لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

اطَّلع على كل ما في كتب الشيعة من أحاديث وعلوم ومعارف ، فلا ندري بعد هذا لِمَ احتجَّ بالضعيف وتعامى عن الصحيح؟ ولمَ صرف الأحاديث عن معانيها الصحيحة ، وجعل لها معاني من جراب النورة؟

* * *

قال الكاتب : وبقيت علاقاتي حسنة مع كل المراجع الدينية والعلماء والسادة الذين قابلتهم ، وكنت أخالطهم لأَصِلَ إلى نتيجة تعينني إذا ما اتخذتُ يوماً القرار الصعب ، فوقفت على الكثير حتى صارت قناعتي تامة في اتخاذ القرار الصعب ، ولكني كنت أنتظر الفرصة المناسبة.

وأقول : إن كون العلاقة المزعومة حميمة بين الكاتب وبين كل المراجع والعلماء والسادة ليس مهمّاً بقدر ما يكون سؤالهم ومذاكرتهم في المسائل والشكوك مهمّاً ، والكاتب لم يذكر أنه ناقش العلماء أو ناظرهم في مسائل معينة ، بل نراه قد أحاط كلامه بالإبهام والغموض خشية أن يقال له : إن هذه المسائل محلولة وواضحة ، ولا غبار عليها ولا شبهة تعتريها.

ثمّ إن التعبير ب ـ (المراجع الدينية) غير متعارف صدوره من رجل يدعي الاجتهاد ، بل ولا مألوف من طلبة العلم ، فإن اللفظ المتعارف إطلاقه هو (المراجع العِظَام) ، أو (مراجع التقليد).

وكذا قوله : (العلماء والسادة) ، فإن هذا من تعبيرات العوام ، لأن العلماء لا يفرقون في التعبير بين العلماء غير السادة ، والعلماء من السادة.

* * *

قال الكاتب : وكنت أنظر إلى صديقي العلامة السيد موسى الموسوي فأراه مثلاً

٢١

طيباً عند ما أَعْلَنَ رفضَه للانحراف الذي طرأ على المنهج الشيعي ، ومحاولاته الجادة في تصحيح هذا المنهج. ثمّ صدر كتاب الأخ السيد [كذا] أحمد الكاتب (تطور الفكر الشيعي) ، وبعد أن طالعتُه وجدت أَنّ دَوْرِي قد حان في قول الحق ، وتبصير إخواني المخدوعين ، فإنّا كعلماء مسئولون عنهم يوم القيامة ، فلا بد لنا من تبصيرهم بالحق وإن كان مُرّاً.

وأقول : عجباً لمن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد كيف يتَّخذ قدوته مثل هذين الرجلين اللذين لا يُعرفان بعِلم ولا فضل ، ويرى أن تصرّفهما جعله يرى أن دوره قد حان لقول الحق ، مع أن الفقيه لا بد أن يكون حُرّاً في تشخيص تكليفه ومعرفة ما يجب عليه وما لا يجب ، ولا يجوز له أن يكون مقلِّداً لغيره.

ثمّ إن ما كتبه السيد موسى الموسوي في كتابه (الشيعة والتصحيح) وما كتبه أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر الشيعي) ، كله أباطيل لا تخفى على صغار طلبة العلم فضلاً عن من يدَّعي الاجتهاد والفقاهة.

ثمّ إن المؤلِّف وصف أحمد الكاتب بأنه سيِّد ، وهذا من سقطاته الكثيرة التي تدل على أنه لا يفرق بين السيد والشيخ.

* * *

قال الكاتب : ولعل أُسلوبي يختلف عن أسلوب السيدين الموسوي والكاتب في طرح نتاجاتنا العلمية ، وهذا بسبب ما توصل إليه كُلٌّ منا من خلال دراسته التي قام بها.

ولعل السيدين المذكورين في ظرف يختلف عن ظرفي ، ذلك أَن كُلًّا منهما قد غادر العراق ، واستقر في دولة من دول الغرب ، وبدأ العمل من هناك.

وأقول : إن الاختلاف بين كاتب (لله ثمّ للتاريخ) وبين السيد موسى الموسوي

٢٢

وأحمد الكاتب واضح جداً ، من جهة أن الموسوي وأحمد الكاتب رجلان معروفان بنسبهما وبأنهما كانا من الشيعة ، غاية ما في الباب أنهما انحرفا عن الطريق الصحيح ، لشبهات عرضت لهما أو لمصالح دنيوية طمِعا فيها.

وأما صاحب كتاب (لله ثمّ للتاريخ) فهو رجل مجهول الهوية ، يُجزم بأنه رجل من أهل السنة ، قد انتحل شخصية عالم شيعي مجهول للطعن في مذهب الشيعة وعلمائهم.

وأما كونه في العراق وهما في خارج العراق فهذا ليس فرقاً جوهريّاً بينه وبينهما ، فإنه إن رأى أن الحق في مذهب أهل السنة ، وأنه الآن قد انقلب إلى مذهبهم ، فعليه أن يسفر عن نفسه ، ويفصح عن اسمه ، ويجهر بتحوّله ، وذلك لأن أكثر أئمة مذاهب أهل السنة لا يجوِّزون التقية من المسلمين ، ولا يحلِّلون لمؤمن أن يكتم (إيمانه) ، ويتظاهر بالتمذهب بمذاهب أهل البدع.

فكيف غاب عن هذا (الفقيه المجتهد) مثل هذا الحكم ، فقبع في زاوية التقية في النجف ، مع أنه يجب عليه أن يرفضها بخصوصها كما رفض مذهب الشيعة بكل أحكامه.

ثمّ إنه هنا أيضاً كرَّر خطأه السابق مرتين ، بتشريك أحمد الكاتب للموسوي في السيادة ، وسيكرِّره أيضاً في كلامه الآتي.

* * *

قال الكاتب : أما أنا فما زلت داخل العراق وفي النجف بالذات ، والإمكانات المتوافرة لدي لا ترقى إلى إمكانات السيدين المذكورين ، لأني وبعد تفكير طويل في البقاء أو المغادرة ، قررت البقاء والعمل هنا صابرا مُحْتَسباً ذلك عند الله تعالى.

وأقول : إن الكاتب لو كان في النجف لعرفه أهل النجف ولعرفه علماء الحوزة

٢٣

العلمية ، ولا سيما أنه ـ كما يزعم ـ رجل كبير في السن ، حاصل على إجازة الاجتهاد قبل أكثر من خمسين سنة (١) ، مع أنه ليس في النجف عالم من أهل كربلاء بهذه الصفة ، ولو كان لَبَان ، ولا سيما أنه وصف نفسه بالتفوّق العلمي ، والمتفوق بحكم العادة لا يخفى على أحد.

ثمّ ما هو السر في بقاء الكاتب في النجف الأشرف متكتماً متظاهراً بالتشيع وهو على خلاف ذلك؟

مع أنه يجب على أي رجل في مثل سنِّه وعلمه أن يترك النجف ، ويغادر إلى أي بلاد سُنية يتمكن فيها من أن ينفع فيها أبناء مذهبه الجديد ، ويبصِّرهم بأباطيل مذهب الشيعة ، ويوقفهم على ما فيه من زيف وضلال.

وأما بقاؤه في النجف فسيجعله مشلولاً غير قادر على الإفصاح عن حاله من جهة ، ولا يتمكن من أداء رسالته من جهة أخرى.

فلا أدري بعد هذا كله ما هو وجه اختياره البقاء في النجف الأشرف والعمل فيها صابراً محتسباً على حسب زعمه؟؟

* * *

قال الكاتب : وأنا على يقين أن هناك الكثير من السادة ممن يشعرون بتأنيب الضمير لسكوتهم ورضاهم مما يرونه ويشاهدونه ، وبما يقرءونه في أمهات المصادر المتوافرة عندهم ، فأسأل الله تعالى أن يجعل كتابي حافزاً لهم في مراجعة النفس ، وترك سبيل الباطل ، وسلوك سبيل الحق ، فإن العمر قصير ، والحجة قائمة عليهم ، فلم يبق لهم بعد ذلك من عذر.

__________________

(١) وذلك لأن تاريخ رحيل الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء كان سنة ١٣٧٣ ه‍ ـ ، وهي خمسون سنة كاملة. وأما إذا قيل : (إن كاشف الغطاء قد أجاز الكاتب قبل وفاته ببضع سنين) ، فيكون قد مضى على الإجازة المزعومة أكثر من خمسين سنة.

٢٤

وأقول : إن كلاماً لا يستند إلى أي دليل صحيح لا قيمة له ، ويقين الكاتب بشيء لا يكون له وزن علمي يعتد به ، وذلك لأنا بالمقابل على يقين من أنه لا يوجد ولا واحد من علماء الشيعة يشك في صحة مذهبه ويتردَّد في بطلان مذاهب أهل السنة ، بل نحن على يقين من أن أكثر علماء أهل السنة يشكّون في صحة مذاهبهم ، لما يرون فيه من التناقضات والأباطيل الواضحة ، ولكن يمنعهم من الجهر بشكّهم وبطلان مذاهبهم خشيتهم من العامَّة ، أو حذرهم من سلاطين الجور ، أو خوفهم على وظائفهم التي يتعيشون بها.

وأما دعاء المؤلف بأن يجعل الله كتابه حافزاً (للسادة) لمراجعة النفس وترك سبيل الباطل وسلوك سبيل الحق ، فهو دعاء لا يستجاب ، لأن هذا الكتاب ـ كما سيتضح للقارئ ـ مشتمل على الأكاذيب من غلافه إلى آخره ، فكيف يمكن أن يكون سبيلاً لسلوك الحق وهو بهذه الحال؟؟

* * *

قال الكاتب : وهناك بعض السادة ممن تربطني بهم علاقات استجابوا لدعوتي لهم والحمد لله ، فقد اطلعوا على هذه الحقائق التي توصلتُ إليها ، وبدءوا هم أيضاً بدعوة الآخرين ، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياهم لتبصير الناس بالحقيقة ، وتحذيرهم من مَغَبَّةِ الانجراف في الباطل ، إِنه أكرم مسئول.

وأقول : إن الحق أحق أن يُتَّبع ، واستجابة جاهل لمثله لا يقلب الحق باطلاً ، ولا يصيِّر الباطل حقًّا ، فإنه لا يُعرف الحق بالرجال ، وإنما يُعرف الرجال بالحق.

هذا مع أن الكاتب قد زعم ـ وهو غير ثقة في نقله كما سيتضح ـ أن بعض السادة رأى رأيه واقتنع بفكرته ببطلان مذهب الشيعة ، وهذه مجرد دعوى لم يظهر لها أي أثر ، فلم يظهر ذلك من شخص معروف من علماء الشيعة أو فضلائهم ، ولم يظهر من أحد منهم أنه أبْدَى قناعاته ببطلان مذهب الشيعة.

٢٥

بخلاف الذين تشيعوا من أهل السنة ، فإنهم رجال معروفون بأسمائهم وببلدانهم ، وقد صدرت من أقلامهم الكثير من الكتب المطبوعة التي تداولها الناس واطلع عليها المؤالف والمخالف.

* * *

قال الكاتب : وإني لأعلم أن كتابي هذا سيلقى الرفض والتكذيب والاتهامات الباطلة ، وهذا لا يضرني فإني قد وضعت هذا كله في حسابي ، وسيتهمونني بالعمالة لإسرائيل ، أو أمريكا ، أو يتهمونني بأني بعت ديني وضميري بِعَرَضٍ من الدنيا ، وهذا ليس ببعيد ولا بغريب فقد اتهموا صديقنا العلامة السيد موسى الموسوي بمثل هذا ، حتى قال السيد [كذا] علي الغروي : إن ملك السعودية فهد بن عبد العزيز قد أغرى الدكتور الموسوي بامرأة جميلة من آل سعود ، وبتحسين وَضْعِهِ المادي ، فوضع له مبلغاً محترماً في أحد البنوك الأمريكية لقاء انخراطه في مذهب الوهابيين!!

وأقول : من الطبيعي أن يلقى كتاب (لله ثمّ للتاريخ) الرفض والإنكار الشديدين ، لأنّا نظرنا في محتوياته فوجدناه مملوءاً بالأكاذيب الشنيعة والاتهامات القبيحة التي سنكشفها للقارئ العزيز في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.

وأما الاتّهام فليس دأبنا كما سيتضح جليًّا في كل ردودنا على مضامين هذا الكتاب.

وأما العمالة لإسرائيل أو غيرها فنحن لا ندين الله بشيء لا نعرفه ، والله أعلم بحقائق الأمور ، وهو سبحانه الذي يتولى السرائر.

وأما ما نقله عن الميرزا علي الغروي قدَّس الله نفسه فهو كذب محض ، لأنه كلام لا يصدر من مثله قطعاً ، ونحن قد تشرَّفنا مدة بالحضور في المجالس الخاصة للميرزا الغروي فلم نسمعه ينطق بهذا أو أمثاله قط ، ولم ينقل شخص معروف عنه مثل هذه المقولة ، بل هي مقولة غير معقولة في حد ذاتها.

٢٦

هذا مع أن كتاب السيِّد موسى الموسوي قد رُدَّ عليه ، وأُبطلت جميع حُجَجه ودعاويه ، ولا يحتاج إبطال كلام الموسوي لمثل هذا الكلام الذي هو في نفسه يحتاج إلى إثبات.

* * *

قال الكاتب : فإذا كان هذا نصيب الدكتور الموسوي من الكذب والافتراء والإشاعات الرخيصة ، فما هو نصيبي أنا وما ذا سَيُشيعُونَ عني؟! ولعلَّهم يبحثون عني ليقتلوني كما قتلوا قبلي ممن [كذا] صدع بالحق ، فقد قتلوا نجل مولانا الراحل آية الله العظمى الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم ، وسيد علماء الشيعة بلا منازع عند ما أراد تصحيح منهج الشيعة ، ونبذ الخرافات التي دخلت عليه ، فلم يَرُقْ لهم ذلك ، فذبحوا نجله كما يُذْبَحُ الكبش ليصدوا هذا الإمام عن منهجه في تصحيح الانحراف الشيعي ، كما قتلوا قبله السيد [كذا] أحمد الكسروي عند ما أعلن براءته من هذا الانحراف ، وأراد أن يصحح المنهج الشيعي ، فَقَطَّعوه إِرَباً إِرَباً.

وأقول : إن الشيعة منذ أقدم العصور واجهوا خصومهم بالحجة ، ففنَّدوا مذاهبهم ، وأبطلوا آراءهم ، وزيَّفوا معتقداتهم.

وأما أساليب الاتهامات والتصفيات الجسدية فهي أساليب غيرهم الذين تنقصهم الحجج والأدلة على صحة مذاهبهم.

وأما ما زعمه من أن السيِّد أبا الحسن الأصفهاني قدَّس الله نفسه قد أراد أن يُصحِّح منهج الشيعة فعمد الشيعة إلى قتل ابنه ، فهو غير صحيح جملة وتفصيلاً ، فإن السيد أبا الحسن الأصفهاني كان مرجع الشيعة الذي كانوا يرجعون إليه في تقليدهم ، ولم يبدر منه أية بادرة تخالف المنهج المعروف عند الشيعة ، فأين هذا التصحيح المزعوم؟

٢٧

وإذا كان السيِّد أبو الحسن الأصفهاني ـ بزعم الكاتب ـ أكبر أئمة الشيعة وأراد تصحيح المسار الشيعي فلمَ ترك حركته الإصلاحية بعد قتل ابنه ، مع أن مثل هذا الأمر لا ينبغي أن يثني أي مصلح عن غاياته وأهدافه.

ثمّ إن عبارات الكاتب في وصف السيِّد أبي الحسن الأصفهاني بأنه (أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم ، وسيِّد علماء الشيعة بلا منازع) هي منقولة بالمعنى من كلام السيِّد موسى الموسوي في مقدمة كتابه (الشيعة والتصحيح) ، حيث قال : وبعد أن وُلِدتُ ونشأت وترعرت في بيت الزعامة الكبرى للطائفة الشيعية ، ودرست وتأدبت على يد أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبرى ، وحتى اليوم وهو جدّنا الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي ...

وقال : وقد زاد إيماني بها عند ما بدأت أعرف أن السبب في قتل والدي بين صلاة المغرب والعشاء في الحضرة العلوية في النجف الأشرف وعلى يد مجرم في لبوس رجل الدين الذي ذبحه كالكبش وهو يصلي في المحراب ، إنما كانت خطة استعمارية لكي تثني السيد أبو الحسن عن خطواته الإصلاحية (١).

فالعجب مِن هذا المدَّعي للاجتهاد كيف صار مقلِّداً للسيّد موسى الموسوي من غير تحقيق في نقولاته ، مع أن كل علماء الشيعة يعرفون أن السيِّد أبا الحسن الأصفهاني قدَّس الله نفسه الشريفة لم يكن (أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم ، وسيّد علماء الشيعة بلا منازع) ، وإنما كان أحد مراجع التقليد الذين انتهت إليهم الزعامة الدينية الشيعية ، ولم يكن قدس‌سره معروفاً بتحقيقاته ومصنَّفاته ، فلم يصدر من قلمه الشريف إلا رسالته العملية (وسيلة النجاة) فقط ، فكيف صار أكبر أئمة الشيعة والحالة هذه؟!

وعُذْر موسى الموسوي أنه يُطري جدَّه قدس‌سره ، فإن كل فتاة بأبيها معجبة ، ولكن ما هو عذر كاتب كتاب (لله ثمّ للتاريخ) في أن يصف السيِّد الأصفهاني بهذه

__________________

(١) الشيعة والتصحيح ، ص ٥.

٢٨

الأوصاف غير الصحيحة؟!

ثمّ إن وصف السيّد أبي الحسن الأصفهاني قدس‌سره بأنه أكبر (أئمة) الشيعة ، لا يصدر ممن مارس العلم وجالس العلماء ، وعاش في الحوزة العلمية حتى وصل إلى مرتبة الفقاهة والاجتهاد بزعمه ، فإن هذا التعبير ما هو إلا من تعابير أهل السنة الذين يصفون علماء الشيعة بأنهم أئمة لهم.

وأما أحمد كسروي فلم يَدَّعِ له أحدٌ أية حركة إصلاحية ، لأنه كان متحرِّراً من كل قيود الدين ، ولم يكن ضد مذهب الشيعة وعقائده فحسب ، بل كان ضد الدين ومبادئه ، وقد حمل على التشيع بما هو دين لا بما هو مذهب مخصوص ، ولهذا لم يظهر منه أي ميل لمذهب أهل السنة أو غيره من المذاهب الإسلامية ، بل قام بتأييد الحزب الشيوعي في إيران متمثِّلاً بمناصرة رئيسه إحسان طبري (١).

* * *

قال الكاتب : وهناك الكثيرون ممن انتهوا إلى مثل هذه النهاية جَرَّاءَ رفضهم تلك العقائد الباطلة التي دخلت إلى التشيع ، فليس بغريب إذا ما أرادوا لي مثل هذا المصير!!

وأقول : العجيب أن هذا الرجل يتحدث وكأنه يحدث قُرّاءه عن أحداث وقعت في كوكب آخر لا يعرفونه ، وإلا فمَن هم هؤلاء الكثيرون الذين انتهوا إلى القتل بأيدي الشيعة جراء رفضهم لعقائدهم؟؟

أما ابن السيد أبي الحسن فقد قتله رجل معتوه ، لا يَعرف شيئاً عن أمثال هذه الأمور التي يدَّعيها السيِّد موسى الموسوي وقلَّده فيها الكاتب من غير تحقيق ، وكان سبب القتل ماليّاً لا أكثر.

__________________

(١) راجع كتاب (إيران در دو سده وابستن) ، ص ٢٦٣.

٢٩

وموسى الموسوي أراد أن يصوِّر لقارئه أن والده قُتل بمؤامرة استعمارية كانت تستهدف حركة التصحيح ، وهذه دعوى غير صحيحة لم تصدر من أحد قبل موسى الموسوي الذي لم يستند في ادِّعائها إلى دليل صحيح.

وأما أحمد كسروي فقيل في سبب قتله : إنه قام بإحراق كتاب (مفاتيح الجنان) مع كل ما فيه من سور قرآنية وأحاديث نبوية ، مما أثار عليه سخطاً شعبياً عاماً اجتاح كل إيران ، حيث بدأ بأذربيجان ، وانتقل إلى طهران ثمّ سائر المدن الإيرانية ، وصدرت برقيات معترضة تدين هذا العمل ، وقد حمل عليه بعض الإيرانيين وضربوه حتى الموت.

ومن الواضح أن الكاتب قد جعل اتهام الشيعة بتصفية مخالفيهم مبرِّراً لإخفائه اسمه وهويته ، وإلا فإنه يعلم أن الشيعة لم يقصدوا السيد موسى الموسوي ولا أحمد الكاتب بسوء مع أنهما قد سبقاه في هذا المضمار كما صرَّح الكاتب بذلك فيما مر.

* * *

قال الكاتب : إن هذا كله لا يهمني ، وحسبي أن أقول الحق ، وأنصح إخواني وأُذَكِّرُهُم وأُلْفتُ نظرهم إلى الحقيقة ، ولو كنت أريد شيئاً من متاع الحياة الدنيا فإن المتعة والخمسَ كفيلان بتحقيق ذلك لي ، كما يفعل الآخرون حتى صاروا هم أثرياء البلد ، وبعضهم يركب أفضل أنواع السيارات بأحدث موديلاتها ، ولكني ـ والحمد لله ـ أعرضت عن هذا كله منذ أن عرفت الحقيقة ، وأنا الآن أكسب رزقي ورزق عائلتي بالأعمال التجارية الشريفة.

وأقول : من كان بهذا العمر المديد كيف يكون له مأرب في المتعة؟؟

فإن الكاتب لو أجيز بالاجتهاد ـ على حسب زعمه ـ وهو في عمر الأربعين سنة كما هو حال نوابغ الحوزة ، فإن عمره الآن يبلغ حوالي تسعين سنة إذا كان كاشف

٣٠

الغطاء قد أجازه بالاجتهاد في سنة وفاته ، وهي سنة ١٣٧٣ ه‍ ـ.

ثمّ إن كل علماء النجف الأشرف في هذه السنين لا يركبون سيارات بأحدث موديلاتها ، لأن النجف لا يوجد فيها سيارات حديثة ، وهذا يعرفه كل من عاش في النجف واطَّلع على أحوال العلماء فيها.

وبحكم معرفتي الوثيقة بكل مراجع النجف الأشرف في هذا العصر فلا يوجد مرجع واحد يملك سيارة عادية فضلاً عن كونها من أحدث الموديلات.

وأما الخمس فهو أمانة يقبضها المرجع ويصرفها في مصارفها الصحيحة ، ولا يحق له ولا لغيره أن يتملكها لنفسه ، ولو كان مراجع التقليد يتملكون الخمس لكانوا من أثرى الناس ، بينما هم ليسوا كذلك ، وأحوالهم شاهدة عليهم.

والطريف ما زعمه من مسألة تكسُّبه بالتجارة لقوته وقوت عائلته ، مع أنه ذكر أنه ذهب للحوزة العلمية وهو شاب يافع ، فمن أين حصل على الأموال التي صار يتَّجر بها؟!

فإن كانت تجارته من أموال الخمس فلا يصح التكسب بها عنده ، وإن كانت من غيرها فمن أين اكتسبها ، وما مصدرها؟

ثمّ ما بال من عاش على التقوّت من الخمس حتى صار طاعناً في السن ، قد تغافل الآن عن كل ما صرفه من أموال الخمس؟

ألا يعلم أنه يضمن كل ما صرفه على نفسه طيلة حياته ، فيجب عليه أن يُرجع تلك الأموال إلى أصحابها إن كان يعرفهم أو يتصدق بها عنهم؟؟

* * *

قال الكاتب : لقد تناولت في هذا الكتاب موضوعات محددة ليقف إخواني كلهم على الحقيقة حتى لا تبقى هناك غشاوة على بصر أي فرد كان منهم. وفي النية

٣١

تأليف كتب أُخرى تتعلق بموضوعات غير هذه ليكون المسلمون جميعاً على بينة فلا يبقى عُذرٌ لغَافِلٍ ، أو حُجَّةٌ لجاهل.

وأقول : سيقف القرَّاء بعون الله تعالى على الحقيقة كاملة ، وسيتضح لهم أن كاتب هذا الكتاب ما هو إلا مفترٍ منتحل لشخصية رجل يزعم أنه واحد من فقهاء الشيعة ، وسيتضح للقراء بطلان كل الطعون التي تمسَّك بها هذا الرجل في نقد مذهب الشيعة الإمامية.

ومنه يُعلم أن القوم لما عجزوا عن نقد مذهب الشيعة الإمامية بالدليل والحجة الصحيحة عمدوا إلى محاربة المذهب بأمثال هذه الأساليب الرخيصة ، فساروا على نهج أسلافهم الذين افتروا على الشيعة كل ما استطاعوا ، فركبوا في ذلك كل صعب وذلول ، ولكن الله ردَّ كيدهم في نحورهم ، وأبطل مزاعمهم ، وكشف زيفهم ، وفضح أكاذيبهم.

إلا أن كاتب هذا الكتاب سلك مسلكاً في الكذب لم يسبقه إليه غيره ، فزعم أنه واحد من فقهاء الشيعة ، فافترى على علماء الشيعة ما شاء من الحكايات السخيفة التي يزعم أنه شاهد عَيَانٍ فيها ، ولكنه وقع من حيث لا يشعر ، فانكشف أمره ، وظهر كذبه ، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

* * *

قال الكاتب : وأنا على يقين أن كتابي هذا سيلقى القبول عند طلاب الحق وهم كثيرون والحمد لله ، وأَمَّا مَن فَضَّلَ البقاء في الضلالة ـ لئلا يخسر مركزه فتضيع منه المتعة والخُمس من (أولئك) الذين لبسوا العمائم ، وركبوا عجلات (المرسيدس) و (السوبر) فهؤلاء ليس لنا معهم كلام ، والله حسيبهم على ما اقترفوا ويقترفون في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.

الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.

٣٢

وأقول : إن طلاب الحق بحمد الله وفضله كثيرون ، والحق واضح المعالم بيِّن السُّبل ، لا يحتاج إلى كذب وافتراء وانتحال شخصيات وإلصاق التهم بالأبرياء ، وافتعال الحوادث والوقائع التي لم تقع.

وسيعلم طلاب الحق إن شاء الله تعالى من خلال البحوث الآتية أن الكاتب قد مال عن الحق وجانب الصواب ، وسلك سبيل الزيغ والضلال ، وأنه لم يصل إلى مبتغاه ، ولم يستطع أن يحقِّق غايته ، بل افتضح أمره ، وانكشف حاله ، وصار كتابه هذا عاراً عليه في الدنيا ، ووبالاً عليه في الآخرة.

وكل منصف يقرأ ما سوَّده هذا الكاتب في كتابه يحصل له القطع واليقين بضلال الكاتب وببطلان مسلكه ، لأنه لو كان محقاً لما احتاج إلى افتعال الأكاذيب الرخيصة ، ولكان الاحتجاج بالحق كافياً لدحض كل زيغ وضلال.

كما أن كل منصف يزداد بصيرة بأن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الحق الذي من تمسَّك به نجا ، ومن تخلَّف عنه هوى ، ولو لم يكن كذلك لوجد أعداؤه من الحق ما يكفي لإبطاله ، ولما احتاجوا لإبطاله بافتعال الأكاذيب والافتراءات التي بان زيفها وانكشف بطلانها.

٣٣

عبد الله بن سبأ

قال الكاتب : إنَّ الشائع عندنا ـ معاشر الشيعة ـ أنّ عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها ، اخترعها أهل السنة من أجل الطعن بالشيعة ومعتقداتهم ، فنسبوا إليه تأسيس التشيع ليصدوا الناس عنهم ، وعن مذهب أهل البيت.

وأقول : إن العجب ممن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد كيف تخفى عليه مسألة بسيطة من أبسط المسائل الرجالية ، وهي أن المشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً بين علماء وفقهاء الإمامية قديماً وحديثاً أن عبد الله بن سبأ شخصية كان لها وجود ، وقد نصَّ العلماء على ذلك في كتبهم الرجالية المعروفة.

فقد قال الشيخ الطوسي في رجاله : عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو (١).

وقال العلَّامة الحلي في كتابه خلاصة الأقوال : عبد الله بن سبأ غالٍ ملعون ، حرَّقه أمير المؤمنين عليه‌السلام بالنار ، كان يزعم أن عليّا عليه‌السلام إله ، وأنه نبي (٢).

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي ، ص ٨٠.

(٢) رجال العلامة الحلي ، ص ٢٣٧.

٣٤

وهذه العبارة هي عين عبارة السيد أحمد بن طاوس في كتابه (حل الإشكال في معرفة الرجال) المنقولة في التحرير الطاووسي (١).

وقال أبو عمرو الكشي : كان يدَّعي النبوة وأن عليّا عليه‌السلام هو الله ، فاستتابه عليه‌السلام ثلاثة أيام فلم يرجع ، فأحرقه في النار في جملة سبعين رجلاً ادَّعوا فيه ذلك (٢).

وقال الشيخ يوسف البحراني : وابن سبا هذا هو الذي كان يزعم أن أمير المؤمنين عليه‌السلام إله ، فاستتابه أمير المؤمنين ثلاثة أيام ، فلم يتب فأحرقه (٣).

إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تخفى على صغار طلبة العلم فضلاً عمَّن يدعي الاجتهاد والاطلاع على ما في كتب الرجال من أحوال الرواة.

* * *

قال الكاتب : وسألت السيد [كذا] محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ فقال : إن ابن سبأ خُرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً منهم على آل البيت الأطهار ، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية.

وأقول : ما نقله عن الشيخ كاشف الغطاء غير معروف عنه ، فلا يُعتد بهذا النقل ولا يعوَّل عليه.

ومع التسليم بأن كاشف الغطاء رحمه‌الله قد قال ذلك فعلاً ، فلعل مراده هو أنه ينكر صحة الأساطير التي حيكت حول عبد الله بن سبأ ، ويرى أنها من دسائس الأمويين والعباسيين ، لا أنه ينكر أصل وجوده الذي صرَّح به في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) كما سيأتي ذلك في كلامه الآتي.

__________________

(١) التحرير الطاووسي ، ص ١٧٣.

(٢) عن رجال ابن داود ، ص ٣٠ من القسم الثاني ، وتنقيح المقال ٢ / ١٨٤ ، وكلمة الكشي هذه غير مذكورة في (اختيار معرفة الرجال) المعروف برجال الكشي.

(٣) الحدائق الناضرة ٨ / ٥١١.

٣٥

* * *

قال الكاتب : ولكني وجدت في كتابه المعروف (أصل الشيعة وأُصولها) ص ٤٠ ـ ٤١ ما يدل على وجود هذه الشخصية وثبوتها حيث قال : (أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة ، أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ...).

وأقول : إن مشهور علماء الشيعة ـ ومن جملتهم كاشف الغطاء ـ قد ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ ، وأنه ادّعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأحرقه بالنار في جملة رجال ادَّعوا ذلك معه ، وهذا يعرفه كل من بحث في كتب الرجال وتفحص الأقوال.

وما جاء في كتاب (أصل الشيعة وأصولها) دليل على عدم صحة النقل السابق عن كاشف الغطاء.

ولا ينقضي العجب من هؤلاء الذين يفتعلون الأكاذيب ، ثمّ يجعلونها مادة يُدينون بها الشيعة ويُلزمونهم بها ، فإن الكاتب افتعل قضية ونسبها إلى كاشف الغطاء ، ثمّ زعم أن كلامه يتضارب مع ما في كتابه.

* * *

قال الكاتب : ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية ، فلما راجعته في ذلك قال : إنا قلنا هذا تقية ، فالكتاب المذكور مقصود به أهل السنة ، ولهذا أتبعت قولي المذكور بقولي بعده : (على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبد الله بن سبأ (وأمثاله) كلها أحاديث خرافة وضعها القَصَّاصُون وأرباب السَّمَر المجوف).

وأقول : لا أدري ما هو موقع التقية هنا؟!

وما ربط التسليم بوجود عبد الله بن سبأ في كتاب (أصل الشيعة وأصولها) بباب التقية؟!

٣٦

وهل كتب كاشف الغطاء كتابه (أصل الشيعة وأصولها) الذي يعبِّر فيه عن عقائد الشيعة تقية؟! كيف يتم له كتابة كتاب في بيان عقائد الشيعة التي يخالف فيها القوم ، ومع ذلك يكتبه تقية؟!

والذي يظهر من هذا الكلام وأشباهه أن الكاتب لا يعرف المعنى الصحيح للتقية ، ويظن أن المراد بالتقية هو الكذب المحض غير المبرَّر ، وهذا هو الفهم المعروف للتقية عند كثير من أهل السنة. وهذا الفهم الخاطئ لمعنى التقية قد كشف ـ بحمد الله ـ كذب كثير من النقولات والحكايات الواردة في الكتاب.

* * *

قال الكاتب : وقد أَلَّفَ السيد مرتضى العسكري كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) أنكر فيه وجود شخصية ابن سبأ ، كما أنكرها أيضاً السيد [كذا] محمد جواد مغنية في تقديمه لكتاب السيد العسكري المذكور.

وأقول : إن الخلاف في كون عبد الله بن سبأ موجوداً أو خرافة غير خفي على أحد ، فقد تضاربت فيه الآراء بين نافٍ ومُثْبِت ، وهذا لا يرتبط من قريب ولا من بعيد بالشيعة أو أهل السنة ، لأنها مسألة رِجالية أو تاريخية.

ولئن كان السيد مرتضى العسكري والشيخ مغنية وغيرهما قد ذهبا إلى أن ابن سبأ خرافة ولا وجود له ، فإن جملة من الباحثين من أهل السنة ذهبوا إلى نفس هذا الرأي.

منهم : الدكتور طه حسين : فإنه قال في كتابه (علي وبنوه) : أقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلَّفاً منحولاً وقد اختُرع بأخرة ، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية ، أراد خصوم الشيعة أن يُدخلوا في أصول

٣٧

هذا المذهب عنصراً يهودياً ، إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم (١).

ومنهم : الدكتور عبد العزيز الهلابي : حيث قال في كتابه (عبد الله بن سبأ) : الذي نخلص إليه في بحثنا هذا أن ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود ، فإن وجد شخص بهذا الاسم فمن المؤكّد أنه لم يقم بالدور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفِرَق ، لا من الناحية السياسية ، ولا من ناحية العقيدة (٢).

ومنهم : الكاتب المصري أحمد عباس صالح : فإنه قال في كتابه (اليمين واليسار في الإسلام) : وعبد الله بن سبأ شخص خرافي بغير شك ، فأين هو من هذه الأحداث جميعاً؟ وأين هو من الصراعات الناشبة في هذا العالم الكبير المتعدد ... وما ذا يستطيع شخص مهما تكن قيمته أن يلعب بمفرده بين هذه التيارات المتطاحنة؟

إلى أن قال : إنما كل ما حيك من قصص حول عبد الله بن سبأ هو من وضع المتأخرين ، فلا دليل على وجوده في المراجع القديمة ، فضلاً عن سخافة التفكير في احتمال وجوده أصلاً (٣).

* * *

قال الكاتب : وعبد الله بن سبأ هو أحد الأسباب التي ينقم من أجلها أغلب الشيعة على أهل السنة. ولا شك أن الذين تحدثوا عن ابن سبأ من أهل السنّة لا يُحْصَوْنَ كثرة ، ولكن لا يُعَوِّلُ الشيعة عليهم لأجل الخِلافِ معهم.

وأقول : إن عبد الله بن سبأ لا يرتبط بمذهب الشيعة ، ولا شأن لهم به ، ولا يُعتبر أحد الأسباب التي ينقم من أجلها أغلب الشيعة على أهل السنة كما زعم الكاتب ، بل الأمر بالعكس تماماً ، فإن أهل السنة نقموا على الشيعة لما غُرس في

__________________

(١) الفتنة الكبرى ٢ / ٩٨.

(٢) عبد الله بن سبأ : دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة ، ص ٧١.

(٣) اليمين واليسار في الإسلام ، ص ٩٥.

٣٨

أذهانهم أن أصل مذهبهم يرجع إلى عبد الله بن سبأ اليهودي ، فحنقوا على الشيعة لأنهم اعتنقوا دسيسة يهودية تمَّ تنفيذها على يد حاقد على الإسلام والمسلمين.

وأما ما زعمه من كثرة من تحدَّث عن عبد الله بن سبأ من أهل السنة وأن الشيعة لا يعوِّلون على كلامهم من أجل الخلاف معهم ، فهو مردود بأن الكثرة ليست مقياساً للحق ، وإنما مقياسه هو صحَّة الدليل وتمامية الحجة ، وأكثر من بحث شخصية عبد الله بن سبأ من أهل السنة بحثها بنتائج مسبقة ، من أجل إثبات العلاقة الوطيدة بين مذهب الشيعة وبين عبد الله بن سبأ ، ولهذا اعتمدوا الأخبار الموضوعة والآثار المكذوبة للوصول إلى هذه الغاية ، ولم يسلكوا سبيل التحقيق والبحث العلمي الصحيح.

* * *

قال الكاتب : بيد أننا إذا قرأنا كتبنا المعتبرة نجد أن ابن سبأ شخصية حقيقية وإن أنكرها علماؤنا أو بعضهم.

وأقول : لقد قلنا فيما مرَّ : إن المشهور بين علماء الشيعة إن لم يكن إجماعاً أن عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية ، ولم ينكر وجودها معروف من الأساطين ، وكتبهم خير شاهد على ما نقول.

وعليه فما سيأتي بعد ذلك كله مبتنٍ على وهم فاحش وخطأ فادح ، وهو زعم الكاتب أن علماء الشيعة ينكرون وجود شخصية عبد الله بن سبأ ، مع أن ذلك غير صحيح كما قلنا.

* * *

قال الكاتب : وإليك البيان :

٣٩

١ ـ عن أبي جعفر رضي الله عنه (أن عبد الله بن سبأ كان يَدَّعِي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله ـ تعالى عن ذلك ـ فبلغ ذلك أمير المؤمنين رضي الله عنه ، فدعاه ، وسأله ، فَأَقَرَّ بذلك وقال : نعم ، أنت هو ، وقد كان قد ألقي في روعي أنت الله ، وأني نبي ، فقال أمير المؤمنين رضي الله عنه : ويلك قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا ثكِلتْكَ أمك وتُب ، فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيام ، فلم يتب فأحرقه بالنار وقال : (إن الشيطان استهواه ، فكان يأتيه ، ويُلقِي في روعه ذلك).

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند بمحمد بن عثمان العبدي وبسنان والد عبد الله بن سنان ، فإنهما لم يثبت توثيقهما في كتب الرجال.

وعليه ، فهذه الرواية ساقطة لا يصح الاحتجاج بها ولا التعويل عليها.

* * *

قال الكاتب : وعن أبي عبد الله أنه قال : (لعن الله عبد الله بن سبأ ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين رضي الله عنه ، وكان والله أمير المؤمنين رضي الله عنه عبداً لله طائعاً ، الويل لمن كذب علينا ، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم) (معرفة أخبار الرجال) للكشي ص ٧٥ ـ ٧١ ، وهناك روايات أخرى.

وأقول : هذه الرواية صحيحة السند ، وهي إحدى ثلاث روايات أثبتت أن عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية ، وأنه ادَّعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأحرقه أمير المؤمنين عليه‌السلام بالنار.

وليس عندنا من الأخبار والآثار المعتبرة المروية في كتب الفريقين ما يدل على أن عبد الله بن سبأ كان له أي دور في أحداث الفتنة التي تسارعت في زمن عثمان ، وأنه ألَب على عثمان وطاف في البلدان للتحريض عليه ، وأنه كان رجلاً أسود يهودياً قد أسلم في زمن عثمان ، فصار يقول بالرجعة وبأفضلية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

٤٠