مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

والخلق من بعد صنايع لنا أي مصنوعين لأجلنا (١).

يؤيّد ذلك (ما رواه) جابر بن عبد الله في تفسير قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (٢) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثم سجد لله تعظيما فتفتّق منه نور علي فكان نوري محيطا بالعظمة ، ونور علي محيطا بالقدرة ، ثم خلق العرش ، واللوح ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، وضوء النهار ، وضوء الأبصار ، والعقل والمعرفة ، وأبصار العباد ، وأسماعهم وقلوبهم ، من نوري ، ونوري مشتق من نوره ، فنحن الأوّلون ، ونحن الآخرون ، ونحن السابقون ، ونحن الشافعون ، ونحن كلمة الله ونحن خاصة الله ، ونحن أحبّاء الله ، ونحن وجه الله ، ونحن أمناء الله ، ونحن خزنة وحي الله ، وسدنة غيب الله ، ونحن معدن التنزيل ، وعندنا معنى التأويل ، وفي آياتنا هبط جبرائيل ، ونحن مختلف أمر الله ، ونحن منتهى غيب الله ، ونحن محال قدس الله ، ونحن مصابيح الحكمة ، ومفاتيح الرحمة ، وينابيع النعمة ، ونحن شرف الامّة ، وسادة الأئمة ، ونحن الولاة والهداة ، والدعاة والسقاة ، والحماة ، وحبّنا طريق النجاة ، وعين الحياة ، ونحن السبيل والسلسبيل ، والمنهج القويم ، والصراط المستقيم ، من آمن بنا آمن بالله ، ومن ردّ علينا ردّ على الله ، ومن شك فينا شك في الله ، ومن عرفنا عرف الله ، ومن تولّى عنّا تولّى عن الله ، ومن تبعنا أطاع الله ، ونحن الوسيلة إلى الله ، والوصلة إلى رضوان الله ، ولنا العصمة والخلافة والهداية ، وفينا النبوّة والإمامة والولاية ، ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة ، ونحن كلمة التقوى والمثل الأعلى والحجّة العظمى ، والعروة الوثقى ، التي من تمسّك بها نجا وتمّت البشرى (٣).

وعن محمد بن سنان ، عن ابن عباس قال : كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا بمن خلقه الله قبل أبيه آدم بأربعين ألف سنة. قال : فقلنا : يا رسول الله أكان الابن قبل الأب؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٣ / ٥٨ ح ٣٩٨.

(٢) آل عمران : ١١٠.

(٣) بحار الأنوار : ٢٥ / ٢٢ ح ٣٨.

٦١

فقال : نعم إنّ الله خلقني وعليا من نور واحد قبل خلق آدم بهذه المدّة ثم قسّمه نصفين ، ثم خلق الأشياء من نوري ونور علي ، ثم جعلنا عن يمين العرش فسبّحنا ، فسبّحت الملائكة ، وهلّلنا فهلّلوا وكبّرنا فكبّروا ، فكل من سبّح الله وكبّره فإن ذلك من تعليمي وتعليم عليّ (١).

ومن ذلك ما رواه محمد بن علي بن بابويه مرفوعا إلى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه أمير المؤمنين عليهم‌السلام أنّه قال : إنّ الله خلق نور محمد قبل خلق المخلوقات كلّها بأربعمائة ألف سنة وأربعة وعشرين ألف سنة ، خلق منه اثني عشر حجابا (٢).

والمراد بالحجب الأئمّة فهم الكلمة التي تكلّم الله بها ثم أبدى منها سائر الكلم ، والنعمة التي أفاضها وأفاض منها سائر النعم والامة التي أخرجها وأخرج منها سائر الأمم ولسانه المعبّر عنه ويده المبسوطة بالفضل والكرم وقوامه على عباده بالحكم والحكم.

وعن أبي حمزة الثمالي قال : دخلت حبابة الوالبية على أبي جعفر عليه‌السلام فقالت : أخبرني أي شيء كنتم في الأظلة؟ قال : كنّا نورا بين يدي الله قبل خلقه الخلق فلما خلق الخلق سبّحنا فسبّحوا ، وهللنا فهللوا وكبّرنا فكبّروا ، وذلك قوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (٣) ومعناه لو استقاموا على حبّ علي كنّا وضعنا أظلتهم في الماء الفرات ، وهو حب علي (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) (٤) ، يعني في حب علي ، (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) (٥) يعني عن ذكر علي عليه‌السلام.

وفي هذه لغات كثيرة :

(الأوّل) أن الرب هنا المولى وعلي هو المولى ومعناه من يعرض عن ذكر مولاه.

(الثاني) أن ذكر علي في القرآن.

(الثالث) أن ذكر المولى هو ذكر الرب العلي. دليل ذلك : ما رواه ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٦ / ٣٤٥ ح ١٨ ، والأنوار النعمانية : ١ / ٢٢.

(٢) بحار الأنوار : ١٥ / ٤ ح ٤.

(٣) الجن : ١٦.

(٤) طه : ١٣١.

(٥) الجن : ١٧.

٦٢

(أنه خ ل) كان يكتب إلى شيعة علي عليه‌السلام إلى المختارين في الأظلة ، المنتجبين في الملة ، المسارعين في الطاعة ، المبصرين في الكرة ، سلام عليكم تحية منّا إليكم ، أما بعد. فقد دعاني الكتاب إليكم لاستبصاركم من العمى ، ودخولكم في باب الهدى ، فاسلكوا في سبيل السلامة ، فإنّها جوامع الكرامة ، إن العبد إذا دخل حفرته جاءه ملكان فسألاه عن ربّه ونبيّه ووليّه ، فإن أجاب نجا ، وإن أنكر هوى (١).

وعن محمد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال : إنّ الله لم يزل فردا في وحدانيته ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا ألف ألف دهر ثم خلق الأشياء وأشهدهما خلقها ، وأجرى عليهم طاعتها وجعل فيهم منه ما شاء وفوّض أمر الأشياء إليهم منّا منه عليهم ، فهم يحلّلون ما شاؤوا ، ويحرّمون ما شاؤوا ، ولا يفعلون إلّا ما شاء الله ، فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق ، ومن تأخّر عنها محق ، خذها يا محمد فإنّها من مخزون العلم ومكنونه (٢).

وعن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : إن الله خلق محمدا وعليا والطيبين من نور عظمته ، وأقامهم أشباحا قبل المخلوقات ؛ ثم قال : أتظن أن الله لم يخلق خلقا سواكم؟ بلى والله لقد خلق الله ألف ألف آدم ، وألف ألف عالم ، وأنت والله في آخر تلك العوالم (٣).

ومن ذلك ما رواه سعد بن عبد الله عن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إن الله مدينتين إحداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب ، عليهما سور من حديد له سبعون ألف باب ، من الباب إلى الباب فرسخ على كل باب سبعون مصراع من الذهب الأحمر ، أهلها يتكلّمون بسبعين ألف لغة ، كل لغة بخلاف الأخرى ، وأنا والله أعرف لغاتهم ، وأنا الحجّة عليهم (٤).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٥١٨ ح ٩ باب ١٦ بتفاوت.

(٢) بحار الأنوار : ٢٥ / ٢٥ ح ٤٤.

(٣) بحار الأنوار : ٢٥ / ٢٥ ح ٤٥. و ٥٧ / ٣٣٦ ح ٢٤.

(٤) بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٢٦ ح ٦ و : ٢٧ / ٤١ ح ٢.

٦٣

فصل

[ماوراء الحجاب من عوالم]

أنكر هذا الحديث من في قلبه مرض ، فقلت : أتنكر القدرة أم النعمة أم ترد على المؤيّدين بالعصمة؟ فإن أنكرت قدرة الرحمن ، فقد ورد عن سليمان عليه‌السلام أن سماطه في كل يوم ملحه سبعة أكرار فخرجت دابّة من دواب البحر يوما وقالت له : يا سليمان اضفني اليوم ، فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا فلمّا اجتمع ذلك على ساحل البحر وصار كالجبل العظيم ، أخرجت الحوت رأسها وابتلعته ، وقالت : يا سليمان أين تمام قوتي اليوم فإنّ هذا بعض طعامي ، فأعجبت سليمان ، وقال لها : هل في البحر دابة مثلك؟ فقالت : ألف أمة. فقال سليمان : سبحان الملك العظيم في قدرته ، ويخلق ما لا تعلمون (١).

وأما نعمته الواسعة فقد قال لداود : يا داود وعزّتي وجلالي لو أن أهل سمواتي وأرضي ، أمّلوني فأعطيت كل مؤمل أمله بقدر دنياكم سبعين ضعفا لم يكن ذاك إلّا كما يغمس أحدكم إبرة في البحر ويرفعها فكيف ينقص شيء ، أنا أعطيته.

فقل لأعمى البصيرة والعيان ، أفي القدرة أم النعمة تمتريان ، بل يداه مبسوطتان فبأي آلاء ربكما تكذّبان ، والآلاء محمد وعلي خاصة الرحمن.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إنّ الله خلق هذا النطاق من زبرجدة خضراء ، فقيل : وما النطاق؟ قال : الحجاب ولله خلف ذلك سبعون ألف عالم أكثر من عدد الجن والإنس والكل يدينون بحبّنا أهل البيت ويلعنون فلانا وفلانا (٢).

وعن جابر بن عبد الله عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : إنّ من وراء شمسكم هذه أربعين شمسا ، من الشمس إلى الشمس أربعون عاما فيها خلق لا يعلمون أن الله خلق آدم ولا إبليس فقد

__________________

(١) بحار الأنوار : ١٤ / ٩٤ ح ٣.

(٢) بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٣٠ ح ١٥ بتفاوت.

٦٤

ألهموا في كل الأوقات حبّنا وبغض أعدائنا (١).

وعن ابن عباس في تفسير قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) قال : إن الله عزوجل خلق ثلثمائة عالم وبضعة عشر عالم كل عالم منهم يزيدون على ثلاثمائة وثلاثة عشر مثل آدم وما ولد آدم ، وذلك معنى قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ).

قال : ومن ذلك من كتاب الواحدة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : إنّ لله مدينتين ، إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، يقال لهما جابلصا وجابلقا طول كل مدينة منهما اثنا عشر ألف فرسخ ، في كل فرسخ باب يدخل في كل يوم من كل باب سبعون ألفا ويخرج منها مثل ذلك ولا يعودون إلّا يوم القيامة لا يعلمون أنّ الله خلق آدم ولا إبليس ولا شمسا ولا قمرا ، هم والله أطوع لنا منكم يأتونا بالفاكهة في غير أوانها موكلين بلعنة فرعون وهامان وقارون (٢).

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام من كتاب الواحدة قال : إن الله سبحانه تفرّد في وحدانيته ، ثم تكلّم بكلمة فصارت نورا ، ثم خلق من ذلك النور محمدا وعليا وعترته ، ثم تكلّم بكلمة فصارت روحا ، وأسكنها ذلك النور وأسكنه في أبداننا ، فنحن روح الله في ذلك وكلمته احتجب بنا عن خلقه فما زلنا في ظلة خضراء مسبّحين نسبّحه ونقدّسه حيث لا شمس ولا قمر ، ولا عين تطرف ، ثم خلق شيعتنا ، وإنّما سمّوا شيعة لأنّهم خلقوا من شعاع نورنا (٣).

ومن ذلك ما ورد في كتاب التفسير أن الله خلق الأرضين السبع وجعل عرش إبليس لعنه الله في الرابعة منها وفيها مسكنه ومسكن جنوده بعد أن كان خازن الجنة وكان في يده ملك السماء الرابعة ، وإبلس ابن الجان ، والجان هم الذين يصوغون الحلي لأهل الجنّة ، والأرض السابعة على ملك يقال له ارياكيل بين مفصل إبهامه وراحته أربعون عاما ، وهو في صورة ثور له أربعون ألف قائمة وسبعمائة ألف قرن مشتبكة إلى العرش ، وهو على صخرة من زمردة خضراء ، والصخرة على جناحي حوت ، والحوت في بحر يقال له عقيوس ، عمقه عمق السّموات والأرض ، والبحر على الثرى ، والثرى على الريح والريح على الهواء ، والهواء على

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٧ / ٤٥ ح ٦ بتفاوت وتفصيل.

(٢) بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٣٦ ح ٢٥ وفيه : جابلقا وجابرسا.

(٣) بحار الأنوار : ٢٥ / ٢٣ ح ٣٩ و : ٢٦ / ٢٩١ ح ٥١ والأنوار النعمانية : ٢ / ٩٩.

٦٥

الظلمة ، والظلمة على جهنم وجهنم على الطمطام ، والطمطام تحت الحوت ، وما وراء ذلك لا يعلمه إلّا الله ، قال : وفي البر ثمانية عشر ألف عالم كأن الله لم يخلق في السّموات والأرض غيرهم لكثرتهم وخلف البحر السابع قوم يقال لهم الروحانيون في أرض من فضة بيضاء لا تقطعها الشمس إلّا في كل أربعين يوما.

ومن ذلك ما رواه ابن بابويه في كتاب الخصال قال : إنّ لله تبارك وتعالى ملائكة لو أن الملك منهم هبط إلى الأرض لما وسعته لعظم خلقته ، ومنهم من بين منكبيه وشحمتي أذنيه مسيرة سبعمائة عام ، ومنهم من سدّ الأفق بجناح من أجنحته ، ومنهم من السّموات إلى حجرته ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبتيه ، ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه مياه البحار بأسرها لما وسعته ، ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينه لجرت دهر الداهرين.

وسئل عليه‌السلام عن الحجب فقال : الحجب سبعة كل حجاب منها مسيرة سبعمائة عام ما بين كل حجاب منها سبعون ألف ملك ، قوّة كل ملك منها قوّة الثقلين ، ومنها نور ومنها نار ، ومنها دخان ومنها ظلمة ، ومنها برق ومنها رعد ، ومنها ضوء ومنها عجاج ، ومنها ماء ومنها أنهار ، وهي حجب مختلفة كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام ، ثم سرادقات الجلال وهي ستون سرادقا ، كل سرادق سبعون ألف ملك ، بين كل سرادق خمسمائة عام ، ثم سرادق العزّة ثم سرادق الجبروت ، ثم سرادق الفخر ثم سرادق النور الأبيض ، ثم سرادق الوحدانية ، وهي مسيرة سبعين ألف عام ، ثم الحجاب الأعلى وليست هذه الحجب مضروبة على الله ولكنّها مضروبة على العظمة العليا من خلقه ، فتبارك أحسن الخالقين (١).

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إنّ من وراء قاف عالما لا يصل إليه أحد غيري وأنا المحيط بما وراءه ، والعلم به كعلمي بدنياكم هذه ، وأنا الحفيظ الشهيد عليها ، ولو أردت أن أجوب الدنيا بأسرها ، والسّموات السبع كالأرضين في أقل من طرفة عين لفعلت ؛ لما عندي من الاسم الأعظم ، وأنا الآية العظمى ، والمعجز الباهر (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٨ / ٣٩ ح ١.

(٢) بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٣٦ ح ٢٦.

٦٦

فصل

[منزلة الولي ومعاني الولاية]

وإلى هذا السرّ إشارة من كلامه البليغ في نهج البلاغة فقال : وهو يعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرحى (١) ، وهذه إشارة إلى انّه عليه‌السلام غاية الفخار ومنتهى الشرف وذروة العزّ ، وقطب الوجود وعين الوجود ، وصاحب الدهر ووجه الحق وجنب العلى ، فهو القطب الذي دار به كل دائر وسار به كل سائر ، لأنّ سريان الولي في العالم كسريان الحق في العالم لأن الولاية هي الكلمة الجارية السارية فهي لكل موجود مولاه ومعناه ، لأن المولى هو الاسم الأعظم المتقبل لأفعال الربوبية والمظهر القائم بالأسرار الإلهية ، والنقطة التي أدير عليها بركار (٢) النبوّة فهي حقيقة كل موجود فهي باطن الدائرة والنقطة السارية السايرة ، التي بها ارتباط سائر العوالم ، وإلى هذا المعنى أشار ابن أبي الحديد فقال :

تقبلت أفعال الربوبية التي

عذرت بها من شك أنك مربوب

ويا علة الدنيا ومن بدء خلقها

إليه سيتلو البدء في الحشر تعقيب (٣)

فهو قطب الولاية ونقطة الهداية ، وخطة البداية والنهاية ، يشهد بذاك أهل العناية وينكره أهل الجهالة ، والعماية ، وقد ضمنه أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا في قوله : «كالجبل ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير» ، وهذا رمز شريف لأنّه شبه العالم في خروجهم من كتم العدم بالسيل وشبّه ارتفاعهم في ترقيهم بالطير لأنّ الأوّل ينحدر من الأعلى إلى الأدنى ، والثاني يرتفع من الأدنى إلى الأعلى فقوله ينحدر عنّي السيل إشارة إلى أنّه باطن النقطة التي عنها ظهرت الموجودات ولأجلها تكوّنت الكائنات ، وقوله «ولا يرقى إليّ الطير» إشارة إلى انّه

__________________

(١) في خطبته الشقشقية راجع نهج البلاغة الخطبة الثالثة.

(٢) فركار خ ل.

(٣) الصراط المستقيم : ١ / ١٦٩ الفصل الرابع.

٦٧

أعلى الموجودات مقاما ولسائر البريات إماما ، ولهم في الحشر قايدا وقساما ، فهو قسيم نور الحضرة النبوية المحمدية صاحب الولاية الإلهية فهو الكلمة الربّانية ومولى سائر البرية ، ولقد أحسن ابن أبي الحديد إذ فوق سهم التوفيق راميا لهذا المرمى الدقيق عن قوس التحقيق فقال :

والله لو لا حيدر ما كانت ال

دنيا ولا جمع البرية مجمع

وإليه في يوم المعاد حسابنا

وهو الملاذ لنا غدا والمفزع

أقول : هذا رجل من المعتزلة اعتقاده عن الإقرار بالحق ما عزله ، وأنت حوشيت من الرد تزعم أنك مولى من العبيد والموالي فما لي كلّما أراك حاوي الأراك بشراك وشراك من شراك الإشراك ، وبان لك باني البيّنات دراك حيث الإدراك وما أدراك فعلك علك تشيم نور الأزهار ، وعشاك غشاك عظيم أنوار الأسرار ؛ قال : ما غشاك فعانقت ابتكار الأفكار في هاوية هواك فأهواك فهذا يا هذا أو ذاك ورأيك ورأيك ، فأنت كما قيل من لا يحرّكه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره ، فقد فسد مزاجه وامتنع علاجه.

ولا ينفع مسموع

إذا لم يك مطبوع.

٦٨

فصل

[منازل الآل عليهم‌السلام العالية]

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : نحن شجرة النبوّة ومعدن الرسالة ، ونحن عهد الله ونحن ذمّة الله ، لم نزل أنوارا حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السماء لتسبيحنا ، فلمّا نزلنا إلى الأرض سبّحنا فسبّح أهل الأرض فكل علم خرج إلى أهل السّموات والأرض فمنّا وعنّا ، وكان في قضاء الله السابق أن لا يدخل النار محبّ لنا ولا يدخل الجنّة مبغض لنا لأنّ الله يسأل العباد يوم القيامة عمّا عهد إليهم ولا يسألهم عمّا قضى عليهم (١).

وعن محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام انّه قال : يابن سنان إن محمدا كان أمين الله في خلقه فلمّا قبض كنّا نحن أهل بيته وخلفاؤه ، وعندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب ، ومولد الإسلام والجفر والجامعة ، وما من فئة تضلّ بآية أو تهدي بآية إلّا ونحن نعرف ناعقها وقايدها وسايقها ، وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان أو النفاق ، وإنّ شيعتنا المكتوبين بأسمائهم أخذ الله علينا وعليهم العهد قبل خلق السّموات والأرض ، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ، ليس على حملة الإسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة (٢).

وعنهم عليهم‌السلام انّهم قالوا : نحن الليالي والأيام ، من لم يعرف هذه الأيام لم يعرف الله حق معرفته ، «فالسبت» رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النبوّة ولا نبي بعده ، «والأحد» أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو أوّل من وحّد الله ، «والاثنين» نور الحسن والحسين ، «والثلاثاء» ثلاثة أنوار : نور الزهراء وخديجة وامّ سلمة ، «والأربعاء» أربعة أنوار : الساجد ، والباقر ، والصادق ، والكاظم ، «والخميس» خمسة أنوار : الرضا ، والجواد ، والهادي ، والعسكري ، والمهدي ، «والجمعة»

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٥ / ٢٤ ح ٤١.

(٢) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٤١ ح ٥.

٦٩

اجتماع شيعتنا على ولايتنا ، ولعنة الله على أعدائنا (١).

وعن ابن عبّاس من كتاب الأمالي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة ، (يا علي) أنا منك وأنت منّي روحك روحي وشيعتك شيعتي ، وأولياؤك أوليائي ، من أحبّهم فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن عاداهم فقد عاداني ، يا علي شيعتك مغفور لهم على ما كان منهم من عيوب وذنوب ، وأنا الشفيع لهم غدا إذا قمت المقام المحمود فبشّرهم بذلك ، يا علي شيعتك شيعة الله وأنصارك أنصار الله وحزبك حزب الله وحزب الله هم المفلحون ، يا علي سعد من والاك وشقي من عاداك.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أمير المؤمنين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إنّ الله وهب لك حبّ المساكين والمستضعفين في الأرض فرضيت بهم إخوانا ورضوا بك إماما فطوبى لمن أحبّك وويل لمن أبغضك ، يا علي أهل مودّتك كل حفيظ وكل ذي طمرين ، لو أقسم على الله لأبرّ قسمه ، يا علي أحباؤك كل محتقر عند الخلق عظيم عند الحق ، يا علي محبّوك جيران الله في الفردوس ولا يأسفون على ما خلفوا من الدنيا ، يا علي أنا ولي لمن واليت وعدوّ لمن عاديت ، يا علي إخوانك ذبل الشفاه تعرف الربانية في وجوههم يفرحون في ثلاث مواطن عند الموت وأنا شاهدهم ، وعند المساءلة في قبورهم وأنت تلقاهم ، وعند العرض الأكبر إذا دعي كل أناس بإمامهم ، يا علي بشّر إخوانك أنّ الله قد رضي عنهم ، يا علي أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجلين ، وأنت وشيعتك الصادقون المسبّحون ، ولو لا أنت وشيعتك ما قام لله دين ، [ولو لا] من في الأرض منكم لما نزل من السماء قطر ، يا علي لك في الجنّة كنز وأنت ذو قرنيها ، وشيعتك حزب الله هم الغالبون ، يا علي أنت وشيعتك القائمون بالقسط ، يا علي أنت وشيعتك القائمون على الحوض تسقون من أحبّكم ، وتمنعون من أبغضكم وأنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر ، يا علي أنت وشيعتك تظلّون في الموقف وتنعمون في الجنان ، يا علي إنّ الجنّة مشتاقة إلى شيعتك وإنّ حملة العرش المقرّبين يستغفرون لهم ويفرحون بقدومهم ، وإنّ الملائكة يخصونهم بالدعاء ، يا علي شيعتك الذين يتنافسون في الدرجات ويلقون الله ولا ذنب عليهم ، يا علي أعمال شيعتك تعرض عليّ في كل جمعة فأفرح بصالح أعمالهم وأستغفر

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٤ / ٢٣٨ ح ١ بتفاوت.

٧٠

لسيئاتهم ، يا علي ذكرك وذكر شيعتك في التوراة قبل أن يخلقوا بكل خير ، وكذلك الإنجيل فإنّهم يعظمون إلينا شيعتك ، يا علي ذكر شيعتك في السماء أكثر من ذكرهم في الأرض. فبشّرهم بذلك ، يا علي قل لشيعتك وأحبّائك يتنزّهون من الأعمال التي يعملها عدوّهم فما من يوم وليلة إلّا ورحمة من الله نازلة إليهم ، يا علي اشتدّ غضب الله على من أبغضك وأبغض شيعتك واستبدل بك وبهم يا علي ويل لمن استبدل بك سواك وأبغض من والاك يا علي أقرئ شيعتك السلام وأعلمهم أنّهم إخواني ، وأنّي مشتاق إليهم فليتمسكوا بحبل الله وليعتصموا به ويجتهدوا في العمل ، فإنّ الله عزوجل راض عنهم يباهي بهم الملائكة لأنّهم وفوا بما عاهدوا وأعطوك صفو المودّة من قلوبهم واختاروك على الآباء والإخوة والأولاد ، وصبروا على المكاره فينا مع الأذى وسوء القول فيهم فكن بهم رحيما فإنّ الله سبحانه اختارهم لنا وخلقهم من طينتنا ، واستودعهم سرّنا وألزم قلوبهم معرفة حقّنا ، وجعلهم متحلين بحلّتنا لا يؤثرون علينا من خالفنا بالناس في غمة من الضلال ، قد عموا عن الحجّة وتنكبوا عن المحجّة ، يصبحون ويمسون في سخط الله ، وشيعتك على منهاج الحق لا يستأنسون إلى من خالفهم ، وليست الدنيا لهم ولا همهم منها أولئك مصابيح الدجى (١).

وعنه عليه‌السلام أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا (٢) ، فلا ينجو إلّا من كان منهم ومعهم لصدق الحديث والباقون إلى النار ، فشيعتنا آخذون بحجزتنا ونحن آخذون بحجزة نبيّنا ، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّنا ـ والحجزة : النور ـ من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا ، الجاحد لولايتنا كافر والجاحد لفضلنا كافر (٣).

لأنّه لا فرق بين جحود الولاية وجحود الفضل ، وجحود النبوّة وجحود الربوبية ، فإنّ جحود كل مقام من هذه يستلزم جحود الآخر ، والإقرار بكل واحد منهما يستدعي الإقرار بالآخر.

وقال عليه‌السلام : ولا يبغضنا مؤمن ولا يجحدنا موقن ، ولا يحبّنا كافر ، ومن مات على حبّنا كان

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦٨ / ٤٨ ح ٩١ و ٣٩ / ٣٠٩ ح ١٢٤ بتفاوت.

(٢) تقدّم الحديث.

(٣) بحار الأنوار : ٢٣ / ٣١٢ ح ٢٠.

٧١

حقّا على الله أن يبعثه معنا. نحن نور لمن تبعنا ، وهدى لمن اهتدى بنا ، ومن لم يكن منّا فليس من الإسلام في شيء ، بنا فتح الله ، وبنا ختم الله وبنا أطعمكم عشب الأرض ، وبنا يمسك السّموات والأرض أن تزولا ، وبنا ينزل غيث السماء وبنا آمنكم من الخسف في البر ، ومن الغرق في البحر ، وبنا ينفعكم الله في حياتكم وعند موتكم وفي قبوركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخول الجنّة ، مثلنا في كتاب الله مثل المشكاة ، والمشكاة في القنديل نور علي وفاطمة ، يهدي الله لنوره من يشاء ومن أحبّنا كان حقّا على الله أن يبعثه ، نيرا برهانه ، ثابتة حجّته ، فنحن النجباء ، ونحن النور والضياء ، ونحن أفراط الأنبياء وأولاد الأوصياء وبقية الأوصياء ، وشيعتنا السعداء والشهداء ، وهذا كلام فيه الشفاء (١).

ومن كتاب الأربعين ما رواه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا علي يا ولي يا سيّد يا صابر يا ديّان يا والي يا هادي يا زاهد يا طيب يا طاهر مر أنت وشيعتك إلى الجنّة بغير حساب (٢).

ويؤيّد ذلك «ما رواه» صاحب كتاب النخب قال : تشاجر رجلان في [خلافة] «علي» وإمامته فجاءا إلى شريك فسألاه فقال : حدّثني الأعمش عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الله خلق [عليا] قضيبا في الجنة من تمسّك به فهو من أهل الجنّة ، فاستعظم الرجل ذلك وجاء إلى ابن دراج فأخبره فقال : لا تعجب ، حدّثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال : إنّ الله خلق قضيبا في بطنان العرش لا يناله إلّا «علي» ومن تولّاه ، فقال الرجل : هذا من ذاك ، فمضى إلى وكيع بن الحارث فجاء فأعلمه فقال : لا تعجب ، حدّثني الأوزاعي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال : أركان العرش لا ينالها إلّا «علي» وشيعته فاعترف الرجل بفضله (٣) ...

ومن كتاب المناقب : أن لله عمودا من نور يضيء لأهل الجنّة كالشمس لأهل الدنيا لا يناله إلّا علي وشيعته (٤).

__________________

(١) بطوله في البحار : ٢٣ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ح ٢٠.

(٢) في الدعاء : السلام عليك يا باب الله وديّان دينه. بحار الأنوار : ١٠٢ / ٨١ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٥٩ ح ٣٤ والحديث طويل اختصره المصنّف.

(٤) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٦٨ ح ٤٥ باب ٨٧.

٧٢

وقال الصادق عليه‌السلام لملأ من الشيعة بعد أن سلّم عليهم : انّي والله أحبّ ريحكم وأرواحكم فأعينونا بورع واجتهاد ، واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلّا بالورع فأنتم شيعة الله ، وأنتم أنصار الله وأنتم السابقون الأوّلون والسابقون الآخرون في الدنيا إلى ولايتنا وفي الآخرة إلى الجنّة ، قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله وضمان رسوله فتنافسوا في فضائل الدرجات وأنتم الطيّبون ونساؤكم الطيبات كل مؤمنة حوراء «عيناء» ، وكل مؤمن صدّيق ، ولقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لقنبر : أبشر ، واستبشر ، وبشّر ، فلقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ساخط على امّته إلّا الشيعة ، ألا وإن لكل شيء عروة وعروة الإيمان الشيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء دعامة ودعامة الإسلام الشيعة ، ألا وإن لكل شيء شرفا وشرف الإسلام الشيعة ، ألا وإن لكل شيء سيّدا وسيّد المجالس مجلس الشيعة ، ألا وإن لكل شيء إماما وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة ، والله لو لا من في الأرض منكم لما أنعم الله على أهل الخلاف وما لهم في الآخرة من نصيب ، وإن تعبدوا واجتهدوا ألا إن شيعتنا ينظرون بنور الله ومن خالفنا ينقلب في سخط الله ، والله إن حاجّكم وعماركم خاصّة الله ، وإن فقراءكم أهل الغنى وإن أغنياءكم أهل القنوع ، وإن كلكم أهل دعوة الله وأهل إجابته (١).

ومما وجد بخط العسكري عليه‌السلام أنه كتب : صعدنا ذرى الحقايق بأقدام النبوّة والولاية ونحن أعلام الهدى وبحار الندى ومصابيح الدجى ، وليوث الوغى وطعان العدى ، وفينا نزل السيف والقلم في العاجل ، ولنا الحوض واللوى في الآجل ، وأسباطنا خلفاء الدين وصفوة ربّ العالمين (٢).

ومن ذلك ما وجد بخطّه عليه‌السلام أيضا : أعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب ، ونسوا الله ربّ الأرباب ، والنبي وساقي الكوثر في مواطن الحساب ، ولظى والطامة الكبرى ونعيم يوم المآب ، فنحن السنام الأعظم ، وفينا النبوّة والإمامة والكرم ، ونحن منار الهدى والعروة الوثقى ، والأنبياء كانوا يغترفون من أنوارنا ويقتفون آثارنا ، وسيظهر الله مهدينا على الخلق والسيف المسلول لإظهار الحق ، وهذا بخط الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن

__________________

(١) بعضه في البحار : ٦٨ / ٨٠ ح ١٤١ وبعضه في : ٢٦ / ١٣٤ ح ٩.

(٢) البحار : ٢٦ / ٢٦٤ ح ٥٠ وشرح الزيارة الجامعة : ١ / ٥٥.

٧٣

جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام (١).

يؤيّد ذلك ما رواه جابر الأنصاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه خرج يوما ومعه الحسن والحسين عليهما‌السلام فخطب الناس ثم قال في خطبته : أيّها الناس ان هؤلاء عترة نبيّكم وأهل بيته ، وذريّته وخلفاؤه ، شرّفهم الله بكرامته واستودعهم سرّه واستحفظهم غيبه واسترعاهم عباده ، وأطلعهم على مكنون علمه ولقّنهم كلمته ، وولّاهم أمر عباده وأمرهم على خلقه ، واصطفاهم لتنزيله وأخدمهم ملائكته ، وصرفهم في مملكته ، وارتضاهم لسرّه ، واجتباهم لكلماته واختارهم لأمره ، وجعلهم أعلاما لدينه ، وجعلهم شهداء على عباده وأمناء في بلاده ، فهم الأئمة المهدية ، والعترة الزكية ، والذرية النبوية ، والسادة العلوية ، والامّة الوسطى ، والكلمة العليا ، وسادة أهل الدنيا ، والرحمة الموصولة لمن لجأ إليهم ، ونجاة لمن تمسّك بهم ، سعد من والاهم وشقي من عاداهم ، من تلاهم أمن من العذاب ومن تخلّف عنهم ضلّ وخاب ، إلى الله يدعون ، وعنه يقولون ، وبأمره يعملون ، وفي أبياتهم هبط التنزيل ، وإليهم بعث الأمين جبرائيل (٢).

فهم كما قيل :

إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظى

ويقبل منك الدين والفرض والسنن

فوال عليا والأئمة بعده

نجوم هدى تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوّض الله أمره

إليهم فلا ترتاب في غيرهم فمن (٣)

أئمّة حق أوجب الله حبّهم (٤)

وطاعتهم فرض بها الخلق يمتحن

فحبّ علي عدة لوليه

يلاقيه عند الموت والقبر والكفن

كذلك يوم البعث لم ينج قادم

من النار إلّا من تولّى أبا الحسن

[نصحتك أن ترتاب فيهم فتثني

إلى غيرهم من غيرهم في الأنام من!] (٥)

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٦٤ ح ٤٩.

(٢) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٥٥ ح ٣٠ ـ ٣٥.

(٣) في الغدير : ٧ / ٤٩ : إليهم لما قد خصّهم منه بالمنن.

(٤) في الغدير : حقّهم.

(٥) مستدرك عن الغدير : ٧ / ٤٩.

٧٤

فصل

[بركات آل محمد عليهم‌السلام على الخلائق]

وبيان هذا الحديث الشريف الرفيع أن الله خلق ألف صنف من الخلق وكرّم آدم على سائر من خلق ، أخدمهم الملائكة وسخّر لهم السّموات والأرض ، وفضّل الرجال منهم على النساء ، وكرّمهم بالإسلام وفضّل الإسلام على سائر الأديان ، وشرّفهم بمحمّد ، وفضّله على جميع الأنبياء والمرسلين واختار لهم عليّا وفضّله على جميع الوصيّين ، وجعل حبّه الإيمان وكمال الدين وعين اليقين ، وجعل شيعته يدخلون الجنّة بغير حساب ، فمن كان رجلا مسلما مؤمنا مواليا لعلي وعترته فقد رزق الخير كله ، ثم جعل الخلائق عشرة أجزاء منهم تسعة شياطين ومردة ، وجعل واحدا منهم الإنس ، وجعل الإنس مائة وعشرين صنفا ، وجعل منهم يأجوج ومأجوج تسعا وتسعين صنفا ، وباقي الخلائق اثني عشر صنفا ، وجعل من ذلك الروم والسقالبة أحد عشر صنفا ، وجعل الحبش والزنج في المغرب والترك والبربر والكيماك (١) في المشرق ، والكل كفّار وبقي أهل الإسلام صنف واحد ثم افترق هذا الصنف إلى ثلاثة وسبعين فرقة منهم اثنان وسبعون أهل البدع والضلال وفرقة واحدة في الجنة ، وهي التي بقيت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما بقي عليه أهل بيته ، فمن وجد نفسه من أهل النجاة من هذه الفرق فليحمد الله.

وعن محمد بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : نحن جنب الله ونحن صفوة الله ونحن خير الله ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن امناء الله ، ونحن وجه الله ونحن أئمة الهدى ، ونحن العروة الوثقى وبنا فتح الله وبنا ختم الله ونحن الأوّلون ، ونحن الآخرون ونحن أخيار الدهر ونواميس العصر ، ونحن سادة العباد وساسة البلاد ، ونحن النهج القويم والصراط المستقيم ونحن عين الوجود ، وحجّة المعبود ولا يقبل الله عمل عامل جهل حقّنا ونحن قناديل

__________________

(١) في نسخة : الكتمال.

٧٥

النبوّة ، ومصابيح الرسالة ونحن نور الأنوار وكلمة الجبّار ، ونحن راية الحق التي من تبعها نجا ومن تأخّر عنها هوى ونحن أئمّة الدين وقادة الغرّ المحجلين ونحن معدن النبوة وموضع الرسالة وإلينا تختلف الملائكة ونحن السراج لمن استضاء ، والسبيل لمن اهتدى ونحن القادة إلى الجنة ونحن الجسور والقناطر ، ونحن السنام الأعظم وبنا ينزل الغيث وبنا ينزل الرحمة ، وبنا يدفع العذاب والنقمة ، فمن سمع هذا الهدى فليتفقّد قلبه في حبّنا فإن وجد فيه البغض لنا والإنكار لفضلنا ، فقد ضلّ عن سواء السبيل لأننا نحن عين الوجود ، وحجّة المعبود وترجمان وحيه وغيبة علمه وميزان قسطه ، ونحن فروع الزيتونة وربائب الكرام البررة ، ونحن مصباح المشكاة التي فيها نور النور ونحن صفوة الكلمة الباقية ، إلى يوم الحشر المأخوذ لها الميثاق والولاية من الذرّ (١).

ويؤيّد هذا ما ورد في الأمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : نزل إلى رسول الله صلّى الله عليه واله ملك اسمه محمود وله أربعة وعشرون ألف وجه فقال : بعثني إليك ربّ العزّة لتزوج النور بالنور فقال : من بمن؟ فقال عليّا بفاطمة. قال : فلما ولى الملك إذا بين كتفيه مكتوب لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله ، فقال له النبي : منذكم كتب هذا بين كتفيك؟ فقال : قبل أن يخلق الله آدم بثمان وعشرين ألف عام (٢).

ومن كتاب الأمالي مرفوعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال يوما : ما بال قوم إذا ذكر إبراهيم وآل إبراهيم استبشروا ، وإذا ذكر محمّد وآل محمّد اشمأزت قلوبهم ، فو الذي نفس محمد بيده لو جاء أحدكم بأعمال سبعين نبيّا ، ولم يأت بولاية أهل بيتي لدخل النار صاغرا وحشر في جهنّم خاسرا ، أيّها الناس نحن أصل الإيمان وتمامه ونحن وصيّة الله في الأوّلين والآخرين ، ونحن قسم الله الذي أقسم بنا فقال : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) ولو لانا لم يخلق الله خلقا ولا جنّة ولا نارا (٤).

ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أيّها الناس نحن

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٥٩ ح ٣٦.

(٢) بحار الأنوار : ٤٣ / ١٠٩ ح ٢٢.

(٣) التين : ١ ـ ٣.

(٤) كنز العمال : ١١ / ٤٣١ ح ٣٢٠٢٥ وإرشاد القلوب : ٢ / ٤١٤.

٧٦

أبواب الحكمة ومفاتيح الرحمة وسادة الأمّة وأمناء الكتاب ، وفصل الخطاب وبنا يثيب الله ، وبنا يعاقب ، ومن أحبّنا أهل البيت عظم إحسانه ، ورجح ميزانه وقبل عمله وغفر زلله ، ومن أبغضنا لا ينفع إسلامه ، وإنّا أهل بيت خصّنا الله بالرحمة والحكمة والنبوّة والعصمة ، ومنّا خاتم الأنبياء ألا وإنا راية الحق التي من تلاها سبق ومن تأخّر عنها مرق ، ألا وإننا خيرة الله اصطفانا على خلقه وائتمننا على وحيه ، فنحن الهداة المهديون ، ولقد علمت الكتاب ، ولقد عهد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان وما يكون ، وأنا أخو رسول الله وخازن علمه ، أنا الصدّيق الأكبر ولا يقولها غيري إلّا مفتر كذّاب وأنا الفاروق الأعظم (١).

وأنا أقول ختما لهذا الكلام ومدحا للسادة الكرام :

هم القوم آثار النبوّة منهم

تلوح وأنوار الإمامة تلمع

مهابط وحي الله خزّان علمه

وعندهم سرّ المهيمن موسع

إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم

وإن نطقوا فالدهر أذن ومسمع

وإن ذكروا فالكون ندّ ومندل

له أرج من طيبهم يتضوّع

وإن بادروا فالدهر يخفق قلبه

لسطوتهم والأسد في الغاب تجزع

وإن ذكر المعروف والجود في الورى

فبحر نداهم زاخر يتدفع

أبوهم سماء المجد والأمّ شمسه

نجوم لها برج الجلالة مطلع

__________________

(١) مناقب الخوارزمي : ٧٢ والمعجم الكبير : ٦ / ٢٦٩.

٧٧

فيا نسبا كالشمس أبيض مشرقا

ويا شرفا من هامة النجم أرفع

فمن مثلهم إن عدّ في الناس مفخرا

إذا عدّ نظرا يا صاح إن كنت تسمع

ميامين قوامون عزّ نظيرهم

هداة ولاة للرسالة منبع

فلا فضل إلّا حين يذكر فضلهم

ولا علم إلّا علمهم حين يرفع

ولا عمل ينجي غدا غير حبّهم

إذا قام يوم البعث للخلق مجمع

ولو أن عبدا جاء في الله جاهدا

بغير ولا أهل العبا ليس ينفع

فيا عترة المختار يا راية الهدى

إليكم غدا في موقفي أتطلّع

خذوا بيد البرسي عبد ولائكم

فمن غيركم يوم القيامة يشفع

فمن حاد عنكم أو تولّى سواكم

فليس له في رحمة الله مطمع

عليكم سلام الله يا راية الهدى فويل لعبد غيرها جاء يتبع (١)

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٦ / ٤٦٧.

٧٨

فصل

[أثر حبّ علي وأثر بغضه عليه‌السلام]

وعن ابن عبّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الله نصب عليا علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالّا ومن ساواه بغيره كان مشركا ، ومن جاء بولايته كان فائزا ، ودخل الجنة آمنا ومن جاء بعداوته دخل النار صاغرا (١).

وعن سديف عن جابر بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام وعنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كتاب ما اتفق من الأخبار قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت صاحب حوضي ووارث علمي ، وحامل لوائي ومنجز وعدي ، ومفرّج همّي ، ومستودع مواريث الأنبياء ، وأنت أمين الله في أرضه ، وخليفته على خلقه ، وأنت مصباح النجاة وطريق الهدى وإمام التقى ، والحجّة على الورى ، وأنت العلم المرفوع في الدنيا والصراط المستقيم يوم القيامة (٢).

وعن أبي سعيد الخدري قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال في خطبته : أيّها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديا لا ينفعه إسلامه ، وإن أدرك الدجال آمن به ، وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به (٣).

وفي رواية : من أبغضنا أهل البيت لم يبعثه الله يهوديا ولا نصرانيا ، ولكن خيرا منه.

وهذا أفصح الكلام ومعناه يكون خيرا منه اليهود والنصارى فويل لمبغضهم وطوبى لمحبّهم.

أيّها الناس : إنّ ربّي عزوجل مثّل لي امّتي في الطين وعلّمني أسماءهم كما علّم آدم الأسماء ، فمرّ بي أصحاب الرايات فاستغفرت لشيعة علي ، ألا إن أصحاب الجنة علي

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٢٤ ح ٣٠٠.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٠٦ المجلس ٥٠ ، وبحار الأنوار : ٣٨ / ١٠٠ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ٢٧ / ١٣٥ ح ١٣٢.

٧٩

وشيعته (١).

ومن ذلك ما رواه ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا معاشر الناس ، إن الله أوحى إليّ أني مقبوض وأن ابن عمّي هو أخي ووصيّي وولي الله وخليفتي ، والمبلّغ عنّي وهو إمام المتّقين وقائد الغرّ المحجلين ويعسوب الدين ، وإن استرشدتموه أرشدكم ، وإن تبعتموه نجوتم ، وإن أطعتموه فالله أطعتم ، وإن عصيتموه فالله عصيتم ، وإن بايعتموه فالله بايعتم ، وإن نكثتم بيعته فبيعة الله نكثتم ، إن الله عزوجل نزّل عليّ القرآن وعليّ سفيره ، فمن خالف القرآن ضلّ ، ومن ابتغى علمه من غير علي زلّ ، معاشر الناس ألا إن أهل بيتي خاصّتي وقرابتي ، وأولادي وذريّتي ولحمي ودمي ووديعتي وإنكم مجموعون غدا ومساءلون عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهم ، فمن آذاهم فقد آذاني ، ومن ظلمهم فقد ظلمني ، ومن نصرهم فقد نصرني ومن أعزّهم فقد أعزّني ، ومن طلب الهدى من غيرهم فقد كذّبني ، فاتقوا الله وانظروا ما أنتم قائلون غدا فإني خصم لمن كان خصمهم ومن كنت خصمه فالويل له (٢) :

بني الوحي والآيات يا من مديحهم

علوت به قدرا وطبت به ذكرا

مهابط سرّ الله خزّان غيبه

وأعلى الورى فخرا وأرفعهم قدرا

ركائب آمالي إليكم حثثتها

فلا أرتجي في الناس زيدا ولا عمرا

ومن ذا الذي أضحى برفع نداكم

نزيلا وما أبدلتم عسره يسرا؟

ومن ذلك ما رواه حذيفة بن اليمان قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذ بيد الحسن بن علي وهو يقول : أيّها الناس هذا ابن علي فاعرفوه ، فو الذي نفس محمد بيده إنّه لفي الجنّة ومحبّه في الجنّة ، ومحبّ محبيه في الجنّة (٣).

وعن أبي الطيب الهروي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ، مبغض لمن أبغضكم ، محبّ لمن أحبّكم ، شافع لمن والاكم آخذ بيد من مال إليكم (٤).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٨٦ ح ١٥ باب انه عرف ما رأى في الأظلة ، وبحار الأنوار : ١٧ / ١٥٣ ح ٥٩.

(٢) بحار الأنوار : ٢٣ / ١٥٣ ح ١١٨ و : ٣٨ / ٩٤ ح ١٠.

(٣) بحار الأنوار : ٢٧ / ١٣٦ ح ١٣٤.

(٤) بحار الأنوار : ٢٢ / ٢٨٦ ح ٥٥ ، وكفاية الطالب : ٣٣٠.

٨٠