لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

أشد منها ، وان فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة ، مالها في دين الله من نصيب. بحار الأنوار ٢٦ / ٣٧.

إن هذه الرواية ليست مقبولة ولا معقولة ، فإذا كان هذا العدد من القبائل ليس فيها [كذا] نصيب في دين الله فمعنى هذا أنه لا يوجد مسلم واحد له في دين الله نصيب.

ثمّ تخصيص القبائل العربية بهذا الحكم القاسي يُشَمُّ منه رائحة الشعوبية ، وسيأتي توضيح ذلك في فصل قادم.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند جداً ، فإن راويها هو أبو أراكة ، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

ومن جملة رواتها علي بن ميسرة ، وأبو الحسن العبدي وهما مجهولا الحال كذلك.

ومنهم : محمد بن علي بن أسباط وهو مهمل في كتب الرجال.

ومنهم : أبو عمران الأرمني وهو موسى بن زنجويه ، وهو ضعيف ، ضعّفه النجاشي وابن الغضائري (١).

ومنهم : يعقوب بن إسحاق وهو الضبي بقرينة روايته عن أبي عمران الأرمني ، وهو أيضاً مجهول لم يوثق في كتب الرجال.

ومنهم : محمد بن حسان وهو الرازي بقرينة رواية الصفار عنه ، وهو لم يثبت توثيقه ، بل ضعَّفه ابن الغضائري ، وقال فيه النجاشي : يُعرَف ويُنكَر بين بين ، يروي عنه الضعفاء (٢).

__________________

(١) رجال النجاشي ٢ / ٣٤٢. رجال ابن الغضائري ، ص ٩١. راجع معجم رجال الحديث ١٩ / ٤٣.

(٢) رجال النجاشي ، ص ٢٣٩ ط حجرية. رجال ابن الغضائري ، ص ٩٥.

٤٠١

هذه هي الرواية التي احتج بها الكاتب ، وهي ضعيفة جداً اشتملت على مجاهيل وضعفاء ومهملين ، فكيف يصح الاحتجاج بها والتعويل عليها؟!

ومع الإغماض عن سند الرواية فلا بد من حمل القبيلة في الرواية على ما يشمل البطن والفخذ ، كبني هاشم وبني أمية مثلاً ، بل وعلى ما يشمل الفصيلة أيضاً كبني العباس مثلاً ، وذلك بقرينة ذكر ستين قبيلة.

ولا ريب في أن بطون القبائل وأفخاذها وفصائلها كثيرة جداً (١) ، وحينئذ فليس بمستبعد أن يكون ستون من قبائل العرب بالمعنى الذي قلناه ليس لها في الإسلام نصيب ، وذلك لأن المسلمين تفرَّقوا إلى مذاهب كثيرة بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه.

وأما ذكر القبائل العربية بالخصوص فلأن بعضها لها في الإسلام نصيب ، وبعضها ليست كذلك ، وأما غير العرب فلم يكن لأحد منهم في دين الله نصيب.

* * *

قال الكاتب : ٤ ـ صحيفة ذؤابة السيف :

عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضي الله عنه أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف. قال أبو بصير : قال أبو عبد الله : فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة. بحار الأنوار ٢٦ / ٥٦.

قلت : وأين الأحرف الأخرى؟ أَلا يُفْتَرَضُ أن تُخْرَجَ حتى يستفيد منها شيعة أهل البيت؟ أم أنها ستبقى مكتومة حتى يقوم القائم؟

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، فإن من جملة رواتها علي بن أبي حمزة ، وهو

__________________

(١) راجع كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) للسويدي لتقف على تفاصيل بطون وأفخاذ القبائل العربية الكثيرة جداً.

٤٠٢

البطائني رأس الواقفية ، الذي أنكر إمامة مولانا الرضا عليه‌السلام.

قال ابن الغضائري : علي بن أبي حمزة لعنه الله ، أصل الوقف ، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه‌السلام (١).

وقال علي بن الحسن بن فضال : علي بن أبي حمزة كذاب ، واقفي متّهم ملعون ، وقد رويتُ عنه أحاديث كثيرة ، وكتبتُ عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره ، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً (٢).

وضعَّفه ابن داود في رجاله ، والعلامة في الخلاصة ، والمجلسي في الرجال والوجيزة وغيرهم (٣).

وروى ابن داود في رجاله عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : أَمَا استبان لكم كذبه؟ أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن مريم؟

ومن رواة هذا الخبر القاسم بن محمد وهو الجوهري ، بقرينة روايته عن علي بن أبي حمزة ، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

وعليه فالرواية ضعيفة السند ، لا يصح التعويل عليها في شيء.

ومع الغض عن سندها فالظاهر أن الرواية لا إشكال فيها عند الكاتب إلا من جهة قوله : (فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة) ، وذلك لأن هذه الصحيفة قد ذكرها أهل السنة في كتبهم بأسانيد صحيحة ، إلا أنهم ذكروا أنها كانت معلَّقة في قراب سيف أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا منافاة في البين ، فلعلها كانت في قراب سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ صارت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فعلّقها في قراب سيفه.

__________________

(١) رجال ابن الغضائري ، ص ٨٣.

(٢) رجال العلامة ، ص ٢٣١.

(٣) رجال ابن داود ، ص ٢٥٩. رجال العلامة ، ص ٢٣١. الوجيزة ، ص ١١٨. رجال المجلسي ، ص ٢٥٥.

٤٠٣

فقد أخرج البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم وأحمد والنسائي وابن حبان والبيهقي والحاكم وأبو نعيم وأبو عوانة والحميدي وغيرهم بأسانيدهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه ، قال : خطبنا علي رضي الله عنه على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلَّقة ، فقال : والله ما عندنا من كتاب يُقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة. فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل ، وإذا فيها : المدينة حرم من عير إلى كذا ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. وإذا فيه : ذمة المسلمين واحدة ، يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، وإذا فيها : مَنْ والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً (١).

وفي بعضها أنه عليه‌السلام ذكر أن عنده صحيفة ، لكنه لم ينص على أنها في قراب السيف ، وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة عندهم.

منها : ما أخرجه البخاري في صحيحه ، وأبو داود وابن ماجة والنسائي والدارمي في سننهم ، وأحمد في مسنده ، وغيرهم ، بأسانيدهم عن الشعبي عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي : هل عندكم كتاب؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة. قال : قلت : فما في هذه الصحيفة؟ قال : العقل وفكاك الأسير ولا يُقتل مسلم بكافر (٢).

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٢٧٨. صحيح مسلم ٢ / ٩٩٥ ، ١١٤٧ ، ٣ / ١٥٦٧. صحيح ابن حبان ١٣ / ٢١٦. المستدرك على الصحيحين ٤ / ١٥٣ ط حيدرآباد. مسند أحمد ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، ١٥٢. سنن البيهقي الكبرى ٨ / ٢٩ ، ٩ / ٢٥٠. سنن النسائي ٨ / ٣٩٢. السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٤٨٦ ، ٥ / ٢٠٨. مسند أبي عوانة ٣ / ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٥ / ٧٦. شعب الإيمان ٦ / ١٨٩. حلية الأولياء ٤ / ١٣١. مسند الحميدي ١ / ٢٣.

(٢) صحيح البخاري ١ / ٦٢ ، ٢ / ٩٣٧ ، ٤ / ٢١٥٤ ، ٢١٥٦. سنن النسائي بشرح السيوطي ٨ / ٣٩٢. سنن أبي داود ٢ / ٢١٦. سنن ابن ماجة ٢ / ٨٨٧. السنن الكبرى للنسائي ٤ / ٢٢٠. سنن الدارمي ٢ / ٦٣٣. مسند أحمد ١ / ٧٩ ، السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٢٢٦.

٤٠٤

وأخرج البخاري في صحيحه ، والترمذي في سننه ، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم ، بأسانيدهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : المدينة حرَمٌ ما بين عائر إلى كذا ، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبَل منه صرف ولا عدل ، وقال : ذمَّة المسلمين واحدة ، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ، ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل (١).

وأكثر تلكم الروايات المروية عندهم ظاهرة في أن تلك الصحيفة كانت مشتملة على أمور أخرى غير ما ذكر في الحديث ، بدليل تفاوت الأحاديث طولاً وقصراً في بيان ما حوتْه تلك الصحيفة.

ومن غير البعيد أن تحتوي تلك الصحيفة على قواعد كلية عامة عُبِّر عنها في الحديث ب ـ (أحرف يَفْتَح كلُّ حرف منها ألفَ حرف).

ولعل المراد بالحرفين اللذين خرجا قاعدة (لا يُقتل مسلم بكافر) ، وقاعدة (من تولَّى قوماً بغير إذن مواليه) ، فإنهما قاعدتان ينفتح منهما مسائل كثيرة متشعبة.

وأما العلة التي من أجلها أخفى الإمام عليه‌السلام باقي ما في الصحيفة إلا اليسير الذي خرج منها ، فلا ندري بها ، والإمام عليه‌السلام أعرف بتكليفه ، وهو عليه‌السلام أدرى بأهل عصره ، ونحن لسنا مكلَّفين به على فرض تحقّقه.

هذا مع أن أحاديث أهل السنة ظاهرها أنه عليه‌السلام أظهر شيئاً منها لا كلّها ، وعليه فالإشكال نفسه يرد عليهم ، بل وروده عليهم أولى باعتبار صحَّة أحاديث الصحيفة عندهم ، وعدم اعتقادهم بأن الإمام عليه‌السلام كان يتَّقي من أهل عصره.

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ٥٥٣ ، ٢ / ٩٧٩ ، ٩٨١ ، ٤ / ٢١١٠. سنن الترمذي ٤ / ٤٣٨. السنن الكبرى للبيهقي ٥ / ١٩٦. مسند أحمد ١ / ٨١.

٤٠٥

* * *

قال الكاتب : ٥ ـ صحيفة علي ، وهي صحيفة أُخرى وُجِدَتْ في ذؤابة السيف :

عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال : وُجِدَ في ذؤابة سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صحيفة فإذا فيها مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم ، إن أعتى الناس على الله يوم القيامة مَن قتل غير قاتله ، ومن ضرب غير ضاربه ، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه ، ومن أحدث حدثاً أو آوى مُحْدِثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلاً. بحار الأنوار ٢٧ / ٦٥ ، ١٠٤ / ٣٧٥.

وأقول : إن الكاتب ذكر أن هذه الصحيفة كانت لعلي عليه‌السلام وُجِدَت في ذؤابة سيفه ، مع أن الرواية نصَّت على أنها كانت في ذؤابة سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ورد ذلك في الرواية السابقة.

وقد ذكر أيضاً أنها صحيفة أخرى لعلي عليه‌السلام ، مع أن هذا لا يظهر من الرواية التي ساقها ، فلعلّ هذه الصحيفة هي عين تلك الصحيفة.

* * *

قال الكاتب : ٦ ـ الجفر : وهو نوعان : الجفر الأبيض والجفر الأحمر :

عن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إن عندي الجفر الأبيض.

قال : قلت : أي شيء فيه؟

قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم‌السلام والحلال والحرام .. وعندي الجفر الأحمر.

قال : قلت : وأي شيء في الجفر الأحمر؟

قال : السلاح ، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل.

٤٠٦

فقال له عبد الله بن أبي اليعفور [كذا] : أصلحك الله ، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال : إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار ، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم. أصول الكافي ١ / ٢٤.

وأقول : أما الجفر الأبيض فلا نرى ما يدعو إلى إنكار وجوده عند أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وذلك لأنَّا تلقَّينا من الثقات الأَثبات أن الكتب المذكورة كانت عندهم عليهم‌السلام وفي حوزتهم ، فكيف يجوز لنا ردّه وإنكاره ولا سيما مع ورود النهي عن ردّ ما قاله أهل الكتاب مما لم تثبت صحَّته ولم يتّضح بطلانه.

فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة ، أنه قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم ، وقولوا (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ) إِلَيكُم الآية (١).

وأخرج أبو داود وأحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أبي نملة الأنصاري ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ / ١٣٦ كتاب الاعتصام ، باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، ٣ / ٢٣٧ كتاب الشهادات ، باب لا يُسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها ، ٦ / ٢٥ كتاب التفسير ، تفسير سورة البقرة.

تنبيه : الرواية التي نقلناها بلفظ البخاري من كتاب الاعتصام فيها تصريح بأن قوله (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم) آية من القرآن ، ولهذا عقّب الجملة بقوله : (الآية) كما في الطبعة المصرية ، مطابع الشعب سنة ١٣٧٨ ، وإن كانت كلمة (الآية) قد حُذفت من الطبعة المحققة بتحقيق الشيخ محمد علي القطب والشيخ هشام البخاري ٤ / ٢٢٩٦ ، طبع المكتبة العصرية في لبنان ، سنة ١٤١٧ ه‍ ـ ، مع أنهما أدرجا الجملة بين قوسين قرآنيين ، وأشارا في الحاشية إلى أنها الآية ١٣٦ من سورة البقرة مع إدراج كلمة (إليكم) داخل القوسين بغير الخط القرآني. وهذا يدل أنهما قد تنبَّها إلى أن كلمة (إليكم) ليست من الآية ، لكنهما لم ينبِّها القارئ على ذلك ستراً على البخاري ، وخشية من فضيحة أهل السنة الذين يرونه كله صحيحاً.

٤٠٧

عن أبيه : أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده رجل من اليهود مرَّ بجنازة ، فقال : يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله أعلم. فقال اليهودي : إنها تتكلم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنّا بالله ورسله. فإن كان باطلاً لم تصدّقوه ، وإن كان حقاً لم تكذّبوه (١).

ولا ندري لِمَ استحل أهل السنة تكذيب شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ورواة أحاديثهم ، ولم يستحلوا تكذيب أخبار اليهود والنصارى ورواتهم ، مع أن العلة المانعة من التكذيب متحققة في الموردين على السواء؟!

هذا مع أنهم رووا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان عنده زاملتان (٢) من كتب أهل الكتاب.

فقد قال ابن كثير في تفسيره : كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدِّث منهما (٣).

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة عبد الله بن عمرو : وقد روى عبد الله أيضاً عن أبي بكر ، وعمر ، ومعاذ ، وسراقة بن مالك ، وأبيه عمرو ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي الدرداء ، وطائفة ، وعن أهل الكتاب ، وأدمن النظر في كتبهم ، واعتنى بذلك (٤).

وقال في تذكرة الحفاظ : وكان أصاب جملة من كتب أهل الكتاب ، وأدمن النظر فيها ، ورأى فيها عجائب (٥).

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ / ٣١٨ حديث ٣٦٤٤. مسند أحمد ٤ / ١٣٦. المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٥٨. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨ / ٥٢. شرح السنة ١ / ٢٦٨.

(٢) الزاملة : هو البعير الذي يحمل عليه الرجل متاعه وطعامه. والزاملتان حمل بعيرين.

(٣) تفسير القرآن العظيم ١ / ٤.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ٨١.

(٥) تذكرة الحفاظ ١ /

٤٠٨

وقال ابن حجر : إن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب ، فكان ينظر فيها ويحدِّث منها ، فتجنَّب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين (١).

فلا ندري بعد هذا لِمَ صدّقوا بحيازة عبد الله بن عمرو لهذه الكتب وأنكروا حيازة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لها؟

وأما الجفر الأحمر فهو السلاح كما ورد في الخبر ، وحيازتهم عليهم‌السلام للسلاح ليس أمراً مستغرباً حتى تتوجّه أصابع الاتهام للرواة بالتكذيب.

وكيف كان فلا نرى في ثبوت حيازتهم عليهم‌السلام للجفر الأبيض والجفر الأحمر غرابة ، ولا منافاة لآية محكمة أو سُنّة ثابتة حتى يصر أهل السُّنّة على إنكارها والتشنيع بها.

* * *

قال الكاتب : وقد سألت مولانا الراحل الإمام الخوئي عن الجفر الأحمر ، من الذي يفتحه ودم مَن الذي يُراق؟

فقال : يفتحه صاحب الزمان عجل الله فرجه ، ويريق به دماء العامة النواصب ـ أهل السنة ـ فيمزقهم شذَرَ مَذَرَ ، ويجعل دماءَهم تجري كدجلة والفرات ، وَلَيَنْتَقِمَنَّ من صَنَمَيّ قريش ـ يقصد أبا بكر وعمر ـ وابنتيهما ـ يقصد عائشة وحفصة ـ ومن نعثل [كذا] ـ يقصد عثمان ـ ومن بني أمية والعباس فينبش قبورهم نبشا.

وأقول : ما نقله عن السيّد الخوئي قدّس الله نفسه الزكيّة غير صحيح ، وهو مِثْل نقولاته السابقة التي لا يُعوَّل عليها ولا يؤخذ بها.

مضافاً إلى أن هذا الكلام مخالف لفتاوى السيد الخوئي المعروفة ، لأنه قدس‌سره لا

__________________

(١) فتح الباري ١ / ١٦٧. ونقله المباركفوري عن ابن حجر في تحفة الأحوذي ٧ / ٣٥٩.

٤٠٩

يرى أن أهل السنّة كلهم نواصب (١) ، بل يفرِّق بين الناصبي والمخالف ، ولا يعتبر كل مخالف ناصبياً ، ولهذا حكم بنجاسة النواصب وكفرهم وعدم حرمة دمائهم وأموالهم ، دون المخالفين.

قال قدس‌سره في بحث درسه تعليقاً على قول صاحب العروة : (لا أشكال في نجاسة الغلاة والنواصب) :

وهم ـ أي النواصب ـ الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتُظهر البغضاء لأهل البيت عليهم‌السلام ... ولا شبهة في نجاستهم وكفرهم ، وهذا لا للأخبار الواردة في كفر المخالفين كما تأتي جملة منها عن قريب ، لأن الكفر فيها إنما هو في مقابل الإيمان ، ولم يُرَد منه ما يقابل الإسلام ، بل لما رواه ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : (وإياك أن تغتسل من غُسالة الحمَّام ، ففيها تجتمع غُسالة اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي ، والناصب لنا أهل البيت ، فهو شرّهم ، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه). حيث إن ظاهرها إرادة النجاسة الظاهرية الطارئة على أعضاء الناصب لنَصبه وكفره ، وهذا من غير فرق بين خروجه على الإمام عليه‌السلام وعدمه ، لأن مجرد نَصب العداوة وإعلانها على أئمة الهدى عليهم‌السلام كافٍ في الحكم بكفره ونجاسته ، وقد كان جملة من المقاتلين للحسين عليه‌السلام من النُّصَّاب ، وإنما أقدموا على محاربته من أجل نَصبهم العداوة لأمير المؤمنين وأولاده. ثمّ إن كون الناصب أنجس من الكلب لعلّه من جهة أن الناصب نجس من جهتين ، وهما جهتا ظاهرِه وباطنه ، لأن الناصب محكوم بالنجاسة الظاهرية لنصبه ، كما أنه نجس من حيث باطنه وروحه ، وهذا بخلاف الكلب ، لأن النجاسة فيه من ناحية ظاهره فحسب (٢).

__________________

(١) الناصبي : هو من تجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم‌السلام ، بحربهم أو قتلهم أو ضربهم أو سبّهم أو إهانتهم أو تنقيصهم أو جحد مآثرهم المعلوم ثبوتها لهم ، أو نحو ذلك.

(٢) التنقيح في شرح العروة الوثقى ٢ / ٧٥.

٤١٠

وكلامه قدس‌سره واضح في أنه يرى كفر الناصبي ونجاسته ، دون المخالفين للشيعة ، وهم أهل السنة وغيرهم من غير الفِرَق الإسلامية الأخرى كالزيدية والإسماعيلية والمعتزلة وغيرهم.

وأما ما نسبه للسيّد الخوئي قدس‌سره من أن صاحب الزمان سيقتل أهل السُّنة إذا خرج ، وسيفرّقهم شذر مذر ، فهي نسبة باطلة ، وذلك لأن الأخبار لا تدل على ذلك ، وإنما دلَّت الأحاديث المتواترة عند الفريقين على أنه عليه‌السلام سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً ، وأنه سينشر الحق في أرجاء المعمورة ، وسيمحق كل ضلال وباطل ، لتبقى كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

ولا ريب في أن تحقق هذا الأمر لا يتأتى إلا بحرب سلاطين الجور وأعوانهم ، فإنهم لن يُسَلّموا له طواعية واختياراً ، بل سيحاربونه بما لديهم من عَدَدٍ وعُدَّة ، وأما الذين اتّبعوا الحق ورضوا به فلا شأن له بهم ، سُنّة كانوا أم غيرهم.

والطريف أنه في الوقت الذي لا نرى رواية واحدة عند الشيعة تخبر أن الإمام المهدي عليه‌السلام سيقتل أصحاب المذاهب الأخرى ومنهم أهل السنة ، نجد أن بعض الروايات السُّنّية تنص على أن أتباع السفياني ـ وهم من أهل السنة ـ سيقتلون شيعة أهل البيت عليهم‌السلام في الكوفة.

فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن أبي رومان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : يظهر السفياني على الشام ، ثمّ يكون بينهم وقعة بقرقيسا حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم ، ثمّ ينفتق عليهم فتق من خلفهم ، فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان ، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان ، ويقتلون شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكوفة ، ثمّ يخرج أهل خراسان في طلب المهدي (١).

* * *

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٠١ ط حيدرآباد.

٤١١

قال الكاتب : قلت : إن قول الإمام الخوئي فيه إسراف إذ أن أهل البيت عليهم‌السلام ، أجل وأعظم من أن ينبشوا قبر ميت مضى على موته قرون طويلة.

إن الأئمة سلام الله عليهم كانوا يقابلون إساءة المسيء بالإحسان إليه والعفو والصفح عنه ، فلا يعقل أن ينبشوا قبور الأموات لينتقموا منهم ويقيموا عليهم الحدود فالميت لا يُقامُ عليه حد ، وأهل البيت سلام الله عليهم عُرِفُوا بالوداعة والسماحة والطيب.

وأقول : صحيح أن أهل البيت عليهم‌السلام رحمة مهداة لهذه الأمة كجدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنا لا نحتم عليهم بشيء ولا نعلّمهم تكليفهم ، فهم أعرف بما يصنعون ، وأما نبش القبور فهو راجع إليهم ، فإن صنعه صاحب الزمان عليه‌السلام فهو حق ، وإن تركه فهو أيضاً حق ، وعِلْمه عند الله سبحانه ، ولسنا مكلَّفين باعتقاد أو ردّ هذه الحوادث ، لأنها من علم الغيب الذي لا يلزمنا الجزم فيه بشيء.

ومن الواضح أن الكاتب أخذ بعض ما نسبه للخوئي من بعض المرويات التي لم يحقّق في أسانيدها ، وأضاف إليها بعضاً آخر من عنده ، فنسب الجميع للخوئي قدّس الله نفسه زوراً وبهتاناً.

* * *

قال الكاتب : ٧ ـ مصحف فاطمة :

أ ـ عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال : (وعندنا مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله ، وإنه لإملاء رسول الله صلوات الله عليه وآله وخط علي رضي الله عنه بيده) بحار الأَنوار ٢٦ / ٤١.

ب ـ وعن محمد بن مسلم عن أحدهما رضي الله عنه (.. وَخَلَّفَتْ فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها ، إملاء رسول الله صلى الله عليه وخط

٤١٢

علي) البحار ٢٦ / ٤٢.

ج ـ عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله رضي الله عنه (.. وعندنا مصحف فاطمة عليها‌السلام ، أما والله ما فيه حرف من القرآن ولكنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وخط علي) البحار ٢٦ / ٤٨.

وأقول : مصحف فاطمة عليها‌السلام هو كتاب فيه علم ما يكون وأسماء من يملكون إلى قيام الساعة ، بإملاء جبرئيل عليه‌السلام وبخط علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، كما دلَّت عليه الأخبار الكثيرة كخبر حماد بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة ، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها‌السلام. قال : قلت : وما مصحف فاطمة؟ قال : إن الله تعالى لما قبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على فاطمة عليها‌السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزوجل ، فأرسل الله إليها ملَكاً يسلّي غمّها ويحدّثها ، فشكَت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : إذا أحسستِ بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين عليه‌السلام يكتب كل ما سمع ، حتى أثبت من ذلك مصحفاً. قال : ثمّ قال : أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون (١).

وفي صحيحة أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي عليه‌السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها‌السلام (٢).

فإن قال قائل : إن ادِّعاء تكليم الملائكة غير الأنبياء باطل ، فلا يصح ادعاء سماع فاطمة وعلي عليه‌السلام كلام الملائكة عامة أو جبريل خاصة.

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٤٠.

(٢) المصدر السابق ١ / ٢٤١.

٤١٣

أجبناه على ذلك بأمور :

١ ـ أن الأحاديث التي أخرجها حفَّاظ الحديث من أهل السنة قد دلَّت على أن الناس لو استقاموا لصافحتهم الملائكة.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والحميدي والطيالسي وابن حبان وغيرهم عن حنظلة التميمي الأسيدي ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا حنظلة ، لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم أو في طُرُقكم (١).

وفي رواية أخرى ، قال : لو كنتم تكونون إذا فارقتموني كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأكُفِّها ، ولزارتكم في بيوتكم (٢).

وعلى ذلك يُحمل تكليم الملائكة لمريم عليها‌السلام فيما حكاه الله سبحانه في كتابه العزيز ، إذ قال (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) (٣).

وعليه فهل يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينفي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ / ٢١٠٦ ـ ٢١٠٧. سنن الترمذي ٤ / ٦٦٦ وقال : هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة ٢ / ١٤١٦. مسند أحمد ٢ / ٣٠٥ ، ٣ / ١٧٥ ، ٤ / ١٧٨ ، ٣٤٦ ، الجامع الصغير ٢ / ٤٢٨ حديث رقم ٧٤١٨ ، ٧٤١٩. مسند أبي داود الطيالسي ، ص ١٩١. شرح السنة ١ / ١٦٧. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٩ / ٢٤٠ ـ ٢٤١. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ٢ / ٤١٥ ـ ٤١٦ ، وصحيح الجامع الصغير ٢ / ٩٣١ ، ١١٩٠ ، وسلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٦٠٦.

(٢) مسند أبي داود الطيالسي ، ص ٣٣٧.

(٣) سورة مريم ، الآيات ١٦ ـ ٢١.

٤١٤

وسيدة نساء العالمين عليها‌السلام الاستقامة التي تؤهّلهما لأن تتحدَّث معهما الملائكة في بيتهما؟!

٢ ـ أن بعض أحاديثهم وأقوالهم تطابقت على أن بعض صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت الملائكة تسلِّم عليه وتصافحه ويراهم عياناً.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن عمران بن حصين ـ في حديث ـ قال : وقد كان يُسَلَّم عليَّ حتى اكتويتُ فتُرِكْتُ ، ثمّ تَركْتُ الكَيّ فعاد (١).

وأخرج ابن سعد عن قتادة : أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى فتَنَحَّتْ (٢).

قال الذهبي في ترجمة عمران بن حصين : وكان ممن يسلّم عليه الملائكة ...

وقال : وكان به داء الناصور فاكتوى لأجله ، فقال : اكتوينا فما أفلحن ولا أنجحن. وروينا أنه لما اكتوى انقطع عنه التسليم مدة ثمّ عاد إليه (٣).

وقال ابن حجر : وكانت الملائكة تصافحه قبل أن يكتوي (٤).

وقال النووي : كانت الملائكة تسلّم عليه ويراهم عياناً كما جاء مصرحاً به في صحيح مسلم (٥).

إلى غير ذلك مما لا يُحصى كثرة ، ولا نحتاج إلى تتبّعه واستقصائه (٦).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ / ٨٩٩.

(٢) الطبقات الكبرى ٤ / ٢٨٨.

(٣) تذكرة الحفاظ ١ / ٢٩ ـ ٣٠.

(٤) تهذيب التهذيب ٨ / ١١٢.

(٥) تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٣٦.

(٦) راجع إن شئت سنن أبي داود ٤ / ٥. مسند أحمد ٤ / ٤٢٧. المستدرك ٣ / ٤٧٢. أسد الغابة ٤ / ١٣٨. الإصابة ٣ / ٢٦ ، ٢٧. سير أعلام النبلاء ٢ / ٥٠٨ ، ٥١٠ ، ٥١١. شذرات الذهب ١ / ٥٨. تاريخ الإسلام ٣ / ٢٧٥ ، ٢٧٦. البداية والنهاية ٨ / ٦٢.

٤١٥

٣ ـ أن الأحاديث المروية الدالة على سماع جمع من الصحابة كلام الملائكة ورؤيتهم وسلامهم عليهم وكلامهم معهم لا تُحصى كثرة.

منها : ما أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان أنه أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : بينما أنا أصلّي إذ سمعتُ متكلماً يقول : اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، بيدك الخير كله ، إليك يرجع الأمر كله ، علانيته وسرّه ، فأهل أن تُحمد ، إنك على كل شيء قدير ، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي ، واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني عملاً زاكياً ترضى به عني. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذاك ملَك أتاك يعلِّمك تحميد ربك (١).

ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابنا (كشف الحقائق) ، فإنا ذكرنا هناك جملة وافرة منها (٢).

ومن كل ذلك نخلص إلى أن سماع أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين حديث الملَك أو جبرئيل عليه‌السلام ممكن الوقوع ، بل إن ذلك غير مستبعد منهما ، ولا سيما بعد ما رأينا بعض الأحاديث الصحيحة عندهم التي دلَّت على تكليم الملائكة وسلامهم ومصافحتهم لمن هو دونهما ، فالجرأة على إنكار سماع علي وفاطمة صوت الملَك خطأ بيِّن فاحش لا يجوز لمسلم أن يقدم عليه ، لأنه طعن واضح في العترة النبوية الطاهرة ، أعاذنا الله من ذلك.

* * *

قال الكاتب : قلت : إذا كان الكتاب من إملاء رسول الله صلوات الله عليه وخط علي ، فلم كتمه عن الأمة؟ والله تعالى قد أمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلغ كل ما أنزل إليه قال الله تعالى : (يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بَلَّغْتَ

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ٣٩٦.

(٢) كشف الحقائق ، ص ١٣٦ ـ ١٣٩.

٤١٦

رسالته) (المائدة / ٦٧).

فكيف يمكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكتم عن المسلمين جميعاً هذا القرآن؟ وكيف يمكن لأمير المؤمنين رضي الله عنه والأئمة من بعده أن يكتموه عن شيعتهم؟!

وأقول : الأمر بالتبليغ في الآية لم يتعلّق بتبليغ كل ما أنزل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما المراد هو تبليغ أمرٍ مخصوص أُريد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبليغه للناس ، وإلا لو كان المراد هو تبليغ الرسالة كلها لكان معنى الآية متهافتاً ، فإنه لا معنى لأن يقال : بلِّغْ كل ما أنزل إليك ، فإن لم تبلغ كل ذلك فإنك حينئذ لم تبلغ رسالته ، فإنه من البديهي أنه إذا لم يبلغ كل ما أُنزل إليه فهو لم يبلغ الرسالة.

ومنه يتضح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما أُمر بتبليغ شيء مخصوص ، وهو تنصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام خليفة من بعده كما دلَّت عليه بعض الأحاديث التي سنذكر بعضها ، وبما أن هذا ليس هو موضوع بحثنا فلا داعي للخوض فيه وإثباته ، ولا سيما بعد دلالة بعض أحاديث أهل السنة عليه.

ثمّ كيف يكون المراد بالتبليغ ما ذكره الكاتب والآية من سورة المائدة التي نزلت في أخريات الدعوة.

قال السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : المائدة مدنية.

وأخرج أحمد وأبو عبيد في فضائله ، والنحاس في ناسخه ، والنسائي وابن المنذر والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال : حججتُ فدخلتُ على عائشة فقالت لي : يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت : نعم. فقالت : أما إنها آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحِلّوه ، وما وجدتم من حرام فحرِّموه.

وأخرج أحمد والترمذي وحسَّنه والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في

٤١٧

سننه عن عبد الله بن عمرو قال : آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح (١).

فلا مناص حينئذ من أن يكون التبليغ في الآية متعلقاً بأمر مهم أريد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيانه في نهاية دعوته ، وإلا فلا معنى لتهديده بأنه إذا لم يبلغ ذلك الأمر فحاله حال من لم يبلغ الرسالة.

ثمّ إن وعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن الله سيعصمه من الناس يدل على أن الأمر صعب وأنه ثقيل على الناس بحيث يُتوقَّع حصول الضرر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جراء هذا التبليغ.

وليس هناك شيء كهذا إلا أمر الخلافة والنص على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا المعنى هو ما رواه القوم في كتبهم.

قال السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّكَ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أيها لرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليّا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (٢).

ولو سلَّمنا بأن مفاد الآية هو أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغ الرسالة كلها فلا ينافي التبليغ تخصيص بعض الصحابة بعلوم وأسرار خاصة ، فإن ذلك نوع تبليغ ، لأن التبليغ إما أن يكون للناس كافة أو إلى أفراد مخصوصين.

ولهذا ناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام ، فطالت نجواه معه في يوم الطائف فيما أخرجه الترمذي في سننه عن جابر قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا يوم الطائف فانتجاه ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما انتجيته

__________________

(١) الدر المنثور ٣ / ٣.

(٢) نفس المصدر ٣ / ١١٧.

٤١٨

ولكن الله انتجاه.

قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأجلح ، وقد رواه غير ابن فضيل عن الأجلح. ومعنى قوله : (ولكن الله انتجاه) يقول : إن الله أمرني أن أنتجي معه.

هذا مع أنهم رووا في أحاديث الصحيفة التي سبق ذكرها أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اختص عليّا عليه‌السلام بها ، فكيف جاز ذلك هناك ولم يجز هنا ، مع أن ما في الصحيفة هو أحكام شرعية تحتاج إليها الأمة ، وأما مصحف فاطمة عليها‌السلام فيحتوي على أخبار ما كان وما يكون كما مرَّ ، وهي أمور لا يجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبليغها للأمة ، وإنما يجب عليه تبليغ الشريعة فقط.

* * *

قال الكاتب : ٨ ـ التوراة والإنجيل والزبور :

عن أبي عبد الله رضي الله عنه أنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية. انظر الحجة من الكافي ١ / ٢٠٧ باب إن الأئمة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عزوجل ، وإنهم يعرفونها كلها على اختلاف ألسنتها.

وأقول : لا يوجد حديث بهذا اللفظ في كتاب الكافي في الباب المذكور ، ولا يشتمل هذا الباب إلا على حديثين ضعيفين :

الحديث الأول : أحد رواته الحسن بن إبراهيم ، وهو مجهول الحال.

قال المولى محمد باقر المجلسي قدس‌سره : [في سنده] مجهول (١).

والحديث الثاني : من رواته سهل بن زياد ، وبكر بن صالح ، ومحمد بن سنان.

أما سهل بن زياد ومحمد بن سنان فقد مرَّ بيان حالهما.

__________________

(١) مرآة العقول ٣ / ٢٤.

٤١٩

وأما بكر بن صالح فقد ضعَّفه النجاشي في رجاله ، فقال : بكر بن صالح الرازي ، مولى بني ضبة ، روى عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، ضعيف (١).

وقال ابن الغضائري : بكر بن صالح الرازي ضعيف جداً ، كثير التفرد بالغرائب (٢).

وضعَّفه العلَّامة في الخلاصة بنحو ما قاله ابن الغضائري (٣).

قال المامقاني قدس‌سره : ضعْف بكر بن صالح الضبي الرازي الراوي عن الكاظم عليه‌السلام مما لا ينبغي الريب فيه ، واشتراك غيره معه من دون تمييز صحيح يُسقِط كل رواية لبكر بن صالح ـ أيّ بكر كان ـ عن الاعتبار (٤).

ولو سلَّمنا بصحة الحديثين فلا محذور فيهما ، وذلك لأن الحديث الأول ظاهر في جواز الاحتجاج على النصارى بالإنجيل ، والإمام موسى بن جعفر قرأ على بُرَيْه ما يحجُّه ويلزمه ، ولهذا أسلم في الحال ، ولعلَّه قرأ عليه من الإنجيل ما يدل على نبوّة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن ذلك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل كما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز إذ قال : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) الآية (٥).

قال ابن كثير : هذه صفة محمد في كتب الأنبياء ، بشَّروا أُممهم ببعثه ، وأمروهم بمتابعته ، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم ، يعرفها علماؤهم وأحبارهم (٦).

__________________

(١) رجال النجاشي ١ / ٢٧٠.

(٢) رجال ابن الغضائري ، ص ٤٤.

(٣) رجال العلامة الحلي ، ص ٢٠٧.

(٤) المصدر السابق ١ / ١٧٩.

(٥) سورة الأعراف ، الآية ١٥٧.

(٦) تفسير القرآن العظيم ٢ / ٢٥١.

٤٢٠