرير الطاووسي) للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني صاحب المعالم.

ومنها : أنه في ص ١٣ أمر قارئه بالنظر في كتب من جملتها كتاب (حل الإشكال) للسيد أحمد بن طاوس ، مع أن هذا الكتاب لا وجود له في هذه الأزمان.

ومنها : أنه في ص ١٣ وصف السيد مرتضى العسكري بأنه من الفقهاء ، والسيد العسكري ليس معروفاً بالفقاهة ، وإن كان معروفاً بكونه باحثاً محققاً متتبعاً.

ومنها : أنه أسمى ابن أبي يعفور بابن أبي اليعفور (بالألف واللام) في ص ٤٩ ، ٧٩ ، وفي ص ٥٠ قال : إن رواية أبي اليعفور.

والخطأ المتكرر في اسم هذا الراوي لا يُتوقَّع حدوثه من فقيه عرف الرجال وضبط أسماءهم.

ومنها : أن الكاتب يظن أن الحوزة هي بناء من أبنية النجف الأشرف أشبه ما يكون بحرم جامعي فيها ، وهذا واضح في كلماته.

فقد قال في ص ٥٢ : (كنا أحد الأيام في الحوزة ، فوردت الأخبار بأن سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قد وصل بغداد ، وسيصل إلى الحوزة ... ولما وصل النجف زار الحوزة).

وقال في ص ٥٥ : (ضُبِطَ أحدُ السادة في الحوزة وهو يلوط بصبي أمرد).

وقال في ص ٧٠ : (وأرى من الضروري أن أذكر قول آية الله العُظْمَى الإمام الخميني في المسألة ، فإنه كان قد تحدث عنها في محاضرات ألقاها على مسامعنا جميعاً في الحوزة عام ١٣٨٩ ه‍ ـ).

مع أن الحوزة ليست كذلك ، بل هي نظام الدراسة المتَّبع في النجف ، فمن يقول : (درستُ في الحوزة) ، يريد أنه درس العلوم الدينية المتعارفة ، سواء أكانت

٦٥٦

دراسته في مسجد أو منزل أو مدرسة ، فإن النجف الأشرف كلها حوزة.

ومنها : أنه في ص ٦٥ نسب كتاب (ضياء الصالحين) إلى السيّد الخوئي ، مع أنه كتاب معروف في الأدعية والزيارات للحاج محمد صالح الجوهر ، وكتاب السيّد الخوئي هو (منهاج الصالحين) ، ولكثرة مزاولة الناس للكتابين المذكورين لا يُتصوَّر خطأ العوام فيهما فضلاً عن طلبة العلم.

* * *

ثالثاً : عدم وثاقة الكاتب في نقولاته وحكاياته :

لقد وقع الكاتب في سقطات كبيرة أفقدته مصداقيته ووثاقته ، فصارت كل قصصه وحكاياته التي ذكرها في كتابه وادَّعى فيها المشاهدة غير موثوق بها.

منها : أنه ادَّعى في ص ١٠٧ أنه زار الهند والتقى بالسيد دلدار علي فأهداه نسخة من كتابه (أساس الأصول) ، مع أن السيد دلدار علي رضوان الله عليه توفي سنة ١٢٣٥ ه‍ ـ ، أي قبل كتابة (لله ثمّ للتاريخ) ب ـ ١٨٥ سنة ، فكيف تأتّى للكاتب أن يلتقي به في ذلك الوقت؟!

ومنها : أنه افترى أحاديث لا وجود لها ونسبها للكتب الشيعية المعروفة ، وحرَّف بعضاً آخر ، وبتر قسماً ثالثاً منها كما مرَّ ، وستأتي الإشارة إليها في خياناته العلمية.

ومنها : أنه ذكر في ص ٣٧ أنه جلس مع السيد الخوئي في مكتبه ، فدخل شابان عندهما مسألة ...

مع أن السيد الخوئي قدس‌سره ليس عنده مكتب في النجف ، وإنما كان يستقبل الناس في منزله البراني ، وهو معروف في محلة العمارة في النجف الأشرف.

وكرر مثل هذا الخطأ في ص ٥٢ حيث قال : (وفي جلسة له في مكتب السيد آل

٦٥٧

كاشف الغطاء ...) ، ومن المعلوم أن الشيخ كاشف الغطاء لا يوجد عنده مكتب يستقبل الناس فيه ، بل كان يستقبلهم في مدرسته بحي العمارة في النجف الأشرف ، وهذا لا يخفى على من خالط الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس‌سره وتتلمذ على يديه.

فإذا كانت هذه حاله فكيف يمكن الوثوق بنقله فيما لا شاهد عليه إلا مجرد نقله وادَّعائه المشاهدة؟

* * *

رابعاً : كشف المنهج غير العلمي للكاتب :

ويمكن تلخيص منهج الكاتب في كتابه في أمور :

١ ـ أنه لم ينقّح الأحاديث ، فيحتج بالصحيح منها دون الضعيف ، بل تتبّع الأحاديث الضعيفة المروية في كتب الشيعة التي رواها الضعفاء والمجاهيل فاحتج بها ، مع أنه من البديهي أن الحديث الضعيف لا يعوَّل عليه ولا يحتج به.

٢ ـ أنه اعتبر مضامين الأحاديث التي ساقها عقائد للشيعة ، مع أن الشيعة لا يعتقدون بمضمون كل حديث مروي في كتبهم ، لأن منها ما هو ضعيف ، ومنها ما هو معارَض بغيره ، والعقائد إنما تُعرف من نص أساطين الطائفة عليها في كتبهم المعروفة ، لا من أحاديث ضعيفة متناثرة.

٣ ـ أنه احتج بكل حديث رآه ومن أي كتاب تلقّاه ، بغض النظر عن كون الكتاب معتبراً أو لا ، وكون كاتبه له ثقل علمي أو لا.

٤ ـ أنه لم ينقض عقائد الشيعة المذكورة في كتبهم المعدَّة لبيان عقائد الإمامية ، وإنما حاول أن يتصيَّد من الكتب ما يشنَّع به على الشيعة ، ولم ينقل من أقوال العلماء الذين يُعوّل عليهم في هذا الشأن ، وإنما نقل كل ما يستعين به على تحقيق غرضه

٦٥٨

والوصول به إلى غايته.

* * *

خامساً : بيان خيانات الكاتب العلمية :

وهي كثيرة جداً ، وعلى عدة أنحاء مختلفة :

النحو الأول : اختلاق أحاديث لا وجود لها في كتب الشيعة.

وقد وقع ذلك منه في عدة موارد :

منها : ما ذكره في ص ٣٣ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل المتعة وثوابها. وهو قوله : (مَنْ تَمَتَّعَ بامرأة مؤمنة كأنما زارَ الكعبةَ سبعين مرة) ، ولم يذكر الكاتب مصدراً لهذه المقولة التي لا أثر لها في كتب الشيعة.

ومنها : ما ذكره ص ٣٣ أيضاً عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : (إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا ، ومَن أنكرها أنكر ديننا ، واعتقد بغيرِ ديننا) ، وعزاه إلى كتاب من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٦ ، وهي مقولة لا توجد لا في هذا الكتاب ولا في غيره.

النحو الثاني : تقطيع الأحاديث بما يُلائِم الغرض.

وقد حصل منه ذلك في عدة موارد :

منها : أنه ذكر في ص ١٨ حديثاً فيه بيان تسمية الشيعة بالروافض ، جاء فيه قول الصادق عليه‌السلام : (لا والله ما هم سمَّوكم .. ولكن الله سمَّاكم به) الكافي ٥ / ٣٤.

فقطع الكاتب ذيل الحديث ليوهم القرَّاء أن الحديث كان مسوقاً لذمِّ الشيعة مع أنه مسوق لمدحهم.

ومنها : أنه ذكر في ص ٢٢ قضية المرأة التي اتهمت الشاب الأنصاري بأنه زنا بها ، وفيها : (فقام علي فنظر بين فخذيها ، فاتَّهَمَها) بحار الأنوار ٤ / ٣٠٣.

٦٥٩

مع أن الوارد في المصدر المذكور هو : (فنظر أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها ، فاتهمها أن تكون احتالت لذلك ...).

ومنها : أنه ذكر حديثاً في ص ٢٦ جاء فيه حثّ الإمام لأم خالد على تولي أبي بكر وعمر ، فقطع الكاتب ذيل الحديث الدال بوضوح على أن الإمام عليه‌السلام إنما قال ذلك تقية.

ومنها : أنه في صفحة ٤٥ نقل ما روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : (إني حرَّمتُ عليكما المتعة) ، وبتر ذيل الحديث الدال على عدم حرمة المتعة ، وهو قوله : (مِنْ قِبَلي ما دمتما بالمدينة ، لأنكما تكثران الدخول عليَّ ، فأخاف أن تؤخَذا ، فيقال : هؤلاء أصحاب جعفر).

ومنها : أنه في ص ٥٨ ذكر حديثاً جاء فيه : (ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك) ، مع أن الوارد في الحديث هو قوله : (ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) ، على ما رواه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) ، والشيخ الطوسي في (الاستبصار) ، فحذف الكاتب كلمة (اليوم) منه ليوهم القارئ أن الإمام عليه‌السلام قد أباح الخمس للشيعة مطلقاً ، لا أن الإباحة كانت مخصوصة بوقت خاص.

النحو الثالث : نقل النصوص بالمعنى محرَّفة :

فإنه أكثر من نقل نصوص بالمعنى مشوهة ومحرَّفة ، ولو نقلها بلفظها لما دلَّت على مطلوبه.

وقد صنع ذلك في عدة موارد :

منها : أنه في ص ٣٧ نقل فتوى السيد الخميني عليه الرحمة في تحرير الوسيلة بهذا النص : (لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضَمّا وتفخيذاً ـ أي يضع ذَكَرَهُ بين فخذيها ـ وتقبيلا).

مع أن نص المسألة المشار إليها هو : مسألة ١٢ ـ لا يجوز وطء الزوجة قبل

٦٦٠