لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

وذكر حكمه ، فقال سبحانه (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (١).

فهل يرى الكاتب أيضاً أن هذه الآيات لها أصول يهودية؟!

* * *

قال الكاتب : وقيام دولة إسرائيل لا بد أن يسودها حكم آل داود ، ودولة إسرائيل إذا قامت فإن من مُخَطَّطاتِها القضاء على العرب خصوصاً المسلمين ، والمسلمين عموماً كما هو مقرر في بروتوكولاتهم. تقضي عليهم قضاء مُبْرَماً وتقتلهم قتلاً لا رحمة فيه ولا شفقة.

وحلم دولة إسرائيل هو هدم قِبلة المسلمين ، وتسويتها بالأرض ، ثمّ هدم المسجد النبوي ، والعودة إلى يثرب التي أُخرجوا منها ، وإذا قامت فستفرض أمْراً جديداً ، وتضع بدل القرآن كتاباً جديداً ، وتقضي بقضاء جديد ، ولا تسأل بينة ، لأن سؤال البينة من خصائص المسلمين ، ولهذا تسود الفوضى والظلم بسبب العنصرية اليهودية.

وأقول : لقد قلنا فيما تقدَّم : إن المهدي يحكم بحكم داود ، لا أنه يحكم بحكم آل داود ، ولا أنه عليه‌السلام يحكم بشريعة داود عليه‌السلام.

وقلنا : إنه عليه‌السلام سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلِئَت ظلماً وجوراً ، ومن الطبيعي أن تتطلب منه هذه المهمة القصاص من القتلة والجناة ، وإقامة الحدود التي كانت معطَّلة ، ولا يعني هذا أن الإمام عليه‌السلام سيشن حرب إبادة على العرب والمسلمين ، ويقتلهم بلا رحمة ولا شفقة كما زعم الكاتب.

__________________

(١) سورة الأنبياء ، الآيتان ٧٨ ، ٧٩.

٦٢١

والعجيب زعم الكاتب أن دولة إسرائيل الحالية يسودها حكم آل داود عليه‌السلام ، مع أن دولة إسرائيل ليست كذلك ، بل هي دولة محتلة جائرة ظالمة ، تحكم بغير ما أنزل الله.

ولئن كان حلم دولة إسرائيل هو هدم المسجدين فهل حلمها جعل الكوفة عاصمة لها ، واعتبار كربلاء خير بقاع الأرض؟!

وإذا كان حلم دولة إسرائيل هو العودة إلى المدينة المنورة (يثرب) ، فما بال الكاتب لم يذكر لنا رواية واحدة تدل على أن هذا هو حلم الإمام المهدي أيضاً؟

هذا مع أنّا أوضحنا فيما تقدم ضعف الأخبار التي بنى عليها الكاتب كل نتائجه ، وأوضحنا أيضاً عدم صحة مزاعمه في دلالة تلكم الأحاديث ، وبيَّنا المراد بالأمر الجديد والكتاب الجديد والقضاء الجديد ، فلا حاجة لإعادة ما قلناه فيما سبق.

* * *

قال الكاتب : ويحسن بنا أن ننبِّه إلى أن أصحابنا اختاروا لهم اثني عشر إماماً ، وهذا عمل مقصود ، فهذا العدد يمثل عدد أسباط بني إسرائيل ، ولم يكتفوا بذلك ، بل أطلقوا على أنفسهم تسمية (الاثني عشرية) تَيَمُّناً بهذا العدد.

وأقول : ما أكثر ما يأتي هذا الكاتب بالعجائب والغرائب الكاشفة عن جهله وشدة تحامله بالباطل ، فإنه أراد أن يقلب الحق إلى باطل ، والباطل إلى حق ، وذلك لأن روايات الخلفاء الاثني عشر أشهر من أن تخفى على أحد ، وأوضح من أن يتمكن هذا الكاتب من إخفائها أو التشكيك فيها.

ونحن سنقتصر على ذكر بعض طرقها في هذا الكتاب ، وعلى من أراد الاستزادة فليراجع كتابنا (مسائل خلافية حار فيها أهل السنة) ، فإنا قد ذكرنا هناك ما فيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

٦٢٢

فقد أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش (١).

قال البغوي : هذا حديث متّفق على صحّته (٢).

وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. قال : ثمّ تكلم بكلام خفي عليَّ. قال : فقلت لأبي : ما قال؟ قال : كلهم من قريش (٣).

وأخرج مسلم أيضاً ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. ثمّ تكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكلمة خفيت عليَّ ، فسألت أبي : ما ذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : كلهم من قريش (٤).

وأخرج مسلم أيضاً وأحمد والطيالسي وابن حبان والخطيب التبريزي وغيرهم عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. ثمّ قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال؟ فقال : كلهم من قريش (٥).

وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد وابن حبان عن جابر بن سمرة ، قال :

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ / ١٠١. مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٩٠ ، ٩٥. دلائل النبوة ٦ / ٥١٩.

(٢) شرح السنة ١٥ / ٣١.

(٣) صحيح مسلم ٣ / ١٤٥٢.

(٤) صحيح مسلم ٣ / ١٤٥٢. مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٩٨ ، ١٠١. سلسلة الأحاديث الصحيحة ١ / ٦٥١ ، قال الألباني : وهذا إسناد صحيح على شرطهما.

(٥) صحيح مسلم ٣ / ١٤٥٣. مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٩٠ ، ١٠٠. مسند أبي داود الطيالسي ، ص ١٠٥ ، ١٨٠. مشكاة المصابيح ٣ / ١٦٨٧ وقال الخطيب التبريزي : متفق عليه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨ / ٢٣٠.

٦٢٣

انطلقت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعي أبي ، فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة. فقال كلمة صَمَّنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال؟ قال : كلهم من قريش (١).

وأخرج مسلم ـ واللفظ له ـ وأحمد عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول : لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش ... (٢).

والأحاديث التي نصَّت على الخلفاء الاثني عشر كثيرة جداً ، وفيما ذكرناه كفاية.

فإن كان الكاتب يرى أن هذه الأحاديث هي من دسائس اليهود وأكاذيبهم ، فلا بد أن يحكم بضرورة طرح صحاح أهل السنة كالبخاري ومسلم وغيرهما من كتبهم المعتبرة ، لما فيها من الأحاديث اليهودية المدسوسة.

وإن كان يرى صحة تلكم الأحاديث فلا مناص له من التسليم بأن الشيعة الإمامية إنما اعتقدوا باثني عشر إماماً بسبب ورود هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي اتّفق على روايتها واعتبارها المؤالف والمخالف.

* * *

قال الكاتب : وكرهوا جبريل رضي الله عنه (٣) والروح الأمين كما وصفه الله تعالى في

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ / ١٤٥٣. مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٩٨ ، ١٠١. وفي ص ٩٦ قال : عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه ، لا يضرّه من فارقه أو خالفه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨ / ٢٣٠. المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٩٥ ، ١٩٦.

(٢) صحيح مسلم ٣ / ١٤٥٣. مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٨٦ ، ٨٨ ، ٨٩. سلسلة الأحاديث الصحيحة ٢ / ٦٩٠. مسند أبي عوانة ٤ / ٣٧٣. مسند أبي يعلى ٦ / ٢٨٢.

(٣) لأول مرة أرى كاتباً يترضى على جبرئيل عليه‌السلام ، ولعل عقدةً ما قد أصابت الكاتب ، فكره قول (عليه‌السلام) عناداً للشيعة ومخالفة لهم ، أو لعله يريد أن يساوي مقامه بمقام أي صحابي.

٦٢٤

القرآن الكريم ، وقالوا إنه خان الأمانة إذ يفترض أن ينزل على عليّ رضي الله عنه ، ولكنه حاد عنه فنزل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم [كذا] فخان بذلك الأمانة (١).

ولهذا كرهوا جبريل ، وهذه هي صفة بني إسرائيل في كراهتهم له ، ولهذا رد الله عليهم بقوله الكريم : (قل مَن كان عدواً لجبريلَ فإنه نَزَّلَهُ على قَلبكَ بإذن الله مُصَدّقاً لِمَا بين يَدَيْه وهُدًى وبُشْرَى للمؤمنين ، قل مَن كان عَدُوّاً لله وملائكته ورُسُلِهِ وجبريلَ وميكالَ فإن اللهَ عَدوٌّ للكافرين) (البقرة / ٩٧ ـ ٩٨) ، فوصف من عادى جبريل بالكفر ، وأخبر أن مَن عاداه فإنه عدو لله تعالى.

وأقول : لا ينقضي عجبي من هذا الكاتب الذي يدَّعي أنه اقتنع ببطلان المذهب الشيعي بعد البحث والدراسة ، والذي يجعل من ضمن أدلّته هذه الافتراءات الواضحة والأكاذيب الفاضحة التي دأب أعداء الشيعة منذ القدم على ترديدها من غير حجة صحيحة ولا بيِّنة معتمدة ، ومن دون أن يذكر على هذه الفرية مصدراً واحداً يُرْجَع إليه ، أو مرجعاً معروفاً يُعتمَد عليه ، وهذا خلاف ما يقتضيه البحث العلمي والإنصاف الذي يدَّعيه الكاتب ، مع أنه لم يعرفهما في كل ما دوَّنه في كتابه هذا.

كما لا ينقضي العجب من هؤلاء القوم الذين بلغ بهم قلة الحياء وتعمد الافتراء إلى هذا الحد ، مع أن كتب الشيعة مملوءة بمدح جبرئيل عليه‌السلام والثناء عليه ، وذكر اسمه المبارك مقروناً بالإجلال والتعظيم ، ومع فقدان النصوص التي يتمسَّكون بها لتأييد فريتهم وإثبات كذبهم.

فإذا كان حالهم هكذا في هذه المسألة الواضحة ، فما بالك بغيرها مما لم يبلغ في الوضوح والجلاء هذه الدرجة!!

__________________

(١) القول بخيانة جبريل عليه‌السلام من عقائد الغرابية والكيسانية ، وهما من فرق الشيعة. (حاشية من الكاتب).

٦٢٥

وهذا في الحقيقة يكشف عن أن القوم إنما يجادلون بالباطل والكذب والبهتان والافتراء ، وأنهم جازمون بباطلهم وضلالتهم ومستيقنون بذلك في دخيلة أنفسهم ، لأن صاحب الحق لا يلجأ إلى هذه الأساليب الملتوية من الكذب والافتراء والتدليس وما شاكلها ، وما عنده من الحجة يغنيه عن سلوك أمثال هذه المسالك المحرَّمة ، والتمسك بهذه الأدلة الباطلة.

ثمّ إذا كان هذا المعتقد من عقائد الغرابية والكيسانية كما زعم الكاتب في الحاشية فما علاقة الشيعة الإمامية الاثني عشرية به حتى يلصقه بهم ، ويشنِّع عليهم به؟!

* * *

قال الكاتب : ومن أعظم آثار العناصر الأجنبية في حَرْف التشيع عن ركب الأمة الإسلامية هو القول بترك صلاة الجمعة ، وعدم جوازها إلا وراء إمام معصوم. لقد صدرت في الآونة الأخيرة فتاوى بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات ، وهذا عمل عظيم ، ولي والحمد لله جهود كبيرة في حث المراجع العليا على هذا العمل ، وإني احتسب أجري عند الله تعالى.

وأقول : لم يكشف لنا مدَّعي الاجتهاد والفقاهة عن علاقة العناصر الأجنبية بهذه المسألة ، وما هي أهمية ترك هذه الصلاة عند تلك العناصر؟

والعجيب زعمه صدور فتاوى في الآونة الأخيرة بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات ، مع أنه كان من الملائم جداً أن يذكر فتوى واحدة من هذه الفتاوى المزعومة التي كان له دور بارز في صدورها كما يدَّعي.

والمضحك في الأمر هو زعمه أن الفتاوى حثّت على إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات ، وهذا دليل يضاف إلى ما سبق من الأدلة على أن الكاتب بعيد كل البعد عن ساحة العلماء وعن جو الحوزة العلمية ، بل هو خارج عن الوسط الشيعي بتمامه ،

٦٢٦

فإن الشيعة لا يقيمون صلواتهم اليومية في الحسينيات فضلاً عن صلاة الجمعة ، وإنما يقيمونها في المساجد العامة كما هو معروف عند الكل.

والغريب أن مدعي الاجتهاد والفقاهة زعم أن الشيعة لا يجوِّزون إقامة صلاة الجمعة إلا خلف الإمام المعصوم ، مع أن جملة من فقهاء الإمامية قد صرَّحوا في كتبهم بوجوبها العيني في زمان الغيبة ، وذهب المشهور إلى وجوبها التخييري بينها وبين صلاة الظهر.

قال الشيخ يوسف البحراني قدس‌سره في كتابه الحدائق الناضرة :

ولا خلاف بين أصحابنا في وجوبها عيناً مع حضوره عليه‌السلام أو نائبه الخاص ، وإنما الخلاف في زمن الغيبة وعدم وجود الإذن على الخصوص ، على أقوال : الأول : القول بالوجوب العيني ، وهو المختار المعتضد بالآية والأخبار ، وبه صرَّح جملة من مشاهير علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم ، متقدميهم ومتأخريهم ، أحدهم الشيخ المفيد قدس‌سره ... (١).

ثمّ نقل القول بالوجوب العيني لصلاة الجمعة عن أبي الصلاح الحلبي في كتاب (الكافي في الفقه) ، والشيخ أبي الفتح الكراجكي في كتابه (تهذيب المسترشدين) ، والشيخ عماد الدين الطبرسي في كتابه (نهج العرفان إلى هداية الإيمان) ، والشيخ الكليني في كتاب الكافي ، والشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق في كتاب (الفقيه).

ثمّ قال : هذا ما وقفت عليه من كلام المتقدمين ، وأما المتأخرون عن عصر شيخنا الشهيد الثاني ممن قال بهذا القول فهم أكثر من أن يأتي عليهم قلم الإحصاء وأن يدخلوا في حيز الاستقصاء ، إلا أنه لا بأس بذكر جملة من مشاهيرهم ونقل عبائرهم في المقام تتمة لما قدمناه من متقدمي علمائنا الأعلام (٢).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٩ / ٣٧٨.

(٢) نفس المصدر ٩ / ٣٨٥.

٦٢٧

ثمّ عدَّ من جملة القائلين بالوجوب العيني لصلاة الجمعة في عصر الغيبة : الشهيد الثاني في رسالته المشهورة في صلاة الجمعة ، والسيد محمد في كتاب (المدارك) ، والشيخ حسين بن عبد الصمد تلميذ الشهيد الثاني ووالد الشيخ البهائي في رسالته المعروفة بالعقد الطهماسبي ، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في رسالته الموسومة بالاثني عشرية ، وابنه الشيخ محمد ، والشيخ فخر الدين بن طريح النجفي في شرح الرسالة المتقدمة ، والشيخ محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار ، ووالده الشيخ محمد تقي في رسالة ألفها في تحقيق هذه المسألة ، والمولى محمد باقر السبزواري في رسالة ألفها في الوجوب العيني في هذه المسألة ، والمحدِّث الفيض الكاشاني في رسالة اختار فيها الوجوب العيني ، ومحمد باقر الداماد ، والسيد ماجد البحراني وغيرهم.

ثمّ قال : وبالجملة فجملة من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني ووقفت على رسالته من الفضلاء المحققين فكلهم على الوجوب العيني إلا الشاذ النادر ممن قال بالتحريم أو الوجوب التخييري كما لا يخفى على من له أنس واطلاع على العلماء وسيرهم وأحوالهم (١).

وقال السيد محمد جواد العاملي قدس‌سره في كتابه (مفتاح الكرامة) :

وأما القول الأول وهو الوجوب عيناً في زمن الغيبة ، فقد عرفت أنه خيرة الشهيد الثاني في رسالته ، وولده في رسالته ، وسبطه ، والشيخ نجيب الدين ، والمولى الخراساني في كتابيه ، والكاشاني في المفاتيح والشهاب الثاقب والوافي ، والشيخ سليمان في رسالتيه ، والسيد عبد العظيم ، والشيخ أحمد الخطي ، ومولانا الحر في الوسائل ، ومولانا الشيخ أحمد الجزائري في الشافية ، وصاحب الحدائق ، والسيد علي الصائغ ، واحتمله احتمالاً في الذكرى ، ونسبوه إلى المفيد في المقنعة وكتاب الأشراف ، وإلى أبي الفتح الكراجكي ، وإلى أبي الصلاح التقي ، وإلى ظاهر الصدوق في المقنع والأمالي ،

__________________

(١) نفس المصدر ٩ / ٣٩٧.

٦٢٨

وإلى الشيخ في التهذيب ، وإلى الشيخ عماد الدين الطبرسي ... (١).

وأما القائلون بالوجوب التخييري في زمان غيبة الإمام عليه‌السلام فهم كثيرون ، بل لعل هذا القول هو المشهور عندهم.

قال الجواد العاملي في مفتاح الكرامة : وأما القول الرابع ، وهو الوجوب تخييراً من دون اشتراط الفقيه ، ويعبَّر عنه بالجواز تارة ، وبالاستحباب أخرى ، فهو المشهور كما في التذكرة وغاية المراد ، ومذهب المعظم كما في الذكرى ، والأكثر كما في الروض والمقاصد العلية والماحوزية ورياض المسائل ، وفي غاية المراد أيضاً أنه فتوى النهاية والخلاف والأتباع وأبي الصلاح ، والمحقق في المعتبر ، والمصنف في المختلف. انتهى. وفي المقاصد العلية أيضاً أن الوجوب في حال الغيبة مع المنصوب العام وغيره تخييري لا عيني كما أجمع عليه الأصحاب. انتهى ، فتأمل. وهو خيرة النهاية والمبسوط والمصباح وجامع الشرائع والنافع والمعتبر والتلخيص وحواشي الشهيد والبيان وغاية المراد كما سمعت ، والموجز الحاوي ، والمقتصر ، وتعليق الإرشاد ، والميسية ، والروض ، والروضة ، والمقاصد العلية ، وتمهيد القواعد ، والذكرى ، وقد سمعت عبارتها ، وفيها عبارة أخرى يأتي نقلها ، وظاهر كشف الالتباس ، وغاية المرام ، أو صريحهما ، وهو المنقول عن القاضي ، وكذا المفيد ، والتقي ، على ما عرفت ... إلى آخر كلامه (٢).

قلت : فإذا كان كل هؤلاء الأساطين قد ذهبوا إلى وجوب إقامة صلاة الجمعة تعييناً أو تخييراً بينها وبين صلاة الظهر ، فهل يسوغ لمنصف أن يزعم أن الشيعة الإمامية لا يرون إقامة صلاة الجمعة إلا بحضور الإمام المعصوم؟! ولا سيما أن استحباب اختيار إقامة الجمعة هو القول المشهور عندهم؟!

فقد قال العلَّامة الحلي في كتابه تذكرة الفقهاء : وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة؟ أطبق علماؤنا على عدم

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٣ / ٥٧.

(٢) نفس المصدر ٣ / ٦٢.

٦٢٩

الوجوب ، واختلفوا في استحباب إقامتها ، فالمشهور ذلك (١).

* * *

قال الكاتب : ولكني أتساءل : من الذي تسبب في حرمان كل تلك الأجيال وعلى مدى ألف سنة تقريباً من صلاة الجمعة؟ فأية يد خفية هذه التي استطاعت بدهائها وسيطرتها أن تحرم الشيعة من صلاة الجمعة مع وجود النص القرآني الصريح في وجوب إقامة الجمعة؟؟!!.

وأقول : الذي تسبَّب في حرمان الشيعة من إقامة صلاة الجمعة هم سلاطين الجور الذين منعوا الشيعة من إقامتها في جميع الأمصار والأعصار ، وهذا يعرفه كل من أحاط خبراً بالحوادث الجارية في السنين الماضية ، ولو لا أنّي أخشى غائلة المؤاخذة من قبلهم لسجَّلتُ للقارئ العزيز حوادث كثيرة تدل على ما قلته ، ولكني أقول كما قال الشاعر :

قَالَتِ الضِّفْدعُ قَولاً

صَدَّقتْه الحُكَمَاءُ

في فَمِي مَاءٌ وهَلْ يَنْ

طِقُ مَنْ في فِيْهِ مَاءُ.

بل إن كل من أمعن النظر وتبصَّر في الأمور يجد أن سلاطين الجور قد حرموا حتى أهل السنة من فوائد صلاة الجمعة وعوائدها ، لأنهم وظَّفوا لها من يمشي في ركابهم ، ويسير على منهاجهم ، فلا يقول إلا ما يملونه عليه ، ولا يتفوَّه إلا بما يوحونه إليه ، حتى إنه قد بلغني من مصادر مؤكَّدة أن خُطَب صلاة الجمعة تُجاز من قبل بعض أجهزة الدولة قبل أن يقوم الإمام بإلقائها على الناس ، فأية فائدة تُرتجى من مثل هذه الخُطَب ، وأي منفعة تُتوقَّع من مثل هذه الصلوات؟!

* * *

__________________

(١) جواهر الكلام ١١ / ١٧٩.

٦٣٠

قال الكاتب : وما زالت الأيادي الخَفيّةُ الخبيثةُ تعمل وتبث سُمومها ، فقد أصدرت زعامة الحوزة في يومنا هذا تعليمات بوجوب إكثار الفساد والظلم ونشره بين الناس ، لأن كثرة الفساد تُعَجِّلُ في خروج الإمام المهدي ـ القائم ـ من سردابه [كذا].

وأقول : هذا من الأكاذيب الواضحة الكثيرة التي سوَّد بها الكاتب صفحات كتابه ، فمن الواضح جداً أن زعامة الحوزة العلمية لا تحث الناس على فعل القبائح وارتكاب الموبقات مهما كانت الذريعة ، والرسائل العملية والفتاوى المنقولة عن كافة العلماء تنافي مثل هذا الافتراء المفضوح ، ولهذا لم يأتِ الكاتب بأي دليل يعضد به فريته ، ولم ينقل لقارئه نص تلكم التعليمات المزعومة.

ثمّ إن العالم كله مليء بالظلم والفساد ، ولا يحتاج إلى مزيد حتى يظهر صاحب الزمان عليه‌السلام لو سلَّمنا بأن انتشار الظلم والجور من جملة مقدمات قيامه عليه‌السلام.

هذا مع أن الوظيفة الشرعية لكل المكلَّفين هي الالتزام بأوامر الله سبحانه ، وترك كل نواهيه ، وأما ظهور صاحب الزمان عليه‌السلام فهي وظيفة الإمام عليه‌السلام نفسه ، لا وظيفة المكلفين ليجب عليهم تهيئة ما يلزم من المقدمات.

ولو سلَّمنا جدلاً بأن ارتكاب الموبقات من جملة مقدمات ظهوره عليه‌السلام فلا يجوز لأي مكلف أن يرتكب شيئاً منها ، وذلك لأن وجوب الظهور على الإمام عليه‌السلام في هذا العصر غير معلوم ، فكيف تجب مقدماته؟! ولو سلمنا بأصل الوجوب فمقدمات الخروج واجبة على الإمام عليه‌السلام لا علينا.

على أنه لا يمكن أن نتعقَّل أن يكون فعل المحرمات من جملة مقدمات ظهوره عليه‌السلام ، بل الأمر على العكس تماماً ، وذلك لأن الناس إن استقاموا شملهم الله برحمته ، وعمَّهم بنِعَمِه التي من جملتها قيام دولة الحق والعدل ، كما أنهم إذا كفروا وطغوا أنزل الله عليهم نَقِماته ، وصبَّ عليهم عذابه.

ولهذا لم نرَ فقيهاً أفتى بوجوب إكثار الفساد لتعجيل ظهور الإمام الغائب

٦٣١

عليه‌السلام ، لأن مثل هذه المقولة لا تصدر من عاقل فضلاً عن فاضل ، ناهيك عن زعامة الحوزة العلمية.

ولا يخفى أن مثل هذه المقولات لا يروِّجها إلا الفسقة الفجرة الذين يريدون أن يبرِّروا أفعالهم القبيحة وجرأتهم في ارتكاب المحارم وفعل الموبقات بأمثال هذه الأمور.

* * *

قال الكاتب : وقد استجاب كثير من الشيعة لذلك ، وطبَّقُوا هذه التعليمات ، ومارسوا الفساد بكل ألوانه ، وكان السيد البروجردي يشرف على تطبيقها في مدينة الثورة في بغداد ، فإذا ما مشى رجل في أحد شوارع الثورة ، فرأى امرأة أعجبته ، فإنها تستجيب له بابتسامة منه ، أو إشارة بطرف عينه.

وأقول : هذا من أكاذيبه الملفَّقة المكشوفة ، وقد فضحه في هذا التلفيق ذكر السيِّد البروجردي في هذه القضية ، فإن السيِّد البروجردي قدس‌سره توفي في قم سنة ١٣٨٠ ه‍ ـ ، وهو من مراجع الشيعة العظام ، ولا يُعرف له إبان مرجعيته أي تقليد أو رصيد شعبي في العراق ، فكيف بهذه السنين؟!

هذا مع أن سكان مدينة الثورة لا يعرفون شخصاً بهذا الاسم.

ولا ينقضي العجب منه حين يزعم أن السيِّد البروجردي أو غيره قد نصب نفسه مشرفاً على نشر الفساد والفجور بين الناس!! فهلا ساءل هذا الكاتب نفسه : هل يحتاج نشر الفساد بين الناس إلى إشرافٍ من أحد؟!

ثمّ كيف علم مدَّعي الفقاهة والاجتهاد بأمثال هذه الأفعال القبيحة التي لا يحسن منه أن يدَّعي أنه كان شاهد عيان فيها؟

* * *

٦٣٢

قال الكاتب : ولم تكتف زعامة الحوزة بذلك بل أرادت تعميم هذا الفساد ليشمل كل أنحاء العراق ، ولهذا قاموا باستئجار باصات نقل كبيرة لغرض السياحة والاصطياف في شمال العراق ، وقاموا بترغيب العوائل الساكنة في مدن الجنوب بالسفر الى الشمال ، فترى العوائل المسافرة تتكون كل عائلة منها من رجل عجوز وامرأته الطاعنة في السن بثياب رَثَّة لا يملك أحدهم ثمن وجبة عشاء ، فضلاً عن نفقات السياحة والاصطياف ، وقد اصطحبت كل عائلة معها عدداً من الفتيات الجميلات ، فإذا ما وصلت القافلة إلى محافظة من المحافظات التي تمر بها وهي ، صلاح الدين ـ تكريت ـ الموصل ، دهوك ، أربيل ، كركوك ، حط المسافرون رحالهم فيها أياماً ، ثمّ تبدأ الفتيات بالنزول إلى أسواق تلك المحافظة ، فيعرضن أنفسهن على الشباب لتتم (الصفقات المحرمة) ، وأما فترة بقاء العوائل في المصايف فإني أعجز عن وصف ما يجري!!

وأقول : وهذا أيضاً من أكاذيبه الواضحة التي ملأ بها كتابه الذي صار عاراً عليه في الدنيا ، وخزياً ووبالاً في الآخرة.

والظاهر أن الكاتب يريد أن يقول : إن الفتيات الشيعيات يذهبن للفساد في المدن السُّنّية في العراق ، وإلا فمن الواضح أن الفساد لا يحتاج لسفر الفتيات إلى محافظات صلاح الدين والموصل وكركوك وغيرها ، ولا سيما أن تلك الفتيات من عوائل فقيرة معوزة كما زعم الكاتب ، فهل امتلأت النجف وكربلاء والحلة والناصرية والعمارة والبصرة وغيرها من المدن الشيعية بالفساد ، حتى جاء الدور لهذه المدن السُّنية؟!

ثمّ كيف عرف مدَّعي الفقاهة والاجتهاد ما يدور في تلك المصايف من المفاسد والفجور حتى زعم أنه عاجز عن وصف ما يجري فيها؟! مع أنه من الواضح جداً أن الأخيار والصلحاء ولا سيما طلبة العلم والعلماء لا يتواجدون في تلك الأماكن ليعرفوا ما يجري فيها من الفساد ، ولا يعتمدون على ما يقوله أي ناقل ، والمؤمنون

٦٣٣

الثقات الذين يمكن الاعتماد على أخبارهم أيضاً لا يتواجدون في أمثال هذه المصايف المزعومة ، فكيف تمكن الكاتب من معرفة كل تلك الأمور المخزية التي زعم الاطلاع عليها؟!

* * *

قال الكاتب : إن الغاية من إصدار هذه التعليمات هي نشر الفساد ، وتدمير البلاد ، وأما خروج الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم فأنا واثق بأنهم يدركون أن لا وجود لهذا الإمام!!

فانظروا إلى هذه الأيدي الخبيثة ، ما ذا فعلت؟ وما ذا تفعل؟!!!

وأقول : لقد أوضحنا أنه لا تعليمات ولا أوامر في البين ، وما هي إلا أكاذيب واضحة لا تخفى على كل عاقل.

وأما وثوق الكاتب بأن الشيعة يدركون بأنه لا وجود للإمام المهدي عليه‌السلام فهو كذب محض ، وذلك لأن الشيعة بحمد الله جازمون بوجوده عليه‌السلام وقاطعون بأنه إمام هذا العصر ، وقد أقاموا الأدلة الصحيحة التي تثبت ذلك.

بل إن جمعاً من علماء أهل السنة قد اعترفوا بأن المهدي الموعود هو محمد بن الحسن العسكري عليه‌السلام ، وأنه باقٍ إلى الآن ، ومع أن هذا المعتقد مخالف لما عليه أكثر علماء أهل السنة إلا أن هؤلاء رأوه مذهباً لهم يعتنقونه ويذبّون عنه ، فذكروه في مصنفاتهم التي صحَّت نسبتها إليهم.

ومن هؤلاء المذكورين :

١ ـ محمد بن طلحة الشافعي (٥٨٢ ـ ٦٥٢ ه‍ ـ) (١) : ذكر ذلك في كتابه (مطالب

__________________

(١) راجع ترجمته في كتاب العبر في خبر من غبر للذهبي ٣ / ٢٩٦ ، وطبقات الشافعية للسبكي ٨ / ٦٣ ، وشذرات الذهب ٥ / ٢٥٩ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١٩٨.

٦٣٤

السَّئول) في الباب الثاني عشر (١).

٢ ـ محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨ ه‍ ـ) (٢) : ذكر ذلك في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) في الباب الخامس والعشرين (في الدلالة على جواز بقاء المهدي حيًّا) (٣).

٣ ـ محي الدين ابن عربي (٥٦٠ ـ ٦٣٨ ه‍ ـ) (٤) : ذكر ذلك في الباب السادس والستين وثلاثمائة من كتابه (الفتوحات المكية).

٤ ـ سبط ابن الجوزي (٥٨١ ـ ٦٥٤ ه‍ ـ) (٥) : ذكر ذلك في كتابه (تذكرة الخواص) في الفصل المعقود للإمام المهدي عليه‌السلام (٦).

٥ ـ صلاح الدين الصفدي (٦٩٦ ـ ٧٦٤ ه‍ ـ) (٧) : ذكر ذلك في كتابه شرح الدائرة (٨).

__________________

(١) مطالب السئول ٢ / ١٥٢.

(٢) راجع ترجمته في كتاب الوافي بالوفيات ٥ / ٢٥٤ ، ومعجم المؤلفين ١٢ / ١٣٤ ، والأعلام ٧ / ١٥٠.

(٣) البيان في أخبار صاحب الزمان ، ص ٩٧.

(٤) ترجم له في ميزان الاعتدال ٣ / ٦٥٩ ، والوافي بالوفيات ٤ / ١٧٣ ، وفوات الوفيات ٣ / ٤٣٥ ، ولسان الميزان ٥ / ٣١١ ، وشذرات الذهب ٥ / ١٩٠ ، وجامع كرامات الأولياء ١ / ١١٨ ، ودائرة المعارف الإسلامية ١ / ٢٣١ ، وسير أعلام النبلاء ٢٣ / ٤٨ ، والأعلام ٦ / ٢٨١.

(٥) تُرجم له في شذرات الذهب ٥ / ٢٦٦ ، والأعلام ٨ / ٢٤٦ ، وميزان الاعتدال ٤ / ٤٧١ ، ووفيات الأعيان ٣ / ١٤٢ ، والبداية والنهاية ١٣ / ٢٠٦.

(٦) تذكرة الخواص ، ص ٣٢٥.

(٧) له ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى ١٠ / ٥ ، وشذرات الذهب ٦ / ٢٠٠ ، والعبر في خبر من غبر ٤ / ٢٠٣ ، والبداية والنهاية ١٤ / ٣١٨ ، والأعلام ٢ / ٣١٥ ، ومعجم المؤلفين ٤ / ١١٤ ، وذكر أن له ترجمة في الدرر الكامنة لابن حجر ٢ / ٨٧ ، ٨٨ والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ١١ / ١٩ ـ ٢١ والبدر الطالع للشوكاني ١ / ٢٤٣ ، ٢٤٤.

(٨) عن ينابيع المودة ، ص ٤٧١.

٦٣٥

٦ ـ علي بن محمد المشهور بابن الصباغ المالكي (٧٨٤ ـ ٨٥٥ ه‍ ـ) (١) : ذكر ذلك في كتابه (الفصول المهمة) في الفصل الثاني عشر منه (٢).

٧ ـ محمد بن علي بن طولون (٨٨٠ ـ ٩٥٣ ه‍ ـ) (٣) : نص على ذلك في كتابه (الأئمة الاثنا عشر) في أبيات ساقها فيه من نظمه ، وهي :

عليكَ بالأئمةِ الاثني عشرْ

من آل بيتِ المصطفى خيرِ البشرْ

أبو ترابٍ ، حسنٌ ، حسينُ

وبُغضُ زينِ العابدينَ شَيْنُ

محمدُ الباقِرُ كم عِلمٍ درى

والصادقَ ادْعُ جعفراً بين الورى

موسى هو الكاظمُ وابنُه علي

لقِّبْه بالرضا وقَدْرُه علي

محمدُ التقيُّ قلبُه معمورُ

عليٌّ ٩٩ النقيُّ دُرُّه منثورُ

والعسكريُّ الحسنُ المطهَّرُ

محمدُ المهديُّ سوف يظهرُ (٤).

٨ ـ عبد الوهاب الشعراني (٨٩٨ ـ ٩٧٣ ه‍ ـ) (٥) : ذكر ذلك في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر) ، وسنذكر قريباً عبارته بنصّها.

وقد ذكر الميرزا حسين النوري قدس الله نفسه في كتابه (كشف الأستار) أسماء أربعين من علماء أهل السنة الذين عثر على بعض كتبهم التي يعترفون فيها بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه‌السلام هو المهدي المنتظر ، مع اعترافه قدس‌سره بقلة المصادر

__________________

(١) راجع ترجمته في الأعلام للزركلي ٥ / ٨ ، ومعجم المؤلفين ٧ / ١٧٨.

(٢) الفصول المهمة ، ص ٢٨٦ ، ٢٨٧.

(٣) له ترجمة في شذرات الذهب ٨ / ٢٩٨ ، والكواكب السائرة ٢ / ٥٢ ، والأعلام ٦ / ٢٩١ ، ومعجم المؤلفين ١١ / ٥١.

(٤) الأئمة الاثنا عشر ، ص ١١٨.

(٥) ترجم له في شذرات الذهب ٨ / ٣٧٢ ، والأعلام ٤ / ١٨٠ ، ومعجم المؤلفين ٦ / ٢١٨ ، وجامع كرامات الأولياء ٢ / ١٣٤.

٦٣٦

التي لديه وكثرة كتب علماء أهل السنة وتفرقها في البلدان ، ولعل من وقف على أكثرها يجد أضعاف هذا العدد (١).

كما أن جملة كبيرة من فضلاء الشيعة وعلمائهم قد فازوا بحمد الله وفضله بلقاء المهدي عليه‌السلام ومقابلته منذ ولادته عليه‌السلام ، في عهد أبيه الإمام العسكري عليه‌السلام وبعد غيبته الصغرى والكبرى ، وقد ذكر علماء الشيعة في مصنفاتهم روايات كثيرة عن رجال ثقات تشرَّفوا بمقابلته ، حتى إن الميرزا حسين النوري رحمة الله عليه ألَّف كتاباً أسماه (جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة عليه‌السلام في غيبته الكبرى) ، ذكر فيه حكايات كثيرة مسندة عمن رأى الإمام المهدي عليه‌السلام من العلماء وغيرهم ، مستدركاً به على ما ذكره العلامة المجلسي في المجلد الثاني والخمسين من موسوعته (بحار الأنوار) ، الذي ذكر جملة وافرة من تلك الروايات ، وقد طُبع كتاب جنة المأوى في ذيل المجلد الثالث والخمسين من هذه الموسوعة ، كما طُبع مستقلاً أيضاً.

وقد اعترف بعض علماء أهل السنة برؤيته عليه‌السلام ولقائه ، فقد قال عبد الوهاب الشعراني في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر) بعد كلام طويل : إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ ... فهناك يُترقب خروج المهدي عليه‌السلام ، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، ومولده عليه‌السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه‌السلام ، فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة : سبعمائة سنة وست سنين ، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة ، عن الإمام المهدي حين اجتمع به ، ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما‌الله تعالى (٢).

__________________

(١) كشف الأستار ، ص ٨٩.

(٢) (١) اليواقيت والجواهر ٢ / ٥٦٢. ونقل هذه الكلمة الشيخ محمد علي الصبان في كتابه إسعاف الراغبين ، ص ١٥٤.

٦٣٧

وأما إثبات بقاء صاحب الزمان عليه‌السلام بعد غيبته الطويلة فهذا له موضع آخر ، وقد كفانا مئونته بعض علماء أهل السنة الذين ذكرنا أسماءهم وغيرهم ، كالكنجي الشافعي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) ، وابن طلحة الشافعي في (مطالب السئول) (١) وغيرهما ، وقد أثبتناه بما لا مزيد عليه في كتابنا (مسائل خلافية) ، فراجعه ففيه مباحث نافعة.

__________________

(١) البيان في أخبار صاحب الزمان ، ص ٩٧ ـ ١١١. مطالب السئول ٢ / ١٥٥ ـ ١٦٢.

٦٣٨

الخاتمة

قال الكاتب : بعد هذه الرحلة المرهقة في بيان الحقائق المؤلمة ، ما الذي يجب عليَّ فعْلُه؟

هل أبقى في مكاني ومنصبي وأجمع الأموال الضخمة من البسطاء والسُّذَّج باسم الخُمس والتبرعات للمَشاهد ، وأركب السيارات الفاخرة (!!) وأتمتع بالجميلات؟ أم أترك عَرَضَ الدنيا الزائل ، وأبتعد عن هذه المحرمات ، وأصدع بالحق ـ لأن الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس ـ؟.

وأقول : لقد انكشف للقارئ الكريم أن ما سمَّاه الكاتب حقائق مؤلمة هي في حقيقتها أكاذيب مؤلمة ، وافتراءات باطلة ، لأن الكاتب لم يثبت لقارئه صحَّة حديث واحد احتج به ، ولم يثبت له أن قصصه وحكاياته كانت صادقة.

بل قد اتَّضح للقارئ العزيز أن الكاتب لم يكن شيعيّا ، فضلاً عن أن يكون عالماً ، بل هو رجل متحامل مفترٍ ، وأنه كان يتصيَّد من الأحاديث ما يظن أنه يحقق بها غايته ، ويصل إلى بغيته ، ولكن الله قد كشف ستره ، وأبدى عواره ، فوقع في أخطاء فادحة ، أزاحت القناع عن وجهه ، فبدا واضحاً على حقيقته بحمد الله وفضله ونعمته.

٦٣٩

ثمّ أي منصب هذا الذي ذكره الكاتب لنفسه؟

هل يعتبر الكاتبُ المكانةَ العلمية أو الاجتماعية منصباً؟

ثمّ إذا كان الكاتب لم يُفصح عن اسمه الحقيقي ، وقرَّر البقاء في النجف والعمل فيها صابراً محتسباً ذلك عند الله كما ذكر في ص ٧ ، فكيف ترك منصبه مع أنه بزعمه إلى الآن لا يزال يمارس كل مهامّه كعالم شيعي في الظاهر وكعدُوٍّ لهم في الباطن؟!

وإذا كان الكاتب بزعمه قد أدرك السيد علي دلدار صاحب كتاب (أساس الأصول) فإن عمره كما أسلفنا قد زاد على المائتين ، ومن كان طاعناً في السن هكذا فلا مأرب له في الجميلات حتى يزعم أنه تركهن قربة إلى الله تعالى؟!

ثمّ إن العلماء لا دخل لهم في الأموال التي تُلقى في المشاهد المشرَّفة ، وإنما تأخذها الدولة وتتصرف فيها بحسب ما تراه هي ، وهذا يعرفه كل الناس ، فما بال مدعي الفقاهة والاجتهاد قد غاب عنه هذا الأمر الواضح؟!

* * *

قال الكاتب : لقد عرفت أن عبد الله بن سبأ اليهودي هو الذي أَسَّسَ التشيع ، وفَرَّقَ المسلمين ، وجعل العداوة والبغضاء بينهم بعد أن كان الحب والإيمان يجمع بينهم ، ويؤلف قلوبهم وعرفت أيضاً ما صنعه أجدادنا ـ أهل الكوفة ـ بأهل البيت ، وما رَوَتْهُ كتبنا في نبذ الأئمة ، والطعن بهم ، وضَجَر أهل البيت من شيعتهم كما سبق القول ، ويكفي قول أمير المؤمنين رضي الله عنه في بيان حقيقتهم : (لو ميزتُ شيعتي لما وجدتُهم إلا واصلة [كذا] ، ولو امتحنتُهم لما وجدتُهم إلا مرتدين ، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد) الكافي ٨ / ٣٣٨.

وعرفت أنهم يُكَذِّبون الله تعالى ، فإن الله تعالى بين أن القرآن الكريم لم تعبث به

٦٤٠