مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

وفيه ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت منّي وأنا معك سرّي وعلانيتي ، وأنت روحي التي بين جنبي ، لحمك لحمي ، ودمك دمي ، وما أفرغ جبرائيل في صدري حرفا إلّا وقد أفرغته في جوفك» (١).

وهذا كلام عظيم يصرح لعلي بالتشريف والتعظيم ، والتفضيل والتقديم ، حيث هو قسيم بنعمة النبي الكريم ، وشقيق نور الرؤوف الرحيم ، فهو منه في النور والروح والطينة ، والظاهر والباطن ، ولا فرق هناك إلّا النبوّة ، وهو الآيات والمقامات والكلمات التامات ، والأنوار الباهرات تقصر القول عن معرفة أسرارها ، وتعمى عيون الأفهام عن بوارق أنوارها ، سرّ الرحمن الرحيم ، وما يلقاها إلّا ذو حظّ عظيم ، ومن أنكر أن الإمام يعلم الغيب أنكر إمامته ، ومن أنكر إمامته لا يبالي محو المحكم من كتاب الله أو جحد نبوّة الأنبياء ، وزعم أنه ليس إله في السماء ، فوجب أن يعلم الولي أهل ولايته أحياء وأمواتا ، وإلّا لكان عالما في وقت دون وقت وهو محال ، لأن الولي هو الإنسان الكامل ، فكيف يكون كاملا ناقصا ، هذا خلف؟

__________________

(١) نفحات الأزهار : ٤ / ٣١٦ ، وفي لفظ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «معاشر الناس ما من علم إلّا علمنيه ربّي وأنا علّمته عليا» تفسير نور الثقلين : ٤ / ٣٧٩ ومناقب ابن المغازلي : ٥٠ ح ٧٣.

٢٢١

فصل

[حضور آل محمد عليهم‌السلام عند كل ميّت]

أما علمه بهم عند الموت فدليله قوله لحارث همدان : يا حارث ، قال : نعم يا مولاي ، فقال : «لو قد بلغت نفسك التراقي لتراني حيث تحبّ» (١).

وهذا إشارة إلى حضوره عند الموتى. (٢)

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦ / ١٧٩ ح ٧ ، وبشارة المصطفى : ٥ ح ٤ ورسائل المرتضى : ٣ / ١٣٣.

(٢) قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «إذا بلغت نفس احدكم هذه قيل له : أما ما كنت تحزن من همّ الدنيا وحزنها فقد أمنت منه ويقال له : أمامك رسول الله وعلي وفاطمة عليهم‌السلام». (بحار الأنوار : ٦ / ١٨٤ ح ١٧ باب ما يعاين المؤمن والكافر عند الموت ، والكافي : ٣ / ١٣٤ ح ١٠).

وعن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى يأكل من ثمر الجنة أو من شجر الزقوم ، وحتى يرى ملك الموت ويراني ويرى عليا وفاطمة والحسن والحسين ، فإن كان يحبنا قلت : يا ملك الموت ارفق به فإنه كان يحبني وأهل بيتي. وإن كان يبغضني ويبغض أهل بيتي قلت : يا ملك الموت شدد عليه فإنه كان يبغضني ويبغض أهل بيتي ، لا يحبنا إلّا مؤمن ولا يبغضنا إلّا منافق شقي» (أهل البيت ، توفيق أبو علم : ٦٨ ـ ٦٩ الباب الثاني ، وبشارة المصطفى : ٦ ح ٧ مع تفاوت بسيط).

وعن أسماء بنت عميس قالت : إنّا لعند علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعد ما ضربه ابن ملجم إذ شهق شهقة ، ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال : «مرحبا مرحبا الحمد لله الذي صدقنا وعده ، وأورثنا الجنة». فقيل له : ما ترى؟!

قال : «هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخي جعفر وعمي حمزة وأبواب السماء مفتّحة والملائكة ينزلون يسلّمون علي ويبشروني. وهذه فاطمة عليها‌السلام قد طاف بها وصائفها من الحور ، وهذه منازلي في الجنة. لمثل هذا فليعمل العالمون» (ربيع الأبرار : ٤ / ٢٠٨ ذيل باب الموت وما يتصل به من ذكر القبر والنعش).

وعن الفضل بن يسار عن أبي جعفر الباقر وجعفر الصادق عليهما‌السلام أنهما قالا : «حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة : محمدا وعليا وفاطمة وحسنا وحسينا» (كشف الغمة : ٢ / ٤٠ مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام).

وروى ابن أعثم رؤية معاوية عند موته لأمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «ثم رحل معاوية عن ذلك المكان

٢٢٢

وأما علمه بهم بعد الموت فدليله قوله للأصبغ بن نباتة في نجف الكوفة : «يا أصبغ إن في هذا الظهر أرواح كل مؤمن ومؤمنة ، فلو كشف لك ما كشف لي لرأيتهم خلقا يتحدّثون على منابر من نور» ، وذلك حق لأن الولي إذا أحاط علما بالأحياء وجب أن يحيط علما بالأموات ، وإلّا لا متنع الأوّل لا متناع الثاني ، لكن الأوّل غير ممتنع فالثاني كذلك ، لأن العلم الذي أيّد به وعلم به للأحياء به علم الموتى ، وإليه الإشارة بقوله : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (١) ، والكتاب الحفيظ ، هو الولي وعلمه عنده وذلك لأن اللوح المحفوظ فيه سطور غيب الله ، واللوح الحفيظ في الأرض هو المستودع لغيب الله وإليه الإشارة بقوله : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢) ، والولي حافظ للذكر وعالم بتأويله وتنزيله ، فاللوح المحفوظ بالحقيقة هو الولي ، فمن أنكر علم الولي بأهل ولايته

__________________

حتى صار إلى الشام فدخل منزله ، واشتد عليه مرضه وكان في مرضه يرى أشياء لا تسره ، .. فكان يشرب الماء الكثير فلا يروى ، وكان ربما غشي عليه اليوم واليومين ، فإذا أفاق من غشوته ينادي بأعلى صوته : «مالي ومالك يابن أبي طالب إن تعاقب فبذنوبي وإن تغفر فإنك غفور رحيم» (الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٦١ ذكر انصراف معاوية عن مكة وما يلي به في سفره من المرض وخبر وفاته).

وعن سليم في خبر طويل فيه ندم الخليفة الأول والثاني عند الموت جاء فيه :

فقال له عمر : يا خليفة رسول الله لم تدعو بالويل والثبور.

قال أبو بكر : هذا رسول الله ومعه علي بن أبي طالب يبشرانني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدا عليها في الكعبة وهو يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«لقد وفيت بها وظاهرت على ولي الله فابشر أنت وصاحبك بالنار في أسفل السافلين» (إرشاد القلوب : ٢ / ٣٩٢ خبر وفاة أبي بكر ومعاذ).

وعن نخلة بنت عبد الله قالت : رأيت بعد أن قتل زيد بن علي وصلب بثلاثة أيام فيما يرى النائم كأن نسوة من السماء نزلن عليهن ثياب حسنة حتى أحدقن بجذع زيد بن علي ، ثم جعلن يندبنه وينحن عليه كما ينوح النساء في المأتم.

قالت : ونظرت إلى امرأة قد أقبلت وعليها ثوب لها أخضر يلمع منه نور ساطع حتى وقفت قريبا من أولئك النساء ، ثم رفعت رأسها وقالت : «يا زيد قتلوك يا زيد صلبوك يا زيد سلبوك يا زيد إنهم لن تنالهم شفاعة جدك عليه الصلاة والسلام غدا في يوم القيامة».

قالت نخلة : فقلت لإحدى النسوة تلك : من هذه المرأة الوسيمة من النساء؟

فقالوا : هذه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (الفتوح لابن الأعثم : ٣ / ٢٩٥ ذيل خبر زيد بن علي).

(١) ق : ٤.

(٢) البروج : ٢٢.

٢٢٣

ومشاهدته لأعمالهم فقد كذّب القرآن وكفر بالرحمن.

فصل

وكذا من خصص علمه بوقت دون وقت ، وشيء دون شيء ، فقد قضى للولي بالجهل ، فيلزم من تكذيب الثاني تكذيب الأوّل ، ومن تصديق الأوّل تصديق الثاني ، لعدم التخصيص ، فيلزمه إذا التصديق بما كذب ، والتكذيب بما صدق ، ومن الأول يلزم الكفر ، ومن الثاني يلزم الارتداد وفساد الاعتقاد ، لكن الأول صادق ، والثاني كذلك.

٢٢٤

فصل

[قدرة آل محمّد التكوينية]

وأما القدرة (١) فإنّ الولي المطلق قدرته كعلمه ، وعلمه محيط ، فقدرته كذلك لأن قلب

__________________

(١) قد فصلنا ذلك في كتابنا الولاية التكوينية ونجمل هنا فنقول :

الولاية التكوينية قدرة يمنحها الله لخاصة أوليائه الذين يتقربون من الله تعالى تقربا يصبح سبحانه وتعالى سمعهم وأبصارهم وأيديهم.

كما في حديث التقرب بالنوافل المستفيض :

«لا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله ؛ ففيّ يسمع ، وبي يبصر ، وبي ينطق ، وبي يبطش ، وبي يمشي» (جامع الأسرار : ٢٠٤ ح ٣٩٣ ، وله ألفاظ أخرى (المعجم الأوسط : ١٠ / ١٦٣ ح ٩٣٤٨ ، وكنز العمال ٧ / ٧٧٠ ح ٢١٣٢٧ ، وأصول الكافي : ٢ / ٣٥٢ ح ٧ ، وعلل الشرائع : ١ / ٢٢٧ باب ١٦٢).

قال الشيخ حسن زاده آملي : بل إن هذا الشخص ، ولأن الحق يكون عينه التي يرى وأذنه التي بها يسمع ، وعين جوارحه وقواه الروحية والجسمية ؛ فإن تصرفه الفعلي أيضا يكون كالحدس والجذبة الروحية ، حتى يصير قوله وفعله واحدا ، ولا يحتاج إلى الامتداد الزماني في حركاته وانتقالاته ، بل يصير محلا لمشيئة الله ومظهرا ل (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) حيث يتّحد عندها القول والفعل (الإنسان الكامل : ١٧٣).

وقال الخواجة نصير الدين الطوسي : العارف إذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأى كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلّقة بجميع المقدورات ، وكل علم مستغرق في علمه الذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات ، وكل إرادة مستغرقة في إرادته التي يمتنع أن يتأتى عليها شيء من الممكنات.

بل كل وجود فهو صادر عنه فائض عن لدنه فصار الحق حينئذ بصره الذي به يبصر وسمعه الذي به يسمع وقدرته التي بها يفعل وعلمه الذي به يعلم ووجوده الذي به يوجد ، فصار العارف حينئذ متخلّقا بأخلاق الله في الحقيقة (شرح الإشارات والتنبيهات : ٣ / ٣٨٩ عن السير إلى الله : ٧٩).

وقال الإمام الخميني قدس سرّه :

«فإن للامام عليه‌السلام مقاما محمودا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وبموجب ما لدينا

٢٢٥

الولي مكان مشية الرب العلي ، ولسانه منبع حكمته ، يفعل ما يريد الله ، ويريد ما يفعل.

فصل

وأما الحكم المطلق فكما مر ، لأن الولاية لها الحكم من البداية إلى النهاية ، لأن الولاية علم اليقين وحق اليقين ، لا ينسخ ولا يتغيّر ولا يتبدّل بتغيّر الزمان ، ولا ينسخ كنسخ الشرائع والأديان ، ولا يختم لأنه ختم الأكوان ، ولا تسبق لأن لها السبق بالكون والمكان ، فعهدها مأخوذ من الأزل ولم يزل ، يتسلّمها ولي من ولي ورضي من رضي إلى يوم القيامة ، لأن الرب الملك الحق المبين أخذ لها العهد على أسماء قبل خلق الأرضين والسّموات ، وهي الختم والكمال لكل دين ، ولها الحكم عند نصب الموازين ، وويل للمكذّب بيوم الدين ، وإلى هذا البرهان المبين الإشارة من قول الصادقين : سبحان من خلق السّموات والأرضين ، وما سكن في الليل والنهار بمحمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام كانوا قبل هذا العالم أنوارا ؛ فجعلهم الله بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلّا الله» (الحكومة الاسلامية : ٥٢).

٢٢٦

فصل

[الدنيا ملك لآل محمّد عليهم‌السلام]

هذا كلام الحجّة ، وكلام الحجّة حجّة ، فقوله لمحمد وآل محمد هذا لام التمليك والتخصيص ، لأن من خلق الشيء لأجله فهو له في الدنيا والآخرة ، لهم خلقت وإليهم سلمت ، فدلّ بهذا الصريح أن ملك الدنيا والآخرة وحكم الدنيا والآخرة لا بل الدنيا والآخرة لهم على غير مشارك ولا منازع ، إن الكل عبيدهم وملكهم (١) ، وهم سادة الكل ومواليهم ، سبحان من استعبد أهل السّموات والأرض بولاية محمد وآل محمد.

وهذا مصرح أن الكل لهم وعبيدهم ، وأن لهم السيادة والسؤدد على جميع الخلائق ، فالخلائق عبيدهم وهم عبيد الله ونوّاب مملكته ، وخاصة حضرته وخزنة غيبه ، وقوام خلقه. وإلّا لزم كذب المعصوم أو تكذيبه ، والأوّل محال والثاني كفر مثبت.

إن الدنيا والآخرة ملكهم ومليكهم ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سبحان من يملكها محمدا وآل محمد وشيعتهم» (٢) ، فتساوى طرفا الحكم والملك في الدارين لديهم وإليهم لعدم الترجيح والتخصيص ، فمن اعتقد أن ملك الدنيا والآخرة لهم آمن بالخصوص الإلهية والنصوص الإمامية ، ومن أنكر الطرفين كفر بالقرآن ، وكذب أولياء الرحمن ، ومن صدق طرفا وكذب طرفا بعد ثبوت الطرفين لهم لزمه من إنكار الثاني إنكار الأوّل ، ومن تصديق الأوّل تصديق الثاني ، لكن تكذيب الأوّل كفر فالثاني كذلك ، وتصديق الأول إيمان فالثاني كذلك ، وتصديق الثاني إيمان فتكذيب الأوّل كفر ، فمن صدق الأول وكذب الثاني لزمه التكذيب بالصدق أو التصديق بما وجب تكذيبه ، فيلزمه من ذلك الكفر بالإيمان والإيمان بالكفر.

فبان بواضح البرهان الذي لا ينقض ، والحق الذي لا يدحض ، أن لهم ملك الدنيا

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٣ / ٦٨ ح ٣٩٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٩٨ ، والبحار : ٩٥ / ١٣٩.

٢٢٧

والآخرة ، وحكم الدنيا والآخرة ، والإنكار لذلك كفر لصدق دليله ، والشك فيه شرك لوضوح سبيله ، والريب فيه ارتداد لصحّة تأويله ، والتصديق به نجاة لبرد مقبله ، ومن كذب بما وجب تصديقه من الدين فقد كفر بوحي ربّ العالمين ، وذلك لأن الكتاب والعترة حبلان متصلان ، وإليه الإشارة بقوله : «خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن تمسكتم بهما لن تضلّوا ، أنبأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» (١).

__________________

(١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إني تارك فيكم الثقلين خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (مسند احمد : ٥ / ١٨١ ـ ١٨٢ ـ ١٨٩ و ٤ / ٣٦٧ ط. م و ٥ / ٤٩٢ ح ١٨٧٨٠ و ٦ / ٢٣٢ ـ ٢٤٤ ح ٢١٠٦٨ ـ ٢١١٤٥ ط. ب ، وبحار الأنوار : ٢٣ / ١٠٧ ، وفضائل الصحابة لأحمد : ٢ / ٥٨٥ ـ ٦٠٢ ـ ٥٧٢ ـ ح ٩٩٠ ـ ١٠٣٢ ـ ٩٦٨ ـ ٧٨٦.) وله ألفاظ كثيرة (مجمع الزوائد : ١ / ١٧٠ ط. مصر وبغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد : ٤١٣ ح ٧٨٤ عن ابن ثابت ، ونزل الأبرار : ٣٢ و ٥٢ الباب الأول عن زيد وحذيفة بن أسيد ، والمعجم الأوسط : ٤ / ٢٦٢ ـ ٣٢٨ ح ٣٤٦٣ ـ ٣٥٦٦ عن أبي سعيد ، والفردوس : ١ / ٦٦ ح ١٩٤ ط. كتب و ٩٨ ح ١٩٧ ط كتاب عن أبي سعيد ، والبيان والتعريف في أسباب ورود الحديث : ١ / ٣٧٠ ح ٤٣٧ عن زيد ، ومشارق الأنوار : ١٠٩ الفصل السادس من الباب الثالث ، وتلخيص المتشابه : ١ / ٦٢ رقم ٧٨ عن أبي سعيد و ٢ / ٦٩٠ ح ١١٥٠ ، وأخبار قزوين : ٣ / ٤٦٥ ، والسنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ١٤٨ و : ٧ / ٣٠ ، والمطالب العالية : ٤ / ٦٥ ح ٣٩٧٢ ، وأمالي الشجري : ١ / ١٤٣ ـ ١٤٩ ـ ١٥٢ ـ ١٥٤ ـ ١١٥ و ٤١٥ ، ومسند البزار : ٣ / ٨٩ ح ٨٦٤ ، وحلية الأولياء : ٩ / ٦٤ ، وتاريخ بغداد : ٨ / ٤٤٣ ترجمة زيد بن الحسن القرشي ، وأهل البيت في المكتبة العربية : ٢٨٠ ، ومسند شمس الاخبار : ١ / ١٢٦ أبو سعيد ، والمعرفة والتاريخ : ١ / ٥٣٦ إلى ٥٣٨ عدة ، ومسند أبي يعلى : ٢ / ٢٩٧ ح ١٠٢١ ، والمنتخب من مسند عبد بن حميد : ١٠٨ ح ٢٤٠ عن زيد بن ثابت و ١١٤ ح ٢٦٥ عن زيد ابن أرقم ، ومشكاة المصابيح : ٣ / ١٧٣٥ ـ ١٧٣٢ ـ ١٧٣٥ ح ٦١٤٤ ـ ٦١٣١ ـ ٦١٤٣ باب فضائل علي عن زيد وجابر ، مصابيح السنة : ٤ / ١٨٥ ـ ١٨٩ ح ٤٨١٥ ـ ٤٨١٦.

والمصنف لابن أبي شيبة : ٦ / ٣١٣ ـ ٣٧١ ح ٣١٦٧٠ ـ ٣٢٠٧٧ و ٧ / ٤١١ ح ٣٦٩٤٢ ، وصحيح مسلم : ١٥ / ١٧٦ ح ٦١٧٨ ط. بيروت ، و ٧ / ١٢٢ ط. مصر كتاب الفضائل ـ فضائل علي ح ١٢ من بابه ، وأسد الغابة ٢ : ١٢ ترجمة الإمام الحسن ٧ ، وج ٣ : ١٤٧ ترجمة عبد الله بن حنطب و ٩٢ ترجمة عامر بن ليلى ، وتحفة الاشراف : ٢ / ٢٧٨ ح ٢٦١٥ ، وجلاء الافهام : ١٢١ الفصل الرابع ـ معنى الال ، وتفسير المحرر الوجيز : ١ / ٣٦ المقدمة والطبقات الكبرى ٢ : ١٥٠ ذكر ما قرب لرسول الله من أجله ، ومستدرك الصحيحين : ٣ : ١٠٩ ـ ٥٣٣ كتاب معرفة الصحابة ، وصحيح الترمذي ٥ : ٦٦٣ ـ ٦٦٢ كتاب المناقب ح ٣٧٨٦ ، و ٣٥١ باب التفسير ط. مصر ـ دار الحديث ، وخصائص النسائي : ٨٥ ، والمعجم الكبير للطبراني ٣ : ٦٥ ـ ٦٦ ـ ٦٧ ، والعقد الفريد ٤ : ٥٣ كتاب الخطب ـ

٢٢٨

قوله : حتى يردا على الحوض شريد وطريد ، لأن الكتاب يعرّف الأمة فضل الأئمة ووجوب طاعتهم ، والعترة تشهد للكتاب بأنه الحق ، فالكتاب نبذ وحرّف وترك ، والعترة قتلوا وشرّدوا وطردوا فهما صاحبان شريدان طريدان لا يأويهما أحد ، ولم يسترشد بهما ضالّ حتى يردا الحوض شاكيين إلى الله ورسوله ، فكلّما يجب من التصديق للكتاب يجب للعترة ، وفي الكتاب علم كل شيء ، وبيان كل شيء ، وكذا يجب أن يكون عند العترة لأنهم تراجمة القرآن ، وسرّ غيب الرحمن ، فعندهم علم كل شيء وإلّا لما كانا حبلين متصلين ، ولما قال : «كهاتين» ، وقرن إحدى إصبعيه إلى الأخرى ، ثم بيّن أن علم القرآن عندهم وأنهم مساوين للكتاب في الشرف والطاعة ، فقال : «ولا أقول كهاتين فأفضّل هذه على الأخرى» ، فمن آمن بكل الكتاب وأنكر حرفا منه لم يكن مؤمنا لأن اللازم له في الاعتقاد تصديق الكل ، أو إنكار الكل ، لكن إنكار الكل كفر ، وتصديق الكل إيمان.

فصل

وكذا القول في العترة فمن أنكر حرفا من أقوالهم أو ردّ حديثا من أحاديثهم أو شك في شيء من أمرهم أو استعظم حديثا من سرائرهم ، فقد أنكر الكل ، فبان بهذه البراهين الموجبة لحق اليقين أن عليا حاكم يوم الدين ، ومالك يوم الدين (١) ، وولي يوم الدين ، بأمر ربّ العالمين.

__________________

خطبة الرسول في حجة الوداع ، والدر المنثور ٢ : ٦٠ مورد آية (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) آل عمران ١٠٣ وج ٦ : ٧ ـ ٣٠٦ ، وتفسير الرازي ٨ : ١٦٢ مورد آية (وَاعْتَصِمُوا) ، وتاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٢ ذيل خلافة علي ٧ ، وكنز العمال : ١ / ١٧٢ ح ٨٧٠ و ٣٧٩ ح ١٦٥٠ ، و ٣٨٤ ح ١٦٦٧ وما بعدهم ـ باب الاعتصام بالكتاب والسنة ـ ، وبحار الأنوار : ٣٦ / ٣٣١ ـ ٣٣٨ ـ ٣٧٣ ، وكفاية الأثر : ٨٧ ـ ٩١ ـ ١٢٨ ـ ١٣٧ ـ ١٦٣ ـ ٢٦١).

(١) سوف يأتي توضيحه من المصنّف في الفصل ما بعد اللاحق. وكذلك في ما بعد لاحق اللاحق.

٢٢٩

فصل

[الولاية المطلقة والمقيّدة]

وبيان ذلك أن الملك والتملّك والحكم والتحكّم ، والولاية والتولية إما أن يكون على الإطلاق أو بالتقيّد ، فمالك يوم الدين الرحمن الرحيم مطلقا هو الله الذي لا إله إلّا هو الذي كل شيء ملكه ومملوكه ، وهو الرب الذي تفتتح الفاتحة بحمده وتعديد صفاته ، وتختمها بالتضرّع إليه ، وأما الحاكم في ذلك اليوم بالولاية عن أمر الله ورسوله أمير المؤمنين وذلك لأن ولايته حبل ممدود وعهد مأخوذ من الأزل إلى الأبد غير محدود ، فهو لما كان مالك الدنيا وأهلها ، وحاكمها ووليّها ، فكذا هو مالك الآخرة وحاكمها ووليها ، لأن ولايته عروة لا انفصام لها ، ودولة لا انقضاء لها ، وإليه الإشارة بقوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) (١) وهو ولاية علي وحكمه لا انقطاع لها ، دليله قوله سبحانه : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٢) ، قال علي بن إبراهيم في تفسيره : أمير المؤمنين أحكم الحاكمين ، فهنا إطلاق وتقييد ، أما أمير المؤمنين عليه‌السلام فهو حاكم يوم الدين ومالكه وواليه ، وصاحب الحساب عن أمر الله وأمر رسوله ، ومالك يوم الدين مطلقا من غير تقييد ولاية ، ولا إذن والله رب العالمين رب الدنيا والآخرة ، وإله الدنيا والآخرة ، وخالق الدنيا والآخرة.

فصل

وهذا مثل قول المتكلّم : الله واجب الوجود حي ، والإنسان حال وجوده أيضا واجب الوجود حي ، فأشركا في لفظ الوجود وامتازا بفصل الإمكان والوجوب ، فالرب سبحانه حي واجب الوجود لذاته ، والإنسان حي واجب الوجود لغيره ، فكذا إذا قلنا علي مالك يوم

__________________

(١) البقرة : ٢٥٦.

(٢) التين : ٨.

٢٣٠

الدين وحاكم يوم الدين ، وأنت تعلم أنه ولي الله وخليفته ، والولي له الحكم فلا يحتاج العقل السليم إذن مع معرفة الحكم المقيّد إلى قرينة أخرى.

(تنبيه) كما أنه إذا قيل : فلان مالك ديوان العراق وحاكم ديوان العراق على الإطلاق ، فيذهب العقل السليم إلى أنه هو السلطان ولا يحتاج إلى قرينة أخرى تميّزه بل إطلاق اللفظ يدل على أنه هو الوزير وصاحب الدفتر ، وكذا إذا قلت علي مالك يوم الدين ، فلا يذهب ذهن المؤمن الموحّد العارف بالله ، إلى أن عليا هو الله لا إله إلّا الله ، بل انّه ولي الله ، والولي وهو الوالي فله الولاية والحكم بأمر الله الذي حكّمه وولّاه ، وفوّض إليه أمره وارتضاه ، فيا عجبا كيف يرضاه الله وأنت لا ترضاه (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، ثم تدّعي بعد ذلك أنك تعرفه وتتولاه ، وأنت والله الكاذب في دعواه ، فأنت كما قيل :

«ويدّعي وصلها من ليس يعرفها

إلّا بأسمائها في ظاهر الكتب»

فأنت في أمر علي لم ترض برضى الله ، ومن لم يرض برضى الله ، فعليه لعنة الله ، ألم تعلم يا منكر الحق بجهله ومدّعي العرفان وليس من أهله أن الدنيا والآخرة لهم خلقت ، وبهم خلقت ، ومن أجلهم خلقت ، وإليهم سلمت ، والله غني عن العالمين ، وما هو بهم ولهم ولأجلهم ، فهو مالكهم وملكهم من غير مشارك ولا منازع ، وثبوت ذلك من قول المعصوم ، ووجوب تصديق قوله واعتقاده ، لأن من ردّ على الولي فقد رد على الرب العلي ومن رد على العلي كفر ، فمن ردّ على الحجّة المعصوم فقد كفر ، فها قد صرح الدليل أن من أنكر ولاية علي وحكمه في الدنيا والآخرة فقد كفر ، ومن أنكر أحد الطرفين فهو واقف بين جداري الكفر والإيمان ، فإما أن يعتقد الطرفين فيؤمن ، أو ينكر الطرفين فيكفر ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لرجل قال له : أنا أحبّك وأهوى فلان ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنت الآن أعور فإمّا أن تعمى ، أو تبصر (١)؟ (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، وما أنت عليهم بمسيطر.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٧ / ٧٨ ح ١٦.

٢٣١

فصل

وبيان هذا البرهان أنه تعالى أمر نبيّه يوم الدار أن يجمع بني عبد المطّلب ويدعوهم إلى الله ، فمن سبق منهم إلى تصديقه وأجاب دعوته وصدق رسالته ، ورأى نصرته ، كان له بذلك أربعة عهد من الله ورسوله ، ويكون أخاه وصهره ، والحاكم بعده فما أجاب دعوته غير علي فبايعه ونصره وفداه ، ووفى بعهد الله فخاض في رضاه الحتوف ، وقتل في طاعته الألوف ، وكشف عن دينه الكربات ، وكسر الرايات ، وأخرج الناس من الظلمات ، ولما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تواثبت الضباع على الأسد المناع ، والولي المطاع ، فعوت على الهزبر الكلاب ، وصار ملك أبي تراب ، الذي صفي سبحانه بحد الحساب ، والقرضاب ، إلى ... الذي لم يحمر له حسام يوم الضراب ، ولا مرّ في ملمة (١) إلّا انقلب وخاب ، ولم يدع إلى كريهة فأجاب.

فوجب في عدل الكريم الوهّاب ، من باب (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أن يوليه يوم القيامة عوضا عن حقّه الممنوع في الدنيا حكم يوم الحساب ، وإليه الإشارة بقوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (٢) لأن المواهب الربانية والتحف الإلهية ، إما أن تكون استحقاقا أو تفضّلا ، وكلاهما حاصلان لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، أما الاستحقاق فإنّ الله أوجد فيه من الأسرار الإلهية ، والقوى الربّانية ، والخواص الملكية ما لم يوجد في غيره من البشر ، حتى تاه ذو اللب في معناه وكفر ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خلقت أنا وعلي من جنب الله ولم يخلق منه غيرنا» (٣) ، وجنب الله معناه علم الله ، وحق الله له كإحياء الأموات والإخبار بالمغيبات ، وتكلم أذياب الفلوات ، وإغاضة ماء الفرات ، ورجوع الشمس له بعد الغياب ، وإظهار وإيراد المعجبات ، وأما التفضّل فإنّ الله يختص برحمته من يشاء ، ففوّض الله إليه أمر العباد وجعله

__________________

(١) كذا في النسخة الخطية ، في المطبوع بلفظ مسلم.

(٢) هود : ٣.

(٣) في بحار الأنوار : «خلقنا الله جزءا من جنب الله» ـ ٢٤ / ١٩٢ ح ٨.

٢٣٢

الحاكم يوم المعاد ، فهو حاكم يوم الدين ، ومالك يوم الدين ، وولي يوم الدين ، ولا ينكر هذا الحق المبين ، إلّا من ليس له حظّ من الإيمان واليقين ، ومن لا إيمان له كافر فوجب على من شمّ حقائق الإيمان استنشاق نسيم أزهار هذه الأشجار ، والتصديق لهذه الآثار ، ومن أنكرها ولو حرفا منها فقد عارض زكام الكفر خيشوم إيمانه فليداوه بسعوط التصديق ، ولكن ذاك في حقق التحقيق ، ومن أعرض عن واضح الدليل ، فقد ضلّ عن سواء السبيل.

٢٣٣

فصل

[علي عليه‌السلام مالك يوم الدين]

اعترض معترض من أهل التقليد ، وممّن هو عن إدراك التحقيق بعيد ، فقال : إذا قلنا مالك يوم الدين علي ، وحاكم يوم الدين علي ، يلزم أن يكون الرحمن الرحيم أيضا عليا ، فقلت له :

ليس الأمر كما ذهب إليه وهمك ، وقصر عن إدراكه فهمك ، لإنّا لا ندّعي أن عليا مالك يوم الدين من هذه الآية ، لأنا إذا قلنا : الحمد لله ربّ العالمين فإنّا نشهد أن جميع المحامد بجوامع الكلم من كل مادح وحامد ، فإنّها لله ربّ العالمين يستحقها ويستوجبها الرحمن الرحيم ، ويجري عليها عدلا وقسطا ، مالك يوم الدين الذي طوق بإحسانه أهل سماواته وأرضه ، أخرجهم بلطفه من كتم العدم ، وأفاض عليهم من سحائب كرمه فوائض النعم ، ووسعهم بجوده وعفوه ومنّه ، فهو مالك يوم الدين الذي كل شيء ملكه ومملوكه ، فله الملك للعباد ، والعدل في المعاد ، لكنّه يملك من أراد ، وإن تقطّعت أكباد ذوي العناد.

وإذا قلنا إياك نعبد وإيّاك نستعين نقرّ بأن الموصوف بهذه الصفات هو المعبود الحق. فنقول : هناك (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) نسأل بعد الحمد لواجب الوجود ، ومفيض الكرم والجود ، أن يهدينا إلى حب علي لأنه الصراط المستقيم (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، وهم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين لأجلهم خلق الكون والمكان (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ، وهم (أي المغضوب عليهم) أعداؤهم الذين يبدّل الله صورهم عند الموت ، (وَلَا الضَّالِّينَ) وهم شيعة أعدائهم.

فصل

لمّا رأينا الله سبحانه قد أدخل نبيّه ووليّه في صفاته ، وخصّ محمدا وعليا بعظيم آياته ، فقال في وصف نبيّه الكريم : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ

٢٣٤

عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) وقال في حق وليّه : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٢) فهو الحاكم الحكيم ، لأن العلو هو الحكم ، فهو العالي على العباد ، والحاكم يوم التناد ، لأن كل حاكم عال من غير عكس ، وكل حاكم يوم الدين مالك من غير عكس ، فهو حاكم يوم الدين ومالك يوم الدين ، بنص الكتاب المبين ، لأن من حكم في شيء ملكه ، وإليه الإشارة بقوله : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) (٣) ومفاتيح الجنة والنار بيده فهو المالك ليومئذ والحاكم إذا ، ومن كذب هذا وأنكر سيرى برهانه حين يبشّر الله أكبر ، والحاكم يوم البعث حيدر ، ولعنة الله على من أنكر ، وقوله : حكيم لأنّه قسيم الجنة والنار لأن حبّه إيمان وبغضه كفر ، وهو يعرف وليّه وعدوّه فهو إذا يقسم وليه إلى النعيم وعدوّه إلى الجحيم ، من غير سؤال فهو العلي الحكيم.

فصل

فأحببنا أن نكشف الستر ، عن وجه هذا السرّ ، ونبيّنه ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيي من حي عن بيّنة ، فوجدناه من أسرار علم الحروف في هذه الآيات الثلاث اسم علي مرموزا مستورا ، فالأوّل قوله : ع ل ي ح ل ي م فإن عدد حروفها ٧ ، والسبعة حرف الزاي وعنها تظهر الأسرار ، وأما أعدادها فهي ١٨٨ ، وأما قوله : ا ل ص ر ا ط ا ل م س ت ق ي م ، فإنّ عدد حروفها ١٤ ، وأعدادها ١٠١٣ ، (٤) وأما قوله : م ا ل ك ي وم ا ل د ي ن وهي ١٢ حرفا ، وعنها يظهر السرّ الخفيّ والأمر المخفي ، من أسرار آل محمد لمن كان من أصحاب علي ، وأما أعدادها وهي ٢٣٢ (٥) ، فمن عرف أسرار الحروف عرف أن العلي الحكيم ، والصراط المستقيم ، ومالك يوم الدين ، هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (بأمر ربّ العالمين).

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) الزخرف : ٤.

(٣) النور : ٦١.

(٤) كذا في المخطوط ، وفي المطبوع : ١٠١١.

(٥) كذا في المطبوع أما في المخطوط فالعدد ٢٤٢.

٢٣٥

فصل

[اسم علي ومحمد عليهما‌السلام على كل شيء] (١)

وكذا من تصفّح وجوه الآيات والدعوات ، والأسماء الإلهيات ، وجد اسم محمد وعلي في كل آية محكمة ظاهرا وباطنا ، لمن عرف هذا السرّ ووعاه ، فلا يحجبنّك الشك والريب في نفي أسرار الغيب ، لأن كل عدد ينحل أفراده إلى الهوى فهو يشير إلى الهوية التي لا شيء قبلها ، ولا شيء بعدها ، ويشير بحروفه إلى الكلمة ، التي هي أوّل الكلمات وروح سائر الكلمات ، ولذلك ورد (٢) في آيات أن القرآن ثلاثة أثلاث ثلث في مدح علي وعترته ومحبّيه ، وثلث في مثالب أعدائه ومخالفيه والثلث الآخر ظاهره الشرائع والأحكام وتبيين الحلال والحرام وباطنه اسم محمد وعلي. وذلك أن القرآن له باطن وظاهر فلا ترتب أيّها السامع عند ورود فضائل أبي تراب! أليس وجود الأشياء كلّها من الماء (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) ، فالماء أبو الأشياء كلّها وهو عليه‌السلام أبو تراب فهو سرّ الأشياء كلّها ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليلة أسري بي إلى السماء لم أجد بابا ولا حجابا ، ولا شجرة ولا ورقة ولا ثمرة ، إلّا وعليها مكتوب علي علي ، وان اسم علي مكتوب على كل شيء (٣).

__________________

(١) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اسم علي على كل حجاب في الجنة» (الانوار النعمانية : ١ / ٢٤).

وقريب منه عن الإمام الصادق عليه‌السلام (الأنوار النعمانية : ١ / ١٦٩).

وأخرج الديلمي والطبراني وغيرهما عن جابر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مكتوب على باب الجنة : لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله ، علي أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يخلق السّموات والأرض بألفي عام» (مجمع الزوائد : ٩ / ١١١ ، وبغية الرائد تحقيق مجمع الزوائد ١٤٣ ح ١٤٦٥٦ ، والمعجم الأوسط للطبراني :

٦ / ٢٣٤ ح ٥٤٩٤ ، وكتاب الأربعين للخزاعي : ٤٧ ـ ٥٨ ، وجواهر المطالب : ١ / ٧٢ ـ ٩٢).

وأخرجه القرشي بلفظ : «على باب الجنة : علي ولي الله ، فاطمة امة الله ، الحسن والحسين صفوة الله» (مسند شمس الأخبار : ١ / ١٢١ باب ١٣ ، وكشف اليقين : ٤٤٩ ح ٥٥١).

(٢) الكافي : ٢ / ٦٢٧.

(٣) الأنوار النعمانية : ١ / ٢٤ ـ ١٦٩ وقد فصّلنا ذلك في كتابنا الولاية التكوينية.

٢٣٦

يؤيّد هذا ما رواه سليم بن قيس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : علي في السماء السابعة كالشمس في الدنيا لأهل الأرض ، وفي السماء الدنيا كالقمر في الليل لأهل الأرض ، أعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم ، وأعطاه من العلم جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم (١) ، اسمه مكتوب على كل حجاب في الجنة بشّرني به ربّي ، علي محمود عند الحق ، عظيم عند الملائكة ، علي خاصّتي وخالصتي ، وظاهري وباطني ، وسرّي وعلانيتي ، ومصاحبي ورفيقي وروحي وأنيسي ، سألت الله أن لا يقبضه قبلي ، وأن يقبضه شهيدا ، وإني دخلت الجنة فرأيت له حورا أكثر من ورق الشجر ، وقصورا على عدد البشر ، علي منّي وأنا من علي ، من تولّى عليا فقد تولّاني ، حبّه نعمة واتباعه فضيلة ، لم يمش على وجه الأرض ماش أكرم منه بعدي ، أنزل الله عليه رداء الفضل والفهم ، وزيّن به المحافل ، وأكرم به المؤمنين ونصر به العساكر وأعزّ به الدين ، وأخصب به البلاد وأعزّ به الأخيار ، مثله كمثل بيت الله الحرام يزار ولا يزور ، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاءت الظلم ، ومثل الشمس إذا طلعت أضاءت الحنادس ، وصفه الله في كتابه ومدحه في آياته وأجرى منازله فهو الكريم حيّا والشهيد ميّتا ، وإن الله قال لموسى ليلة الخطاب : يا بن عمران إنّي لا أقبل الصلاة إلّا ممّن تواضع لعظمتي ، وألزم قلبه خوفي ومحبّتي وقطع نهاره بذكري ، وعرف حق أوليائي الذين لأجلهم خلقت سماواتي وأرضي وجنّتي وناري ، محمد وعترته فمن عرفهم وعرف حقّهم جعلته عند الجهل علما وعند الظلمة نورا ، وأعطيته قبل السؤال وأجبته قبل الدعاء (٢).

ومن ذلك ما رواه وهب بن منبه قال : إن موسى ليلة الخطاب وجد كل شجرة ومدرة في الطور ناطقة بذكر محمد ونقبائه ، فقال : ربّي إنّي لم أر شيئا ممّا خلقت إلّا وهو ناطق بذكر محمد ونقبائه ، فقال الله : يا بن عمران إني خلقتهم قبل الأنوار ، وجعلتهم خزانة الأسرار ، يشاهدون أنوار ملكوتي ، وجعلتهم خزانة حكمتي ، ومعدن رحمتي ولسان سري وكلمتي ، خلقت الدنيا والآخرة لأجلهم ، فقال موسى : ربي فاجعلني من أمّة محمد ، فقال : يا بن عمران إذا

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٩ / ٣٧ ح ٧.

(٢) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٦٧ ح ١.

٢٣٧

عرفت محمدا وأوصياءه وعرفت فضلهم وآمنت بهم فأنت من أمّته (١).

يؤيّد هذا ما رواه صاحب الأمالي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إن الله أعطى شيعتك سبع خصال : الرفق عند الموت ، والأنس عند الوحشة ، والنور عند الظلمة ، والأمن عند الفزع ، والقسط عند الميزان ، والجواز على الصراط ، ودخول الجنّة قبل الأمم بأربعين عاما (٢).

وها أنا أقول بعد هذه البراهين مستمعا للمعرض عن حق اليقين :

كم جهد تبعنا لك في الدلايل

وجمعها وأنت جهدك بأنك تنكر

لكل دليل الورد منعم صباحو نعم

ومطيب روائحو إلّا الجعل

من يشمو يروح وهو عليل

من لا ترى الشمس عنبر ولا يرى البدر مقلتو

ولا الصباح المشرق أيش ينفعو قنديل

فأنت في ذا اعتقادك تشرب على

هذا الظمأ ماء البحار السبع وتنل غليل

إلى متى أي محارف في مهمة القول والجدل

شبه البهائم هائم لا بل أضلّ سبيل

هذا اعتقاد لحيدر عن طيب أصلك تنبه

والفرع لا شك دائم على الأصول دليل

في القيل والقال تخيط وتسمع الحق تنكر

وحتى يقول العالم لك في الفضول فضيل

ايش ينفع الحج كلو والزهد والفقه في غد

__________________

(١) بحار الأنوار عن مقتضب الأثر : ٥١ / ١٤٩ ح ٢٤ بتفاوت بسيط.

(٢) بحار الأنوار : ٢٧ / ١٦٢ ح ١٣.

٢٣٨

لمن غدى يتنقص بصاحب التفضيل

الاصل تنكر وتنفي الفروع جهدك تثبتو

ان لم تظللك أصولك ما في الفروع مقيل

لو كنت في الفقه أحمد وفي الأصول الأشعري

وفي الحديث ابن حنبل وفي العروض خليل

وفي الطريقة شبلي وفي الحقيقة الواسطي

وكنت معروف انك معروف بالتفضيل

وفي التلاوة عاصم وفي الدراية زمخشري

وفي الرواية مجاهد تجهد تذهب بكل دليل

وكنت في الصدر الأول أبو هريرة في الأثر

هم وكنت ابن مالك قاضي القضاة جليل

وفي الصحابة الأول نعم وفي حكمك عمر

وفي القرابة ابن أروى وجامع التنزيل

وكنت بالعلم واثق وبالعبادة معتصم

وبالرضى متوكل وحرف كل جميل

وكنت عمر الدنيا مشغول بالعلم والعمل

صائم وقائم دهرك تجهد بكل سبيل

وان لم تولي حيدر وكل فضلو

تعتقد إلى جهنم تحشر نعم بلا تطويل

هذا الحديث الصادق قد جاء عن

رب العلي إلى النبي المرسل أتى به جبريل (١)

__________________

(١) هذا كما يظهر شعر عامي ممّا كان ينظمه شعراء الشعب في عصر المؤلف البرسي ، ولا نكاد نعرف أكثر ألفاظه وكيفية نطقه.

٢٣٩

فصل

[أثر كتمان العلماء للحقائق]

في خاتمة هذا الدليل من كتاب الآيات مرفوعا إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يعذّب الله هذا الخلق إلّا بذنوب العلماء الذين يكتمون الحق من فضل علي وعترته ، ألا وإنه لم يمش فوق الأرض بعد النبيين والمرسلين أفضل من شيعة علي ومحبّيه الذين يظهرون أمره وينشرون فضله ، أولئك تغشاهم الرحمة وتستغفر لهم الملائكة ، والويل كل الويل لمن يكتم فضائله ويكتم أمره ، فما أصبرهم على النار (١).

وذلك حق لأن الكاتم لفضل علي جهلا هالك حيث لا يعرف إمام زمانه ، والكاتم لفضله بغضا منافق لأن طينته خبيثة ، ما أبغضك إلّا منافق شقي عرضت ولا يتك على طينته فأبت فمسخت ، ونودي عليها في عالم المسوخات الخبيثات للخبيثين والخبيثيون للخبيثات ، فلا دين له ولا عبادة له ، والمؤمن الموالي العارف بعلى عابد وإن لم يعبد ، ومحسن وإن أساء ، وناج وإن أذنب ؛ وإليهم الإشارة : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) هذا خاص لشيعة علي عليه‌السلام لأن الكافر والمنافق لا يستحقان شيئا فلم يبق إلّا المؤمن ، وليس المؤمن إلّا شيعة علي ، فالمكفّر عنهم سيئاتهم بحبّ علي هم شيعته.

دليل ذلك ما رواه ميسر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال له : ما تقول يا ميسر فيمن لم يعص الله طرفة عين في أمره ونهيه لكنّه ليس منّا ويجعل هذا الأمر في غيرنا؟ قال ميسر : فقلت وما أقول وأنا بحضرتك يا سيدي؟ فقال : هو بالنار ، ثم قال : وما تقول فيمن يدين الله بما تدين ويبرأ من أعدائنا لكن به من الذنوب ما بالناس إلّا أنّه يجتنب الكبائر؟

قال : قلت وما أقول يا سيدي وأنا في حضرتك؟ فقال : إنّه في الجنّة وإن الله قد ذكر ذلك

__________________

(١) الإمام علي عليه‌السلام للهمداني : ٣٥.

(٢) الزمر : ٣٥.

٢٤٠