لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

ابن إبراهيم الطبري ، وأبا الطيِّب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري ، وأبا غالب محمد بن أحمد بن عمر بن الطَّبر الجريري الطبري ، وأبا القاسم هبة الله بن أحمد الطبري ، وأبا بكر محمد بن عمير الطبري ، وأبا عبد الله محمد بن غصن الطبري من القدماء ، روى عن وكيع وعبد الرزاق (١).

قلت : وعدَّ اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من علماء طبرستان ممن رُسم بالإمامة في السُّنة إسماعيل بن سعيد الشالنجي ، والحسين بن علي الطبري ، وأبا نعيم عبد الملك بن عدي الاسترآباذي ، وعلي بن إبراهيم بن سلمة القطان القزويني (٢).

وهنا نسأل الكاتب :

هل محمد بن جرير الطبري وغيره من أهل السنة من أهل طبرستان هم أيضاً من يهود الخزر الذين تستَّروا بالإسلام واندسوا بين المسلمين؟!

فإن أجاب بالنفي فلا ندري لِمَ لَمْ يندس يهود الخزر بين أهل السنة الذين كانوا أصحاب الوظائف والمناصب ، واكتفوا بالاندساس بين الشيعة الذين كانوا مضطهدين مقهورين؟!

ثمّ إن المستفاد من كلام البستاني في دائرة المعارف وياقوت الحموي في معجم البلدان وغيرهما أن بلاد الخزر تقع شمال جبال القوقاز على ضفتي نهر الفولغا ، وهو واقع شمال غرب بحر قزوين (بحر الخزر).

قال البستاني : خزرKhazares : أمّة سكيثية من أوروبا الشرقية ، كانوا في القرن الخامس للميلاد قاطنين على ضفتي فولغا الأسفل عند بحر الخزر ، ثمّ تقدموا نحو الغرب ، وافتتحوا بلاد الأفارة سنة ٦٣٤ وهي روسيا الجنوبية إلى نهر دنيبر وأوكا ،

__________________

(١) الأنساب ٤ / ٤٥ ـ ٤٨.

(٢) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ١ / ٥٤.

٥٦١

وثبتت مملكتهم قرنين ، وكانوا كل هذه المدة محالفين لليونان (١).

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان : هي بلاد التُّرك خلف باب الأبواب المعروف بالدربند قريب من سد ذي القرنين ... وقال أحمد بن فضلان رسول المقتدر إلى الصقالبة في رسالة له ذكر ما شاهده بتلك البلاد فقال : الخزر اسم إقليم من قصبة تسمَّى إتِل ، وإتِل اسم لنهر يجري إلى الخزر من الروس وبلغار ، وإتل مدينة ، والخزر اسم المملكة لا اسم مدينة ، والإتل قطعتان : قطعة على غربي هذا النهر المسمى إتل وهي أكبرهما ، وقطعة على شرقيِّه (٢).

قلت : هذا هو معنى كلام البستاني ، والظاهر أن نهر فولغا كان يُسمّى سابقاً إتِل.

فعلى هذا يتضح بُعْد المسافة بين طبرستان وبين منطقة الخزر ، ولا يُعلَم أن يهود الخزر قصدوا منطقة طبرستان واستوطنوا فيها ، وبالذات ليندسوا بين المسلمين فيها ويتستروا بالإسلام بزعم الكاتب ، مع أن ياقوت الحموي قد ذكر أن منطقة الخزر فيها مسلمون ونصارى وعبدة أوثان ، وأقل الفرق فيها اليهود (٣) ، فكان بإمكانهم أن يتستَّروا بين المسلمين القاطنين في منطقة الخزر نفسها ، دون شيعة طبرستان.

ولا بأس أن ننبِّه القارئ الكريم إلى أن البيهقي المعروف بابن فندق المعاصر لأمين الإسلام الطبرسي صاحب مجمع البيان ، قد ذكر في كتابه (تاريخ بيهق) أن الطبرسي (صاحب مجمع البيان) منسوب إلى طبرس الواقعة بين أصفهان وكاشان (٤) ، وبه يتضح بُعْد الطبرسي عن طبرستان أيضاً ونواحيها.

* * *

__________________

(١) دائرة معارف البستاني ٧ / ٣٧١.

(٢) معجم البلدان ٢ / ٣٦٧.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٣٦٨.

(٤) عن مقدمة كامل سليمان لكتاب جوامع الجامع ١ / ٧.

٥٦٢

قال الكاتب : فمؤلفاتهم من أكبر الكتب الطاعنة بدين الإسلام بحيث لو قارنا بين (فصل الخطاب) وبين مؤلفات المستشرقين الطاعنة بدين الإسلام لرأينا (فصل الخطاب) أشد طعناً بالإسلام من مؤلفات أولئك المستشرقين. وهكذا مؤلفات الآخرين.

وأقول : لقد أوضحنا فيما تقدم أن الكتب الثلاثة المذكورة (الاحتجاج ومجمع البيان وفصل الخطاب) لم تشتمل على شيء خلتْ منه كتب أهل السنة ، بل إن الأمر بالعكس ، فراجع ما قلناه فيما تقدم.

ومن المنكرات العظيمة وصف هؤلاء الأجلاء بأنهم من يهود الخزر ، وهل هذا إلا مخالفة واضحة لقوله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (١).

ولا بأس أن أنقل للقارئ الكريم بعضاً من ترجمة صاحب كتاب (فصل الخطاب) الميرزا حسين النوري الطبرسي قدس‌سره الذي تحامل عليه الكاتب أكثر من غيره كما نقلها شاهد عصره آغا بزرك الطهراني رحمه‌الله.

قال قدس‌سره : كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر ، فقد امتاز بعبقرية فذّة ، وكان آية من آيات الله العجيبة ، كمنتْ فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهَّلته لأن يُعدّ في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرَّسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب ، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة ، وهو في مجموع آثاره ومآثره إنسان فرض لشخصه الخلود على مر العصور ، وألزم المؤلِّفين والمؤرِّخين بالعناية به والإشادة بغزارة فضله ، فقد نذر نفسه لخدمة العلم ، ولم يكن يهمّه غير البحث والتنقيب والفحص والتتبع ، وجمع شتات الأخبار ، وشذرات الحديث ، ونظم متفرقات الآثار ، وتأليف شوارد السير ، وقد رافقه التوفيق ، وأعانته المشيئة الإلهية ، حتى ليظن الناظر في تصانيفه أن الله شمله بخاصة

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٩٤.

٥٦٣

ألطافه ومخصوص عنايته ، وادخر له كنوزاً قيمة لم يظفر بها أعاظم السلف من هواة الآثار ورجال هذا الفن ، بل يخيل للواقف على أمره أن الله خلقه لحفظ البقية الباقية من تراث آل محمد عليه وعليهم‌السلام (وذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

تشرَّفتُ بخدمته للمرة الأولى في سامراء في (١٣١٣) بعد وفاة المجدِّد الشيرازي بسنة ، وهي سنة ورودي العراق ، كما أنها سنة وفاة السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وذلك عند ما قصدت سامراء زائراً قبل ورودي إلى النجف ، فوُفِّقتُ لرؤية المترجم له بداره ، حيث قصدتُها لاستماع مصيبة الحسين عليه‌السلام ، وذلك يوم الجمعة الذي ينعقد فيه مجلس بداره ، وكان المجلس غاصّاً بالحضور ، والشيخ على الكرسي مشغول بالوعظ ، ثمّ ذكر المصيبة وتفرَّق الحاضرون ، فانصرفتُ وفي نفسي ما يعلمه الله من إجلال وإعجاب وإكبار لهذا الشيخ ، إذ رأيت فيه حين رأيته سمات الأبرار من رجالنا الأُوَل. ولما وصلت إلى النجف بقيتُ أُمنِّي النفس لو أن تتفق لي صلة مع هذا الشيخ لأستفيد منه عن كثب ، ولما اتفقت هجرته إلى النجف في (١٣١٤) لازمته ملازمة الظل ست سنين ، حتى اختار الله له دار إقامته ، ورأيتُ منه خلال هذه المدة قضايا عجيبة لو أردت شرحها لطال المقام ، وبودي أن أذكر مجملاً من ذلك ، ولو كان في ذلك خروج عن خطتنا الإيجازية ، فهذا ـ وأيم الحق ـ مقام الوفاء ، ووقت إعطاء النَّصَف ، وقضاء الحقوق ، فإني لعلى يقين من أنني لا ألتقي بأستاذي المعظم ومعلِّمي الأول بعد موقفي هذا إلا في عرصات القيامة ، فما بالي لا أفي حقه وأغنم رضاه.

كان ـ أعلى الله مقامه ـ ملتزماً بالوظائف الشرعية على الدوام ، وكان لكل ساعة من يومه شغل خاص لا يتخلف عنه ، فوقت كتابته من بعد صلاة العصر إلى قرب الغروب ، ووقت مطالعته من بعد العشاء إلى وقت النوم ، وكان لا ينام إلا متطهِّراً ، ولا ينام من الليل إلا قليلاً ، ثمّ يستيقظ قبل الفجر بساعتين ، فيجدِّد وضوءه ،

٥٦٤

ولا يستعمل الماء القليل ، بل كان لا يتطهر إلا بالكُر ، ثمّ يتشرف قبل الفجر بساعة إلى الحرم المطهر ، ويقف ـ صيفاً وشتاءً ـ خلف باب القبلة ، فيشتغل بنوافل الليل إلى أن يأتي السيِّد داود نائب خازن الروضة ، وبيده مفاتيح الروضة ، فيفتح الباب ويدخل شيخنا ، وهو أول داخل لها وقت ذاك ، وكان يشترك مع نائب الخازن بإيقاد الشموع ، ثمّ يقف في جانب الرأس الشريف ، فيشرع بالزيارة والتهجد إلى أن يطلع الفجر ، فيصلي الصبح جماعة مع بعض خواصِّه من العبَّاد والأوتاد ، ويشتغل بالتعقيب ، وقبل شروق الشمس بقليل يعود إلى داره ، فيتوجَّه رأساً إلى مكتبته العظيمة المشتملة على ألوف من نفائس الكتب والآثار النادرة العزيزة الوجود أو المنحصرة عنده ، فلا يخرج منها إلا للضرورة ، وفي الصباح يأتيه من كان يعينه على مقابلة ما يحتاج إلى تصحيحه ومقابلته مما صنفه أو استنسخه من كتب الحديث وغيرها ، كالعلَّامتين الشيخ علي بن إبراهيم القمي ، والشيخ عباس بن محمد رضا القمي ، وكان معينه على المقابلة في النجف وقبل الهجرة إلى سامراء وفيها أيضاً المولى محمد تقي القمي الباوزئيري الذي ترجمناه في القسم الأول من هذا الكتاب ص ٢٣٨.

وكان إذا دخل عليه أحد في حال المقابلة اعتذر منه أو قضى حاجته باستعجال ، لئلا يزاحم وروده أشغاله العلمية ومقابلته ، أما في الأيام الأخيرة وحينما كان مشغولاً بتكميل (المستدرك) فقد قاطع الناس على الإطلاق ، حتى إنه لو سُئل عن شرح حديث أو ذكر خبر أو تفصيل قضية أو تأريخ شيء أو حال راو أو غير ذلك من مسائل الفقه والأصول ، لم يُجِبْ بالتفصيل ، بل يذكر للسائل مواضع الجواب ومصادره فيما إذا كان في الخارج ، وأما إذا كان في مكتبته فيخرج الموضوع من أحد الكتب ، ويعطيه للسائل ليتأمله ، كل ذلك خوف مزاحمة الإجابة الشغل الأهم من القراءة أو الكتابة (١) ، وبعد الفراغ من أشغاله كان يتغذى بغداء معين كمّاً وكيفاً ، ثمّ

__________________

(١) كان ذلك من الله ، فكأن هاتفاً هتف في أذنه ، وأمره بترك أشغاله ، لأنه توفي بعد تتميم الكتاب بقليل. (منه قدس‌سره).

٥٦٥

يقيل ويصلي الظهر أول الزوال ، وبعد العصر يشتغل بالكتابة كما ذكرنا.

أما في يوم الجمعة فكان يغيِّر منهجه ، ويشتغل بعد الرجوع من الحرم الشريف بمطالعة بعض كتب الذكْر والمصيبة ، لترتيب ما يقرؤه على المنبر بداره ، ويخرج من مكتبته بعد الشمس بساعة إلى مجلسه العام ، فيجلس ويحيِّي الحاضرين ويؤدِّي التعارفات ، ثمّ يرقى المنبر فيقرأ ما رآه في الكتب بذلك اليوم ، ومع ذلك يحتاط في النقل بما لم يكن صريحاً في الأخبار الجزمية ، وكان إذا قرأ المصيبة تنحدر دموعه على شيبته ، وبعد انقضاء المجلس يشتغل بوظائف الجمعة من التقليم والحلق وقص الشارب والغُسل والأدعية والآداب والنوافل وغيرها ، وكان لا يكتب بعد عصر الجمعة على عادته ، بل يتشرف إلى الحرم ، ويشتغل بالمأثور إلى الغروب. كانت هذه عادته إلى أن انتقل إلى جوار ربِّه.

ومما سنَّه في تلك الأعوام : زيارة سيد الشهداء مشياً على الأقدام ، فقد كان ذلك في عصر الشيخ الأنصاري من سُنن الأخيار وأعظم الشعائر ، لكن تُرك في الأخير وصار من علائم الفقر وخصائص الأدنين من الناس ، فكان العازم على ذلك يتخفى عن الناس لما في ذلك من الذُّل والعار ، فلما رأى شيخنا ضعف هذا الأمر اهتم له والتزمه ، فكان في خصوص زيارة عيد الأضحى يكتري بعض الدواب لحمل الأثقال والأمتعة ، ويمشي هو وصحبه ، لكنه لضعف مزاجه لا يستطيع قطع المسافة من النجف إلى كربلاء بمبيت ليلة كما هو المرسوم عند أهله ، بل يقضي في الطريق ثلاث ليال ، يبيت الأولى في (المصلى) ، والثانية في (خان النصف) ، والثالثة في (خان النخيلة) ، فيصل كربلاء في الرابعة ، ويكون مشيه كل يوم ربع الطريق ، نصفه صبحاً ونصفه عصراً ، ويستريح وسط الطريق لأداء الفريضة وتناول الغذاء في ظلال خيمة يحملها معه ، وفي السنة الثانية والثالثة زادت رغبة الناس والصلحاء في الأمر ، وذهب ما كان في ذلك من الإهانة والذل إلى أن صار عدد الخيم في بعض السنين أزيد من ثلاثين لكل واحدة بين العشرين والثلاثين نفراً ، وفي السنة الأخيرة يعني زيارة عرفة

٥٦٦

(١٣١٩) ـ وهي سنة الحج الأكبر التي اتفق فيها عيد النيروز والجمعة والأضحى في يوم واحد ، ولكثرة ازدحام الحجيج حصل في مكة وباء عظيم هلك فيه خلق كثير ـ تشرَّفتُ بخدمة الشيخ إلى كربلاء ماشياً ، واتفق أنه عاد بعد تلك الزيارة إلى النجف ماشياً أيضاً ... وفي تلك السفرة بدأ به المرض الذي كانت فيه وفاته يوم خروجه من النجف ... وابتلي بالحمى ، وكان يشتد مرضه يوما فيوماً ، إلى أن توفي في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الثانية (١٣٢٠) (١).

قلت : من اطلع على سيرة هذا الشيخ العظيم ونظر في مؤلفاته النافعة ، كيف يحق له أن يصفه بما وصفه به الكاتب ظلماً وبهتاناً؟!

ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

* * *

قال الكاتب : توفي أحد السادة المدرسين في الحوزة النجفية ، فغسلتُ جثمانَه مُبْتَغياً بذلك وجهَ الله ، وساعدني في غسله بعض أولاده ، فاكتشفت أثناء الغسل أن الفقيد الراحل غير مختون!! ولا أستطيع الآن أن أذكر اسم هذا (الفقيد) لأن أولاده يعرفون من الذي غسل أباهم ، فإذا ذكرته عرفوني ، وعرفوا بالتالي أني مؤلف هذا الكتاب ، واكتُشِفَ أمري ، ويحصل ما لا تُحْمَدُ عقباه.

وأقول : هذه إحدى قصص الكاتب الخرافية التي لا قيمة لها.

ولو كان الكاتب يَعْقِل ما يكتب لما نقل مثل هذه القصة ، لأنها كاشفة عن جهله وقلة معرفته ، لأنه ـ على فرض صحَّتها ـ كيف جوَّز الكاتب لنفسه أن ينظر إلى عورة الميت ويتفحَّصها ليعلم أنه كان غير مختون؟ فإن النظر إلى عورة المسلم حرام حتى في حال التغسيل ، فيجب على المغسِّل أن يستر عورة الميت ، ويغسلها من تحت الثياب.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١ / ٤٣ وما بعدها.

٥٦٧

قال الشيخ الطوسي قدس‌سره في كتاب الخلاف :

مسألة ٤٦٩ : يستحب أن يُغسل الميت عرياناً ، مستور العورة ، إما بأن يترك قميصه على عورته ، أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة. وقال الشافعي : يغسَّل في قميصه ، وقال أبو حنيفة : ينزع قميصه ويُترك على عورته خرقة. دليلنا : إجماع الفرقة وعملهم على أنه مخير بين الأمرين (١).

وقال المحقق الحلي في كتاب المعتبر :

وقال في الخلاف : يستحب غسله عرياناً مستور العورة ، إما بقميصه ، أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة. ومعنى قوله رحمه‌الله : (بقميصه) أن يخرج يديه من القميص ويجذبه منحدراً إلى سرته ، ويجمعه على عورته ، ويجرِّد ساقيه ، فيصير كالعاري عدا العورة (٢).

وقال الشيخ يوسف البحراني قدس‌سره في الحدائق الناضرة :

(الثالثة) : اختلف الأصحاب في أنه هل الأفضل تغسيل الميت عرياناً مستور العورة ، أو في قميص يدخل الغاسل يده تحته؟ قال في المختلف : المشهور أنه ينبغي أن ينزع القميص عن الميت ، ثمّ يترك على عورته ما يسترها واجباً ، ثمّ يغسله الغاسل.

إلى أن قال : وقد ظهر من كلامه أن المشهور هو استحباب غسله مكشوف البدن ما عدا العورة ، وكلام ابن أبي عقيل ظاهر في استحباب التغسيل في قميص ، وهو ظاهر من الأخبار كصحيحة ابن مسكان المذكورة وصحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة وصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة أيضاً ، بل ظاهر صحيحة يعقوب الوجوب ، ويعضدها أيضاً الأخبار المتقدمة في تغسيل الزوجين المتكاثرة بكونه من وراء الثياب (٣).

__________________

(١) كتاب الخلاف ١ / ٦٩٢.

(٢) المعتبر ١ / ٢٧٠.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ / ٤٤٧.

٥٦٨

وقال النجفي في جواهر الكلام :

(و) كذا يستحب أن (يستر عورته) حيث لا يوجد ما يقتضي الوجوب ، كما لو كان المغسِّل أعمى ، أو واثقاً من نفسه بعدم النظر ، أو كان المغسَّل بالفتح ممن يجوز النظر إلى عورته ، كما لو كان طفلاً أو زوجاً ، وإلا فلا إشكال في وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم (١).

وقال السرخسي في المبسوط :

ويُطرح على عورته خرقة ، لأن ستر العورة واجب على كل حال ، والآدمي محترم حيًّا وميتاً ، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال. وفي ظاهر الرواية قال : يَشق عليهم غَسل ما تحت الإزار ، فيكتفى بستر العورة الغليظة بخرقة ، ثمّ يوضأ وضوءه للصلاة (٢).

وقال الكاشاني في بدائع الصنائع :

وتستر عورته بخرقة ، لأن حرمة النظر إلى العورة باقية بعد الموت. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تنظروا إلى فخذ حيّ ولا ميت). ولهذا لا يباح للأجنبي غسل الأجنبية. دلَّ عليه ما روي عن عائشة أنها قالت : (كسْر عظم الميت ككسْره وهو حي) ، ليعلم أن الآدمي محترم حيًّا وميتاً ، وحرمة النظر إلى العورة من باب الاحترام. وقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال. والصحيح ظاهر الرواية ، لأنه يشق عليهم غسل ما تحت الإزار ، ثمّ الخرقة ينبغي أن تكون ساترة ما بين السرة إلى الركبة ، لأن كل ذلك عورة ، وبه أمر في الأصل حيث قال : (وتطرح على عورته خرقة) ، هكذا ذكر عن أبي عبد الله البلخي نصّاً في نوادره ، ثمّ تغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يده خرقة ، كذا ذكر البلخي ، لأن حرمة مَسِ

__________________

(١) جواهر الكلام ٤ / ١٤٩.

(٢) المبسوط ٢ / ٥٩.

٥٦٩

عورة الغير فوق حرمة النظر ، فتحريم النظر يدل على تحريم المس بطريق الأولى (١).

قلت : بعد أن عرفنا هذا كله نسأل : ما الذي سوَّغ لمدَّعي الاجتهاد والفقاهة أن ينظر إلى عورة الميت المزعوم ويتفحَّصها؟

ولما ذا يخاف الكاتب من معرفة اسمه وشخصه مع أنه يدَّعي الآن أنه صار سُنِّيّاً ، فيلزمه حينئذ ألا يعمل بالتقية الممقوتة عند أهل السنة ، فلا يجوز له أن يخفي نفسه في النجف متستِّراً باللباس الشيعي ، ومتظاهراً بأنه لا يزال شيعياً.

* * *

قال الكاتب : وهناك بعض السادة في الحوزة لي عليهم ملاحظات تثير الشكوك حولهم والريب ، وأنا والحمد لله دائب البحث والتحري للتأكد من حقيقتهم.

وأقول : لا ندري ما هي هذه الملاحظات المزعومة التي أثارت شكوك الكاتب حول من سمَّاهم سادة في الحوزة؟

ثمّ ما الذي جوَّز للكاتب أن يتحرَّى ويبحث في حقيقة أولئك السادة؟ فإن هذا الفعل إما أن يندرج تحت عنوان التجسس المنهي عنه بقوله تعالى وَلا تَجَسَّسُوا؟

أو يندرج تحت عنوان تتبّع عورات المسلمين المنهي عنه في الأخبار الكثيرة ، ففي موثقة إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه ، لا تذمُّوا المسلمين ، ولا تتبَّعوا عوراتهم ، فإنه من تتبَّع عوراتهم تتبَّع الله عورته ، ومن تتبَّع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته.

وفي موثَّقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن

__________________

(١) بدائع الصنائع ١ / ٣٠٠.

٥٧٠

يواخي الرجلُ الرجل على الدين ، فيحصي عليه زلّاته ، ليعيِّره بها يوماً ما.

وفي صحيحة محمد بن مسلم أو الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تطلبوا عثرات المؤمنين ، فإن من تتبَّع عثرات أخيه تتبَّع الله عثراته ، ومن تتبَّع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته (١).

وأخرج الترمذي وأبو داود وأحمد وأبو يعلى وغيرهم بأسانيدهم عن ابن عمر ، قال : صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر ، فنادى بصوت رفيع فقال : يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيِّروهم ، ولا تتبَّعوا عوراتهم ، فإنه من تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورته ، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله (أو بيته) (٢).

ومن غير المستبعد أن يكون ذلك قد نشأ من سوء ظنِّ الكاتب بالناس الكاشف عن سوء الطوية وخبث السريرة.

قال المناوي في فيض القدير : ومن أساء الظن بمن ليس محلًّا لسوء الظن به دلَّ على عدم استقامته في نفسه ، كما قيل :

إذا سَاءَ فِعْلُ المرءِ سَاءَتْ ظنُونُه

وصَدَّقَ مَا يَعْتَادُه مِنْ تَوَهُّمِ (٣)

__________________

(١) انظر هذه الأحاديث في الكافي ٢ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥.

(٢) سنن الترمذي ٤ / ٣٧٨ وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب. سنن أبي داود ٤ / ٢٧٠. مسند أحمد ٤ / ٤٢٠ ، ٤٢٤. مجمع الزوائد ٦ / ٢٤٦. مسند أبي يعلى ٢ / ١٤٦ ، ٦ / ٢٦٦. المطالب العالية ٢ / ٣٦٥. شعب الإيمان ٧ / ١٠٨ ، ٥٢١. مشكاة المصابيح ٣ / ١٤٠٢. الترغيب والترهيب ٣ / ١٥٢ ، ١٥٣ وقال : رواه أبو يعلى بإسناد حسن. صحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣ / ٩٢٣.

(٣) فيض القدير ١ / ٣٣٠.

٥٧١

قال الكاتب : ولنر لوناً آخر من آثار العناصر الأجنبية في التشيع ، فقد عبثت هذه العناصر بكتبنا المعتبرة ، ومراجعنا المهمة ، وَلْنَأْخُذ نماذج يطلع القارئ من خلالها على حجم هذا العَبَث ومداه.

إن كتاب الكافي هو أعظم المصادر الشيعية على الإطلاق ، فهو موثق من قبل الإمام الثاني عشر المعصوم الذي لا يُخْطِئ ولا يغلط ، إذ لما ألف الكليني كتاب الكافي عرضه على الإمام الثاني عشر في سردابه [كذا] في سامراء ، فقال الإمام الثاني عشر سلام الله عليه : (الكافي كاف لشيعتنا). انظر مقدمة الكافي ص ٢٥.

وأقول : أما أن كتاب الكافي من أهم المصادر الشيعية فهو صحيح ، وأما أنه موثَّق من قبل الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرَجه الشريف فهو غير صحيح ، لأن ذلك لم يثبت عنه بسند معتبر ، وإنما هو كلام قيل ، ولا أصل له.

والمذكور في مقدمة الطبعة الجديدة من كتاب الكافي للدكتور حسين علي محفوظ هو أن بعض العلماء يعتقد أن الكافي عُرض على القائم عليه‌السلام فاستحسنه ، وقال : كافٍ لشيعتنا.

وهو خبر ضعيف بالإرسال ، بل هو باطل في نفسه ، لأن كتاب الكافي ليس كافياً للشيعة ، ولهذا اعتنى العلماء بغيره من كتب الحديث الأخرى المكمِّلة له ، وهذا أمر معلوم غير قابل للإنكار.

على أن مقدمة الكافي المزبورة لم يَرِد فيها أن الكافي عُرض على القائم عليه‌السلام في السرداب كما قاله الكاتب ، ولكن لما أراد الكاتب أن يطعن في الإمام المنتظر عليه‌السلام طعناً مبطَّناً ، ذكر قضية العرض في السرداب التي لا يقول بها أحد ، وهذا دليل يضاف إلى ما سبق من الأدلة على أن كاتب كتاب (لله ثمّ للتاريخ) لم يكن شيعياً ، فضلاً عن أن يكون واحداً من علماء الشيعة.

* * *

٥٧٢

قال الكاتب : قال السيد المحقق [كذا] عباس القمي : (الكافي هو أجل الكتب الإسلامية ، وأعظم المصنفات الإمامية ، والذي لم يُعْمَلْ للإمامية مثله) ، قال المولى محمد أمين الاسترآبادي في محكي فوائده : (سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يُدانيه). الكني والالقاب [كذا] ٣ / ٩٨.

وأقول : أما أن كتاب الكافي لم يصنَّف مثله فلا إشكال فيه ولا ريب يعتريه ، وليس هذا مقام إثباته وبيانه ، ولكن نود أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن مدعي الاجتهاد والفقاهة قد أخطأ في تسمية الكتاب الذي نقل عنه ، فذكره على غير الوجه الصحيح ، مع أن اسمه الصحيح : (الكُنَى والألقاب).

ثمّ إن الشيخ عباس القمي رحمه‌الله ليس سيِّداً ، كما أنه ليس محقِّقاً ، وإنما هو على جلالته محدِّث ، وهذه أول مرة أرى من يصف الشيخ عباس القمي بهذا الوصف الغريب في حقه رحمه‌الله ، وهذا كاشف على بُعْد الرجل عن الجو الحوزوي كما صرَّحنا به مكرَّراً.

* * *

قال الكاتب : ولكن اقرأ معي هذه الأقوال :

قال الخوانساري : (اختلفوا في كتاب الروضة الذي يضم مجموعة من الأبواب : هل هو أحد كتب الكافي الذي هو من تأليف الكليني ، أو مزيد عليه فيما بعد؟) روضات الجنات ٦ / ١١٨.

وأقول : لم نعثر على هذه الكلمة في روضات الجنات في ترجمة الكليني قدس‌سره ، مع أنّا عثرنا على الكلمة الآتية التي نقلها الكاتب عن السيد حسين الكركي ، فكان من اللازم أن نجد كلمة الخوانساري بعد أربع صفحات من كلمة الكركي بناءً على أرقام الصفحات التي ذكرها الكاتب ، إلا أنّا لم نر لها عيناً ولا أثراً.

٥٧٣

وعلى فرض وجودها فيه فمعناها هو أن بعضهم أنكر كون كتاب الروضة أحد أجزاء الكافي ، وادَّعى أنه أُلحق بأجزاء الكافي مع أنه كان كتاباً آخر مستقلاً للكليني رحمه‌الله ، وهذا لا إشكال فيه على مضامين كتاب الروضة ، وإنما هو تشكيك في أن الروضة من ضمن الكافي أو مستقل عنه.

نعم ذكر الخوانساري في روضات الجنات نقلاً عن صاحب كتاب التوضيح قوله : (وقد يُنكر كون كتاب الروضة أيضاً من جملة كتب الكليني ، من جهة عدم اتصال سندنا إليه أو غير ذلك) (١).

وجوابه : أن ما ذكره صاحب كتاب التوضيح مجرد احتمال ، لا أنه قول في المسألة.

ثمّ إن النجاشي والشيخ الطوسي قد ذكرا كتاب الروضة في جملة كتب الشيخ الكليني رحمه‌الله ، وساقا سندهما إلى كتب الكليني كلها (٢) ، فلا يعتد حينئذ بما قاله غيرهما ، ولا سيما أنّا لم نعرف صاحب كتاب التوضيح من هو ، فإن الخوانساري لم يذكره باسمه ، وإنما قال إنه ذكره في ذيل ترجمة أبي العباس الضرير ، مع أنه قدس‌سره لم يذكر ترجمةً لأبي العباس الضرير (أحمد بن الحسن الإسفرائني ، أو أحمد بن أصفهبد القمي) ، فراجع وتأمل.

* * *

قال الكاتب : قال الشيخ الثقة السيد [كذا] حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي المتوفى ٤٦٠ ه‍ ـ : (إن كتاب الكافي خمسون كتاباً بالأسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالأئمة عليهم‌السلام) روضات الجنات ٦ / ١١٤.

بينما يقول السيد [كذا] أبو جعفر الطوسي المتوفي ٤٦٠ ه‍ ـ :

__________________

(١) روضات الجنات ٦ / ١١١.

(٢) رجال النجاشي ٢ / ٢٩١ ، ٢٩٢. الفهرست للطوسي ، ص ٢١٠ ـ ٢١١.

٥٧٤

(إن كتاب الكافي مُشْتَمِلٌ على ثلاثين كتاباً). الفهرست ص ١٦١.

يتبين لنا من الأقوال المتقدمة أن ما زيد على الكافي ما بين القرن الخامس والقرن الحادي عشر ، عشرون كتاباً وكل كتاب يضم الكثير من الأبواب ، أي أن نسبة ما زيد في كتاب الكافي طيلة هذه المدة يبلغ ٤٠% عدا تبديل الروايات ، وتغيير ألفاظها ، وحذف فقرات ، وإضافة أخرى ، فمن الذي زاد في الكافي عشرين كتاباً؟ ... أيمكن أن يكون إنساناً نزيهاً؟؟!!

وهل هو شخص واحد أم أشخاص كثيرون تتابعوا طيلة هذه القرون على الزيادة والتغيير والتبديل والعبث به؟؟!!

ونسأل : أما زال الكافي مُوَثّقاً من قِبَلِ المعصوم الذي لا يخطئ ولا يغلط؟؟!!

وأقول : من المضحكات أن الكاتب وصف الشيخ الطوسي قدس‌سره بأنه (سيِّد) ، ووصف الشيخ حسين الكركي العاملي بأنه الشيخ الثقة السيد.

فكيف يكون الرجل شيخاً وسيِّداً في آن واحد؟!

فهل يبقى بعد هذا أدنى شك عند منصف بأن هذا الكاتب ليس شيعياً ، وإنما هو مدلِّس نفسه في الشيعة؟

وأما ما يرتبط بزعمه زيادة أحاديث في كتاب الكافي فنقول : ليت مدَّعي الاجتهاد والفقاهة قد بذل بعض الجهد فنظر هل كتاب الكافي الموجود بين أيدينا خمسون كتاباً أو ثلاثون ، ليتبين له ولغيره بالدليل أن الكافي قد زيد فيه هذا الكم الهائل الذي ادَّعاه.

وليته ساق لنا هذه الكتب التي زعم أنها زيدت في الكافي ، وذكر لنا عدد أحاديثها ، بدلاً من حساب الأحاديث بالأبواب ، ولا سيما أن أبواب كتاب الكافي تتفاوت في عدد أحاديثها ، وحساب الأحاديث لن يكلّفه مزيد مئونة ، لأن طبعة كتاب الكافي المتداولة قد اشتملت على حصر أحاديث كل كتاب.

٥٧٥

ولعل السبب في ذلك أن الكاتب يعلم أن عدد أبواب الكافي لا يزال ثلاثين كما ذكر الشيخ الطوسي ، لم يُزَد فيها ولم يُنقَص منها ، وما نُقل عن الكركي من أنها خمسون كتاباً هو اشتباه محض.

وحتى يتضح الأمر للقارئ العزيز فإني سأنقل كلمة الشيخ الطوسي في الفهرست التي ذكر فيها أبواب كتاب الكافي ، وسأرقِّم الأبواب التي ذكرها على حسب ترتيب أبواب الكافي المذكورة في الطبعة المتداولة المحقَّقة بواسطة علي أكبر الغفاري ، والمطبوعة سنة ١٣٨٠ ه‍ ـ ، لنرى هل بينهما تطابق أو اختلاف ، فأقول :

قال الشيخ الطوسي في الفهرست :

محمد بن يعقوب الكليني ، يُكنَّى أبا جعفر ، ثقة عارف بالأخبار ، له كتب ، منها : كتاب الكافي ، وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً : أوله (١) كتاب العقل (٢) وفضل العلم ، (٣) وكتاب التوحيد ، (٤) وكتاب الحجة ، (٥) وكتاب الإيمان والكفر ، (٦) وكتاب الدعاء ، (٧) وكتاب فضل القرآن ، (٨) وكتاب الطهارة والحيض ، (١٠) وكتاب الصلاة ، (١١) وكتاب الزكاة ، (١٢) وكتاب الصوم ، (١٣) وكتاب الحج ، (١٦) وكتاب النكاح ، (١٧) وكتاب الطلاق ، (١٨) وكتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، (٢٩) وكتاب الأيْمان والنذور والكفارات ، (١٥) وكتاب المعيشة ، (٢٧) وكتاب الشهادات ، (٢٨) وكتاب القضايا والأحكام ، (٩) وكتاب الجنائز ، (*) وكتاب الوقوف والصدقات ، (١٩) وكتاب الصيد والذبائح ، (٢٠) وكتاب الأطعمة والأشربة ، (٢٢) وكتاب الدواجن والرواجن ، (٢١) وكتاب الزي والتجمل ، (١٤) وكتاب الجهاد ، (٢٣) وكتاب الوصايا ، (٢٤) وكتاب الفرائض ، (٢٥) وكتاب الحدود ، (٢٦) وكتاب الديات ، (٣٠) وكتاب الروضة آخر كتاب الكافي (١).

وأما أجزاء كتاب الكافي وما اشتملت عليه من كتب فهي كالتالي :

__________________

(١) الفهرست ، ص ٢١٠.

٥٧٦

الجزء الأول : أحاديثه ١٤٣٧ حديثاً ، وهو مشتمل على الأبواب التالية :

١ ـ كتاب العقل والجهل : من صفحة ١٠ ـ ٢٩.

٢ ـ كتاب فضل العلم : من صفحة ٣٠ ـ ٧١.

٣ ـ كتاب التوحيد : ٧٢ ـ ١٦٧.

٤ ـ كتاب الحجة : من صفحة ١٦٨ إلى آخر الجزء.

الجزء الثاني : أحاديثه ٢٣٤٦ حديثاً ، وهو مشتمل على الأبواب التالية :

٥ ـ كتاب الإيمان والكفر : من صفحة ٢ ـ ٤٦٤.

٦ ـ كتاب الدعاء : من صفحة ٥٩٦ ٤٦٥.

وهذا الكتاب لم يذكره النجاشي ، ولكن ذكره الشيخ الطوسي ، ولعله سقط من تعداد النجاشي ، أو سقط من النساخ ، أو لعله رأى أنه مندرج في كتاب الإيمان والكفر.

٧ ـ كتاب فضل القرآن : من صفحة ٥٩٦ ـ ٦٣٤.

ـ كتاب العشرة : من صفحة ٦٣٥ إلى آخر الجزء. وهو كتاب لم يذكره الشيخ الطوسي ، ولكن ذكره النجاشي في رجاله (١).

الجزء الثالث : أحاديثه ٢٠٤٩ حديثاً ، وهو يشتمل على الأبواب التالية :

٨ ـ كتاب الطهارة : من صفحة ١ ـ ٧٤.

كتاب الحيض : من صفحة ٧٥ ـ ١١٠.

وهذان الكتابان جعلهما الشيخ كتاباً واحداً ، فقال : كتاب الطهارة والحيض.

٩ ـ كتاب الجنائز : من صفحة ١١١ ـ ٢٦٣.

١٠ ـ كتاب الصلاة : من صفحة ٢٦٤ ـ ٤٩٥.

١١ ـ

__________________

(١) رجال النجاشي ٢ / ٢١٠.

٥٧٧

كتاب الزكاة : من صفحة ٤٩٦.

الجزء الرابع : أحاديثه ٢١٨٨ حديثاً ، وهو مشتمل على الأبواب التالية :

تتمة كتاب الزكاة (أبواب الصدقة) : من صفحة ٢ ـ ٦٠.

١٢ ـ كتاب الصيام : من صفحة ٦٢ ـ ١٨٣.

١٣ ـ كتاب الحج : من صفحة ١٨٤ إلى آخر الجزء.

الجزء الخامس : أحاديثه ٢٢٠٠ حديثاً ، وهو مشتمل على الأبواب التالية :

١٤ ـ كتاب الجهاد : من صفحة ٢ ـ ٦٤.

١٥ ـ كتاب المعيشة : من صفحة ٦٥ ـ ٣١٩.

١٦ ـ كتاب النكاح : من صفحة ٣٢٠ إلى آخر الجزء.

الجزء السادس : أحاديثه ٢٦٥٥ حديثاً ، وهو مشتمل على الأبواب التالية :

ـ كتاب العقيقة : من صفحة ٢ ـ ٥٣ ، وهو كتاب لم يذكره الشيخ الطوسي ، ولكن ذكره النجاشي مع كتاب النكاح ، فقال : كتاب النكاح والعقيقة (١).

١٧ ـ كتاب الطلاق : من صفحة ٥٤ ـ ١٧٦.

١٨ ـ كتاب العتق والتدبير والمكاتبة : من صفحة ١٧٧ ـ ٢٠١.

١٩ ـ كتاب الصيد : من صفحة ٢٠٢ ـ ٢٢٦.

كتاب الذبائح : من صفحة ٢٢٧ ـ ٢٤١.

وهذان الكتابان جعلهما الشيخ كتاباً واحداً.

٢٠ ـ كتاب الأطعمة : من صفحة ٢٤٢ ـ ٣٧٩.

كتاب الأشربة : من صفحة ٣٨٠ ـ ٤٣٧.

وهذان الكتابان جعلهما الشيخ أيضاً كتاباً واحداً.

__________________

(١) رجال النجاشي ٢ / ٢١٠.

٥٧٨

٢١ ـ كتاب الزي والتجمل والمروءة : من صفحة ٤٣٨ ـ ٥٣٤.

٢٢ ـ كتاب الدواجن : من صفحة ٥٣٥ إلى آخر الجزء.

الجزء السابع : أحاديثه ١٧٠٤ حديثاً ، وهو مشتمل على الأبواب التالية :

٢٣ ـ كتاب الوصايا : من صفحة ٢ ـ ٦٩.

٢٤ ـ كتاب المواريث : من صفحة ٧٠ ـ ١٧٦. والشيخ أسماه : كتاب الفرائض.

٢٥ ـ كتاب الحدود : من صفحة ١٧٤ ـ ٢٧٠.

٢٦ ـ كتاب الديات : من صفحة ٢٧١ ـ ٣٧٧.

٢٧ ـ كتاب الشهادات : من صفحة ٣٧٨ ـ ٤٠٥.

٢٨ ـ كتاب القضاء والأحكام : من صفحة ٤٠٦ ـ ٤٣٣.

٢٩ ـ كتاب الأيمان والنذور والكفارات : من ص ٤٣٤ إلى آخر الجزء.

الجزء الثامن :

٣٠ ـ كتاب الروضة : أحاديثه ٥٩٧ حديثاً.

هذه هي كل أبواب الكافي ، والشيخ رحمه‌الله لم يذكر كتاب العشرة وكتاب العقيقة ، وزاد كتاباً واحداً لا يوجد في الطبعة الموجودة بأيدينا ، وهو كتاب الوقوف والصدقات ، فعدَّها ثلاثين كتاباً.

والحاصل أن أبواب كتاب الكافي الموجود بأيدينا قد ذكرها الشيخ الطوسي كلها في كتاب الفهرست ، إلا كتاب العشرة وكتاب العقيقة ، وهما كتابان قد ذكرهما النجاشي في رجاله ، وهذا دليل على أنهما لم يزادا بأخرة.

بينما زاد الشيخ كتاباً لا ذكر له في الطبعة الموجودة أيدينا ، وهو كتاب الوقوف والصدقات ، وهو كتاب لم يذكره النجاشي في جملة أبواب كتاب الكافي ، وهذا إن ثبت دلَّ على نقصان الطبعة المتداولة عندنا لا زيادتها ، إلا أن الظاهر أنه اشتباه من الشيخ ،

٥٧٩

والمعوَّل على ما نقله النجاشي ، لأنه أضبط من الشيخ في نقله.

وبهذا كله يتضح أن الكافي لم يُزد فيه كتاب واحد فضلاً عن عشرين كتاباً كما زعم الكاتب.

* * *

قال الكاتب : وَلْنَأْخُذ كتاباً آخر يأتي بالمرتبة الثانية بعد الكافي وهو أيضاً أحد الصحاح [كذا] الأربعة الأولى ، إنه كتاب (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي مُؤَسِّس حوزة النجف ، فإن فقهاءَنا وعلماءَنا يذكرون على أنه الآن (١٣٥٩٠) حديثاً ، بينما يذكر الطوسي نفسه مؤلف الكتاب ـ كما في عدة الأصول ـ أن تهذيب الأحكام هذا أكثر من (٥٠٠٠) حديث ، أي لا يزيد في كل الأحوال عن (٦٠٠٠) حديث ، فمن الذي زاد في الكتاب بهذا الكم الهائل من الأحاديث الذي جاوز عدده العدد الأصلي لأحاديث الكتاب؟

وأقول : عبارة الشيخ الطوسي في كتاب العدة هي : وقد ذكرتُ ما ورد عنهم عليهم‌السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف الاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث ، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها ، وذلك أشهر من أن يخفى (١).

وكلامه قدَّس الله نفسه واضح جداً ، فإنه إنما عنى الأحاديث المتعارضة المختلفة التي ذكرها في كلا الكتابين المذكورين ، ولم يُرِدْ بيان عدد أحاديث كتابيه كلها كما هو واضح من عبارته ، فإن جملة وافرة من أحاديث التهذيب والاستبصار لا تعارض فيها ، وهذا أمر لا يحتاج إلى مزيد بحث.

ومن المؤسف حقًّا أن يحرِّف الكاتب كلمة الشيخ الطوسي ليتوصل بها إلى

__________________

(١) عدة الأصول ١ / ٣٥٦.

٥٨٠