لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

والله تعالى أمر بإتيان الفروج فقال : (نِساؤكم حَرْث لكم فأتوا حرثكم أَنَّى شِئْتُم) (البقرة / ٢٢٣) والحرث هو موضع طلب الولد.

وأقول : إن الأمر بإتيان الزوجة من حيث أمر الله سبحانه وتعالى ، أو في موضع الحرث وهو الفرج ، لا يدل على حرمة الإتيان في غيره كما مرَّ عن الشافعي في مناظرته مع محمد بن الحسن الشيباني ، فإنه يجوز للرجل أن يأتي أهله بين فخذيها وفي أعكانها وغير ذلك ، فإن الأمر بالشيء لا يدل على النهي عما عداه كما قرَّره علماء الأصول.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الوطء في الدبر ، فإنه لا دلالة في الآيتين المباركتين على النهي عنه كما هو واضح لمن كان عنده حظ من معرفة استنباط الأحكام الشرعية وفهم آيات الكتاب العزيز والسنة المطهَّرة.

هذا مضافاً إلى وقوع الخلاف بين المفسِّرين في تفسير قوله تعالى (أَنَّى شِئْتُمْ) على أقوال متعددة ، فذهب قوم إلى أن المراد : (كيف شئتم) أي فأتوا نساءكم بأية كيفية شئتم : مُقْبِلات أو مُدْبِرات أو مضطجعات أو قائمات أو منحرفات إذا كان في الفرج خاصة.

وذهب آخرون إلى أن المراد (متى شئتم) من الليل والنهار.

وقال آخرون : المعنى (أين شئتم وحيث شئتم) أي في القبُل أو الدبر ، وقد مرَّ بنا ذكر الآثار المنقولة عن ابن عمر في ذلك ، فراجعها.

* * *

قال الكاتب : إن رواية أبي اليعفور [كذا] عن أبي عبد الله مفهومها أن طلب الولد يكون في الفروج لقوله في قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم هذا في طلب الولد ، فمفهوم الرواية تخصيص الفروج لطلب الولد ، وأما قضاء الوطر والشهوة فهو

٢٨١

في الأدبار ، وسياق الرواية واضح في إعطاء هذا المفهوم.

وهذا غلط لأن الفروج ليست مخصصة لطلب الولد فقط بل لقضاء الوطر والشهوة أيضاً ، وهذا واقع العشرة بين الأزواج من لدن آدم عليه‌السلام وحتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وأبو عبد الله أجل وأرفع من أن يقول هذا القول الباطل.

وأقول : إن معنى الرواية واضح جداً ، فإن ابن أبي يعفور ، سأل الإمام عليه‌السلام عن إتيان المرأة في دبرها ، فأجابه الإمام بأنه جائز إن رضيت به المرأة. فقال له : فأين قول الله تعالى : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)؟ وذلك لأنه توهَّم أن المكان الذي أمر الله أن يُؤتَى منه هو الفرج فقط ، وما عداه وهو ـ الدبر ـ فهو محرَّم. فقال عليه‌السلام : هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، وهو الفرج المباح لكم.

ثمّ أوضح له الإمام عليه‌السلام دليل حلِّية الإتيان في الدبر ، فقال : إن الله تعالى يقول (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي في أيِّ مكان شئتم ، في القبُل أو في الدبر.

وهذا المعنى هو عين ما قاله عبد الله بن عمر وغيره في تفسير الآية وسبب نزولها كما مرَّ.

وبهذا الذي قلناه يتبيَّن فساد ما زعمه الكاتب من أن الرواية تدل بمفهومها على أن موضع اللذة هو الدبر ، وأن الفرج موضع الولد فقط.

* * *

قال الكاتب : ولو افترضنا جواز إتيان الدبر لما كان هناك معنى للآية الكريمة : (فإذا تَطَهّرْنَ فأتوهُنَّ من حيثُ أمرَكمُ اللهُ) ، لأنه قد علم ـ على الافتراض المذكور ـ أن الإتيان يكون في القُبُلِ والدُّبُر وليس هناك موضع ثالث يمكن إتيانه ، فلم يبق أي معنى للآية ولا للأمر الوارد فيها.

٢٨٢

وأقول : بل يكون للآية معنى صحيح واضح ، وهو أنه وإن جاز وطء الزوجة من دبرها ، إلا أنه مكروه كراهة شديدة لا تصل إلى حد الحرمة ، فإذا تطهَّرت المرأة من حيضها جاز إتيانها في الموضع الذي أمر الله سبحانه ، وهو الفرج ، وأما الدبر فهو وإن جاز إتيان الزوجة فيه ، إلا أن الله لم يأمر به ، ولكن أباحه على كراهة شديدة.

* * *

قال الكاتب : ولكن كان أحد الموضعين مُحَرَّماً لا يجوز إتيانه ، والآخر حلالاً احتيج إلى بيان الموضع الذي يجب أن يُؤْتَى ، فكان أمر الله تعالى بإتيان الحرث ، والحرث هو موضع طلب الولد ، وهذا الموضع يُؤْتَى لطلب الولد ، ولقضاء الوَطَر أيضاً.

وأقول : لقد قلنا فيما مرَّ : إن الأمر بالإتيان في موضع الحرث وهو الفرج ، لا يدل على تحريم غيره ، وإلا لحرم التفخيذ وغيره مما وقع الإجماع على جوازه.

ولا يلزم من عدم الأمر بإتيان الزوجة في دبرها أن يكون إتيانها فيه محرَّماً ، بل قد يكون مكروهاً ، فإن الله سبحانه وتعالى كما لا يأمر بمحرَّم كالوطئ في حال الحيض ، كذلك لا يأمر بمكروه كالوطئ في الدبر ، وهذا واضح لا يحتاج إلى إطالة.

* * *

قال الكاتب : أما الرواية المنسوبة إلى الرضا رضي الله عنه في إباحة اللواطة [كذا] بالنساء واستدلاله بقول لوط عليه‌السلام (١). أقول : إن تفسير آية قول الله تعالى : (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) (هود / ٧٨) قد ورد في آية أخرى في قوله تعالى : (ولوطا إذ قال

__________________

(١) هذه الجملة غير تامة ، فإنها اشتملت على مبتدأ من دون خبر.

٢٨٣

لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين ، أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل) (العنكبوت / ٢٨).

وأقول : إن الآية الثانية لم تفسِّر الآية الأولى كما هو واضح ، وذلك لأن الآية الأولى ظاهرة في عَرْض لوط عليه‌السلام تزويج بناته للقوم ، ولا يخفى أنهم كانوا يريدون اللواط بأضيافه عليه‌السلام ، فرأى لوط عليه‌السلام أن يزوِّجهم بناته اضطراراً ، لدفع الأفسد بالفاسد ، وهذا الفعل منه عليه‌السلام فيه إشارة واضحة إلى حلّية الوطء في الدبر ، لأنه علم أن القوم لا يريدون الفرج.

وأما الآية الثانية فهي ظاهرة في توبيخ لوط عليه‌السلام للقوم على إتيان الرجال شهوة من دون النساء.

ومن الواضح أن موضوع الآية الأولى هو وطء الزوجة في دبرها ، وموضوع الآية الثانية هو اللواط المحرَّم بالرجال ، فكيف تكون الآية الثانية مفسِّرة للآية الأولى وموضوعهما مختلف ومتغاير؟!

* * *

قال الكاتب : وقطع السبيل لا يعني ما يفعله قطَّاع الطرق وحدهم .. لا ، وإنما معناه أيضاً قطع النسل في الإتيان في غير موضع طلب الولد ، أي في الأدبار ، فلو استمر الناس في إتيان الأدبار ـ أدبار الرجال والنساء ـ وتركوا أيضاً طلب الولد لانقرضت البشرية ، وانقطع النسل.

وأقول : إن تفسير الكاتب قطع السبيل بقطع النسل في الإتيان في غير موضع طلب الولد وإن كان معقولاً إلا أنه خلاف ما قاله بعض مفسِّري أهل السنة.

قال ابن كثير في تفسير الآية : يقول تعالى مخبراً عن نبيّه لوط عليه‌السلام إنه أنكر على قومه سوء صنيعهم ، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال في إتيانهم الذكران من

٢٨٤

العالمين ، ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من بني آدم قبلهم ، وكانوا مع هذا يكفرون بالله ، ويكذّبون رسوله ويخالفون ، ويقطعون السبيل ، أي يَقِفُون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم (١).

وقال القرطبي في تفسيره : (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) قيل : كانوا قُطَّاع الطريق. قاله ابن زيد ، وقيل : كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة. حكاه ابن شجرة ، وقيل : إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال. قاله وهب بن منبه ، أي استغنوا بالرجال عن النساء.

قلت ـ والقائل القرطبي ـ : ولعل الجميع كان فيهم ، فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة ، ويستغنون عن النساء بذلك (٢).

وقال الطبري : يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل لوط لقومه : (أَئِنَّكُمْ) أيها القوم (لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) في أدبارهم ، (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) يقول : وتقطعون المسافرين عليكم بفعلكم الخبيث ، وذلك أنهم فيما ذكر عنهم كانوا يفعلون ذلك بمن مرَّ عليهم من المسافرين ومن وَرَدَ بلادهم من الغرباء. ذِكْر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) قال : السبيل : الطريق. المسافر إذا مرَّ بهم ، وهو ابن السبيل قطعوا به ، وعملوا به ذلك العمل الخبيث (٣).

ومن كل ما مرَّ يتضح أن الكاتب فسَّر الآية بما فسَّره وهب بن منبّه دون غيره من المفسِّرين ، وتفسير وهب ليس حجة على غيره ، ولو سلّمنا به فمراد وهب هو أن قوم لوط عليه‌السلام استغنوا بالرجال عن النساء فهجروهن بتاتاً ، فقطعوا نسلهم بذلك ، ونحن لا نتكلم في فرض كهذا ، وإنما نتكلم في جواز إتيان النساء في أدبارهن ، لا في

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٣ / ٤١١.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٣ / ٣٤١.

(٣) جامع البيان في تفسير القرآن ٢٠ / ٩٣.

٢٨٥

إتيان الرجال ، وبما لا قطع فيه للنسل ، أي في بعض الأحايين التي لا ينقطع بها النسل. فأين هذا مما نحن فيه؟

* * *

قال الكاتب : فالآية الكريمة تعطي هذا المعنى أيضاً وبخاصة إذا لاحظنا سياق الآية مما قبلها. ولا مرية أن هذا لا يخفى على الإمام الرضا رضي الله عنه ، فثبت بذلك كذب نسبة تلك الرواية إليه.

وأقول : ما زعمه الكاتب من السياق كله هراء من القول ، لأن الآية الأولى جاءت في سياق قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (١).

والآية الثانية جاءت بعد قوله تعالى (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (٢).

فأين السياق الذي يدل على أن إتيان النساء في أدبارهن يقطع النسل؟!

وعليه فلا محالة يثبت أن تكذيب نسبة الرواية إلى الإمام الرضا عليه‌السلام لم يستند

__________________

(١) سورة هود ، الآيات ٧٧ ـ ٨٣.

(٢) سورة العنكبوت ، الآية ٢٨.

٢٨٦

إلى دليل صحيح ، لأن الكاتب اعتمد على سياق لا وجود له ، وعلى قول واحد من المفسِّرين لم يفهمه على وجهه الصحيح.

* * *

قال الكاتب : إن إتيان النساء في أدبارهن لم يقل به إلا الشيعة وبالذات الإمامية الاثنا عشرية.

وأقول : لقد مرَّ بيان من قال بجواز إتيان النساء في أدبارهن من الصحابة ومنهم ابن عمر ، ومن غيرهم سعيد بن المسيب ونافع ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون وزيد بن أسلم ، ومن أئمة المذاهب مالك بن أنس ، والشافعي في القديم.

وقد رووا أن بعض الصحابة أتوا نساءهم من أدبارهن ، كما رووا ذلك عن محمد بن المنكدر ، وابن أبي مليكة ، ومالك بن أنس إمام المذهب ، وقد نقلنا ذلك فيما سبق من مصادرهم المعتمدة وبالأسانيد ، فراجعه.

* * *

قال الكاتب : واعلم أن جميع السادة [كذا] في حوزة النجف والحوزات الأخرى ، بل وفي كل مكان يمارسون هذا الفعل!!

وكان صديقنا الحجة السيد [كذا] أحمد الوائلي يقول بأنه منذ أن اطلع على هذه الروايات بدأ ممارسة هذا الفعل ، وقليلاً ما يأتي امرأة في قُبُلِها.

وأقول : أما قوله : (إن جميع السادة في حوزة النجف والحوزات الأخرى يمارسون هذا الفعل) فهو فرية بلا مرية ، وذلك لأن مثل هذه الأمور على فرض وقوعها لا يبوح بها رجل شريف ، فكيف تأتّى لهذا الكاتب أن يطَّلع على كل السَّادة ،

٢٨٧

ويعلم أنهم يمارسون هذا الفعل مع زوجاتهم؟!

ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي بيته من زجاج كيف يرمي بيوت الناس بالحجارة ، فيفتري هذه الفرية الفاضحة ، مع أنه لا يستطيع أن يثبت لنا برواية واحدة مسندة ـ حتى لو كانت ضعيفة ـ أن واحداً من أولئك (السادة) وطأ امرأته في دبرها ، فضلاً عن أن يستطيع أن يثبت أن واحداً من أئمة الشيعة وعلمائهم مارس هذا الفعل.

في حين أنّا نقلنا فيما مرَّ غيضاً من فيض مما دلَّ على أن جملة من علماء أهل السنة وأئمة مذاهبهم كانوا يطئون زوجاتهم في أدبارهم!! وما تركناه أكثر مما ذكرناه.

وأما قوله : إن الشيخ الوائلي حفظه الله قال : (إنه يمارس هذا الفعل وقليلاً ما يأتي امرأة في قُبُلها) ، فهو كغيره من الأكاذيب المفضوحة التي سوَّد بها هذا الكاتب كتابه ، فإن الشيخ الوائلي لا يصدر منه هذا الكلام السخيف ، والكل يعرفه.

وحسبك دليلاً على كذب القضية أن الكاتب وصف الشيخ الوائلي بأنه (صديقه) ليمهد للقارئ أنه خصَّه بهذا الأمر الخاص جداً ، مع أنه لو كان صديقاً للشيخ الوائلي لعرف على الأقل أن الوائلي شيخ لا سيِّد ، وهذا من بديهيات كونه صديقاً للشيخ ، بل إن عوامّ الشيعة يعرفون أن الوائلي شيخ ، ولا يختلف في ذلك منهم اثنان ، فكيف غاب هذا الأمر الواضح عمن يدَّعي أنه صديق الشيخ؟!

والعجيب أن هذا الكاتب لا يخجل من نفسه ، إذ يدَّعي أنه صديق للشيخ الوائلي ، ومع ذلك يذكر عنه مثل هذا الأمر المخزي ، وأقل ما ينطبع في ذهن القارئ أن الكاتب لو كان صادقاً في زعمه ـ وهو ليس بصادق ـ فإنه ليس محلاً لأن يخصّه أحد بِسِرّ ، لأنه إذا أباح سِرَّ صديقه ـ كما يزعم ـ فإباحته لسِرِّ غيره ستكون بطريق أولى.

* * *

٢٨٨

قال الكاتب : وكلما التقيت واحداً من السادة ، وفي كل مكان فإني أسأله في حرمة إتيان النساء في الأدبار أو حله؟ فيقول لي بأنه حلال ، ويذكر الروايات في حِلِّيَتِها منها الروايات التي تقدمت الإشارة إليها.

وأقول : لقد أضحكني هذا الكاتب المتخصِّص في مسألة (الوطء في الدبر) ، لأنه أخبر عن نفسه أنه كلما التقى واحداً من السادة سأله عن هذه المسألة ، من دون أن يستثني واحداً من السادة أو بعضاً من الأمكنة!!

ولا ريب في أن الكاتب الذي له هذا العمر المديد قد رزقه الله حجَّ بيته الحرام ، وأنه التقى بعض السادة يطوفون حول الكعبة المشرفة ، أو يُصلّون خلف المقام ، أو يسعون بين الصفا والمروة ، أو يبتهلون إلى الله في عرفات أو المزدلفة ، أو يرمون الجمار في منى ، فهل سألهم عن الوطء في الدبر في هذه المشاعر الشريفة وهم يؤدّون مناسكهم؟!

ولو سلَّمنا بما قاله هذا الكاتب فلا ندري لِمَ لا يخجل من سؤال كل مَن لقيه من السادة حول الوطء في الدبر والإلحاح في هذه المسألة ، مع أنه يزعم أنه فقيه مجتهد قد ناهز عمره الثمانين أو تجاوزها ، ولا سيما أن العُرْف السائد في الحوزة يعيب أمثال هذه التصرفات التي لا تليق بصغار طلبة العلم فضلاً عن علماء الحوزة وفقهائها؟!

ومع الإغماض عن كل ما في حكايته ، وتسليم أن الكاتب كان يود التحقيق في هذه المسألة ، وكان يسأل السادة عن الوطء في الدبر فيجيبونه بالحلِّية ، ألا يعلم أن جوابهم لا يعني أنهم كانوا يمارسون هذا الفعل ، ولا سيما مع كراهته الشديدة ، والتصريح في بعض الأخبار بأنه لا يفعله إلا أراذل الشيعة.

وفي مقابل ذلك فإن بعض علماء أهل السنة وأئمة مذاهبهم ـ كما مرَّ ـ كانوا يُسألون عن هذه المسألة فيجيبون بالحلِّية ، ويعترفون بأنهم يفعلون هذا الفعل ، ويمارسونه مع زوجاتهم وإمائهم.

٢٨٩

* * *

قال الكاتب : ولم يكتفوا بإباحية اللواطة [كذا] بالنساء ، بل أباح كثير منهم حتى اللواطة بالذكور وبالذات المردان.

وأقول : هذا من الافتراءات الواضحة ، فإنه لا أحد يبيح اللواط بالذكور بعد نص القرآن الكريم على التحريم والنهي الشديد ، وهذه فتاوى علماء الشيعة واضحة في هذه المسألة.

فقد قال الشيخ الصدوق في كتابه المقنع : واعلم أن اللواط أشد من الزنا ، والزنا يقطع الرزق ، ويقصر العمر ، ويخلد صاحبه في النار ، ويقطع الحياء من وجهه.

إلى أن قال : واعلم أن اللواط هو ما بين الفخذين ، فأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم ، واعلم أن حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج ، لأن الله أهلك أمة بحرمة الدبر ، ولم يهلك أحداً بحرمة الفرج. واعلم أن عقوبة من لاط بغلام أن يُحرق بالنار ، أو يُهدم عليه حائط ، أو يُضرب ضربة بالسيف (١).

وقال الشيخ المفيد في كتابه (المقنعة) : واللواط هو الفجور بالذُّكران ، وهو على ضربين : أحدهما : إيقاع الفعل فيما سوى الدبر من الفخذين ، ففيه جلد مائة للفاعل والمفعول به إذا كانا عاقلين بالغين ، ولا يُراعى في جلدهما عدم الإحصان ولا وجوده كما يراعى ذلك في الزنا ، بل حدُّهما الجلد على هذا الفعل دون ما سواه. والثاني : الإيلاج في الدبر ، ففيه القتل ، سواء كان المتفاعلان على الإحصان أو على غير الإحصان (٢).

وقال السيد المرتضى في الانتصار : ومما انفردت به الإمامية القول بأن حد اللوطي إذا أوقع الفعل فيما دون الدبر بين الفخذين مائة جلدة للفاعل والمفعول به ،

__________________

(١) المقنع ، ص ٤٢٩.

(٢) المقنعة ، ص ٧٨٥.

٢٩٠

إذا كانا معاً عاقلين بالغين ، لا يُراعى في جلدهما وجود الإحصان ، كما روعي في الزنا ، فأما الإيلاج في الدبر فيجب فيه القتل من غير مراعاة أيضاً للإحصان فيه (١).

وقال صاحب الجواهر في جواهره : (أما اللواط فهو وطء الذكران) من الآدمي (بإيقاب وغيره) ، واشتقاقه من فعل قوم لوط ، وحرمته من ضروري الدين ، فضلاً عما دلَّ عليه في الكتاب المبين ، وسُنة سيّد المرسلين ، وآله الطيبين الطاهرين. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من جامع غلاماً جاء جُنباً يوم القيامة ، لا ينقيه ماء الدنيا ، وغضب الله عليه ولعنه ، وأعدَّ له جهنم ، وساءت مصيراً. ثمّ قال : إن الذكر ليركب الذكر فيهتز العرش لذلك ، وإن الرجل لو أُتِيَ في حقبه (٢) فيحبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يفرغ الله من حساب الخلائق ، ثمّ يؤمر به إلى جهنم ، فيُعذب بطبقاتها طبقةً طبقة حتى يرد إلى أسفلها ، ولا يخرج منها. وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو كان ينبغي لأحد أن يُرجَم مرتين لَرُجم اللوطي. وفي آخر عنه عليه‌السلام أيضاً : اللواط ما دون الدبر ، والدبر هو الكفر (٣).

وكلمات العلماء في هذه المسألة متضافرة ، وكلها دالة على أن حرمة اللواط مما أجمع عليه علماء الشيعة الإمامية ، بل المسلمون كافة.

ومنه يتضح أن مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لم يكن أميناً في نقله ، ولا منصفاً في زعمه مع تواتر الأخبار وإجماع العلماء الأخيار على تحريم اللواط ، ولهذا لم ينقل ـ وأنى له ـ ولو فتوى واحدة لعالم واحد بحلّية ذلك ، وجعل المسألة هكذا مرسلة من غير مصدر.

* * *

__________________

(١) الانتصار ، ص ٢٥١.

(٢) أي في دبره.

(٣) جواهر الكلام ٤١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥. وراجع أخبار الباب في كتاب وسائل الشيعة ١٨ / ٤١٦ ـ ٤٢٤.

٢٩١

قال الكاتب : كنا أحد الأيام في الحوزة فوردت الأخبار بأن سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قد وصل بغداد ، وسيصل إلى الحوزة ليلتقي سماحة الإمام آل كاشف الغطاء ، وكان السيد شرف الدين قد سطع نجمه عند عوام الشيعة وخواصهم ، خاصة بعد أن صدر بعض مؤلفاته كالمراجعات والنص والاجتهاد.

وأقول : لقد توهَّم الكاتب ـ لبعده عن الحوزة وأهلها ـ أن الحوزة مبنى خاص في النجف الأشرف ، ولهذا قال : (كنا أحد الأيام في الحوزة) ، وقال : (وسيصل إلى الحوزة) ، وسيأتي قريباً قوله : (ولما وصل النجف زار الحوزة) ، وهو توهُّم يعرف فساده كل من عاش في النجف ولو أياماً قلائل ، فكيف بمن يدَّعي أنه عاش في النجف ودرس في الحوزة العلمية ، فإن الحوزة هي نظام الدرس في النجف ، فمن يقول : (درستُ في الحوزة) ، يريد درستُ العلوم الدينية المتعارفة ، سواء أكانت دراسته في مسجد أو في منزل أو مدرسة.

* * *

قال الكاتب : ولما وصل النجف زار الحوزة ، فكان الاحتفاء به عظيماً من قبَلِ الكادر الحوزي علماءً [كذا] وطُلَّاباً ، وفي جلسة له في مكتب السيد [كذا] آل كاشف الغطَاء ضمت عدداً من السادة ، وبعض طلاب الحوزة ، وكنت أحد الحاضرين.

وأقول : لقد كرَّر الكاتب نفس أغلاطه السابقة ، فوصف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس‌سره في كل كلامه بأنه (سيِّد) ، بل غلَّط السائل أيضاً في ذلك ، فجعله يخاطب الشيخ ب ـ (سيّد) كما سيأتي قريباً.

كما أنه وقع في سقطة أخرى كبيرة ، فزعم أن الشيخ كاشف الغطاء رحمه‌الله كان له مكتب في النجف الأشرف ، مع أن الأمر ليس كذلك كما نبَّهنا عليه فيما تقدّم.

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الكاتب في كل كتابه لم يصف

٢٩٢

(النجف) بالأشرف ، مع أن علماء الشيعة حتى صغار طلبة العلم يلتزمون بوصف النجف بهذا الوصف في كتاباتهم.

فلا ندري لِمَ تنكَّر الكاتب لمدينة أمير المؤمنين عليه‌السلام التي يدَّعي أنه تلقى فيها كل علومه؟!

* * *

قال الكاتب : وفي أثناء هذه الجلسة دخل شاب في عنفوان شبابه ، فسلم فَرَدَّ الحاضرون السلام ، فقال للسيد [كذا] آل كاشف الغطاء : سيد ، عندي سؤال. فقال له السيد : وجه سؤالك إلى السيد شرف الدين.

فأحاله إلى ضيفه السيد شرف الدين تقديراً وإكراماً له.

قال السائل : سيد ، أنا أدرس في لندن للحصول على الدكتوراة ، وأنا ما زلت أعزب غير متزوج ، وأريد امرأة تعينني هناك ـ لم يُفْصحْ عن قصده أول الأمر ـ.

قال له السيد شرف الدين : تَزَوَّجْ ثمّ خُذ زوجتك معك.

فقال الرجل : صعب علي أن تسكن امرأة من بلادي معي هناك.

فعرف السيد شرف الدين قصده ، فقال له : تريد أن تتزوج امرأة بريطانية إذن؟ قال الرجل : نعم. فقال له شرف الدين : هذا لا يجوز ، فالزواج باليهودية أو النصرانية حرام.

وأقول : هذا من الأكاذيب المفضوحة ، فإن السيد شرف الدين قدس‌سره يفتي بجواز نكاح الكتابية ، وقد نصَّ على ذلك في كتابيه (مسائل فقهية) ، و (أجوبة مسائل جار الله) ، حيث قال :

نكاح المتعة وفيه فصول : ١ ـ حقيقة هذا النكاح : إنما حقيقته أن تزوِّجك المرأةُ الحرة الكاملة المسلمة أو الكتابية نفسَها ، حيث لا يكون لك مانع في دين الإسلام عن

٢٩٣

نكاحها ، مِن نَسَبٍ أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدَّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية ، ككونها معقوداً عليها لأحد آبائك ، وإن كان قد طلَّقها أو مات عنها قبل الدخول بها ، وككونها أختاً لزوجتك مثلاً ، أو نحو ذلك (١).

وهذه العبارة فيها تصريح بجواز نكاح الكتابية متعة ، فهل يصدِّق منصف بعد ذلك هذه الحكاية الملفَّقة؟!

* * *

قال الكاتب : فقال الرجل : كيف أصنع إذن؟

فقال له السيد شرف الدين : ابحث عن مسلمة مقيمة هناك عربية أو هندية أو أي جنسية أخرى بشرط أن تكون مسلمة.

فقال الرجل : بحثت كثيراً فلم أجد مسلمات مقيمات هناك تصلح إحداهن زوجة لي ، وحتى أردت أن أتمتع فلم أجد ، وليس أمامي خيار إما الزنا وإما الزواج وكلاهما متعذر علي. أما الزنا فإني مبتعد عنه لأنه حرام ، وأما الزواج فمتعذر علي كما ترى وأنا أبقى هناك سنة كاملة أو أكثر ثمّ أعود إجازة لمدة شهر ، وهذا كما تعلم سفر طويل فما ذا أفعل؟

وأقول : لقد قلنا آنفاً : إن السيد رحمه‌الله يفتي بجواز التمتع بالكتابية ، وحينئذ فإن كان هذا الشاب مقلِّداً للسيد شرف الدين فيجوز له أن يتمتع بكتابية ، وإن كان مقلّداً للشيخ كاشف الغطاء فيجوز له أن يتزوج بكتابية دواماً أو متعة كما أفتى بذلك في كتابه (تحرير المجلة) حيث قال : أما الكتابية ـ يهودية أو نصرانية بل ومجوسية ـ فإن أسلم دونها فهي على نكاحه قبل الدخول وبعده ، دائماً ومنقطعاً ، كتابياً أو غيره. وأما في الابتداء فقيل بالحرمة ، وقيل : يجوز منقطعاً لا دائماً. وقيل :

__________________

(١) مسائل فقهية ، ص ٧٢. ونحو هذه العبارة في أجوبة مسائل جار الله ، ص ٨٥.

٢٩٤

يجوز مطلقاً. وهو مقتضى ظاهر قوله تعالى في سورة المائدة التي لا نسخ فيها (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) إلى قوله عز شأنه (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، ويمكن حمل النواهي في السنة المطهرة على التنزيه (١).

وبذلك تنحل القضية من رأس.

إلا أن الكاتب لما وضع هذه القصة لم يلتفت إلى فتاوى هذين العلَمين ، وأن المسألة محلولة عندهم ، فافتعل القصة بالصورة التي يظن أنه يستطيع بها أن يموِّه على العوام ، ولكن لله كشف زيفه وكذبه.

ولو سلَّمنا أن هذا الشاب لا يستطيع أن يتزوج هناك بامرأة مسلمة أو كتابية ، لا دواماً ولا متعة ، فيجب عليه حينئذ أن يمنع نفسه من الوقوع في الحرام ، فيكفّ نفسه عن الزنا واللواط وغيرهما من المحرَّمات ، وإلا فيجب عليه ترك المكث والدراسة في تلك البلاد ، والرجوع إلى بلده.

ومثل هذه المسألة البسيطة لا تخفى على السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء قدِّس سرُّهما.

* * *

قال الكاتب : سكت (٢) السيد شرف الدين قليلاً ثمّ قال : إن وَضْعَكَ هذا مُحْرِجٌ فِعلاً .. على أية حال أذكرُ أني قرأت رواية للإمام جعفر الصادق رضي الله عنه ، إذ جاءه رجل يسافر كثيراً ويتعذر عليه اصطحاب امرأته أو التمتع في البلد الذي يسافر إليه بحيث إنه يعاني مثلما تعاني أنت ، فقال له أبو عبد الله رضي الله عنه : (إذا طال بك السفر فعليك

__________________

(١) تحرير المجلة ٥ / ٢٤.

(٢) هنا حاشية للكاتب سيأتي الجواب عنها قريباً.

٢٩٥

بنَكْحِ الذكر) (١)!! هذا جواب سؤالك.

وأقول : هذا من أكاذيبه الواضحة ، فإن مثل هذه الرواية لا توجد في كتب الشيعة ، فكيف يمكن للسيد شرف الدين قدس‌سره أن يفتي على طبقها من غير أن ينظر في سندها ويتأكد من صحَّتها؟

إن الكاتب يظن أن الفقيه يمكنه استنباط الأحكام الشرعية بمجرد وجود رواية من غير النظر إلى سندها وما يعارضها من أخبار كما صنع هو في كل كتابه ، ولهذا لفَّق مثل هذه القضية على السيد شرف الدين.

وهذه الفتوى في الأصل منقولة عن بعض المفتين من أهل السنة ، وقد نقلها صاحب كتاب مطالع الأنوار كما في كتاب الأربعين للشيخ محمد طاهر القمي الشيرازي عن أبي حنيفة ، حيث قال :

وأعظم من هذا قوله [يعني أبا حنيفة] : إن نكاح الأم وإن علَتْ ، والبنت وإن نزلتْ ، والأخت وبنت الأخت والعمة والخالة ، جائز بشرط لف الحريرة. وإذا اشترى الرجل أُمَّه وأخته وقرابته جاز له نكاحهن ، والأجير إذا استأجره جاز له أن يلوط به بلف الخرقة ، وقال في المشتري بأنه لا يجوز له ذلك إلا بشرط كونه غير محصن ، وقال ناظمهم :

وجائزٌ نَيْكُ الغُلامِ الأَمْرَدِ

مُجَوَّزٌ لِلرَّجُلِ المجرَّدِ

هذا إذا كانَ وحيداً في السَّفَرْ

ولم يَجِدْ أنثى تَفِي إلا الذكَرْ (٢).

ولا ندري هل كان أبو حنيفة يفتي بذلك ، أو أن ذلك مما هو منقول عنه من غير تثبُّت وتحقيق.

__________________

(١) هنا حاشية له أخرى سيأتي الجواب عنها كذلك.

(٢) كتاب الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين ، ص ٦٤٧.

٢٩٦

قال الكاتب : خرج الرجل وعليه علامات الارتياب من هذا الجواب ، وأما الحاضرون ومنهم السيد [كذا] زعيم الحوزة فلم يلفظ أحد منهم ببنت شَفَه.

وأقول : لا ريب في أن علامات الارتياب ترتسم على كل من يسمع هذه القصة الخرافية.

وكل من عرف فتاوى علماء الشيعة ولا سيما فتاوى السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء في هذه المسألة يجزم باختلاق هذه القصة من أساسها ، لما فيها من تحليل الحرام المجمع على حرمته عند علماء الإمامية.

وعذر الكاتب المفلس وغيره ممن يسلك هذا المنهج في الطعن في مذهب وعلماء الإمامية هو أنهم لم يجدوا مطعناً صحيحاً يتشبثون به ، فلجئوا إلى ترويج الأكاذيب المفضوحة واختلاق القصص الخرافية للوصول إلى غاياتهم الدنيئة.

* * *

قال الكاتب في حاشية له في هذا الموضع : يبدو أنه احتار في جواب السائل ، ولما سنحت لي فرصة الانفراد بالسيد [كذا] آل كاشف الغطاء سألته عن هذه الرواية التي ذكرها السيد شرف الدين ، فقال لي : لم أقف عليها فيما قرأت. ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أجد مصدر تلك الرواية في كل ما قرأت وكلما وقع بيدي من كتب الأخبار فلم أعثر على مصدر لها ، وأظن أنه ارتجلها لئلا يحرج بالجواب أمام الحاضرين.

وأقول : إن مثل هذه المسألة البسيطة لا يحتار في الجواب عنها واحد من صغار طلبة العلم فضلاً عمن هو مثل السيد شرف الدين قدس‌سره.

والسيد رحمه‌الله لا يمكن أن يكذب على الإمام الصادق عليه‌السلام بافتراء رواية بهذا النحو من السخف والبذاءة ، لمجرد التخلص من الإحراج المزعوم.

والكاتب قد اعترف بأن هذه الرواية لا وجود لها في كتب الشيعة ، وأنها مختلقة

٢٩٧

عليهم ، ونحن نعرف من اختلقها ، ومع ذلك فسيأتي قريباً تصريحه في بعض حواشيه بأنه قرأ في بعض (المنظومات) التي كان يقرؤها نصاً لا شبهة فيه ، وهو قول الناظم : (وجائز نكاح الغلام الأمرد) ، فالحمد لله الذي كشف تهافت كلامه وتضارب أقواله.

* * *

وقال الكاتب في حاشية أخرى له في هذا الموضع أيضاً : أخبرني بعض تلاميذ السيد شرف الدين أنه في زيارته لأوروبا كان يتمتع بالأوروبيات كثيراً وبخاصة الجميلات منهن ، فكان يستأجر كل يوم واحدة ، وكان متزوجاً من شابة مسيحية مارونية اسمها نهار كتابيات أيضاً [كذا] ، فلما ذا يحل لنفسه ما يحرِّمه على غيره؟

وأقول : الظاهر أن مراد الكاتب أن السيِّد شرف الدين نفسه هو الذي ذهب إلى أوروبا وكان يتمتَّع بالأوروبيات كما هو ظاهر قوله : (فلما ذا يحل لنفسه ما يحرِّمه على غيره؟).

ولا ريب في وضوح هذه الفرية ، وذلك لأن السيد شرف الدين قدس‌سره لم يسافر إلى أوروبا ، وترجمته موجودة في أكثر كتبه ، وأسفاره رحمه‌الله معروفة ، وهي لا تتعدى مصر والحجاز وفلسطين والشام والعراق وإيران ، فمتى سافر السيِّد إلى أوروبا؟ ومتى تمتع بالأوروبيات؟

ثمّ من هو راوي هذه القصة الذي وصفه الكاتب بأنه أحد تلامذة السيد؟ ولما ذا لم يصرِّح الكاتب باسمه حتى يُعرف سند هذه الرواية؟

ومن الواضح أن الكاتب لم يذكر اسم هذا الراوي لأنه لا يمكنه أن يذكر اسماً يفتضح بذكره ، فجعل اسم الراوي مبهماً هكذا ، وهذا دأبه في أكثر قصصه الخرافية في هذا الكتاب ، فتأملها تجدها منقولة عن شخصيات مجهولة لم تذكر أسماؤها.

٢٩٨

* * *

قال الكاتب : ضُبِطَ أحدُ السادة في الحوزة وهو يلوط بصبي أمرد من الدارسين في الحوزة. وصل الخبر إلى أسماع الكثيرين ، وفي اليوم التالي بينما كان السيد المشار إليه يتمشى في الرواق ، اقترب منه سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً ـ وكان قد بلغه الخبر ـ فخاطبه بالفُصْحَى مازحاً : سيد ، ما تقول في ضَرْبِ الحلق؟ (١) فأجابه السيد الأول بمزاح أشد قائلاً له وبالفصحى أيضاً : يُسْتَحْسَنُ إدخال الحشفة فقط ، وقهقه الاثنان بقوة!!؟؟

وأقول : أنا أعجب من هذا الكاتب كيف لا يستحيي أن ينقل أمثال هذه القصص المكذوبة التي لا دليل على صحَّتها إلا نقل كاتبها الذي لا يوثق به؟

وعلماء الشيعة أجل وأتقى من أن يصدر منهم أمثال هذه الرذائل والموبقات ، بل نحن ننزّه كل شريف عن أمثال هذه الأفعال القبيحة ، سُنّياً كان أم شيعياً ، فضلاً عن أن يكون عالماً من العلماء أو فاضلاً من الفضلاء.

هذا مع أن نقل أمثال هذه الأمور ـ لو سلَّمنا بوقوعها ـ مندرج في باب إشاعة الفاحشة في المسلمين الذي هو منهي عنه بنصِّ الكتاب العزيز.

قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢).

قال ابن كثير في تفسيره : وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئاً من الكلام السيِّئ ، فقام بذهنه شيء منه وتكلم به ، فلا يكثر منه ولا يشيعه ويذيعه ، فقد قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣).

__________________

(١) يريد بذلك حَلَقة الدبر (حاشية من الكاتب).

(٢) سورة النور ، الآية ١٩.

(٣) تفسير القرآن العظيم ٣ / ٢٧٥.

٢٩٩

* * *

قال الكاتب : وهناك سيد من علماء الحوزة مشهور باللواطة [كذا] ، رأى صبياً يمشي مع سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً ، فسأله : من هذا الصبي الذي معك؟ فأجابه : هذا ابني فلان.

فقال له : لِمَ لا ترسله إلينا لنقوم بتدريسه وتعليمه كي يصبح عالماً مثلك؟ فأجابه ساخراً : أيها السافل الحقير ، أتريد أن آتيك به لتفعل به (كذا وكذا)!؟

وهذه الحادثة حدثني بها أحد الثقات من أساتذة الحوزة (١).

وأقول : هذه القضية كسابقاتها من القضايا المكذوبة التي لا سند لها ولا هوية معروفة لأشخاصها.

وهل من المعقول أن يطلب شخص مشهور باللواط من رجل يعرفه بهذه الصفة أن يحضر له ابنه لتعليمه بكل هذه الجرأة والوقاحة؟

ولكن الكذوب مهما ظن أنه أتقن كذبه فلا بد أن يكون في كلامه خلل يفضحه ويكشف زيفه.

ثمّ مَن هو هذا الثقة الذي أخبر الكاتب بهذه الحكاية؟ لِمَ لمْ يذكره الكاتب ، ولا سيما أن ذكره لا يستلزم محذوراً ولا حرَجاً لأحد ، باعتبار أنها قصة قد خلتْ من ذِكر الأسماء وتعيين الأشخاص.

* * *

قال الكاتب : في حاشية له في هذا الموضع : وليس بغريب ولا عجيب ، فإن بعض المنظومات [كذا] التي كنا نقرؤها تنص على ذلك نصاً لا شبهة له ، ألم يقل الناظم : «وجائز نكاح الغلام الأمرد ....».

__________________

(١) هنا حاشية له سيأتي الجواب عنها قريباً.

٣٠٠