لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

وأقول : بعد إطباق الشيعة بل كل المسلمين على حرمة اللواط كيف لا يكون فعل اللواط ممن ينتسب للعلم وأهله عجيباً وغريباً؟!

ثمّ ما هي هذه المنظومات التي قرأها الكاتب وتنصّ على جواز نكاح الغلام الأمرد؟ ومن كاتبها؟ وعمّن ينقل هذه الفتوى؟

والظاهر أن الكاتب نسي ما كتبه سابقاً في هذه المسألة ، فإنه زعم أن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قال له : (لم أقف عليها ـ أي على الرواية ـ فيما قرأت). وقال هو نفسه : (ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أجد مصدر تلك الرواية في كل ما قرأت وكلما وقع بيدي من كتب الأخبار فلم أعثر على مصدر لها).

وهو لم يذكر في هذا الموضع أو ذاك مصدراً واحداً لهذه الرواية المكذوبة ، مع أنا نقلناها منسوبة إلى أبي حنيفة كما مرَّ ، فراجع.

* * *

قال الكاتب : لقد رأينا الكثير من هذه الحوادث ، وما سمعناه أكثر بكثير حتى أن صديقنا المفضال السيد عباس جمع حوادث كثيرة جداً ، وَدوَّنَها بتفاصيلها وتواريخها وأسماء أصحابها ، وهو ينوي إصدارها في كتاب أراد أن يسميه (فضائح الحوزة العلمية في النجف) ، لأن الواجب كشف الحقائق للعوام من الشيعة أولئك المساكين الذين لا يعلمون ما يجري وراء الكواليس ، ولا يعلمون ما يفعله السادة ، فيرسل أحدهم امرأته أو بنته أو أخته لغرض الزيارة ، أو لطلب الولد ، أو لتقديم (مراد للحسين) فيستلمها السادة وخاصة إذا كانت جميلة ليفجروا بها ويفعلوا بها كل منكر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأقول : لا ندري كيف تسنَّى للكاتب وهو من العلماء القدامى بزعمه الذين نالوا درجة الاجتهاد (بتفوق) أن يرى الكثير من حوادث اللواط؟

٣٠١

هل كان أحد أطراف تلك الحوادث؟

أو كان يُدعى في كل جلسة للشهادة؟

أو أن التوفيق كان يحالفه في الاطلاع على هذه الحوادث؟

أو أن طلبة العلم يلوطون ويُلاط بهم في الطرقات والأزقة بحيث تسنَّى للكاتب أن يطلع عليها كغيره من الناس؟

هذه أسئلة تحتاج من الكاتب إلى جواب مقنع!!

ثمّ إن (صديقه المفضال السيد عباس) كيف تأتّى له أيضاً معرفة هذه الحوادث والوقوف عليها حتى استطاع أن يجمع كتاباً في حوادث اللواط التي رآها بنفسه ، وسجَّلها بتواريخها وأسماء أصحابها؟

ولا أدري هل يعتقد مدَّعي الاجتهاد والفقاهة وذلك السيد المفضال أنه يجوز لهما أن يكتبا كتاباً مشتملاً على أمثال هذه القضايا التشهيرية بالأسماء والتواريخ على فرض صحَّتها ووقوعها؟

وعلى كل حال فالذي نعتقده أن ذِمَم القوم واسعة ، وأنهم يمكنهم أن يلفِّقوا قضايا مكذوبة ويلصقوها بالأبرياء من الشيعة ، فإن هذا هو ديدنهم ، وهذه هي طريقتهم التي تلقوها من أسلافهم.

فهنيئاً لهم بمذاهبهم التي لا تنهض إلا بقذف الأبرياء ، ولا يمكن تشييدها إلا باختلاق الحوادث وافتراء الأكاذيب التي عجزوا عن إثباتها بدليل صحيح ، فصارت عاراً عليهم في الدنيا ، وخزياً لهم في الآخرة.

ثمّ هل من يرسل ابنته أو زوجته أو أخته لغرض الزيارة يسلّمها إلى السادة ليعبثوا بها؟ هل يتصور هذا الكاتب أن أعراض الناس يسهل تناولها بكل هذه البساطة؟ وهل يظن أن النساء دُمى يُتَصرَّف فيهن وهن لا يدفعن يد لامس؟

وعلى كل حال ، فأمثال هذا الكلام غير مستغرب ممن تجمدت عقولهم مئات

٣٠٢

السنين ، وعاشوا على فتات أكاذيب ابن تيمية وأضرابه ممن يستحلون اتهام الشيعة بما شاءوا ، لا يردعهم رادع ، ولا يمنعهم مانع ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

* * *

إن مذهباً يعتمد على الأكاذيب والافتراءات في الأعراض

لحرب خصمه لا يمكن أن يكون حقاً وليس حَرِياً بالاتباع

٣٠٣

الخمس

قال الكاتب : إن الخمس استُغِلَّ هو الآخر استغلالاً بَشعاً من قبَلِ الفقهاء والمجتهدين ، وصار مورداً يُدرُّ على السادة والمجتهدين أموالاً طَائلة جداً ، مع أن نصوص الشرع تدل على أن عَوام الشيعة في حِل من دَفع الخمس ، بل هو مباح لهم لا يجب عليهم إخراجه ، وإنما يتصرفون فيه كما يتصَرفون في سائر أموالهم ومكاسبهم ، بل إن الذي يدفع الخمس للسادة والمجتهدين يعتبر آثماً لأنه خالف النصوص التي وردت عن أمير المؤمنين ، وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم.

وأقول : لقد بدا واضحاً لأهل السنة أن الخمس له دور بارز في قوة الشيعة واستقلالهم واستقلال علمائهم عن أن يكونوا تابعين لسلاطين الجور كما هو حال علماء أهل السنة منذ عصر الخلفاء الأوائل إلى هذا اليوم.

ولهذا حرص من كتب في نقد عقائد الشيعة على محاولة إبطال مشروعية الخمس ، وتحريض الشيعة على الكف عن دفع الخمس إلى العلماء ، لمحاولة جر البساط من تحت أقدام علماء الشيعة الذين كانوا وما يزالون يكتسبون القوة المالية من جهة الخمس.

٣٠٤

وما محاولات الكاتب اليائسة إلا واحدة من محاولات عديدة باءت بالفشل الذريع ، وانتهت بالخيبة والخسران بحمد الله ونعمته.

وسيلاحظ القارئ العزيز أن الكاتب قد فشلت كل مساعيه مع أنه رمى كل سهم في كنانته ، وقذف كل حجر في جُعْبته ، فصار يخبط خبط عشواء ، ويتخبط في الظلمات على غير هدى.

وسيتضح من خلال ردِّنا على مزاعمه الفاسدة أن الخمس يجب دفعه على سائر المكلفين من أرباح المكاسب وأرباح التجارات وغيرها مما هو مذكور في محلِّه.

* * *

قال الكاتب : وحتى يقف القارئ اللبيب على حقيقة هذا الخمس وكيفية التصرف فيه سنستعرض موضوع الخمس ، وتطوره تاريخياً وندعم بذلك نصوص الشرع ، وأقوال الأئمة وفتاوى المجتهدين الذين يُعْتَدُّ بهم ، وَيُعَوَّلُ على كلامهم :

١ ـ عن ضريس الكناني (١) قال أبو عبد الله رضي الله عنه : من أين دخل على الناس الزنا؟ قلت : لا أدري جُعلْتُ فداك ، قال من قبَلِ خُمْسنا أهل البيت إلا شيعتنا الطيبين فإنه مُحَلَّلٌ لهَم لميلادهم. أصول الكَافي ٢ / ٥٠٢ شرح الشيخ مصطفى.

وأقول : قال المازندراني رحمه‌الله في شرح الحديث :

قوله : (قال من قبل خمسنا) لا يجوز لغير الشيعة أن يطأ الأمة التي سباها المقاتل بغير إذن الإمام ، ولا أن يشتريها ، ولا أن يجعل مهور النساء من منافع أنواع الاكتساب ، لدخول حق الإمام في جميع ذلك ، بل بعضها بالتمام حقّه ، فلو فعل كان غاصباً وزانياً ، وجرى في الولد حكم ولد الزنا عند الله تعالى ، وجاز جميع ذلك للشيعة قبل إخراج حقه وحق مشاركيه من الهاشميين بإذنه ، ليطيب فعلهم ، وتزكو

__________________

(١) بل هو (الكناسي) لا الكناني.

٣٠٥

ولادتهم (١).

وقال صاحب الجواهر قدس‌سره :

في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح ، هل هو الأنفال ، أو الخمس ، أو الأعم ، بل وفي أنه المناكح خاصة ، أو هي والمتاجر والمساكن؟ (٢)

ثمّ ذكر أقوال جملة من العلماء الماضين قدَّس الله أسرارهم ، ثمّ قال : وفي السرائر بعد أن ذكر الأنفال وأنها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ للقائم مقامه ، قال : (فأما في حال الغيبة وزمانها واستتاره عليه‌السلام من أعدائه خوفاً على نفسه ، فقد رخَّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بدَّ لهم منه من المناكح والمتاجر ، والمراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم عليهم‌السلام ويتَّجر في ذلك ، فلا يتوهَّم متوهِّم أنه إذا ربح في ذلك المتجر شيئاً لا يخرج منه الخمس ، فليُحصَّل ما قلناه فربما اشتبه. والمساكن ، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال) إلى آخره. وتبعهم في هذا التعبير وهذا الإجمال جماعة من المتأخرين بل جميعهم (٣).

قلت : المناكح إما أن تحصل بملك اليمين أو بالتزويج ، وملك اليمين إما أن يحصل بالسبي أو بالشراء ، فإن حصل بالسبي بغير إذن الإمام عليه‌السلام ، فالجواري ملك طِلْق للإمام عليه‌السلام ، والإمام لا يبيح لغير الشيعة وطأهنَّ ، فمن وطأهن من غيرهم فإن وطأه لهن سفاح.

وإن حصل ملك اليمين بالشراء ، فلا ريب في أن خمس المال الذي دُفع ثمناً للجارية هو للإمام عليه‌السلام ، لأنه من أرباح المكاسب ، وهذا يستلزم أن تكون الجارية مشتركة بين الإمام عليه‌السلام وبين المشتري ، وحيث إنه لا يجوز لأحد الشريكين أن يطأ

__________________

(١) شرح أصول الكافي ٧ / ٤١١.

(٢) جواهر الكلام ١٦ / ١٤٥.

(٣) جواهر الكلام ١٦ / ١٤٧.

٣٠٦

الجارية المشتركة إلا بإذن الآخر ، فإن الإمام عليه‌السلام لم يأذن لغير شيعته بذلك ، فمن وطأها من غير الشيعة فإن وطأه أيضاً سفاح.

وأما إن حصلت المناكح بالتزويج فإن الأموال التي تُدفع منها المهور قد تعلق بها الخمس لا محالة ، لأنها من أرباح المكاسب أيضاً ، فتكون مشتركة بين الإمام وبين أصحابها ، والإمام عليه‌السلام لا يجيز التصرف فيها لغير شيعته ، فتكون المهور المأخوذة منها مغصوبة.

والظاهر أن المراد بالزنا في الحديث هو الزنا المجازي الوارد في بعض الأحاديث الدالة على أن لكل عضو حظاً من الزنا ، فالعين زناها النظر ، والأذن زناها السمع ، واللسان زناه الكلام ... وهكذا (١).

وإلا فلا ريب في أن كل أولئك لا يمكن أن يكونوا زناة حقيقة ، وذلك لأن نكاحهم إن كان باطلاً فوطؤهم وطء شبهة كما لا يخفى.

ويرشد إلى ما قلناه وصف الشيعة في الحديث بأنهم الأطيبون ، فإن فيه إشعاراً بأن غيرهم طيِّب ، ولكن الشيعة أطيب.

والحاصل أن الذي يقتضيه الجمع بين أحاديث الإباحة وأحاديث التغليظ في

__________________

(١) أخرج مسلم في صحيحه ٤ / ٢٠٤٦ ، ٢٠٤٧ بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا ، مُدْرِكٌ ذلك لا محالة ، فالعينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخُطَا ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويُصدِّق ذلك الفرجُ ويُكذِّبه. وروي بألفاظ متقاربة في مصادر كثيرة ، فراجع : صحيح البخاري ٤ / ١٩٦٤ ، ٢٠٦٨. المستدرك ١ / ٥٥ ، ٢ / ٤٧٠ وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري ومسلم ، ووافقه الذهبي. سنن أبي داود ٢ / ٢٤٦ ، ٢٤٧. صحيح ابن حبان ١٠ / ٢٦٧ ـ ٢٧٠. مسند أحمد ٢ / ٢٧٦ ، ٣١٧ ، ٣٤٤ ، ٣٤٩ ، ٣٧٢ ، ٣٧٩ ، ٤١١ ، ٤٣١ ، ٥٢٨ ، ٥٣٥ ، ٥٣٦. السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٨٩. السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٤٧٣. مجمع الزوائد ٦ / ٢٥٦. شعب الإيمان ٤ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦. الترغيب والترهيب ٣ / ٨ ـ ٩. شرح السنة للبغوي ١ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

٣٠٧

لزوم دفع الخمس هو أن المراد بإباحتها للشيعة إباحة التصرف لهم فيها ثمّ إخراج خمسها ، لا إسقاط الخمس الواجب عليهم فيها.

* * *

قال الكاتب : ٢ ـ عن حكيم مؤذن بن عيسى قال : سألتُ أبا عبد الله عن قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (الأنفال / ٤١) فثنى أبو عبد الله رضي الله عنه بمرفقيه على ركبتيه ثمّ أشار بيده فقال : (هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حِلٍّ ليزكوا). الكافي ٢ / ٤٩٩.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان ، وهو ضعيف ، وقد مرَّ بيان ضعفه.

ومن جملة رواة الحديث حكيم مؤذن بن عيسى كما في الكافي ، أو حكيم مؤذن بني عبس كما في التهذيب والاستبصار ، وهو مجهول الحال ، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وعليه فالرواية لا يعوَّل عليها ولا يؤخذ بها.

ومع الإغماض عن ضعف سندها فهي كسابقتها دالة على أن الإمام الباقر سلام الله عليه قد أباح لشيعته أن يتصرفوا في أموالهم التي تعلق بها الحق الشرعي في مناكحهم قبل إخراج الخمس منها ، ويكون تصرفهم حينئذ جائزاً لهم.

قال المازندراني في شرح الحديث :

قوله : (هي والله الإفادة) دلَّ على أن الغنيمة تطلق على ما يستفاد بالاكتساب ، وهي بهذا المعنى أعم منها بالمعنى المصطلح ، وهو ما حازه المسلمون من أموال أهل الحرب إذا حواها العسكر ، والمقصود أن ما استفيد بالاكتساب على أنواعه من التجارة والزراعة والصناعة وغيرها داخل الغنيمة ، ويجب فيه الخمس.

إلى أن قال : وفي قوله عليه‌السلام : (إلّا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا) دلالة

٣٠٨

واضحة على أنه يجوز للشيعي أن يجعل منافع الاكتساب مهراً للزوجة وثمناً للجارية قبل إخراج الخمس مطلقاً كما هو المشهور بين الأصحاب ، والمخالف نادر (١).

* * *

قال الكاتب : ٣ ـ عن عمر بن يزيد قال : رأيت مسلماً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله تلك السنة مالاً ، فَرَدَّهُ أبو عبد الله .. إلى أن قال : يا أبا سيار قد طيبناه لك ، وأحللناك منه ، فضُمَّ إليك مالك ، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا. أصول الكافي ٢ / ٢٦٨.

وأقول : قال المازندراني في شرح الحديث :

قوله (يا أبا سيار قد طيَّبناه لك) دلَّ على أن الإمام لا يجب عليه قبول الخمس ، وله الإبراء ، كما كان ذلك لكل ذي حق.

إلى أن قال : قوله : (وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلَّلون حتى يقوم قائمنا عليه‌السلام) أشار هنا بعد ما ذكر أن الأرض كلها لهم إلى أن شيعتهم في حِلٍّ من التصرف فيها وفي حاصلها ومن خراجها ، حتى يظهر القائم عليه‌السلام ، فيأخذ منهم خراجها ويتركها في أيديهم (٢).

قلت : وبعبارة أوضح : إن الإمام الصادق عليه‌السلام قد أبرأ أبا سيار من حقّه في أمواله ، والإمام لا يجب عليه أخذ الخمس ، بل يجوز له أن يبرئ من شاء مما شاء من حقّه.

وإبراء الإمام عليه‌السلام أبا سيار من حقه المعيَّن لا يدل على إبراء غيره من الخمس في كل شيء ، ولهذا قال عليه‌السلام : (قد طيبناه لك) خاصة. ولم يقل : طيبناه لكم.

__________________

(١) شرح أصول الكافي ٧ / ٤٠٧.

(٢) المصدر السابق ٧ / ٣٧.

٣٠٩

وأما قول الإمام عليه‌السلام : (وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلَّلون حتى يقوم قائمنا) ، فهو مخصوص بالأراضي فقط دون غيرها من الأموال ، فأجاز عليه‌السلام لهم التصرُّف فيها ، وأخذ حاصلها وخراجها ، لكنه عليه‌السلام لم يُسقط عنهم خمس حاصلها وخمس أموالهم الأخرى كما هو واضح.

* * *

قال الكاتب : ٤ ـ عن محمد بن مسلم عن أحدهما رضي الله عنه : قال : إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول : يا رب خمسي ، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولاداتهم ولتزكو ولاداتهم. أصول الكافي ٢ / ٥٥٢.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان ، وقد مرَّ بيان ضعفه.

ومن جملة الرواة صباح الأزرق ، وهو مجهول الحال ، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وقد مرَّ بيان معنى تطييب الخمس للشيعة لتطيب ولاداتهم وتزكو ، وأوضحنا أنه ليس المراد بذلك إسقاط الخمس عنهم بالكلية ، فراجع ما قلناه.

* * *

قال الكاتب : ٥ ـ عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال : (إن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلتنا (١) إلا أَنَّا أحللنا شيعتنا من ذلك) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٤٣.

وأقول : هذه الرواية رواها الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) بسنده إلى داود بن كثير الرقي ، وطريق الصدوق إليه ضعيف.

قال الأردبيلي في جامع الرواة في بيان طرق كتاب الفقيه : وإلى داود الرقي : فيه

__________________

(١) كذا في نسخة الكتاب ، والصحيح كما في المصدر : مظلمتنا.

٣١٠

الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه ، ولم يوثَّق ، وعبد الله بن أحمد الرازي ، ولم يذكره غير (صه) (١) بأن عنده فيه توقف ، وجرير بن صالح ، وهو غير مذكور (٢).

وقال الخوئي : وكيف كان فطريق الصدوق إليه : الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الرازي ، عن جرير بن صالح ، عن إسماعيل بن مهران ، عن زكريا بن آدم ، عن داود بن كثير الرقي ، والطريق ضعيف ، فإن فيه مجاهيل (٣).

وعليه ، فالرواية ضعيفة السند.

وأما من جهة متن الرواية فقد أوضحنا المراد بتحليل الشيعة ، وعدم دلالته على إسقاط الخمس عنهم ، فراجعه فيما مرَّ.

* * *

قال الكاتب : ٦ ـ عن يونس بن يعقوب قال : كنتُ عند أبي عبد الله رضي الله عنه فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال : (جُعِلتُ فداك ، تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات ، ونعرف أن حقكم فيهَا ثابت ، وأنّا عن ذلك مقصرون ، فقال رضي الله عنه : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٣.

وأقول : هذا الحديث رواه الشيخ الصدوق عن يونس بن يعقوب ، وهو وإن كان ثقة إلا أن طريق الصدوق إليه ضعيف ، فإن فيه الحكم بن مسكين ، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

قال الأردبيلي في جامع الرواة في بيان طرق كتاب من لا يحضره الفقيه : وإلى

__________________

(١) أي العلّامة الحلي في رجاله المعروف بالخلاصة.

(٢) جامع الرواة ٢ / ٥٣٤.

(٣) معجم رجال الحديث ٧ / ١٢٦.

٣١١

يونس بن يعقوب ، فيه الحكم بن مسكين (١).

والنتيجة أن الرواية ضعيفة السند.

ومع الإغماض عن سند الرواية فهي واضحة الدلالة على أن الخمس يجب إخراجه على الشيعة ، وذلك لأن القناط قال : تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات ، ونعرف أن حقكم فيها ثابت ، وإنّا عن ذلك مقصِّرون.

وقوله فيه دلالة واضحة على أن وجوب الخمس وإخراجه من أرباح الأموال والتجارات كان مرتكزاً عند الشيعة ، متسالماً عليه بينهم.

والإمام عليه‌السلام لم ينكر عليه قوله ، وإنما قال له : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم.

يعني أنا لو كلَّفناكم بإخراجه فوراً من غير تأخير لما كنا منصفين معكم ، إذ قابلناكم بالشدَّة في أخذ حقّنا منكم وعدم الإمهال ، مع أنكم كنتم تقابلوننا بالمحبة والمودّة والموالاة.

والحديث بالمعنى الذي أوضحناه لا يدل على إسقاط الخمس عن الشيعة ، بل يدل على عكس ذلك كما هو واضح.

ومن خيانات الكاتب أنه أسقط كلمة (اليوم) من ذيل الحديث ، فإن الوارد فيه هو قوله : (ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) على ما رواه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) ، والشيخ الطوسي في (الاستبصار) (٢). ولكن غرض الكاتب هو بيان تحليل الخمس للشيعة مطلقاً لا ذلك الوقت فقط ، ولهذا أسقط كلمة (اليوم) حتى يلتئم الحديث مع مراده ، فتأمل في أساليب القوم للوصول إلى أهدافهم غير المشروعة.

* * *

__________________

(١) جامع الرواة ٢ / ٥٤٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٨. الاستبصار ٢ / ٥٩. وسائل الشيعة ٦ / ٣٨٠.

٣١٢

قال الكاتب : ٧ ـ عن علي بن مهزيار أنه قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر رضي الله عنه جاءه رجل يسأله أن يجعله في حِلٍّ من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب رضي الله عنه بخطه : (من أعوزه شيء من حقي فهو في حل) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٣.

وأقول : هذه الرواية تدل أيضاً على وجوب الخمس على الشيعة ، وإلا فلا معنى لأن يأتي الرجل ويسأل الامام عليه‌السلام أن يجعله في حِلٍّ من الخمس المتعلق بالمأكل والمشرب إذا لم يكن واجباً عليه ، ولا وجه للتحليل منه حينئذ.

والإمام عليه‌السلام لم يُنكر على الرجل وجوب الخمس عليه ، وإنما أباح لمن كان شديد الحاجة من الشيعة بمقدار ما يسدّ حاجته ، وهو أمر جائز للإمام عليه‌السلام كما مرَّ ، لأن الإمام عليه‌السلام له أن يُسقِط حقَّه كلاً أو بعضاً عمن شاء وكيف شاء ، وهذا لا يدل بأية دلالة على سقوط الخمس بكامله عن كل الشيعة في كل العصور حتى مع عدم العوز والحاجة.

على أنه لم يظهر من الرواية أن الإمام عليه‌السلام جعل ذلك الرجل في حِلٍّ من مأكله ومشربه من الخمس ، لأن الإمام عليه‌السلام أحل من كان معوزاً ، ولم يظهر أن الرجل كان صاحب عوز وحاجة.

* * *

قال الكاتب : ٨ ـ جاء رجل إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ، قال : أصبتُ مالاً أَرْمَضْتُ (١) فيه ، أفَلِي توبة؟ قال : (آتني بخمسي (٢) ، فأتاه بخمسه ، فقال رضي الله عنه : هو لك ، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه) ٢ / ٢٢ من لا يحضره الفقيه.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، لأنها مرسلة قد رواها الصدوق من غير

__________________

(١) كذا في نسخة الكتاب ، وفي المصدر : أغمضت.

(٢) كذا في نسخة الكتاب ، وفي المصدر : بخمسه.

٣١٣

سند عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ومع الإغماض عن سندها فإن معناها أن الرجل قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : (أصبتُ مالاً أغمضتُ فيه) ، أي أغمضت عينيَّ في جمعه ، فجمعته كيفما اتّفق ، من حلال أو حرام.

قال الطريحي في مجمع البحرين : أي تساهلتُ في تحصيله ، ولم أجتنب فيه الحرام والشبهات ، ومحصّله جمعتُه من حرام أو حلال وشبهة ، وأصله من إغماض العين (١).

وقال ابن الأثير في النهاية : الإغماض : المسامحة والمساهلة (٢).

فأمره الإمام عليه‌السلام أن يأتيه بخمس هذا المال ، فإن إخراج خمسه مطهِّر لباقيه ، فلما أتاه بالخمس قال له الإمام عليه‌السلام : هو لك. أي باقي المال لك حلال لا شبهة فيه ، (إن الرجل إذا تاب) ، أي أن الرجل إذا تاب إلى الله من الكسب المشتبه بالحرام فأخرج خمسه ، إذ به تتحقق التوبة الصحيحة ، (تاب ماله معه) أي رجع إليه باقي ماله ، فطهر مما كان فيه من الشبهة ، فصحَّ له التصرّف فيه.

وهذا الحديث كما أوضحناه يدل دلالة واضحة على وجوب إخراج الخمس ، ولهذا أمره الإمام عليه‌السلام بالإتيان به ، وما زعمه الكاتب من دلالة الحديث على إباحة الخمس غير صحيح ، وذلك لأنه أرجع الضمير (هو) إلى الخمس ، مع أنه يرجع إلى باقي المال.

ولو سلّمنا برجوع الضمير إلى الخمس فإن دلالة الحديث على المراد باقية ، وذلك لأن أمْرَ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام للرجل بالإتيان بالخمس يدل على وجوبه عليه ، وإبراء الإمام له أو هبته له كما مرَّ جائز للإمام عليه‌السلام ، وهو واضح لا يحتاج إلى إطالة كلام.

* * *

__________________

(١) مجمع البحرين ٤ / ٢١٩.

(٢) النهاية في غريب الحديث ٣ / ٣٨٧.

٣١٤

قال الكاتب : فهذه الروايات وغيرها كثير صريحة في إعفاء الشيعة من الخمس ، وأنهم في حل من دفعه ، فمن أراد أن يستخلصه لنفسه ، أو أن يأكله ولا يدفع منه لأهل البيت شيئاً فهو في حل من دفعه ، وله ما أراد ولا إثم عليه ، بل لا يجب عليهم الدفع حتى يقوم القائم في الرواية الثالثة.

وأقول : لقد أوضحنا أن جملة من هذه الروايات ضعيفة السند ، والصحيح منها لا يدل على إعفاء الشيعة من الخمس مطلقاً ، بل منها ما دل على أن الإمام عليه‌السلام قد أباح لهم ما تصرَّفوا فيه من أموالهم التي أنفقوها في المناكح قبل إخراج الخمس الواجب عليهم ، ومنها ما دل على أن الإمام عليه‌السلام قد أباح للشيعة التصرف في رقاب الأراضي وحاصلها ، مع لزوم إخراج خمسها ، ومنها ما دل على أن الإمام الباقر عليه‌السلام أجاز للمعوزين من شيعته أن يأخذوا منه بمقدار ما يسدُّون به حاجاتهم ، ومنها ما دل على أن الأئمة عليهم‌السلام لا يُلزمون شيعتهم بالإسراع في إخراج الخمس إذا كان في ذلك حرج عليهم.

وكل تلك الروايات تدل باللازم على وجوب الخمس على الناس ، وإلا فلا معنى لإباحة التصرف فيه للمعوزين بمقدار ما تسدّ حاجتهم ، ولا وجه لعدم إيجاب المبادرة في الإخراج التي تتحقق معها المشقة عليهم ، وكل ذلك أوضحناه فيما تقدم بحمد الله وفضله.

والغريب أن الكاتب تمسَّك بهذه الروايات وتعامى عن الروايات الأخرى الكثيرة الدالة على وجوب دفع الخمس إليهم عليهم‌السلام ، وأنهم سلام الله عليهم لا يبيحونه لأحد.

منها : صحيحة إبراهيم بن هاشم قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بِقُم ، فقال : يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حل ، فإني أنفقتها. فقال له : أنت في حل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه‌السلام : أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم

٣١٥

وأبناء سبيلهم ، فيأخذه ثمّ يجيء فيقول : (اجعلني في حل) ، أتراه ظن أني أقول : (لا أفعل) ، والله ليسألنَّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً (١).

ومنها : رواية محمد بن زيد قال : قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس ، فقال : ما أمحل هذا (٢) ، تمحضونا بالمودة بألسنتكم ، وتزوون عنا حقًّا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس!! لا نجعل ، لا نجعل ، لا نجعل لأحد منكم في حل (٣).

ومنها : موثقة عبد الله بن بكير عن الصادق عليه‌السلام قال : إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالاً ، ما أريد بذلك إلا أن تطهروا (٤).

ومنها : خبر أحمد بن المثنى قال : حدثني محمد بن زيد الطبري قال : كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله الإذن في الخمس ، فكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، إن الله واسع كريم ، ضمن على العمل الثواب ، وعلى الضيق الهم ، لا يحِل مال إلا من وجه أحلَّه الله ، وإن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا ، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنا ، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه ، فإن إخراجه مفتاح رزقكم ، وتمحيص ذنوبكم ، وما تمهّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم ، والمسلم من يفي لله بما عهد إليه ، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب ، والسلام (٥).

والأحاديث المعتبرة الدالة على وجوب إخراج الخمس كثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية.

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٤٨. الاستبصار ٢ / ٦٠.

(٢) من المحل : وهو المكر والكيد. أو من التمحل : وهو الاحتيال. أو من المحال ، فيكون معنى العبارة هو استبعاد وقوع الفعل.

(٣) الكافي ١ / ٥٤٨. الاستبصار ٢ / ٦٠. التهذيب ٤ / ١٤٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٧. وسائل الشيعة ٦ / ٣٣٧.

(٥) الكافي ١ / ٥٤٧. التهذيب ٤ / ١٢٣. الاستبصار ٢ / ٥٩.

٣١٦

* * *

قال الكاتب : ولو كان الإمام موجوداً فلا يُعْطَى له حتى يقوم قائم أهل البيت ، فكيف يمكن إذن إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين؟!

وأقول : بل يجب إخراج الخمس وإعطاؤه للإمام عليه‌السلام كما دلَّت عليه الأخبار المتقدمة ، ودلَّت أخبار أخر صحيحة غيرها على وجوب خمس أرباح المكاسب.

منها : صحيحة علي بن مهزيار ، عن محمد بن الحسن الأشعري ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع ، وكيف ذلك؟ فكتب عليه‌السلام بخطه : الخمس بعد المئونة (١).

ومنها : موثقة سماعة ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس ، فقال عليه‌السلام : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (٢).

ومنها : صحيحة علي بن مهزيار ، قال : قال لي أبو علي بن راشد : قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقِّك ، فأعلمتُ مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال عليه‌السلام : يجب عليهم الخمس. فقلت : في أي شيء؟ فقال : في أمتعتهم وضياعهم وصنائعهم. قلت : والتاجر عليه ، والصانع بيده؟ فقال عليه‌السلام : إذا أمكنهم بعد مئونتهم (٣). ما

ومنها : صحيحة ابن أبي نصر قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب : بعد المئونة (٤).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه سُئل عن معادن

__________________

(١) التهذيب ٤ / ١٢٣. الاستبصار ٢ / ٥٥. وسائل الشيعة ٦ / ٣٤٨.

(٢) الكافي ١ / ٥٤٥. وسائل الشيعة ٦ / ٣٥٠.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ / ١٢٣. وسائل الشيعة ٦ / ٣٤٨.

(٤) الكافي ١ / ٥٤٥.

٣١٧

الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر ، فقال : عليها الخمس (١).

ومنها : صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، فقال عليه‌السلام : عليه الخمس (٢).

ومنها روايات أخرى كثيرة دالة على وجوب دفع الخمس وعدم إباحته.

وقد أوضح الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وغيرهما وجه الجمع بين الأخبار التي ربما يُتصور التعارض فيما بينها.

قال الشيخ الطوسي في كتابه الاستبصار : فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما كان يذهب إليه شيخنا رحمه‌الله (٣) ، وهو أن ما ورد من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة ، للعلّة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة عليهم‌السلام ، لتطيب ولادة شيعتهم ، ولم يرد في الأموال ، وما ورد من التشدّد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال (٤).

قلت : والأخبار المذكورة كلها تشهد بصحة هذا الجمع ، فإن أحاديث إباحة الخمس كلها ذكرت العلة في ذلك ، وهي تحليل المناكح وتطييب الشيعة ، وأما الأخبار الأخرى التي اشتملت على التشديد في دفع الخمس وعدم التهاون فيه فهي واردة في سائر الأموال الأخرى.

وقال المحقق الخوئي بعد أن ذكر روايات إباحة الخمس :

وهذه الروايات مضافاً إلى معارضتها بما ستعرف من الطائفتين ، غير قابلة للتصديق في نفسها ، ولا يمكن التعويل عليها.

أولاً : من أجل منافاتها لتشريع الخمس الذي هو لسدّ حاجات السادة والفقراء

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٤٤. تهذيب الأحكام ٤ / ١٢١.

(٢) الكافي ١ / ٥٤٨.

(٣) يعني الشيخ المفيد.

(٤) الاستبصار ٢ / ٦٠.

٣١٨

من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ لو لم يجب دفع الخمس على الشيعة ، والمفروض امتناع أهل السنة وإنكارهم لهذا الحق ، فمن أين يعيش فقراء السادة ، والمفروض حرمة الزكاة عليهم ، فلا يمكن الأخذ بإطلاق هذه النصوص جزماً.

وثانياً : أنها معارضة بالروايات الكثيرة الآمرة بدفع الخمس في الموارد المتفرقة والأجناس المتعددة ، كقوله عليه‌السلام : (خذ من أموال الناصب ما شئت ، وادفع إلينا خمسه) ، أو (مَن أخذ ركازاً فعليه الخمس) ، وما ورد في أرباح التجارات من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة وغيرها. فلو كان مباحاً للشيعة وساقطاً عنهم فلما ذا يجب عليهم الخمس؟ وما معنى الأمر بالدفع في هذه النصوص المتكاثرة؟ وهل ترى أن ذلك لمجرد بيان الحكم الاقتضائي غير البالغ مرحلة الفعلية بقرينة نصوص التحليل؟

هذا مضافاً إلى معارضتها بالطائفة الثانية الظاهرة في نفي التحليل مطلقاً ، مثل ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل ، وكان يتولى الوقف بقم ، فقال : يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حِل ، فإني قد أنفقتها. فقال له : أنت في حِل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه‌السلام : أحدهم يثب على أموال (حق) آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، فيأخذه ثمّ يجيء فيقول : اجعلني في حِل. أتراه ظن أني أقول : (لا أفعل)؟ والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً. فإن الظاهر بمقتضى القرائن الموجودة فيها أن المراد من الأموال هو الخمس كما لا يخفى ... إلى آخر ما قاله قدس‌سره (١).

وقال السيد الحكيم قدس‌سره في المستمسك بعد أن ذكر مَن ذهب إلى تحليل الخمس : اعتماداً على نصوص تضمَّنت تحليل الخمس ، التي هي مع قصور دلالة جملة منها ، وإعراض الأصحاب عنها ، معارَضة بما يوجب طرحها ، أو حملها على بعض المحامل التي لا تأباها ، كما تقدم التعرض لذلك في أوائل كتاب الخمس ، مضافاً إلى أن

__________________

(١) مستند العروة الوثقى (كتاب الخمس) ، ص ٣٤٣.

٣١٩

الإباحة المدَّعاة مالكية لا شرعية (١) ، وحينئذ تكون الشبهة موضوعية ، والرجوع إلى أخبار الآحاد فيها غير ظاهر (٢).

* * *

قال الكاتب : فتاوى الفقهاء المعتمدين في إعفاء الشيعة من دفع الخمس بناء على النصوص المتقدمة وعلى غيرها كثير المصرحة بإعفاء الشيعة من دفع الخمس صدرت فتاوى من كبار الفقهاء والمجتهدين ممن لهم باع في العلم واحتلوا مكانة رفيعة بين العلماء ، في إباحة الخمس للشيعة ، وعدم دفعه لأي شخص كان حتى يقوم قائم أهل البيت :

١ ـ المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن المتوفي ٦٧٦ ه‍ ـ :

أكد ثبوت إباحة المنافع والمساكن والمتجر حال الغيبة وقال : لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منها. انظر كتاب شرائع الإسلام ص ١٨٢ ـ ١٨٣ كتاب الخمس.

وأقول : لقد بتر الكاتب عبارة المحقق الحلي رحمه‌الله التي صرَّح فيها بأن الإباحة إنما هي في المناكح والمتاجر والمساكن فقط ، دون باقي ما يجب فيه الخمس.

قال المحقق الحلي في شرائع الإسلام : الثالثة : ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة ، وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه ، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه (٣).

__________________

(١) الإباحة المالكية يراد بها أن الإمام عليه‌السلام الذي كان مالكاً للخمس في زمن إمامته قد أباحه في بعض الموارد ، وأما الإباحة الشرعية فيراد بها أنه مباح شرعاً لكل أحد ، وهذه الإباحة هي محل النزاع ، لا تلك.

(٢) مستمسك العروة الوثقى ٩ / ٥٧٩.

(٣) شرائع الإسلام ١ / ١٨٤.

٣٢٠