لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

واستشكله السهيلي وغيره ، ولا إشكال فيه ...

الثالث : عام الفتح ، رواه مسلم من حديث سبرة بن معبد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى في يوم الفتح عن متعة النساء. وفي لفظ له : أمرنا بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ، ثمّ لم يخرج حتى نهانا عنها. وفي لفظ له : إن رسول الله قال : يا أيها الناس إني كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة.

الرابع : يوم حنين ، رواه النسائي من حديث علي ... وفي رواية لسلمة بن الأكوع أن ذلك كان في عام أوطاس. قال السهيلي : هي موافقة لرواية من روى عام الفتح وأنهما كانا في عام واحد.

الخامس : غزوة تبوك ، رواه الحازمي من طريق عباد بن كثير عن ابن عقيل عن جابر ، قال : خرجنا مع رسول الله إلى غزوة تبوك ، حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام ، جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برجالنا ، فسألَنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهن وأخبرناه ، فغضب وقام فينا خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، ونهى عن المتعة ، فتوادعنا يومئذ ، ولم نعد ولا نعود فيها أبداً ، فبها سُمِّيت يومئذ (ثنية الوداع) ، وهذا إسناد ضعيف ، لكن عند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة ما يشهد له ، وأخرجه البيهقي من الطريق المذكورة بلفظ : (خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، فنزلنا ثنية الوداع. فذكره ...

السادس : حجة الوداع ، رواه أبو داود من طريق الربيع بن سبرة ، قال : أشهدُ على أبي أنه حدَّث أن رسول الله نهى عنها في حجة الوداع (١).

هذه هي أحاديثهم التي رووها في تحريم نكاح المتعة ، فانظر أيها القارئ العزيز إلى أي مدىً بلغ اضطرابها وتعارضها واختلافها.

* * *

__________________

(١) تلخيص الحبير ٣ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

٢٤١

قال الكاتب : وأما أن قول أبي عبد الله رضي الله عنه في جوابه للسائل كان تقية ، أقول : إن السائل كونه من شيعة أبي عبد الله فليس هناك ما يبرر القول بالتقية خصوصاً وأنه يوافق الخبر المنقول عن الأمير رضي الله عنه في تحريم المتعة يوم خيبر.

وأقول : لقد أوضحنا الجواب عن هذه الرواية الضعيفة السند ، وعن حملها على التقية ، فراجع ما قلناه فيما سبق ، ولا حاجة للإعادة والتكرار.

* * *

قال الكاتب : إن المتعة التي أباحها فقهاؤنا تعطي الحق للرجل في أن يتمتع بعدد لا حصر له من النسوة ، ولو بألف امرأة وفي وقت واحد.

وأقول : إن المتعة التي أباحها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبعه عليها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وأخذها شيعتهم منهم ، لم تُحَد بعدد من النسوة ، وحالها كحال ملك اليمين ، وقد مرَّ علينا آنفاً بيان أن رواية (التمتع بألف امرأة) ضعيفة السند ، فلا تغفل عما قلناه.

ثمّ إن الدليل الذي حصر الزوجات بأربع إنما هو مخصوص بالنكاح الدائم ، وأما ما عدا ذلك من صنوف النكاح كالتسرِّي بالإماء ونكاح المتعة فالأدلة فيهما مطلقة ، غير مخصَّصة بأربع نسوة ، ولهذا كانوا لا يرون تحديد التسري بأربع إماء.

قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم : وقوله تعالى (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي ، ولهذا قال : مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (١).

وأخرج عبد الرزاق في مصنَّفه عن ابن جريج قال : سألت عطاء : أيستمتع الرجل بأكثر من أربع جميعاً؟ وهل الاستمتاع إحصان؟ وهل يحل استمتاع المرأة

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٧٤.

٢٤٢

لزوجها إن كان بتَّها؟ فقال : ما سمعت فيهن بشيء ، وما راجعت فيهن أصحابي.

قلت : ولو كانت أحكام النكاح الدائم جارية على نكاح المتعة لكان الجواب معلوم عنده ، ولا يحتاج لمراجعة أصحابه.

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ العزيز إلى أن ابن جريج كان يرى حلِّية المتعة ، وقيل : إنه تمتع بستين أو بتسعين امرأة (١).

* * *

قال الكاتب : وكم من مُتَمَتِّع جمع بين المرأة وأمها ، وبين المرأة وأُختها ، وبين المرأة وعمّتها أو خالتها وهو لا يدْري.

جاءتني امرأة تستفسر مني عن حادثة حصلت معها ، إذ أخبرتني أن أحد السادة وهو السيد حسين الصدر كان قد تمتع بها قبل أكثر من عشرين سنة ، فحملت منه ، فلما أشبع رغبته منها فارقها ، وبعد مدة رُزِقَتْ ببنت ، وأقسمت أنها حملت منه هو إذ لم يتمتع بها وقت ذاك أحد غيره.

وبعد أن كبرت البنت وصارت شابة جميلة متأهلة للزواج ، اكتشفت الأم أن ابنتها حبلى ، فلما سألتها عن سبب حملها ، أخبرتها البنت أن السيد المذكور استمتع بها فحملت منه ، فدهشت الأم وفقدت صوابها ، إذ أخبرت ابنتها أن هذا السيد هو أبوها ، وأخبرتها القصة ، فكيف يتمتع بالأم ، واليوم يأتي ليتمتع بابنتها التي هي ابنته هو؟

ثمّ جاءتني مستفسرة عن موقف السيد المذكور منها ومن ابنتها التي ولدتها منه.

وأقول : هذه قصة من القصص الخرافية التي لا يُعوَّل عليها ولا يُعتنى بها ،

__________________

(١) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ ١ / ١٧٠ : وقال جرير : كان ابن جريج يرى المتعة ، تزوج ستين امرأة. وقال : قال ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : استمتع ابن جريج بتسعين امرأة ، حتى إنه كان يحتقن في الليلة بأوقية شيرج طلباً للجماع.

٢٤٣

ودليلها هو نقل كاتبها الذي لا يوثق بنقله.

مع أن هذه القصة تحوطها كثير من علامات الاستفهام ، وإلا فلما ذا أخبرت تلك المرأة مدَّعي الاجتهاد والفقاهة بالذات؟ هل كانت ترجو منه حلاً لهذه المعضلة؟ أو أنها كانت تريد منه أن يسجِّل قصّتها الخرافية في كتابه (لله ثمّ للتاريخ)؟ أو أنها كانت تريد فقط أن تشنِّع بالسيد المذكور؟

ولما ذا لم يحتمل الكاتب أن تلك المرأة كانت مستأجرة لتشويه سمعة السيِّد حسين الصدر ، لا أكثر ولا أقل؟

ولما ذا صدَّق الكاتب كلامها وهو لا يعرفها ، فجعل كلامها دليلاً ، مع أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتثبت في نقل الأخبار والتبيّن من صحّتها لئلا نصيب قوماً بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين؟ وأي جهالة أعظم من نسبة مثل هذه القبائح لرجل بريء من كل ذلك؟

ثمّ إن السيد حسين الصدر رجل عقيم لا يُنجب كما هو معروف عنه ، ويعرف ذلك عنه كثير من أهل الكاظمية في العراق ، كما حدَّثني بذلك بعض الثقات الصادقين.

ثمّ هل من المتوقّع أن تنجب تلك المرأة فتاة من السيد حسين الصدر ولا تخبر ابنتها بذلك ، وتتكتم في أمر ابنتها لهذه الدرجة ، مع أن تلك الفتاة يشرِّفها أن يكون السيِّد والدها؟

ثمّ لو سلّمنا بوقوع مثل هذه القضية الخرافية فليس على المرء غضاضة أن ينكح امرأة من محارمه وهو لا يعلم ، فإن ذلك ليس محرَّماً عليه ولا على الفتاة التي تمتع بها إذا وقع ذلك منهما من غير علمهما.

وإذا كانت هذه الحادثة لا يستحيل وقوعها ، فكذلك لا يستحيل وقوع مثلها في النكاح الدائم.

٢٤٤

ولا ينقضي العجب من ادعاء الكاتب كثرة وقوع أمثال هذه الحوادث من غير دليل عنده إلا هذه القصة الخرافية التي ساقها ، ودليل كذبها معها ، مع أنا نجزم بأن أمثال هذه الوقائع إما أنها لا تقع عادة ، وإما أنها نادرة الوقوع ندرة عظيمة كما هو الحال في النكاح الدائم.

* * *

قال الكاتب : إن الحوادث من هذا النوع كثيرة جداً ، فقد تمتع أحدهم بفتاة تبين له فيما بعد أنها أخته من المتعة ، ومنهم من تمتع بامرأة أبيه. وفي إيران الحوادث من هذا القبيل لا يستطيع أحد حصرها.

وأقول : هذه مجرد دعاوى فارغة وأكاذيب واضحة ، ودليل كذبها أن الكاتب لم يسندها لمصدر صحيح ، وكان على الكاتب أن يستدل على صحَّة كلامه بإسناده لمصدر واحد على الأقل ، أو أن يوثَّق قضية واحدة من القضايا التي يزعم أنها كثيرة ، أما نثر الدعاوى هكذا مجردة عن الدليل فلا قيمة لها في مقام البحث والإثبات.

* * *

قال الكاتب : وقد رأينا ذلك بقوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ) اللهُ من فضلِه (النور ٢٣) [كذا] فمن لم يتمكن من الزواج الشرعي بسبب قلة ذات اليد فعليه بالاستعفاف ريثما يرزقه الله من فضله كي يستطيع الزواج. فلو كانت المتعة حلالاً لما أمره بالاستعفاف والانتظار ريثما تتيسر أمور الزواج ، بل لأَرْشَدَهُ إلى المتعة كي يقضي وَطَرَهُ بدلاً من المكوث والتحرق بنار الشهوة.

وأقول : إن نكاح المتعة نكاح ، فقوله تعالى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً شامل لمن لم يجد النكاح الدائم ونكاح المتعة ، فكما أن النكاح الدائم يحتاج إلى بذل مال ، فكذلك نكاح المتعة.

٢٤٥

ومنه يتضح أن من تمكن من نكاح المتعة فهو ممن يجدون نكاحاً ، فلا وجه لأمره بالصبر والاستعفاف.

ولو سلّمنا جدلاً بأن المراد بالنكاح في الآية هو النكاح الدائم فقط ، فحينئذ يكون المراد بالاستعفاف في الآية هو الاستعفاف بالحلال ، لا بالصبر عن النكاح ، فيكون المعنى : وليستعفف الذين لا يتمكنون من النكاح الدائم لما فيه من المهر والنفقة بنكاح المتعة الذي يكون المهر فيه أقل ، ولا تجب فيه نفقة.

وقد ورد هذا المعنى في بعض الأخبار ، ففي خبر حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قرأ : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً ـ بالمتعة ـ حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ (١).

وعن الفتح بن يزيد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج فليستعفف بالمتعة ... (٢)

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، قال : يتزوَّجوا حتى يغنيهم الله من فضله (٣).

قلت : فالمعنى هو أن من لم تكن عنده امرأة ينحكها فليستعفف ، أي فليطلب العفة بالتزويج ، ليغنيه الله من فضله ، فإن من تزوَّج وسَّع الله عليه من فضله كما دلَّت على ذلك الأخبار الكثيرة.

ويشبه هذا المعنى الذي قلناه من أن المراد بالاستعفاف هو الاستعفاف بالحلال ، ما جاء في تفسير ابن كثير ، حيث قال : قال عكرمة في قوله تعالى وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً قال : هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي ، فإن

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٤ / ٤٤٨.

(٢) الكافي ٥ / ٤٥٢.

(٣) المصدر السابق ٥ / ٣٣١.

٢٤٦

كانت له امرأة فليذهب إليها وليقضِ حاجته منها (١).

وما أخرجه السيوطي في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم ، عن أبي روق : (وَلْيَسْتَعْفِف) يقول : عما حرَّم الله عليهم حتى يرزقهم الله.

وعن ابن عباس في قوله (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً) الآية ، قال : ليتزوج من لا يجد ، فإن ذلك سيغنيه (٢).

ومن كل ذلك يتضح أن الأمر بالاستعفاف لا ينافي حلّية نكاح المتعة كما زعمه الكاتب.

* * *

قال الكاتب : وقال الله تعالى : (وَمَن لم يستطع منكم طَوْلاً أن ينكحَ المحصناتِ المؤمناتِ فَمِن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات إلى قوله تعالى : ذلك من خشي العنتَ منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم) (النساء ٢٥).

فأرشد الذين لا يستطيعون الزواج لقلة ذات اليد أن يتزوجوا ما ملكت أيمانهم ، ومن عجز حتى عن ملك اليمين ، أمره بالصبر ، ولو كانت المتعة حلالاً لأرشده إليها.

وأقول : هذه الآية إنما جاءت في كتاب الله بعد آية المتعة ، وهي الآية ٢٤ من سورة النساء.

قال تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَ

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٣ / ٢٨٧. ونقلها السيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٨٩.

(٢) الدر المنثور ٦ / ١٨٩.

٢٤٧

اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

فبعد أن ذكر سبحانه وتعالى أنه يجب المهر بنكاح المتعة ، ذكر أن من لم يستطع لضيق ذات يده أن ينكح امرأة دواماً أو متعةً ويبذل لها مهرها ونفقتها ، فلينكح أَمَةً من إماء المؤمنين ، وذلك لأن مهر الأمة دون مهر الحرّة ، ومئونتها دون مئونة الحرّة عادة.

ومنه يتضح أن الآية فيها دلالة على أن نكاح الإماء إنما هو لمن لم يتمكّن من نكاح الحرائر متعةً أو دواماً ، ولم يكن عنده مهر يبذله لهن ، فإن لم يتمكن من نكاح الإماء فليصبر حتى يرزقه الله ما يتمكن به من نكاح غيرهن.

* * *

قال الكاتب : ولا بد لنا أن ننقل نصوصاً أخرى عن الأئمة عليهم‌السلام في إثبات تحريم المتعة :

عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله رضي الله عنه عن المتعة فقال : (لا تُدَنِّسْ نفسَك بها) بحار الأنوار ١٠٠ / ٣١٨.

وهذا صريح في قول أبي عبد الله رضي الله عنه أَن المتعةَ تُدَنِّسُ النفْسَ ، ولو كانت حلالاً لما صارت في هذا الحكم.

وأقول : إنما تدنّس النفس إذا كانت مع الفواجر والفواحش ، وأما إذا كانت مع

__________________

(١) سورة النساء ، الآيتان ٢٤ ، ٢٥.

٢٤٨

المصونات والعفائف فلا تدنيس فيها.

فلا أدري كيف يدنِّس الرجل نفسه إذا تزوَّج امرأة مؤمنة عفيفة ، يعف بها نفسه ، ويحصن بها فرجه؟

ولعل المتعة كان لا يفعلها في المدينة في زمن الإمام الصادق عليه‌السلام إلا الفواجر ، فلهذا صارت مُدَنِّسة لمن يفعلها آنذاك ، لأن الفواجر مدنَّسات بفجورهن ، ومدنِّسات لمن يتزوَّج بهن.

فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري في نوادره عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما تفعلها عندنا إلا الفواجر (١).

أو لعل تدنيسها للرجل بسبب ما يلحقه من الشنعة أو اللوم أو المؤاخذة بسببها.

ولا ينقضي العجب ممن يطعن في المتعة بهذا الطعن أو بأنها زنا أو ما شابههما من الطعون التي تستلزم الطعن في أصل تشريعها المجمع عليه ، بل في مشرِّعها سبحانه وتعالى.

لأن لازم وصف نكاح المتعة بذلك هو أن الله سبحانه يجوز عليه أن يبيح للناس الفواحش والرذائل الخلقية التي تدنّس النفوس والأعراض.

كما أن لازم ذلك هو اعتقاد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رخَّص للمسلمين في فترات مختلفة بعض المساوئ القبيحة التي يستنكف منها كل مؤمن غيور ، واعتقاد أن الصحابة كانوا يعملون هذه الفاحشة في غزواتهم وأسفارهم.

* * *

قال الكاتب : ولم يكتف الصادق رضي الله عنه بذلك بل صرح بتحريمها : عن عمار

__________________

(١) النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، ص ٨٧.

٢٤٩

قال : قال أبو عبد الله رضي الله عنه لي ولسليمان بن خالد : (قد حُرِّمَتْ عليكما المتعة) فروع الكافي ٢ / ٤٨ ، وسائل الشيعة ١٤ / ٤٥٠.

وأقول : لقد بتر الكاتب ذيل الرواية وحرَّف بعض ألفاظها ، فجاءت مشعرة بتحريم المتعة ، ولكنها ليست كذلك.

وإلى القارئ الكريم نص الرواية ليعلم أن الكاتب ليس بمؤتَمن في نقله ، وليس صادقاً مع قارئه.

فقد روى الكليني عليه الرحمة في الكافي عن عدة من أصحابه ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، ومحمد بن الحسين جميعاً ، عن الحكم بن مسكين ، عن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لي ولسليمان بن خالد : قد حرَّمتُ عليكما المتعة من قِبَلي ما دمتما بالمدينة ، لأنكما تكثران الدخول عليَّ ، فأخاف أن تؤخذا ، فيقال : هؤلاء أصحاب جعفر (١).

والرواية واضحة الدلالة ، فإن الإمام عليه‌السلام إنما حرَّمها عليهما مِنْ قِبَله ـ أي منعهما منها من جهته ـ لأنهما من شيعته عليه‌السلام ، وكانا يتردَّدان عليه كثيراً ، فخشي الإمام عليه‌السلام أن يؤخذا فيُنكَّل بهما ، ويُشَنَّع عليه بأن أصحابه عليه‌السلام يعملون المحرَّمات بزعمهم ، فنهاهما عنها ما داما في المدينة.

ومما قلناه يتضح أن الرواية ـ على العكس ـ تدل على حلّية المتعة لا حرمتها ، وذلك لأن أصحاب الإمام عليه‌السلام كانوا يمارسونها بعلم من الإمام عليه‌السلام ، وإنما نهى هذين الرجلين ما داما في المدينة تجنباً لبعض المحاذير فقط.

هذا مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة السند ، فإن من جملة رواتها سهل بن زياد ، وقد مرَّ بيان حاله. ومنهم الحكم بن مسكين ، وهو مجهول الحال ، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

__________________

(١) الكافي ٥ / ٤٦٧.

٢٥٠

فأين التحريم الصريح الذي زعمه مدَّعي الفقاهة والاجتهاد؟!

* * *

قال الكاتب : وكان رضي الله يُوَبِّخُ أصحابه ويُحَذِّرُهُمْ من المتعة ، فقال : أما يستحي أحدُكم أن يُرى في موضع فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟ الفروع ٢ / ٤٤ ، وسائل الشيعة ١٤ / ٤٥٠.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، فإن من جملة رواتها صالح بن أبي حماد.

قال النجاشي في رجاله : صالح بن أبي حماد أبو الخير الرازي ، واسم أبي الخير (زاذويه) ، لقي أبا الحسن العسكري عليه‌السلام ، وكان أمره ملبساً ، يعرف وينكر (١).

وقال ابن الغضائري : صالح بن أبي حماد الرازي أبو الخير ، ضعيف (٢).

ومن جملة الرواة ابن سنان ، وهو محمد بن سنان ، بقرينة رواية صالح بن أبي حماد عنه في غير موضع (٣) ، وليست له رواية عن عبد الله بن سنان.

ومحمد بن سنان ضعيف على المشهور المنصور ، فقد قال فيه النجاشي : وهو رجل ضعيف جداً لا يُعوَّل عليه ، ولا يُلتفت إلى ما تفرد به ، وقد ذكر أبو عمرو في رجاله ، قال : أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري ، قال : قال أبو محمد الفضل ابن شاذان : لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان (٤).

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست : محمد بن سنان ، له كتب ، وقد طُعن عليه وضُعِّف (٥).

__________________

(١) رجال النجاشي ١ / ٤٤١.

(٢) رجال ابن الغضائري ، ص ٧٠.

(٣) راجع الكافي ٥ / ١٥٣ ، ٣٠٥. الاستبصار ٣ / ٧٠.

(٤) رجال النجاشي ٢ / ٢٠٨.

(٥) الفهرست ، ص ٢١٩.

٢٥١

وقال ابن الغضائري : ضعيف غالٍ ، يضع الحديث ، لا يُلتَفَت إليه (١).

وعليه ، فالحديث ضعيف السند ، لا يُحتج به في شيء.

ومع الإغماض عن سند الحديث فليس المراد به تحريم المتعة ، وإنما المراد به هو الحث على الكف عنها إذا كانت بمرأى ومسمع ممن يرى تحريمها ويعيبها ، فيكون فعلها سبباً للعيب على فاعلها وعلى إخوانه الشيعة المعتقدين لحلّيتها.

ولهذا قال في الحاشية نقلاً عن كتاب مرآة العقول : أي يراه الناس في موضع يعيب من يجدونه فيه ، لكراهتهم للمتعة ، فيصير ذلك سبباً للضرر عليه وعلى إخوانه وأصحابه الموافقين له في المذهب.

* * *

قال الكاتب : ولما سأل علي بن يقطين أبا الحسن رضي الله عنه عن المتعة أجابه : (ما أنت وذاك؟ قد أغناك الله عنها) الفروع ٢ / ٤٣ ، الوسائل ١٤ / ٤٤٩.

نعم إن الله تعالى أغنى الناس عن المتعة بالزواج الشرعي الدائم.

وأقول : لقد بَتَر الكاتب هذه الرواية كعادته ، ليوهم القارئ بأن الرواية تدل على مطلوبه.

ونص الرواية هو : عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها. قلت : إنما أردتُ أن أَعْلَمها. فقال : هي في كتاب علي عليه‌السلام. فقلت : نزيدها وتزداد؟ فقال : وهل يطيبه إلا ذاك.

وفي هامش المطبوعة بيان معنى الحديث منقولاً عن مرآة العقول ، قال : (وهل يطيبه) الضمير راجع إلى عقد المتعة ، ومراد السائل أنه يجوز لنا بعد انقضاء المدة أن نزيدها في المهر وتزداد المرأة في المدة؟ أي تزويجها بمهر آخر مدة أخرى من غير عدة

__________________

(١) رجال ابن الغضائري ، ص ٩٢.

٢٥٢

وتربُّص؟ فقال عليه‌السلام : العمدة في طيب المتعة وحسنها هو ذلك ، فإنه ليس مثل الدائم بحيث يكون لازماً له ... بل يتمتعها مدة ، فإن وافقه يزيدها وإلا يتركها ، وعلى هذا يحتمل أن يكون ضمير (يطيبه) راجعاً إلى الرجل ، أي هذا سبب لطيب نفس الرجل وسروره بهذا العقد ، ويحتمل أن يكون المعنى : لا يحل ولا يطيّب ذلك العقد إلا ذكْرُ هذا الشرط فيه كما ورد في خبر الأحول في شروطها : (فإن بدا لي زدتك وزدتني) ، ويكون محمولاً على استحباب ذكره في ذلك العقد. وفي بعض النسخ (نريدها ونزداد) ، أي نريد المتعة ونحبّها ونزداد منها ، فقال عليه‌السلام : طيبه والتذاذه في إكثاره (١).

قلت : ومنه يتضح أن الإمام عليه‌السلام نهى علي بن يقطين عن نكاح المتعة ، لأن الله سبحانه وتعالى قد أغناه عنها ، ولعلَّ السبب في نهيه عنها هو أن علي بن يقطين كان وزيراً لهارون الرشيد ، فخشي الإمام عليه‌السلام أن يكون ذلك سبباً لانكشاف أمره ومعرفة هارون أنه واحد من الشيعة ، فيصيبه البلاء بسبب ذلك. فلما أخبر الإمام عليه‌السلام بأنه إنما يريد أن يعرف حكمها فقط ، أخبره بأنها في كتاب علي عليه‌السلام ، وأنها مباحة ، فسأل ابن يقطين : هل نزيدها فتزداد؟ فأجابه الإمام عليه‌السلام : وهل يطيبه إلا ذاك؟ وقد تقدم آنفاً بيان معنى هذا السؤال وجوابه.

والنتيجة أن الحديث يدل بوضوح على حلّية نكاح المتعة كما أوضحناه ، ولا يدل على حرمتها كما أراد الكاتب أن يوهم قُرَّاءه بذلك.

* * *

قال الكاتب : ولهذا لم يُنْقَلْ أَن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت عليهم‌السلام ، فلو كان حلالاً لفعلن ، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن عمير قال لأبي جعفر رضي الله عنه : (يسرك أنَّ نساءَك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟ ـ أي يتمتعن ـ فأعرض عنه أبو جعفر رضي الله عنه حين ذكر نساءه وبنات عمه) الفروع ٢ / ٤٢ ، التهذيب ٢ / ١٨٦.

__________________

(١) عن هامش الكافي ٥ / ٤٥٢.

٢٥٣

وأقول : إن حلّية المتعة وغيرها من المحلَّلات إنما تُعرف من النصوص الصحيحة ، وليس شرطاً أن يمارسها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تصدر من امرأة من أهل البيت عليهم‌السلام ، فإن اشتراط ذلك لم يقل به أحد ، وقد مرَّ بيان ذلك فيما سبق.

وأكثر أحكام الشريعة لا يوجد دليل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلها ، ولهذا أجمع أهل السُّنة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح نكاح المتعة ثمّ حرَّمها ، ولم يرووا أنه تمتَّع في وقت حلّيتها بامرأة قط ، ورووا ذلك عن بعض الصحابة.

وأجمعوا على أن الزانية يحل نكاحها ، بشرط توبتها عند أحمد بن حنبل (١) ، مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتزوج من زانية قط.

وأجمعوا على أن من طلَّق زوجته قبل الدخول رجع عليها بنصف المهر ، ولم يرووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلق ورجع بنصف المهر.

وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز ، وهو أن يعقد النكاح دون صداق (٢) ، مع أنهم لم يرووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله.

بل إنهم اتفقوا على حلّية أمور نصّوا على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعلها ، بل كرهها.

منها : حكمهم بحلّية أكل لحم الضب مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأكله ، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عمر قال : سأل رجلٌ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب ، فقال : لا آكله ولا أحرِّمه (٣).

وعن توبة العنبري سمع الشعبي ، سمع ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد ، وأتُوا بلحم ضبٍّ ، فنادت امرأة من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه لحم ضب. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كُلُوا ، فإنه حلال ، ولكنه ليس من طعامي (٤).

__________________

(١) راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، ص ٣٩٦.

(٢) راجع بداية المجتهد ٣ / ٦١.

(٣) صحيح مسلم ٣ / ١٥٤٢.

(٤) نفس المصدر.

٢٥٤

وعن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : أُتِيَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضب ، فأبى أن يأكل منه ، وقال : لا أدري لعلَّه من القرون التي مُسِختْ (١).

والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً لا حاجة لاستقصائها ، وهي دالة بأوضح دلالة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلَّل لهم الضب مع أنه لم يأكله. ولهذا أفتى الأئمة الأربعة بحلّية أكل لحم الضب ، على كراهة عند مالك فقط (٢).

ومنها : أنهم أجمعوا على حلّية أكل الثوم ، ومع ذلك رووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يأكل منه ، لأنه كان ينزل عليه الوحي.

ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أُتِيَ بطعام أكل منه ، وبعث بفضلِهِ إلي ، وإنه بعث إليَّ يوماً بفضلةٍ لم يأكل منها ، لأن فيها ثوماً ، فسألته : أحرام هو؟ قال : لا ، ولكني أكرهه من أجل ريحه (٣).

وفي حديث آخر قال : أحرام هو؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا ولكني أكرهه. قال : فإني أكره ما تكره أو ما كرهت. قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يُؤتى (٤).

ومن كل ذلك يتضح أنه لا يلزم للحكم بحلّية شيء أن يفعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد من أهل بيته.

هذا مع أنا ذكرنا فيما تقدَّم بعض الأحاديث التي جاء فيها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام قد تزوجا متعة ، فراجع.

وأما إعراض الإمام الباقر عليه‌السلام عن عبد الله بن عمير فلعله بسبب جهله ، عملاً بقوله تعالى وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ، أو لعله أعرض عنه لما تبين له عناده ومجادلته

__________________

(١) نفس المصدر ٣ / ١٥٤٥.

(٢) راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، ص ٢٥١.

(٣) صحيح مسلم ٣ / ١٦٢٣.

(٤) نفس المصدر. و (يؤتى) أي تأتيه الملائكة وينزل عليه الوحي.

٢٥٥

بالباطل ، والله العالم.

* * *

قال الكاتب : وبهذا يتأكد لكل مسلم عاقل أن المتعة حرام ، لمخالفتها لنصوص القرآن الكريم وللسنة ولأقوال الأئمة عليهم‌السلام.

والناظر للآيات القرآنية الكريمة والنصوص المتقدمة في تحريم المتعة ـ إن كان طالباً للحق مُحبّا له ـ لا يملك إلا أن يحكم ببطلان تلك الروايات التي تحث على المتعة لمعَارضتها لصريح القرآن وصريح السنة المنقولة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، ولما يترتب عليها من مفاسد لا حصر لها بَيَّنَا شيئاً منها فيما مضى.

وأقول : لقد تقدَّم أن القرآن الكريم قد نصَّ على حلّية نكاح المتعة بقوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.)

وقد اعترف جمع من علماء أهل السنة بأن المراد بالاستمتاع في الآية نكاح المتعة.

قال القرطبي : وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأُبَيّ وابن جبير : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) ، ثمّ نهى عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال الطبري : وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما تمتّعتم به منهن بأجرٍ تمتُّعَ اللذة ، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بوليٍّ وشهود ومهر. ذِكْر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط عن السدي : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٢٩.

٢٥٦

تراضيتم به من بعد الفريضة) ، فهذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمَّى ، ويُشهد شاهدين ، وينكح بإذن وليِّها ، و

إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريَّة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه.

حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ قال : يعني نكاح المتعة.

حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن عيسى قال : حدثنا نصير بن أبي الأشعث قال : ثني حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال : أعطاني ابن عباس مصحفاً ، فقال : هذا على قراءة أُبَيّ. قال أبو بكر : قال يحيى : فرأيت المصحف عند نصير ، فيه : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).

حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود عن أبي نضرة قال : سألتُ ابن عباس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء؟ قال : قلت : بلى. قال : فما تقرأ فيها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى)؟ قلت : لا ، لو قرأتُها هكذا ما سألتك. قال : فإنها كذا ...

حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة قال : قرأتُ هذه الآية على ابن عباس (فما استمتعتم به منهن) ، قال ابن عباس : (إلى أجل مسمَّى). قال : قلت : ما أقرؤها كذلك. قال : والله لأنزلها الله كذلك (ثلاث مرات) ...

حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : في قراءة أُبَي ابن كعب (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).

حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) إلى هذا الموضع (فما استمتعتم به منهن) أمنسوخة هي؟ قال : لا. قال الحكم : قال علي رضي الله عنه : لو لا

٢٥٧

أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) (١).

قلت : يتضح من هذا كله أن المراد بهذه الآية هي نكاح المتعة ، وادِّعاء نسخها بالسنة غير تام ، وذلك لتعارض الأخبار بين مُثبِتٍ ونافٍ لهذا النكاح ، فلا يصح نسخ الآية المحكمة بأخبار متعارضة.

وأما ما قاله الكاتب من ثبوت تحريم المتعة بالسنة فقد ذكرنا فيما تقدَّم الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة الدالة على حلّيتها ، فراجع.

وأما ما نقله الكاتب عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، واستدل به على حرمة نكاح المتعة ، فإنه نقل رواية واحدة ضعيفة السند معارضة بروايات متواترة صحيحة ، فكيف يصح طرح المتواتر من أجل رواية ضعيفة؟!

وأما الروايات الأخرى التي بترها الكاتب ليوهم القارئ أنها تدل على تحريم المتعة ، فقد ذكرناها كاملة وأوضحنا المراد منها ، وبيَّنَّا أنها دالَّة على حلّية نكاح المتعة لا على حرمته.

وبهذا يتضح عدم تمامية كل ما تمسَّك به الكاتب في الاستدلال على حرمة المتعة مع خياناته الكثيرة بتقطيع الأحاديث بما يخل بمعناها ، ويغيِّر المراد منها.

* * *

قال الكاتب : إن من المعلوم أن دين الإسلام جاء ليحث على الفضائل وينهي عن الرذائل ، وجاء ليحقق للعباد المصالح التي تستقيم بها حياتهم ، ولا شك أن المتعة

__________________

(١) تفسير الطبري ٥ / ٩ ـ ١٠.

٢٥٨

مما لا تستقيم بها الحياة ، إن حققت للفرد مصلحة واحدة ـ افتراضاً ـ فإنها تسبب له مفاسد جمة أجملناها في النقاط الماضية.

وأقول : لا ريب في أن نكاح المتعة ليس من الرذائل الخُلُقية ، وذلك لأنه نكاح جامع لشرائط النكاح الصحيح ، بمهر وعقد وعِدَّة وتراضٍ من الرجل والمرأة ، مع لزوم كونه بإذن الولي إن كانت المرأة بكراً ، واستحبابه إن كانت ثيباً ، ومع لحوق الأنساب به ، وإمكان النفقة والتوارث مع الشرط فيه.

فكل خصائص النكاح الدائم متوفرة في نكاح المتعة ، اللهم إلا أن النكاح الدائم ينقضي بالطلاق ، ونكاح المتعة ينتهي بانقضاء المدّة المسمّاة ، وأن النكاح الدائم يجب فيه الإنفاق على الزوجة ، ويترتب عليه التوارث بين الزوجين ، بخلاف نكاح المتعة ، وهذه الفروق لا تجعل نكاح المتعة رذيلة أو سفاحاً ، وقد مرَّ الكلام في ذلك مفصلاً ، فراجعه.

ولو كان نكاح المتعة رذيلة لما أباحها الإسلام مراراً كما أثبتوه في كتبهم وأقرُّوا به ، ولما فعلها أجلاء صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمثال جابر بن عبد الله الأنصاري وغيره.

ثمّ إن نكاح المتعة لو لم تكن فيه مصالح مهمة لما أباحه الإسلام مراراً بزعمهم ، وحسبك أنه يحد من تفشّي الزنا وانتشاره في البلاد الإسلامية ، كما مرَّ في كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام وابن عباس من أنه لو لا نهي عمر عن المتعة لما زنا إلا شقي.

وذلك لأنه لو لا تحريم المتعة لما كانت هناك أسباب داعية للزنا والفساد ، ولو كانت المتعة محلَّلة عندهم لما زنا منهم إلا أراذلهم ، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

وأما المفاسد التي زعمها الكاتب فقد أجبنا عليها مفصلاً وأوضحنا فسادها فيما تقدم ، فراجعها.

* * *

٢٥٩

قال الكاتب : إن انتشار العمل بالمتعة جَرَّ إلى إعارة الفَرْجِ ، وإعارة الفرج معناها أن يعطي الرجل امرأته أو أَمَتَه إلى رجل آخر فيحل له أن يتمتع بها أو أن يصنع بها ما يريد ، فإذا ما أراد رجل ما أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه أو أي شخص كان يختاره ، فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء طيلة مدة سفره. والسبب معلوم حتى يطمئن الزوج على امرأته لئلا تزني في غيابه (!!)

وهناك طريقة ثانية لإعارة الفرج ، إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم وأرادوا إكرامه فإن صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدة إقامته عندهم فيحل له منها كل شيء.

وأقول : إنك لا تجد مسلماً يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر يعطي امرأته لرجل آخر يصنع بها ما يريد ، بل لا تجد رجلاً عنده شيء يسير من المروءة والشرف يصنع ذلك.

فما قاله الكاتب ما هو إلا أكاذيب ملفقة واضحة لا تخفى على كل من خالط الشيعة وعرفهم ، فضلاً عمن يدَّعي أنه منهم ، ودليل كذب مدّعي الاجتهاد والفقاهة أنه لم ينقل مزاعمه من فتاوى علماء الشيعة ، واقتصر على نقل حكايات لا يُعرف صحّتها من فسادها ، ويفسِّرها على حسب ما يريد.

ومن الواضح أنك لا تجد فرقة من فرق المسلمين على كثرتها تمارس أمثال هذه الممارسات الشنيعة التي أطبق المسلمون على حرمتها ، واعتبارها زنا من غير شبهة.

وهلا ساءَلَ مدَّعي الاجتهاد نفسَه : هل أن ما قاله قد وقع لصحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أباح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم المتعة؟ فهل أعاروا فروج نسائهم لغيرهم؟

ألا يفقه مدَّعي الاجتهاد أن نكاح المتعة لا يحل مع امرأة متزوجة ، أو ذات عدّة؟! وأنه يشترط في صحَّته أن تكون المرأة خلِيَّة من البعل حالها حال الزواج الدائم؟

٢٦٠