لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

وكل هذه الأساليب غير صحيحة في معالجة النصوص من أجل الوصول إلى الحق من خلالها.

على أننا لا ننكر أن هناك أحاديث مكذوبة على الأئمة عليهم‌السلام ، ولا نزعم أن كتب الشيعة خالية من كل كذب ودسّ ، بل فيها الصحيح والضعيف ، والغث والسمين ، ووظيفة الفقيه هي تمحيص تلكم الأحاديث وغربلتها ، والأخذ بالصحيح منها وطرح الضعيف.

وفي حال تعارض الأحاديث الصِّحاح يجب الجمع بينها بالجمع العرفي الصحيح إن أمكن ، وإلا فلا بد من إعمال المرجِّحات السندية والدِّلالية ، ومع فقد المرجِّحات وعدم إمكان الترجيح بينها فلا مناص حينئذ من الحكم بتساقطها وترك العمل بها.

* * *

قال الكاتب : نحن نعلم أن الإسلام ليس له إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم ، وأما تعدد الكتب فهذا من خصائص اليهود والنصارى كما هو واضح في كتبهم المقدسة المتعددة.

فالقول بأن أمير المؤمنين حاز كتباً متعددة ، وأن هذه الكتب كلها من عند الله ، وأنها كتب حوت قضايا شرعية هو قول باطل ، أدخله إلينا بعض اليهود الذين تستروا بالتشيع.

وأقول : إن أراد بقوله : (إن الإسلام ليس له إلا كتاب واحد وهو القرآن الكريم) ، أنه لا كتاب منزل من الله في الإسلام إلا القرآن ، فكلامه حق لا نختلف معه فيه ، إلا أن الشيعة لا يقولون : (إن الكتب التي في حوزة أهل البيت عليهم‌السلام كانت منزلة من السماء) ، والأحاديث التي ساقها كلها لا تدلّ على سماوية تلك الكتب كما

٤٤١

مرَّ بيانه.

وإن أراد أنه لا كتاب يصح التعبد به في الإسلام إلا القرآن فهذا قول باطل ، لأن أهل السنة وغيرهم تعبَّدوا بكتب كثيرة لا يزالون يقدِّسونها ويقدِّسون كُتَّابها ، كصحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث المعتبرة عندهم.

بل إنهم غلوا في أمثال هذه الكتب حتى قال الإمام القدوة ـ على حد تعبير ابن حجر ـ أبو محمد بن أبي جمرة في اختصاره للبخاري : قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقَرّ لهم بالفضل : إن صحيح البخاري ما قُرئ في شدة إلا فُرجتْ ، ولا رُكِبَ به في مركب فغرق. قال : وكان ـ أي البخاري ـ مجاب الدعوة ، وقد دعا لقارئه رحمه‌الله تعالى ... (١).

ورَوَوا عن الترمذي أنه قال : صنَّفتُ هذا الكتاب ـ يعني سنن الترمذي ـ فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به ، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم (٢).

وقال زكريا الساجي : كتاب الله أصل الإسلام ، وسنن أبي داود عهد الإسلام (٣).

إلى غير ذلك مما قالوه في كتبهم الكثيرة التي تعاهدوها بالرعاية والعناية ، واحتجوا بما فيها حتى جعلوها عِدْلاً للقرآن الكريم كما لا يخفى على أحد.

فلا ندري ما هو الإشكال في حيازة كتب مشتملة على أحاديث نبوية ومعارف دينية وأحكام شرعية كما هو حال الصحيفة المعلقة بذؤابة سيف أمير المؤمنين عليه‌السلام التي تقدَّم الكلام فيها؟! أو في حيازة كتب الملاحم والفتن والحوادث كما هو حال

__________________

(١) مقدمة فتح الباري ، ص ١١.

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤. سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٤. الحطة في ذكر الصحاح الستة ، ص ٢٠٧.

(٣) تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٩٣.

٤٤٢

مصحف فاطمة عليها‌السلام؟ أو في حيازة التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية غير المحرَّفة؟! مع التنبيه على أن أهل السنة لم يروا بأساً في حيازة كتب أهل الكتاب المحرَّفة والتحديث منها ، فإن جملة من الصحابة كانوا يحدِّثون بما في التوراة وغيرها من كتب اليهود والنصارى ، أو يحدِّثون عن كعب الأحبار وغيره وينسبونه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

من هؤلاء عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان عنده زاملتان أو حمل بعيرين من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما.

قال ابن كثير في تفسيره بعد أن ساق حديثاً مروياً عن عبد الله بن عمرو : والأشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون هذا موقوفاً على عبد الله بن عمرو ، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب (١).

وقال أيضاً بعد أن ساق حديثاً آخر : هذا حديث غريب جداً ، وسنده ضعيف ، ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك (٢).

وذكر مثل ذلك في مواضع متفرِّقة من تفسيره ، فراجع (٣).

قلت : إن عبد الله بن عمرو بن العاص من أكثر الصحابة حديثاً عند أهل السنة (٤) ، وأحاديثه مبثوثة في صحاحهم ، وهي معمول بها عندهم ، فيا ترى كم من

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق ٢ / ١٩٥.

(٣) المصدر نفسه ٣ / ١٠٢ ، ٤ / ٢٣٧.

(٤) لقد اعترف أبو هريرة ـ وهو أكثر الصحابة حديثاً ـ بأن عبد الله بن عمرو بن العاص كان أكثر حديثاً منه ، فقد رووا عن أبي هريرة أنه قال : ما من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني ، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب. (راجع صحيح البخاري ١ / ٦٢. سنن الترمذي ٥ / ٤٠ ، ٦٨٦ وصحّحه. مسند أحمد ٢ / ٢٤٨ ، ٤٠٣. صحيح ابن حبان ١٦ / ١٠٣. المستدرك ١ / ١٠٥. سنن الدارمي ١ / ١٣٢. السنن الكبرى للنسائي ٣ / ٤٣٤. شرح معاني الآثار ٤ / ٣٢٠).

٤٤٣

تلك الأحاديث كان مأخوذاً من كتب أهل الكتاب؟ وكم من عقائد أهل السنة وأحكامهم كان مأخوذاً من الزاملتين المذكورتين وهم لا يعلمون؟

فإذا اتضح كل ذلك للقارئ العزيز ، وعُلم أن الكتب التي كانت في حيازة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لم تكن كتباً سماوية ، وإنما كتبها أمير المؤمنين عليه‌السلام بخطه ، فلا غرابة في هذا الأمر ولا وجه لإنكاره ، خصوصاً مع نص بعض أعلام أهل السُّنة على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يرى جواز كتابة حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نقلنا أقوالهم في ذلك فيما تقدَّم ، فراجعه.

٤٤٤

نظرة الشيعة إلى أهل السنة

قال الكاتب : عند ما نطالع كتبنا المعتبرة وأقوال فقهائنا ومجتهدينا نجد أن العدو الوحيد للشيعة هم أهل السنة ، ولذا وصفوهم بأوصاف وسمّوهم بأسماء فسمّوهم (العامّة) وسمّوهم (النواصب).

وأقول : ما ذكره الكاتب من أن العدو الوحيد للشيعة هم أهل السنة كذب واضح وافتراء فاضح ، ولهذا لم ينقل عبارة واحد من علماء الشيعة تدل على فريته ، كيف وعلماء الشيعة في كتبهم يصفون أهل السنة بأنهم إخوانهم ، وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم‌السلام تحث على حسن معاشرة أهل السنة والتودد إليهم.

ففي صحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت له : كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال : تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم ، فتصنعون كما يصنعون ، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم ، ويشهدون جنائزهم ، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ، ويؤدّون الأمانة إليهم (١).

وفي صحيحة زيد الشحام ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اقرأ على من ترى أنه

__________________

(١) الكافي ٢ / ٦٣٦.

٤٤٥

يطيعني ويأخذ بقولي السلام ، وأوصيكم بتقوى الله عزوجل ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً ، وعودوا مرضاهم ، وأدّوا حقوقهم ، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه ، وصدق في حديثه ، وأدَّى الأمانة ، وحسن خلقه مع الناس ، قيل : هذا جعفري. فيسرُّني ذلك ، ويدخل عليَّ منه السرور ، وقيل : هذا أدَبُ جعفر. وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره ، وقيل : هذا أدَبُ جعفر. فوالله لَحدَّثني أبي عليه‌السلام أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه‌السلام فيكون زينها ، آداهم للأمانة ، وأقضاهم للحقوق ، وأصدقهم للحديث ، إليه وصاياهم وودائعهم ، تسأل العشيرةَ عنه ، فتقول : مَن مثل فلان؟ إنه لآدانا للأمانة ، وأصدقنا للحديث (١).

وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أوصيكم بتقوى الله عزوجل ، ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا ، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ، ثمّ قال : عودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، واشهدوا لهم وعليهم ، وصَلُّوا معهم في مساجدهم ... (٢).

وفي خبر أبي علي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن لنا إماماً مخالفاً وهو يبغض أصحابنا كلهم. فقال : ما عليك من قوله ، والله لئن كنتَ صادقاً لأنت أحق بالمسجد منه ، فكن أول داخل وآخر خارج ، وأحسن خلقك مع الناس ، وقُلْ خيراً (٣).

وعن زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام قال : يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم ، صَلُّوا في مساجدهم ، وعُودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا ، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية ، رحم الله

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) كتاب المحاسن للبرقي ، ص ١٨. وسائل الشيعة ٥ / ٣٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ٥ / ٣٨٢.

٤٤٦

جعفراً ، ما كان أحسن ما يؤدِّب أصحابه ، وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية ، فعل الله بجعفر ، ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه (١).

وعن حماد بن عثمان أنه قال : من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصف الأول (٢).

وعن إسحاق بن عمار قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قلت : نعم. قال : صلِّ معهم ، فإن المصلّي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله (٣).

والعجيب أن الكاتب أخذ مساوئ أهل السنة فألصقها بالشيعة ، فإن أهل السنة هم الذين يعادون الشيعة ويكفّرونهم ، وينبزونهم بالروافض ، فيستحلون بذلك دماءهم ، ويحرِّمون مناكحتهم وأكل ذبائحهم ، وقد نصَّ على ذلك جمع من علمائهم.

قال ابن حجر بعد أن ساق قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، إلى قوله لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ الآية (٤) : ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة ، قال : لأن الصحابة يغيظونهم ، ومن غاظه الصحابة فهو كافر.

وقال ابن حجر : وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الآية ، ومن ثمّ وافقه الشافعي رضي الله عنه في قوله بكفرهم ، ووافقه جماعة من الأئمة (٥).

وقال القرطبي : لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله ، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد ردَّ على الله رب العالمين ، وأبطل شرائع

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٦٧. وسائل الشيعة ٥ / ٤٧٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٦٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٧٧. وسائل الشيعة ٥ / ٣٨٢.

(٤) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

(٥) الصواعق المحرقة ، ص ٢٤٣. وراجع تفسير القرآن العظيم ٤ / ٢٠٤.

٤٤٧

الإسلام (١).

وأخرج الخلال في كتاب السنة بسنده عن علي بن عبد الصمد قال : سألت أحمد بن حنبل عن جار لنا رافضي يُسَلِّمُ عليَّ ، أرُدُّ عليه؟ قال : لا. إسناده صحيح.

وعن إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله [أحمد بن حنبل] سُئل عن رجل له جار رافضي يُسلّم عليه؟ قال : لا ، وإذا سلَّم عليه لا يرد عليه. إسناده صحيح.

وعن الحسن بن علي بن الحسن أنه سأل أبا عبد الله [أحمد بن حنبل] عن صاحب بدعة يسلم عليه؟ قال : إذا كان جهمياً أو قدرياً أو رافضياً داعية فلا يُصلَّى عليه ولا يسلم عليه. إسناده صحيح (٢).

ومن المفارقات العجيبة أن بعض علماء أهل السنة حلَّلوا ذبائح اليهود والنصارى وحرَّموا ذبائح الشيعة الذين يشهدون الشهادتين ويقيمون شعائر الإسلام.

فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والإرشاد في المملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ردّاً على سؤال ورد لهم هذا نصه :

إن السائل وجماعة معه في الحدود الشمالية مجاورون للمراكز العراقية ، وهناك جماعة على مذهب الجعفرية ، ومنهم من امتنع عن أكل ذبائحهم ، ومنهم من أكل ، ونقول : هل يحل لنا أن نأكل منها ، علماً بأنهم يدعون علياً والحسن والحسين وسائر ساداتهم في الشدّة والرخاء؟

فجاء جواب الفتوى رقم (١٦٦١) كما يلي :

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٢٩٦.

(٢) السنة للخلال ٣ / ٤٩٣ وما بعدها.

٤٤٨

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد :

إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وساداتهم فهم مشركون مرتدون عن الإسلام والعياذ بالله ، لا يحل الأكل من ذبائحهم ، لأنها ميتة ولو ذكروا عليها اسم الله.

وورد لهم سؤال آخر هذا نصُّه :

أنا من قبيلة تسكن في الحدود الشمالية ومختلطين نحن وقبائل من العراق ، ومذهبهم شيعة وثنية ، يعبدون قبباً ، ويسمّونها بالحسن والحسين وعلي ، وإذا قام أحدهم قال : (يا علي يا حسين). وقد خالطهم البعض من قبائلنا في النكاح وفي كل الأحوال ، وقد وعظتهم ولم يسمعوا ، وهم في القرايا والمناصيب ، وأن ما عندي أعظهم بعلم ، ولكن أكره ذلك ، ولا أخالطهم ، وقد سمعت أن ذبحهم لا يؤكل ، وهؤلاء يأكلون ذبحهم ، ولم يتقيدوا ، ونطلب من سماحتكم توضيح الواجب نحو ما ذكرنا.

فجاء الرد عليه في الفتوى رقم (٣٠٠٨) ما نصّه :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :

إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم عليّا والحسن والحسين ونحوهم ، فهم مشركون شركاً أكبر يخرجهم من ملة الإسلام ، فلا يحل أن نزوّجهم المسلمات ، ولا يحل لنا أن نتزوج من نسائهم ، ولا يحل لنا أن نأكل من ذبائحهم. قال الله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (١).

بينما أباحوا ذبائح أهل الكتاب ، وجوزوا الأكل منها كما في الفتوى رقم

__________________

(١) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ٢ / ٢٦٤.

٤٤٩

(٦٩٩١) التي ورد فيها ما يلي :

أباح الله للمسلمين أن يأكلوا من طعام الذين أوتوا الكتاب وهو ذبائحهم ، بقوله في سورة المائدة (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) ، فاشترط في الزواج بالكتابيات أن يكنَّ حرائر عفيفات ، سواء كن يهوديات أو نصرانيات مع أن الله تعالى أخبر عن اليهود والنصارى في نفس السورة بأنهم كفار (١).

قلت : فأي عداء أعظم من هذا؟ فإنهم كفَّروا الشيعة وحكموا بأنهم مشركون ، وفضَّلوا اليهود والنصارى على الشيعة في حلّية الذبائح والمناكحة!!

هذا مع أن الشيعة كانوا وما زالوا يتودّدون لأهل السُّنة ويعاملونهم بالحسنى ، كما أوصاهم بذلك أئمتهم الأطهار عليهم‌السلام ، وقد اعترف بذلك الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) ، حيث قال : والاثنا عشرية يوجَدون الآن في العراق ، فالشيعة في العراق ، وهم عدد كثير يقارب النصف ، يسيرون على مقتضى المذهب الاثني عشري في عقائدهم ونظمهم في الأحوال الشخصية والمواريث والوصايا والأوقاف والزكوات والعبادات كلها ، وكذلك أكثر أهل إيران ، ومنهم من ينبثون في بقاع من سوريا ولبنان وكثير من البلاد الإسلامية ، وهم يتودَّدون إلى من يجاورونهم من السنّيين ولا ينافرونهم (٢).

* * *

قال الكاتب : وما زال الاعتقاد عند معاشر الشيعة أن لكل فرد من أهل السنة

__________________

(١) المصدر السابق ٣ / ٢٩٩.

(٢) تاريخ المذاهب الإسلامية ١ / ٤٨.

٤٥٠

ذيلاً في دبره ، وإذا شتم أحدهم الآخر وأراد أن يغلظ له في الشتيمة قال له : (عظم سني في قبر أبيك) وذلك لنجاسة السني في نظرهم إلى درجة لو اغتسل ألف مرة لما طهر ولما ذهبت عنه نجاسته.

وأقول : إن كثيراً من أهل السنة في السعودية وغيرها يعلمون أن ما قاله الكاتب ما هي إلا معتقدات غرسها بعض جهلة أهل السنة في عوامّهم ، وقد سمعت أنا بنفسي من بعض أهل القصيم أن الناس هناك يعتقدون بأن الشيعة لهم أذناب.

وسمعت من الدكتور عبد الهادي الفضلي أنه لما ذهب إلى فلسطين قبل سنة ١٩٦٧ م ، ورآه بعض أهل السنة هناك ، وكان الدكتور لابساً العمامة قال له : أنتم الشيعة لكم أذناب.

ولكن لما كان مثل هذا التفكير وصمة تدل على سخف العقول وسفاهة الأحلام ، أراد الكاتب أن يقلب المسألة ، ليتَّهم بها الشيعة ، مع أن الشيعة يتندرون بأمثال هذه القضايا التي ينسبها إليهم أهل السنة.

وليت الكاتب المدّعي سلوك الحق ذكر دليلاً واحداً على أن الشيعة يعتقدون بأمثال هذه المعتقدات السخيفة ولو من أقوال أشخاص معروفين يمكن الرجوع إليهم ، ولكنه لم يفعل لئلا يقع في الفضيحة.

* * *

قال الكاتب : ما زلت أذكر أن والدي رحمه‌الله التقى رجلاً غريباً في أحد أسواق المدينة ، وكان والدي رحمه‌الله محباً للخير إلى حد بعيد ، فجاء به إلى دارنا ليحل ضيفاً عندنا في تلك الليلة ، فأكرمناه بما شاء الله تعالى ، وجلسنا للسمر بعد العشاء ، وكنت وقتها شاباً في أول دراستي في الحوزة ، ومن خلال حديثنا تبين أن الرجل سني المذهب ومن أطراف سامراء جاء إلى النجف لحاجة ما ، بات الرجل تلك الليلة ، ولما أصبح أتيناه

٤٥١

بطعام الإفطار ، فتناول طعامه ثمّ هَمّ بالرحيل فعرض عليه والدي رحمه‌الله مبلغاً من المال فلربما يحتاجه في سفره ، شكر الرجل حسن ضيافتنا ، فلما غادر أمر والدي بحرق الفراش الذي نام فيه ، وتطهير الإناء الذي أكل فيه تطهيراً جيداً لاعتقاده بنجاسة السني ، وهذا اعتقاد الشيعة جميعاً ، إذ أن فقهاءَنا قرنوا السني بالكافر والمشرك والخنزير ، وجعلوه من الأعيان النجسة.

وأقول : القصة التي نقلها عن والده ـ إن صحَّت وهي لا تصح قطعاً ، لأن الكاتب سُنّي ابن سُني ـ تدل على مدى جهل والده المرحوم ، فإنه مضافاً إلى أن الفقهاء قد أفتوا بإسلام المخالفين وطهارتهم ، لا بنجاستهم ونجاسة رطوباتهم ، فإن سريان النجاسة إنما يتحقق بانتقال الرطوبة المسرية ، والسامرائي إنما قعد ونام على الفراش ، وهذا لا يستلزم الحكم بنجاسة الفراش بأي حال من الأحوال ، ولو فرض وقوع رطوبة منه على الفراش فهذا لا يستدعي إحراق الفراش على القول بنجاسة المخالفين ، وإنما تزول نجاسته بتطهيره بالماء كما طهّر الإناء ، فلا ندري وجه تفريق والده المرحوم بين الإناء وبين الفراش في تطهير الأول دون الثاني.

هذا مع أن الكاتب قد ذكر في أول كتابه أنه من أهل كربلاء ، وأن منزل والده في كربلاء ، فكيف استضاف والدُه هذا السامرائي في منزله في النجف؟

ولكن صَدَقَ مَن قال : لا حافظة لكذوب.

وأما قوله : (وهذا اعتقاد الشيعة جميعاً ، إذ أن فقهاءَنا قرنوا السني بالكافر والمشرك والخنزير ، وجعلوه من الأعيان النجسة) فهو يدل على قلة معرفة مدعي الاجتهاد والفقاهة بأقوال الفقهاء ، وذلك لأن المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً هو القول بطهارة المخالفين وإسلامهم ، ولا عبرة بالأقوال الشاذة النادرة ، فإنك لا تعدم من يفتي بالفتاوى الشاذة من علماء كل المذاهب.

* * *

٤٥٢

قال الكاتب : ولهذا :

١ ـ وجب الاختلاف معهم :

فقد روى الصدوق عن علي بن أسباط قال : قلت للرضا رضي الله عنه : يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟ قال : فقال : أحْضِرْ فقيه البلد فاستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه) عيون أخبار الرضا ١ / ٢٧٥ ط طهران.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، فإن من جملة رواتها أحمد بن محمد السياري ، وهو مذموم في كتب الرجال.

قال النجاشي : أحمد بن محمد بن سيّار ... ويعرف بالسياري ، ضعيف الحديث فاسد المذهب ، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله [ابن الغضائري] ، مجفو الرواية ، كثير المراسيل (١).

وقال ابن الغضائري : ضعيف متهالك ، غال منحرف ، استثنى شيوخ القميّين روايته من كتاب (نوادر الحكمة) (٢).

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست : ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفو الرواية ، كثير المراسيل (٣).

ومع الإغماض عن سند الرواية فإن الظاهر منها هو أن تجويز مخالفة قاضي البلد إنما هو في حال الجهل بالحكم الشرعي ، وفي حال الاضطرار إليه ، ولا سبيل إلى معرفته.

ومثل هذا الفرض إنما يقع في حالات نادرة جداً لا يصح جعلها ضابطة لكل

__________________

(١) رجال النجاشي ١ / ٢١١.

(٢) رجال ابن الغضائري ، ص ٤٠.

(٣) الفهرست للطوسي ، ص ٦٦.

٤٥٣

أحكام الشيعة في الأحوال العادية.

وبما أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة حاصل في كل الأحكام الشرعية غير الضرورية تقريباً ، فإن من المتوقَّع أن يكون الحكم المطلوب أيضاً مخالفاً لهم ، فلهذا أرشد السائل إلى طريقة يكون اتباعها موصلاً للحق غالباً.

* * *

قال الكاتب : وعن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال : (شيعتنا ، المسلِّمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منا) الفصول المهمة ٢٢٥ ط قم.

وعن المفضل بن عمر عن جعفر أنه قال : (كذب مَن زعم أنه من شيعتنا وهو متوثق بعروة غيرنا) الفصول المهمة ٢٢٥.

وأقول : هذان الحديثان معناهما ظاهر ولا إشكال فيه ، فإن شيعة أهل البيت عليهم‌السلام لا بد أن يسلِّموا لهم ، ويأخذوا بأقوالهم ، ويخالفوا أعداءهم ، وإلا فليسوا بشيعة لهم ، لأن الشيعة هم الأتباع ، والمتابعة لا تحصل إلا بهذه الأمور.

أما أن أعداءهم هم أهل السنة أو غيرهم فهذه مسألة أخرى ، ونحن لا نقول بذلك ، وإنما نقول : (إن أعداءهم هم النواصب) ، ونحن قد أوضحنا فيما تقدَّم معنى الناصبي ، وقلنا : إنه هو المتجاهر بالعداء لأهل البيت عليهم‌السلام ، لا مطلق المخالف وإن لم يتجاهر بعداوتهم.

فإن كان الكاتب يرى أن كل أهل السنة نواصب فلا مناص حينئذ من القول بأنهم كلهم أعداؤهم ، وإلا فليسوا لهم بأعداء ، وهو أمر واضح جداً لا يحتاج إلى تجشم إيضاح.

* * *

٤٥٤

قال الكاتب : ٢ ـ عدم جواز العمل بما يوافق العامة ويوافق طريقتهم :

وهذا باب عقده الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة فقال :

والأحاديث في ذلك متواترة .. فمن ذلك قول الصادق رضي الله عنه في الحديثين المختلفين : اعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه.

وقال الصادق رضي الله عنه : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم.

وقال رضي الله عنه : خذ بما فيه خلاف العامة ، وقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد.

وأقول : هذا الباب ليس من أبواب كتاب (وسائل الشيعة) ، وإنما هو الباب الثلاثون من أبواب أصول الفقه ، من كتاب (الفصول المهمة) للحر العاملي ، وهو : باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة وطريقتهم ، ولو من أحاديث الأئمة عليهم‌السلام مع المُعارِض ... (١).

والكاتب نقل عنوان هذا الباب مبتوراً ، فخالف الأمانة العلمية من جهتين : من جهة نسبته إلى وسائل الشيعة ، ومن جهة بتر ذيله ، ليُوهم قارئه أن مخالفة العامة هي بنفسها دليل على الأحكام عند الشيعة.

وكما هو ظاهر من عنوان الباب ومن الأحاديث التي نقلها الكاتب أن عدم جواز العمل بالأحاديث الموافقة للعامة إنما هو في حال معارضتها لأحاديث أخر لا توافقهم ، وهذا يعني أن مخالفة العامة ليست بنفسها دليلاً يستعمله الفقيه في استنباط الأحكام الشرعية كما ذكره الكاتب ، وإنما هي أحد المرجِّحات الدِّلالية التي يُرجّح بها الفقيه أحد الحديثين المتعارضين اللذين لا يمكن الجمع العرفي بينهما.

ووجه الترجيح بمخالفة العامة أن الأئمة سلام الله عليهم لا تصدر منهم الأحكام المتعارضة والفتاوى المتضاربة ، لعصمتهم عليهم‌السلام المانعة من ذلك ، فكل ما

__________________

(١) الفصول المهمة في أصول الأئمة ١ / ٥٧٥.

٤٥٥

رُوي عنهم متعارضاً إما أن يكون مكذوباً عليهم أو محمولاً على التقية.

ولتمييز ما صدر منهم تقية عن غيره يُنظر فيما وافق العامة من الحديثين المتعارضين فيُطرح ، لأنه هو الذي تُحتمل فيه التقية دون ما خالفهم ، فإن الأئمة عليهم‌السلام كانوا يحذَرون سلاطين الجور وأعوانهم ، وكانوا يتحاشون معارضة فتاوى قضاتهم وعلماء بلاطهم ، فيفتون أحياناً بما يوافقهم تقيَّةً ، وبهذا وغيره نشأت أخبار التقية في أحاديث الأئمة عليهم‌السلام.

ولئن كانت مخالفة العامة قاعدة للترجيح بين الأخبار المتعارضة فقط ، دون أن تكون بنفسها قاعدة لاستنباط الحكم الشرعي كما قلنا ، فإن أهل السنة جعلوا مخالفة الروافض قاعدة يطرحون لأجلها حتى الأحكام التي صحَّ عندهم ثبوتها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال ابن تيمية : إذا كان في فعلٍ مستحب مفسدة راجحة لم يَصِر مستحباً ، ومن هنا ذهب مَن ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم ، فلا يتميز السُّنّي من الرافضي ، ومصلحة التميُّز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب ، وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب (١).

قلت : وأما فتاواهم في ذلك فهي كثيرة ، وإليك بعضاً منها :

قال ابن حجر في فتح الباري : اختُلف في السلام على غير الأنبياء ، بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي ، فقيل : يشرع مطلقاً. وقيل : بل تبعاً ، ولا يُفرد لواحد ، لكونه صار شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.

وقال الزمخشري في الكشاف : القياس جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) وقوله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وقوله

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ١٥٤.

٤٥٦

صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم صلِّ على آل أبي أوفى. ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك ، وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك : (صلى الله على النبي وآله) فلا كلام فيها ، وأما إذا أُفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يُفرد هو فمكروه ، لأن ذلك صار شعاراً لذِكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأنه يؤدِّي إلى الاتهام بالرفض (١).

وقال مصنّف كتاب الهداية وهو من الأحناف : المشروع التختم في اليمين ، لكن لمَّا اتّخذته الرافضة عادة جعلنا التختم في اليسار (٢).

وقال الرافعي في فتح العزيز : ثمّ الأفضل في شكل القبر التسطيح أو التسنيم. ظاهر المذهب أن التسطيح أفضل ، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهم‌الله : التسنيم أفضل. لنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم ، وعن القاسم بن محمد قال : (رأيت قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مُسَطَّحة) ، وقال ابن أبي هريرة : إن الأفضل الآن العدول من التسطيح إلى التسنيم ، لأن التسطيح صار شعاراً للروافض ، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام بالبدعة ، ومثله ما حكي عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعاراً لهم فالمستحب الإسرار بها مخالفة لهم (٣).

وقال محمد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتابه (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة) : السُّنَّة في القبر التسطيح ، وهو أولى من التسنيم على الراجح من مذهب الشافعي ، وقال الثلاثة [أبو حنيفة ومالك وأحمد] : التسنيم أولى ، لأن التسطيح صار من شعائر الشيعة (٤).

وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية إسدال طرف العمامة : فهل المشروع إرخاؤه

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٢٤٦ في تفسير قوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) سورة الأحزاب ، الآية ٥٦.

(٢) عن الصراط المستقيم ٢ / ٥١٠. ومنهاج الكرامة ، ص ١٠٨. وكتاب الغدير ١٠ / ٢١٠.

(٣) فتح العزيز ٥ / ٢٢٩.

(٤) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، ص ١٥٥.

٤٥٧

من الجانب الأيسر كما هو المعتاد ، أو الأيمن لشرفه؟ لم أرَ ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني ، وبتقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ، ثمّ يردّها إلى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم ، إلا أنه صار شعار الإمامية ، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم (١).

وقال عبد الله المغربي المالكي في كتابه (المعلم بفوائد مسلم) : إن زيداً كبَّر خمساً على جنازة ، قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يُكبِّرها. وهذا المذهب الآن متروك ، لأنه صار علَماً على القول بالرفض (٢).

وفي التذكرة : قال الشافعي وأحمد والحكَم : المسح على الخفّين أولى من الغسل ، لما فيه من مخالفة الشيعة (٣).

وقال إسماعيل البروسوي في تفسيره (روح البيان) عند ذِكر يوم عاشوراء : قال في عقد الدرر واللئالي (٤) : ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبَّه بيزيد الملعون في بعض الأفعال ، وبالشيعة الروافض والخوارج أيضاً ، يعني لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم ، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبَّه بيزيد الملعون وقومه ، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح ، فإن ترك السُّنّة سُنّة إذا كانت شعاراً لأهل البدعة ، كالتختم باليمين ، فإنه في الأصل سُنة ، لكنه لما صار شعار أهل البدعة والظلمة صارت السُّنة أن يُجعَل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا ، كما في شرح القهستاني (٥).

__________________

(١) شرح المواهب للزرقاني ٥ / ١٣.

(٢) عن الصراط المستقيم ٢ / ٥١٠.

(٣) عن المصدر السابق.

(٤) عقد الدرر واللئالي في فضل الشهور والأيام والليالي ، للشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحموي ، الشهير بابن الرسام (عن كتاب الغدير ١٠ / ٢١١). ولد بحماة سنة ٧٧٣ ه‍ ـ ، ولي قضاء حماة ثمّ قضاء حلب ، وتوفي سنة ٨٤٤ ه‍ ـ تقريباً ، له ترجمة في شذرات الذهب ٧ / ٢٥٢ ، الضوء اللامع ١ / ٢٤٩ ، ومعجم المؤلفين ١ / ١٧٤.

(٥) روح البيان ٤ / ١٤٢ (عن كتاب الغدير ١٠ / ٢١١).

٤٥٨

إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.

* * *

قال الكاتب : وقال رضي الله عنه : ما أنتم والله على شيء مما هم فيه ، ولا هم على شيء مما أنتم فيه ، فخالفوهم ، فما هم من الحقيقة (١) على شيء.

وقوله رضي الله عنه : والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا ، وإن من وافقنا خالف عدونا ، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه.

وأقول : هذان الحديثان ضعيفا السند.

أما الحديث الأول فمن رواته علي بن أبي حمزة البطائني ، وهو من رءوس الواقفة على الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، وقد مرَّ بيان حاله فيما تقدم.

وأما الحديث الثاني فهو حديث مُرسَل ، لا يُعرف راويه عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام.

ومع الإغماض عن سند الحديثين ، نقول :

إن الفرقة الناجية من فِرَق هذه الأمَّة هي واحدة كما نصَّ عليه حديث افتراق الأمَّة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وهي الفرقة التي أخبر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : يا أيّها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٢).

فلو كانت كل فِرَق المسلمين موافقة لطريقة أهل البيت عليهم‌السلام لكانت كلها

__________________

(١) كذا في نسخة الكتاب ، والمذكور في الحديث : فما هم من الحنيفية على شيء.

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢. وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وذُكر في مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٣٥ ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٥٦ وقال الألباني : الحديث صحيح. وطرقه كثيرة ذكرناها في كتابنا (مسائل خلافية) ، ص ٩٢ ـ ٩٧ ، فراجعه.

٤٥٩

ناجية ، ولما كان للحث على اتباعهم والتمسك بهم أي معنى.

ومنه يتضح أن تخصيصهم بالاتباع دليل على أنهم على الحنيفية البيضاء دون غيرهم من الناس ، فمن وافقهم فلا بد أن يخالف غيرهم ، ومن وافق غيرهم فلا بد أن يخالفهم ، لأنهم هم المحقّون وغيرهم هم المبطلون.

وهذا المعنى المستفاد من حديث الثقلين قد أوضحه هذان الحديثان اللذان ذكرهما الكاتب.

هذا مع أن الحديثين المذكورين لم ينصَّا على أن أهل السُّنة هم أعداء أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم ، فإنه من غير المعقول إطلاقاً أن يُدرَج في أعداء أهل البيت عليهم‌السلام أقوام من أهل السنة يحبّونهم ، ويروون فضائلهم ، ويصلّون عليهم ، ولا يجحدون شيئاً من مآثرهم ، ولا يعلمون أن طريقتهم مخالفة لهم.

* * *

قال الكاتب : وقول العبد الصالح رضي الله عنه في الحديثين المختلفين : خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه.

وقول الرضا رضي الله عنه : إذا ورد عليكم خبران متعارضان ، فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه ، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه.

وأقول : لقد تكلمنا في الحديثين المتعارضين ، وأوضحنا الوجه في الأخذ بما خالف العامّة دون ما وافقهم ، فراجعه.

* * *

قال الكاتب : وقول الصادق رضي الله عنه : والله ما بقي في أيديهم شيء من الحق إلا استقبال القبلة. انظر الفصول المهمة ٣٢٥ ، ٣٢٦.

٤٦٠