مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

بمحنه ، عضده المعاضد ، وساعده المساعد يوم شدّته ، سيّد الوصيّين ، وإمام المتّقين ، وديّان الدين ، وصاحب اليمين ، وعلم المهتدين ، وخليفة ربّ العالمين ، وسرّ الله وحجّته ، وآية الله وكلمته ، في الأوّلين والآخرين ، القائم بالحق ، الإمام المبين مولانا وسيّدنا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الذي كمل بحبّه الدين ، وقال بولايته أهل اليقين ، ورجحت به الموازين ، وبعده عترته الطاهرين ، وذريّته الأكرمين ، وأبناءه المعصومين ، وأوصياءه المنتجبين ، وأسباطه المرضيين عليهم‌السلام ، الهداة المهديين ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم ، وامناء العلي العظيم ، ورثة المرسلين ، وبقية النبيين ، وسادة الأوّلين والآخرين ، نواميس العصر ، وأخيار الدهر ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ، وأشهد يا رب ، وأعتقد أن قولك حق ، ووعدك صدق ، وأمرت بالبعث والنشور ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الدين عند الله الإسلام ، جزى الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله خير الجزاء ، وحيّى الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسلام.

اللهم فلك الحمد على ما أنطقتني به من حمدك ، وعلمتني من مدحك ، ولك الحمد على ما ألهمتني من شكرك ، وأرشدتني إليك من ذكرك ، ولك الحمد على أيسر ما كلفتني من طاعتك ، وأوفر ما أنعمتني من نعمتك ، اللهم فلك الحمد حمدا متواليا متعاليا مترادفا مباركا طيبا ، أبدا سرمدا مجردا مؤبدا ، باقيا لقيامك لا أمد له ، حمدا يزيد على حمد الحامدين لك ، حمدا لا يندرس في الأزمان ولا ينتقص في العرفان ، ولا ينقص في الميزان ، حمدا يزيد ولا يبيد ، ويصعد ولا ينفد ، ولك الحمد يا من لا تحصى محامده ومكارمه ، ومنحه ، وصنائعه ، وعواطفه وعوارفه ، ولا تعد أياديه ومواهبه السوابغ السوايغ الدوائم ، الدوائب الفوائض ، الفواضل ، وأياديه الجليلة الجميلة الجزيلة وكرمه الكبير الكثير وفضله الوافر الوافي ، وجوده الباقي الهامر ، وبره الباهر وشمسه الزاهي الزاهر.

اللهمّ أنت ربّي ورب كل شيء ، لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وإيّاك أعبد ، ولذاتك وصفاتك المنزّهة أنزّه وأوحد ، وباسمك العظيم أسبح وأقدّس ، وأهلل وأمجد ، ولجلال وجهك الكريم أركع وأسجد ، ولفضلك القديم وبرّك العميم أشكر وأحمد ، وإلى أبواب كرمك وجودك الفياض ونعمك أسعى وأقصد ، أسألك اللهم بجلال الوحدانية ،

٢١

والقدرة الربّانية ، والمحامد الإلهية ، والمدائح الرحمانية ، والأنوار المحمدية ، والأسرار العلوية ، والعصمة الفاطمية ، والعزّة الزكية ، الهادية ، المهدية ، مقاماتك ، وآياتك ، وعلاماتك ، وتجلياتك ، لا فرق بينها وبينك ، إلّا أنّهم عبادك وخلقك ، أن تصلّي على محمد وآل محمد ، الذين لأجلهم ثبتت السماء ، وثبتت الأرض على الماء ، واخترتهم على العالمين ، وفرضت طاعتهم على الخلائق أجمعين ، وأبقيتني على إيمانك ، والتصديق بمحمد عبدك ، ورسولك ، والولاية بخير الوصيين عليّ أمير المؤمنين ، والتمسك بالهداة من عترته الطاهرين ، سفينة النجاة وسادة الوصيين ، والبراءة من أعدائهم الضالين ، فإنّي رضيت بذلك يا رب العالمين ، اللهم وهذا صراطك الحق ، ودينك الصدق ، الذي تحبّه وترضاه ، وتحبّ من دانك به ، وتجيب دعاه ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وثبتني على هذا الدين القيّم ، واجعله ثابتا ، وحازما وناطقا به لساني ، ومؤمنا وموقنا ومصدقا له سرّي وإعلاني ، ومنقادا وتابعا وعاملا به جوارحي ، وأركاني ، ونورا وإقبالا في لحدي وأكفاني ، فقد تشبثت بأذيال الكرم والرجاء ، وقرعت بأنامل التصديق والتوفيق أبواب الإيمان والولاء ، فاجعله اللهم خالصا لوجهك ، يا ديّان العباد ، وزادا ليوم الحشر والتناد ، إنّك الكريم الجواد ، وأعظم من سئل فجاد ، يا أرحم الراحمين.

٢٢

مشارق أنوار اليقين

في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليه‌السلام

الحمد لله المتفرّد بالأزل ، والأبد ، والصلاة على أول العدد ، وخاتم الأمد ، محمد وآله الذين لا يقاس بهم من الخلق أحد (١).

وبعد يقول الواثق بالفرد الصمد رجب الحافظ البرسي أعاذه الله من الحسد ، وآمنه يوم يفرّ الوالد من الولد.

اعلم أن بعض الحاسدين ، الذين ليس لهم حظ في الدين ، من باب كاد الحسد أن يغلب القدر ، لما بسطت لهم تجويد الكتاب المجيد ، فكان مطويا عنهم أخذوا بطرفيه وأزاحوني ، ولما نشرت لهم مطوي منثور الأخبار ، وأبرزت إليهم بواطن الأسرار ، من خدور الأفكار ، حسدوني ، وكذّبوني ، ولا موني ، وملّوني ، وساموني ، وسأموني ؛ وكلّما وضعت لهم سرير التواضع ، ومددت لمودتهم يمين الخاضع ، جزموا بعامل الهجر بودّي وخفضوني ، وأنكروني بعد أن عرفوني ، ونكروني بعد أن عرفوني ، ولا ذنب لي غير أني رويت زبد الأخبار ، ووريت زند الأخيار ، فذاع ندها ، ونظم خيطها ، وذاع شذاها ، فضمخ طيبا قبل منها العليل. وبل الغليل ، ولما كان أكثرها من الأمر الخفي ، والسرّ المخفي ، الذي يضطرب لإيراده القلب السقيم اضطراب السليم ، ويطرب لسماعه الفؤاد السليم ، إذ لا حظّ للمزكوم والمشموم ، عند ملاحظة طيب المشروب والمشموم ، فهو كما قيل :

ومن يك ذا فم مرّ مريض

يجد مرّا به الماء الزلالا

فحمل بعض ما أوردت ، جهلا بما أردت ، قوم من القردة ، إلى آخرين من الحسدة ، وأداها من لا يعلم إلى من لا يفهم ، والمرء عدوّ ما جهله ، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فكانوا كما

__________________

(١) كما في الروايات : راجع الاختصاص : ١٣ ، وينابيع المودة : ١ / ٣٠١ ـ ٢١٤ ، وبحار الأنوار : ٢٦ / ١٢ وكنز العمال : ١٢ / ١٠٤ ح ٣٤٢٠١ وقد أتينا على طرقها في كتابنا : الولاية التكوينية : ٢٤٣.

٢٣

قيل :

يعرفها من كان من جنسها

وسائر الناس لها منكر

أو كما قيل :

لو كنت تعلم كل ما علم الورى

طرا لكنت صديق كل العالم

لكن جهلت فصرت تحسب كل من

يهوى بغير هواك ليس بعالم

حتى أوصلوها بلسان البغضاء ، إلى الإخوان من الفقهاء ، وهم أهل المذهب المذهب ، والمنهاج الذي ليس لهم منهاج ، لكن لا يدرك غامض المعقول بالمنقول ، فكيف بما وراء العقول ، ولا يلزم من معرفة علم واحد الإحاطة بسائر العلوم ، وما منّا إلّا له مقام معلوم ، وكل ميسر لما خلق له ، ومبتهج بما فضله الله وفض له ، ونعم الله السوابغ والسوائغ (التوابع) الشرائع الدوائم الدوائب ، الفوائض الفواضل ، السائرة إلى عباده ، الواصلة إلى بلاده ، لا تنقطع ركائبها ، ولا تنقشع سحائبها ، وباب الفيض مفتوح ، وكل من الجواد الكريم ممنوح ، وليس وصول المواهب الربّانية ، والعثور على الأسرار الإلهية ، بأب وأم ، بل الله يختص برحمته من يشاء ، وإن تقطعت من الحاسد الأحشاء ، ولما أوردوها لهم بلسان يحرّفون الكلم عن مواضعه ، لم يلمحوا بالنظر الباطن زواهر جواهرها من أصداف أصدقائها (١) ، ولم ينهوا عيون العقول عن زيغها وإصدافها ، ولم يتحلوا بها فيتزيّنوا ولم يصغوا بأسماع العقول إلى استماع (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٢) بل صدقوهم في الفتنة والريبة ، وصادقوهم في استماع النميمة والغيبة ، فجعلوا الكذب الشنيع ، لسهام التشنيع غرضا ، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) (٣) فنسبوه ـ إذ لم يفهموه ـ إلى قول الغلاة ، ولا من أسرار الهداة (٤) ، فكانوا كما قال أمير المؤمنين علي : لقلنا غير مأمون على الدين ، بصرت فيهم بما بصرت كما قيل :

أعادي على ما يوجب الحب للفتى

وأهدأ والأفكار فيّ تجول

__________________

(١) كذا بالأصل.

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) البقرة : ١٠.

(٤) كذا بالأصل.

٢٤

أو كما قيل :

حاسد يعنيه حالي

وهو لا يجري ببالي

قلبه ملآن مني

وفؤادي منه خالي

وغير ملومين في الإنكار لأنه صعب مستصعب ، لا يحتمله إلّا نبي مرسل أو ملك مقرّب ، أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان (١) ، وإذا ردّ المنافق أسرار علي عليه‌السلام لبغضه ، وردّها الموافق بجهله بعد ما نقل أنّه صعب مستصعب فإن كان يعلمه فما هو الصعب المستصعب ، وإن لم يعرفه فكيف شهد على نفسه أنّه ليس بمؤمن ممتحن ، فهلّا صمت فسلم ، أو قال إن علم ، فمن وجد فؤاده عند الامتحان ، ورود نسمات أسرار ولي الرحمن ، قد اشمأز وقشعر ، ومال عن التصديق وأزور ، فذاك بعيد عن الإيمان ، قريب من الشيطان ، لأن حبّ علي عليه‌السلام هو المحك بلا شك ، فمن تخالجته الشكوك فيه فليسأل أمّه عن أبيه (٢) ، من نقص جوهره عن العيار ، فليس له مطهر إلّا النار ، وإنّما دعاهم إلى الإنكار الجهل والحسد ، وحب الدنيا التي حبّها رأس كل خطيئة ، والميل مع النفس والهوى ، ومن يتّبع الهوى فقد هوى ، لأنّ هذه النفس الإنسانية هي التي تحب أن تعبد من دون الله وأن لا ترى الفخر والسؤدد إلّا لها ، وأن ترى الكلّ عبيدا لها ، لأنّها سلسلة الشيطان التي بها يتدلّى إلى هذا الحرم الربّاني ، وإليها الإشارة بقوله وأجريته مجرى الدم منّي ، ولذلك قال عليه‌السلام «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك» (٣) وفي النقل أن الله تعالى لما خلق النفس ناداها من أنا؟ فقالت النفس : فمن أنا؟ فألقاها في بحر الرجوع الباطن حتى وصلت إلى الألف المبسوط وخلصت من رذائل دعوى الأنانية الأينية ورجعت إلى نشأتها ، ثم ناداها : من أنا؟ فقالت : أنت الواحد القهّار (٤) ، ولهذا قال : «اقتلوا أنفسكم فإنّها لا تدرك مقاماتها إلّا بالقهر» (٥).

__________________

(١) كما في الأحاديث ، راجع بحار الأنوار : ٢٥ / ٣٦٦ ح ٧ وبصائر الدرجات : ٢٦ ح ١ وما بعده.

(٢) روي أن مبغضه ابن زنا أو حيضة ، راجع إرشاد القلوب : ٢ / ٤٣٣ ، وترجمة علي من تاريخ دمشق : ٢ / ٢٢٤.

(٣) بحار الأنوار : ٧٠ / ٣٦ ح ١ باب ٤٤.

(٤) مجموعة ورام : ٥٩ باب العتاب.

(٥) بحار الأنوار : ٦٠ / ٢٩٤ باب ٣٩.

٢٥

فصل

[قصور الفهم عن إدراك مرتبة أمير المؤمنين عليه‌السلام]

وكيف أنكروه ، وما عرفوه ، وبمجرّد السمع له ردّوه ، وهو لعمري غرّة فخر الأنوار ، ودرّة بحر الأسرار وزبدة مخض الأسرار ومعرفة أسرار الجبّار ، لأنه النهج الأسلم ، والاسم الأعظم ، والترياق الأكبر ، والكبريت الأحمر ، ولكن ذا المذاق الوثي ، والصدر الشجي ، لا يفرق بين الحنظل والسكر.

ولمّا كانت الموهبة من الكلم (١) المخزون أنكرتها العقول لقصورها عن ارتقاء عالي قصورها ، وصعقت عند سماع نفخة صورها ، فالغالي والقالي هلكا في بحر الإفراط والتفريط ، والتالي والموالي وقفا عند ظاهر التشكيك والتخليط. فالقالي حجبه عن نورهم العالي ظلمة الكبر والحسد ، والغالي تاه في تيه أسرارهم فضلّ عن سبيل الرشد ، والتالي قاسهم بالبشر فوقف عن أسرارهم وقعد ، والعارف نظر إلى ما فضلوا به من المواهب الإلهية فعرف أنّهم سرّ الواحد الأحد ، وأن ظاهرهم باطن الخلايق ، وباطنهم عين الحقايق ، وغيب الإله الخالق ، فعلم من قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (٢) ، فهم مفاتح غيب الله التي لا يعلم فضلها وسرّها إلّا الله ، وإن رفيع شرفهم لا تنال أيدي العقول علاه ، وخفي سرّهم لا تدرك الأفهام والأوهام معناه ، ولهذا قيل في الحكمة : لا تحدّث الناس بما يسبق إلى العقول إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فليس كل من أسمعته نكرا يوسعك منه عذرا ، وليس كل ما يعلم يقال ، ولا كل ما يقال تجد له رجال. وقال ابن عبّاس للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله أأحدث بكل ما أسمع؟ فقال : نعم إلّا أن يكون حديثا لا تبلغه العقول ، فيجد السامع منه ضلالة وفتنة.

__________________

(١) الصعب المستصعب (خ. ل).

(٢) الأنعام : ٥٩.

٢٦

وقال رجل للصادق عليه‌السلام : أخبرني لماذا رفع النبي عليّا على كتفه؟ قال : ليعرف الناس مقامه ورفعته. فقال : زدني يابن رسول الله. فقال : ليعلم الناس أنّه أحق بمقام رسول الله. فقال : زدني. فقال : ليعلم الناس أنّه إمام بعده والعلم المرفوع. فقال : زدني. فقال : هيهات والله لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عنّي وأنت تقول إنّ جعفر بن محمد كاذب في قوله أو مجنون.

وكيف يطلع على الأسرار غير الأبرار. وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام :

إني لأكتم من علمي جواهره

كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن

إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا (١)

ولا غرو فقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول للملأ من قريش : قولوا لا إله إلّا الله. فيقولون ، ثم يقول : اشهدوا أنّي محمّد رسول الله ، فيشهدون ، ثم يقول : صلّوا إلى هذه البنية ، فيصلّون ، ثم يقول : صوموا رمضان في الهواجر ، فيصومون ، ثم يأمرهم بإخراج الزكاة فيخرجون ، ثم يقول : حجّوا واعتمروا ، فيحجّون ويعتمرون ، ثم يدعوهم إلى الجهاد وترك الحلائل والأولاد ، فيجيبون. ثم يقول : إنّ عليا وليّكم بعدي ، فيعرضون ، ولا يسمعون ، فيناديهم بلسان التوبيخ وهم لا يسمعون : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (٢) ، ثم يتلو عليهم مناديا وهم لا يشعرون : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٣).

ويؤيّد هذه القواعد : ما رواه الحسن بن محبوب عن جابر بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : يا علي أنت الذي احتجّ الله بك على الخلايق حين أقامهم أشباحا في ابتدائهم وقال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى). فقال : ومحمّد نبيّكم ، قالوا : بلى. قال : وعلي إمامكم. قال : فأبى الخلائق جميعا عن ولايتك والإقرار بفضلك وعتوا عنها استكبارا إلّا قليلا منهم وهم أصحاب اليمين وهم أقل القليل ، وإن في السماء الرابعة ملكا يقول في تسبيحه : سبحان من دلّ هذا الخلق القليل من هذا العالم الكثير ، على هذا الفضل

__________________

(١) غرر البهاء الضوي : ٣١٨ ، وجامع الأسرار : ٣٥ والأصول الأصيلة : ١٦٧ وفيه زيادة :

يا ربّ جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا

ولا ستحلّ رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

(٢) ص : ٦٨.

(٣) النحل : ٨٣.

٢٧

الجزيل (١).

ويؤيّد ذلك : ما ورد في كتاب الوحدة عن ابن عبّاس أنّه قال : مبغض علي من يخرج من قبره وفي عنقه طوق من نار ، وعلى رأسه شياطين يلعنونه ، حتى يرد الموقف (٢).

وعنه مرفوعا إليه من كتاب بصائر الدرجات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يا علي والذي بعثني نبيّا بالحق ، واصطفاني على سائر الخلق ، إنك لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبّك ، ولو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك ، فلا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا كافر منافق (٣).

وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المخالف لعلي بعدي كافر ومشرك وغادر ، والمحبّ له مؤمن صادق ، والمبغض له منافق ، والمحارب له مارق ، والراد عليه زاهق ، والمقتفي لأثره لا حق (٤) :

بحبّ علي تزول الشكوك

ويعلو الولاء ويزكو النجار

فإما رأيت محبّا له

فثم العلاء وثم الفخار

وإما رأيت عدوا له

ففي أصله نسب مستعار

فلا تعذلوه على بغضه

فحيطان دار أبيه قصار

فوجب عليّ تنزيها للدين عن ظن الملحدين ، وشك الجاحدين ، واعتذارا إلى المؤمنين ، بحكم من صنف ، فقد استهدف ، أن أورد في هذه الرسالة لمعة من خفي الأسرار ، ومكنون الآثار ، وبواطن الأخيار ، وأميط عن محياها سدف الخفاء ، ليبدو للطالب شهاب الاقتداء ، في سماء الليلة الليلاء.

فإذا اتضحت بذلك خفايا الأسرار ، وفضحت عن دررها أصداف الآثار ، وبان بيان البيان ، لمن ينظر (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٥).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٦ / ٣١١ ح ٧٧ و ٢٥ / ٢٥ ح ٤٥.

(٢) بحار الأنوار : ٢٧ / ٢٢٦ ح ٢١.

(٣) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٨٠ ح ٦٢.

(٤) بحار الأنوار : ٢٧ / ٢٢٦ ح ٢٢.

(٥) الكهف : ٢٩.

٢٨

فصل

[أسرار علم الحروف]

ولمّا كان سرّ الله مودعا في خزانة علم الحروف وهو علم مخزون ، في كتاب مكنون ، لا يمسّه إلّا المطهرون ، ولا يناله إلّا المقرّبون ، لأنّه منبع أسرار الجلال ، ومجمع أسماء الكمال ، افتتح الله به السور ، وأودعه سرّ القضاء والقدر ، وذلك بأن الله تعالى لما أراد إخراج الوجود من عالم العدم إلى عالم الكون ، أراد العلويات والسفليات باختلاف أطوار تعاقب الأدوار وأبرزها من مكامن التقدير ، إلى قضاء التصوير ، عبأ فيها أسرار الحروف التي هي معيار الأقرار ، ومصدار الآثار ؛ لأن الباري تعالى بالكلمة تجلّى لخلقه وبها احتجب ثم أوجد طينة آدم في العمل الذي هو عبارة عن الاختراع الأوّل ، من غير مثال ، ولا تعديل تمثال.

ثم ركز في جبلة العماء (١) نسبة من تلك الحروف ورتّبها حتى استشرق منها في عالم الإيجاد ، بلطائف العقل لإشراق الظهور ، ثم نقله بعد ذاك في أطوار الهباء الذي هو عبارة عن الاختراع الثاني ، ورتّب فيه رتبة من الحروف التي ركزها في جبلة العماء حتى استشرقها في عالم الإيجاد بلطايف روحه في الاختراع الثاني ، ثم نقله بأطوار الذر الذي هو عبارة عن الإبداع الثاني ، وأوجد فيه نسبة من الحروف التي وضعها في جبلتها الفطرية ، حتى استشرق بها في عالم الإيجاد بلطايف القلب في الإبداع الثاني ، فالحروف معانيها في العقل ، ولطايفها في الروح ، وصورها في النفس ، وانتقاشها في القلب ، وقوّتها الناطقة في اللسان ، وسرّها المشكل في الأسماع. ولما كان المخاطب الأوّل هو المخترع الأوّل ، وهو العقل النوراني ، كان خطاب الحق بما فيه من معاني الحروف ، ومجموع هذه الحروف في سرّ العقل كان ألفا واحدا لأنّه بالقوّة الحقيقية مجموع الحروف ، وهو الذي سمع أسرار العلوم بحقيقة هذه الحروف قبل سائر الأشياء ، والعقل هو صاحب الرمز والإشارة ، والحقيقة والإيماء ،

__________________

(١) في الأصل : العملى والمثبت عن : خ. ل.

٢٩

والإدراك. والحروف في لطيفة الروح شكل الضلعين من أضلاع المثلث المتساوي الأضلاع ، ضلع قائم ، وآخر مبسوط على هذه الصورة ، والقائم ضلع الألف ، والمبسوط ضلع الباء ، وإنّما قلنا بأن الحروف في لطيفة الروح شكل ضلعين ، لأنّ فيض الأنوار البسيطة التي في العقل بالفعل هي في الروح بالقوة فاتفقا في وجود الأسرار ، وتباينا في اختلاف الأطوار ، ومن حيث إن الروح تستمد من العقل ، والنفس تستمد من الروح ، وجميع الأنوار العلوية تستمد من نور العرش ، كذلك سائر الحروف تستمد من نور الألف ، ورجوع السفلي والعلوي منها إليها ، وكل حرف من الحروف قائم بسرّ الألف والألف سرّ الكلمة ، وملائكة النور الحاملون للعرش من ذوات هذه الحروف ، والأوّل منها المتعلّق بالعقل اسمه الألف والموحدون لحضرة الجلال أربعة : العقل ، والروح ، والنفس ، والقلب هو الموحد الرابع ، وتوحيده بسر الحروف التي أوجدها الحق في جبلته ، لأنّ القلب لوح النقوش الربّانية ، بل هو اللوح المحفوظ بعينه. ومن هاهنا اختلفت الحروف باختلاف أوضاعها ونسبتها إلى أحوال آدم ؛ فالدال يوم خلقه ، وخط الجيم يوم تسويته ، وخط الباء يوم نفخ الروح فيه ، وخط الألف يوم السجود ؛ فكان تركيب البنية الإنسانية بالحكمة الإلهية من شكل تربيعي ، وتربيع طبيعي ، ومن عالمي الاختراع والإبداع ، فعلم أن العالم العلوي والسفلي بأجمعه داخلان تحت فلك الألف الذي هو عبارة عن الاختراع الأوّل ، والعرش العظيم ، والعقل النوراني ، والجبروت الأعلى ، وسرّ الحقيقة وحضرة القدس وسدرة المنتهى ، وساير الحروف إجمالا وتفصيلا انبعثت عنه ، وجميعها باختلاف أطوارها وتباين آثارها تستمد منه ؛ وترجع إلى الرب سبحانه.

خلق الخلق بسرّ هذه الحروف ، وعالم الأمر كن فيكون ، وكلامه سبحانه في حضرة قدسه إنّما سمع بهذه الحروف ، وهي قائمة بذات الحق سبحانه ، وأسماؤه المخزونة المكنونة مندرجة تحت سجل هذه الحروف ، والألف منها أوّل المخترعات ، ومنها سائر مراتب العالم ، وجميع الحروف محتاجة إليه وهو غني عنها لأن سائر الأعداد لا تستغني عنه ، وهو لا يحتاج إليها. ومن عرف ظاهر الألف وباطنه ، وصل إلى درجة الصدّيقين ، ومرتبة المقرّبين ، لأن له ظاهرا وبطونا ، فظاهره (٣) : العرش ، واللوح ، والقلم. وهو مركّب من (٣)

٣٠

نقط : الواحدة والواحدة والواحدة ، وبحثها يأتي فيما بعد. وباطنه الأوّل (٣) وهي : العقل ، والروح ، والنفس. وباطنه الثاني (١١) وهو عدد بسائط الاسم الأعظم فإذا أخذ منه (١٢) وهي موضوع الأسماء والأعداد بقي (٩٩) وهي عدد الأسماء الحسنى ، وباطنه الثاني (٧١) وهو عدد اللام الفايض عنه ، وهذا العدد مادّة الاسم الأعظم وحرف من ظاهر الاسم الأعظم ، وباطنه الثالث (٤٢) وهو فيض اللام ، وهو الميم ، وعدده (٤٥) وعددان في الألف واللام ، وهذا العدد ظاهر الاسم الأعظم وباطنه ، الرابع إن ضرب مفرداته في نفسها (٩) والفتق الفايض عنه في فتق الحروف أيضا (٩) وهي ألف ل ف ألف م م ى م ، والعرش ، واللوح ، والقلم ، مفرداتها أيضا (٩) وهي ع ر ش ل وح ق ل م ، والعقل ، والنفس ، والروح ، أيضا كذلك ع ق ل ن ف س روح ، فألف هي الكلمة التي تجلّى فيها الجبّار بخفي الأسرار. فمن عرف ظاهره وباطنه ، أدرك خفي الأسرار ، ومكنون الأنوار ، لأنّه حرف يستمد من قيومية الحق والكل يستمد منه.

فصل

وأما الألف المبسوط وهو الباء فهي أوّل وحي نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوّل صحيفة آدم ونوح وإبراهيم وسرّها ، من انبساط الألف فيها سرّ القيامة بقيام طرفه ، وهو سرّ الاختراع والأنوار ، والأسرار الحقيقية مرتبطة بنقطة الباء ، وإليها الإشارة بقول أمير المؤمنين (علي) : «أنا النقطة التي تحت الباء المبسوطة» (١) ، يشير إلى الألف القائم المنبسط في ذاتها ، المحتجب فيها ، ولذلك قال محي الدين الطائي : الباء حجاب الربوبية ، ولو ارتفعت الباء لشهد الناس ربّهم تعالى (٢).

__________________

(١) شرح دعاء السحر : ٦٤ وجامع الأسرار : ٥٦٣ ـ ٤١١ ح ١١٦٣ ـ ٨٢٣ والأنوار النعمانية : ١ / ٤٧.

(٢) قال بعض العارفين : ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الباء عليه مكتوبة. جامع الأسرار : ٧٠١ ، وقيل : بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود. جامع الأسرار : ٥٦٣ ح ١١٦٣ ونسبه لابن عربي ، وشرح دعاء السحر : ٦٤.

٣١

فصل

وحرف القاف باطن القلم وسرّ الأمر. والمراد بسرّ الأمر ، القدر. والقلم ببسايطه (٣) أحرف وهو الكائن لأسرار القدر ، وهو سر الاسم الأعظم ، والقلم حرفه الأوّل القاف المحيط بالعالم ظاهرا ، وبالعلم باطنا وعدده (١٨١). فإذا أخذ منه عدد الاسم الأعظم ، وهو (١١١) بقي (٧٠) وهي مادة الاسم الأعظم ، وحرف من حروفه ، كما أن السين حرف من حروف ظاهر الاسم الأعظم ، ومن علم باطن السين علم الاسم الأعظم ، وحرفه الثاني : ل ، والثالث : م ، ومن هذه الحروف تتركّب العوالم بأسرها ، وسائر الموجودات بأجمعها داخلة تحت (٢٩٩) اسما ، والأسماء داخلة تحت الاسم الأعظم ، والاسم الأعظم هو المائة والقاف بحسابه العددي مائة.

فصل

وحرف : ط طيار في جميع العالم ، وسرّه في المبادىء الأوليات ، وتعححت (١) نشأة الاختراعيات وسرّها في العلويات والسفليات ، ولها أسرار في ظهورها ، فظهرت في آخر اسم لوط ، فكان من سرّها تدمير قومه ، كما ظهرت الهاء في أوّل اسم هود ، فكان من سرّها خسف الأرض بقومه وتدميرها ، وظهرتا معا في اسم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى : (طه) وهو محمّد بلغة طي.

فصل

وحرف الجيم (ج) حرف ملكوتي يتلقّى عن الباء ، يشترك فيه جميع العوالم الملكوتية وهو حرف أظهره الله في أوّل أسماء الجلال ، والعرش قائم بجلال الجيم ، والقلم يستمد منه الكرسي أيضا في صفة الجمال قائم به ، وهو المثلث الذي انبسط فيه سرّ الألف والباء ، وظهر

__________________

(١) كذا.

٣٢

في أطوار الغضب ، ومركز اللطف ، فتجلّى في الجبّار والجواد ، فله الجبروت والجود.

فصل

وحرف : ك حرف ظهر في آخر اسم الملك ، وله العزيز وهو باطن العلم وباطن الأمر وباطن العرش والكرسي ، وباطن الصور السمائية والأرضية.

فصل

وحرف : ع هو أوّل أسرار العرش ، والعقل ، وهو حامل أسرار العالم ، لأن العرش حامل الكرسي ، والقلم واللوح والأفلاك والأرضين ، والعقل حامل الروح ، والروح حامل النفس ، والنفس حامل القلب ، والقلب حامل الجسم ، والقدرة حاملة للكل.

فصل

وحرف : ث حرف ظهر في الوارث والباعث ، وظهوره في الوارث إشارة إلى فناء الموجودات ، وفي الباعث إشارة إلى القدرة على بعثهم بعد الممات ، وجمعهم بعد الشتات.

فصل

وحرف الزاي حرف شريف ، ظهر في العزيز ، فالعزة لله جميعا ، ومنه وصول العز إلى سائر العالم بالترتيب ، فبعض العالم يستمد لعزّه من بعض فكره ، التراب يستمد من الماء ، والماء من الهواء ، والهواء من النار ، والنار من الفلك ، وهكذا ترتيب العزّة في الأكوان ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) (١).

__________________

(١) آل عمران : ٢٦.

٣٣

فصل

وحرف الواو ، حرف من حروف العرش ، سيار في أجزاء العالم ، متعلّق بطرفي الخلق ، والأمر كن فيكون.

فصل

ولما كان هذا العلم الشريف ، إشارات ورموزا ، أوردت منه هاهنا ما فيه إشارة وتنبيه.

فصل

وأما علم النقط والدوائر ، فهو من أجلّ العلوم ، وغوامض الأسرار ، لأن منتهى الكلام إلى الحروف ، ومنتهى الحروف إلى الألف ، ومنتهى الألف إلى النقطة ، والنقطة عندهم عبارة عن نزول الوجود المطلق الظاهر بالباطن ، ومن الابتداء بالانتهاء ، يعني ظهور الهوية التي هي مبدأ الوجود التي لا عبارة لها ولا إشارة.

فصل

ولمّا كان الألف ، قائما بسر العقل ، والعقل قائم به ، وتمام الحروف في سر الألف ، لكن بينهما تباين في الرتبة ، فألف العقل قائم ، وألف الروح مبسوط ، وهذا العلم الشريف لو كشف للناس منه سرّ ما بين الألف واللام والميم التي هي جوامع الأمر الحكيم ، لاضطرب كل سليم ، وجهل كل عليم ، كما ورد عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : يا محمد إنّ في سورة الأحزاب آيا محكما ، لو قدرنا أن ننطق به ، لنطقنا ، ولكفر الناس إذا وجحدوا وضلّوا ، ولكن كما قيل :

ومستخبر عن سر ليلى أجبته

بعمياء عن ليلى بغير يقين

يقولون خبرنا فأنت أمينها

وما أنا إن خبرتهم بأمين

٣٤

فصل

وسر الله مودع في كتبه ، وسر الكتب في القرآن ، لأنّه الجامع المانع ، وفيه تبيان كل شيء ، وسر القرآن في الحروف المقطعة في أوائل السور ، وعلم الحروف في لام ألف ، وهو الألف المعطوف المحتوي على سرّ الظاهر والباطن ، وعلم اللام ألف في الألف ، وعلم الألف في النقطة ، وعلم النقطة في المعرفة الأصلية ، وسرّ القرآن في الفاتحة ، وسر الفاتحة في مفتاحها ، وهي بسم الله ، وسر البسملة في الباء ، وسر الباء في النقطة.

فصل

والفاتحة هي سورة الحمد ، وأمّ الكتاب ، وقد شرّفها الله تعالى في الذكر فأفردها ، وأضاف القرآن إليها فقال عزّ اسمه : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (١). فذكرها إجمالا وإفرادا وذلك لشرفها ، وهذا مثل قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (٢) أدخلها إجمالا ، وأفردها إجلالا ، والصلاة الوسطى هي صلاة المغرب ظاهرا ، وفي وقت أدائها تفتح أبواب السماء ، ويجب التعجيل بها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عجلوا بالمغرب». وأما في الباطن والرمز ، فهي فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، لأن الصلوات الخمس بالحقيقة هم : السادة الخمسة الذين إذا لم يعرفوا ولم يذكروا ، فلا صلاة ؛ فالظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن ثم بدا النور أوّل ما خلق الله نوره (٣) أوّل ما خلق الله اللوح (٤) ، أوّل ما خلق الله القلم (٥) ، فالعقل نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) ، واللوح والقلم علي وفاطمة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما

__________________

(١) الحجر : ٨٧.

(٢) البقرة : ٢٣٨.

(٣) كما يأتي.

(٤) نظم المتناثر : ١٨٥.

(٥) تاريخ ابن كثير : ١ / ٣٩.

(٦) العقل الأوّل نور خاتم النبوّة. راجع نبراس الضياء : ١٠٢.

٣٥

يَسْطُرُونَ) (١) وفريضة العصر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والمغرب الزهراء ، أمرهم الله تعالى بالمحافظة على حبّها وحبّ عترتها ، فصغروا قدرها ، وحقروا عظيم أمرها ، لما غربت عنها شمس النبوّة ، وحبّها الفرض ، وتمام الفرض ، وقبول الفرض ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حصر رضاه في رضاها فقال : «والله يا فاطمة لا يرضى الله حتى ترضي ، ولا أرضى حتّى ترضي» (٢).

ومعنى هذا الرمز أن فاطمة عليها‌السلام ينبوع الأسرار وشمس العصمة ، ومقرّ الحكمة ، لأنّها بضعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحبيبة الولي ، ومعدن السرّ الإلهي ، فمن غضبت عليه أمّ الأبرار ، فقد غضب عليه نبيّه ووليّه ، ومن غضب عليه النبي والولي ، فهو الشقي كل الشقي.

وصلاة العشاء الحسن عليه‌السلام حيث احتجب عنه نور النبي والولي ، والصبح الحسين عليه‌السلام لأنه بذل نفسه في مرضاة الله تعالى ، حتى أخرج نور الحق في دجنة الباطل ، ولولاه لعمّ الظلام إلى يوم القيامة.

فصل

ومثل هذا الباب من الحديث القدسي بقول الله سبحانه «ولاية علي حصني ، فمن دخل حصني ، أمن عذابي» (٣). فحصر الأمان من العذاب في ولاية علي ، لأنّ الإقرار بالولاية يستلزم الإقرار بالنبوّة ، والإقرار بالنبوّة ، يستلزم الإقرار بالتوحيد ، فالموالي هو القائل بالعدل ، والقائل بالإمامة ، والعدل مع التوحيد هو المؤمن ، والمؤمن من آمن. فالموالي لعلي هو المؤمن الآمن ، وإلّا فهو المنافق الراهق من غير عكس.

ومثال هذا من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٤) ، والمدينة لا تؤتى إلّا بالباب ، فحصر أخذ العلم بعده في علي وعترته ، فعلم أن كل من أخذ علمه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير علي وعترته عليهم‌السلام فهو بدعة وضلال ، وفي هذا الحديث إشارة لطيفة ، وذلك أن كل

__________________

(١) القلم : ١.

(٢) الصراط المستقيم : ٢ / ٩٣.

(٣) شواهد التنزيل : ١ / ١٧٠.

(٤) ينابيع المودّة : ١ / ٧٥ ـ ٨١ واسد الغابة : ٤ / ٢٤.

٣٦

وحي يأتي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من حضرة الربّ العلي فإنّه لا يصل به إلّا الملك حتى يمرّ به على الباب ، ويدخل به من الباب ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيلا وأطلعك عليه إلهاما (١) ، وهذا إشارة إلى ما خصّ به نبيّه ليلة المعراج خطابا ، فإن ذلك خصّ به وليّه إلهاما.

وأما قوله : إنّك ترى ما أرى ، وتسمع ما أسمع (٢) ، فإنّه إشارة إلى نزول الملائكة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتحف الإلهية ، فانّ الله خص وليّه بأن يسمع بعضها ويراه ، وأمر نبيّه بإيصال باقيه إليه لأنّه الخازن لأسرار النبوّة ، الولي في علو مقامه ، تلميذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووزيره لأنّ سائر البحار داخلة تحت البحر المحيط.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٣ / ١٩٧.

(٢) بحار الأنوار : ٣٧ / ٢٧٠ ح ٤٠.

٣٧

فصل

[باطن فاتحة الصلاة]

وسورة الحمد فيها اسم الله الأعظم عن يقين ، وعدد آياتها (٧) وهي العدد الكامل ، ومن العدد الكامل يظهر جذر العشرة ، وهو ضرب السنة في أيام الأسبوع ومبلغه (٢٥٢٠) وهو عدد له نصف ، وثلث ، وربع ، وخمس ، وسدس ، وسبع ، وثمن ، وتسع ، وعشر. وعدد كلمات أمّ الكتاب مع البسملة (٢٩) كلمة ، وعدد السور المتوّجة بالحروف المقطعة (٢٩) سورة ، وعدد أيام الشهر (٢٩) يوما فإذا أخذ منها الألف ، كانت (٢٨) بعد منازل القمر وإذا قسّمت كان منها للأفلاك (٩) وللبروج (١٢) وللعناصر (٤) وللمواليد (٣) فهذه ثمانية وعشرون بعدد حروف المعجم ، وعدد حروف الفاتحة (٣٢٤) وأعداد حروفها (٩٣٦١) وساير أعدادها تنقسم إلى الفردانية ، وتشير إليها وتنقسم بأعداد الاسم الأعظم قسمين ظاهر وباطن ، فالظاهر (٨٦) مرّة ، والباطن (٩٩٣) مرّة تأويلا ، وعدد بساط حروفها (٩٤٢) وأعداد بسايط حروفها (١٨) ألفا ، والفردانية تدور معها حيث دارت.

فصل

[حروف المعجم]

وحروف المعجم (٢٨) حرفا كما مرّ ، وعددها بالهجاء يعني بسايطها (١٢) حرفا وعدد الحروف المقطعة [في] سور القرآن (١٢) حرفا ، وتحت هجاء بسايط الحروف اسم العزيز الفتاح (١٩) مرة وفي بسايطها الاسم الأعظم (٦٦) مرة ، والاسمان معا (٢) مرتين ، وإذا أخذ المكرور الدني من هذه الحروف في (١٤) حرفا وهي الحروف النورانية وهي مقطعة في

٣٨

سورة الحمد وهي هذه : ا ل ر ح ي م (١) ن ك س ه ص ق ط وأعدادها (٦٩٩) ومن هذه الحروف النورانية تستخرج أسماء الله الحسنى ، واسم الله الأعظم ؛ وعلم الأدوار والأسرار ، صريحا وظاهرا وباطنا جملة وأفرادا ، لأن اسم الله الأعظم قد يكون في حرف واحد ، وقد يكون في عدد واحد ، وقد يكون في حروف وفي أعداد وكلمات حسب الإرادة الإلهية والحكمة الربّانية ، وهو في الحروف على هذا المثال :

ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط

١ ٣ ٢ ٧ ٨ ١٠ ٤ ٥ ٢ ٦ ٥ ٩ ١ ٩

وهذه (١١٠) وهذا رمز آخر من السر المكتوم قد أبرزته مكشوفا ، ومعرفته مدفونة على من كان له حظ من علم الحروف وأعدادها الظاهرة والباطنة هي هذه :

ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط

١ ٣ ٢ ٧ ٨ ١٠ ٤ ٥ ٢ ٦ ٥ ٩ ١ ٩

فهذه (٩٩) بعدد الأسماء الحسنى ، وهذا الوجه الثالث من هذا السرّ وهو :

ا ل م ر ك ه ي ع ص ط س ن ح ق

١ ٣ ٤ ٢ ٢ ٥ ١٠ ٧ ٩ ٩ ٦ ٥ ٨ ١

وهذه (١١٢) وهذا وجه آخر : ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط (٧٢) فإذا أخذنا من هذه الحروف صريح الاسم الأعظم ، وهي (٣) حروف و (٣) أعداد بقي منها (١١) حرفا وهي العدد الخفي ، والسرّ المخفي ، ا ر ح م ن ك س ه ص ق ط وهذه (١١) عددا وهي مادة الاسم الأعظم.

فصل

[حروف الاسم الأعظم]

وحروف الاسم الأعظم الأكبر مع المكرّر (٧٢) وهي هذه : ا ل م ا ل ن ه ا ل ر ا ل م ا ل ر ح م ا ل ر ح م ا ل ك ا ل م ك ه ر ع ا ع س ق ا ى ا ك ا ل ه ا ل م م ص ط س ط ه ع ل ى ا ل ن م وا

__________________

(١) في رسالة الماجد لجابر بن حيان «بول كراوس» الميم حرف ظلماني.

٣٩

ل ر ص ه

وأعداد هذه الحروف (٢٦٤) وهذه الحروف الاسم الأعظم وأعدادها ، فإذا أراد النبي أو الإمام ألفها ودعا بها.

فصل

وهذا العدد من أعداد الاسم الأعظم (١٢٤) ومضاعفتها (١٣٣١) وهذه تكتب لكل ألم فيشفى ، أو تعلّق أو تسقى وتعلّق ، فهي شفاء من كل داء ، وإن أراد كتب موضعها حروفا من العنصر الحار المطلق «ه ط» ، ومن البارد اليابس المطلق «ي» ، ومن الحار الرطب «ك» ، ومن البارد الرطب «ل» ، على هذا المثال «١١ ، ٧ ، ١١١» والباقي على هذا المثال.

فصل

[خواص الفاتحة]

ومن خواص الفاتحة أنه من قرأها مع صوم وقطع حيوان (٧) أيام في كل يوم (١٥١١) مرّة وصلّى على محمد وآله هذا العدد لا يطلب شيئا إلّا وجد فيها ، قد تجاسرت وأوردت في هذه الرسالة لمعة من حقائق الأسرار ، تسر المؤمن التقي ، وتضرّ المنافق الشقي ، (وسمّيتها مشارق أنوار اليقين) في حقايق أسرار أمير المؤمنين ، فجاءت كالسيف المنتضى ، في كشف أسرار علي المرتضى ، والله ولي الإنعام والإحسان والرضى ، ورتبتها على فصول فأقول : إن أعلى مطالب الكمال ، وأعلى مراتب الجلال للإنسان ، العلم الذي ينال به الحياة الأبدية والسعادة السرمدية ، وأجلّ العلوم ما يبحث فيها عن أجلّ المعلومات ، وأجلّ العلوم ما يبحث فيه عن حقيقة الوجود والموجود.

٤٠