لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

من عقد وعدة ومهر وتحديد مدة وغيرها ، لأن أنكحة الجاهلية لا يعرف فيها ذلك.

بل ظاهر الأخبار الكثيرة الصحيحة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أباحه لصحابته ، وأذن لهم فيه في بعض مغازيه.

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن قيس قال : سمعت عبد الله (١) يقول : كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.)

وأخرج أيضاً عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا : خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء.

وأخرج بسنده عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتانا ، فأذن لنا في المتعة.

وأخرج بسنده عن الربيع بن سبرة ، أن أباه غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتح مكة ، قال : فأقمنا بها خمس عشرة ، (ثلاثين بين يوم وليلة) ، فأذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في متعة النساء ... (٢).

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رخّص للناس في نكاح المتعة وأذن لهم فيه ، ولو كانت المتعة من الأنكحة المعروفة في الجاهلية وكانت مباحة للمسلمين من أول الأمر لما اتّجه قولهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ألا نستخصي؟).

وأما تحريم عمر للمتعة فيدل عليه ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق

__________________

(١) أخرج الطحاوي هذا الحديث في شرح معاني الآثار ٣ / ٢٤ عن عبد الله بن مسعود ، وهو المراد به في حديث مسلم.

(٢) صحيح مسلم ٢ / ١٠٢٢ ـ ١٠٢٥.

٢٠١

الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

وبسنده عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله ، فأتاه آتٍ فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ نهانا عنهما عمر ، فلم نَعُدْ لهما (١).

وأخرج أحمد في المسند عن جابر قال : متعتان كانتا على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنهانا عنهما عمر رضي الله تعالى عنه فانتهينا (٢).

وفي رواية أخرى عن جابر بن عبد الله قال : تمتعنا متعتين على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحج والنساء ، فنهانا عمر عنهما فانتهينا (٣).

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى وغيره عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه قال في حديث : تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومع أبي بكر رضي الله عنه ، فلما ولي عمر خطب الناس فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الرسول ، وإن هذا القرآن هذا القرآن ، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، إحداهما متعة النساء ، ولا أقدر على رجل تزوَّج امرأة إلى أجل إلا غيَّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحج ، افصلوا حجكم من عمرتكم ، فإنه أتم لحجِّكم وأتم لعمرتكم (٤).

وأخرج سعيد بن منصور في مسنده بسنده عن أبي قلابة قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج (٥).

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ١٠٢٣.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٢٥. أحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٥٢.

(٣) مسند أحمد ٣ / ٣٦٥. وبألفاظ قريبة مما مرّ في ٣ / ٣٦٣.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٦.

(٥) سنن سعيد بن منصور ، ص ٢٥٢. وراجع مسند أحمد بن حنبل ١ / ٥٢. شرح معاني الآثار ٢ / ١٤٤ ، ١٤٦. كنز العمال ١٦ / ٥١٩ ، ٥٢١. أحكام القرآن للجصاص ١ / ٢٩٠ ، ٢٩١ ، ٢٩٣ ، ٢ / ١٥٢ ، ٣ / ٢٣٩. تفسير القرطبي ٢ / ٣٩٢. العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني ٢ / ١٥٦. تذكرة الحفاظ ١ / ٣٦٦. بداية المجتهد ٢ / ١٢١.

٢٠٢

وقال السرخسي في المبسوط : وقد صحَّ أن عمر رضي الله عنه نهى الناس عن المتعة ، فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحج (١).

قلت : وهذه الروايات صريحة في المطلوب ، فإن عمر نسب التحريم إلى نفسه ، وشهد بأن المتعتين كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلنا شهادته على حلِّيتهما ، وله تحريمه.

وأخرج عبد الرزاق في مصنَّفه ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ، عن عطاء قال : وسمعت ابن عباس يقول : يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رخصة من الله عزوجل ، رحم بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي. قال : كأني والله أسمع قوله : إلا شقي (٢).

وعن ابن جريج قال : أخبرني مَن أصدِّق أن عليّا قال بالكوفة : لو لا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب ـ أو قال : من رأي ابن الخطاب ـ لأمرتُ بالمتعة ، ثمّ ما زنى إلا شقي (٣).

وأخرج ابن حبان في صحيحه بسنده عن خالد بن دريك أن مطرفاً عاد عمران ابن حصين فقال له : إني محدِّثك حديثاً ، فإن برئتُ من وجعي فلا تحدِّث به ، ولو مضيتُ لشأني فحدِّث به إن بدا لك ، إنا استمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمّ لم ينهنا عنه حتى مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رأى رجل رأيه (٤).

__________________

(١) المبسوط ٤ / ٢٧.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٩ ، ط أخرى ٧ / ٣٩٩. شرح معاني الآثار ٣ / ٢٦.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ٤٩٩ ، ط أخرى ٧ / ٣٩٩.

(٤) صحيح ابن حبان ٩ / ٢٤٤.

٢٠٣

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن مطرّف عن عمران بن حصين رضي الله عنه ، قال : تمتَّعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء (١).

قال ابن حجر في فتح الباري : فقال في آخره : (ارتأى رجل برأيه ما شاء) يعني عمر.

وقال : ففي مسلم أيضاً أن ابن الزبير كان ينهى عنها ، وابن عباس كان يأمر بها ، فسألوا جابراً ، فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر (٢).

ولهذا عدَّ أبو هلال العسكري ـ ونقله عنه السيوطي ـ من أوليّات عمر بن الخطاب تحريمه للمتعة.

قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : فصل في أوليات عمر رضي الله عنه ، قال العسكري : هو أول من سُمِّي أمير المؤمنين ، وأول من كتب التاريخ من الهجرة ، وأول من اتّخذ بيت المال ، وأول من سَنَّ قيام شهر رمضان ، وأول من عسَّ بالليل ، وأول من عاقب على الهجاء ، وأول من ضرب في الخمر ثمانين ، وأول من حرَّم المتعة ... (٣).

ومما قلناه يتضح أن كتب أهل السنة تشهد عليهم بأن المتعة كانت محلَّلة زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزمان أبي بكر وشطراً من زمان عمر ، ثمّ حرَّمها عمر في شأن عمرو بن حريث.

والذي يظهر أن عمر أبى أن يتذرَّع من خلا بامرأة لا يُعرَف لها بعل بنكاح المتعة ، فأراد أن يسد هذا الباب ، وهذا اجتهاد منه لا يلزم غيره مع ثبوت النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على حلّية نكاح المتعة.

فما قاله الكاتب من أن الشيعة يقولون : (إن عمر حرَّمها) صحيح ، لأنهم

__________________

(١) صحيح البخاري ١ / ٤٦٨.

(٢) فتح الباري ٣ / ٣٣٩.

(٣) تاريخ الخلفاء ، ص ١٠٨. وتجد ذكر تحريم المتعة في كتاب الأوائل للعسكري ١ / ٢٤٠.

٢٠٤

استدلوا على ذلك بما نقلنا بعضه من كتب أهل السنة ، فما المحذور في ذلك؟!

* * *

قال الكاتب : والصواب في المسألة أنها حُرِّمَت يوم خيبر.

قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : حَرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ، ونكاح المتعة انظر التهذيب ٢ / ١٨٦ ، الاستبصار ٣ / ١٤٢ ، وسائل الشيعة ١٤ / ٤٤١.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند بعمرو بن خالد الواسطي ، فإنه لم يوثَّق في كتب الرجال ، واختُلف في مذهبه ، فقيل : إنه من أهل السنة. والمشهور أنه من رؤساء الزيدية ، وأغلب رواياته يرويها عن زيد بن علي ، ومنها هذه الرواية.

ومن جملة رواة هذا الحديث الحسين بن علوان ، وهو سُنِّي المذهب ، وعبارة النجاشي في ترجمته موهمة تحتمل عود التوثيق فيها إليه أو إلى أخيه الحسن ، ولا توثيق آخر له ، ولهذا فنحن متوقفون فيه ، وإن وثّقه بعض الأعلام ، وضعَّفه بعض آخر.

والحاصل أن هذا الحديث اشتمل على راوٍ زيدي ، وراوٍ آخر سُني المذهب ، وكلاهما لم يثبت توثيقهما ، وما قيل في توثيقهما ليس محلاً للاعتماد والوثوق.

ولو سلّمنا بصحة هذه الرواية فهي محمولة على التقية ، وذلك لأن الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة بلغت حد التواتر ، فلا يمكن العمل بهذه الرواية الضعيفة ، وطرح كل تلك الروايات المتواترة.

قال الشيخ الطوسي قدس‌سره في تهذيب الأحكام : فإن هذه الرواية وردت مورد التقية وعلى ما يذهب إليه مخالفو الشيعة ، والعلم حاصل لكل من سمع الأخبار أن من دين أئمتنا عليهم‌السلام إباحة المتعة ، فلا يحتاج إلى الإطناب فيه (١).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٧ / ٢٥١.

٢٠٥

وقال في الاستبصار : فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التقية ، لأنها موافقة لمذاهب العامة ، والأخبار الأولة موافقة لظاهر الكتاب وإجماع الفرقة المحقة على موجبها ، فيجب أن يكون العمل بها دون هذه الرواية الشاذة (١).

* * *

قال الكاتب : وسُئِلَ أبو عبد الله رضي الله عنه : (أكان المسلمون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتزوجون بغير بينة؟ قال : لا) انظر التهذيب ٢ / ١٨٩.

وعلق الطوسي على ذلك بقوله : إنه لم يُرِدْ من ذلك النكاح الدائم بل أراد منه المتعة ، ولهذا أورد هذا النص من باب المتعة.

وأقول : لم يعلق الشيخ بذلك في كتابيه (تهذيب الأحكام) ، و (الاستبصار) ، فراجعهما لتتحقق مقدار أمانة مدَّعي الاجتهاد والفقاهة.

بل قال الشيخ الطوسي في كتابيه المذكورين ما يلي :

فإن هذا الخبر ليس فيه المنع من المتعة إلا ببيِّنة ، وإنما هو منبئ عما كان في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنهم ما تزوَّجوا إلا ببيِّنة ، وذلك هو الأفضل ، وليس إذا كان ذلك (٢) غير واقع في ذلك العصر دلَّ على أنه محظور ، كما نعلم أن هاهنا أشياء كثيرة من المباحات وغيرها لم تكن تستعمل في ذلك الوقت ، ولم يكن ذلك دلالة على حظره ، على أنه يمكن أن يكون الخبر ورد مورد الاحتياط دون الإيجاب ، ولئلا تعتقد المرأة أن ذلك لا يحوز إذا لم تكن من أهل المعرفة (٣).

قلت : ولا بأس أن أنقل للقارئ العزيز نص الحديث كما رواه الشيخ الطوسي في كتابيه تهذيب الأحكام والاستبصار ، ليتضح له معناه.

__________________

(١) الاستبصار ٣ / ١٤٢.

(٢) أي الزواج من غير بيِّنة.

(٣) تهذيب الأحكام ٧ / ٢٦١. الاستبصار ٣ / ١٤٨.

٢٠٦

قال الشيخ قدس‌سره : عن المعلى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يجزي في المتعة من الشهود؟ فقال : رجل وامرأتان يشهدهما. قلت : أرأيت إن لم يجدوا أحداً؟ قال : إنه لا يعوزهم. قلت : أرأيت إن أشفقوا أن يعلم بهم أحد ، أيجزيهم رجل واحد؟ قال : نعم. قال : قلت : جعلت فداك ، كان المسلمون على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يتزوجون بغير بيّنة؟ قال : لا (١).

والحديث واضح الدلالة على كفاية رجل وامرأتين في الشهادة على نكاح المتعة ، بل يكفى رجل واحد فقط ، كما أنه يدل على عدم اشتراط الشهود في نكاح المتعة ولا سيما إذا لم يجدوا أحداً أو خافوا أن يعلم بهم أحد.

وبما أن مورد السؤال هو نكاح المتعة فالحديث يدل على أن الصحابة كانوا لا يتمتَّعون إلا ببيِّنة ، أو أنهم كانوا لا يتزوَّجون مطلقاً ـ أي متعة ودواماً ـ إلا ببيِّنة.

فأين دلالة هذا الحديث على حرمة المتعة ، مع أنه صريح في حلّيتها ، لأن الصحابة كانوا يتمتَّعون ، غاية الأمر أن متعتهم كانت ببيّنة؟!

والظاهر أن العلة في أن الصحابة كانوا لا يتزوجون متعة إلا ببيّنة هي أنها كانت مباحة لهم ، فليس فيها ما يقتضي الشنعة على فاعلها حتى يَتستَّر بها ، فلهذا كانوا يُشهِدون على أنكحتهم دفعاً للتهمة وعملاً بالسُّنة.

فانظر أيها القارئ العزيز إلى مدَّعي الاجتهاد والفقاهة الذي بتر الحديث وأخذ ببعضه دون بعضه الآخر ، وفسَّر ما أخذه من الحديث بحسب هواه ، لا بما يدل عليه كلام الإمام عليه‌السلام من عدم اشتراط الشهود في نكاح المتعة.

* * *

قال الكاتب : لا شك أن هذين النصين حجة قاطعة في نسخ حكم المتعة

__________________

(١) انظر المصدرين السابقين.

٢٠٧

وإبطاله. وأمير المؤمنين صلوات الله عليه نقل تحريمها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا يعني أن أمير المؤمنين قد قال بحرمتها من يوم خيبر ، ولا شك أن الأئمة من بعده قد عرفوا حكم المتعة بعد علمهم بتحريمها.

وأقول : قد أوضحنا أن النص الأول ضعيف السند ، ومع تسليم صحَّته فهو وارد مورد التقية ، فلا يصح الأخذ به وطرح الأخبار المتواترة المروية عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام والدالَّة على حلِّية نكاح المتعة ، بل على استحبابه.

وأما الحديث الثاني فقد دلَّ على أن الناس في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا لا يتزوَّجون المتعة إلا ببينة لما قاله قدس‌سره ولما قلناه ، وهو دال على حلِّيتها لا على حرمتها كما أوضحناه.

فأين الحجة القاطعة التي زعمها الكاتب على نسخ نكاح المتعة؟! وكيف علم بأن أمير المؤمنين عليه‌السلام نقل تحريمها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أن الحديث ضعيف السند ومعارض بالأحاديث المتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة الدالة على حليّتها.

ولا أدري لِمَ أخذ الكاتب بهذين الحديثين وتعامى عن عشرات الأحاديث الناصَّة على حلّية نكاح المتعة؟ فهل مبلغ اجتهاده وغاية مقدرته على استنباط الأحكام أن ينظر إلى حديث ضعيف ، فيتمسك به ، ويفتي على طبقه ، ويتعامى عن عشرات الأحاديث الصحيحة المعارضة له؟!

* * *

قال الكاتب : وهنا نقف بين أخبار منقولة وصريحة في تحريم المتعة ، وبين أخبار منسوبة إلى الأئمة في الحث عليها وعلى العمل بها.

وهذه مشكلة يحتار المسلم إزاءها أيتمتع أم لا؟

وأقول : إن وظيفة الفقيه هي أن ينظر في الأخبار المتعارضة المنقولة عن النبي

٢٠٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام ، فيرجِّح منها ما هو الصحيح بالمرجِّحات السندية والدلالية ، فيأخذ به ويعمل على طبقه ، لا أن يتمسك ببعضها ويترك بعضها الآخر هكذا من غير حجَّة ولا دليل.

ومن الواضح أن الكاتب طرح الروايات الصحيحة المتواترة الدالة على حلّية نكاح المتعة ، وتمسّك بحديث ضعيف ، لا لشيء إلا لأنه موافق لما عليه أهل السنة.

فشتان بين معالجتنا للمسألة ومعالجة مدَّعي الاجتهاد ، فإنّا قد استدللنا عليهم بالأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة في كتبهم والتي تدل على حلّية نكاح المتعة ، وقد نقلنا لك بعضاً منه ، والكاتب استدل على مطلوبه بحديث واحد ضعيف عندنا ، رواته إما سُنِّيون أو زيديون!!

وأما زَعْمه أن الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة كلها منسوبة إليهم ، أي مختلقة ومكذوبة ، فهو زعم باطل لم يستند إلى دليل ، وكان عليه أن يثبت كلامه بالدليل الصحيح ، لا بالدعاوى الجوفاء ، ونحن قد أثبتنا في كتابنا (مسائل خلافية) بالأدلة الواضحة الصحيحة أن الشيعة هم أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين تمسَّكوا بحبلهم ، واتّبعوهم ، ونقلوا عنهم بالأسانيد الصحيحة العلم الكثير في المعتقدات والفتاوى والأحكام ، فمن أراد الاطلاع على تلك الأدلة فعليه بمراجعتها هناك.

* * *

قال الكاتب : إن الصواب هو ترك المتعة لأنها حرام كما ثبت نقله عن أمير المؤمنين رضي الله عنه. وأما الأخبار التي نُسبَت إلى الأئمة ، فلا شك أن نسبتها إليهم غير صحيحة ، بل هي أخبار مفتراة عليهم ، إذ ما كان للأئمة عليهم‌السلام أن يخالفوا أمراً حرمه رسول الله ، وسار عليه أمير المؤمنين من بعده ، وهم ـ أي الأئمة ـ الذين تلقوا هذا العلم كابراً عن كابرٍ لأنهم ذرّية بعضها من بعض.

٢٠٩

وأقول : لقد أثبتنا ضعف هذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الذي رواه رجال مختلف في وثاقتهم من الزيدية وأهل السنة ، فلا يمكن ترك ما رواه الثقات عن أمير المؤمنين عليه‌السلام خاصة ، وعن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عامة من أجل هذا الحديث الضعيف.

ولو ثبت أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد روى النهي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير معارضة بأحاديث أخرى لكان علينا التسليم بما يقوله عليه‌السلام ، ولكن الشأن في ثبوت ذلك عنه عليه‌السلام ، فإنه لم يثبت ، بل الثابت عنه خلافه كما يعلمه كل من اطلع على أخبار الأئمة المعصومين عليهم‌السلام.

وأما رد الأحاديث الصحيحة بالجملة ، ووصفها بأنها مفتراة على الأئمة عليهم‌السلام من دون معالجة سندية ودلالية لها فهو بعيد عن الطريقة العلمية المعروفة المتفق عليها بين العامة والخاصة في نقد الأحاديث وتمحيص الصحيح منها والسقيم.

والكاتب لم يذكر دليلاً واحداً صحيحاً يدل على كذب تلك الأحاديث ، اللهم إلا زعمه بأنها مخالفة لما حرَّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسار عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام من بعده ، وهذا الزعم كما هو واضح مصادرة على المطلوب ، فإن عليه أولاً أن يثبت أن المتعة حرَّمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد روى التحريم عنه ، ليتم له مطلوبه ، لا أن يجعل النتيجة المتنازع فيها مقدمة مسلَّمة ، وهذا أدل دليل على أن الكاتب بعيد عن روح الاستدلال الصحيح والاستنباط على طبق القواعد الثابتة.

* * *

قال الكاتب : لما سُئلَ أبو عبد الله رضي الله عنه : (كان المسلمون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتزوجون بغير بينة؟ قال : لا) فلولا علمه بتحريم المتعة لما قال : لا ، خصوصاً وأن الخبر صحيح (١) في أن السؤال كان عن المتعة ، وأن أبا جعفر الطوسي راوي الخبر

__________________

(١) الظاهر أنه خطأ مطبعي ، وأنه يريد : (صريح) كما هو ظاهر السياق ، وإلا فالكاتب بعيد كل

٢١٠

أورده في باب المتعة كما أسلفنا.

وما كان لأبي عبد الله والأئمة من قبله ومن بعده أن يخالفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه أو أن يُحلُّوا أمراً حرمه أو أن يبتدعوا شيئاً ما كان معروفاً في عهده عليه‌السلام.

وأقول : لقد أوضحنا المراد بالحديث فيما تقدَّم ، وأن الحديث يدل على حلّية نكاح المتعة ، وأن الصحابة كانوا يمارسونها عمليّاً ، وأنهم كانوا يُشهِدون عليها ، لما قلناه من الدواعي ، فأين الدليل على حرمة المتعة وكونها منسوخة؟!

* * *

قال الكاتب : وبذلك يتبين أن الأخبار التي تحث على التمتع ما قال الأئمة منها حرفاً واحداً ، بل افتراها وَتَقوَّلَها عليهم أُناس زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت الكرام والإساءة إليهم ، وإلا بِمَ تفسر إباحتهم التمتع بالهاشمية ، وتكفيرهم لمن لا يتمتع؟

وأقول : لقد تبيَّن بما قلناه أن الكاتب قد أخذ برواية واحدة فقط لمجرد كونها موافقة لمطلوبه ، واعتبرها حجة بهذا اللحاظ ، وأعرض عن الأحاديث الكثيرة المتواترة الدالة على أن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قد أباحوا نكاح المتعة.

وأما مسألة الاستدلال على كذب الروايات المبيحة للمتعة بأنها تجوِّز التمتع بالهاشمية فهو استدلال عجيب ، وذلك لأن الأحكام الشرعية عامَّة لكل الناس ، ولا خصوصية للهاشمية من هذه الجهة ، فحالها حال غيرها من النساء.

وأما زعمه تكفير من لا يتمتَّع فهو افتراء واضح ، لأن المتعة ليست بأعظم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من أركان الإسلام التي لا يُحكم على من تركها تهاوناً بكفر ولا زندقة.

__________________

البعد عن معرفة الحديث الصحيح والضعيف كما يلاحظه كل من يقرأ كتابه.

٢١١

كما أنها ليست من الأصول التي يلزم من إنكارها المروق من الدين ، بل هي من السنن الثابتة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي رحم الله بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن جحد سُنّة لشبهة عروض تحريمها لا يمكن تكفيره بحال من الأحوال.

* * *

قال الكاتب : مع أن الأئمة عليهم‌السلام لم يُنْقَلْ عن واحد منهم نقلاً ثابتاً أنه تمتع مرة ، أو قال بِحِليَّةِ المتعة ، أيكونون قد دانوا بغير دين الإسلام؟

وأقول : هذا الكلام واضح البطلان من عدة جهات :

أولاً : أن الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة بلغت حد التواتر كما صرَّح به جمع من العلماء ، وقد نقلنا للقارئ كلمة الشيخ الطوسي في هذه المسألة.

من تلكم الروايات صحيحة زرارة التي نقلناها فيما مرَّ.

ومنها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يستحب للرجل أن يتزوج المتعة ، وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة (١).

ومنها : صحيحة أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن متعة النساء ، قال : حلال ، وإنه يجزي فيه الدرهم فما فوقه (٢).

ومنها : صحيحة علي السائي قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جُعلت فداك ، إني كنت أتزوج المتعة ، فكرهتها وتشأمت بها ، فأعطيت الله عهداً بين الركن والمقام ، وجعلت عليَّ في ذلك نذراً وصياماً ألا أتزوّجها ، ثمّ إن ذلك شقَّ عليَّ ، وندمت على يميني ، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج علانية. قال : فقال لي : عاهدتَ الله أن لا

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ / ٤٤٣.

(٢) الكافي ٥ / ٤٥٧. وسائل الشيعة ١٤ / ٤٧٠.

٢١٢

تطيعه ، والله لئن لم تطعه لتعصينّه (١).

والأخبار الصحيحة كثيرة ، لا حاجة لاستقصائها وذكرها كلها.

ومع ثبوت هذه الأخبار فلا مناص من الحكم بحلّية نكاح المتعة ، ولا نحتاج إلى دليل عَمَلي مع ثبوت الدليل القولي.

ثانياً : لو ثبت أن الأئمة عليهم‌السلام لم يتزوّجوا متعة فلعل ذلك من أجل خشيتهم من مؤاخذة سلاطين عصرهم ، أو لكون نكاح المتعة يستلزم الشنعة عليهم عند أهل السنة ، فتركوه تجنباً لذلك ، لا لكونه محرَّماً في الشريعة.

ثالثاً : أن أهل السنة أجمعوا على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أحلَّ نكاح المتعة في بعض مغازيه ثمّ حرَّمه ، ولم ينقلوا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه تزوج متعة ، وهذا لا يخل بكونه حلالاً في تلك الفترة.

وعليه فنقول : لما ثبت عن الأئمة عليهم‌السلام أنهم أحلوا نكاح المتعة فلا يخل بحلّيته عدم ثبوت فعلهم له.

رابعاً : أنه قد ورد في الأخبار أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام قد تزوَّجا متعة.

فقد روى الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأتها. فقلت له : فهل تمتَّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : نعم. وقرأ هذه الآية (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) إلى قوله تعالى (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (٢).

وروى الشيخ المفيد في (رسالة المتعة) عن الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر عليه‌السلام أن عبد الله بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ) الآية ، فقال :

__________________

(١) الكافي ٥ / ٤٥٠. وسائل الشيعة ١٤ / ٤٤٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٠٤. وسائل الشيعة ١٤ / ٤٤٢.

٢١٣

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوَّج بالحرة متعة ، فاطلع عليه بعض نسائه ... (١)

وعن ابن بابويه بإسناده أن عليّا عليه‌السلام نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعة (٢).

* * *

قال الكاتب : فإذا توضح لنا هذا ندرك أن الذين وضعوا تلك الأخبار هم قوم زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت والأئمة عليهم‌السلام ، لأن العمل بتلك الأخبار فيه تكفير للأئمة .. فتنبه.

وأقول : إن أخبار المتعة متواترة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام كما مرَّ ، وقد رواها عنهم ثقات الرواة المعروفين بالتقوى والورع والإخلاص للأئمة عليهم‌السلام ، والموصوفين بالضبط والعناية بنقل الأخبار عن الصادقين عليهم‌السلام ، فكيف يكونون زنادقة يريدون الطعن بأئمة أهل البيت عليهم‌السلام؟ وما الدليل على ذلك؟ وهل مخالفة أهل السنة هو الدليل؟

وإذا كان من نقل حلّية المتعة عن الأئمة عليهم‌السلام قد أراد الطعن بهم عليهم‌السلام وتكفيرهم ، فما يقول الكاتب فيمن نقل أحاديث حلّية المتعة من الصحابة والتابعين وغيرهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فهل أراد هؤلاء الطعن في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

وما يقول في ابن عباس وغيره من الصحابة الذين كانوا يقولون بحلّية المتعة؟ فهل يقول الكاتب بكفرهم أيضاً؟ أو أنهم زنادقة؟!

أو أن مقياس الطعن والتكفير هو بيد الكاتب يصرفه حيث شاء وإلى من يشاء؟!

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ / ٤٤٠.

(٢) نفس المصدر.

٢١٤

* * *

قال الكاتب : روى الكليني عن أبي عبد الله رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : إني زنيت ، فأمر أن تُرْجَمَ ، فأخبر أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال : كيف زنيتِ؟

فقالت : مررتُ بالبادية ، فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابياً فأبى إلا أن مَكَّنْتُه من نفسي ، فلما أجهدني العطش ، وخفتُ على نفسي سقاني فأمكنتُه من نفسي ، فقال أمير المؤمنين رضي الله عنه : تزويجٌ وَرَبِّ الكعبة) الفروع ٢ / ١٩٨.

وأقول : هذه الرواية ضعيفة السند منكَرة المتن.

أما سندها فمن ضمن رجاله عبد الرحمن بن كثير ، وهو ضعيف ، ضعَّفه النجاشي وغيره.

قال النجاشي : عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ، مولى عباس بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس ، كان ضعيفاً ، غمز عليه أصحابنا ، وقالوا : كان يضع الحديث (١).

ومن جملة الرواة علي بن حسان ، وهو ضعيف ، قد ضعّفه النجاشي أيضاً وابن الغضائري.

قال النجاشي في رجاله : علي بن حسان بن كثير الهاشمي ، مولى عباس بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس ، ضعيف جداً ، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة ، فاسد الاعتقاد ، له كتاب تفسير الباطن ، تخليط كله (٢).

وقال ابن الغضائري : علي بن حسان بن كثير مولى أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، روى عن عمِّه عبد الرحمن ، غالٍ ضعيف ، رأيت له كتاباً سماه (تفسير الباطن) لا يتعلق من

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ١٦٣ ط حجرية.

(٢) نفس المصدر ، ص ١٧٦ ط حجرية.

٢١٥

الإسلام بسبب ، ولا يروي إلا عن عمّه (١).

وروى الكشي عن محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن حسان ، فقال : عن أيهما سألت؟ أما الواسطي فهو ثقة ، وأما الذي عندنا ـ يشير إلى علي بن حسان الهاشمي ـ فإنه يروي عن عمّه عبد الرحمن بن كثير ، فهو كذاب ، وهو واقفي أيضاً ، لم يدرك أبا الحسن موسى عليه‌السلام (٢).

ومن جملة رواة هذا الخبر نوح بن شعيب ، وهو الخراساني أو النيسابوري ، وهو مجهول الحال ، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وعليه فهذه الرواية شديدة الضعف ، فلا يعوَّل عليها.

وأما نكارة متنها فهو واضح ، فإن المرأة لم تكن راضية وإنما كانت مُكرَهَة ، ومن شرط النكاح وقوع التراضي من الطرفين ، مع أن الحديث لم يذكر أن الرجل أجرى صيغة عقد النكاح معها ، فكيف حُكم بأن ما وقع كان تزويجاً مع أن الظاهر أنها كانت محصنة ، بدليل أن عمر أراد رجمها ، ولو لم تكن محصنة لأمر بجلدها.

* * *

قال الكاتب : إن المتعة كما هو معروف تكون عن تراض بين الطرفين وعن رغبة منهما. أما في هذه الرواية فإن المرأة المذكورة مضطرة ومجبورة ، فساومها على نفسها مقابل شربة ماء ، وليست هي في حكم الزانية حتى تطلب من عمر أن يطهرها ، وفوق ذلك ـ وهذا مهم ـ أن أمير المؤمنين رضي الله عنه هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر ، فكيف يفتي هنا بأن هذا نكاح متعة؟! وفتواه على سبيل الحِلِّ والإقرار والرضا منه بفعل الرجل والمرأة؟!!

__________________

(١) رجال ابن الغضائري ، ص ٧٧.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٧٤٨ رقم ٨٥١.

٢١٦

إن هذه الفتوى لو قالها أحد طلاب العلم لَعُدَّتْ سقطة بل غلطة يُعاب عليه بسببها ، فكيف تُنْسَبُ لأمير المؤمنين رضي الله عنه ، وهو مَن هو في العلم والفتيا؟ إن الذي نسب هذه الفتوى لأمير المؤمنين إما حاقداً [كذا] أراد الطعن به ، وإما ذو غرض وهوى اخترع هذه القصة ، فنسبها لأمير المؤمنين ، ليُضْفي الشرعية على المتعة كي يسوغ لنفسه ولأمثاله استباحة الفروج باسم الدين حتى وإن أدَّى ذلك إلى الكذب على الأئمة عليهم‌السلام ، بل على النبي صلوات الله عليه.

وأقول : كل ما قاله الكاتب لا قيمة له بعد ما علمنا أن الرواية ضعيفة سنداً ومنكرة متناً ، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدَّم.

ونضيف هنا أن إيراد هذه الرواية في باب النوادر من أبواب المتعة كما صنع الكليني لا وجه له ، فإن الرواية لم تنصّ على أن ما وقع كان تزويج دوام أو متعة.

ولهذا ورد في حاشية المطبوعة : والظاهر أن الكليني حمَله على أنها زوَّجت نفسها متعة بشربة من ماء ، فذكره في هذا الباب ، وهو بعيد ، لأنها كانت مزوَّجة ، وإلا لم تستحق الرجم بزعم عمر ، إلا أن يقال : إن هذا أيضاً كان من خطئه (١).

وقد يقال : إن إطلاق التزويج في الخبر على ما حدث يجعل الوطء فيه مردَّداً بين كونه نكاحاً دائماً أو متعة ، وكونه متعة أقرب من كونه دواماً ، باعتبار أنه مجرد استمتاع في وقت قصير لم يعقبه طلاق ، ولعله لأجل ذلك ذكره الكليني رحمه‌الله في الباب المذكور ، والله العالم.

وعلى كل حال ، فإنا لو سلَّمنا بصحة الرواية فيمكن حملها على أن المرأة ظنّت بسبب جهلها لما وطأها الرجل أنها زنت ، فأرادت من عمر أن يطهِّرها من معصيتها ، لكن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما علم بأنها كانت مكرهة على الزنا ، حكم بأن حالها حال من كانت مزوَّجة ، وأنها لا يترتب عليها رجم ولا إثم ، فأطلق على الزنا بالإكراه زواجاً

__________________

(١) الكافي ٥ / ٤٦٧.

٢١٧

إطلاقاً مجازياً لوجود نوع مشابهة بينهما في عدم ترتب الحد والإثم على الوطء.

وبهذا الذي قلناه يندفع كل ما قاله الكاتب من الإشكالات بحمد الله وفضله.

* * *

قال الكاتب : إن المفاسد المترتبة على المتعة كبيرة ومتعددة الجوانب :

١ ـ فهي مخالفة للنصوص الشرعية لأنها تحليل لما حَرَّمَ الله.

وأقول : لقد روى الشيعة وأهل السنّة في كتبهم أحاديث صحيحة كثيرة دالة على حلّية نكاح المتعة ، وذكروا أن آية من القرآن دلّت عليها ، وهي قوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١) ، ولا أحد ينكر ذلك منهم ، غاية ما في الأمر أن أهل السنة يدَّعون تحريم نكاح المتعة بعد ذلك ، ويدَّعون نسخ الآية المحكمة بالأحاديث المتعارضة.

ومنه يتضح أن القول بحلّية المتعة هو تحليل لما أحلّه الله سبحانه ، وأما تحريمها فهو صادر من عمر بن الخطاب كما دلّت على ذلك الآثار المروية في كتب أهل السنة التي نقلنا للقارئ الكريم بعضها فيما تقدم.

* * *

قال الكاتب : ٢ ـ لقد ترتب على هذا اختلاق الروايات الكاذبة ، ونسبتها إلى الأئمة عليهم‌السلام مع ما في تلك الروايات من مطاعن قاسية لا يرضاها لهم مَن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

وأقول : إن الكاتب لم يُقِم ولا دليلاً واحداً على أن تلك الأحاديث المروية عن

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٤.

٢١٨

الأئمة عليهم‌السلام كانت مختلَقة ، بل ليس عنده على اختلاقها إلا دليل واحد ، وهو أن أحاديث المتعة مخالفة لما عليه أهل السنة ، ومخالفة لحديث ضعيف مروي في كتب الشيعة رواته ما بين زيدي وسُنّي ، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم.

ثمّ إن الروايات الصحيحة الدالة على حلّية نكاح المتعة مروية أيضاً في كتب أهل السنة ، وجملة منها في صحيح مسلم ، وقد نقلنا بعضاً منها فيما مرَّ.

فهل يرى الكاتب أن تلك الروايات الصحيحة مختلقة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن فيها مطاعن قاسية لا يرضاها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان؟ أم أن الأمر يختلف هاهنا ، لأن باءهم تجر وباء غيرهم لا تجر؟

* * *

قال الكاتب : ٣ ـ ومن مفاسدها إباحة التمتع بالمرأة المحصَنَة ـ أي المتزوجة ـ رغم أنها في عِصمة رجل دون علمِ زوجها ، وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتهم فقد تتزوج المرأة مُتْعَةً دون علم زوجها الشرعي ، ودون رِضاه ، وهذه مَفْسَدَةٌ ما بعدها مفسدة ، انظر فروع الكافي ٥ / ٤٦٣ ، تهذيب الأحكام ٧ / ٥٥٤ ، الاستبصار ٣ / ١٤٥ وليت شعري ما رأي الرجل وما شعوره إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة؟!

وأقول : إن التمتع بالمحصَنة لا يجوز بأي حال من الأحوال ، بل هو من المحرمات المعروفة ، وهو زنا واضح لا كلام فيه.

وأما الممارسات الخاطئة التي قد تمارسها بعض البغايا باسم المتعة ، بأن تتزوج متعة بزعمها وهي بغي تتنقل من رجل لآخر ، أو ما تفعله بعض المحصنات المتزوجات من الزنا باسم المتعة ، فهذا كله لا علاقة له بالمتعة في تشريعها الصحيح ، لا من قريب ولا من بعيد ، وذلك لأنه زنا سُمِّي متعة ، والتسمية لا تبدِّل حقيقته فتصيِّره متعة بعد أن كان زنا واضحاً.

٢١٩

وهذا بعينه قد يلحق النكاح الدائم ، فكم من امرأة تزوَّجت دواماً من رجل ، ثمّ اتضح بعد ذلك أنها على عصمة رجل آخر؟ فهل يرى مدّعي الاجتهاد والفقاهة لزوم الحكم بتحريم النكاح الدائم ، لأنه لا يأمن فيه المسلم أن تتزوج امرأته برجل آخر دواماً؟

ثمّ ما بال نكاح المتعة كان حلالاً في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يلزم منه أمثال هذه المحاذير؟

فهل حصلت هذه المحاذير في زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بعد زمانه؟ فإن حصلت في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا كاشف عن عدم مانعيتها لحلّية نكاح المتعة. وإن حصلت بعد زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا دليل على أن هذه الممارسات الخاطئة خارجة عن أصل تشريع نكاح المتعة ، فلا تضر به ، ولا تقتضي حرمته.

وأغلب الظن أن مدَّعي الاجتهاد كان يظن أنه يجوز للمرأة المحصنة أن تتزوج متعة برجل آخر ، ولهذا ذكر ذلك في مفاسد نكاح المتعة ، مع أن هذا الوهم لا يحصل حتى لصغار طلبة العلم ، فضلاً عمن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد.

* * *

قال الكاتب : ٤ ـ والآباء أيضاً لا يأمنون على بناتهم الباكرات إذ قد يتزوجن متعة دون علم آبائهن ، وقد يفاجأ الأب أن ابنته الباكر قد حملت ... لِمَ؟ كيف؟ لا يدري .. ممن؟ لا يدري أيضاً ، فقد تزوجت من واحد فمن هو؟ لا يدري لأنه تركها وذهب.

وأقول : إن حلّية نكاح المتعة لا تستلزم صحَّته بدون إذن الولي ، فإن النكاح الدائم لا نزاع في حلّيته ، ولكنه لا يصح من دون إذن ولي الفتاة البكر ، فلا ملازمة بين الحلية وبين صحَّته من دون إذن الولي.

ولهذا جاءت الأخبار المروية عن أئمة الهدى عليهم‌السلام بضرورة استئذان ولي الفتاة

٢٢٠