لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

٣٦١
٣٦٢

ملخص تطور نظرية الخمس

قال الكاتب : القول الأول : بعد انقطاع سلسلة الإمامية [كذا] ، وغيبة الإمام المهدي هو أن الخمس من حق الإمام الغائب ، وليس للفقيه ، ولا للسيد ، ولا للمجتهد حق فيه ، ولهذا ادَّعَى أكثر من عشرين شخصاً النيابة عن الإمام الغائب ، من أجل أن يأخذوا الخمس فقالوا : نحن نلتقي الإمام الغائب ، ويمكننا إعطاؤه أخماس المكاسب التي ترد.

وكان هذا في زمن الغيبة الصغرى وبقي بعدها مدة قرن أو قرنين من الزمان ولم يكن الخمس يُعْطَى للمجتهد أو السيد ، وفي هذه الفترة ظهرت الكتب الأربعة المعروفة بالصحاح الأربعة الأُولى ، وكلها تنقل عن الأئمة إباحة الخمس للشيعة وإعفائهم منه.

ولم تكن هناك أية فتوى في إعطاء الأخماس للسادة والمجتهدين.

وأقول : إن كلام الكاتب فيه من التضارب والتهافت ما لا يخفى ، وذلك لأنه يدَّعي أن الأئمة عليهم‌السلام قد أباحوا الخمس للشيعة ، وفي نفس الوقت يصرِّح بأن الخمس هو من حق الإمام الغائب عليه‌السلام ، ولهذا ادَّعى النيابة عن الإمام عليه‌السلام أكثر من عشرين

٣٦٣

شخصاً بزعمه.

فكيف يكون الخمس مباحاً للشيعة وفي نفس الوقت يكون حقًّا للإمام الغائب عليه‌السلام؟! فإن القول بأن الخمس من حق الإمام المنتظر عليه‌السلام يستلزم الاعتراف بعدم إباحة الخمس كما هو الصحيح.

وإذا كان الخمس حقًّا للإمام المنتظر عليه‌السلام فحينئذ لا بدّ من دفعه إلى نوَّابه والقائمين مقامه في غيبته ، وهم الفقهاء المأمونون ، وإلا كان تكليف الشيعة بدفع الخمس تكليفاً بغير المقدور ، وذلك لأن دفعه للإمام عليه‌السلام متعذِّر ، ودفعه لنائبه غير جائز ، مع بقاء الواجب على وجوبه.

وأما زعمه بأن الذين ادَّعوا النيابة في الغيبة الصغرى أكثر من عشرين شخصاً فهو باطل جزماً ، وذلك لأن نوّاب الإمام عليه‌السلام كانوا أربعة معروفين ، ولم يدّعِ النيابة عن الإمام إلا أفراد قلائل يطلبون بذلك الزعامة والمكانة عند الشيعة.

فقد ذكر الشيخ الطوسي قدس‌سره في كتاب (الغَيْبة) أن الذين ادّعوا البابية هم : الشريعي ، ومحمد بن نصير النميري ، وأحمد بن هلال الكرخي ، ومحمد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، وأبي بكر البغدادي.

وهؤلاء ستة لا أكثر ، وكلهم ورد التوقيع من الإمام عليه‌السلام بلعنهم والبراءة منهم ، وقد صدر منهم الكفر البواح والانحراف عن مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ونصَّ الشيخ على أن الذي ادّعى الوكالة طمعاً في المال هو محمد بن علي بن بلال فقط ، وأما غيره فإنما ادّعوا الوكالة لطلب المكانة عند الشيعة لا لجمع الأموال (١).

وأما باقي كلامه فيَرِد عليه أنا أوضحنا فيما تقدَّم وجه الجمع بين الأخبار الدالة على وجوب الخمس ، وبين الأخبار التي ظاهرها إباحة الخمس للشيعة ، وقلنا : إنه يتعيَّن حمل الأخبار المبيحة على إباحة المناكح فقط ، أو هي مع المتاجر والمكاسب ،

__________________

(١) راجع كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي ، ص ٢٤٤ ـ ٢٥٦.

٣٦٤

بقرينة التعليل في تلكم الأحاديث ، وهي تطييب ولادة الشيعة ، فلا حاجة للإعادة.

ونحن قد أوضحنا فيما مرَّ أن السَّادة الكرام لهم نصف الخمس ، للآية المباركة وللأخبار الكثيرة الناصَّة على ذلك.

وأما دفع الخمس للمجتهدين والفقهاء فقد نقلنا الأقوال فيه ، فراجعها ، ومن ضمن من قال بوجوب دفع الخمس للمجتهد بعد الغيبة بيسير أبو الصلاح الحلبي والقاضي ابن البراج ، وهما من أعاظم علماء الإمامية ، ومن تلامذة الشيخ الطوسي رحمه‌الله كما مرَّ بيانه.

* * *

قال الكاتب : القول الثاني :

ثمّ تطور الأمر ، بعد أن كان الشيعة في حل من دفع الخمس في زمن الغيبة كما سبق بيانه ، تطور الأمر فقالوا بوجوب إخراج الخمس ، إذ أراد أصحاب الأغراض التخلص من القول الأول ، فقالوا يجب إخراج الخمس على أن يُدْفَنَ في الأرض حتى يخرج الإمام المهدي.

وأقول : لقد ذكرنا الروايات الدالة على وجوب دفع الخمس ، وأن الأئمة عليهم‌السلام نصبوا لهم وكلاء لقبضه من الناس كما مرَّ ، وهذا كله دال على أن وجوب الخمس كان معروفاً عند الشيعة في زمن الأئمة عليهم‌السلام ، لا كما ادّعى الكاتب من أن الشيعة كانوا في حل من دفعه في زمن الغيبة.

وأما القول بدفن الخمس فقد كان من ضمن الأقوال المعروفة زمن الشيخ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه‍ ـ) كما مرَّ نقله عن كتابه (المقنعة) ، أي بعد انتهاء الغيبة الصغرى بسنين قليلة ، ولا ريب أن هذه المسألة كانت في تلك السنين تعتبر مستحدثة ، لأن الابتلاء بها إنما حصل بعد غيبة الإمام الكبرى ، ولعلّ هناك من أفتى بها عقيب غيبة

٣٦٥

الإمام المنتظر عليه‌السلام مباشرة ، مع أن مفاد كلام الكاتب هو أن القول بفرض الخمس حصل بعد انتهاء الغيبة الصغرى بقرن أو قرنين ، ثمّ تطورت المسألة فجاءت الفتوى بدفنه ، فلا بد أن تكون الفتوى بالدفن جاءت بعد أكثر من قرن أو قرنين ، وهو كلام واضح البطلان كما مرَّ بيانه.

* * *

قال الكاتب : القول الثالث :

ثمّ تطور الأمر فقالوا : يجب أن يُودَعَ عند شخص أمين ، وأفضل من يقع عليه الاختيار لهذه الأمانة هم فقهاء المذهب ، مع التنبيه على أن هذا للاستحباب وليس على سبيل الحتم والإلزام ، ولا يجوز للفقيه أن يتصرف به ، بل يحتفظ به حتى يوصله إلى المهدي.

وأقول : لقد أوضحنا فيما تقدَّم أن القول بحفظ الخمس كان من ضمن الأقوال التي كانت معروفة في عصر الشيخ المفيد ، بل هو اختيار الشيخ المفيد نفسه كما نقله الكاتب نفسه عن المقنعة ، فأين هذا التطور المزعوم مع أن المسألة كانت مستحدثة في ذلك الوقت كما مرَّ؟!

* * *

قال الكاتب : وهنا ترد ملاحظة مهمة وهي : مَنْ من الفقهاء حفظ الأموال المودَعَة عنده ثمّ بعد موته قال ذووه عنها انها أموال مُودَعَة عنده يجب أن تودع عند مَن يأتي بعده؟

لا شك أن الجواب الصحيح هو : لا يوجد مثل هذا الشخص ، ولم نسمع أو نقرأ عن شخص كهذا ثبت أن أموال الناس ـ أعني الخمس ـ كانت مودعة عنده ثمّ

٣٦٦

انتقلت إلى من يأتي بعده.

والصواب : أن كل من أُودِعَتْ عندهم الأموال جاء ورثتهم فاقتسموا تلك الأموال بينهم على أنها مال موروث من آبائهم ، فذهب خمس الإمام إلى ورثة الفقيه الأمين ، هذا إذا كان الفقيه أميناً ، ولم يستخلص ذلك المال لنفسه!!

وأقول : ما قاله الكاتب هاهنا نردّه بأمور :

١ ـ أن تصرّف العلماء السابقين في الحقوق لم نطّلع عليه ولم نشهده ، والله سبحانه وتعالى لم يكلّفنا به ، فلا نستطيع أن نجزم فيه بأمر ، ولكنا نعلم علماً جزماً بأنهم قدّس الله أسرارهم ـ لتقواهم وورعهم ـ لم يفرِّطوا في تلك الأموال ، ولم يتهاونوا في حفظها.

وما قاله الكاتب ما هو إلا رجم بالغيب وتخرّص وظن لا يغنيان من الحق شيئاً ، وإلا فكيف علم بما صنعه السابقون وأن أبناءهم ورثوها بعد موتهم؟

٢ ـ أن أمثال هذه الأمور لا يباح بها ولا تُعلَن للناس وتُسجَّل في الكتب حتى يُعلم أنهم أوصوا بها لمن بعدهم من العلماء أو لا ، فكيف يتأتى لنا الاطلاع على ما صنعه الأقدمون والحال هذه؟

٣ ـ أن الأقوال في التصرف في الخمس كثيرة ، ولم يذهب كل العلماء إلى وجوب حفظه ، والوصية به إلى أمين يحفظه إذا ظهرت أمارات الموت ، بل إن جملة من العلماء كانوا يرون وجوب دفعه بكامله إلى الأصناف الثلاثة من السادة الكرام كما مرَّ ، وبعضهم كان يرى جواز صرفه على فقراء الشيعة كالشيخ المفيد في كتابه (المقنعة) ، حيث قال كما مرَّ : (وبعضهم يرى صلة الذرّية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب ، ولست أدفع قرب هذا القول من الصواب) (١).

فلعلّ من كان يرى وجوب دفعه للسّادة الكرام كان يدفع إليهم كل ما يصل

__________________

(١) كتاب المقنعة ، ص ٢٨٦.

٣٦٧

إليه ، حتى لو وصل إليه لحفظه وتسليمه لصاحب الزمان عليه‌السلام.

فإذا كان الحال هكذا فإنه لا يبقى من الحقوق الشرعية شيء إلا ودُفع للسّادة الكرام ، ولا سيما أن الحقوق الشرعية لم تكن أموالاً طائلة في العصور الماضية.

٤ ـ أن الحقوق الشرعية منذ زمن صاحب الجواهر المتوفى سنة ١٢٦٦ ه‍ ـ وربما قبله كانت كلها تُصرف لترويج الدين ، وما كانت تُكنَز وتُدَّخر حتى تبقى لورثة المرجع ، ولا سيما إذا علمنا أن الحقوق الشرعية كانت قليلة ، ومصارفها كثيرة ومتعدّدة ، فكيف يبقى منها شيء؟

٥ ـ لو كان الكاتب كما يزعم وثيق الصلة بمراجع التقليد المتأخرين لعلم كيف يُتصرَّف بالحقوق الشرعية بعد موت المرجع ، ولكنه بعيد عن هذا الجو ، فكيف يسمع بأمثال هذه الأمور؟

ولقد سمعت بأُذنَي وسمع غيري كذلك من المرجع الديني آية الله الميرزا علي الغروي قدَّس الله نفسه أن الحقوق الشرعية التي كانت عند السيد الخوئي قدس‌سره كلها تحوَّلت بعد موته إلى مرجع آخر ذكر لنا اسمه لا أحب التصريح به.

ولعلَّ من يتتبع أمثال هذه الحوادث يقف على الشيء الكثير منها ، مع أنها خارجة عن أصل تشريع الخمس وأصل وجوبه ، فإن أحكام الشرع تُعرف بالأدلة الصحيحة ، ولا يصح إبطالها بسوء التصرفات التي تصدر من الناس ، وحال الخمس من هذه الناحية حال الزكاة التي يعبث بها الآن سلاطين الجور وأعوانهم ويتصرفون بها كيفما شاءوا ، من دون أن يستلزم ذلك إبطال مشروعيتها أو التشنيع على من يرى وجوبها.

* * *

قال الكاتب : ومن الجدير بالذكر أن القاضي ابن بهراج أو براج طَوَّرَ هذا الأمر

٣٦٨

من الاستحباب إلى الوجوب فكان أول من قال بضرورة إيداع سهم الإمام عند مَن يُوثَقُ به من الفقهاء والمجتهدين حتى يسلمه إلى الإمام الغائب إن أدركه ، أو يوصي به إلى مَن يثق به ممن يأتي بعده ليسلمه للإمام ، وهذا منصوص عليه في كتاب المهذب ٨ / ١٨٠ وهذه خطوة مهمة جداً.

وأقول : لقد سبق ابنَ البراج إلى هذه الفتوى أبو الصلاح الحلبي كما مرَّ بيانه ، وأبو الصلاح كما مرَّ وُلد بعد انتهاء الغيبة الصغرى بحوالي خمس وأربعين سنة ، ولا ريب في أن هذه المسألة كانت مستحدثة في تلك الفترة كما قلنا فيما تقدّم ، فأين هذا التطور المزعوم في نظرية الخمس؟!

على أن مَن سبق ابن البراج كان يفتي بوجوب إيداع الخمس عند رجل مأمون يوصله إلى صاحب الزمان عليه‌السلام إذا أدرك ظهوره ، أو يوصي لمن يوصله إليه إن ظهرت عليه أمارات الموت ، من غير فرق بين أن يكون فقيهاً أو عامّيّا ، ولا ريب في أن الفقيه المأمون أفضل أفراد مَن يؤتمن على حق الإمام عليه‌السلام.

فهذه الفتوى في الحقيقة ليست مغايرة لما سبقها إلا في اختيار فرد من أفراد من يؤتمنون لإيصال الخمس إلى الإمام عليه‌السلام ، وكلمات من سبق أبا الصلاح شاملة لكل من يؤتمن من دون تعيين.

* * *

قال الكاتب : القول الرابع :

ثمّ جاء العلماء المتأخرون فطوروا المسألة شيئاً فشيئاً حتى كان التطور قبل الأخير فقالوا بوجوب إعطاء الخمس للفقهاء لكي يقسّموه بين مستحقيه من الأيتام والمساكين من أهل البيت ، والمرجح أن الفقيه ابن حمزة هو أول من مال إلى هذا القول في القرن السادس كما نص على ذلك في كتاب الوسيلة في نيل الفضيلة ص ٦٨٢

٣٦٩

واعتبر هذا أفضل من قيام صاحب الخمس بتوزيعه بنفسه وبخاصة إذا لم يكن يحسن القسمة.

وأقول : إن كلام ابن حمزة إنما هو في تقسيم سهم السّادة بين الأصناف الثلاثة ، وحيث إنه يرى لزوم التقسيم بالسوية بين الذكر والأنثى ، وبين الوالد والولد ، وبين الصغير والكبير ، ويراعى فيه العدالة والإيمان ... إلى غير ذلك ، فإن ذلك ربما يحتاج لرجل عارف لتقسيمه بينهم ، ولهذا أوجب على المكلف غير العارف دفعه إلى من يحسن قسمته من أهل العلم والفقه (١).

وهذا أجنبي عن المسألة التي نتكلم فيها ، وهي كيفية التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام في زمان الغيبة.

على أن هذه الفتوى ليست جديدة ، فإن الفقهاء السابقين لابن حمزة كالمفيد والشيخ الطوسي قدس‌سرهما وغيرهما يرون أن الإمام عليه‌السلام يقسِّم نصف الخمس على الأصناف الثلاثة من السّادة الكرام ، فما فضل فهو له ، وما نقص أتمّه من حقّه (٢).

وحيث إن الفقيه هو نائب للإمام عليه‌السلام وقائم مقامه فله أن يصنع مثل ذلك ، فيقسِّم نصف الخمس في أيتام السَّادة ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، فإن نقصهم شيء أتمه من سهم الإمام عليه‌السلام.

وأما رأي ابن حمزة في التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام فهو تقسيمه على فقراء الشيعة الصلحاء ، وهذا ما أوضحه بقوله : وينقسم ستة أقسام : سهم لله تعالى ، وسهم لرسوله صلوات الله عليه وآله ، وسهم لذي القربى ، فهذه الثلاثة للإمام ، وسهم لأيتامهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم ، وإذا لم يكن الإمام حاضراً فقد ذكر فيه أشياء ، والصحيح عندي أنه يُقسَّم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل

__________________

(١) راجع كتاب (الوسيلة إلى نيل الفضيلة) ، ص ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٢) راجع كتاب المقنعة ، ص ٢٧٨. والنهاية ، ص ١٩٩.

٣٧٠

الفقر والصلاح والسداد (١).

قلت : وهذا هو أحد الآراء التي ذكرها المفيد فيما مرَّ من أنه يقسَّم على السَّادة وفقراء الشيعة.

فأين هذا التطور الذي زعمه الكاتب في نظرية الخمس؟!

* * *

قال الكاتب : القول الخامس :

واستمر التطور شيئاً فشيئاً في الأزمنة المتأخرة ـ وقد يكون قبل قرن من الزمان ـ حتى جاءت الخطوة الأخيرة ، فقال بعض الفقهاء بجواز التصرف بسهم الإمام في بعض الوجوه التي يراها الفقيه مثل الإنفاق على طلبة العلم ، وإقامة دعائم الدين وغير ذلك كما أفتى به السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى ٩ / ٥٨٤.

وأقول : لقد أوضحنا أن المسألة لا نصَّ فيها ، فلهذا كانت مسرحاً للآراء ، فاختلف العلماء في كيفية التصرّف في سهم الإمام عليه‌السلام بعد ذهاب المشهور إلى وجوب دفع الخمس في زمن الغيبة.

واختلاف الآراء لا غضاضة فيه بعد أن يكون المهم هو الوصول إلى ما هو الصحيح في المسألة.

ونحن عند ما نستعرض الآراء في هذه المسألة قديماً وحديثاً نجد أن رأي المتأخرين هو الأقرب للصواب ، بل هو الصحيح ، وهو الموافق للاحتياط كما هو واضح لمن كان عنده أدنى ذوق فقهي.

والعجيب من الكاتب أنه نسب هذا القول إلى السيد محسن الحكيم قدَّس الله نفسه ، مع أنه قول مشهور منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً.

__________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة ، ص ١٤٨.

٣٧١

* * *

قال الكاتب : هذا مع قوله : عدم الحاجة في الرجوع إلى الفقيه في صرف حصة الإمام. وهذا يعني أن صرف حصة الفقيه ، هي قضية ظهرت في هذه الأزمان المتأخرة جداً.

وأقول : لا محذور في ظهور هذه الفتوى قبل قرن ونصف أو قرنين من الزمان بعد ما كانت موافقة للموازين الشرعية والأدلة الصحيحة.

وأما ذهاب السيّد الحكيم قدس‌سره في المستمسك إلى عدم الحاجة إلى استئذان صرف سهم الإمام فيما يُحرز فيه رضا الإمام عليه‌السلام فقد ذكر وجهه في محلّه ، فقال :

وكيف كان فلم يتضح ما يدل على تعيين صرف سهمه عليه‌السلام في جهة معينة ، فيشكل التصرف فيه ، إلا أن يُحرز رضاه عليه‌السلام بصرفه في بعض الجهات كما في زماننا هذا ، فإنه يُعلم فيه رضاه عليه‌السلام بصرفه في إقامة دعائم الدين ، ورفع أعلامه وترويج الشرع الأقدس ، ومئونة طلبة العلم الذين يترتب على وجودهم أثر مهم في نفع المؤمنين بالوعظ والنصيحة ، وبث الحلال والحرام.

إلى أن قال : ومن ذلك يظهر أن الأحوط إن لم يكن الأقوى إحراز رضاه عليه‌السلام في جواز التصرف ، فإذا أحرز رضاه عليه‌السلام بصرفه في جهة معينة جاز للمالك تولي ذلك ، بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي كما عن غرية المفيد ، وفي الحدائق الميل إليه لعدم الدليل على ذلك ، كما اعترف به في الجواهر أيضاً (١).

قلت : ولا يخفى أن عدم الحاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي إنما هي مع إحراز رضا الإمام عليه‌السلام بصرف سهمه المبارك في جهة خاصّة.

إلا أن الإحراز المذكور ربما لا يتيسَّر لأكثر العوام في هذا العصر ، ولا سيما مع قلة الحقوق الشرعية وكثرة مصالح الدين المختلفة التي تستلزم أموالاً طائلة ، فتتزاحم

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٩ / ٥٨٢.

٣٧٢

تلك المصالح ، فلا يلتفت العامي إلى ما هو الراجح فيها ، فنرجع بالنتيجة إلى لزوم دفع الحق المبارك إلى الفقيه الذي هو أعرف بمصارفه التي يحرز بها رضا الإمام عليه‌السلام.

* * *

قال الكاتب : فهم ينظرون إلى واقعهم فيرون مدارسهم ومطابعهم وما تحتاجه من نفقات.

وكذلك ينظرون في حاجاتهم الشخصية ، فكيف يمكنهم معالجة هذا كله وتسديد هذه الحاجات؟ علماً أن هذا يتطلب مبالغ طائلة.

فكانت نظرتهم إلى الخمس كأفضل مورد يسد حاجاتهم كلها ، ويحقق لهم منافع شخصية وثروات ضخمة جداً ، كما نلاحظه اليوم عند الفقهاء والمجتهدين.

وأقول : إن الدليل كما رأينا ليس هو ما زعمه الكاتب من المصالح الشخصية والحاجات الفردية ، وإنما هو ما يُحرَز به رضا الإمام عليه‌السلام ، ولا ريب في إحراز رضا الإمام في إنفاق سهمه المبارك في ترويج الدين ودعم الحوزات العلمية ، وعلى طلبة العلم الذين صرفوا أعمارهم الشريفة في سبيل ترويج أحكام الدين والذب عن شريعة سيّد المرسلين.

ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي يزعم أن العلماء ينظرون إلى مدارسهم ومطابعهم وما تحتاجه من نفقات ، فيعمدون إلى الخمس لسد هذه النفقات ، مع أنّا لم نسمع بعالم في العراق كانت عنده مطبعة ، مضافاً إلى أن نفقات المطابع تسد من بعض دخلها.

ولقد رأينا بعض مراجع التقليد الذين ينفقون الأموال الطائلة في تشييد الدين لا يملكون إلا ما يقيتهم.

وقد حدثني آية الله الشيخ محي الدين المامقاني دام ظله أنه دخل ذات يوم على

٣٧٣

مرجع الشيعة في عصره السيد محسن الحكيم قدس‌سره فرآه مغتماً ، فسأله عن سبب همِّه فقال : منذ ثلاثة أيام والعيال ليس عندهم ما يأكلونه. قال : فقلت له : لِمَ لا تُنفق عليهم من سهم السادة ، فهم سادة وفقراء؟ فقال : لا أحب أن أنفق شيئاً من الحقوق الشرعية على نفسي ولا على عيالي.

قال : ثمّ دخل علينا رجل من مقلِّدي السيد ، فقدَّم للسيد عشرة آلاف دينار ، وقال له : أرجو أن تقبل مني هذه الهدية الخالصة من كل حق. فقبلها منه السيد ، ودعا له.

وهذا أنموذج واحد من نماذج كثيرة لا داعي لاستقصائها.

وإني لأعجب من هذا الكاتب وأمثاله من الذين لا يرون غضاضة في صرف الحكومات الجائرة لأموال المسلمين الطائلة على الجامعات والكليات التي لا نفع فيها كالكليات المختلطة للموسيقى والفنون والرقص والرسم والرياضة البدنية وغيرها ، ويرون حرمة صرف أموال صاحب الزمان عليه‌السلام المباركة على من يروِّجون أحكام الدين وشرائعه ، فما لهم كيف يحكمون؟!

* * *

قال الكاتب : إن القضية مرت في أدوار وتطورات كثيرة حتى استقرت أخيراً على وجوب إعطاء أخماس المكاسب للفقهاء والمجتهدين ، وبذلك يتبين لنا أن الخمس لم ينص عليه كتاب ولا سنة ولا قول إمام ، بل هو قول ظهر في الزمن المتأخر ، قاله بعض المجتهدين وهو مخالف للكتاب والسنة وأئمة أهل البيت ولأقوال وفتاوى الفقهاء والمجتهدين المعتد بهم.

وأقول : بل ظهر للقارئ الكريم أن وجوب دفع الخمس في عصر الحضور والغيبة هو رأي كافة الفقهاء المعروفين كالشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ

٣٧٤

الطوسي ، والمحقق والعلّامة الحلّيين ، وابن إدريس ، وابن حمزة ، وأبي الصلاح وابن زهرة الحلبيين ، والقاضي ابن البراج ، والشهيدين ، وصاحب الجواهر ، والشيخ مرتضى الأنصاري ، وكافة المحققين وغيرهم من العلماء قديماً وحديثاً كما مرَّ بيانه.

وقد نُسب القول بتحليل الخمس لثلاثة أو خمسة من العلماء لم تثبت صحة النسبة إلى بعضهم كما مرَّ ، وأما من نسب الكاتب هذا القول إليهم فقد عرفت أقوالهم مفصلاً ، وأن ما قاله الكاتب كله كذب فاضح وافتراء واضح.

كما ظهر للقارئ العزيز أن القول بوجوب الخمس في عصور الأئمة عليهم‌السلام وما بعدها هو الموافق للكتاب العزيز ، وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وسيرتهم في نصب الوكلاء وقبض الحقوق الشرعية في كل أزمانهم.

وأما أحاديث التحليل فهي محمولة على إباحة المناكح فقط أو هي والمتاجر والمساكن كما مرَّ بيانه مفصلاً ، جمعاً بين الأخبار ، وعملاً بالسيرة القطعية في زمن الأئمة عليهم‌السلام.

وأما ما زعمه الكاتب من أن الخمس مرَّ في أدوار وتطورات فهو غير صحيح ، وما ذكره كله راجع إلى مسألة التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام في عصر الغيبة لا إلى أصل وجوب الخمس ، وقد أوضحنا أن الاختلاف في هذه المسألة نشأ من عدم وجود نصّ صريح فيها ، وأن أصح الأقوال فيها هو ما ذهب إليه المتأخرون من وجوب التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام فيما يُحرَز به رضا الإمام عليه‌السلام ، وقد مرَّ بيان ذلك مفصَّلاً ، فلا حاجة لإعادته.

* * *

قال الكاتب : وإني أهيب بإخواني وأبنائي الشيعة أن يمتنعوا عن دفع أخماس مكاسبهم وأرباحهم إلى السادة المجتهدين ، لأنها حلال لهم هم وليس للسيد أو الفقيه

٣٧٥

أي حق فيها ، ومن أعطى الخمس إلى المجتهد أو الفقيه فإنه يكون قد ارتكب اثماً لمخالفته لأقوال الأئمة ، إذ أن الخمس ساقط عن الشيعة حتى يظهر القائم.

وأقول : هل يتصوّر الكاتب النبيه أن الشيعة سينقادون إليه زرافاتٍ ووحداناً بكلمة (أهيبُ) ، وسيتركون أقوال وفتاوى أساطين الطائفة منذ عصر الغيبة وإلى يومنا هذا؟! ولا سيما مع وضوح هويّة الكاتب السُّنّية ، وأنه بعيد عن الاجتهاد والفقاهة التي جهل أبسط مبادئها ، وهي معرفة الصحيح من الضعيف من الأحاديث ، ومعرفة وجه الجمع بين الأخبار المتعارضة.

وأما زعمه أن الأخماس حلال للشيعة فقد أوضحنا بطلانه مفصَّلاً فيما تقدّم ، فلا حاجة لتكراره.

وأما زعمه أن من يدفع الخمس يكون آثماً ، لأنه يخالف بذلك أقوال الأئمة عليهم‌السلام ، فهو أوضح بطلاناً من سابقه ، وذلك لأن الخمس كما مرَّ واجب في عصر الغيبة ، فمن أخرجه فقد امتثل أمر الله سبحانه بإخراجه ، وأبرأ ذمّته مما تعلق بها من الحق الشرعي ، وأحيى فرضاً جحده الناس ، ووصل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذرّيته ، وأعان على إقامة دعائم الدين ، وترويج شريعة سيّد المرسلين.

ولو سلّمنا جدلاً بأن الأئمة عليهم‌السلام قد أباحوا الخمس للشيعة ، فأقصى ما هناك أن من أخرجه لا يثاب عليه بعنوان الخمس ، ولكنه يثاب عليه بعنوان الصدقة على الفقراء والمساكين من الذرية الطاهرة ، أو الإنفاق في سبيل الله ، وحسبك بهذا منفعة عظيمة وفائدة جليلة.

* * *

قال الكاتب : وأرى من الضروري أن أذكر قول آية الله العُظْمَى الإمام الخميني في المسألة ، فإنه كان قد تحدث عنها في محاضرات ألقاها على مسامعنا جميعاً في الحوزة

٣٧٦

عام ١٣٨٩ ه‍ ـ ثمّ جمعها في كتاب الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه.

فكان مما قال : يقصر النظر لو قلنا إن تشريع الخمس جاء لتأمين معايش ذرية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فحسب. إنه يكفيهم ويزيدهم جزء ضئيل من آلاف ـ كذا قال ـ جزء من هذه المالية الضخمة بل تكفيهم أخماس سوق واحد كسوق بغداد مثلاً من تلك الأسواق التجارية الضخمة كسوق طهران ودمشق وإسلام بول وما أشبه ذلك ، فما ذا يصبح حال بقية المال؟

ثمّ يقول : إنني أرى الحكم الإسلامي العادل ، لا يتطلب تكاليف باهظة في شئون تافهة أو في غير المصالح العامة.

ثمّ يقول : لم تكن ضريبة الخمس جباية لتأمين حاجة السادة آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فحسب ، أو الزكاة تفريقاً على الفقراء والمساكين ، وإنما تزيد على حاجاتهم بأضعاف. فهل بعد ذلك يترك الإسلام جباية الخمس والزكاة وما أشبه نظراً إلى تأمين حاجة السادة والفقراء ، أو يكون مصير الزائد طعمة في البحار أو دفناً في التراب ، أو نحو ذلك؟

كان عدد السادة ممن يجوز لهم الارتزاق بالخمس يومذاك ـ يعني في صدر الإسلام ـ لم يتجاوز المائة ، ولو فرضنا عددهم نصف مليون ، ليس من المعقول أن نتصور اهتمام الإسلام بفرض الخمس هذه المالية الضخمة ، التي تتضخم وتزداد في تضخمها كلما تَوَسَّعَتْ التجارات والصناعات كما هي اليوم ، كل ذلك لغاية إشباع آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

كلا. انظر كتابه المذكور ١ / ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٤٢ طبعة مطبعة الآداب في النجف.

وأقول : كل ما نقله عن السيِّد الخميني قدس‌سره دال على أن الله لم يشرّع الخمس كله للسادة فقط ، بل جزء منه للسّادة ، والباقي لمصالح الدين والأمة ، وذلك لأن ما زاد على حاجة السّادة يكون للإمام عليه‌السلام كما مرَّ عن غير واحد من الأعلام.

٣٧٧

وهذا هو عين ما قلناه فيما مرَّ من البحوث ، ولا إشكال فيه.

* * *

قال الكاتب : إن الإمام الخميني يصرح بأن أموال الخمس ضخمة جداً ، هذا في ذلك الوقت لما كان الإمام يحاضر في الحوزة ، فكم هي ضخمة إذن في يومنا هذا؟ ويصرح الإمام أيضاً أن جزءاً واحداً من آلاف الأجزاء من هذه المالية الضخمة يكفي أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما ذا يفعل بالأجزاء الكثيرة المتبقية؟؟ لا بد أن توزع على الفقهاء والمجتهدين حسب مفهوم قول الإمام الخميني.

وأقول : بل لا بد من صرفها فيما يُحرَز به رضا الإمام عليه‌السلام ، أي في ترويج الدين وإقامة دعائمه كما مرَّ مفصَّلاً.

* * *

قال الكاتب : ولهذا فإن الإمام الخميني كان ذا ثروة ضخمة جداً في إقامته في العراق حتى أنه لما أراد السفر إلى فرنسا للإقامة فيها فإنه حول رصيده ذاك من الدينار العراقي إلى الدولار الأميركي وأودعه في مصارف باريس بفوائد مصرفية ضخمة.

وأقول : نحن لا نعلم أن السيِّد الخميني قدس‌سره كانت عنده ثروة ضخمة ، ومن المعروف أن والد السيد ـ الذي لم يكن من أهل العلم ـ كان ثريًّا جداً ، فإن كان عند السيد ثروة ضخمة كما زعم الكاتب فهي من أمواله الخاصة التي ورثها من أبيه ، ولم تكن من الحقوق الشرعية أصلاً.

* * *

قال الكاتب : إن فساد الإنسان يأتي من طريقين : الجنس والمال ، وكلاهما متوافر

٣٧٨

للسادة. فالفُروج والأدبار عن طريق المتعة وغيرها ، والمال عن طريق الخمس وما يُلقى في العَتبات والمشاهد ، فمن منهم يصمد أمام هذه المغريات ، وبخاصة إذا علمنا أن بعضهم ما سلك هذا الطريق إلا من أجل إشباع رغباته في الجنس والمال؟؟!!

وأقول : لو درس الكاتب في الحوزة العلمية ـ كما يزعم ـ وخالط العلماء لعلم أنهم أزهد الناس في هذه الأمور ، وزهدهم وتقواهم أشهر من أن يُذكر ، ولو كانوا كما زعم الكاتب منغمسين في الجنس ومتكالبين على جمع الأموال لاشتهر ذلك عنهم وشاع ، لأن أمثال هذه الأمور لا يمكن أن تخفى مع كثرة العلماء وتفرّقهم في البلدان.

ولو سلَّمنا أن العلماء كانوا يتمتعون بالنساء فهذا لا يُعيبهم بعد ما ثبت أن المتعة كانت مستحبَّة في الإسلام وفعلها أجلاء الصحابة.

وفساد المرء لا يحصل بفعل المستحبات والمباحات الشرعية ، وإنما يتحقق باتباع الهوى المُردي الذي يوقع المرء في المحارم والموبقات كما هو واضح.

ولا ريب في أن جملة من صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثرت أموالهم وزاد ثراؤهم ، فامتلكوا الذهب والفضة والجواري والإماء (١) ، فهل أصيبوا بالفساد والانحراف من جراء ذلك؟

__________________

(١) ذكر البخاري في صحيحه ٢ / ٩٦٣ أن جميع مال الزبير خمسون مليون ومائتا ألف (لا يعلم هل هو دينار أو درهم). وأما طلحة فروى الحاكم في المستدرك ٣ / ٣٦٩ أنه لما مات كان في يد خازنه مليون ومائتا ألف درهم ، وقُوِّمت أصوله بثلاثين مليون درهم. وروى النسائي في السنن الكبرى ٥ / ٣٥٩ ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ٢ / ٥٦٥ عن عائشة أن أموال أبي بكر في الجاهلية كانت ألف ألف أوقية. وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٧٦ أن عثمان كان عنده يوم قتل ثلاثون مليون درهم ، وخمسمائة وخمسون ألف دينار ، وألف بعير بالربذة ، وصدقات قيمتها مائتا ألف دينار. وذكر ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٧١ أن عبد الرحمن بن عوف ترك من الذهب ما كان يكسر بالفئوس ، وترك ألف بعير ومائة فرس ، وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع ، وصولحت واحدة من نسائه الأربع من ربع الثمن بثمانين ألفاً ... إلى غير ذلك مما يطول ذكره ، وللمزيد راجع كتاب الغدير للأميني ٨ / ٢٨٢ ـ ٢٨٦.

٣٧٩

* * *

قال الكاتب : تنبيه : لقد بدأ التنافس بين السادة والمجتهدين للحصول على الخمس ، ولهذا بدأ كل منهم بتخفيض نسبة الخمس المأخوذة من الناس حتى يتوافد الناس إليه أكثر من غيره فابتكروا أساليب شيطانية ، فقد جاء رجل إلى السيد السيستاني فقال له : إن الحقوق ـ الخُمس ـ المترتبة عَلَيّ خمسة ملايين ، وأنا أريد أن أدفع نصف هذا المبلغ أي أريد أن أدفع مليونين ونصف فقط ، فقال له السيد السيستاني : هات المليونين والنصف ، فدفعها إليه الرجل ، فأخذها منه السيستاني ، ثمّ قال له : قد وهبتها لك ـ أي أرجع المبلغ إلى الرجل ـ فأخذ الرجل المبلغ ، ثمّ قال له السيستاني : ادفع المبلغ لي مرة ثانية ، فدفعه الرجل إِليه ، فقال له السيستاني : صار الآن مجموع ما دفعته إليَّ من الخمس خمسة ملايين ، فقد برئت ذمتك من الحقوق. فلما رأى السادة الآخرون ذلك ، قاموا هم أيضاً بتخفيض نسبة الخمس واستخدموا الطريقة ذاتها بل ابتكروا طُرُقاً أُخرى حتى يتحول الناس إليهم ، وصارت منافسة (شريفة!) بين السادة للحصول على الخمس ، وصارت نسبة الخمس أشبه بالمناقصة ، وكثير من الأغنياء قام بدفع الخمس لمن يأخذ نسبة أقل.

وأقول : أي تنافس في هذه المسألة والحال أن كل مكلَّف يدفع الحقوق الشرعية للمرجع الذي يرجع إليه في التقليد؟!

ولهذا لا تجد شيعياً يدفع خمساً لمرجع آخر لا يقلّده بغض النظر عن كونه يأخذ أقل أو أكثر.

وأما القصة التي نقلها عن السيد السيستاني فهي كسائر رواياته التي لا يعوَّل عليها لعدم وثاقة ناقلها.

ولو سلمنا بوقوعها فإن مثل هذه الأمور قد تحدث أحياناً عند ما لا يكون المكلف قادراً على دفع ما اشتغلت به ذمّته ، فإن المرجع يتسلَّم منه مقداراً من الخمس ،

٣٨٠