لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

إنه لمجنون ، ويزعم أنه لا ينصره ربه إلا أن يفور هذا التنور. فهذه خيانتها ، وخيانة الأخرى أنها كانت تدل على الأضياف (١).

ومما قلناه يتضح أنه لا محذور في وقوع أمثال هذه الخيانات من أزواج الأنبياء والصلحاء.

هذا مع أن الخبر لم ينسب الخيانة لعائشة ، وإنما وصف المال بأنه جُمع من خيانة ، وأما الخائن فهو غير مذكور في الرواية.

فلعلّ خيانة المال ـ لو قلنا بصحّة الخبر ـ كانت صادرة من معاوية الذي كان يتصرَّف في أموال المسلمين كيفما شاء ، فلعلّه وهب لعائشة بعض الأموال لتفرِّقها في أعداء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والله أعلم.

ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي يحاول إدانة الشيعة بهذا الخبر الضعيف الذي لم يفهم معناه ، ويتعامى عن الأحاديث الكثيرة الصريحة المخزية التي رواها أهل السنة في مصادرهم المعتمدة وصحَّحوها ، والتي ينسبون فيها لعائشة أموراً قبيحة ، كتهمتها بالزنا التي ذكروا كل تفاصيلها في الحديث المعروف بحديث الإفك (٢) ، وكذا روايتهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يباشرها وهي حائض (٣) ، وأنه كان يقبِّلها ويمص لسانها وهو صائم (٤) ، وأنه كان يغتسل معها في إناء واحد (٥) ، وأنها كانت تحك المني

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٩ / ٤٧.

(٢) صحيح البخاري ٣ / ١٤٩٠. سنن الترمذي ٥ / ٣٣٢. مسند أحمد ٦ / ٥٩.

(٣) تقدم تخريجه في الجزء الأول ، صفحة ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٤) سبق تخريجه في الجزء الأول ، صفحة ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٥) صحيح البخاري ١ / ١٠٢ ، ١٠٤ ، ١٠٦ ، ١١٤ ، ١٢٠ ، ٢ / ٥٧٣ ، ٤ / ١٨٨٦. صحيح مسلم ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧. صحيح ابن خزيمة ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢٤. صحيح ابن حبان ٣ / ٣٩٥ ، ٤٦٧ ، ٤٦٨ ، ٤٧٦ ، ٤ / ٧٤ ، ٧٥. سنن الترمذي ١ / ٩١ ، ٤ / ٢٣٣. سنن أبي داود ١ / ٢٠ ، ٦٢. سنن النسائي ١ / ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ـ ١٤٢ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٢. سنن ابن ماجة ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، ١٩٨. مسند الشافعي ، ص ٩.

٤٨١

من ثوبه (١) ، وأنه كان يجامعها من غير إنزال أحياناً فيغتسل (٢) ، وأنها كانت تكشف له عن فخذها وهي حائض ، فيضع خدّه وصدره على فخذها ، فتحني عليه فينام (٣).

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف بسنده عن عائشة أنها شوَّفَتْ (٤) جارية وطافت بها. وقالت : لعلنا نصطاد بها شباب قريش (٥).

إلى غير ذلك مما لا يحسن ذِكره.

ولا بأس أن نختم الكلام بنقل ما قاله بعض علماء الشيعة الإمامية في تنزيه نساء الأنبياء عن فعل الفواحش.

فقد قال السيد المرتضى قدس‌سره في أماليه في ردِّه على من زعم أن ابن نوح لم يكن ابنه حقيقة ، وإنما وُلد على فراشه : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال ، لأنها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر ، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم (٦).

وقال العلامة الطباطبائي في الرد أيضاً :

وفيه : أنه على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياء عليهم‌السلام ، والذوق

__________________

(١) سبق تخريجه في الجزء الأول ، صفحة ١٠١ ـ ١٠٢.

(٢) صحيح مسلم ١ / ٢٧٢. صحيح ابن حبان ٣ / ٤٥١ ، ٤٥٢ ، ٤٥٦ ، ٤٥٨. سنن الترمذي ١ / ١٨١. سنن ابن ماجة ١ / ١٩٩. السنن الكبرى للنسائي ١ / ١٠٨ ، ٥ / ٣٥٢. مسند أحمد ٦ / ٦٨ ، ١١٠ ، ١٦١. السنن الكبرى للبيهقي ١ / ١٦٤. سنن الدارقطني ١ / ١١١ ، ١١٢. مسند الشافعي ، ص ١٦٠.

(٣) سنن أبي داود ١ / ٧٠. السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣١٣. الأدب المفرد ، ص ٥٤. تفسير ابن كثير ١ / ٢٥٩.

(٤) أي : زيَّنَتْ.

(٥) المصنف لابن أبي شيبة ٤ / ٤٩.

(٦) أمالي المرتضى ١ / ٥٠٣.

٤٨٢

المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم ، وينزِّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل ، أنه ليس مما يدل عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور ، فليس في القصة إلا قوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ، وليس بظاهر فيما تجرَّءوا عليه ، وقوله في امرأة نوح : (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) ، التحريم : ١٠ ، وليس إلا ظاهراً في أنهما كانتا كافرتين ، تواليان أعداء زوجيهما ، وتسران إليهم بأسرارهما ، وتستنجدانهم عليهما (١).

وقال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان في تفسير قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) :

قال ابن عباس : (كانت امرأة نوح كافرة ، تقول للناس : إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه ، فكان ذلك خيانتهما لهما ، وما زنت امرأة نبي قط) ، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به ، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً ، وليس ذلك قولاً لمحصِّل (٢).

* * *

قال الكاتب : وإني أتساءل : إذا كان الخلفاء الثلاثة بهذه الصفات فَلِمَ بايعهم أمير المؤمنين رضي الله عنه؟ ولم صار وزيراً لثلاثتهم طيلة مدة خلافتهم؟ أكان يخافهم؟ معاذ الله.

وأقول : بغض النظر عن الأخبار الضعيفة التي ذكرها الكاتب ، فإنه لم يثبت أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد بايع القوم بطيب نفسه وباختياره وقناعته ، بل جاء في صحيح البخاري ومسلم أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد امتنع عن مبايعة أبي بكر ستة أشهر.

ففي حديث طويل أخرجاه في الصحيحين بسندهما عن عائشة قالت : إن

__________________

(١) الميزان في تفسير القرآن ١٠ / ٢٣٥.

(٢) التبيان في تفسير القرآن ١٠ / ٥٢.

٤٨٣

فاطمة عليها‌السلام بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ، وما بقي من خُمس خيبر ...

إلى أن قالت : فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرتْه فلم تكلمه حتى توفيتْ ، وعاشت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلاً ، ولم يُؤْذِنْ بها أبا بكر ، وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ... (١).

ونحن نسأل الكاتب وغيره : لما ذا امتنع أمير المؤمنين عليه‌السلام عن مبايعة أبي بكر كل هذه المدّة؟

هل كان يراه أهلاً للخلافة وأنه مستحق لها فلم يبايعه ، فيكون متخلّفاً عن واجب مُهِم من الواجبات الدينية؟

أو أنه كان لا يراه أهلاً لها كل هذه المدة ، فكيف تجددت له الأهليّة للخلافة بعد ستة أشهر؟

ولو سلَّمنا أنه عليه‌السلام بايع القوم فلعلّه عليه‌السلام بايعهم من أجل لَمِّ الشمل ورأب الصدع حذراً من رجوع الكفر وبزوغ النفاق.

فهل تدل بيعته إذا كانت لهذه الغاية على كفاءتهم وأهليتهم للخلافة واستحقاقهم لها؟

وهل يرى الكاتب أن ترك أمير المؤمنين عليه‌السلام للخلاف ومنابذة القوم بالسيف مع عدم وجود الناصر دالٌّ على أهليَّتهم وشرعية خلافتهم؟

ثمّ إن الخلفاء الثلاثة كانوا يستشيرونه فيما يلم بهم من قضايا ، وكانوا يستفتونه فيما يجهلونه من أحكام ، ثمّ يصدرون عن قوله ، ويأخذون بحكمه ، ولم يكن عليه‌السلام

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١٢٨٦. صحيح مسلم ٣ / ١٣٨٠. صحيح ابن حبان ١١ / ١٥٣ ، ٥٧٣.

٤٨٤

يتبعهم في أحكامهم ، أو يقلّدهم في فتاواهم ، فهل كان نصحه لهم من أجل الإسلام واتباعهم له دليلاً على شرعية خلافتهم وأهليتهم لها؟

هذا مضافاً إلى أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد أوضح موقفه في خطبته الشقشقية بما لا يدع مجالاً للريب حيث قال : أما والله لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلّي منها محلّ القُطب من الرَّحى ، ينحدر عني السَّيْل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويتُ عنها كشحاً ، وطفقتُ أرتَئي بين أن أَصول بِيَد جذَّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرتُ وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهباً (١).

فهل يصح لقائل بعد هذا كله أن يقول : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان راضياً بخلافتهم ، ومعتقداً بأهليَّتهم؟!

* * *

قال الكاتب : ثمّ إذا كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مُصَاباً بداء في دبره ولا يهدأ إلا بماء الرجال كما قال السيد الجزائري ، فكيف إذن زوجه أمير المؤمنين رضي الله عنه ابنته أم كلثوم؟ أكانت إصابته بهذا الداء ، خافية على أمير المؤمنين رضي الله عنه وعرفها السيد الجزائري؟! .. إن الموضوع لا يحتاج إلى أكثر من استعمال العقل للحظات.

وأقول : لقد أوضحنا فيما مرَّ أن السيّد نعمة الله الجزائري رحمه‌الله لم يقل : (إن عمر كان مصاباً بالأبنة) ، وإنما نقل ذلك من بعض كتب أهل السُّنة ، ونفى أن يكون مذكوراً في كتب الشيعة ، فعهدته عليهم لا على الشيعة.

__________________

(١) نهج البلاغة ، ص ٣٢. علل الشرائع ١ / ١٨١. معاني الأخبار ، ص ٣٦١. الإرشاد للمفيد ، ص ١٥٣. الجمل للمفيد ، ص ٩٢. أمالي الطوسي ، ص ٣٧٢. الاحتجاج للطبرسي ١ / ٢٨٢. مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ / ٢٣٢. الطرائف لابن طاوس ، ص ٤١٨.

٤٨٥

وأما مسألة تزويج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته أم كلثوم لعمر فقد تكلمنا فيها فيما تقدم فلا حاجة لإعادتها ، وأوضحنا هناك أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان مُكرَهاً للأسباب التي ذكرناها ، بغض النظر عن أن عمر كان مصاباً بذلك الداء أو لم يكن مصاباً به ، فإن ذلك لا يغيِّر شيئاً في المسألة.

* * *

قال الكاتب : روى الكليني : (إن الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا) الروضة ٨ / ١٣٥.

وأقول : هذا الحديث ضعيف السَّند ، فإن من جملة رواته علي بن العباس ، وهو الخراذيني أو الجراذيني ، وهو ضعيف.

قال النجاشي في رجاله : علي بن العباس الخراذيني الرازي ، رُمي بالغلو وغُمز عليه ، ضعيف جداً (١).

وقال ابن الغضائري : علي بن العباس الجراذيني ، أبو الحسن الرازي ، مشهور ، له تصنيف في الممدوحين والمذمومين يدل على خبثه وتهالك في مذهبه ، لا يُلتفت إليه ولا يُعبَأ بما رواه (٢).

ومنهم : الحسن بن عبد الرحمن ، وهو مهمل في كتب الرجال.

وعليه فلا يصح الاحتجاج بهذه الرواية الضعيفة؟!

هذا مع أن علماء الإمامية قد ذهبوا إلى صحة أنكحة الكفار والمخالفين ، فكيف يكونون أبناء زنا؟!

قال السيّد المرتضى قدَّس الله نفسه الزكية :

__________________

(١) رجال النجاشي ٢ / ٧٨.

(٢) رجال ابن الغضائري ، ص ٧٩.

٤٨٦

فأما الناصب ومخالف الشيعة فأنكحتهم صحيحة ... وكيف يجوز أن نذهب إلى فساد عقود أنكحة المخالفين ونحن وكل مَن كان قبلنا من أئمتنا عليهم‌السلام وشيوخنا نسبوهم إلى آبائهم ، ويدعونهم إذا دعوهم بذلك؟ ونحن لا ننسب ولد زنية إلى مَنْ خُلق مِن مائه ولا ندعوه به ، وهل عقود أنكحتهم إلا كعقود قيناتهم؟ ونحن نبايعهم ونملك منهم بالابتياع ، فلولا صحَّة عقودهم لما صحَّت عقودهم في بيع أو إجارة أو رهن أو غير ذلك ... وهذا مما لا شبهة فيه (١).

ولا بأس أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن الكاتب قد حرَّف الحديث الذي نقله كما هي عادته ، فإن العبارة الواردة في الحديث هي : (إن الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا) ، وليس في الحديث أن الناس أولاد زنا ، فراجعه.

والفرق بين كونهم أولاد زنا وأولاد بغايا ، أن أولاد الزنا هم الذين تولَّدوا من زنا ، وأما إذا كانت أمهاتهم بغايا فلا يلزم أن يكون تولُّدهم من الزنا ، إذ يمكن أن يولدوا من بغايا ولكن بنكاح صحيح.

ولو سلَّمنا بصحة الحديث فلعل المراد بالبغايا الإماء ، فإن الأمة يُطلق عليها بَغِي ، سواء أكانت فاجرة أم لا.

قال ابن الأثير في النهاية : ويقال للأَمة بَغِيٌّ وإن لم يُرَدْ به الذم ، وإن كان في الأصل ذمًّا (٢).

وقال ابن منظور في لسان العرب : قال أبو عبيد : البغايا الإماء ، لأنهن كنَّ يَفجُرْن. يقال : قامت على رءوسهم البغايا ، يعني الإماء ، الواحدة بَغِي ، والجمع بغايا ... ثمّ كثر في كلامهم حتى عَمُّوا به الفواجر ، إماءً كنَّ أو حرائر (٣).

فلعل الإمام عليه‌السلام ـ إن صحَّ الحديث ـ يريد جماعة مخصوصة موصوفين بأن

__________________

(١) رسائل السيد المرتضى ١ / ٤٠٠.

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ١٤٤.

(٣) لسان العرب ١٤ / ٧٧.

٤٨٧

أمهاتهم إماء أو فواجر ، واستثنى منهم من كانوا من شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، والله أعلم.

* * *

قال الكاتب : ولهذا أباحوا دماء أهل للسنة وأموالهم ، فعن داود بن فرقد قال : قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه : ما تقول في قتل الناصب؟ فقال : (حلال الدم ، ولكني أتقي عليك ، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل) وسائل الشيعة ١٨ / ٤٦٣ ، بحار الأنوار ٢٧ / ٢٣١.

وأقول : إن علماء الشيعة لم يبيحوا دماء أهل السُّنة وأموالهم كما مرَّ ، والحديث الذي استشهد به الكاتب يدل على إباحة دم الناصبي ، وهو المتجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم‌السلام ، وليس كل سُنّي ناصبياً كما مرَّ ، فدليل الكاتب مغاير لدعواه ، ونحن تكلّمنا في هذه المسألة فيما تقدَّم فلا حاجة لتكرار الكلام فيها.

* * *

قال الكاتب : وعلق الإمام الخميني على هذا بقوله : فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه وابعث إلينا بالخمس.

وأقول : بما أن هذه الرواية ـ كباقي رواياته ـ غير مسندة فلا قيمة لها حتى نرد عليها.

ونحن قلنا فيما مرَّ : إن الناصبي هو المتجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم‌السلام ، وهو حلال الدم والمال ولا حرمة له ولا كرامة ، لأنه كافر جزماً ، لكن ليس المراد به السُّنّي كما أوضحناه فيما تقدم.

* * *

٤٨٨

قال الكاتب : وقال السيد نعمة الله الجزائري : (إن علي بن يقطين وزير الرشيد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين ، فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل) الأنوار النعمانية ٢ / ٣٠٨.

وأقول : هذه الرواية مرسلة لم نجدها في كتب الأخبار المعروفة وغيرها ، فكيف صحَّ للكاتب أن يعوِّل عليها في إدانة الشيعة؟!

هذا مع أن الكاتب بتر الرواية كعادته ، ولم ينقلها كاملة ، وفيها أن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام أمره بأن يكفِّر عن كل واحد قتله بتيس ، وهذا دليل على أن علي بن يقطين قد ارتكب محرَّماً ، وإلا لما وجبت عليه الكفارة.

ثمّ لما ذا تناسى الكاتب كم شيعي قتله الأمويون والعباسيون وغيرهم على مرّ العصور؟

ألم يقرأ الكاتب كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني الأموي ، الذي أورد فيه جرائم الأمويين والعباسيين في حق العلويين فضلاً عن شيعتهم ومواليهم؟!

ونحن في غنى عن نبش التاريخ والبحث فيه عن الشيعة الذين قتلهم حُكَّام أهل السُّنة من غير جرم ولا جناية ، ابتداءً من معاوية وزياد بن أبيه والحجَّاج ، ومروراً بباقي الخلفاء الأمويين والعباسيين ، وانتهاءً بما وقع في العصر الحاضر من مجازر ومذابح لا تخفى على الكاتب الذي هو من أدرى الناس بأمثال هذه الحوادث.

* * *

قال الكاتب : وتُحَدِّثُنا كتب التاريخ عما جرى في بغداد عند دخول هولاكو فيها ، فإنه ارتكب أكبر مجزرة عرفها التاريخ ، بحيث صبغ نهر دجلة باللون الأحمر

٤٨٩

لكثرة من قتل من أهل السنة ، فأنهارٌ من الدماء جرت في نهر دجلة حتى تغير لونه فصار أحمر ، وصبغ مرة أخرى باللون الأزرق لكثرة الكتب التي ألقيت فيه ، وكل هذا بسبب الوزيرين القصير [كذا] الطوسي ومحمد بن العلقمي فقد كانا وزيرين للخليفة العباسي ، وكانا شيعيين وكانت تجري بينهما وبين هولاكو مراسلات سرية حيث تمكنا من إقناع هولاكو بدخول بغداد ، وإسقاط الخلافة العباسية التي كانا وزيرين فيها ، وكانت لهما اليد الطُّولى في الحكم ، ولكنهما لم يرتضيا تلك الخلافة لأنها تدين بمذهب أهل السنة ، فدخل هولاكو بغداد ، وأسقط الخلافة العباسية ، ثمّ ما لبثا حتى صارا وزيرين لهولاكو مع إن هولاكو كان وثنياً.

وأقول : كان ينبغي على الكاتب أن يذكر مصادر هذه القصة التي اعتمدها ، وأن يثبت أن أسانيدها صحيحة ، حتى يصح اتهام الوزير ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي بإقناع هولاكو بدخول بغداد ، وأما ترديد ما يقوله أعداء الشيعة واعتباره حقائق من دون تحقيق وإثبات فهو غير مقبول في مقام البحث العلمي.

والمعروف أن الخلافة العباسية في نهاياتها قد استولى عليها الأتراك والمماليك والنساء وغيرهم ، وصار الخليفة العباسي مجرد اسم لا يحل ولا يعقد.

هذا مع انشغال الخلفاء بالمجون والشراب والبذخ وغيرها من المظاهر المعلومة التي كانت هي السبب الحقيقي وراء سقوط الدولة العباسية ، لا مجرّد مكاتبة كتبها ابن العلقمي الذي وصفوه بالرافضي ، وحمَّلوا آثامه كل الشيعة في كل الأزمنة الماضية واللاحقة.

على أن الذهبي قد ذكر أن مؤيد الدين ابن العلقمي أراد أن ينتقم بسيف التتار من السنة والشيعة واليهود والنصارى.

فقال في كتابه سير أعلام النبلاء : وكان أبو بكر ابن المستعصم والدويدار الصغير قد شدَّا على أيدي السُّنّة ، حتى نُهب الكرخ ، وتمَّ على الشيعة بلاء عظيم ،

٤٩٠

فحنق لذلك مؤيَّد الدين بالثأر بسيف التتار من السُّنّة ، بل ومن الشيعة واليهود والنصارى (١).

هذا مع أن دور ابن العلقمي الذي ذكره ابن العبري المتوفى سنة ٦٨٥ ه‍ ـ ، وهو ممن عاصر أحداث سقوط بغداد ، مختلف جداً عما ذكره بعض مؤرّخي أهل السنة.

فقد قال في كتابه (تاريخ مختصر الدول) : لما فتح هولاكو تلك القلاع ـ أي قلاع الإسماعيلية ـ أرسل رسولاً إلى الخليفة ، وعاتبه على إهماله تسيير النجدة ، فشاوروا الوزير ـ ابن العلقمي ـ فيما يجب أن يفعلوه ، فقال : لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبّار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصه ، وعند ما أخذوا في تجهيز ما يسيرونه قال الدويدار الصغير وأصحابه : (إن الوزير إنما يدبِّر شأن نفسه مع التتار ، وهو يروم تسليمنا إليهم ، فلا تمكّنه من ذلك) ، فبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة ، واقتصر على شيء نزر لا قدر له ، فغضب هولاكو وقال : (لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسيِّر أحد ثلاثة نفر : إما الوزير ، وإما الدويدار ، وإما سليمان شاه) ، فقدم الخليفة إليهم بالمضي فلم يركنوا ... فسير غيرهم فلم يجديا عنه (٢).

والذي يظهر أن اتّهام الوزير ابن العلقمي كان بسبب التحاسد واختلاف المذاهب بين ابن الخليفة والدويدار ، لا بسبب أن ابن العلقمي كاتب هولاكو وحرضه على غزو بغداد.

ومن الملاحظ أن الكاتب لم يعتمد على مصادر تاريخية موثّقة تُدِين ابن العلقمي إلا كتابات أهل السُّنة التي تناقلوها من غير توثيق ، والتي يظهر منها أنهم أرادوا باتهام ابن العلقمي الشيعي إلقاء تبعة سقوط خلافتهم على الشيعة بدلاً من الاعتراف بالتسبب فيها وتحمل تبعاتها.

ولو كان ابن العلقمي قد كاتب هولاكو كما يزعمون لأصبح له شأن بعد

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٣ / ٣٦٢.

(٢) تاريخ مختصر الدول ، ص ٢٦٩.

٤٩١

سقوط بغداد ، مع أنهم ذكروا أن ابن العلقمي مات بعد ذلك بثلاثة أشهر ، ومات أخوه قبله بأيام ، ومات ابنه محمد بعده (١).

كما أن من المستبعد جداً أن يحاول ابن العلقمي الثأر من أهل السنة بمكاتبة هولاكو لدخول بغداد من غير معاهدة بينهما على الكف عن الشيعة ، لأنا لم نرَ أحداً من مؤرخي أهل السنة ـ حتى غير المنصفين منهم ـ قد ذكر أن هولاكو عاهد ابن العلقمي على ذلك ، أو أن الذين قتلهم التتار كانوا من أهل السنة فقط.

ثمّ أين كانت جيوش الخلافة العباسية؟ وأين كان قوَّاد الجيش ورجالات الدولة؟ وكيف استطاع ابن العلقمي أن يعبث بعقول هؤلاء كلهم ، فيمكِّن هولاكو من دخول بغداد واحتلالها بدون أية مقاومة تذكر؟

كل هذا يؤكِّد أن ابن العلقمي كان بريئاً مما ألصقوه به من تُهم وافتراءات ، وأن سبب سقوط خلافتهم هو انغماس الخلفاء في المجون والشهوات ، وصيرورة أمور الخلافة بيد المماليك والأتراك والنساء والخدم.

وأما نصير الدين الطوسي قدس‌سره فلم أطَّلع على من اتّهمه منهم بالضلوع في الخيانة وتمكين التتار من الاستيلاء على بغداد كما اتّهموا العلقمي بذلك ، فلا أدري من أين جاء الكاتب بذلك؟!

نعم ذكر ابن كثير أنه كان مع هولاكو ، إلا أنه لم يذكر أن له ضلعاً في أحداث بغداد ، حيث قال : النصير الطوسي محمد بن عبد الله الطوسي ، كان يقال له : المولى نصير الدين ، ويقال : الخواجة نصير الدين ، اشتغل في شبيبته وحصَّل علم الأوائل جيداً ، وصنَّف في ذلك في علم الكلام ، وشرح الإشارات لابن سينا ، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيلية ، ثمّ وزر لهولاكو ، وكان معه في واقعة بغداد ، ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة ، فالله أعلم ، وعندي أن

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٣ / ٣٦٢.

٤٩٢

هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ، وقد ذكره بعض البغاددة فأثنى عليه ، وقال : كان عاقلاً فاضلاً كريم الأخلاق ... (١).

* * *

قال الكاتب : ومع ذلك فإن الإمام الخميني يترضى على ابن يقطين والطوسي والعلقمي ويعتبر ما قاموا به يُعد من أعظم الخدمات الجليلة لدين الإسلام.

وأقول : هذه الحكاية كغيرها من حكاياته التي لا قيمة لها ، ولا أدري كيف يزعم أن السيد الخميني قدّس سره يعتبر قتل خمسمائة رجل في السجن أو إسقاط بغداد بيد التتار من أعظم الخدمات للإسلام؟!

ومع عدم ثبوت أي دور لنصير الدين الطوسي في أحداث بغداد كيف يمكن ادّعاء أن ما قام به خدمة من أعظم الخدمات؟!

* * *

قال الكاتب : وأختم هذا الباب بكلمة أخيرة وهي شاملة وجامعة في هذا الباب قول السيد نعمة الله الجزائري في حكم النواصب (أهل السنة) فقال : (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية ، وإنهم شرّ من اليهود والنصارى ، وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة) الأنوار النعمانية / ٢٠٦ ، ٢٠٧.

وأقول : لقد أوضحنا فيما تقدَّم أن النواصب هم المتجاهرون بعداوتهم وببغضهم لأهل البيت عليهم‌السلام ، ولا يراد بهم أهل السنة كما أصرَّ عليه الكاتب.

هذا مع أن الكاتب قد حرَّف كلام السيِّد نعمة الله الجزائري أشد التحريف ،

__________________

(١) البداية والنهاية ١٣ / ٢٨٣.

٤٩٣

فجاء به مختلفاً بالكلية.

وإليك ما قاله السيّد الجزائري في كلامه في الناصبي ، حيث قال :

وأما الناصبي وأحواله وأحكامه فهو مما يتم ببيان أمرين :

الأول : في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنه نجس وأنه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي ، وأنه كافر نجس بإجماع علماء الشيعة الإمامية رضوان الله عليهم ، فالذي ذهب إليه أكثر الأصحاب هو أن المراد به من نصب العداوة لآل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج وبعض ما وراء النهر ، ورتَّبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان وجواز النكاح وعدمه على الناصب بهذا المعنى.

إلى أن قال : وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن علامة النواصب تقديم غير علي عليه. وهذه خاصة شاملة لا خاصة ، ويمكن إرجاعها أيضاً إلى الأول ، بأن يكون المراد تقديم غيره عليه على وجه الاعتقاد والجزم ، ليخرج المقلِّدون والمستضعفون ، فإن تقديمهم غيره عليه إنما نشأ من تقليد علمائهم وآبائهم وأسلافهم ، وإلا فليس لهم إلى الاطلاع والجزم بهذا سبيل (١).

وكلامه قدس‌سره واضح ، فإنه صرَّح بأن الناصب هو المتجاهر بالعداوة والبغض لأهل البيت عليهم‌السلام ، وحصر النواصب في الخوارج وبعض ما وراء النهر ، وذكر أن هذا هو مذهب أكثر علماء الإمامية ، إلا أنه رحمه‌الله أشار إلى رواية تدل على أن الناصب هو من قدَّم غير علي عليه‌السلام عليه ، وهو لم يصحِّحها أو يعوِّل عليها ، بل احتمل أن التقديم المستلزم للنصب هو ما كان عن اعتقاد وجزم ، وأغلب أهل السنة مقلِّدون لعلمائهم ، فلا يمكن الحكم عليهم بأنهم نواصب حتى لو صحّت هذه الرواية.

* * *

__________________

(١) الأنوار النعمانية ٢ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٤٩٤

قال الكاتب : وهكذا نرى أن حكم الشيعة في أهل السنة يتلخص بما يأتي : إنهم كفار ، أنجاس ، شر من اليهود والنصارى ، أولاد بغايا ، يجب قتلهم وأخذ أموالهم ، لا يمكن الالتقاء معهم في شيء لا في رب ، ولا في نبي ، ولا في إمام ولا يجوز موافقتهم في قول أو عمل ، ويجب لعنهم وشتمهم وبالذات الجيل الأول أولئك الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم ، والذين وقفوا مع رسول الله صلوات الله عليه في دعوته وجهاده ، وإلا فقل لي بالله عليك من الذي كان مع النبي صلوات الله عليه في كل المعارك التي خاضها مع الكفار؟ فمشاركتهم في تلك الحروب كلها دليل على صدق إيمانهم وجهادهم فلا يلتفت إلى ما يقوله فقهاؤنا.

وأقول : لقد اتضح من كل ما قلناه فساد ما ألصقه الكاتب بالشيعة واتّهمهم به ، وأنه إنما اعتمد على نقل أخبار إما ضعيفة أو حملها على غير ما يراد منها ، أو نقل عن بعض علماء الشيعة خلاف ما أرادوه بأن حرَّف كلامهم ونسب إليهم ما هم منه براء.

كما اتضح من كلامنا السابق أن الكاتب زعم أن الشيعة يعتبرون كل أهل السنة نواصب ، وأنهم يجرون عليهم أحكام النواصب من الحكم بكفرهم ونجاستهم وعدم حلِّية التزاوج معهم ، وهذا زعم باطل قد أوضحنا عواره كله بحمد الله وفضله.

* * *

قال الكاتب : لما انتهى حكم آل بهلوي في إيران على أثر قيام الثورة الإسلامية وتسلم الإمام الخميني زمام الأمور فيها ، توجب على علماء الشيعة زيارة وتهنئة الإمام بهذا النصر العظيم لقيام أول دولة شيعية في العصر الحديث يحكمها الفقهاء.

وكان واجب التهنئة يقع عليَّ شخصياً أكثر من غيري لعلاقتي الوثيقة بالإمام

٤٩٥

الخميني. فزرت إيران بعد شهر ونصف ـ وربما أكثر ـ من دخول الإمام طهران اثر عودته من منفاه باريس ، فَرَحَّبَ بي كثيراً ، وكانت زيارتي منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق.

وأقول : مما يدل على بطلان هذه الحكاية أن السيد الخميني قدّس سره لما قدم من باريس لم يسكن في طهران ، وإنما مكث في قم أكثر من عام ، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى طهران.

فالسيد كان في قم في الوقت الذي زعم الكاتب أنه زاره في طهران.

ثمّ إن الكاتب زعم أن زيارته كانت منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق ، مع أن الكل يعلم أن علماء العراق لم يشكِّلوا وفداً لزيارة السيد الخميني في إيران.

ولا ندري لما ذا لم يوضح الكاتب سبب إصراره على هذه الجلسات الخاصة المتكررة التي يدَّعيها مع المراجع والعلماء؟!

* * *

قال الكاتب : وفي جلسة خاصة مع الإمام قال لي : سيد حسين ، آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة صلوات الله عليهم ، سنسفك دماء النواصب نقتل أبناءهم ونَسْتحِيي نساءهم ، ولن نترك أحداً منهم يُفْلِتُ من العقاب ، وستكون أموالهم خالصة لشيعة أهل البيت ، وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض لأن هاتين المدينتين صارتا معقل الوهابيين ، ولا بد أن تكون كربلاء أرض الله المباركة المقدسة ، قبلة للناس في الصلاة وسنحقق بذلك حلم الأئمة عليهم‌السلام. لقد قامت دولتنا التي جاهدنا سنوات طويلة من أجل إقامتها ، وما بقي إلا التنفيذ!!

وأقول : هذه قصة باطلة مكذوبة واضحة الاختلاق ، ولا تستحق الاعتناء بها

٤٩٦

ولا الرد عليها ، لأن محتواها لا يصدر من مسلم ، مع اشتمالها على كلام مخالف لما صرَّح به السيد الخميني في كتبه.

ومما يدل على بطلان هذه الحكاية أن هذه الخيالات التي زعمها الكاتب لم تسْعَ الحكومة الإيرانية كل هذه السنين لتحقيقها ، ولو كانت هناك خطة كهذه لَوَقَع بعضها على الأقل ، ولا سيما في داخل إيران إن لم يتأتَّ في خارجها.

فلا ندري ما يقوله الكاتب في الموانع التي منعت من تحقيق ولو شيء يسير من تلك الأوهام والخرافات؟!

* * *

قال الكاتب : ملاحظة :

اعلم أن حقد الشيعة على العامة ـ أهل السنة ـ حقد لا مثيل له ، ولهذا أجاز فقهاؤنا الكذب على أهل السنة ، وإلصاق التهم الكاذبة بهم ، والافتراء عليهم ووصفهم بالفضائح.

وأقول : هذا من الأكاذيب الواضحة ، ولهذا لم يستطع الكاتب أن يأتي بفتوى واحدة لعالم من علماء الشيعة تجيز الكذب على أهل السنة وإلصاق التهم الكاذبة بهم والافتراء عليهم ، مع أن الكاتب قد دأب على الاحتجاج على مزاعمه بالنصوص التي يعثر عليها من أحاديث الشيعة وأقوال العلماء ، فما باله ترك الاستشهاد على أكاذيبه ولو بفتوى واحدة لعالم واحد من العلماء؟!

والعلماء قد ذكروا في كتبهم حرمة الكذب مطلقاً ، وذكروا ما يستثنى من الكذب الجائز ، فحصروه في أمرين : في حال الخوف على النفس والمال ، وفي حال الإصلاح بين المؤمنين.

قال السيد الحكيم ، والسيّد الخوئي ، والسيّد محمد الروحاني ، والسيد عبد

٤٩٧

الأعلى السبزواري ، قدَّس الله أسرارهم ، والسيد علي السيستاني ، والشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظلهما ، وغيرهم في منهاج الصالحين :

يحرم الكذب : وهو : الإخبار بما ليس بواقع ، ولا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد وما يكون في مقام الهزل ... كما أنه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن ، بل يجوز الحلف كاذباً حينئذ ، ويجوز الكذب أيضاً للإصلاح بين المؤمنين ، والأحوط استحباباً الاقتصار فيهما على صورة عدم إمكان التورية (١).

هذه هي فتاوى علماء الشيعة ، ولو لا خشية الإطالة لنقلنا المزيد ، وقد انكشف بها زيف ما افتراه الكاتب عليهم من تجويز الكذب على أهل السنة وإلصاق التُّهَم بهم.

* * *

قال الكاتب : والآن ينظر الشيعة إلى أهل السنة نظرة حاقدة بناء على توجيهات صدرت من مراجع عليا ، وصدرت التوجيهات إلى إرفاد [ظ أفراد] الشيعة بوجوب التغلغل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وبخاصة المهمة منها كالجيش والأمن والمخابرات وغيرها من المسالك المهمة فضلاً عن صفوف الحزب.

وأقول : هلا ذكر الكاتب نص هذه التوجيهات المزعومة ، وأين صدرت؟ وممَّن صدرت؟ ومتى صدرت؟

ومن الواضح أنه لو كان ثمة مثل هذه التوجيهات المزعومة إلى أفراد الشيعة لما أمكن إخفاؤها ، ولظهرت للعيان لكل أحد ، ولا سيما أن الكاتب هو أحد الكادر التدريسي في الحوزة العلمية كما يزعم ، فلا بد أن تكون عنده نسخة منها ، ولكن

__________________

(١) منهاج الصالحين للحكيم ٢ / ١٥. منهاج الصالحين للخوئي ٢ / ١٠. منهاج الصالحين للروحاني ٢ / ١٠. منهاج الصالحين للسبزواري ٢ / ١٠. منهاج الصالحين للسيستاني ٢ / ١٥. منهاج الصالحين للفياض ٢ / ١١٤.

٤٩٨

الكاتب كعادته يرسل الاتهامات التي يفتريها على الشيعة إرسال المسلَّمات ، لإيهام القارئ بأنها حقيقة واقعة ، مع أنها ليست كذلك.

هذا مع أن فتاوى العلماء قد نصَّت على أنه لا يجوز العمل في الحكومات الجائرة إذا كان العمل محرَّماً في نفسه ، كالتجسس ، وأخذ الضرائب للدولة ، ومعاقبة الناس ، وسجنهم ، ومصادرة أموالهم ، وتغريمهم ، وما شاكل ذلك ، فلا يجوز إطاعة غير الله سبحانه في فعل محرم أو ترك واجب إلا لضرورة أو تقيّة.

قال الشيخ محمد رضا المظفر قدس‌سره في (عقائد الإمامية) تحت عنوان (عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة) : إذا كانت معاونة الظالمين ولو بشق تمرة ، بل حب بقائهم ، من أشد ما حذّر منه الأئمة عليهم‌السلام ، فما حال الاشتراك معهم في الحكم ، والدخول في وظائفهم وولاياتهم؟ بل ما حال من يكون من جملة المؤسِّسين لدولتهم ، أو من كان من أركان سلطانهم والمنغمسين في تشييد حكمهم؟ (وذلك أن ولاية الجائر دروس الحق كله ، وإحياء الباطل كله ، وإظهار الظلم والجور والفساد) كما جاء في حديث تُحَف العقول عن الصادق عليه‌السلام (١).

وفي سؤال وُجِّه للسيد الخوئي قدس‌سره نصه :

هل يجب إطاعة النظام في جميع قوانينه وإن كان بعضها مخالفاً للشرع؟

أجاب عنه بالحرف الواحد : إذا كان مخالفاً للشرع فلا يجوز في حد نفسه (٢).

وعند ما سُئل عليه الرحمة هذا السؤال : الرسوم التي تُجبى من أصحاب المحلات من قبل الجهات المختصة مقابل خدمة معينة ، هل هي مشروعة؟ وإذا كان الجواب بالنفي فما هو موقف الموظفين المباشرين أو غير المباشرين المكلفين بتولي تلك الرسوم مع العلم أن هذا يعتبر جزءاً من عملهم لا محيص عنه؟

__________________

(١) عقائد الإمامية ، ص ١٥٧.

(٢) صراط النجاة ١ / ٤٣٦.

٤٩٩

أجاب بما يلي : لا يجوز التوظيف لمثل ذلك ، والله العالم (١).

وفي الجواب عن سؤال وُجّه لميرزا جواد التبريزي دام ظله نصّه :

هل يجوز دخول المؤمنين في مجلس تشريعي ، يضع القوانين للبلاد ، مع العلم بأن نظامه نظام الأخذ بالأغلبية ، ويقطع المؤمن بأن الأغلب يوافق على التشريعات غير الإسلامية ، وفي عُرْف هؤلاء يُعتبر أنه قد أقرَّ على نفسه بقبول القانون وإن لم يوافق على التصويت ، لأنه وافق بدخوله المجلس على نظام الأغلبية الذي يعني ذلك في نظرهم؟

فأجاب مُدَّ ظله بقوله : لا يجوز ذلك إلا في مورد التزاحم ، بأن يكون هناك تكليف أهم من حرمة الدخول بالمشاركة التشريعية ، والله العالم (٢).

والحاصل أن من يتأمل في فتاوى علماء الشيعة قديماً وحديثاً يرى أنهم لا يجوِّزون إعانة السلطان الجائر في حكمه ، ولا يجوزون العمل في وظائفه التي فيها ارتكاب لمحرَّم شرعي.

وبه يتضح أن ما قاله الكاتب من (صدور أوامر وتعليمات من مراجع عُليا بالتغلغل في أجهزة الدولة خاصة المخابرات والأمن والجيش والحزب) كله غير صحيح ، فإنهم إذا لم يجوزوا أخذ الضرائب من الناس فكيف يجوزون الانضمام في بعض الأجهزة المبتنية على التجسس على الناس وظلمهم؟!

* * *

قال الكاتب : وينتظر الجميع بفارغ الصبر ـ ساعة الصفر لإعلان الجهاد والانقضاض على أهل السنة ، حيث يتصور عموم الشيعة أنهم بذلك يقدمون خدمة

__________________

(١) صراط النجاة ١ / ٤٣٣.

(٢) صراط النجاة ٣ / ٤١١.

٥٠٠