رجب البرسي
المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمانزاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤
بمحنه ، عضده المعاضد ، وساعده المساعد يوم شدّته ، سيّد الوصيّين ، وإمام المتّقين ، وديّان الدين ، وصاحب اليمين ، وعلم المهتدين ، وخليفة ربّ العالمين ، وسرّ الله وحجّته ، وآية الله وكلمته ، في الأوّلين والآخرين ، القائم بالحق ، الإمام المبين مولانا وسيّدنا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهالسلام ، الذي كمل بحبّه الدين ، وقال بولايته أهل اليقين ، ورجحت به الموازين ، وبعده عترته الطاهرين ، وذريّته الأكرمين ، وأبناءه المعصومين ، وأوصياءه المنتجبين ، وأسباطه المرضيين عليهمالسلام ، الهداة المهديين ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم ، وامناء العلي العظيم ، ورثة المرسلين ، وبقية النبيين ، وسادة الأوّلين والآخرين ، نواميس العصر ، وأخيار الدهر ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ، وأشهد يا رب ، وأعتقد أن قولك حق ، ووعدك صدق ، وأمرت بالبعث والنشور ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الدين عند الله الإسلام ، جزى الله محمدا صلىاللهعليهوآله خير الجزاء ، وحيّى الله محمّدا صلىاللهعليهوآله بالسلام.
اللهم فلك الحمد على ما أنطقتني به من حمدك ، وعلمتني من مدحك ، ولك الحمد على ما ألهمتني من شكرك ، وأرشدتني إليك من ذكرك ، ولك الحمد على أيسر ما كلفتني من طاعتك ، وأوفر ما أنعمتني من نعمتك ، اللهم فلك الحمد حمدا متواليا متعاليا مترادفا مباركا طيبا ، أبدا سرمدا مجردا مؤبدا ، باقيا لقيامك لا أمد له ، حمدا يزيد على حمد الحامدين لك ، حمدا لا يندرس في الأزمان ولا ينتقص في العرفان ، ولا ينقص في الميزان ، حمدا يزيد ولا يبيد ، ويصعد ولا ينفد ، ولك الحمد يا من لا تحصى محامده ومكارمه ، ومنحه ، وصنائعه ، وعواطفه وعوارفه ، ولا تعد أياديه ومواهبه السوابغ السوايغ الدوائم ، الدوائب الفوائض ، الفواضل ، وأياديه الجليلة الجميلة الجزيلة وكرمه الكبير الكثير وفضله الوافر الوافي ، وجوده الباقي الهامر ، وبره الباهر وشمسه الزاهي الزاهر.
اللهمّ أنت ربّي ورب كل شيء ، لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وإيّاك أعبد ، ولذاتك وصفاتك المنزّهة أنزّه وأوحد ، وباسمك العظيم أسبح وأقدّس ، وأهلل وأمجد ، ولجلال وجهك الكريم أركع وأسجد ، ولفضلك القديم وبرّك العميم أشكر وأحمد ، وإلى أبواب كرمك وجودك الفياض ونعمك أسعى وأقصد ، أسألك اللهم بجلال الوحدانية ،
والقدرة الربّانية ، والمحامد الإلهية ، والمدائح الرحمانية ، والأنوار المحمدية ، والأسرار العلوية ، والعصمة الفاطمية ، والعزّة الزكية ، الهادية ، المهدية ، مقاماتك ، وآياتك ، وعلاماتك ، وتجلياتك ، لا فرق بينها وبينك ، إلّا أنّهم عبادك وخلقك ، أن تصلّي على محمد وآل محمد ، الذين لأجلهم ثبتت السماء ، وثبتت الأرض على الماء ، واخترتهم على العالمين ، وفرضت طاعتهم على الخلائق أجمعين ، وأبقيتني على إيمانك ، والتصديق بمحمد عبدك ، ورسولك ، والولاية بخير الوصيين عليّ أمير المؤمنين ، والتمسك بالهداة من عترته الطاهرين ، سفينة النجاة وسادة الوصيين ، والبراءة من أعدائهم الضالين ، فإنّي رضيت بذلك يا رب العالمين ، اللهم وهذا صراطك الحق ، ودينك الصدق ، الذي تحبّه وترضاه ، وتحبّ من دانك به ، وتجيب دعاه ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وثبتني على هذا الدين القيّم ، واجعله ثابتا ، وحازما وناطقا به لساني ، ومؤمنا وموقنا ومصدقا له سرّي وإعلاني ، ومنقادا وتابعا وعاملا به جوارحي ، وأركاني ، ونورا وإقبالا في لحدي وأكفاني ، فقد تشبثت بأذيال الكرم والرجاء ، وقرعت بأنامل التصديق والتوفيق أبواب الإيمان والولاء ، فاجعله اللهم خالصا لوجهك ، يا ديّان العباد ، وزادا ليوم الحشر والتناد ، إنّك الكريم الجواد ، وأعظم من سئل فجاد ، يا أرحم الراحمين.
مشارق أنوار اليقين
في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليهالسلام
الحمد لله المتفرّد بالأزل ، والأبد ، والصلاة على أول العدد ، وخاتم الأمد ، محمد وآله الذين لا يقاس بهم من الخلق أحد (١).
وبعد يقول الواثق بالفرد الصمد رجب الحافظ البرسي أعاذه الله من الحسد ، وآمنه يوم يفرّ الوالد من الولد.
اعلم أن بعض الحاسدين ، الذين ليس لهم حظ في الدين ، من باب كاد الحسد أن يغلب القدر ، لما بسطت لهم تجويد الكتاب المجيد ، فكان مطويا عنهم أخذوا بطرفيه وأزاحوني ، ولما نشرت لهم مطوي منثور الأخبار ، وأبرزت إليهم بواطن الأسرار ، من خدور الأفكار ، حسدوني ، وكذّبوني ، ولا موني ، وملّوني ، وساموني ، وسأموني ؛ وكلّما وضعت لهم سرير التواضع ، ومددت لمودتهم يمين الخاضع ، جزموا بعامل الهجر بودّي وخفضوني ، وأنكروني بعد أن عرفوني ، ونكروني بعد أن عرفوني ، ولا ذنب لي غير أني رويت زبد الأخبار ، ووريت زند الأخيار ، فذاع ندها ، ونظم خيطها ، وذاع شذاها ، فضمخ طيبا قبل منها العليل. وبل الغليل ، ولما كان أكثرها من الأمر الخفي ، والسرّ المخفي ، الذي يضطرب لإيراده القلب السقيم اضطراب السليم ، ويطرب لسماعه الفؤاد السليم ، إذ لا حظّ للمزكوم والمشموم ، عند ملاحظة طيب المشروب والمشموم ، فهو كما قيل :
ومن يك ذا فم مرّ مريض |
|
يجد مرّا به الماء الزلالا |
فحمل بعض ما أوردت ، جهلا بما أردت ، قوم من القردة ، إلى آخرين من الحسدة ، وأداها من لا يعلم إلى من لا يفهم ، والمرء عدوّ ما جهله ، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فكانوا كما
__________________
(١) كما في الروايات : راجع الاختصاص : ١٣ ، وينابيع المودة : ١ / ٣٠١ ـ ٢١٤ ، وبحار الأنوار : ٢٦ / ١٢ وكنز العمال : ١٢ / ١٠٤ ح ٣٤٢٠١ وقد أتينا على طرقها في كتابنا : الولاية التكوينية : ٢٤٣.
قيل :
يعرفها من كان من جنسها |
|
وسائر الناس لها منكر |
أو كما قيل :
لو كنت تعلم كل ما علم الورى |
|
طرا لكنت صديق كل العالم |
لكن جهلت فصرت تحسب كل من |
|
يهوى بغير هواك ليس بعالم |
حتى أوصلوها بلسان البغضاء ، إلى الإخوان من الفقهاء ، وهم أهل المذهب المذهب ، والمنهاج الذي ليس لهم منهاج ، لكن لا يدرك غامض المعقول بالمنقول ، فكيف بما وراء العقول ، ولا يلزم من معرفة علم واحد الإحاطة بسائر العلوم ، وما منّا إلّا له مقام معلوم ، وكل ميسر لما خلق له ، ومبتهج بما فضله الله وفض له ، ونعم الله السوابغ والسوائغ (التوابع) الشرائع الدوائم الدوائب ، الفوائض الفواضل ، السائرة إلى عباده ، الواصلة إلى بلاده ، لا تنقطع ركائبها ، ولا تنقشع سحائبها ، وباب الفيض مفتوح ، وكل من الجواد الكريم ممنوح ، وليس وصول المواهب الربّانية ، والعثور على الأسرار الإلهية ، بأب وأم ، بل الله يختص برحمته من يشاء ، وإن تقطعت من الحاسد الأحشاء ، ولما أوردوها لهم بلسان يحرّفون الكلم عن مواضعه ، لم يلمحوا بالنظر الباطن زواهر جواهرها من أصداف أصدقائها (١) ، ولم ينهوا عيون العقول عن زيغها وإصدافها ، ولم يتحلوا بها فيتزيّنوا ولم يصغوا بأسماع العقول إلى استماع (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٢) بل صدقوهم في الفتنة والريبة ، وصادقوهم في استماع النميمة والغيبة ، فجعلوا الكذب الشنيع ، لسهام التشنيع غرضا ، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) (٣) فنسبوه ـ إذ لم يفهموه ـ إلى قول الغلاة ، ولا من أسرار الهداة (٤) ، فكانوا كما قال أمير المؤمنين علي : لقلنا غير مأمون على الدين ، بصرت فيهم بما بصرت كما قيل :
أعادي على ما يوجب الحب للفتى |
|
وأهدأ والأفكار فيّ تجول |
__________________
(١) كذا بالأصل.
(٢) الحجرات : ٦.
(٣) البقرة : ١٠.
(٤) كذا بالأصل.
أو كما قيل :
حاسد يعنيه حالي |
|
وهو لا يجري ببالي |
قلبه ملآن مني |
|
وفؤادي منه خالي |
وغير ملومين في الإنكار لأنه صعب مستصعب ، لا يحتمله إلّا نبي مرسل أو ملك مقرّب ، أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان (١) ، وإذا ردّ المنافق أسرار علي عليهالسلام لبغضه ، وردّها الموافق بجهله بعد ما نقل أنّه صعب مستصعب فإن كان يعلمه فما هو الصعب المستصعب ، وإن لم يعرفه فكيف شهد على نفسه أنّه ليس بمؤمن ممتحن ، فهلّا صمت فسلم ، أو قال إن علم ، فمن وجد فؤاده عند الامتحان ، ورود نسمات أسرار ولي الرحمن ، قد اشمأز وقشعر ، ومال عن التصديق وأزور ، فذاك بعيد عن الإيمان ، قريب من الشيطان ، لأن حبّ علي عليهالسلام هو المحك بلا شك ، فمن تخالجته الشكوك فيه فليسأل أمّه عن أبيه (٢) ، من نقص جوهره عن العيار ، فليس له مطهر إلّا النار ، وإنّما دعاهم إلى الإنكار الجهل والحسد ، وحب الدنيا التي حبّها رأس كل خطيئة ، والميل مع النفس والهوى ، ومن يتّبع الهوى فقد هوى ، لأنّ هذه النفس الإنسانية هي التي تحب أن تعبد من دون الله وأن لا ترى الفخر والسؤدد إلّا لها ، وأن ترى الكلّ عبيدا لها ، لأنّها سلسلة الشيطان التي بها يتدلّى إلى هذا الحرم الربّاني ، وإليها الإشارة بقوله وأجريته مجرى الدم منّي ، ولذلك قال عليهالسلام «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك» (٣) وفي النقل أن الله تعالى لما خلق النفس ناداها من أنا؟ فقالت النفس : فمن أنا؟ فألقاها في بحر الرجوع الباطن حتى وصلت إلى الألف المبسوط وخلصت من رذائل دعوى الأنانية الأينية ورجعت إلى نشأتها ، ثم ناداها : من أنا؟ فقالت : أنت الواحد القهّار (٤) ، ولهذا قال : «اقتلوا أنفسكم فإنّها لا تدرك مقاماتها إلّا بالقهر» (٥).
__________________
(١) كما في الأحاديث ، راجع بحار الأنوار : ٢٥ / ٣٦٦ ح ٧ وبصائر الدرجات : ٢٦ ح ١ وما بعده.
(٢) روي أن مبغضه ابن زنا أو حيضة ، راجع إرشاد القلوب : ٢ / ٤٣٣ ، وترجمة علي من تاريخ دمشق : ٢ / ٢٢٤.
(٣) بحار الأنوار : ٧٠ / ٣٦ ح ١ باب ٤٤.
(٤) مجموعة ورام : ٥٩ باب العتاب.
(٥) بحار الأنوار : ٦٠ / ٢٩٤ باب ٣٩.
فصل
[قصور الفهم عن إدراك مرتبة أمير المؤمنين عليهالسلام]
وكيف أنكروه ، وما عرفوه ، وبمجرّد السمع له ردّوه ، وهو لعمري غرّة فخر الأنوار ، ودرّة بحر الأسرار وزبدة مخض الأسرار ومعرفة أسرار الجبّار ، لأنه النهج الأسلم ، والاسم الأعظم ، والترياق الأكبر ، والكبريت الأحمر ، ولكن ذا المذاق الوثي ، والصدر الشجي ، لا يفرق بين الحنظل والسكر.
ولمّا كانت الموهبة من الكلم (١) المخزون أنكرتها العقول لقصورها عن ارتقاء عالي قصورها ، وصعقت عند سماع نفخة صورها ، فالغالي والقالي هلكا في بحر الإفراط والتفريط ، والتالي والموالي وقفا عند ظاهر التشكيك والتخليط. فالقالي حجبه عن نورهم العالي ظلمة الكبر والحسد ، والغالي تاه في تيه أسرارهم فضلّ عن سبيل الرشد ، والتالي قاسهم بالبشر فوقف عن أسرارهم وقعد ، والعارف نظر إلى ما فضلوا به من المواهب الإلهية فعرف أنّهم سرّ الواحد الأحد ، وأن ظاهرهم باطن الخلايق ، وباطنهم عين الحقايق ، وغيب الإله الخالق ، فعلم من قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (٢) ، فهم مفاتح غيب الله التي لا يعلم فضلها وسرّها إلّا الله ، وإن رفيع شرفهم لا تنال أيدي العقول علاه ، وخفي سرّهم لا تدرك الأفهام والأوهام معناه ، ولهذا قيل في الحكمة : لا تحدّث الناس بما يسبق إلى العقول إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فليس كل من أسمعته نكرا يوسعك منه عذرا ، وليس كل ما يعلم يقال ، ولا كل ما يقال تجد له رجال. وقال ابن عبّاس للنبي صلىاللهعليهوآله : يا رسول الله أأحدث بكل ما أسمع؟ فقال : نعم إلّا أن يكون حديثا لا تبلغه العقول ، فيجد السامع منه ضلالة وفتنة.
__________________
(١) الصعب المستصعب (خ. ل).
(٢) الأنعام : ٥٩.
وقال رجل للصادق عليهالسلام : أخبرني لماذا رفع النبي عليّا على كتفه؟ قال : ليعرف الناس مقامه ورفعته. فقال : زدني يابن رسول الله. فقال : ليعلم الناس أنّه أحق بمقام رسول الله. فقال : زدني. فقال : ليعلم الناس أنّه إمام بعده والعلم المرفوع. فقال : زدني. فقال : هيهات والله لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عنّي وأنت تقول إنّ جعفر بن محمد كاذب في قوله أو مجنون.
وكيف يطلع على الأسرار غير الأبرار. وقال علي بن الحسين عليهماالسلام :
إني لأكتم من علمي جواهره |
|
كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا |
وقد تقدم في هذا أبو حسن |
|
إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا (١) |
ولا غرو فقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول للملأ من قريش : قولوا لا إله إلّا الله. فيقولون ، ثم يقول : اشهدوا أنّي محمّد رسول الله ، فيشهدون ، ثم يقول : صلّوا إلى هذه البنية ، فيصلّون ، ثم يقول : صوموا رمضان في الهواجر ، فيصومون ، ثم يأمرهم بإخراج الزكاة فيخرجون ، ثم يقول : حجّوا واعتمروا ، فيحجّون ويعتمرون ، ثم يدعوهم إلى الجهاد وترك الحلائل والأولاد ، فيجيبون. ثم يقول : إنّ عليا وليّكم بعدي ، فيعرضون ، ولا يسمعون ، فيناديهم بلسان التوبيخ وهم لا يسمعون : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (٢) ، ثم يتلو عليهم مناديا وهم لا يشعرون : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٣).
ويؤيّد هذه القواعد : ما رواه الحسن بن محبوب عن جابر بن عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لعلي عليهالسلام : يا علي أنت الذي احتجّ الله بك على الخلايق حين أقامهم أشباحا في ابتدائهم وقال لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى). فقال : ومحمّد نبيّكم ، قالوا : بلى. قال : وعلي إمامكم. قال : فأبى الخلائق جميعا عن ولايتك والإقرار بفضلك وعتوا عنها استكبارا إلّا قليلا منهم وهم أصحاب اليمين وهم أقل القليل ، وإن في السماء الرابعة ملكا يقول في تسبيحه : سبحان من دلّ هذا الخلق القليل من هذا العالم الكثير ، على هذا الفضل
__________________
(١) غرر البهاء الضوي : ٣١٨ ، وجامع الأسرار : ٣٥ والأصول الأصيلة : ١٦٧ وفيه زيادة :
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به |
|
لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا |
ولا ستحلّ رجال مسلمون دمي |
|
يرون أقبح ما يأتونه حسنا |
(٢) ص : ٦٨.
(٣) النحل : ٨٣.
الجزيل (١).
ويؤيّد ذلك : ما ورد في كتاب الوحدة عن ابن عبّاس أنّه قال : مبغض علي من يخرج من قبره وفي عنقه طوق من نار ، وعلى رأسه شياطين يلعنونه ، حتى يرد الموقف (٢).
وعنه مرفوعا إليه من كتاب بصائر الدرجات عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : يا علي والذي بعثني نبيّا بالحق ، واصطفاني على سائر الخلق ، إنك لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبّك ، ولو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك ، فلا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا كافر منافق (٣).
وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : المخالف لعلي بعدي كافر ومشرك وغادر ، والمحبّ له مؤمن صادق ، والمبغض له منافق ، والمحارب له مارق ، والراد عليه زاهق ، والمقتفي لأثره لا حق (٤) :
بحبّ علي تزول الشكوك |
|
ويعلو الولاء ويزكو النجار |
فإما رأيت محبّا له |
|
فثم العلاء وثم الفخار |
وإما رأيت عدوا له |
|
ففي أصله نسب مستعار |
فلا تعذلوه على بغضه |
|
فحيطان دار أبيه قصار |
فوجب عليّ تنزيها للدين عن ظن الملحدين ، وشك الجاحدين ، واعتذارا إلى المؤمنين ، بحكم من صنف ، فقد استهدف ، أن أورد في هذه الرسالة لمعة من خفي الأسرار ، ومكنون الآثار ، وبواطن الأخيار ، وأميط عن محياها سدف الخفاء ، ليبدو للطالب شهاب الاقتداء ، في سماء الليلة الليلاء.
فإذا اتضحت بذلك خفايا الأسرار ، وفضحت عن دررها أصداف الآثار ، وبان بيان البيان ، لمن ينظر (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٥).
__________________
(١) بحار الأنوار : ٢٦ / ٣١١ ح ٧٧ و ٢٥ / ٢٥ ح ٤٥.
(٢) بحار الأنوار : ٢٧ / ٢٢٦ ح ٢١.
(٣) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٨٠ ح ٦٢.
(٤) بحار الأنوار : ٢٧ / ٢٢٦ ح ٢٢.
(٥) الكهف : ٢٩.
فصل
[أسرار علم الحروف]
ولمّا كان سرّ الله مودعا في خزانة علم الحروف وهو علم مخزون ، في كتاب مكنون ، لا يمسّه إلّا المطهرون ، ولا يناله إلّا المقرّبون ، لأنّه منبع أسرار الجلال ، ومجمع أسماء الكمال ، افتتح الله به السور ، وأودعه سرّ القضاء والقدر ، وذلك بأن الله تعالى لما أراد إخراج الوجود من عالم العدم إلى عالم الكون ، أراد العلويات والسفليات باختلاف أطوار تعاقب الأدوار وأبرزها من مكامن التقدير ، إلى قضاء التصوير ، عبأ فيها أسرار الحروف التي هي معيار الأقرار ، ومصدار الآثار ؛ لأن الباري تعالى بالكلمة تجلّى لخلقه وبها احتجب ثم أوجد طينة آدم في العمل الذي هو عبارة عن الاختراع الأوّل ، من غير مثال ، ولا تعديل تمثال.
ثم ركز في جبلة العماء (١) نسبة من تلك الحروف ورتّبها حتى استشرق منها في عالم الإيجاد ، بلطائف العقل لإشراق الظهور ، ثم نقله بعد ذاك في أطوار الهباء الذي هو عبارة عن الاختراع الثاني ، ورتّب فيه رتبة من الحروف التي ركزها في جبلة العماء حتى استشرقها في عالم الإيجاد بلطايف روحه في الاختراع الثاني ، ثم نقله بأطوار الذر الذي هو عبارة عن الإبداع الثاني ، وأوجد فيه نسبة من الحروف التي وضعها في جبلتها الفطرية ، حتى استشرق بها في عالم الإيجاد بلطايف القلب في الإبداع الثاني ، فالحروف معانيها في العقل ، ولطايفها في الروح ، وصورها في النفس ، وانتقاشها في القلب ، وقوّتها الناطقة في اللسان ، وسرّها المشكل في الأسماع. ولما كان المخاطب الأوّل هو المخترع الأوّل ، وهو العقل النوراني ، كان خطاب الحق بما فيه من معاني الحروف ، ومجموع هذه الحروف في سرّ العقل كان ألفا واحدا لأنّه بالقوّة الحقيقية مجموع الحروف ، وهو الذي سمع أسرار العلوم بحقيقة هذه الحروف قبل سائر الأشياء ، والعقل هو صاحب الرمز والإشارة ، والحقيقة والإيماء ،
__________________
(١) في الأصل : العملى والمثبت عن : خ. ل.
والإدراك. والحروف في لطيفة الروح شكل الضلعين من أضلاع المثلث المتساوي الأضلاع ، ضلع قائم ، وآخر مبسوط على هذه الصورة ، والقائم ضلع الألف ، والمبسوط ضلع الباء ، وإنّما قلنا بأن الحروف في لطيفة الروح شكل ضلعين ، لأنّ فيض الأنوار البسيطة التي في العقل بالفعل هي في الروح بالقوة فاتفقا في وجود الأسرار ، وتباينا في اختلاف الأطوار ، ومن حيث إن الروح تستمد من العقل ، والنفس تستمد من الروح ، وجميع الأنوار العلوية تستمد من نور العرش ، كذلك سائر الحروف تستمد من نور الألف ، ورجوع السفلي والعلوي منها إليها ، وكل حرف من الحروف قائم بسرّ الألف والألف سرّ الكلمة ، وملائكة النور الحاملون للعرش من ذوات هذه الحروف ، والأوّل منها المتعلّق بالعقل اسمه الألف والموحدون لحضرة الجلال أربعة : العقل ، والروح ، والنفس ، والقلب هو الموحد الرابع ، وتوحيده بسر الحروف التي أوجدها الحق في جبلته ، لأنّ القلب لوح النقوش الربّانية ، بل هو اللوح المحفوظ بعينه. ومن هاهنا اختلفت الحروف باختلاف أوضاعها ونسبتها إلى أحوال آدم ؛ فالدال يوم خلقه ، وخط الجيم يوم تسويته ، وخط الباء يوم نفخ الروح فيه ، وخط الألف يوم السجود ؛ فكان تركيب البنية الإنسانية بالحكمة الإلهية من شكل تربيعي ، وتربيع طبيعي ، ومن عالمي الاختراع والإبداع ، فعلم أن العالم العلوي والسفلي بأجمعه داخلان تحت فلك الألف الذي هو عبارة عن الاختراع الأوّل ، والعرش العظيم ، والعقل النوراني ، والجبروت الأعلى ، وسرّ الحقيقة وحضرة القدس وسدرة المنتهى ، وساير الحروف إجمالا وتفصيلا انبعثت عنه ، وجميعها باختلاف أطوارها وتباين آثارها تستمد منه ؛ وترجع إلى الرب سبحانه.
خلق الخلق بسرّ هذه الحروف ، وعالم الأمر كن فيكون ، وكلامه سبحانه في حضرة قدسه إنّما سمع بهذه الحروف ، وهي قائمة بذات الحق سبحانه ، وأسماؤه المخزونة المكنونة مندرجة تحت سجل هذه الحروف ، والألف منها أوّل المخترعات ، ومنها سائر مراتب العالم ، وجميع الحروف محتاجة إليه وهو غني عنها لأن سائر الأعداد لا تستغني عنه ، وهو لا يحتاج إليها. ومن عرف ظاهر الألف وباطنه ، وصل إلى درجة الصدّيقين ، ومرتبة المقرّبين ، لأن له ظاهرا وبطونا ، فظاهره (٣) : العرش ، واللوح ، والقلم. وهو مركّب من (٣)
نقط : الواحدة والواحدة والواحدة ، وبحثها يأتي فيما بعد. وباطنه الأوّل (٣) وهي : العقل ، والروح ، والنفس. وباطنه الثاني (١١) وهو عدد بسائط الاسم الأعظم فإذا أخذ منه (١٢) وهي موضوع الأسماء والأعداد بقي (٩٩) وهي عدد الأسماء الحسنى ، وباطنه الثاني (٧١) وهو عدد اللام الفايض عنه ، وهذا العدد مادّة الاسم الأعظم وحرف من ظاهر الاسم الأعظم ، وباطنه الثالث (٤٢) وهو فيض اللام ، وهو الميم ، وعدده (٤٥) وعددان في الألف واللام ، وهذا العدد ظاهر الاسم الأعظم وباطنه ، الرابع إن ضرب مفرداته في نفسها (٩) والفتق الفايض عنه في فتق الحروف أيضا (٩) وهي ألف ل ف ألف م م ى م ، والعرش ، واللوح ، والقلم ، مفرداتها أيضا (٩) وهي ع ر ش ل وح ق ل م ، والعقل ، والنفس ، والروح ، أيضا كذلك ع ق ل ن ف س روح ، فألف هي الكلمة التي تجلّى فيها الجبّار بخفي الأسرار. فمن عرف ظاهره وباطنه ، أدرك خفي الأسرار ، ومكنون الأنوار ، لأنّه حرف يستمد من قيومية الحق والكل يستمد منه.
فصل
وأما الألف المبسوط وهو الباء فهي أوّل وحي نزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله وأوّل صحيفة آدم ونوح وإبراهيم وسرّها ، من انبساط الألف فيها سرّ القيامة بقيام طرفه ، وهو سرّ الاختراع والأنوار ، والأسرار الحقيقية مرتبطة بنقطة الباء ، وإليها الإشارة بقول أمير المؤمنين (علي) : «أنا النقطة التي تحت الباء المبسوطة» (١) ، يشير إلى الألف القائم المنبسط في ذاتها ، المحتجب فيها ، ولذلك قال محي الدين الطائي : الباء حجاب الربوبية ، ولو ارتفعت الباء لشهد الناس ربّهم تعالى (٢).
__________________
(١) شرح دعاء السحر : ٦٤ وجامع الأسرار : ٥٦٣ ـ ٤١١ ح ١١٦٣ ـ ٨٢٣ والأنوار النعمانية : ١ / ٤٧.
(٢) قال بعض العارفين : ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الباء عليه مكتوبة. جامع الأسرار : ٧٠١ ، وقيل : بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود. جامع الأسرار : ٥٦٣ ح ١١٦٣ ونسبه لابن عربي ، وشرح دعاء السحر : ٦٤.
فصل
وحرف القاف باطن القلم وسرّ الأمر. والمراد بسرّ الأمر ، القدر. والقلم ببسايطه (٣) أحرف وهو الكائن لأسرار القدر ، وهو سر الاسم الأعظم ، والقلم حرفه الأوّل القاف المحيط بالعالم ظاهرا ، وبالعلم باطنا وعدده (١٨١). فإذا أخذ منه عدد الاسم الأعظم ، وهو (١١١) بقي (٧٠) وهي مادة الاسم الأعظم ، وحرف من حروفه ، كما أن السين حرف من حروف ظاهر الاسم الأعظم ، ومن علم باطن السين علم الاسم الأعظم ، وحرفه الثاني : ل ، والثالث : م ، ومن هذه الحروف تتركّب العوالم بأسرها ، وسائر الموجودات بأجمعها داخلة تحت (٢٩٩) اسما ، والأسماء داخلة تحت الاسم الأعظم ، والاسم الأعظم هو المائة والقاف بحسابه العددي مائة.
فصل
وحرف : ط طيار في جميع العالم ، وسرّه في المبادىء الأوليات ، وتعححت (١) نشأة الاختراعيات وسرّها في العلويات والسفليات ، ولها أسرار في ظهورها ، فظهرت في آخر اسم لوط ، فكان من سرّها تدمير قومه ، كما ظهرت الهاء في أوّل اسم هود ، فكان من سرّها خسف الأرض بقومه وتدميرها ، وظهرتا معا في اسم محمد صلىاللهعليهوآله في قوله تعالى : (طه) وهو محمّد بلغة طي.
فصل
وحرف الجيم (ج) حرف ملكوتي يتلقّى عن الباء ، يشترك فيه جميع العوالم الملكوتية وهو حرف أظهره الله في أوّل أسماء الجلال ، والعرش قائم بجلال الجيم ، والقلم يستمد منه الكرسي أيضا في صفة الجمال قائم به ، وهو المثلث الذي انبسط فيه سرّ الألف والباء ، وظهر
__________________
(١) كذا.
في أطوار الغضب ، ومركز اللطف ، فتجلّى في الجبّار والجواد ، فله الجبروت والجود.
فصل
وحرف : ك حرف ظهر في آخر اسم الملك ، وله العزيز وهو باطن العلم وباطن الأمر وباطن العرش والكرسي ، وباطن الصور السمائية والأرضية.
فصل
وحرف : ع هو أوّل أسرار العرش ، والعقل ، وهو حامل أسرار العالم ، لأن العرش حامل الكرسي ، والقلم واللوح والأفلاك والأرضين ، والعقل حامل الروح ، والروح حامل النفس ، والنفس حامل القلب ، والقلب حامل الجسم ، والقدرة حاملة للكل.
فصل
وحرف : ث حرف ظهر في الوارث والباعث ، وظهوره في الوارث إشارة إلى فناء الموجودات ، وفي الباعث إشارة إلى القدرة على بعثهم بعد الممات ، وجمعهم بعد الشتات.
فصل
وحرف الزاي حرف شريف ، ظهر في العزيز ، فالعزة لله جميعا ، ومنه وصول العز إلى سائر العالم بالترتيب ، فبعض العالم يستمد لعزّه من بعض فكره ، التراب يستمد من الماء ، والماء من الهواء ، والهواء من النار ، والنار من الفلك ، وهكذا ترتيب العزّة في الأكوان ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) (١).
__________________
(١) آل عمران : ٢٦.
فصل
وحرف الواو ، حرف من حروف العرش ، سيار في أجزاء العالم ، متعلّق بطرفي الخلق ، والأمر كن فيكون.
فصل
ولما كان هذا العلم الشريف ، إشارات ورموزا ، أوردت منه هاهنا ما فيه إشارة وتنبيه.
فصل
وأما علم النقط والدوائر ، فهو من أجلّ العلوم ، وغوامض الأسرار ، لأن منتهى الكلام إلى الحروف ، ومنتهى الحروف إلى الألف ، ومنتهى الألف إلى النقطة ، والنقطة عندهم عبارة عن نزول الوجود المطلق الظاهر بالباطن ، ومن الابتداء بالانتهاء ، يعني ظهور الهوية التي هي مبدأ الوجود التي لا عبارة لها ولا إشارة.
فصل
ولمّا كان الألف ، قائما بسر العقل ، والعقل قائم به ، وتمام الحروف في سر الألف ، لكن بينهما تباين في الرتبة ، فألف العقل قائم ، وألف الروح مبسوط ، وهذا العلم الشريف لو كشف للناس منه سرّ ما بين الألف واللام والميم التي هي جوامع الأمر الحكيم ، لاضطرب كل سليم ، وجهل كل عليم ، كما ورد عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : يا محمد إنّ في سورة الأحزاب آيا محكما ، لو قدرنا أن ننطق به ، لنطقنا ، ولكفر الناس إذا وجحدوا وضلّوا ، ولكن كما قيل :
ومستخبر عن سر ليلى أجبته |
|
بعمياء عن ليلى بغير يقين |
يقولون خبرنا فأنت أمينها |
|
وما أنا إن خبرتهم بأمين |
فصل
وسر الله مودع في كتبه ، وسر الكتب في القرآن ، لأنّه الجامع المانع ، وفيه تبيان كل شيء ، وسر القرآن في الحروف المقطعة في أوائل السور ، وعلم الحروف في لام ألف ، وهو الألف المعطوف المحتوي على سرّ الظاهر والباطن ، وعلم اللام ألف في الألف ، وعلم الألف في النقطة ، وعلم النقطة في المعرفة الأصلية ، وسرّ القرآن في الفاتحة ، وسر الفاتحة في مفتاحها ، وهي بسم الله ، وسر البسملة في الباء ، وسر الباء في النقطة.
فصل
والفاتحة هي سورة الحمد ، وأمّ الكتاب ، وقد شرّفها الله تعالى في الذكر فأفردها ، وأضاف القرآن إليها فقال عزّ اسمه : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (١). فذكرها إجمالا وإفرادا وذلك لشرفها ، وهذا مثل قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (٢) أدخلها إجمالا ، وأفردها إجلالا ، والصلاة الوسطى هي صلاة المغرب ظاهرا ، وفي وقت أدائها تفتح أبواب السماء ، ويجب التعجيل بها لقوله صلىاللهعليهوآله : «عجلوا بالمغرب». وأما في الباطن والرمز ، فهي فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، لأن الصلوات الخمس بالحقيقة هم : السادة الخمسة الذين إذا لم يعرفوا ولم يذكروا ، فلا صلاة ؛ فالظهر رسول الله صلىاللهعليهوآله ومن ثم بدا النور أوّل ما خلق الله نوره (٣) أوّل ما خلق الله اللوح (٤) ، أوّل ما خلق الله القلم (٥) ، فالعقل نور محمّد صلىاللهعليهوآله (٦) ، واللوح والقلم علي وفاطمة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما
__________________
(١) الحجر : ٨٧.
(٢) البقرة : ٢٣٨.
(٣) كما يأتي.
(٤) نظم المتناثر : ١٨٥.
(٥) تاريخ ابن كثير : ١ / ٣٩.
(٦) العقل الأوّل نور خاتم النبوّة. راجع نبراس الضياء : ١٠٢.
يَسْطُرُونَ) (١) وفريضة العصر أمير المؤمنين عليهالسلام ، والمغرب الزهراء ، أمرهم الله تعالى بالمحافظة على حبّها وحبّ عترتها ، فصغروا قدرها ، وحقروا عظيم أمرها ، لما غربت عنها شمس النبوّة ، وحبّها الفرض ، وتمام الفرض ، وقبول الفرض ، لأن النبي صلىاللهعليهوآله حصر رضاه في رضاها فقال : «والله يا فاطمة لا يرضى الله حتى ترضي ، ولا أرضى حتّى ترضي» (٢).
ومعنى هذا الرمز أن فاطمة عليهاالسلام ينبوع الأسرار وشمس العصمة ، ومقرّ الحكمة ، لأنّها بضعة النبي صلىاللهعليهوآله وحبيبة الولي ، ومعدن السرّ الإلهي ، فمن غضبت عليه أمّ الأبرار ، فقد غضب عليه نبيّه ووليّه ، ومن غضب عليه النبي والولي ، فهو الشقي كل الشقي.
وصلاة العشاء الحسن عليهالسلام حيث احتجب عنه نور النبي والولي ، والصبح الحسين عليهالسلام لأنه بذل نفسه في مرضاة الله تعالى ، حتى أخرج نور الحق في دجنة الباطل ، ولولاه لعمّ الظلام إلى يوم القيامة.
فصل
ومثل هذا الباب من الحديث القدسي بقول الله سبحانه «ولاية علي حصني ، فمن دخل حصني ، أمن عذابي» (٣). فحصر الأمان من العذاب في ولاية علي ، لأنّ الإقرار بالولاية يستلزم الإقرار بالنبوّة ، والإقرار بالنبوّة ، يستلزم الإقرار بالتوحيد ، فالموالي هو القائل بالعدل ، والقائل بالإمامة ، والعدل مع التوحيد هو المؤمن ، والمؤمن من آمن. فالموالي لعلي هو المؤمن الآمن ، وإلّا فهو المنافق الراهق من غير عكس.
ومثال هذا من قول النبي صلىاللهعليهوآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٤) ، والمدينة لا تؤتى إلّا بالباب ، فحصر أخذ العلم بعده في علي وعترته ، فعلم أن كل من أخذ علمه بعد النبي صلىاللهعليهوآله من غير علي وعترته عليهمالسلام فهو بدعة وضلال ، وفي هذا الحديث إشارة لطيفة ، وذلك أن كل
__________________
(١) القلم : ١.
(٢) الصراط المستقيم : ٢ / ٩٣.
(٣) شواهد التنزيل : ١ / ١٧٠.
(٤) ينابيع المودّة : ١ / ٧٥ ـ ٨١ واسد الغابة : ٤ / ٢٤.
وحي يأتي إلى النبي صلىاللهعليهوآله من حضرة الربّ العلي فإنّه لا يصل به إلّا الملك حتى يمرّ به على الباب ، ويدخل به من الباب ، وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوآله : يا علي إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيلا وأطلعك عليه إلهاما (١) ، وهذا إشارة إلى ما خصّ به نبيّه ليلة المعراج خطابا ، فإن ذلك خصّ به وليّه إلهاما.
وأما قوله : إنّك ترى ما أرى ، وتسمع ما أسمع (٢) ، فإنّه إشارة إلى نزول الملائكة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بالتحف الإلهية ، فانّ الله خص وليّه بأن يسمع بعضها ويراه ، وأمر نبيّه بإيصال باقيه إليه لأنّه الخازن لأسرار النبوّة ، الولي في علو مقامه ، تلميذ النبي صلىاللهعليهوآله ووزيره لأنّ سائر البحار داخلة تحت البحر المحيط.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٣ / ١٩٧.
(٢) بحار الأنوار : ٣٧ / ٢٧٠ ح ٤٠.
فصل
[باطن فاتحة الصلاة]
وسورة الحمد فيها اسم الله الأعظم عن يقين ، وعدد آياتها (٧) وهي العدد الكامل ، ومن العدد الكامل يظهر جذر العشرة ، وهو ضرب السنة في أيام الأسبوع ومبلغه (٢٥٢٠) وهو عدد له نصف ، وثلث ، وربع ، وخمس ، وسدس ، وسبع ، وثمن ، وتسع ، وعشر. وعدد كلمات أمّ الكتاب مع البسملة (٢٩) كلمة ، وعدد السور المتوّجة بالحروف المقطعة (٢٩) سورة ، وعدد أيام الشهر (٢٩) يوما فإذا أخذ منها الألف ، كانت (٢٨) بعد منازل القمر وإذا قسّمت كان منها للأفلاك (٩) وللبروج (١٢) وللعناصر (٤) وللمواليد (٣) فهذه ثمانية وعشرون بعدد حروف المعجم ، وعدد حروف الفاتحة (٣٢٤) وأعداد حروفها (٩٣٦١) وساير أعدادها تنقسم إلى الفردانية ، وتشير إليها وتنقسم بأعداد الاسم الأعظم قسمين ظاهر وباطن ، فالظاهر (٨٦) مرّة ، والباطن (٩٩٣) مرّة تأويلا ، وعدد بساط حروفها (٩٤٢) وأعداد بسايط حروفها (١٨) ألفا ، والفردانية تدور معها حيث دارت.
فصل
[حروف المعجم]
وحروف المعجم (٢٨) حرفا كما مرّ ، وعددها بالهجاء يعني بسايطها (١٢) حرفا وعدد الحروف المقطعة [في] سور القرآن (١٢) حرفا ، وتحت هجاء بسايط الحروف اسم العزيز الفتاح (١٩) مرة وفي بسايطها الاسم الأعظم (٦٦) مرة ، والاسمان معا (٢) مرتين ، وإذا أخذ المكرور الدني من هذه الحروف في (١٤) حرفا وهي الحروف النورانية وهي مقطعة في
سورة الحمد وهي هذه : ا ل ر ح ي م (١) ن ك س ه ص ق ط وأعدادها (٦٩٩) ومن هذه الحروف النورانية تستخرج أسماء الله الحسنى ، واسم الله الأعظم ؛ وعلم الأدوار والأسرار ، صريحا وظاهرا وباطنا جملة وأفرادا ، لأن اسم الله الأعظم قد يكون في حرف واحد ، وقد يكون في عدد واحد ، وقد يكون في حروف وفي أعداد وكلمات حسب الإرادة الإلهية والحكمة الربّانية ، وهو في الحروف على هذا المثال :
ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط
١ ٣ ٢ ٧ ٨ ١٠ ٤ ٥ ٢ ٦ ٥ ٩ ١ ٩
وهذه (١١٠) وهذا رمز آخر من السر المكتوم قد أبرزته مكشوفا ، ومعرفته مدفونة على من كان له حظ من علم الحروف وأعدادها الظاهرة والباطنة هي هذه :
ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط
١ ٣ ٢ ٧ ٨ ١٠ ٤ ٥ ٢ ٦ ٥ ٩ ١ ٩
فهذه (٩٩) بعدد الأسماء الحسنى ، وهذا الوجه الثالث من هذا السرّ وهو :
ا ل م ر ك ه ي ع ص ط س ن ح ق
١ ٣ ٤ ٢ ٢ ٥ ١٠ ٧ ٩ ٩ ٦ ٥ ٨ ١
وهذه (١١٢) وهذا وجه آخر : ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط (٧٢) فإذا أخذنا من هذه الحروف صريح الاسم الأعظم ، وهي (٣) حروف و (٣) أعداد بقي منها (١١) حرفا وهي العدد الخفي ، والسرّ المخفي ، ا ر ح م ن ك س ه ص ق ط وهذه (١١) عددا وهي مادة الاسم الأعظم.
فصل
[حروف الاسم الأعظم]
وحروف الاسم الأعظم الأكبر مع المكرّر (٧٢) وهي هذه : ا ل م ا ل ن ه ا ل ر ا ل م ا ل ر ح م ا ل ر ح م ا ل ك ا ل م ك ه ر ع ا ع س ق ا ى ا ك ا ل ه ا ل م م ص ط س ط ه ع ل ى ا ل ن م وا
__________________
(١) في رسالة الماجد لجابر بن حيان «بول كراوس» الميم حرف ظلماني.
ل ر ص ه
وأعداد هذه الحروف (٢٦٤) وهذه الحروف الاسم الأعظم وأعدادها ، فإذا أراد النبي أو الإمام ألفها ودعا بها.
فصل
وهذا العدد من أعداد الاسم الأعظم (١٢٤) ومضاعفتها (١٣٣١) وهذه تكتب لكل ألم فيشفى ، أو تعلّق أو تسقى وتعلّق ، فهي شفاء من كل داء ، وإن أراد كتب موضعها حروفا من العنصر الحار المطلق «ه ط» ، ومن البارد اليابس المطلق «ي» ، ومن الحار الرطب «ك» ، ومن البارد الرطب «ل» ، على هذا المثال «١١ ، ٧ ، ١١١» والباقي على هذا المثال.
فصل
[خواص الفاتحة]
ومن خواص الفاتحة أنه من قرأها مع صوم وقطع حيوان (٧) أيام في كل يوم (١٥١١) مرّة وصلّى على محمد وآله هذا العدد لا يطلب شيئا إلّا وجد فيها ، قد تجاسرت وأوردت في هذه الرسالة لمعة من حقائق الأسرار ، تسر المؤمن التقي ، وتضرّ المنافق الشقي ، (وسمّيتها مشارق أنوار اليقين) في حقايق أسرار أمير المؤمنين ، فجاءت كالسيف المنتضى ، في كشف أسرار علي المرتضى ، والله ولي الإنعام والإحسان والرضى ، ورتبتها على فصول فأقول : إن أعلى مطالب الكمال ، وأعلى مراتب الجلال للإنسان ، العلم الذي ينال به الحياة الأبدية والسعادة السرمدية ، وأجلّ العلوم ما يبحث فيها عن أجلّ المعلومات ، وأجلّ العلوم ما يبحث فيه عن حقيقة الوجود والموجود.