لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

الشيخ علي آل محسن

لله وللحقيقة - ج ١ ـ ٢

المؤلف:

الشيخ علي آل محسن


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار مشعر
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7635-30-3
الصفحات: ٧١٧

وأهل السنة رووا في كتبهم كما مرَّ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبَّ زينب بنت جحش مع أنها كانت على عصمة زيد بن حارثة ، ولم يروا في ذلك ما يتنافى مع مقام النبوة ، فكيف يتنافى ما هو دونه مع مقام الإمامة؟!

* * *

قال الكاتب : ولقبوا جعفراً بجعفر الكذاب ، فسبوه وشتموه مع أنه أخو الحسن العسكري فقال الكليني : (هو معلن الفسق فاجر ، ماجن شريب للخمور ، أقل ما رأيته من الرجال ، وأهتكهم لنفسه ، خفيف قليل في نفسه) أصول الكافي ١ / ٥٠٤.

فهل في أهل البيت سلام الله عليهم شريب خمر؟! أو فاسق؟ أو فاجر؟

وأقول : هذا كلام أحمد بن عبيد الله بن خاقان أحد وزراء الخليفة العباسي آنذاك ، وليس هو من كلام واحد من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أو واحد من شيعتهم ، غاية ما في الباب أن الكليني ذكره من رواية الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى.

ولا ريب في أنا لا نرى وثاقة كل واحد من بني هاشم ، أو كل واحد من أبناء وأحفاد الأئمة عليهم‌السلام أو أبناء عمومتهم ، فإن الوثاقة إنما تثبت بالدليل لا بالنسَب ، فكل من ثبتت وثاقته قلنا بها ، وإلا فلا ولا كرامة.

وكتاب الله العزيز قد نصَّ بأتم دلالة على انحراف ابن نوح عليه‌السلام ، وأنه هلك فيمن هلك ، ولم يمنع قربه من نبي من أولي العزم من الحكم عليه بما يستحقه ، والكلام هو الكلام في أبناء الأئمة عليهم‌السلام ، فإنا لا نقول بعصمتهم ولا وثاقتهم بالجملة.

وأما جعفر بن الإمام الهادي عليه‌السلام فلم تثبت وثاقته عندنا ، وأما ما نسبه إليه أحمد بن عبيد الله بن خاقان من كونه شرّيباً للخمر فالله أعلم به ، ونحن لا ندين الله بشيء لا نعلمه.

١٨١

* * *

قال الكاتب : إذا أردنا أن نعرف تفاصيل أكثر فعلينا أن نقرأ المصادر المعتبرة عندنا لنعرف ما ذا قيل في حق الباقين منهم عليهم‌السلام ، ولنعرف كيف قُتِلَتْ ذرياتهم الطاهرة وأين قُتلوا؟ ومَن الذين قتلوهم؟

لقد قُتِلَ عدد كبير منهم في ضواحي بلاد فارس بأيدي أناس من تلك المناطق ، ولو لا أني أخشى الإطالة أكثر مما ذكرت ، لذكرت أسماء من أحصيته منهم وأسماء من قتلهم ، ولكن أُحيل القارئ الكريم إلى كتاب مقاتل الطالبيين للأصفهاني فإنه كفيل ببيان ذلك.

وأقول : لقد اتضح للقارئ العزيز بطلان كل ما ادّعاه الكاتب ، فإنه اعتمد على الأحاديث المرسلة والضعيفة ، وفسَّرها على حسب ما يحب.

وأما ما قاله من قتل الذرّية الطاهرة فمن البديهيات أن قتَلَتَهم هم الأمويون والعباسيون وأعوانهم ، ولم يكونوا من الشيعة ، وضواحي فارس لم يكونوا شيعة إلا في العصور المتأخرة ، وأما في زمان الدولة العباسية والأموية فلم يكونوا كذلك ، وقد كانت أصفهان وقزوين والري وقم وخوارزم وغيرها بلاداً ناصبية ، وعلى الكاتب أن يثبت بالأدلة الصحيحة أن من قتل الذرية الطاهرة هم الشيعة ، وأنى له بذلك ، وأما الادّعاءات فلا قيمة لها.

* * *

قال الكاتب : واعلم أن أكثر من تَعَرَّضَ للطعن وللغمز واللمز الإمامان محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما‌السلام وعلى آبائهما ، فقد نُسِبَتْ إليهم أغلب المسائل كالقول بالتقية ، والمتعة ، واللواطة بالنساء ، وإعارة الفرج و .... و .... الخ. وهما سلام الله عليهما بريئان من هذا كله.

١٨٢

وأقول : بما أن الكاتب سيتعرض لهذه المسائل في الصفحات التالية ، فإنا نوكل الخوض في إثبات التقية والمتعة والكلام في إعارة الفروج وغيرها إلى محله.

وأما اعتباره نسبة المتعة والتقية للإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام من الطعون فيهما فلا يخفى ما فيه ، لأن الشيعة رووا بالأسانيد الصحيحة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الحكم بحلّية نكاح المتعة ، فلا يهمُّهم ما روى غيرهم عن غيرهم ، وما شنَّع غيرهم عليهم ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

وأود أن أنبّه القارئ العزيز على أن لفظ (اللواط) لا يصح إطلاقه على إتيان النساء في أدبارهن ، وإنما يطلق على فعل قوم لوط ، وهو إتيان الرجال للرجال ، مع أن اللفظ الصحيح هو (اللواط) ، وتعبير الكاتب ب ـ (اللواطة) خطأ لغوي ثانٍ.

هذا مع أن فقهاء الشيعة الإمامية لا يطلقون اللواط على إتيان النساء من أدبارهن ، فلا أدري لِمَ خرج مدَّعي الفقاهة والاجتهاد عن تعابير الفقهاء الصحيحة إلى تعابير عوام أهل السنة الخاطئة؟

١٨٣

المتعة وما يتعلق بها

قال الكاتب : كنت أَوَدُّ أن أجعل عنوان هذا الفصل (المرأة عند الشيعة) لكني عدلت عن ذلك لأني رأيت أن كل الروايات التي روتها كتبنا تنسب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى أمير المؤمنين وأبي عبد الله رضي الله عنه ، وغيرهم من الأئمة.

فما أردت أن يصيب الأئمة عليهم‌السلام أي طعن لأن في تلك الروايات من قبيح الكلام ما لا يرضاه أحدنا لنفسه ، فكيف يرضاه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وللأئمة عليهم‌السلام؟!!

وأقول : إن القارئ العزيز سيرى الغث الكثير الذي جاء به الكاتب ، وسيرى أن القول بحلية المتعة قد جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وأن منكر حلّيّتها راد على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

* * *

قال الكاتب : لقد استُغِلَّتِ المتعةُ أبشع استغلال ، وأُهينت المرأةُ شرَّ إهانة ، وصار الكثيرون يشبعون رغباتهم الجنسية تحت ستار المتعة وباسم الدين ، عملا بقوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (النساء) ٢٤.

١٨٤

وأقول : إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن ، وتشريع المتعة إنما كان من أجل إشباع الغريزة الجنسية كما دلَّت عليه روايات أهل السنة التي سيأتي ذكرها ، واستغلال كل ما شرعه الله سبحانه وتبديله عن مساره لا يخدش في التشريع الإلهي ، وكثير من ضعفاء النفوس يستغلون الصلاة وغيرها من العبادات لمآربهم الدنيئة الدنيوية كما قال الشاعر :

صلَّى وصَامَ لأمرٍ كانَ يَطلبُه

لما انقضَى الأمرُ لا صلَّى ولا صَاما

فكل الممارسات الخاطئة التي تصدر من الناس في العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات لا تنعكس سلباً على التشريعات الإلهية ، ولا تحلِّل الحرام أو تحرِّم الحلال.

فلو سلَّمنا أن بعض ضعاف النفوس قد استغلوا نكاح المتعة أبشع استغلال كما قال الكاتب ، فهذا لا يقدح في حلِّية نكاح المتعة ، كما لم يقدح في حلية النكاح الدائم استغلاله من قبل من يريد به تحقيق مكاسب مادية أو معنوية كما يفعله كثير من الناس.

* * *

قال الكاتب : لقد أوردوا روايات في الترغيب بالمتعة ، وحددوا أو رَتَّبوا عليها الثواب ، وعلى تاركها العقاب ، بل اعتبروا كل مَن لم يعمل بها ليس مسلماً ، اقرأ معي هذه النصوص :

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ تَمَتَّعَ بامرأة مؤمنة كأنما زارَ الكعبةَ سبعين مرة فهل الذي يتمتع كمن زار الكعبة سبعين مرة؟ وبمَن؟ بامرأة مؤمنة؟

وأقول : هذا (الحديث) لا وجود له في المصادر الشيعية ، فلا أدري من أين جاء به الكاتب؟ فلعله قد جاء به من جراب النورة ، ولهذا لم يذكر له مصدراً.

١٨٥

وعلى فرض وروده وصحَّته فلا محذور فيه ، ولا مانع من ثبوت مثل هذا الثواب لمن عمل بالمتعة إحياءً للسُّنة وإماتة للبدعة.

وقد ورد في كتب أهل السنة نظائر لهذا كثيرة ، فقد جاء في صحيح مسلم أن قول : (سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر) أحب مما طلعت عليه الشمس (١).

وأن من سبَّح لله مائة تسبيحة كُتب له ألف حسنة ، أو حُطَّ عنه ألف خطيئة (٢).

وأن من قال : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير) في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكُتبت له مائة حسنة ، ومحُيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأتِ أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ، ومن قال : (سبحان الله وبحمده) في يوم مائة مرة ، حُطَّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر (٣).

فإذا كان هذا الثواب كله يُثاب به مَن قال هذه الأذكار اليسيرة ، فليس بمستبعد أن يثيب المولى الكريم المتفضِّل على عباده من تزوَّج متعة يريد بها إحياء السنة ، وإماتة البدعة ، وإحصان نفسه ، والستر على مؤمنة عفيفة ، أن يهبه الله مثل هذا الثواب أو أكثر منه.

وأما زعم الكاتب أن من لم يتمتع فهو مستحق للعقاب وأنه ليس بمسلم فهو كذب واضح ، إذ لم يقل أحد من علماء الشيعة بوجوب نكاح المتعة ، ولا بتوقف ثبوت الإسلام على فعله ، وسيرى القارئ العزيز أن الكاتب لم يأتِ بدليل واحد يثبت به صحة هذه الدعوى.

* * *

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ / ٢٠٧٢.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٠٧٣.

(٣) نفس المصدر ٤ / ٢٠٧١.

١٨٦

قال الكاتب : روى الصدوق عن الصادق رضي الله عنه قال : (إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا ، ومَن أنكرها أنكر ديننا ، واعتقد بغيرِ ديننا) مَن لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٦ وهذا تكفير لمن لم يَقْبَل بالمتعة.

وأقول : هذا (الحديث) لا وجود له أيضاً في مصادر الشيعة ، لا في (من لا يحضره الفقيه) ولا في غيره ، والموجود هو قوله عليه‌السلام : التقية ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تقية له.

فانظر كيف سوَّغ مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لنفسه أن يختلق الأحاديث المكذوبة وينسبها للشيعة ظلماً وزوراً وبهتاناً.

ومما يدل على أن هذا الكاتب لم يكن صادقاً في دعواه أنه يختلق الأحاديث ويلصقها بالشيعة ، ثمّ يستنبط منها ما يريده ، ويُلزم به الشيعة ، ولهذا حكم بأن الشيعة يلزمهم بهذا الحديث المكذوب أن يكفِّروا كل من لم يتزوَّج متعة ، مع أنهم لا يقولون بذلك كما هو المعروف من مذهبهم ، فما عشت أراك الدهر عجباً.

* * *

قال الكاتب : وقيل لأبي عبد الله رضي الله عنه : هل للتمتع ثواب؟ قال : (إن كان يريد بذلك وجهَ الله [تعالى وخلافاً على من أنكرها] (١) لم يُكَلِّمْها كلمةً إلا كتب الله له بها حسنة ، [ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له حسنة] (١) ، فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنَباً ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٦.

وأقول : هذا الحديث ضعيف السند ، فإن من جملة رواته صالح بن عقبة وأباه ، وكلاهما لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

__________________

(١) أسقط الكاتب من الحديث ما جعلناه بين معقوفين ، فلم يذكره في كتابه.

١٨٧

وعليه فالحديث لا يصح الاحتجاج به في شيء.

ولو سلَّمنا بصحة الحديث فإنه لا يثبت للمتعة كثير ثواب وفضل كما هو واضح ، لأن الرجل قد لا يكلمها خمسين كلمة ، وقد لا يكون بدنه ممتلئاً شعراً ، ليُغفر له بقدر ما مرَّ عليه من الماء.

فلا أدري لم استعظم الكاتب هذا الثواب؟!

* * *

قال الكاتب : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن تمتع مرة أَمِنَ سخطَ الجبار ، ومَن تمتع مرتين حُشِرَ مع الأبرار ، ومَن تمتع ثلاث مرات زاحمَني في الجنان) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٦.

وأقول : هذا الحديث أيضاً لا وجود له في كتب الشيعة ، لا في (من لا يحضره الفقيه) ولا في غيره ، بل هو من مختلقات مدَّعي الاجتهاد ومختلق الأحاديث ، ومع أن الحديث السابق موجود في الكتاب المذكور إلا أن هذا الحديث الذي ذكر الكاتب أنه في نفس المجلد والصفحة لا عين له فيه ولا أثر.

وعليه ، فالكلام في هذا (الحديث) المختلق تضييع للوقت وهدر للجهد بلا فائدة.

* * *

قال الكاتب : قلت : ورغبة في نيل هذا الثواب فإن علماء الحوزة في النجف وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة يتمتعون بكثرة وأخص بالذكر منهم السيد الصدر والبروجردي والشيرازي والقزويني والطباطبائي ، والسيد المدني إضافة إلى الشاب الصاعد أبو الحارث الياسري ، وغيرهم ، فإنهم يتمتعون بكثرة وكل يوم رغبة في نيل

١٨٨

هذا الثواب ، ومزاحمة النبي صلوات الله عليه في الجنان.

وأقول : إن التعبير بـ (علماء الحوزة وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة) لا يصدر من شيعي ، لأنه لا يوجد علماء حسينيات وعلماء مشاهد عند الشيعة.

كما أنه لا يوجد الآن مرجع من مراجع الشيعة اسمه البروجردي أو القزويني أو الطباطبائي (١) أو السيد المدني ، وأبو الحارث الياسري لم نسمع به ولا نعرفه ، وأغلب الظن أنه اسم مخترَع.

وعلى كل حال فما قاله من حرص علماء الشيعة على المتعة كله أكاذيب وتلفيقات لا تستند لدليل ولا تنهض به حجة ، والغرض منها مجرد الطعن في علماء الشيعة وتشويه صورتهم عند الناس لا أكثر.

* * *

قال الكاتب : وروى السيد فتح الله الكاشاني في تفسير منهج الصادقين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : (مَن تمتَّع مرة كانت كدرجة الحسين رضي الله عنه ، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن رضي الله عنه ، ومَن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومَن تمتع أربع فدرجته كدرجتي).

وأقول : هذا الحديث غير موجود في كتب الشيعة ، ولهذا لم يذكر له الكاتب رقم المجلد والصفحة فراراً من الفضيحة.

وعليه ، فالكلام في مثل هذه الأحاديث المختلقة من مدّعي الاجتهاد والفقاهة مضيعة للوقت.

__________________

(١) نعم ، من مراجع النجف الأشرف في الوقت الحاضر آية الله السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم دام ظله ، ولكنه لا يُعرف في الأوساط العلمية أو الشعبية إلا بالسيد الحكيم ، دون السيد الطباطبائي ، بحيث لو أشار إليه شخص بالطباطبائي لما عُرف.

١٨٩

فهنيئاً لهذا المجتهد الذي صار سُنّياً بأحاديث اختلقها من عنده ، وهنيئاً لأهل السنة به.

* * *

قال الكاتب : لو فرضنا أن رجلاً قَذِراً تمتع مرة أفتكون درجته كدرجة الحسين رضي الله عنه؟ وإذا تمتع مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً كانت كدرجة الحسن وعلي والنبي عليهم‌السلام؟ أمنزلة النبي صلوات الله عليه ومنزلة الأئمة هينة إلى هذا الحد؟!

وحتى لو كان المتمتع هذا قد بلغ في الإيمان مرتبة عالية ، أيكون كدرجة الحسين؟ أو أخيه؟ أو أبيه أو جده؟! إن مقام الحسين أسمى وأعلى من أن يبلغه أحد مهما كان قوي الإيمان ، ودرجة الحسن وعلي والنبي عليهم‌السلام جميعاً لا يبلغها أحد مهما سما وعلا إيمانه.

وأقول : بعد أن اتضح أن هذا (الحديث) مختلق مكذوب فالكلام فيه تبديد للوقت بلا فائدة.

ولكن كل إشكالات الكاتب ترد على ما أخرجه الترمذي في سننه ، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ، وأحمد في مسنده ، والطبراني في معجمه الكبير بأسانيدهم عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال : مَن أحبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة (١).

فهل كل من أحبَّ الخمسة أصحاب الكساء ينال درجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان شخصاً قذراً كما قال الكاتب؟!

بل يلزم من هذا الحديث أن يكون كل المسلمين لهم درجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سواء

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٦٤١ قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب. الأحاديث المختارة ٢ / ٤٥. مسند أحمد ١ / ٧٧. المعجم الكبير للطبراني ٣ / ٤٣.

١٩٠

أكانوا قذرين أم لا ، لأنه ما من مسلم إلا وهو يحب الحسنين وأمهما وأباهما عليهم‌السلام!!

وهذا لا يعني أننا ننكر هذا الحديث أو نردّه ، وإنما نحمله على معانٍ صحيحة ، كأن يراد بالدرجة الجنة الواحدة ، أو المكان الواحد في الجنة مع تفاوت درجات النعيم فيها ، والله العالم.

* * *

قال الكاتب : لقد أجازوا التمتع حتى بالهاشمية كما روى ذلك الطوسي في التهذيب ٢ / ١٩٣.

أقول : إن الهاشميات أرفع من أن يُتَمَتَّعَ بهن ، فهن سليلات النبوة ، ومن أهل البيت ، فحاشا لهن ذلك ، وسيأتي السبب إن شاء الله.

وأقول : إذا ثبت أن نكاح المتعة قد أحلَّه الله ورسوله كما سيأتي بيانه ، فأي غضاضة على الهاشمية أن تتزوج متعة كما تتزوج دواماً ، فتعف نفسها ، وتحصن فرجها ، وترضي ربَّها؟!

ثمّ إن أحكام الله ليست مخصوصة بقوم دون آخرين ، فكما أن الله سبحانه أحلَّ النكاح للناس كافة فقد أحلَّه للأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وبناتهم ، فإن النكاح سُنَّة ، وليس منا من رغب عن سُنَّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

* * *

قال الكاتب : وقد بين الكليني أن المتعة تجوز ولو لِضَجْعَةٍ واحدة بين الرجل والمرأة ، وهذا منصوص عليه في فروع الكافي ٥ / ٤٦٠.

وأقول : إذا ثبت ذلك عن أهل البيت عليهم‌السلام فلا غضاضة في العمل به والتسليم لهم فيه ، ولا فرق حينئذ بين اليوم واليومين والشهر والشهرين وغيرها ما دام النكاح

١٩١

محلّلاً إلى أجل قلَّ أم كثر ، وحال نكاح المتعة في ذلك حال النكاح الدائم ، فمن عقَدَ عقْد النكاح الدائم ، وضاجع امرأته مباشرة ثمّ طلَّقها ، صحَّ نكاحه وطلاقه من غير خلاف ، ولا يضر قصر المدة بصحة نكاحه.

* * *

قال الكاتب : ولا يُشْتَرَطُ أن تكون المتمتع بها بالغة راشدة بل قالوا يمكن التمتع بمن في العاشرة من العمر ، ولهذا روى الكليني في الفروع ٥ / ٤٦٣ والطوسي في التهذيب ٧ / ٢٥٥ أنه قيل لأبي عبد الله رضي الله عنه : (الجارية الصغيرة ، هل يَتَمتع بها الرجلُ؟ فقال : نعم ، إلا أن تكون صبية تخدع. قيل : وما الحد الذي إذا بَلغَتْهُ لم تُخْدَع؟ قال : عشر سنين).

وأقول : لا فرق بين نكاح المتعة والنكاح الدائم من هذه الناحية ، فإن أهل السنة أجازوا نكاح الفتاة الصغيرة حتى لو كان عمرها ست سنين ، وقد رووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج عائشة وهي ابنة ست.

فقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيدهم عن عائشة ، أنها قالت : تزوَّجني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا ابنة ست ، وبنى بي وأنا ابنة تسع (١).

بل يجوز عندهم نكاح الرضيعة دواماً ، وسيأتي بيان ذلك قريباً إن شاء الله تعالى ، فانتظره.

فإذا جاز الزواج الدائم بالصغيرة والرضيعة فلا مانع من جوازه متعة كذلك ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١١٨٩ ، ١١٩٠ ، ١٦٥٣ ، ١٦٥٤ ، ١٦٦٠. صحيح مسلم ٢ / ١٠٣٨ ـ ١٠٣٩. سنن أبي داود ٢ / ٢٣٩ ، ٤ / ٢٨٤ ، سنن النسائي ٦ / ٨٢. سنن ابن ماجة ١ / ٦٠٣ ـ ٦٠٤. صحيح ابن حبان ١٦ / ٩ ، ٥٦. السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ١١٤ ، ٢٥٣. مسند أبي داود الطيالسي ، ص ٣٠٥.

١٩٢

لأن أحكام النكاحين واحدة إلا ما استُثني.

* * *

قال الكاتب : وهذه النصوص كلها سيأتي الرد عليها إن شاء الله ، ولكني أقول : إن ما نُسِبَ إلى أبي عبد الله رضي الله عنه في جواز التمتع بمن كانت في العاشرة من عمرها ، أقول : قد ذهب بعضهم إلى جواز التمتع بمن هي دون هذا السن.

وأقول : العبارة فيها ركاكة واضحة ، فإنه لا يعلم أين ذهب خبر (إن) في قوله : (إن ما نُسب إلى أبي عبد الله ...).

وأما ذهاب بعضهم إلى جواز التمتع بمن هي دون سن العاشرة فقد أوضحنا أنه لا مانع منه ، ونقلنا ما رواه أهل السنة من تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة وهي بنت ست سنين ، فإذا جاز نكاح الصغيرة دواماً فما المانع من جوازه متعة؟

* * *

قال الكاتب : لما كان الإمام الخميني مقيماً في العراق كنا نتردد إليه ، ونطلب منه العلم حتى صارت علاقتنا معه وثيقة جداً ، وقد اتفق مرة أن وُجِّهَتْ إليه دعوة من مدينة؟؟ وهي مدينة تقع غرب الموصل على مسيرة ساعة ونصف تقريباً بالسيارة ، فطلبني للسفر معه ، فسافرت معه ...

ثمّ نقل الكاتب قصة طويلة مفادها أن السيد الخميني رحمة الله عليه تمتَّع في بغداد بصبية عمرها أربع أو خمس سنوات.

وأقول : قصة التمتع بالطفلة الصغيرة التي لها من العمر أربع سنين من الهراء الذي لا ينبغي الجواب عليه ، ونحن لا نصدق أمثال هذه الحكايات حتى لو نُسبت لليهود فضلاً عن المسلمين ، فإنه لا يعقل من رجل ناهز السبعين أن يرضى لنفسه أن

١٩٣

يتمتع بطفلة عمرها أربع سنين.

ونحن لا نتعقل أن يُتاح لرجل التمتُّع بالشابات فيتركهن ويتمتع بطفلة عمرها أربع سنين يقضي الليل معها وهي تصرخ وتصيح ، بحيث يسمع صراخها كل من كان في الدار ، وهو غير عابئ بكل ذلك!! فإن مثل هذا الرجل لا يمكن إدراجه في عداد الرجال الأصحاء.

ولو أن الكاتب افترى فرية يمكن أن تقع لأمكن تصديقه فيها ، وأما الحكايات الخرافية التي يستحيل وقوعها والتي لا يصدِّق بها إلا الحمقى والمغفَّلون ، فهي مردودة على مُفتريها.

* * *

قال الكاتب : وكان الإمام الخميني يرى جواز التمتع حتى بالرضيعة ، فقال : (لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضَماً وتفخيذاً ـ أي يضع ذَكَرَهُ بين فخذيها ـ وتقبيلا) انظر كتابه تحرير الوسيلة ٢ / ٢٤١ مسألة رقم ١٢.

وأقول : لا يوجد نص في تحرير الوسيلة هكذا ، والمسألة المشار إليها هي :

مسألة ١٢ ـ لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، دواماً كان النكاح أو منقطعاً ، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة ... الخ.

فما قاله الكاتب هو تحريف للفتوى كما هو واضح ، فمرحباً بهذا (المجتهد) الذي يتوصل إلى ما يريد باختلاق الأحاديث وتحريف الفتاوى والأحكام ، فكيف يُوثَق بقوله ويُطمأَنّ بصحة خبره؟!

والمراد بالفتوى هو أنه لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين ، سواء أكانت الزوجة دائمة أم منقطعة ، لورود النهي عن وطء الصغيرة التي لم تبلغ تسع

١٩٤

سنين ، فقد قال الصادق عليه‌السلام كما في صحيحة الحلبي : إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين (١).

وأما سائر الاستمتاعات فهي جائزة ، لعموم ما دلَّ على جواز الاستمتاع بالزوجة ، ولا مخصِّص له في البين يدل على الحرمة.

وهذا إنما يُذكر بنحو الفرض في كتب الفقه ، بغض النظر عن وقوعه في الخارج وعدمه ، فإنها مسألة أخرى ، فإنّا لم نسمع أن رجلاً سويّا أو غير سوي استمتع برضيعة ، ولكنه لو لامسها أو قبَّلها وحصلت عنده شهوة فهو جائز له ، لأنها زوجته ، وإن كان يحرم عليه وطؤها.

ولا يخفى أن الوارد في الفتوى هو الاستمتاع بالزوجة الصغيرة ، أي التلذُّذ بها ، وليس المراد تزوُّجها متعة ، وفرض المسألة هو وطء الزوجة الدائمة الصغيرة والاستمتاع بها ، هل يجوزان أو لا؟

ولئن شنَّع الكاتب على الاستمتاع بالصغيرة أو الرضيعة فقد فاته أن علماء أهل السنة ذكروا أمثال هذه المسألة في كتبهم.

أما جواز نكاحها فقد ذكره النووي في (روضة الطالبين) ، حيث قال :

الثانية : يجوز وقف ما يُراد لعينٍ تستفاد منه ، كالأشجار للثمار ، والحيوان للبن والصوف والوبر والبيض ، وما يُراد لمنفعة تُستوفَى منه كالدار والأرض. ولا يُشترط حصول المنفعة والفائدة في الحال ، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزَّمِن الذي يُرجى زوال زمانته ، كما يجوز نكاح الرضيعة (٢).

وقال السرخسي في المبسوط : عرضية الوجود بكون العين منتفعاً بها تكفي لانعقاد العقد ، كما لو تزوَّج رضيعة صحَّ النكاح ، باعتبار أن عرضية الوجود فيما هو

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ / ٧٠.

(٢) روضة الطالبين ٥ / ٣١٤.

١٩٥

المعقود عليه ـ وهو ملك الحِل ـ يقام مقام الوجود (١).

وأما الاستمتاع بالصغيرة فقد قال ابن قدامة في المغني :

فأما الصغيرة التي لا يُوطأ مثلها (٢) فظاهر كلام الخرقي تحريم قبلتها ومباشرتها لشهوة قبل استبرائها (٣) ، وهو ظاهر كلام أحمد ، وفي أكثر الروايات عنه قال : تُستبرأ وإن كانت في المهد (٤). وروي عنه أنه قال : إن كانت صغيرة بأي شيء تُستبرأ إذا كانت رضيعة؟ وقال في رواية أخرى : تُستبرأ بحيضة إذا كانت ممن تحيض ، وإلا بثلاثة أشهر إن كانت ممن توطأ وتحبل. فظاهر هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها (٥) ، وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول مالك ، وهو الصحيح (٦) ، لأن سبب الإباحة متحقِّق (٧) ، وليس على تحريمها دليل ، فإنه لا نص فيه ولا معنى نص (٨) ، لأن تحريم مباشرة الكبيرة إنما كان لكونه داعياً إلى الوطء المحرَّم ، أو خشية أن تكون أُمَ

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١٥ / ١٠٩.

(٢) بأن كانت دون تسع سنين ، أو كانت رضيعة عمرها سنة واحدة كما سيأتي قريباً في أكثر الروايات عن أحمد شمول مورد الكلام لمن كانت في المهد.

(٣) وأما بعد الاستبراء فلا تحريم في البين وإن لامسها أو قبَّلها بشهوة.

(٤) وهذه الفتوى من مهازل فتاوى أحمد بن حنبل ، إذ كيف تُستبرأ الرضيعة التي في المهد مع عدم قابليتها للحمل ، وهل الاستبراء إلا من أجل التأكد من عدم الحمل؟

(٥) أي لا يجب استبراء الرضيعة ، ولا تحرم مباشرتها ، لأنها ليست ممن تحيض ، ولا ممن توطأ وتحبل. اه

(٦) أي أن القول بجواز مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة من غير استبراء هو قول ابن أبي موسى ومالك بن أنس ، وهو المختار عند ابن قدامة.

(٧) هذا تعليل لعدم حرمة مباشرة الرضيعة قبل استبرائها ، وهو أن السبب في إباحة مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة متحقق ، وهو العقد عليها إن كانت زوجة والملكية إن كانت الرضيعة أمة.

(٨) أي لا يوجد دليل على حرمة مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة ، لا نص صريح ، ولا معنى يمكن استفادته من النص.

١٩٦

ولد لغيره (١) ، ولا يُتَوهَّم هذا في هذه (٢) ، فوجب العمل بمقتضى الإباحة (٣).

وقال النووي في شرح صحيح مسلم : وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها ، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة (٤) عُمل به ، وإن اختلفا (٥) فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حَدُّ ذلك أن تطيق الجماع (٦) ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يُضبط بسِن (٧) ، وهذا هو الصحيح (٨).

قلت : على هذه الفتوى يجوز أن يتَّفق الولي والزوج على أن يدخل الزوجُ بالصغيرة الرضيعة من دون أن يطأها ، بل يقتصر على تقبيلها وضمِّها بشهوة وتفخيذها إذا رأى الولي أن ذلك لا يضر بالصغيرة.

وعلى فتوى مالك والشافعي وأبي حنيفة فإن الرضيعة التي عمرها دون السنتين لو أطاقت الجماع جاز وطؤها عندهم ، فضلاً عن لمسها بشهوة وتفخيذها.

* * *

__________________

(١) وأما تحريم مباشرة الكبيرة فلأجل أن المباشرة قد تؤدي إلى الوطء ، وهو محرم قبل الاستبراء ، أو لأجل أنها قد تكون حاملاً من غيره ، فتكون أم ولد لذلك الغير ، ووطء أم ولد الغير حرام.

(٢) أي أن الخشية من الوقوع في الوطء المحرم واحتمال كون الرضيعة أم ولد للغير لا يمكن توهّمهما في الرضيعة ، لاستبعاد تحقق وطئها من الرجل السوي ، وامتناع كونها أم ولد للغير.

(٣) المغني لابن قدامة ٩ / ١٦٠.

(٤) كما لو اتفقا على ألا يطأها الزوج ، وإنما يقتصر على الاستمتاع بها بالتقبيل والتفخيذ وغيرهما مما هو دون الوطء مما لا ضرر فيه على الصغيرة.

(٥) بأن أراد الزوج وطأها ، وأراد الولي منه أن يقتصر على الاستمتاعات الأخرى فقط.

(٦) فيجوز للزوج أن يدخل بها إذا أطاقت الجماع وإن كان عمرها دون السنتين أو الثلاث.

(٧) أي لا يمكن ضبط مقدرة الصغيرة على الجماع بسن معين ، فربما تطيق الجماع بعض الصغيرات بملاحظة سمنها مثلاً ، وصغر آلة زوجها ، وربما لا تطيقه من كانت أكبر سناً إذا كانت هزيلة ، وكانت آلة زوجها عظيمة.

(٨) شرح النووي على صحيح مسلم ٩ / ٢٠٦.

١٩٧

قال الكاتب : جلست مرة عند الإمام الخوئي في مكتبه ، فدخل علينا شابان يبدو أنهما اختلفا في مسألة ، فاتفقا على سؤال الإمام الخوئي ليدلهما على الجواب.

فسأله أحدهما قائلاً : سيد ما تقول في المتعة ، أحلال هي أم حرام؟

ثمّ نقل الكاتب قصة طويلة فحواها أن الشاب السائل كان سُنيّاً من الموصل ، فلما أجابه السيِّد بحليتها ، طلب من السيِّد أن يزوجه ابنته متعة ، فأجابه السيد بقوله : أنا سيِّد ، وهذا حرام على السادة ، وحلال عند عوام الشيعة.

فنظر الشاب إلى السيِّد الخوئي وهو مبتسم ، ونظرته توحي أنه علم أن الخوئي قد عمل بالتقية.

وفي القصة أن الكاتب لحق بالشابين بعد خروجهما من (مكتب) السيد ، فسمع الشاب الشيعي الآخر يسب العلماء ويلعنهم ، لأنهم يحلِّلون المتعة لأنفسهم ، ويحرِّمونها على غيرهم.

وأقول : هذه القصة من القصص الخرافية التي لا تستند على دليل صحيح ، ودليلها هو نقل كاتبها الذي لا يوثق بنقله.

ومن أدلة كذب هذه القصة أن السيد الخوئي قدس‌سره ليس عنده مكتب في النجف الأشرف لاستقبال الناس فيه كما زعم الكاتب ، وإنما كان يستقبل الناس في منزله المعروف في حي العمارة.

والكاتب لم يبيِّن للقرَّاء لما ذا لحق بالشابين بعد خروجهما من مجلس السيد؟ فإنه لم يتضح سبب صحيح للحوقه بهما إلا ترتيب القصة بصورة تبدو بها أكثر إثارة.

وأما زعمه أن الخوئي قدس‌سره قد عمل بالتقية فهو من المضحكات ، إذ كيف يتَّقي السيِّد من الشاب الموصلي في مسألة هو يصرِّح بها في كتبه العلمية والفتوائية ، ويفتي مقلِّديه بجوازها؟ مع أن المقام مقام إثبات المتعة لا مقام تقية كما هو واضح.

وأما زعمه أن السيَّد الخوئي قدس‌سره قد قال : (إن المتعة حرام على السادة وحلال

١٩٨

على عوام الشيعة) فهو معلوم البطلان ، بل هو فرية بلا مرية ، فإن السيد الخوئي قدس‌سره وكل علماء الشيعة يفتون بحليّة نكاح المتعة مطلقاً من غير هذا التفصيل المزعوم.

ومن المعروف أن بعض أهل السنة دأبوا على الاحتجاج على الشيعة باحتجاج الشاب الموصلي الذي زعمه الكاتب ، بظن أنهم يُلزِمون الشيعة بما لا يستطيعون الإجابة عليه ، وهو احتجاج قديم ورد في الأخبار.

ففي صحيحة زرارة قال : جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : ما تقول في متعة النساء؟ فقال : أحلَّها الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي حلال إلى يوم القيامة. فقال : يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرَّمها عمر ونهى عنها؟! فقال : وإن كان فعل. قال : وإني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئاً حرَّمه عمر. قال : فقال له : فأنت على قول صاحبك ، وأنا على قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهلم أُلاعِنُك أن القول ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن الباطل ما قال صاحبك. قال : فأقبل عبد الله ابن عمير فقال : يسرُّك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك؟ قال : فأعرض عنه أبو جعفر عليه‌السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه (١).

وجواب من أشكل بذلك تارة يكون نَقْضِياً ، وتارة يكون حَلّيّاً.

أما النقضي فيقال له : هل تزوّجني ابنتك أو أختك مع بعض بنات عمك أو بنات خالك زواجاً دائماً؟ فإن الزواج الدائم بأربع نسوة جائز عندكم وعندنا ، ولا مانع من تزويجي أربعاً من أهلك وأرحامك؟

فإن أجاب : (بأنا لا نزوِّج رافضيّاً) ، أجبناه في المتعة بنفس جوابه بأنا لسنا مضطرين لأن نزوّج سُنّيّاً ، سواءً أكان النكاح دواماً أو متعة. وإن أجاب ب ـ (نعم) ألزمناه به.

كما يُنْقَض عليه بنقض آخر ، وهو أنه هل يرضى بأن يزوِّج ابنته زواجاً دائماً

__________________

(١) الكافي ٥ / ١٤٩. تهذيب الأحكام ٧ / ٢٥٠. وسائل الشيعة ١٤ / ٤٣٧.

١٩٩

بمهر حقير من رجل مريض فقير بخيل لئيم دميم طاعن في السن عنده ثلاث نسوة؟

فإن أجاب بـ (لا) قلنا له : لِمَ لا ترضى بما أحلَّه الله سبحانه؟ وإن قال : (نعم) سعينا في إلزامه به.

وأما الجواب الحَلّي فيقال له : ليس كل من خطب زوَّجناه حتى لو كان مريد الزواج شيعيّا ، وكان النكاح دائماً ، وليس كل ما يجوز في الشرع نحبّه لبناتنا وأخواتنا ، فالطلاق جائز ، لكنا لا نرضاه لبناتنا وأخواتنا ، ونكاح أربع نسوة جائز ، ولكنا لا نرضاه لهن أيضاً ، وزواج الأم بعد فراق الأب بموت أو طلاق جائز ، ولكن الأبناء لا يرتضونه ، وتزويج المريض واللئيم والدميم والبخيل وسيئ الأخلاق جائز ، ولكن لا يرضاه الرجل لابنته أو لأخته ، وهناك صور كثيرة لأنكحة جائزة لا يرتضيها الرجل لبناته ولا لأخواته.

ومما قلناه يتضح أن الرجل قد لا يحب لابنته أن تتزوَّج بنكاح المتعة من رجل ما دام النكاح الدائم ممكناً لها ، فإنه بلا ريب خير لها من نكاح المتعة ، وذلك لوجوب نفقتها والمبيت عندها على زوجها في النكاح الدائم ، كما أنها ترثه لو مات عنها ... وغير ذلك ، بخلاف نكاح المتعة ، فإنه لا يجب فيه شيء من ذلك.

نعم ، لو كانت المرأة ذات أولاد صغار ، ولا تجد من ينفق عليها وعلى صغارها ، أو خشيت على نفسها من الوقوع في الحرام ، فلا أعتقد أن أباً يرفض تزويج ابنته من رجل مؤمن تقي ذي خُلُق ، يصونها وينفق عليها وعلى أولادها.

* * *

قال الكاتب : إن المتعة كانت مُباحة في العصر الجاهلي ، ولما جاء الإسلام أبقى عليها مدة ، ثمّ حُرِّمَت يوم خيبر ، لكن المتعارَف عليه عند الشيعة عند جماهير فقهائنا أن عمر بن الخطاب هو الذي حرمها ، وهذا ما يرويه بعض فقهائنا.

وأقول : لا دليل على أن نكاح المتعة كان من أنكحة الجاهلية بشروطه المعروفة ،

٢٠٠