مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

فصل

ومن ذلك ما رواه صاحب الأمالي عن ابن عبّاس ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «يا علي إن الله أكرمك كرامة لم يكرم بها أحدا من خلقه ، زوّجك الزهراء من فوق عرشه ، وأكرم محبيك بدخول الجنّة بغير حساب ، وأعدّ لشيعتك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ووهب لك حب المساكين في الأرض ، فرضيت بهم شيعة ، ورضوا بك إماما ؛ فطوبى لمن أحبّك ، وويل لمن أبغضك. يا علي أهل مودّتك كل أم أو أب حفيظ ، وكل ذي طمرين لو أقسم على الله لأبر قسمه. يا علي شيعتك تزهر لأهل السماء كما تزهر الكواكب لأهل الأرض ، تفرح بهم الملائكة ، وتشتاق إليهم الجنان ، ويفر منهم الشيطان. يا علي محبّوك جيران الله في الفردوس الأعلى. يا علي أنا ولي لمن والاك ، وعدوّ لمن عاداك. يا علي حربك حربي وسلمك سلمي. يا علي بشّر أولياءك أن الله قد رضي عنهم ورضوا بك. يا علي شيعتك حزب الله وخيرة الله من خلقه. يا علي أنا أوّل من يحيى وأوّل من يكسى ، غدا تحيى إذا حييت ، وتكسى إذا كسيت» (١)

__________________

(١) فضائل الصحابة لأحمد : ٢ / ٦٦٣ ح ١١٣١ ، وكنز العمال : ١٣ / ١٥٦ ح ٣٦٤٨٢ والطرائف : ١ / ١٠٨

٢٠١

فصل

[افتراق الامّة إلى ٧٣]

اعلم بعد ثبوت هذه الشواهد ، وصدق الشاهد بهذه المشاهد ، أن أهل الإسلام افترقوا على ثلاث وسبعين فرقة ، وسيأتي تفصيلها فيما بعد في مكانه ؛ وأصل هذه الثلاث والسبعين ثلاثة : الأشعرية ، والمعتزلة ، والإمامية.

والأشعرية ، والمعتزلة أنكروا الإمامة من أصول الدين ، وأثبتها الإمامية الاثنا عشرية من الشيعة ، لأن الله اختار محمدا واختار شيعة آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآل محمد سفينة النجاة.

فالشيعة كسفينة النجاة راكبون وراءهم ، قالوا إن الإنسان لو آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ووالى عليا وعترته ، فإنّه ناج بالإجماع ، لأنّ خلافة الرجلين لم يأت بها الكتاب ولا السّنة ، لكنّها بزعمهم إجماع من الناس ، وما لم يأمر الكتاب ولا السّنة باتباعه فلا يضر جهله ، لكنّه لو عرف الأوّل ووالاه ، ولم يعرف عليا وعاداه ، فإنّه هالك بالإجماع ، وإليه الإشارة بقوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (١) ، وإليه الإشارة بقوله : «أنت مني وأنا منك» (٢) ، «حزبك حزبي وشيعتك شيعتي» (٣) ، فمن كان من علي كان من محمد عليهما‌السلام ، ومن كان من شيعة محمد كان من حزب الله الناجي.

وممّا يعاضد هذا ما ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لرجل من همدان وقد تعلّق بثوبه وقال : حدّثني حديثا جامعا أنتفع به ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : حدّثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أني أرد أنا وشيعتي الحوض ، فيصدرون رواء ، ويمرّون مبيضّة وجوههم ، ويرد أعداؤنا ظماء مظمئين مسودة وجوههم ، خذها إليك قصيرة من طويلة يا أخا همدان ، أنت مع من أحببت ،

__________________

(١) يوسف : ١٠٨.

(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ٧ / ٩٠ ح ٣٧٠٧ والطرائف : ١ / ١٠٣ بتحقيقنا.

(٣) بحار الأنوار : ٤٠ / ٥٣ ح ٨٨ و : ٢٥ / ٤ ح ٦.

٢٠٢

ولك ما كسبت ، ألا وإن شيعتي يناديهم الملائكة يوم القيامة : من أنتم؟ فيقولون : نحن العليون ، فيقال لهم : أنتم آمنون ادخلوا الجنة مع من كنتم توالون (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا أهل الموقف هذا علي بن أبي طالب عليه‌السلام خليفة الله في أرضه وحجّته على عباده ، فمن تعلّق بحبّه في الدنيا فليتعلّق به اليوم ، ألا من ائتم بإمام فليتبعه اليوم وليذهب إلى حيث يذهب (٢).

يؤيّد هذا قوله عليه‌السلام : كما تعيشون تموتون ، وكما تموتون تبعثون ، وكما تبعثون تحشرون (٣).

والإنسان مع من أحب ، وشيعة علي عاشوا على حبّه فوجب أن يموتوا عليه ، فوجب أن يبعثوا عليه. أصدق الحديث وحب علي الصراط المستقيم ، والنجاة من العذاب الأليم.

فالشيعة على الصراط المستقيم ، وهذه فرقة النجاة ، وشيعة الحق أجمعوا على أن الإمامة فرض واجب تعيينه على الله ورسوله لإجماع الناس على الحق ، وميلهم عن الباطل ، مع وجود السياسة الشرعية والسياسة الإلهية ؛ وحيث إن الإمام المعصوم فيهم فالإجماع فيهم ، واستدلّوا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (٤). فتعيّن لصدق البرهان أن الحق معهم ، وأن الباطل في الطرف الآخر.

فصل

[الاختلاف بعلي لا بالنبي عليهما‌السلام]

لكن هؤلاء أهل الحق والنجاة لم يثبتوا للإمام إلّا أنه معصوم واجب الطاعة ، وأنه أفضل من فلان وفلان ، فهم في فصول التوحيد الداخلة تحت جنسه وبحضرته الجليلة والخفية لم يختلفوا ، وكذا في أبحاث النبوّة وسرائرها وغامض البحث عنها ، وأما في فصول الإمامة

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٧ / ٣٤٦ ح ٣ ضمن حديث طويل.

(٢) الجواهر السنية للحر العاملي : ٢٧٢.

(٣) عوالي اللئالي : ٤ / ٧٢.

(٤) غيبة النعماني : ٨٠ ـ ٨٦.

٢٠٣

الداخلة تحت جنسها العالي وأنواعها ، فإنهم ينكرون الأكثر من ذلك ويكتفون منها بما ذكر ، وينسبون الباقي إلى قول الغلاة ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما اختلفوا في الله ولا فيّ وإنّما اختلفوا فيك يا علي».

فإذا قلت لهم : ما التوحيد وما جنسه وما فصوله وما القدر الواجب من معرفته؟ قالوا : أما الجنس من التوحيد فأن تعرف أن الله تعالى موجود واجب الوجود ، وإذا كان واجب الوجود فهو هو هو والذي هو لم يزل ولا يزال ، وأما فصل التوحيد فالسلب والإيجاب ، أما الإيجاب فأن تثبت للحي المعبود من الصفات ما يجب إثباته ، وأما السلب فأن تنفي عن ذاته المقدّسة ما يجب نفيه ، كل ذلك بالدليل ، ومن لم يعرف من التوحيد هذا القدر فليس بموحد!

فصل

إذا قلت لهم يوما النبوة ما جنسها؟ وما فصولها وما الواجب من معرفتها؟ قالوا : إن النبي المرسل هو المبعوث إلى الناس كافة ، المخبر عن الوحي السماوي بواسطة الملك ، وأما فصولها فالعصمة وطهارة المولد ، وأنه لا نبي بعده.

٢٠٤

فصل

[عقيدتنا في الإمامة]

وكل ما يجب اعتقاده من فصول التوحيد ونبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يجب اعتقاده في باب الإمامة ، لأنّ القول في الإمامة كالقول في التوحيد والنبوّة ، لأن الإمامة جامعة للتوحيد والنبوة ، فمن أنكر شيئا ممّا يوجب عليه إثباته من باب التوحيد فليس بمؤمن ، وكذا من أنكر شيئا ممّا وجب عليه إثباته في باب الإمامة فليس بموال ، لأن إنكار الجزء من الواجب كإنكار الكل ، فما لنا [نأخذ] طرفا من خصائص العصمة ، وسندها عن المعصوم ، الذي يجب تصديقه فيما صح نقله عنه ، ثم نصدق بعضها وننكر بعضها ، بغير مرجع فنصدق ما أدركته عقولنا ، وننكر ما غاب عنّا معرفته.

ثم نقول لقصور أفهامنا عن إدراك ذلك ، يكفينا في باب الإمامة أن نعرف أن الإمام معصوم مفترض الطاعة ، فهلا كفانا هذا في باب التوحيد أن نعرف وجوب الوجود للحق سبحانه وتعالى ، ولا نحتاج في باقي الصفات ، وكيف لم يجز هذا في باب التوحيد؟ ويجوز في الإمامة ، ونقول في الدعاء المنقول عنهم عليهم‌السلام «اللهمّ إني أدينك بدينهم وولايتهم والرضى بما فضلتهم به ، غير منكر ولا مستكبر» (١).

والتفضيل هنا ليس هو القدر الذي به الاشتراك من النبوّة والولاية بينهم وبين من تقدّم من الأنبياء والأولياء ، ولكنّه الأمر الذي لم يختص به سواهم مما بهر عيون العقول فأعماها ، ورمى مقاتل الأفهام فأصماها ، ثم إذا تليت علينا آيات فضلهم بما لا تناله أيدي أفهامنا أنكرنا واستكبرنا ، فنحن إذا مع تعبّدنا بأقوالهم مع تخالج الشكوك في اعتقادها نتعبّد بما لا نعرف ، أو بما لا نعتقد ، والتعبّد بغير المعرفة ضلال ، وبغير الاعتقاد وبال ، لأن من استكبر فقد أنكر ، ومن أنكر لم يرض ، ومن لم يرض لم يطع ، ومن لم يطع لم يوال ، ومن لم يوال لا

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨٦ / ٩ ح ٨ ولا يوجد فيه : بدينهم بل : بطاعتهم.

٢٠٥

دين له ، ومن لا دين له فهو كافر ، فمن أنكر من لوازم الإمامة وأسرارها ما يجب على المولى المطلق إثباته ممّا وردت به النصوص عنهم ولو حرفا واحدا فهو كافر.

فصل

[معنى الإمامة وجنسها]

وبيان المدعى أنّا نقول في تعريف الإمامة وبيان جنسها وفصولها : الإمامة رئاسة عامة.

هذا جنس يقتضي فصولا أربعة : التقدّم ، والعلم ، والقدرة ، والحكم ؛ وإذا انتقصت هذه الفصول انتقص الجنس ، فلا تعريف ، إذا فلا معرفة ، فلا رياسة عامة فلا إمامة ، وهي رياسة عامة ، فالولي هو المتقدّم العام الحاكم المتصرّف على الإطلاق بالنسبة إلى الخلق.

أما تقدّمه فلأن الولاية هي العلّة الغائية في كمال الأصول والفروع ، والمعقول والمشروع ، فلها التقدّم بالفرض والتأخّر بالحكم ، لأن الولي المطلق هنا هو الإنسان الذي يلبسه الله خلعة الجمال والكمال ، ويجعل قلبه مكان مشيئته وعلمه ، ويلبسه قباء التصرّف والحكم ، فهو الأمر الإلهي في العالم البشري ، فهو كالشمس المنيرة التي جعل الله فيها قوّة النور والحياة ، والإشراق والإحراق ، فهي الضوء لأهل الدقور (١) ، وإليه الإشارة بقولهم : «الحق مقاماتك وآياتك وعلاماتك ، لا فرق بينها وبينك» (٢).

التأنيث في الضمير راجع إلى ذواتهم التي هي صفات الحق والجمال المطلق ، وقوله : «إلّا أنّهم عبادك» (٣) ، الضمير هنا عائد إلى أجسادهم المقدّسة ، وهياكلهم المعصومة المطهّرة التي هي وعاء الأمر الإلهي ، وجمال النور القدسي. وسبب الفرق والنفي موجب لثبات خواص الربوبية لهم ، لأن الربّ القديم جل جلاله حكم عدل نافذ الحكم ، غني عن الظلم ، لا يتوهّم ولايتهم ، والولي المطلق كذلك.

وهذه الصفات كلية ، والكلي لا يمنع من وقوع الشركة ، لأنه مقول على كثيرين مختلفين

__________________

(١) كذا بالأصل.

(٢) البحار : ٩٥ / ٣٩٣ ، والإنسان الكامل : ١٢٨.

(٣) إقبال الأعمال : ٣ / ٢١٤.

٢٠٦

بالحقائق ، فالله سبحانه حكمه في العدل وعدله وغناه عن الظلم لذاته من غير استفادة ، والولي عدله وحكمته وعصمته خصّ من الله وتأييد له بتلك القوى الإلهية والصفات الربّانية ، وإليه الإشارة بقولهم : «إلّا انّهم عبادك وخلقك» ، لأن هذا الاستثناء فارق بين الرب والعبد ، لأن الرب المعبود سبحانه علمه وقدرته ، وقدمه وغناه عن خلقه ، غير مستفاد من إله آخر بل هي صفات ذاته ، لأن واجب الوجود وجوب وجوده يقتضي صفات الألوهية ، والإمام الولي قدرته وعلمه وحكمه وتصرفه في العالم من الله اختاره ، فقدمه وارتضاه فحكمه ، ما اختار وليا جاهلا قط ، فوجب له بهذه الولاية العامة التقدّم والعلم والتصرّف ، والحكم والعصمة عن الخطأ والظلم.

أما التقدّم فلأن الولي حجّة الله ، والحجة يجب أن يكون قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ، وأما العلم فلأن الولي هو العلم المحيط بالعالم ، فلا يخفى عليه شيء مما غاب وحضر إذ لو خفي عنه شيء لجهل وهو عالم ، هذا خلف.

دليله : ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : يا مفضل ، إن العالم منّا يعلم حتى تقلّب جناح الطير في الهواء ، ومن أنكر من ذلك شيئا فقد كفر بالله من فوق عرشه ، وأوجب لأوليائه الجهل ، وهم حلماء علماء أبرار أتقياء.

وذلك أن الولي لا يجوز أن يسأل عن شيء وليس عنده علمه ، ولا يجوز أن يسأل عن شيء ولا يعلمه ، والقرآن قد شهد له بذلك ، وإليه الإشارة بقوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (١) ، والمراد به الولي ، ولفظ العموم هنا مخصّص للأولياء ، وليس في العطف تباعد وتراخ ، وكلّما يجري في العالم الذي أبرزه الله إلى الوجود من عالم الغيب والشهادة أخبر القرآن أن الله يراه ورسوله ووليّه ، ومن أصدق من الله حديثا.

وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى (٢) ، فقوله «تسمع ما أسمع» هذا جار في الأوصياء كافة ، وقوله : «ترى ما أرى» ، هذا مقام خصّ به علي عليه‌السلام. وإليه الإشارة

__________________

(١) التوبة : ١٠٥.

(٢) تقدّم الحديث.

٢٠٧

بقوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) (١) ، والكتاب علي ، ومنه قوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) (٢) ، والكتاب الناطق هو الولي ، وإليه الإشارة بقوله : (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) (٣) ، وذلك لأنه ليس بين الله وبين رسوله سرّ ، وكيف وهو بالمقام الأعلى والمكان الأدنى؟ وليس بينه وبين رسول الله ووليّه سرّ ، وهذا رمز ، وحلّه أن ليس بينهم وبين الله واسطة من الخلق ، ولا أول في السبق ، ولا أقرب إلى حضرة الحق ، لأنّهم الخلق الأوّل والعالم الأعلى ، والكل تحت رفعتهم ، لأن الأعلى محيط بالأدنى ضرورة ، والولي يعلمه ، فكل ما أبرزه الله من الغيب وبسطه قلمه في اللوح المحفوظ فإنّ النبي والولي يعلمه ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيلا وأطلعك عليه إلهاما ، وإن الله خلق من نور قلبك ملكا فوكله باللوح المحفوظ ، فلا يخط هناك غيب إلّا وأنت تشهده (٤).

فالنبي والولي مطّلعان على علم الغيب ، لكن النبي لا ينطق به إلّا مع الأمر لأنه الرسول (٥) ، وإليه الإشارة بقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٦) ، وأما

__________________

(١) الجاثية : ٢٩.

(٢) المؤمنون : ٦٣.

(٣) يونس : ٦١.

(٤) في البحار : ٢٦ / ٤ ح ١ : «أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله علم ما فيه».

(٥) وذلك لقرب الناس في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الجاهلية ولسعيه إلى تثبيت الإسلام وقواعده.

(٦) ظاهر الآية نسبة العجلة إلى النبي وهو ينافي عظمته صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوضيح ذلك :

أن الناس في الجاهلية الجهلاء ، ولن تتحمّل نسبة العلم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا توسط الوحي بينه وبين الله ، إمّا لأنّ الأنبياء يوحى إليهم عادة.

وإمّا لقرب عهدهم بالجاهلية وعدم معرفتهم المعرفة الحقيقة للنبي الأعظم ، حتى إنّهم كانوا ينادونه من وراء الحجرات باسمه.

وهم ، مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أبرز لهم مسألة الوحي ، كذّبوه وقالوا : هذا من عنده ، أو من عند سلمان الفارسي.

فكيف لو لم يبرز لهم الوحي وجبرائيل عليه‌السلام!؟.

وما يشير إلى ذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ما كان يأتيه الوحي ، كان يقول جاء جبرائيل ، وذهب جبرائيل ، وأخبرني جبرائيل عن الله تعالى ، وما شابه ذلك ، وما ذاك إلّا للتأكيد أنّ هناك إلها ودينا وإسلاما ورسالة من السماء.

ومن هنا نفهم الآيات والروايات التي تحدّثنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يعطي الجواب حتى ينزل الوحي ،

٢٠٨

__________________

فهو كان يعلم الجواب ، ولكن يريد أن يغرز في نفوسهم فكرة الوحي من السماء.

قال تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) طه : ١١٤.

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن ينقضي الوحي من السماء عليه ، كان مستعدا أن يقرأ على الناس القرآن ، بل تقدم علمه للقرآن منذ عالم الأنوار.

ونسبة العجلة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن المراد بها حتى أن التوقيت غير مناسب ، بل لإبراز أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم بالقرآن وآياته قبل أن ينزل عليه جبرائيل ، وبالتالي تكون الآية دليلا على ما نذكره وذكرناه سابقا أن جبرائيل كان يذكره بالقرآن تذكيرا لا يجتمع مع النسيان.

إن قيل : يحتمل في الآية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستعجل بالقرآن فيتلو الآية الأولى أو مطلعها قبل أن يكملها جبرائيل أو قبل أن ينتهي من السورة.

قلنا : فعل النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا إما مع التفاته إلى بقية الآيات التي يكملها جبرائيل ، وإما مع عدم التفاته لها.

فعلى الأول لا معنى للنهي عن العجلة.

وعلى الثاني يكون النبي مفوتا للوحي ومضيّعا لبعض الآيات ، ولا قائل به إلّا من سفه قوله.

قال الشيخ الطبرسي في الآية : لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كرّرها عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة ، ألهاهم حبّ العاجلة فاحتاجوا إلى زيادة تنبيه وتقرير (مجمع البيان : ١٠ / ٦٠٣ مورد الآية ـ القيامة : ١٦).

وقال سيد المفسرين : ويؤول المعنى إلى أنك تعجل بقراءة ما لم ينزل بعد ، لأن عندك علما في الجملة ، لكن لا تكتف به واطلب من الله علما جديدا بالصبر واستماع بقية الوحي. وهذه الآية مما يؤيد ما ورد من الروايات أن للقرآن نزولا دفعة واحدة غير نزوله نجوما على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلو لا علم ما منه بالقرآن قبل ذلك لم يكن لعجله بقراءة ما لم ينزل منه بعد معنى (تفسير الميزان : ١٤ / ٢١٥ مورد الآية ـ طه : ١١٤).

وقد أبطل السيد الطباطبائي نسبة عجلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في القراءة قبل انتهاء جبرائيل.

(تفسير الميزان : ٢٠ / ١١٠ مورد الآية ـ القيامة : ١٦).

* أقول : عندي أن معنى الآية : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ القرآن على الناس أو كان يبلغ بعض أحكامه ومعانيه للناس مرة واحدة ، وذلك قبل أن ينزل الوحي عليه به وقبل أن ينقضي إليه ، فجاء الخطاب الإلهي ليقول : لا تعجل في تبليغ القرآن ، وأبلغه للناس حتى قبل نزول جبرائيل به ، أبلغهم إياه بالتأني ليفهموه ويعملوا به ، ولك أن تقرأه عدة مرات على الناس ولا داعي للعجلة والاقتصار على المرة ، فإن قلوبهم لم تلن بعد ، واشكر الله وقل ربّ زدني علما لما أتاك علم القرآن قبل أن ينزل به جبرائيل.

وبذلك ننفي محذور نسبة العجلة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٠٩

الولي في النطق بالغيب مطلق العنان ، وهذا الحديث يشهد للولي أنه عالم بكل العالم لأن العالم أول الموجودات وأعلاها ، وفيه علم سائر الأشياء ومبدؤها ومنتهاها ، وإذا كان موكلا باللوح وعالما بما في اللوح ، وواليا على اللوح ، فهو عالم بما تحت اللوح ضرورة ، والعالم بأجمعه تحت اللوح فهو إذا عالم بسائر العالم ؛ ودالّ على سائر المعالم ، دليل ذلك قولهم الحق : «ما منّا إمام إلّا وهو عالم بأهل زمانه» (١).

فالعلم فيهم ومنهم وعنهم ، والقرآن عندهم وإليهم ، ودين الله الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله وملائكته منهم وعنهم ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه شهادة لهم : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٢) والكتاب المبين هم وعندهم ومنهم وعنهم.

يؤيّد هذه المقولات البيّنات ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل ما خلق الله اللوح ، ثم خلق القلم ، ثم أشار إلى نهر في الجنة أن اجمد فجمد وصار مدادا ، ثم قال له : اكتب.

فقال : ربّي وما أكتب؟

__________________

ويشير إليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول الله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «(ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قال : وسألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد ، فوجدت بردها بين ثديي فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى ، فعلم أخذ عليّ كتمانه إذ علم أنه لا يقدر على حمله أحد غيري ، وعلم خيرني فيه ، وعلمني القرآن فكان جبريل عليه‌السلام يذكرني به ، وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي.

ولقد عاجلت جبريل عليه‌السلام في آية نزل بها علي ، فعاتبي ربي وأنزل علي : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (المواهب اللدنية : ٢ / ٣٨١ ـ ٣٨٢ بحث الإسراء والمعراج ـ الربع الأخير منه ، ولوامع أنوار الكوكب الدري : ١ / ١١٨ بتفاوت).

وفي الحديث الشريف «في قاب قوسين علّمني الله القرآن وعلّمني الله علم الأولين» (لوامع أنوار الكوكب الدري : ١ / ١١٧ ـ ١١٨)

* هذا هو الهدف من التركيز على جبرائيل ، ورأينا كيف أن النبي مع نصّ القرآن أنّه (وَحْيٌ يُوحى) نجد أن عمر ومن يدين بدينه ، كيف كذّبوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الوفاة وقالوا : إن الرجل ليهجر.

فكيف لو لم يكن التركيز على الوحي وجبرائيل؟

(١) بحار الأنوار : ٤٨ / ١١٠ ح ١٥ بتفاوت.

(٢) يونس : ٦١.

٢١٠

فقال : ما كان ، وما هو كائن إلى يوم القيامة (١).

واشترط فيه البداء وهو النسخ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) وصار علم اللوح إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إلى الأوصياء إلى آخر الدهر ، وذلك لأن ما في اللوح إن كان الخلق لا يحتاجون إليه فما الفائدة في سطره؟ وإن كان محتاجا إليه وهو محجوب عنهم فالحكمة لا تقتضي حجب الفوائد ، وإن كان غير محجوب فإمّا أن يعلمه الخاص دون العام أو كلاهما معا؟ فإن علمه الخاص فخاصة الله وآل محمد ، وان علمه العام فما يعلمه العام ، فالخاص بعلمه أولى ، وإلى هذا المعنى أشار ابن أبي الحديد فقال :

علام أسرار الغيوب ومن له

خلق الزمان ودارت الأفلاك

الجوهر النبوي لا أعماله

ملق ولا توحيده إشراك

فصل

وإلى هذا المعنى أشار بقوله في خطبة التطنجية : ولقد علمت ما فوق الفردوس الأعلى وما تحت الأرض السابعة السفلى ، وما بينهما وما تحت الثرى ، كل ذلك علم إحاطة لا علم إخبار ، ولو شئتم لأخبرتكم بآبائكم أين كانوا ، وأين صاروا اليوم (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٦١ ـ ٣٦٨ ح ٥.

(٢) راجع بحار الأنوار : ٦٠ / ٢٥٩ ـ ٢٦٨.

٢١١

فصل

[علم الإمام بما كان ويكون]

وإيضاح هذا المشكل أن الله سبحانه لما أراد أن يخلق هذا العالم خلق اللوح والقلم وكتب فيه من الغيب ما يتعلق بهذا العالم وبذلك ، ورد الأثر من قوله : جف القلم بما هو كائن (١) ، وقوله : فرغ الله من حساب خلقه ، ثم بعث إليهم من الهداة والولاة ، وأوحى إلى كل نبي ورسول ما يحتاج إليه أهل زمانه من العقائد والشرائع ، ممّا قضاه وقدّره ممّا يعرف منه ويعبد ، حتى ختم الوجود بمحمد كما افتتح به الوجود ، والفاتح الخاتم يجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون ، لأنه منه البداية وإليه النهاية ، لأن الواحد أوّل العدد ومنتهاه ، فوجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون ، ممّا كتب في اللوح وإلّا لزم العبث أو الظلم.

فجملة ما صار إلى الأنبياء وما خفي عنهم ممّا كتب في اللوح ، وجرى به القلم صار إلى سيّد الأوّلين والآخرين ، وجميع ما صار إليه وحيا وإلهاما ومشاهدة في المقام الأعلى والخطاب الربّاني بغير واسطة صار إلى وصيه القائم بدينه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم إلى عترته الأبرار وخلفائه الأطهار ، وقد صرّح القرآن بذاك من قوله : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٢) ودلّ عليه قوله الحق : أعطيت ألف مفتاح من العلم يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف عهد ، وصار ذلك في الأوصياء من بعدي إلى آخر الدهر (٣).

فمن أنكر بعد هذا الشاهد الحق علم الغيب للإمام ، وخالف بعد ما وضح من البرهان المبين ، فقد كذب بالقرآن ، وكفر بالرحمن ، وكفى بجهنّم سعيرا.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٨ / ٤٨ ح ١٤ بلفظ : بما فيه.

(٢) النمل : ٧٥.

(٣) بحار الأنوار : ٢٧ / ١٦٠ ح ٩ والحديث طويل.

٢١٢

فصل

يؤيّد هذا المدعى والشاهد قوله سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، وقوله : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (١) ، قال : فيها يقدر الله ما يكون من الحق والباطل في تلك السنة ، وله فيها المبدأ والمشية ، يعني النسخ يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، من الأعمار والأرزاق والبلايا ، ثم يوحيها إلى الروح الأمين ، فينزل بها إلى الرسول ثم يلتفت الرسول إلى أمير المؤمنين ثم إلى الأوصياء حتى ينتهي إلى صاحب الأمر والزمان ويشترك له فيها البداية والمشية ، لأن حكمه حكم الله ، ومقامه مقامه ، فهو مالك ومملوك ، لأنّه سيد الخلق وعبد الحق ، وليلة القدر باقية والحجة باقية ، وأمر ليلة القدر في كل سنة ينتهي إليه ، لأن ما دامت الدنيا باقية فليلة القدر باقية لا تزول ، والمشية والحكم الإلهي لا يزول ، والولي باق لا يزول ، ووصول الغيب إليه باق لا يزول ، ولا يزول ، صدق القرآن ودوام حكم الرحمن ، وهذا مقام الولي المطلق.

وعن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال له : يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يغرب (٢) عنه شيء من الأمر المختوم يعني ممّا كتب العلم على اللوح ، فقد كفر بما نزل على محمد ، وإنّا لنشهد أعمالكم ولا يخفى علينا شيء من أمركم ، وإن أعمالكم لتعرض علينا (٣).

وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها ، وظهرت أسرارها ، وأدركت عالم الغيب ، ولا ينكر هذا إلّا الجاهل البليد فكيف تنكر أنت إحاطة روح الأرواح بعالم الغيب؟ وإذا قيل لك : إنّ عليا يعلم الغيب ، وإذ كان الفضل بالعلم والسبق ، وكان في العباد من هو أسبق ، من آل محمد إلى العلم بأعمال العباد ، فهو أفضل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) الدخان : ٤.

(٢) في البحار : ٢٥ / ١٧٥ ح ١ : «الإمام لا يعزب عنه شيء».

(٣) راجع أمالي المفيد : ١٩٦ مجلس ٢٣ وتفسير القمّي : ١ / ٢٧٧.

٢١٣

فصل

[عرض الأعمال على آل محمد عليهم‌السلام] (١)

المؤمن من الشيعة منهم من يرى أن الأعمال تعرض على النبي والولي ، ومنهم من لا يرى ذلك ، ومنهم من يرى أنّها تعرض على الولي دون النبي ، وتلك خاصة خصّ الله بها وليّه ، ومنهم من يرى أنه يشهدها ويعلمها ، وهذا مقام التحقيق لا مقام التقليد ، فنقول للمعتقد : الأعمال تعرض على النبي والولي ، ثم ترفع إلى حضرة الرب العلي ، ومع عرضها فإن كان الإمام لا يعلمها إلّا بعد العرض ؛ فما الفرق بين الإمام والمأموم؟ بل يكون في الرعية من هو أعلم منه ، فأين الإمامة التي تعريفها أنّها رياسة عامة؟ وأين عمومها إذن؟

وإن كان يعلمها قبل العرض فما الفائدة في عرض ما يعلمه؟ وكذا القول في رفع الأعمال إلى حضرة الربوبية ، فإن كان الرب لا يعلمها إلّا إذا رفعت إليه ، كان العبد أعلم من الربّ وهو محال ، لأن الرب سبحانه عالم بأعمال عباده ، ومحيط بها وحافظ لها وقيوم عليها ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ، ولا في السماء ، فما الفائدة إذا في عرض ما الله ورسوله ووليّه أعلم به؟

والجواب عنه : أن الفائدة في عرضها على الله أن كثرة الأعوان تدلّ على عظمة السلطان.

__________________

(١) عن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام قال لمن سأله أن يدعو له : «أولست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة» (أصول الكافي : ١ / ٢١٩ عرض الأعمال على النبي ح ٤).

وعن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : «تعرض الأعمال على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل صباح».

وفي رواية : «(اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) قال عليه‌السلام : هم الأئمة» (أصول الكافي : ١ / ٢١٩ عرض الأعمال على النبي ح ٢ ـ ١).

وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي ذر أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«عرضت علي أعمال أمتي ـ حسنها وسيئها ـ فوجدت محاسن أعمالهم» (الأدب المفرد : ٨٠ ح ٢٣١ باب إماطة الأذى).

وأخرج الحارث والبزار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حياتي خير لكم تحدثون ونحدث لكم وموتي خير لكم تعرض علي أعمالكم» (المطالب العالية : ٤ / ٢٢ ح ٣٨٥٣).

٢١٤

وأما الفائدة في عرضها على الولي ، فإن ذلك على سبيل الطاعة والتعظيم ، لأنه ما من أمر ينزل من السماء ويصعد من الأرض إلّا ويعرض على الولي لتعلم الملائكة أن لله حجّة في أمره ، وأنه مطاع الأمر ، وأن أهل السّموات والأرض متعبّدون (١) بخدمته وحبّه وطاعته ، وسبحان من استعبد أهل السّموات والأرض بولاية محمد وآل محمد عليهم‌السلام.

يشهد بذلك ما رواه محمد بن سنان عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : إن لنا مع كل ولي أذن سامعة ، وعين ناظرة ، ولسان ناطق (٢).

يؤيّد ذلك ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ما من مؤمن يموت إلّا ويحضره محمد وعلي فإذا رآهما استبشر (٣).

وهذا عند أهل التحقيق من أصل العقائد ، لأن المؤمن إذا مات رأى حق اليقين ووصل إلى الله وحق اليقين ، لأنهم أمر الله الذي يحضره المؤمن عند احتضاره ، فيحول بين الشيطان وبينه ، فيموت على الفطرة ، وإذا مات على الفطرة دخل الجنة.

اعترض جاهل فقال : إذا كانوا يحضرون المؤمن عند موته فإذا مات ألف مؤمن في لحظة واحدة فكيف السبيل؟

قلت له : فيجب الاعتقاد والاعتراف بحضورهم عند كل واحد واحد منهم لصدق وعدهم لشيعتهم وإعانته عند كربة الموت وتفريج همّه ، وطرد الشيطان عنه ، والوصية لملك الموت فيه ، فلا يلتفت إلى الوهم ؛ لضعف العقل السخيف والفهم ويقول : وكيف يحضر الجسم الواحد في الزمن الواحد في أمكنة متعدّدة (٤)؟ وإذا اعترضك الشيطان فردّه

__________________

(١) خ ل : مستعبدون.

(٢) البحار : ٤٧ / ٩٥ ح ١٠٨ و : ٢٦ / ٢٦٩ ح ٦ والحديث طويل.

(٣) سوف نفصّل ذلك عمّا قريب.

(٤) الصحيح إمكان حضورهم عليهم‌السلام في آن واحد عند أكثر من ميت وفي أكثر من مكان :

جوز ابن العربي رؤية النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجسمه وروحه وبمثاله الآن. (الحاوي للفتاوى : ٢ / ٤٥٠).

وقال تاج الدين السبكي لمن سأله عن رؤية القطب في أكثر من مكان : الرجل الكبير (القطب) يملأ الكون. وأنشد بعضهم :

كالشمس في كبد السماء وضوؤها

يغشى البلاد مشارقا ومغاربا

(الحاوي للفتاوي : ٢ / ٤٥٤).

وصرح السيوطي بإمكان رؤية الأنبياء يقظة. (الرسائل العشرة : ١٨ ، وشرح الشمائل المحمدية : ٢ /

٢١٥

__________________

٢٤).

وقال في الذخائر المحمدية : إن رؤيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة. (الذخائر المحمدية : ١٤٦).

وأجاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال له في آن واحد من أقطار متباعدة مع أن رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله حق :

بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سراج ونور الشمس في هذا العالم ، مثال نوره في العوالم كلها ، وكما أن الشمس يراها من في المشرق والمغرب في ساعة واحدة وبصفات مختلفة ، فكذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولله در القائل :

كالبدر من اي النواحي جئته

يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا

(المواهب اللدنية : ٢ / ٢٩٧ خصائص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله).

هذا ، وتواتر حديث : «من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل مكاني ـ لا يستطيع أن يتمثل بي ـ لا يتكون في صورتي ـ لا يتشبه بي» (المواهب اللدنية : ٢ / ٢٩٣ إلى ٣٠١ ذكر خصائصه وذكر جملة من المصادر).

وفي لفظ : «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» (المعجم الكبير : ١٩ / ٢٩٧ ح ٦٦٠ منه).

وقال العلماء في معناه : هو في الدنيا قطعا ولو عند الموت لمن وفق لذلك. (الذخائر المحمدية :

١٤٧).

ومعلوم أنه يتفق رؤية أكثر من شخص للنبي الأعظم في وقت واحد.

وروى الإمام الرضا عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي» (كشف الغمة : ٣ / ١٢٠ فضائل الرضا ، والأنوار النعمانية : ٤ / ٥٤).

وقال القاضي أبو بكر ابن العربي : رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال ، فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض ، ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة ، وإدراك الصفات إدراك المثال. (المواهب اللدنية : ٢ / ٢٩٤ خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإرشاد الساري : ١٤ / ٥٠٢ كتاب التعبير باب من رأى النبي في المنام).

وقال القسطلاني : فإن قلت : كثيرا ما يرى على خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين ، والجسم الواحد لا يكون إلّا في مكان واحد؟

أجيب : بأنه في صفاته لا في ذاته ، فتكون ذاته عليه الصلاة والسلام مرئية ، وصفاته متخيلة غير مرئية ، فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة ، فلا يكون المرئي مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها ، وإنما يشترط كونه موجودا. (إرشاد الساري : ١٤ / ٥٠٣ كتاب التعبير باب من رأى النبي في المنام).

ومن حال كثير من العلماء وقصصهم يعلم إمكان رؤية النبي وأهل بيته ، وكما ذكر ذلك في محله.

(راجع المواهب اللدنية : ٢ / ٢٩٧ ـ ٣٠١ ، وينابيع المودة : ٢ / ٥٥١ ـ ٥٥٤ ، وكشف الغمة : ١ /

٢١٦

بقوله سبحانه : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (١).

فصل

[الإمام مع الخلق لا يغيب عنهم]

وإذا كانوا عالمين بأوليائهم فهم عالمون بأعدائهم من غير شك ؛ لدلالة الأعلى على الأدنى ، لأن الولي على الكل يجب أن يكون عالما بالكل ، وإلّا لكان رقيبا على البعض دون البعض ، والغرض عموم رياسته ، فالواجب عموم علمه وإحاطته ، وإلّا لم يكن رئيسا مطلقا ، وهو رئيس مطلق ، هذا خلف.

وقد ورد عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إنّ لله اثني عشر ألف عالم ، كل عالم أكبر من السّموات والأرض ، وأنا الحجّة عليهم (٢).

ولا يكون الحجّة حجّة على قوم إلّا من يعلمهم ويشهدهم ، وإلّا لم يكن حجة ، وهو حجّة ، فهو عالم برعيته ، لأنه عين الله الناظرة في عباده ، وعين الله مطّلعة على سائر العباد ، فهو في العالم كالشمس لأنّه نور الحق في الخلق ، وشعاعه مطلّ على سائر العالم ، وهو

__________________

٢٣٩ ـ ٣٨٣ ، وإلزام الناصب : / ٣٤٠ إلى ٤٢٧ ، ودلائل الإمامة : ٢٧٣ إلى ٢٨٨ و ٢٩٤ إلى ٣٢٠ معاجز المهدي ومن رآه ، وإعلام الورى : ٣٩٦ ـ ٤٢٥ ، وإرشاد الساري : ١٤ / ٥٠٢ ٥٠٤ كتاب التعبير ، باب من رأى النبي في المنام).

قال الشيخ المرسي : لو حجب عني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين.

(المواهب اللدنية : ٢ / ٣٠٠ خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وبذلك يتضح إمكان رؤية آل محمد : الآن وفي كل مكان ، وتقدم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، بلحمهم وجسدهم وروحهم.

وهذا يدلّ أن الإمام حاضر عند كل انسان لا يغيب عنه شخص من الأشخاص ، لذا ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء ووجه يلي أهل الأرض ، فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم ولا يحجبون عنه» (بحار الأنوار : ٢٧ / ٩ ح ٢١ ومشارق أنوار اليقين : ١٣٩).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق» (كمال الدين : ١ / ٢٢١ باب ٢٢ ح ٥ ، والإنسان الكامل : ٨٧).

(١) الكهف : ٤٥.

(٢) تقدّم الحديث.

٢١٧

حجاب الله في عالم الصور ، وإليه الإشارة ، يقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «علي لا يحجبه عن الله حجاب» (١) ، وهو السرّ والحجاب ، فالإمام نور إلهي وسرّ ربّاني ، وتعلّقه بهذا الجسد عارضي ، دليله قوله سبحانه : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) (٢) ، ونور الرب هو الإمام الذي بنوره تشرق الظلم ، ويستضيء سائر العالم.

يعضد هذا التفسير ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «إنّ للشمس وجهين ، وجه يلي أهل السماء ، ووجه يلي أهل الأرض» (٣) ، فالإمام مع الخلق كلّهم لا يغيب عنهم ، ولا يحجبون عنه ، بل هم محجوبون عنه ، وليس هو بمحجوب ، لأن الدنيا عند الإمام كالدرهم في يد الإنسان يقلّبه كيف شاء.

وعنهم عليهم‌السلام : إن الله يعطي وليّه عمودا من نور بينه وبينه يرى فيه سائر أعمال العباد (٤) كما يرى الإنسان شخصه في المرآة من غير شك ، كما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنه قال : دخل عليه رجل من خراسان فكلّمه بكلام الطير فأجابه موسى بمثل كلامه ، فلما خرج الرجل قلت : يا سيدي ما سمعت مثل هذا الكلام ، فقال عليه‌السلام : هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كلام أهل الصين كلّه هكذا ، ثم قال : أتعجب من هذا؟ قلت : نعم ، قال : سأريك ما هو أعجب ، إن الإمام يعلم منطق الطير ومنطق كل ذي روح ، لا يخفى على الإمام شيء (٥).

فهم صلوات الله عليهم يشهدون الخلق عند الحياة وعند الممات ، لأنّهم العالمون عن الله بكل موجود ومفقود ، كما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه مرّ على قبر فقال : أف ، أف ؛ فقيل : يا رسول الله ماذا؟ فقال : إنّ صاحب هذا القبر سئل عني فأمسك ، فأففت عليه.

ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لكميل بن زياد وقد مرّ معه في جبانة فأسرع السير فقال له : «خفّف الوطء يا كميل فإنّهم يسمعون صرير نعالك».

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٠ / ٩٦ ح ١١٦.

(٢) الكهف : ٤٥.

(٣) بحار الأنوار : ٢٧ / ٩ ح ٢١ وفيه يضيء لأهل السماء ـ الأرض.

(٤) الهداية الكبرى : ٢٤٠ باب ٧ ، وبصائر الدرجات : ٤٣٥ ح ٣ باب أنه يرى ما بين المشرق والمغرب.

(٥) الأنوار النعمانية : ١ / ٣٣ ، والهداية الكبرى : ١٧١ باب ٢.

٢١٨

وعلم الإمام بهم ليس ظنّ ولا تقليد ، ولكنّه علم إحاطة وتحقيق (١) ، فعلم الله محيط بالمعلومات ، وعلمهم نافذ في طبقات السّموات ، لأنّ السّموات والأرض وما فيها خزانة الله خلقها لأجلهم وسلّمها إليهم ، فعندهم مفاتيح علمها وغيبها لا بل هم مفاتيح الغيب ، وإليه الإشارة بقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) (٢) لأن الولي المطلق هو الذي بيده مفاتيح الولاية ، بل هو مفتاح الولاية ، يؤيّد ذلك قوله سبحانه : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٣) ، وهذا صريح ، قال الصادق عليه‌السلام : صراط الله علي جعله الله أمينه على علم ما في السّموات وما في الأرض ، فهو أميره على الخلائق وأمينه على الحقائق (٤).

يؤيّد هذا التفسير قول أمير المؤمنين في خطبة التطنجية : «لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم ممّن كانوا وأين كانوا ، وأين هم الآن وما صاروا إليه؟ فكم من آكل منكم لحم أخيه وشارب برأس أبيه ، وهو يشتاقه ويرتجيه ، هيهات إذا كشف المستور وحصل ما في الصدور ، وأيم الله لقد كررتم كرات وكم بين كرة وكرة من آية وآيات».

ويجب من عموم علمه عموم إحاطته لأنه وجه الله الذي منه يؤتى ، والسبب المتصل بين الأرض إلى السماء ، وإليه الإشارة بقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٥) ، والشمس المنيرة التي لا يحتجب من ضوئها شيء أبدا ، والاسم الجاري الساري في كلّ شيء ، فهم إلى طرف الموجودات مولاها ومعناها ، وإلى حضرة الأحدية عبدها ووليها وخليفتها وعليها ، وإليه الإشارة بقوله : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (٦) ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «الرصد التعلّم من النبي» (٧) ، وقوله : من بين يديه ، يعني يلقي في قلبه الإلهام ليعلم النبي أنه قد بلغ رسالات ربّه ، وأحاط علي بما لديه من العلم

__________________

(١) فصّلناه في كتابنا علم آل محمد.

(٢) الأنعام : ٥٩.

(٣) الشورى : ٥٣.

(٤) بحار الأنوار : ٢٥ / ١٧٠ ح ٣٨ بتفاوت.

(٥) البقرة : ١١٥.

(٦) الجن : ٢٧ ـ ٢٨.

(٧) بحار الأنوار : ٣٦ / ٨٩ / ح ١٦ وفيه التعليم والحديث طويل.

٢١٩

(وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (١) ، قال : علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، حتى معرفة كل إنسان باسمه ونسبه ، ومن يموت موتا ومن يقتل قتلا ، ومن هو من أهل الجنة ، ومن هو من أهل النار (٢).

وإليه الإشارة بقوله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) ، وإنما رآه بمرآة (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٤) فرآه بعين الولاية ، لأن النبي قد يحجب عن الملكوت لأن الوحي منه يأتيه ، والولي لا يحجب عن الملكوت ، فالنبي ينتظر الغيب والولي ينظر في الغيب ، وليس الولي بهذا المقام أعلى من النبي بل هو في سائر المقام تلميذه ، وتحت مرتبته ، وفيضه عنه ، وعلمه عنه ، وقد يكون للولي ما ليس للنبي وإن كان من اتباعه ، كقصة الخضر وموسى ، وهذا إشارة إلى الإلهام ، وإليه الإشارة بقوله : ولقد نظرت في ملكوت السّموات والأرض فما غاب عنّي شيء ممّا كان قبلي ، ولا شيء ممّا هو كائن بعدي (٥).

فذلك حق لأن الولي المطلق لو جهل شيئا لجهل من ولاه ، ولو علم شيئا دون شيء لا تصف بالعلم تارة وبالجهل أخرى ، فكان جاهلا وهو عالم ، هذا خلف ؛ ولو جهل لارتفعت الولاية والعصمة ، ما اتخذ الله وليا جاهلا قط ، فيلزم لو جهل عدم الولي أو كونه جاهلا وهو محال ، فيكون عالما بالكل وهو المطلوب ، وإليه الإشارة بقول ابن أبي الحديد في مدحه له عليه‌السلام :

وذو المعجزات الباهرات أقلها

الظهور على مستودعات السرائر

دليله قوله الحق : «أنا الهادي بالولاية» (٦) فهو عليه‌السلام غيب الله المكتوب ، وعلمه المنصوب ، وخزانة غيبه في سماواته وأرضه ، ووارث أسرار نبيّه ، فهو الإمام المبين الذي كلّفه الله هداية الخلق ، وقضى فيه كل شيء فكل علم نزل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو عنده ومنه

__________________

(١) الجن : ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) وفيه رواية عن الإمام الباقر ، راجع البحار : ٢٦ / ١٤ ح ٢.

(٣) الأنعام : ٧٥.

(٤) البقرة : ١٢٤.

(٥) بحار الأنوار : ٢٦ / ١٤١ ح ١٤ عن أمالي المفيد بتفاوت.

(٦) بحار الأنوار : ٢٦ / ١٥٣ ح ٤١ بتفاوت.

٢٢٠