مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

ومن ذلك من كتاب الفردوس للديلمي مرفوعا إلى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مكتوب على باب الجنّة لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي أخوه ولي الله (١) ، أخذت ولايته وعهده على الذر قبل خلق السّموات والأرض بألفي عام ، من سرّه أن يلقى الله وهو عنه راض فليتولّ عليا وعترته فهم نجبائي وأوليائي وخلفائي وأحبّائي (٢).

وعن كعب بن عياض عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : لعلي نوران نور في السماء ، ونور في الأرض ، فمن تمسّك بنور منهما دخل الجنّة ، ومن أخطأهما دخل النار وما بعث الله وليا إلّا وقد دعاه إلى ولاية علي طايعا أو كارها (٣).

ومن ذلك من كتاب اللباب مرفوعا إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستكون بعدي فتنة مظلمة لا ينجو منها إلّا من تمسّك بالعروة الوثقى ، قيل : ومن هي يا رسول الله؟ قال : علي بن أبي طالب (٤).

يؤيّد ذلك ما رواه في مناقب الغزالي الشافعي مرفوعا إلى أبي ذر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ناصب عليا الخلافة بعدي فهو كافر (٥) ، وهذا فلان قد ناصب عليا الخلافة وغضبه ، فما تقول؟

وعن سعيد بن جبير قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : جحود نعمة الله كفر وجحود نبوّتي كفر ، وجحود ولاية علي كفر ، لأنّ التوحيد لا يبنى إلّا على الولاية.

وعن الأسماخ بن الخزرج قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي لا يتقدّمك بعدي إلّا كافر ، ولا يتخلّف عنك إلّا كافر ، أنت نور الله في عباده وحجّة الله في بلاده وسيف الله على أعدائه ، ووارث علوم أنبيائه ، أنت كلمة الله العليا وآيته الكبرى ، ولا يقبل الله الإيمان إلّا بولايتك (٦).

__________________

(١) كنز العمّال : ١١ / ٦٢٤ ح ٣٣٠٤٣.

(٢) بحار الأنوار : ٨ / ١٣١ ح ٣٤.

(٣) البحار : ١١ / ٦٠ ح ٦٩.

(٤) البحار : ٣٦ / ٢٠ ح ١٦ و ٣٧ / ٣٠٧ ح ٤٠.

(٥) مناقب ابن المغازلي : ٤٦ ح ٦٨ ، ومسند شمس الأخبار : ١ / ١٠٥.

(٦) كنز الفوائد : ١٨٥ ، ومائة منقبة : ٧٩ ، وكفاية الطالب : ٢١٥ ، ومناقب ابن المغازلي : ٤٦ ح ٦٩ وتاريخ بغداد : ١١ / ١٠٢.

٨١

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ يوم القيامة يوم شديد الهول فمن أراد منكم أن يتخلّص من أهوال القيامة وشدائده فليوال وليّي ، وليتّبع وصيّي وخليفتي وصاحب حوضي علي بن أبي طالب ، فإنّه غدا على الحوض يذود عنه أعداءه ويسقي منه أولياءه فمن لم يشرب لم يزل ظمآنا لم يرو أبدا ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ، ألا وإن حبّ علي علامة بين الإيمان والنفاق فمن أحبّه كان مؤمنا ، ومن أبغضه كان منافقا ، فمن سرّه أن يمرّ على الصراط كالبرق الخاطف ويدخل الجنّة بغير حساب ، فليوال وليّي وخليفتي على أهلي وأمّتي علي بن أبي طالب ، فإنّه باب الله والصراط المستقيم ، وعلي يعسوب الدين ، وقائد الغرّ المحجلين ومولى من أنا مولاه ، لا يحبّه إلّا طاهر الولادة زاكي العنصر ولا يبغضه إلّا من خبث أصله وولادته ، وما كلّمني ربّي ليلة المعراج إلّا قال لي : يا محمد اقرأ عليا مني السلام وعرّفه أنّه إمام أوليائي ونور من أطاعني فهنيئا له بهذه الكرامة منّي (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تستخفّوا بالفقير من شيعة علي فإنّ الرجل منهم يشفع في مثل ربيعة ومضر (٢).

__________________

(١) بعضه في بحار الأنوار : ٨ / ١٩ ح ٦.

(٢) بحار الأنوار : ٨ / ٥٦ ح ٦٨.

٨٢

فصل

[إقرار الأمم بفضل علي عليه‌السلام]

وعن أبي الحمراء قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما : أبا الحمراء انطلق وادع لي مائة من العرب وخمسين رجلا من العجم ، وثلاثين رجلا من القبط ، وعشرين رجلا من الحبشة.

قال : فذهبت فأتيت بهم ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصف العرب ثم صف العجم خلف العرب ، ثم صف القبط خلف العجم ثم صف الحبشة خلف القبط ، ثم حمد الله وأثنى عليه بمحامد لم تسمع الخلائق مثلها ثم قال : معاشر العرب والعجم والقبط والحبشة شهادة لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله ، قالوا : نعم. قال : اللهمّ اشهد حتى قالها ثلاثة ، ثم قال : يا علي آتني بدواة وبياض فأتاه بهما ، فقال : اكتب «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أقرّت به العرب والعجم والقبط والحبشة أقرّوا بأن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله» ثم ختم الصحيفة ودفعها إلى علي بن أبي طالب (١).

ومن ذلك في كتاب الأمالي مرفوعا إلى امّ سلمة قالت : كان يومي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجئت لأدخل فردّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرجعت خائفة ثم رجعت ثانية وأتيت الباب لأدخل فمنعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكبوت لوجهي خوفا من ذلك ، ثم لم ألبث أن أتيت الباب ثالثة فقلت : أأدخل يا رسول الله؟ فقال : ادخلي فدخلت وعلي جاث بين يديه وهو يقول : فداك أبي وامّي يا رسول الله فإذا كان كذا وكذا فبم تأمرني؟ فقال : آمرك بالصبر ثم أعاد ثانية فأمره بالصبر ، ثم أعاد الثالثة فقال : يا علي «يا أخي» إذا كان ذلك منهم فقم واشهر سيفك وضعه على عاتقك واضرب به قدما حتى تلقاني وسيفك شاهرا يقطر من دمائهم ، ثم التفت إلي وقال : يا أم سلمة ما رددتك لأمر تحذرينه ، ولكن كان جبرائيل عن يميني وعلي عن يساري ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٨ / ١٠٨ ح ٣٨ والحديث طويل.

٨٣

وكان يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي ، ويأمرني أن أخبر بذلك عليا وأوصيه ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا والآخرة ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب صاحب لوائي في الدنيا والآخرة (١).

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خليفة الله ووليّه وحجّته على جميع خلقه ، طاعته مقرونة بطاعة الله وطاعتي ، فمن عرفه عرفني ، ومن أنكره أنكرني ، ثم قال : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج الله على خلقه ، أعداؤنا أعداء الله وأولياؤنا أولياء الله (٢).

__________________

(١) الحديث بطوله في بحار الأنوار والمصنّف اختصره : ٢٢ / ٢٢١ ح ١.

(٢) بحار الأنوار : ٣٦ / ٢٢٧ ح ٥. والحديث طويل.

٨٤

فصل

[علي عليه‌السلام الإمام المبين]

ومن ذلك ما رواه ابن عباس قال : لمّا نزلت هذه الآية : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١) قام رجلان فقالا : يا رسول الله ، أهي التوراة؟ قال : لا. قالا : فهو الإنجيل؟ قال : لا. قالا : فهو القرآن؟ قال : لا. فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : هو هذا الذي أحصى الله فيه علم كل شيء ، وإن السعيد كل السعيد من أحبّ عليا على حياته وبعد وفاته ، والشقي كل الشقي من أبغض هذا في حياته وبعد وفاته (٢).

قال حذيفة بن اليمان : رأى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلا من شيعته وقد أثر فيه السن وهو يتجلد ، فقال له : كبر سنك يا رجل ، فقال : في طاعتك يا أمير المؤمنين. فقال : إنّك تتجلّد. فقال : على أعدائك. فقال : أجد فيك بقيّة ، فقال : هي لك يا أمير المؤمنين (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نحن أئمّة المسلمين وحجّة الله على العالمين ، ونحن أمان لأهل السّموات والأرضين ، ولو لانا لساخت الأرض بأهلها (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله اختارني واصطفاني ، وجعلني سيّد المسلمين واختار لي وزيرا من أهلي ، وجعله سيّد الوصيّين ، الحياة معه سعادة ، والموت معه سعادة ، أوّل من آمن بي وصدّقني اسمه في التوراة مقرون مع اسمي ، وزوجته الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء ابنتي ، وابناه ريحانتاي من الدنيا وسيدا شباب أهل الجنّة ، والأئمة من ولده حجج الله على خلقه ، من تبعهم نجا من النار ومن اقتدى بهم هدي إلى الصراط المستقيم ، ما وهب الله

__________________

(١) يس : ١٢.

(٢) بحار الأنوار : ٣٥ / ٤٢٧ ح ٢ ، و : ٢١ / ١٤٣ ح ٦.

(٣) بحار الأنوار : ٤٢ / ١٨٦ ح ١.

(٤) أصول الكافي : ١ / ١٧٩ ح ١٢ ، وبصائر الدرجات : ٤٨٨.

٨٥

محبّتهم لعبد إلّا دخل الجنّة (١).

وعن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عروة قال : قلت : يا رسول الله أرشدني إلى النجاة ، فقال : إذا اختلفت الأهواء ، وافترقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب فانّه إمام أمّتي وخليفتي عليهم بعدي والفاروق بين الحق والباطل من سأله أجابه ، ومن استرشده أرشده ، ومن طلب الحق عنده وجده ، ومن التمس الهدى لديه صادفه ومن لجأ إليه آمنه ، ومن استمسك به نجاه ، ومن اقتدى به هداه ، يا ابن سمرة ، سلم من سلم إليه ووالاه ، وهلك من ردّ عليه وعاداه ، يا ابن سمرة ، إن عليا منّي وأنا منه ، روحه روحي وطينته طينتي ، وهو أخي وأنا أخوه وزوجه سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين وأبناؤه سيدا أهل الجنة الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين هم أسباط النبيين تاسعهم قائمهم يملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت ظلما وجورا (٢).

وعن ابن عباس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل أمرني أن أقيم عليا إماما وحاكما وخليفة ، وأن اتخذه أخا ووزيرا ووليا وهو صالح المؤمنين أمره أمري ، وحكمه حكمي ، وطاعته طاعتي ، فعليكم طاعته واجتناب معصيته فإنّه صدّيق هذه الأمّة ، وفاروقها ومحدثها وهارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها ، وباب حطتها وسفينة نجاتها وطالوتها ، وذو قرنيها ألا إنه محنة الورى والحجّة العظمى والعروة الوثقى ، وإمام أهل الدنيا وإنه مع الحق والحق معه وإنه قسيم الجنّة فلا يدخلها عدوّ له ولا يزحزح عنها ولي له ، قسيم النار فلا يدخلها ولي له ، ولا يزحزح عنها عدو له ، ألا إن ولاية علي ولاية الله وحبّه عبادة الله ، واتباعه فريضة الله وأولياؤه أولياء الله ، وحربه حرب الله وسلمه سلم الله (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : يا علي مثلك في أمتي كمثل (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) من قرأها مرّة فكأنما قرأ ثلث القرآن ، ومن قرأها مرّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن ، ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنّما ختم القرآن فمن أحبّك بلسانه فقد كمل ثلث الإيمان ، ومن أحبّك بلسانه وقلبه فقد

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٨ / ٩٢ ح ٦.

(٢) بحار الأنوار : ٣٦ / ٢٢٦ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ٣٨ / ٩٣ ح ٧ بتفاوت ليس بيسير.

٨٦

كمل ثلثا الإيمان ، ومن أحبّك بيده وقلبه ولسانه فقد كمل الإيمان ، والذي بعثني بالحق نبيّا لو أحبّك أهل الأرض كمحبّة أهل السماء لما عذّب الله أحدا بالنار ، يا علي بشرني جبرائيل عن ربّ العالمين فقال لي : يا محمد بشّر أخاك عليا أنّي لا أعذّب من تولّاه ولا أرحم من عاداه (١).

وعن سعيد بن جبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما لعلي : أنت سيّد العرب ، فقلت : يا رسول الله ألست سيّد العرب؟ فقال : أنا سيّد ولد آدم وعلي سيّد العرب (٢) ، فقلت : وما السيد؟ فقال : من فرضت طاعته كما فرضت طاعتي.

وقال لعلي عليه‌السلام : أنت منّي بمنزلة شيث من آدم وبمنزلة سام من نوح ، وبمنزلة إسحق من إبراهيم ، وبمنزلة هارون من موسى ، وبمنزلة شمعون من عيسى ، إلّا أنّه لا نبي بعدي ، يا علي أنت وصيّي وخليفتي ، ومن نازعك في الإسلام بعدي فليس من الإسلام في شيء ، وأنا خصيمه يوم القيامة ، يا علي أنت أفضل أمّتي فضلا ، وأقدمهم سلما وأكثرهم علما وأوفرهم حلما (٣) ، وأشجعهم قلبا وأسخاهم كفّا ، وأنت الإمام بعدي ، وأنت الوزير وأنت الوزير وأنت قسيم الجنّة والنار (٤) تعرف الأبرار من الفجّار ، وتميّز الأخيار من الأشرار والمؤمنين من الكفّار (٥).

وعن ابن عباس قال : رأيت جابر بن عبد الله متوكئا على عصى يدور في سكك الأنصار ويقول : يا معاشر الأنصار أدّبوا أولادكم بحبّ علي ، فمن أبى فانظروا في حال أمّه (٦).

وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي من أحبّك فقد أحبّني ، ومن سبّك فقد سبّني ، يا علي أنت منّي وأنا منك ، روحك من روحي وطينتك من طينتي ، وإنّ الله سبحانه خلقني وإيّاك واصطفاني وإيّاك ، واختارني للنبوّة واختارك للإمامة فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي ، يا علي أنت وصيّي وخليفتي ، أمرك أمري ونهيك نهيي ، أقسم بالذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البرية إنّك حجّة الله على خلقه ، وأمينه على وحيه وخليفته على عباده

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٢ / ٣١٧ ح ٢.

(٢) ذخائر العقبى : ٧٠.

(٣) كنز العمال : ١٣ / ١١٤ ح ٣٦٣٧٠.

(٤) ذخائر العقبى : ١ / ٩٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٦٧ ح ٩٧.

(٥) بحار الأنوار : ٣٧ / ٢٥٤ ح ١.

(٦) بحار الأنوار : ٣٨ / ٧ ح ١٣.

٨٧

وأنت مولى كل مسلم وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وبولايتك صارت امّتي مرحومة ، وبعداوتك صارت الفرقة المخالفة منها ملعونة ، وإن الخلفاء بعدي اثنا عشر أنت أوّلهم وآخرهم القائم الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها كأنّي أنظر إليك وأنت واقف على شفير جهنّم وقد تطاير شررها وعلا زفرها واشتد حرّها ، وأنت آخذ بزمامها فتقول لك جهنم : أجرني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي ، فتقول لها : قري يا جهنم خذي هذا واتركي هذا (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كتب فضيلة من فضائل علي لم تزل الملائكة تغفر له ، ومن ذكر فضيلة من فضائله غفر الله له ما تقدّم من ذنوبه وما تأخّر ، ولا يتم إيمان عبد إلّا بحبّه وولايته ، وإنّ الملائكة تتقرّب إلى الله تعالى بمحبّته ، ومن حفظ من شيعتنا أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ، وغفر له (٢).

وعن سعيد بن جبير من كتاب الأمالي قال : أتيت ابن عبّاس أسأله عن علي بن أبي طالب واختلاف الناس فيه ، فقال : يابن جبير جئت تسألني عن خير هذه الامّة بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جئت تسألني عن رجل له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة ـ وهي ليلة الفدية ـ ، وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخليفته ، وصاحب حوضه ولوائه ، ثم قال : والذي اختار محمدا خاتما لرسله ، لو كان نبت الدنيا وأشجارها أقلاما وأهلها كتّابا وكتبوا مناقب علي وفضائله من يوم خلق الله الدنيا إلى فنائها ما كتبوا معشار ما آتاه الله من الفضل (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) : أنا سيّد النبيّين ووصيّي سيّد الوصيين ، وإن الله أوحى إلى آدم يا آدم إني أكرمت الأنبياء بالنبوّة ، وجعلت لهم أوصياء وجعلتهم خير خلقي ، فأوص إلى شيث ابنك. وأوصى شيث إلى سنان ، وسنان إلى محلث وأوصى محلث إلى محقوق ومحقوق إلى عيثما وعيثما إلى أخنوخ ، وهو إدريس وأوصى إدريس إلى ناحور ، وناحور إلى نوح ونوح إلى سام ، وسام إلى عابر وعابر إلى برعانا ، وبرعانا إلى يافث ويافث إلى أبره وأبره إلى خفيسة ، وخفيسة إلى عمران ودفعها عمران إلى إبراهيم ، وإبراهيم إلى إسماعيل وإسماعيل

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٨ ح ١ بتفاوت والحديث طويل.

(٢) بحار الأنوار : ٣٩ / ٩٢ ح ١ باختصار.

(٣) بحار الأنوار : ٤٠ / ٧ ح ١٧ وفيه : ليلة القربة بدل الفدية مع تفاوت في بقيّة الحديث.

(٤) إلى هنا الرواية في بحار الأنوار : ٢٣ / ٥٧ ح ١.

٨٨

إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ويعقوب إلى يوسف ، ويوسف إلى شريا وشريا إلى شعيب ودفعها شعيب إلى موسى ، وموسى إلى يوشع بن نون ويوشع إلى داود وداود إلى سليمان ، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا وأوصى آصف زكريا ، ودفعها زكريا إلى عيسى ابن مريم وأوصى عيسى إلى شمعون وأوصى شمعون إلى يحيى ، ويحيى إلى منذر ومنذر إلى سليمة ودفعها سليمة إلى بردة ودفعها بردة إليّ ، وأنا دافعها إليك يا علي وتدفعها أنت إلى الحسن ويدفعها الحسن إلى الحسين ، ويدفعها الحسين إلى أوصيائه حتى تدفع خير أهل الإرث بعدك ، ولتكفرن بك الامّة ولتختلفنّ عليك ، والثابت عليك كالثابت معي ، والشاذّ عنك في النار ، والنار مثوى الكافرين (١).

وإن الله جعل لكل نبي عدوّا من شياطين الإنس والجن. احتج خصم ، فقال : كيف تجدد النص (كذا) عليه‌السلام مخالفة هذه الوصية إذ كتمها بعد هذا النص الصريح على علي؟ فقلت له : ألست تعلم أنت وكل مسلم أن اليهود والنصارى كتموا نصّ موسى وعيسى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسوا اسمه الموجود في التوراة والإنجيل المذكور في صريح القرآن واستدبروه وجحدوه وكتموه ولم يلتفتوا إليه ، وأن قوم موسى شهدوا على موسى باستخلافه لهارون أخيه ، ولما غاب عنهم عكفوا على العجل وأرادوا قتل هارون ، وقد صرّح القرآن بذلك ، وأن اليهود جحدوا صريح النص على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابهم جهلا وحبّا للرئاسة ، وهكذا ضلّ من هو دونهم طلبا للرئاسة وحسدا على النعمة والفضيلة ، أو ليس قد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستفترق هذه الأمّة على ثلاثة وسبعين (٢) واحدة ناجية والباقون في النار ، وهذا عذر واضح لعلي عليه‌السلام وعترته وقعودهم عن حقّهم ، لأنه لا تقوى فرقة واحدة على اثنتين وسبعين ، وأين أهل النصر لهم وقد أعذر القرآن من (اقر) (٣) عن أكثرهم مرائين بغير خلاف ، ثم إن الله سبحانه قد نصّ على معرفته أبلغ ممّا نصّ على أوليائه في المشارق والمغارب من حكم هو صانعها ، وآيات هو موجود بدئها ، كل عاقل يشهد بوجود الصانع وقدرته ، وقد كان قوم جحدوا

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٣ / ٥٧ ، ح ١.

(٢) راجع : سنن أبي داود ح ٤٥٩٧ كتاب السنّة ، ومسند أحمد : ح ١٦٤٩٠ وفي رواية اثنين وسبعين.

(٣) كذا بالأصل.

٨٩

وأنكروا وجود الصانع وما آمن بوحدانيته إلّا قليل ، فعند ذلك تهذيب للبس الأمر ، والثابت عليك كالثابت معي ، والشاذ عنك في النار والنار مثوى للكافرين ، إن الله جعل لكل نبي عدوّا [من] شياطين الإنس والجن وعدوّا من المجرمين ، فعدو آدم إبليس وعدو سليمان الشياطين ، وعدوّ شيث أولاد قابيل وعدو انوش كيومرث ، وعدو إدريس الضحاك وعدو نوح عوج وجهانيان ، وعدو صالح افراسياب ، وعدو إبراهيم نمرود بن كنعان ، وعدو موسى فرعون وقارون وهامان وعوج بن بلعام ، وعدو يوشع بن نون لهراسب ، وعدو داود جالوت ، وعدو عيسى أشبح بن اشجان ، وعدو شمعون بخت نصر ، وعدو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو جهل وأبو لهب ، وعدوّك يا علي تيم وعدي وبنو أمية ، والله عدوّ للكافرين. وإنّما حسدك على فضلك أهل العدواة والحسد.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن حبّ أهل بيتي ينفع من أحبّهم في سبع مواطن مهولة : عند الموت ، وفي القبر وعند القيام من الأجداث ، وعند تطاير الصحف وعند الميزان ، وعند الصراط ، فمن أحبّ أن يكون آمنا في هذه المواطن فليوال عليا بعدي وليتمسك بالحبل المتين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وعترته من بعده ، فإنّهم خلفائي وأوليائي ، علمهم علمي وحلمهم حلمي ، وأدبهم أدبي وحبّهم حبّي ، سادة الأولياء وقادة الأتقياء ، وبقية الأنبياء ، حربهم حربي وعدوّهم عدوّي (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحذيفة بن اليمان : يا حذيفة إن عليا حجة الله الإيمان به إيمان بالله ، والكفر به كفر بالله والشرك به شرك بالله ؛ والشك فيه شك في الله والإلحاد فيه إلحاد في الله والإنكار له إنكار لله ، والإيمان به إيمان بالله ، يهلك فيه رجلان ولا ذنب له : محبّ غال ، ومبغض قال (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : خذوا بحجزة الأنزع البطين علي بن أبي طالب فهو الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ، من أحبّه أحبّه الله ومن أبغضه أبغضه الله ومن تخلّف عنه محقه الله (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٧ / ١٦٢ ح ١٠.

(٢) بحار الأنوار : ٣٨ / ٩٧ ح ١٤ والحديث طويل اختصره المصنّف ، ينابيع المودّة : ١ / ٢٥٣.

(٣) بحار الأنوار : ٢٣ / ١٢٩ ح ٦٠.

٩٠

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما وقد أخذ بيدي الحسن والحسين عليهما‌السلام قال : أنا رسول الله وهذان الطيّبان سبطاي وريحانتاي ، فمن أحبّهما وأحب أباهما وامّهما كان معي يوم القيامة وفي درجتي ، ألا وإن الله خلق مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي ، أنا أكرمهم على الله ولا فخر ، وخلق مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصي ، علي أكرمهم وأفضلهم عند الله ، ألا وإن الله يبعث أناسا وجوههم من نور على كراسي من نور عليهم ثياب من نور في ظل عرش الرحمن بمنزلة الأنبياء ، وليسوا أنبياء ، وبمنزلة الشهداء وليسوا شهداء.

فقال رجل : أنا منهم يا رسول الله؟

فقال : لا ، فقال آخر : أنا منهم.

فقال : لا.

فقيل : من هم يا رسول الله؟

فوضع يده الشريفة على كتف علي وقال : هذا وشيعته ، ألا إن عليا والطيبين من عترته كلمة الله العليا وعروته الوثقى وأسماؤه الحسنى مثلهم في امّتي كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، ومثلهم في امّتي كالنجوم الزاهرة كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة ، ألا وإن الإسلام بني على خمس دعائم : الصلاة والزكاة ، والصوم والحج ، وولاية علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ، ولم يدخل الجنة حتى يحب الله ورسوله وعلي بن أبي طالب وعترته (١).

وروى السديّ في قوله تعالى : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٢) ، قال : شيعة علي يعدلون بالحق من صدّ عنه ويهتدون بالدين القيم وهو حب علي وعترته.

وروى أيضا قوله تعالى : (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) قال : شيعة علي على الصراط المستقيم وهو حب علي (٤) ، ويأمرون به وهو العدل.

(وروى) أحمد أن الصراط لا يجوز عليه إلّا من عرف عليا وعرفه ؛ وأنّ الجنة لا يدخلها

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٣ / ١٢٥ ح ٥٣ و : ٦٨ / ٣٧٦ ح ٢٢.

(٢) الأعراف : ١٨١.

(٣) وورد أن حبّ آل محمد جواز على الصراط. ضوء الشمس : ١ / ٩٩.

(٤) في البحار : ٣٥ / ٣٦٣ الصراط المستقيم هو علي ، وفي ٣٩ / ٢٠٢ جواز الصراط المستقيم حب علي.

٩١

إلّا من كان في صحيفته حب علي وعترته (١).

وروى ابن عباس أن جبرئيل يجلس يوم القيامة على باب الجنة فلا يدخلها إلّا من كان معه براءة من علي (٢).

وروى في تفسيره الوكيع بن الجراح عن السدي وسفيان الثوري أن الصراط المستقيم حبّ علي (٣).

ومن كتاب الأمالي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا عرج بي إلى السماء السابعة ، ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور ناداني ربّي جل جلاله يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فلي فاخضع ، وإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل فإنّي قد رضيتك عبدا وحبيبا ورسولا ورضيت لك عليا خليفة وبابا ، وجعلته حجّتي على عبادي وأمانا لخلقي ، به يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي ، ويعرف أعدائي من أوليائي وبالأئمة من ولده أرحم عبادي ، وبالقائم المهدي أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتمجيدي ، وبه أطهّر الأرض من أعدائي وبه أحيي عبادي وبلادي وبه أظهر الكنوز والذخائر وأظهره على الأسرار والضمائر ، وأنصره بأوليائي وأمده بملائكتي فهو وليّي حقا ومهديّ عبادي صدقا (٤).

ومن كتاب المناقب مرفوعا إلى ابن عمر قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقلت : يا رسول الله ما منزلة علي منك؟

فغضب ثم قال : ما بال قوم يذكرون رجلا عند الله منزلته كمنزلتي ومقامه كمقامي ، إلّا النبوّة يابن عمر إن عليا منّي بمنزلة الروح من الجسد ، وإن عليا مني بمنزلة النفس من النفس ، وإن عليا منّي بمنزلة النور من النور ، وإن عليا منّي بمنزلة الرأس من الجسد ، وإن عليا مني بمنزلة الزر من القميص ، يابن عمر ؛ من أحبّ عليا فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد غضب الله عليه ولعنه ، ألا ومن أحب عليا فقد اوتي كتابه بيمينه وحوسب حسابا يسيرا ، ألا ومن أحب عليا لا يخرج من الدنيا حتى يشرب

__________________

(١) ورد أن حبّ علي براءة من النار. الفردوس : ٢ / ١٤٢ ح ٢٧٢٣.

(٢) مناقب الخوارزمي : ٣٢٠ ، ومائة منقبة : ٦٣.

(٣) ورد أن أهل البيت هم الصراط المستقيم. راجع رشفة الصادي : ٢٥.

(٤) بحار الأنوار : ٢٣ / ١٢٨ ح ٥٨.

٩٢

من الكوثر ويأكل من طوبى ، ويرى مكانه من الجنّة.

ألا من أحب عليا هانت عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنة ، ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عضو من أعضائه خولا وشفاعة ثمانين من أهل بيته ، ألا ومن عرف عليا وأحبه بعث الله إليه ملك الموت كما يبعث إلى الأنبياء وجنّبه أهوال منكر ونكير وفتح له في قبره مسيرة عام ، وجاء يوم القيامة أبيض الوجه يزفّ إلى الجنة كما تزفّ العروس إلى بعلها ، ألا ومن أحب عليا أظلّه الله تحت ظل عرشه وآمنه يوم الفزع الأكبر ، ألا ومن أحب عليا قبل الله حسناته ودخل الجنة آمنا ، ألا ومن أحبّ عليا سمّي أمين الله في أرضه ، ألا ومن أحبّ عليا وضع على رأسه تاج الكرامة مكتوبا عليه أصحاب الجنّة هم الفائزون ، وشيعة علي هم المفلحون ، ألا ومن أحبّ عليا مرّ على الصراط كالبرق الخاطف ، ألا ومن أحبّ عليا لا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان ، وتفتح له أبواب الجنة الثمان ، ألا ومن أحبّ عليا ومات على حبّه صافحته الملائكة وزارته أرواح الأنبياء ، ألا ومن مات على حب علي فأنا كفيله الجنّة ، ألا وإن لله بابا من دخل منه نجا من النار وهو حب علي ، ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عرق في جسده وشعرة في بدنه مدينة في الجنة ، يابن عمر ، ألا وإن عليا سيّد الوصيّين وإمام المتّقين ، وخليفتي على الناس أجمعين ، وأبو الغرّ الميامين ، طاعته طاعتي ، ومعرفته هي معرفتي ، يابن عمر والذي بعثني بالحق نبيا لو كان أحدكم صف قدميه بين الركن والمقام يعبد الله ألف عام ، ثم ألف عام صائما نهاره قائما ليله ، وكان له ملء الأرض مالا فأنفقه ، وعباد الله ملكا فأعتقهم ، وقتل بعد هذا الخير الكثير شهيدا بين الصفا والمروة ، ثم لقي الله يوم القيامة باغضا لعلي لم يقبل الله له عدلا ولا صرفا وزج بأعماله في النار وحشر مع الخاسرين (١).

فصل

علي أمير المؤمنين عليه‌السلام فهو المنتجب بالوصية المنتخب من الطينة الزكية الحاكم بالسوية العادل في القضية ، العالي البنية إمام سائر البرية ، بعل فاطمة الرضية ، والد العترة الزكية ، ليث

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٤ / ٤٥ ح ١٧ بتفاوت.

٩٣

الحروب ومفرّج الكروب ، الذي لم يفرّ من معركة قط ، ولا ضرب بسيفه إلّا قط ، ولا لقي كتيبة إلّا انهزمت ولم يقاتل تحت راية إلّا غلبت ، ولم يفلت من بأسه بطل ولا ضرب بحسامه شجاعا إلّا قتل ، ولم يرافق سرية إلّا كان النصر معها ، ولم يلق جحفلا إلّا ولّوا مدبرين وانقلبوا صاغرين ، وكانت وثبته إلى عمرو أربعين ذراعا ورجوعه إلى خلف عشرين ذراعا ، وضرب الكافر يوم أحد فقطعه وجواده نصفين ثم حمل على سبعة عشر كتيبة جمعها سبعون ألفا ففرّقها ، وبدّد شملها ومزّقها ، حتى تحيّر الفريقان من بأسه وتعجّبت الأملاك من حملاته ، وهذه خواص إلهية وآيات ربّانية ، الليث الباسل والبطل الجلاجل ، والهزبر المنازل والخطب النازل ، والقسورة الذي ليس له منازل ، ولايته فريضة واتباعه فضيلة ، ومحبّته إلى الله وسيلة ، ومن أحبّه في حياته وبعد وفاته كتب الله له من الأمن والإيمان ما طلعت عليه الشمس وغربت. وها أنا أقول :

هي الشمس أم نور الضريح يلوح

هو المسك أم طيب الوصي يفوح

وبحر ندى أم روضة حوت الهدى

وآدم أم سر المهيمن نوح

وداود هذا أم سليمان بعده

وهارون أم موسى العصا ومسيح

وأحمد هذا المصطفى أم وصيّه

علي سماه هاشم وذبيح

سماه محيط المجد بدر دجنة

وصبح جلال في الأنام يلوح

حبيب حبيب الله بل سرّ سرّه

وعين الورى بل للخلايق روح

له النص في يوم الغدير ومدحه

من الله في الذكر المبين صريح

إمام إذا ما المرء جاء بحبّه

فميزانه يوم المعاد رجيح

له شيعة مثل النجوم زواهر

إذا جاء ولت تلقى العدو طريح

عليك سلام الله يا راية الهدى

سلام سليم يغتدي ويروح (١)

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٦ / ٤٦٨.

٩٤

فصل

قال سبحانه وتعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (١) قال ابن عباس : هي في ثلاث كلمات لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله.

وكل واحدة من هذه رباط الأخرى ، وهي المسؤول عنها في القبر وإليها الإشارة بقوله :

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٢) فالسمع للتوحيد ، والبصر للنبوّة ، والفؤاد للولاية.

فصل

الدين عدل الله والعدل قسط الله ، والقسط هو القسطاس المستقيم ، والقسطاس هو الميزان ، فالدين هو الولاية.

__________________

(١) الروم : ٣٠.

(٢) الاسراء : ٣٦.

٩٥

فصل

[علي عليه‌السلام الميزان يوم القيامة]

قال الله سبحانه : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) قال ابن عباس : الموازين الأنبياء والأولياء (٢) ، والميزان يقتضي كفتين وشاهدين ضرورة فالكفة الأولى منه : لا إله إلّا الله ، وقسطاسه المرفوع : محمد رسول الله قائما بالقسط ، والكفة الأخرى : علي ولي الله ، وإليه الإشارة بقوله : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ).

قال العالم عليه‌السلام : السماء رسول الله والميزان علي (٣) لأن بحبّه توزن الأعمال ، وقوله : (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) (٤) أي لا تظلموا عليا حقّه لأنه من جهل حقّه لا ميزان له.

وروي في قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) (٥) قال : الكتاب القرآن والميزان الولاية ، وقال علي بن إبراهيم (٦) : الكتاب علي والميزان أيضا علي ، لأنه ما لم تكن لك الولاية فلا دين ولا كتاب ، لأن الولاية بها يتم الدين وبها ينعقد اليقين ، فالولاية هي ميزان العباد يوم المعاد ، فإذا وضعت السّموات والأرض وما بينهما من الراسيات والشامخات ، مقابل لا إله إلّا الله فلا يلزم يقوم لها وزن ، وضعت الولاية مقابلها وهي علي ولي الله رجحت الميزان لأن الولاية معها التوحيد والنبوة ، لأنها جزء من التوحيد وجزء من النبوة ، فهي جامعة لسرّ التوحيد ، والنبوة خاتمة لهما وذلك لأن لا إله إلّا الله روح الإيمان وظرف الباطن محمد رسول الله رسوخ الإسلام وظرف الظاهر علي ولي الله ظرف الإسلام والإيمان ، وروح

__________________

(١) الأنبياء : ٤٧.

(٢) في البحار ٧ / ٢٥١ عن الإمام الصادق عليه‌السلام : الموازين الأنبياء والأوصياء.

(٣) بحار الأنوار : ٢٤ / ٦٧ ح ١.

(٤) الرحمن : ٧ ـ ٨.

(٥) الشورى : ١٧.

(٦) تفسير القمي : ١ / ٣٠.

٩٦

الظاهر والباطن. فلهذا لو جاء العبد يوم القيامة وفي ميزانه الجبال الراسيات من الأعمال الصالحات ، وليس فيه ولاية علي التي هي كمال الدين ، ورجح الموازين لا بل كمال سائر الأديان ، لأن دين محمد كمال كل دين وختم كل شريعة للنبيّين وتصديقا للمرسلين ، وحبّ علي كمال هذا الكمال ، وختم هذا الخاتم وتمام هذا المتمّم والمكمّل للكمال كمال الكمال ، والكمال جمال فحبّ علي كمال كل دين ، لأن الله لم يبعث نبيّا يدعو الناس إليه ويدل عباده عليه ، إلّا وقد أخذ عليه ولاية علي طوعا أوكرها فكل دين ليس معه حبّ علي وولايته فلا كمال له ، وما لا كمال له ناقص ، والناقص لا يقبل ولا يوزن ولا يعرض ، لأن الله لا يقبل إلّا الطيب ، وإليه الإشارة بقوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) (١) والحق هو العدل والعدل هو الولاية ، لأن الحق علي فمن كملت موازينه بحب علي رجع وأفلح ، وإليه الإشارة بقوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) وهم أهل الولاية الذين سبقت لهم من الله العناية ، وإليه الإشارة بقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) (٣) قال : الكلم الطيب : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، والعمل الصالح يرفعه ، قال : العمل الصالح حب علي ، فكل عمل ليس معه حب علي فلا يرفع ، وما لا يرفع لا يسمع ، وما لا يسمع فلا ينفع ، وما لا يرفع ولا يسمع ولا ينفع ، فهو وبال وضلال وهباء منثور.

يؤيّد هذه المقالة ويحقّق هذه الدلالة أن جبرائيل سيّد الملائكة ، والأنبياء سادة أهل الأرض ، والرسل سادة الأنبياء وكل منهم سيّد أهل زمانه ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد الأنبياء والمرسلين وسيّد الخلائق أجمعين لأنه الفاتح والخاتم والأول والآخر ، له سؤدد التقدّم والتختم ، لأنه لولاه ما خلقوا وما كانوا فلأحديته على سائر الآحاد شرف الواحد على سائر الأعداد ، وجبرائيل خادمه والأنبياء نوّابه ، لأنّهم بعثوا إلى الله يدعون وبنبوّة محمد يخبرون وبفضله على الكل يشهدون وبولاية علي يقرّون وبحبّه يدينون وعلي سلطان رسالة محمد وحسامها وتمام أحكامها وختامها. دليله قوله : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٤)

__________________

(١) الأعراف : ٨.

(٢) الأعراف : ٨.

(٣) فاطر : ١٠.

(٤) الاسراء : ٨٠.

٩٧

يعني عليا وأميرا ووزيرا ، فمحمد سيّد أهل السّموات والأرضين ، وعلي نفس هذا السيّد وروحه ولحمه ودمه ، وأخوه وفتاه ومؤانسه ومؤاسيه ومفديه ، وسلطان دولته وحامي ملّته وفارس مملكته ، فعلي سلطان أهل السّموات والأرضين ، وأميرهم ووليّهم ومالكهم ، لأنّه أولى بهم من أنفسهم لأنه أمين الله وأميره ، ووليّه ووالده في الفخار على الإنس والجنة ، سيّدا لشباب أهل الجنة ، فكل من سكن الجنة من الإنس والجن فالحسن والحسين سيداه ، وأهل الجنة سادة الخلائق ، فالحسن والحسين سادة السادات ، ولا يسود أهل الآخرة إلّا من ساد أهل الدنيا ، وأبوهما خير منهما بنص الحديث الذي عليه الإجماع ، فأمير المؤمنين سيد سادات أهل الدنيا والآخرة ، وزوجته الزهراء سيّدة النساء لأنّها بضعة النبوّة ولحمة الرسالة ، وشمس الجلالة ودار العصمة ، وبقيّة النبوّة ، ومعدن الرحمة ، ومنبع الشرف والحكمة ، فهو السيد ابن السيد أخو السيد أبو السادة قرين السيادة والزيادة ، فهو الولي الذي حبّه أمان وبغضه هوان ، ومعرفته إيقان ، وإليه الإشارة بقوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) (١) فالرحمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفضل علي. دليله قوله : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (٢) يعني بدين محمد وولاية علي ، لأن لأجلهما خلق الخلق وبهما أفاض عليه الرزق ، لأن كل ما ينظره الإنسان فهو الحسن أو الإحسان ، فالحسن هما والإحسان بهما ، أما الحسن فدليله قوله : «أوّل ما خلق الله نوري» (٣) فهو النور الجاري في آحاد الموجودات ، وأفرادها ، وأما الاحسان فقوله : «أنا من الله والكل منّي» (٤) فالكل من أجله وبأجله ، فهو الحسن والإحسان كما قيل :

جميع ما أنظره جماله

وكل ما خيّل لي خياله

وكل ما أنشقه نسيمه

وكل ما أسمعه مقاله

ولي فم شرفه مديحه

ولي يدكرمها نواله

ما يعرف العشق سوى متيم

لذله قيل الهوى وقاله

__________________

(١) النساء : ٨٣.

(٢) يونس : ٥٨.

(٣) تقدّم تخريجه.

(٤) تقدّم الحديث.

٩٨

وذلك لأنه مصدر الأشياء ، ومن هو مصدر الأشياء فعودها إليه ضرورة ، بدؤها منك وعودها إليك ، ومن هو المبدأ والمعاد فزمام الأمور منوط به ، فتقها ورتقها بيدك ومن بيده الفتق والرتق له الحكم وإليه ترجعون.

فصل

ولما طلعت شموس الأسرار من مطالع العناية ، ولمعت بوارق الأسرار من مشارق الهداية ، وعرفت أن الحي القيوم جلّ اسمه فضل الحضرة المحمدية أن جعل نورها هو الفيض الأوّل ، وجعل سائر الأنوار تشرق منها ، وتتشعشع عنها ، وجعل لها السبق الأوّل فلها السبق على الكل ، والرفعة على الكل والإحاطة بالكل ، والله من ورائهم محيط ، فكنت كما قيل :

تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل

وملت إلى محبوب أوّل منزل

ونادتني الأشواك ويحك هذه

منازل من تهوى فدونك فانزل

غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد

له ناسجا غيري فكسرت مغزلي

أو كما قيل :

نقّل فؤادك ما استطعت من الهوى

ما الحب إلّا للحبيب الأوّل

فاعلم أن الله سبحانه ما أنعم على عبد بمعرفة محمد وحبّ علي فعذّبه قط ، ولا حرمه عبدا فرحمه قط.

فصل

[إتحاد النور ومعناه]

محمد وعلي نور واحد قديم ، وإنّما انقسما تسمية ليمتاز النبي عن الولي كما امتاز الواحد عن الأحد ، فكل أحد واحد ولا ينعكس ، وكذا كل نبي ولي ولا ينعكس ، فلهذا لا توزن الأعمال يوم القيامة إلّا بحب علي لأن الولاية هي الميزان كما تقدّم.

٩٩

فصل

[أثر حبّ علي وطاعته عليه‌السلام]

التوحيد لا يقابله شيء قلّ أم جلّ ، وكذا حبّ علي إذا كان في الميزان لا ينقصه شيء من الذنوب قل أم جل ، فإذا كان حبّه في الميزان فلا سيئة ، وإذا لم يكن فلا حسنة ، لأنّ الحسنات بالتحقيق حبّه ، والسيئات بغضه ، لأنّ حبّه حسنة لا يضرّ معها سيئة ، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة (١) ، وإليه الإشارة بقوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢) وقوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٣) وليس في القيامة إلّا مؤمن وكافر ومنافق ، والكافر ليست له حسنات توزن ولا للمنافق ، فتعين أن ذلك للمؤمنين المذنبين وإنّما وسعه الرحمن لأن من جاء بالإيمان فكان كتابه متصل الحكم ثابتا في دار القضاء لأن مبناه التوحيد ، وشهوده النبوّة ، وسجله الولاية ، فوجب له الإيمان من الله ، المؤمن لإنصافه يوم لقائه ، وأما المنافق فهو يجهد في الدنيا قد ضيّع الأصل وأكبّ على الفرع ، والفرع لا يثبت إلّا مع الأصل ، ولا أصل هناك فلا فرع إذا فهو يسعى مجدا لكنه ضايع جدا وإليه الإشارة بقوله : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (٤) فإذا ورد القيامة لا يرى شيئا ممّا كان يظن أنه يلقاه ، لأن المنافق لا برهان له فأعماله بالظن ، والظن لا يغني من الحق شيئا ، لأن ما لا برهان له لا أصل له ، وما لا أصل له لا فرع له ، فلا قبول له ولا وجود له ، والمنافق لا برهان له فلا أصل له ولا فرع له ، فلا إيمان له ، فلا نجاة له.

ودليله ما رواه صاحب الكشاف من الحديث القدسي من الرب العلي أنه قال : لأدخلن

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٤٨ ح ١٠ و ٢٥٦ ح ٣٣.

(٢) الفرقان : ٧٠.

(٣) الفرقان : ٢٣.

(٤) الكهف : ١٠٤.

١٠٠