مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

للذرية الزكية ، والبراءة من أعدائهم ، وإن العرش لم يستقر حتى كتب عليه بالنور : لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله» (١).

يؤيّد هذا ما رواه الخوارزمي في مناقبه مرفوعا إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتاني جبرائيل فنشر جناحيه ، وإذا على أحدهما مكتوب لا إله إلّا الله محمد النبي ، وعلى الآخر لا إله إلّا الله علي الولي ، وعلى أبواب الجنّة مكتوب لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، علي أخوه وولي الله ، أخذت ولايتهم على الذر قبل خلق السّموات والأرض بألفي عام» (٢).

ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن الخطيب مرفوعا إلى ابن عباس قال : «على أبواب الجنة مكتوب لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، فاطمة خيرة الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، على محبّهم رحمة الله ، وعلى مبغضهم لعنة الله» (٣).

ومن ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الهاشمي عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى ابن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين ، عن محمد خاتم النبيين ، عن جبرائيل الأمين ، عن ميكائيل ، عن إسرافيل ، عن الله جل جلاله ، أنه قال جل من قائل : أنا الله الذي لا إله إلّا أنا خلقت الخلق بقدرتي ، واخترت منهم أنبياء ، واصطفيت من الكل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعلته حبيبا ورضيّا ، وبعثته إلى خلقي ، واصطفيت له عليا وأيّدته به ، وجعلته أميني وأميري ، وخليفتي على خلقي ، ووليّي على عبادي ، يبيّن لهم كتابي ويشرفهم بحكمي وجعلته العلم الهادي من الضلالة ، وبابي الذي أوتى منه ، وبيتي الذي من دخله كان آمنا من ناري ، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة ، ووجهي الذي من توجه إليه لم أصرف عنه وجهي ، وحجّتي على أهل سمائي وأرضي ، وعلى جميع من سمّيته (٤) من خلقي ، فلا أقبل عمل عامل إلّا مع الإقرار بولايته مع نبوّة أحمد رسولي ، ويدي المبسوطة في عبادي ، فبعزّتي حلفت ،

__________________

(١) ـ الحديث بطوله : في بحار الأنوار : ٢٥ / ١٧٠ ح ٣٨.

(٢) ـ بحار الأنوار : ٢٧ / ٢ ح ٢ بتفاوت.

(٣) ـ تاريخ بغداد : ١ / ٢٧٤ رقم ٨٨ ومناقب الخوارزمي : ٣٠٢ ح ٢٩٧ ومقتل الخوارزمي : ١ / ٤ ـ ١٠٨ والطرائف : ١ / ٩٩ بتحقيقنا.

(٤) ـ في الأصل المطبوع من بينهن.

١٨١

وبجلالي أقسمت ، أنه لا يتولّى عليا عبد من عبادي إلّا زحزحته عن النار ، وأدخلته جنّتي ، ولا يعدل عن ولايته إلّا من أبغضته ، وأدخلته ناري (١).

فمن زحزح عن النار ـ التي هي بغض علي ـ وأدخل الجنة ـ التي هي حب علي ـ فقد فاز ـ لأن النجاة من النار ودخول الجنة بالإيمان ، والدرجات بالصالحات ، من الأعمال ، والإسلام والإيمان حب علي ، لأن كمال الإسلام الإيمان ، فلا إسلام حقيقي إلّا بالإيمان ، بل الإسلام الحقيقي هو الإيمان ، والإيمان الحقيقي حبّ علي ، وإليه الإشارة بقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٢) وذلك أن الإسلام هو الإيمان ، والإيمان تمامه وكماله حبّ علي ، فلا إيمان إلّا بحبّ علي ، ولا نجاة إلّا به.

دليله أيضا قوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٣) ، والمراد بهذا الإسلام حب علي ، لأنه أين كان الإيمان كان الإسلام من غير عكس ، فكل مؤمن مسلم ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٤) فالإسلام بغير الإيمان لا ينجي ، لأن الأعمال بخواتيمها ، وخواتيم الشرائع الإسلام ، وخواتيم الإسلام الإيمان ، وختم الإيمان حبّ علي ، فحب علي خاتمة كل دين. وعين كل يقين ، فحبّه الجنّة ، وبغضه النار ، دليل ذلك ما رواه صاحب الأمالي : أن جبرائيل نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول لك : خلقت السّموات السبع وما فيهنّ ، والأرضين السبع وما بينهن ، وما خلقت موضعا أكرم من الركن والمقام ، ولو أن عبدا عبدني هناك منذ خلقت السّموات والأرض ، ثم لقيني يوم القيامة جاحدا لعلي حقّا لأكببته في سقر (٥).

ويؤيّد ذلك ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : وليلة أسري بي إلى السماء وجدت اسم علي مقرونا باسمي في أربع مواضع : الأوّل وجدت على صخرة بيت المقدس مكتوبا لا إله إلّا أنا وحدي ، محمد رسولي من خلقي أيّدته بوزيره ونصرته به. قال : فقلت : يا جبريل ومن وزيري؟ فقال : علي

__________________

(١) ـ بحار الأنوار : ٣٨ / ٩٨ ح ١٧ عن الأمالي بتفاوت.

(٢) ـ آل عمران : ١٩.

(٣) ـ آل عمران : ٨٥.

(٤) ـ الحجرات : ١٤.

(٥) ـ بحار الأنوار : ٢٧ / ١٦٧ ح ٣ وفيه لولاية علي.

١٨٢

ابن أبي طالب. قال : لما أتيت إلى العرش وانتهيت إليه ؛ وجدت مكتوبا على قائمة لا إله إلّا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيّدته بوزيره ونصرته. فقلت : يا جبريل ومن وزيري؟ فقال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : ولما انتهيت إلى سدرة المنتهى ؛ وجدت عليها مكتوبا أنا الله لا إله إلّا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيّدته بوزيره علي ونصرته به (١) ؛ ألا وإنه قد سبق في علمي أنه مبتلى ومبتلى به ؛ ممّا أتى قد نحلته ونحلته أربعة أشياء لا يفصح عن عقدها (٢).

فصل

وأنا أقول على فقري وإملاقي : يا آل الرسول صلوات الله عليكم وسلامه منّا إليكم كلّما تسنمت بعود الورق ، وسجمت دموع الورق ، لقد آتاكم الله من فضله ما لم يؤت أحدا من خلقه ؛ طأطأ كل شريف رأسه لشرفكم وذل كل عزيز لعزّتكم ؛ وأشرقت الأرض بنوركم ؛ وفاز العارفون بحبّكم ؛ فأنتم ينابيع النعم ؛ ومصابيح الظلم ؛ ومفاتيح الكرم ؛ ولولا كم لم يخرج الوجود من العدم ؛ فقلت :

يا آل طه أنتم أملي

وعليكم في البعث متكلي

بولاكم وبطيب مدحكم

أرجو الرضا والعفو عن زللي

رجب المحدث عبد عبدكم

الحافظ البرسي لم يزل

لا يخشى في بعثه زللا

إذ سيداه محمد وعلي

وإن الذي خرج إلى الملائكة من معرفتكم قليل من كثير ؛ وكيف يعرفكم الناس مع جلالة قدركم؟ وأنتم النور الذي بهر عيون العقول ؛ فحنأت (٣) عن إدراك مجدكم ؛ وكيف تدرك عين الشمس أبصار الخفافيش؟ ومعذور من أنكر غامض سرّكم ؛ وخفي أمركم ؛ وباهر نوركم ؛ لأنّ الناظر في صحائف مجدكم ، حجبهم النظر إلى الظاهر عن إدراك السرائر ؛ وصدّهم عن المعنى الشاهد زخرف الشاهد ، فطوفوا بقصور المغنى ؛ قصورا عن المعنى فكانوا كما قيل :

__________________

(١) ـ بحار الأنوار : ٢٧ / ٢ ح ٥.

(٢) ـ بحار الأنوار : ٣٦ / ١٥٩ ح ١٤٠.

(٣) ـ كذا بالأصل.

١٨٣

خلعنا هيا كلنا فجادوا بلثمها

فشاقهم المغنى وفاتهم المعنى

فهم كالمنجّم الذي نقل أحكام النجوم من علماء الهيئة ؛ فهو يحدث الناس بما وعاه ولا يعقل ما رواه ؛ ممّا يحجبه النور عنه وواراه ؛ وصغره البعد في عينه وزواه ؛ فإذا قيل له : إن الأرض بأسرها غائصة تحت الماء ؛ وإن الخارج منها إنّما هو ربع الكرة ؛ ومنه المدن والقرى والأقاليم السبعة ؛ والبراري والقفار ؛ والبحار والجبال ، والخراب والعمران ؛ وإنّما المسكون جزء من هذا الربع ؛ وذلك لأن مشرق الشمس الذي هو تحت سهيل ، فإنّ الشمس لا تغيب هناك إلّا ستة أشهر والباقي نهار ، وليس هناك نبات ولا حيوان ؛ إلّا صخور محترقة من حرّ الشمس. وبعد الشمس عن الأرض هناك مائة ألف فرسخ وأربعة وعشرون ألف فرسخ ، وكذا ما يقابله تحت الجدي من ناحية المغرب فإنّ الزمان هناك ليل إلّا قليل ترى فيه الشمس عند صعودها في برج السرطان ، وهناك لا حيوان ولا نبات وتلك هي بلاد الظلمات ، وهذه الأرض أكثرها جبال وصخور وغيرهما ، ثم إن الأرض بأسرها ؛ من مشرقها إلى مغربها ؛ بر وبحر في ضمن فلك القمر كالخردلة في البر ؛ وإن رقعة القمر بقدر مجموع الأرض ٣٣ مرة ؛ ولذلك يراه الإنسان أين كان ، وإن فلك القمر بالنسبة إلى فلك الشمس الذي هو تحت السلطنة كالقطرة في البحر ، ثم إن السّموات والأرض كالحلقة في الفلاة ، وإن الفرس الجواد إذا كان في أشد الطرد فإنّه بقدر ما يضع حافره على الأرض ويرفعه تسير الشمس خمسمائة فرسخ (١) وإن قرص الشمس بقدر مجموع الأرض ٦٦ مرّة (٢) وإن الأرض مساحة سطحها في علم الهيئة عشرون ألف ألف وثلثمائة ألف وستون ألف فرسخ ، وإن كل فرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع ، وإن النجم الذي يقال له السهى ، وهو نجم خفي لا يرى إلّا في الظلمة لذوي الأبصار السليمة ، وإنه مع خفائه بقدر مجموع الأرض ١٨ مرّة (٣) فهناك يدهش عند سماع هذا وينكره ، ومن جهل شيئا أنكره ، وكذا من عرف أن نسبة السّموات والأرض والأفلاك في عظمة صاحب : لولاك ، نسبة لا شيء إلى شيء لأن الجزء لا

__________________

(١) ـ يقول علم الفلك الحديث ان الشمس ثابتة ، والأرض هي المتحرّكة.

(٢) ـ قدّرت سعة الشمس في العلوم الجديدة بأكثر من الأرض مقدار مليون وثلثمائة ألف مرّة.

(٣) ـ في القسم ١٥ مرة وليس في علم الفلك الآن أحكام ثابتة عن مقدار السهى حتى نضع المقارنة.

١٨٤

يقاوم الكل وإن كثر ، وإن الخلق لا يقابل الخالق وإن عظم ، فإن خالقه أعظم ، فالنبي الذي به ولأجله تكوّنت الأشياء ، ولولاه لما كانت ؛ هو أعظم منها ، ونسبة الشمس والقمر والنجوم إلى جلال جمال أوّل ما خلق الله نوري لليل إلى الفجر ، ونسبة السهى إلى نور البدر ، لأنه هو النور الذي قهر غواسق العدم ، وأضاءت به حنادس الظلم ، وإن ما في أيدي الناس من أسرار آل محمد عليهم‌السلام ومعرفتهم بالنسبة إلى ما خفي عليهم ، كنسبة الله خلقه وكيف ينسب الخلق إلى خالقهم والمماليك إلى مالكهم ، وكيف يعرفون عظمة ربّهم ، أو يقدرونها على قدر عقولهم.

فصل

وعظمة الولي من عظمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعظمة النبي من عظمة الربّ العلي ، لأنّه آية الله وآية النبي ، وكلمة الله وكلمة النبي ، ونائب وحي الله ووارث النبي ، وبه يتم توحيد الله ودين النبي ، وبيان هذا الشأن العظيم أنه أخذ له العهد على الأرواح ، وجعل له الولاية المطلقة من الأزل ، ولم تزل.

١٨٥

فصل

[عالم آل محمد عليهم‌السلام قبل الخلق]

وإليه الإشارة بقوله : «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين ولا ماء ولا طين (١) ، وكان علي وليا قبل خلق الخلائق أجمعين» (٢) ، ثم إنه أرسل الرسل إليه يدعون ، وبمحمد يبشّرون ويؤمنون ، وبولاية علي يتمسّكون ، وبه إلى الله في الملمات يدعون ، ثم بعث نبيّه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فختم به الموجود كما افتتح به الوجود ، ثم خصّه بجوامع الكلم ، وأنزل إليه السبع المثاني وهي سورة الحمد وجعل لوليه فيها مقاما رفيعا فقال : اهدنا الصراط المستقيم ، والصراط المستقيم حبّ علي ، فأمره أن يسأل لأمّته الهداية الى حب علي ثم إنه أمر نبيه أيضا بالتمسك به والحث عليه فقال : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) وهو حب علي ، ثم أكّد ذلك فقال : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (٤) أي ادع الناس إلى حبّ علي لأنه يدعو إلى الإيمان أولا ، ثم إلى الفرائض لأنّ الأصل مقدّم على الفرع ، فلا فرائض إلّا بالإيمان ، ولا إيمان إلّا بحب علي ، لأن التوحيد لا ينعقد إلّا به ، فما لم يكن الإيمان فلا فرائض ، وما لم يكن حبّ علي فلا إيمان ، فالإيمان والفرائض حبّ علي ، فالأصل والفرع حب علي وولايته.

__________________

(١) ـ كنز العمال : ١٢ / ٤٢٦ ح ٣٥٥٨ ، وفضائل ابن شاذان : ٣٤ ، والفردوس : ٣ / ٢٨٤ ح ٤٨٥٤.

(٢) ـ لفظ الحديث : «كنت وليا وآدم بين الماء والطين» المراقبات : ٢٥٩ وجامع الأسرار : ٣٨٢ ح ٧٦٣.

(٣) ـ الزخرف : ٤٣.

(٤) ـ هود : ١١٢.

١٨٦

فصل

[السؤال عن علي عليه‌السلام في القبر]

ثم أخبر نبيّه أن حب علي هو المسؤول عنه في القبر فقال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (١) يعني يوم القيامة وفي القبر ، ثم رفع نبيّه إلى المقام الأسنى ، وهو قاب قوسين أو أدنى ، فخاطبه بلسان علي ثم أمره أن يرفع عليا فوق كتفه ، فقال في خطبة الفخار : أنا الواقف على التطنجين ، قال المفسّرون : هي الدنيا والآخرة ، أي أنا العالم بهما ، وقيل : المشرق والمغرب ، وأنا المحيط بعلم ما بينهما ، وقيل : الجنة والنار ، وأنا القاسم لهما ، وقيل : لا بل هو إشارة إلى ارتفاعه فوق كتف رفيع المقام ، وليس فوق هذا المقام إلّا ذات الملك العلام ، فأي رفعة فوق هذا؟ وأي مقام أعلى من هذا؟ لأن الله رفع رسوله حتى جاوز عالم الأفلاك والأملاك ، وعالم الملك والملكوت ، وعالم الجبروت ، ووصل إلى عالم اللاهوت ١٨ ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ارتقى على كتفي صاحب هذا المقام.

فصل

ثم أمر رسوله بالتبليغ البليغ فيه ، فقال : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ثم أكّد ذاك بالتهديد ، فقال : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٢) لكنّك بلّغت فأنت فاعل ، فقد بلّغ فما معناه؟ هذا رمز يدلّ على شرف الولاية وأنه لا قبول للأعمال ، قلت أم جلت إلّا بها ، والمراد أنهم إن لم يؤمنوا بعلي فلا ينفعهم إسلامهم ، فكأن الرسالة لم تبلغهم ، فعلم أنه من لم يؤمن بعلي لم يؤمن بمحمد ، ومن لم يؤمن بمحمد لم يؤمن بالله ، لأنّ الإقرار بالولاية يستلزم الإقرار بالنبوّة ، والإقرار بالنبوّة يستلزم الإقرار بالتوحيد ، وكذا إنكار الولاية يستلزم إنكار النبوّة ، وإنكار التوحيد ؛ لتوقف الاثنين على الولاية.

__________________

(١) ـ الزخرف : ٤٤.

(٢) ـ المائدة : ٦٧.

١٨٧

فصل

[علي عليه‌السلام الكتاب المبين]

ثم أنزل بعد الحمد ألم ، فجعل سرّ الأولين والآخرين بتضمنه في هذه الأحرف الثلاثة ، وفي كل حرف منها الاسم الأعظم ، وفيها معاني الاسم الأعظم ثم قال : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (١) يعني علي لا شك فيه ، لأن القرآن هو الكتاب الصامت ، والولي هو الكتاب الناطق ، فأينما كان الكتاب الناطق كان الكتاب الصامت!! فالولي هو الكتاب ، وعلي هو الولي ، فعلي هو الكتاب المبين ، والصراط المستقيم ، فهو الكتاب وأمّ الكتاب ، وفصل الخطاب وعنده علم الكتاب ، وويل للمنكر والمرتاب.

فصل

[لو لا علي عليه‌السلام ما خلقت الجنّة]

ثم رفع مقامه بين التبيين والمرسلين ، إلّا من هو منه في المقام مقام الألف المعطوف من اللام ، فقال : لو لا علي ما خلقت جنّتي (٢) ، ولم يقل لو لا النبيّين ما خلقت جنّتي ، وذلك لأن النبيين جاؤوا بالشرائع ، والشرائع فرع من الدين ، والتوحيد أصله ، والفرع مبني على الأصل ، والأصل مبني على الولاية ، فالأصل والفرع من الدين مبني على حبّ علي ، فحب علي هو الدين والإيمان ، والجنة تنال بالايمان ، والإيمان ينال بحب علي ، فلو لا حب علي لم يكن الإيمان ، فلم تكن الجنة ، فلو لا علي لم يخلق الله جنّته ، فاعلم أن الإيمان بالنبيين والمرسلين لا ينفع إلّا بحب علي.

__________________

(١) ـ البقرة : ١.

(٢) ـ وفي لفظ : «لو لا نا لم يخلق الله الجنة ولا النار ولا الأنبياء» البحار : ٢٦ / ٣٤٩ ح ٢٣.

١٨٨

فصل

أحبط أعمال العباد بغير حبّه ، فقال : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١) وكيف يشرك بالرحمن من هو الأمان والإيمان؟ ومعناه أنك إن ساويت بعلي أحدا من أمّتك فجعلت له في الخلق مثلا وشبها ، فلا عمل لك ، والخطاب له ، والمراد أمّته.

فصل

ثم جعل دخول الجنّة بحبّه وطاعته ، ودخول النار ببغضه ومعصيته ، فقال : لأدخلن الجنّة من أطاعه وإن عصاني ، ولأدخلنّ النار من عصاه وإن أطاعني ، وهذا رواه صاحب الكشاف وقد مرّ ذكره.

__________________

(١) ـ الزمر : ٦٥.

١٨٩

فصل

[علي عليه‌السلام ألف الغيب]

ثم أبان من فضل وليّه ما لم ينكره إلّا من تولّى وكفر ، فقال : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١) والكلمة الكبرى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وتحتها باقي الكلمات ، ثم أبان من فضله ما هو أعلى وأكبر لمن تولّى واستكبر ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) (٢) والكلمات كلّها حروف الكلمة الكبرى وداخلة تحتها ، وفائضة عنها ، وهي فائضة عن ذات الحق كفيض سائر الأعداد عن الواحد ، ومبدأ الكلمات عن الألف ، الذي أبداه عالم الغيب وأبدى عنه سائر الحروف والكلم ، فهو عليه‌السلام ألف الغيب ، وعين الوحدانية الكبرى ، التي أعرض عنها من أدبر وتولّى.

فصل

[علي عليه‌السلام السرّ في فواتح السور]

ثم إنّ الله سبحانه أوحى إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن عليا معه في السرّ المودع في فواتح السور ، والاسم الأكبر الأعظم الموحى إلى الرسل من السرّ ، والسرّ المكتوب على وجه الشمس والقمر والماء والحجر ، وأنه ذات الذوات ، والذات في الذات ، في الذات للذات ، لأن أحدية الباري متنزّهة عن الأسماء والصفات ، متعالية عن النعوت والإشارات ، وأنه هو الاسم الذي إليه ترجع الحروف والعبارات ، والكلمة المتضرّع بها إلى الله سائر البريات ، وأنه الغيب المخزون بين اللام والفاء والواو والهاء والكاف والنون ، فقال سبحانه : (حم عسق

__________________

(١) ـ الكهف : ١٠٩.

(٢) ـ لقمان : ٢٧.

١٩٠

كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) (١). قال الصادق : (عسق) فيها سرّ علي فجعل اسمه الأعظم مرموزا في فواتح القرآن وتحفه.

وإليه الإشارة بقوله : لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب (٢) ، ومعناه لا صلاة للعبد ولا صلة له بالرب ، إلّا بحب علي ومعرفته.

فصل

ثم إن الملك العظيم الرحمن الرحيم ، صرّح بهذا الشرف العظيم ، في الذكر الحكيم ، فقال في السورة التي هي قلب القرآن «يس» ، وإنّما سمّيت قلب القرآن لأنّ باطنها محتو على سرّ محمد وعلي لمن عرف ، فقال سبحانه : (يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣) ، والياء والسين اسم محمد ظاهرا وباطنا ، والياء والسين اسم علي لأن الولاية باطن النبوّة ، فقال : يا حبيبي يا محمد بحق اسمك واسم علي الظاهر والباطن في الياء والسين ، إنّك رسولي بالحق إلى سائر الخلق.

فصل

[الإمام محيط بالكون]

ثمّ صرّح لنا أن الولي هو المحيط بكل شيء ، فهو محيط بالعالم ، والله من ورائهم محيط ، فقال : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٤) فأخبرنا سبحانه أن جميع ما جرى به قلمه وخطه في اللوح المحفوظ في الغيب ، أحصيناه في إمام مبين ، وهو اللوح الحفيظ لما في الأرض والسماء ، هو الإمام المبين وهو علي ، فاللوح المحفوظ علي ، وهو أعلى وأفضل من اللوح بوجوده.

__________________

(١) ـ الشورى : ٣.

(٢) ـ صحيح مسلم : ١ / ٢٩٥ ح ٥٩٥ كتاب الصلاة.

(٣) ـ يس : ١.

(٤) ـ يس : ١٢.

١٩١

(الأوّل) لأنّ اللوح وعاء الخط وظرف السطور ، والإمام محيط بالسطور وأسرار السطور ، فهو أفضل من اللوح.

(الثاني) لأنّ اللوح المحفوظ بوزن مفعول ، والإمام المبين بوزن فعيل ، وهو بمعنى فاعل ، فهو عالم بأسرار اللوح ، واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول.

(الثالث) أن الولي المطلق ولايته شاملة للكل ، ومحيط بالكل واللوح داخل فيها فهو دال على اللوح المحفوظ وعال عليه ، وعالم بما فيه ، ثم قال : علي صراط مستقيم ، أي يدل ويهدي إلى الصراط المستقيم الممتحن به سائر الخلائق ، وهو حب علي لأنه هو الغاية والنهاية.

فصل

ثم ذكر في آخر هذه السورة آية فيها اسم الله الأعظم فقال : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (١) ، ويخرج من تكسير حروفها السبيل (٢) السلام أنا هو محمد ، ثم دلّنا بعد هذا المقام العظيم لنبيّه على مقام آخر فيها لوليه ، وأنه هو كلمة الجبّار ومنبع سائر الأسرار ، ومطلع فائض الأنوار ، فقال : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) ، فجعل وجوده الوجود (٤) ، والموجود بين حرفي الأمر وهما الكاف والنون ، وباطن الكاف والنون الاسم المخزون المكنون ، لمن عرف هذا السرّ المصون ، وإليه الإشارة بقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (٥) والخلق والأمر (٦) هما العين والميم (٧) ، وذلك لأن ظهور الأفعال عن الصفات ، وتجلّي الصفات عن الذات.

__________________

(١) ـ يس : ٥٨.

(٢) ـ كذا في المطبوع السابق ، ولكنه جاء في النسخة الخطية «السيد».

(٣) ـ يس : ٨٢.

(٤) ـ فى النسخة الخطية وجود الجود.

(٥) ـ الأعراف : ٥٤.

(٦) ـ في المخطوطة «في الأمر».

(٧) ـ في المخطوطة «العين في الميم».

١٩٢

فصل [علي عليه‌السلام الفاتح]

ثم إن الله سبحانه بشّر رسوله بأنه قد رحم أمّته ، وغفر ذنوبهم ، وأكمل دينهم ، وأتم نعمته عليه ونصره ، وجعل هذه المقامات والكرامات والعطيات كلّها لعلي عليه‌السلام ، ونزل ذلك في آية واحدة من كتابه سبحانه وتعالى على رسوله وعلى أمّته ، فقال : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) والفتح كان على يد علي ، ثم قال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (٢) قال ابن عباس : إن الله حمل رسوله ذنوب من أحبّ عليا من الأوّلين والآخرين إكراما لعلي فيحملها عنهم إكراما لهم فغفرها الله إكراما لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) يعني بعلي ، وإليه الإشارة والبشارة بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (٣) ثم قال : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٤) وكان النصر في سائر المواطن بأسد الله الغالب وسيفه الضارب ، (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً). فهذا علي به الفتح ، وعلى يده النصر وبحبّه الغفران والآمال ، فكمال الدين وتمام النعمة على المؤمن ، وبه الهداية وهو الغاية والنهاية. وقلت :

يا من به نصر الإله نبيه

والفتح كان بعضده وبعضبه

وكمال دين محمد بولائه

وتمام نعمته عليه بحبّه

وذنوب شيعته غدا مغفورة

يرضى الإله لأنّهم من حزبه

والحافظ البرسي يا مولى الورى

يرجوك في يوم المعاد لذنبه

__________________

(١) الفتح : ١.

(٢) الفتح : ٢.

(٣) المائدة : ٣.

(٤) الفتح : ٣.

١٩٣

فصل

[وصف علي عليه‌السلام بالقرآن أعظم من وصف الأنبياء عليهم‌السلام]

ثم إن الله سبحانه وصف أنبياءه بأوصاف ووصف ولي نبيّه بأعلى منها ، فقال في نوح : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (١) وقال في علي : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (٢) وأين الشاكر من مشكور السعي؟ ووصف إبراهيم بالوفاء فقال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣) وقال في علي : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (٤) ووصف سليمان بالملك فقال : (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٥) وقال في علي : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (٦) ووصف أيوب بالصبر فقال : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) (٧) وقال في علي : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) (٨) ووصف عيسى بالصلاة والزكاة فقال : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) (٩) وقال في علي : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) (١٠) ووصف محمّدا بالعزّة فقال : (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ) (١١) وقال في علي : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى) (١٢) وقال في علي :

__________________

(١) الاسراء : ٣.

(٢) الاسراء : ١٩.

(٣) النجم : ٣٧.

(٤) الإنسان : ٧.

(٥) النساء : ٥٤.

(٦) الإنسان : ٢٠.

(٧) ص : ٤٤.

(٨) الإنسان : ١٢.

(٩) مريم : ٣١.

(١٠) الإنسان : ٢٦.

(١١) المنافقون : ٨.

(١٢) الليل : ١٩.

١٩٤

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (١) ووصف الملائكة بالخوف فقال : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٢)

وقال في علي : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا) (٣) ووصف ذاته المقدّسة بصفات الألوهية فقال : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (٤) وقال في علي : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) (٥).

فصل

ثم أمر الله نبيّه الكريم ورسوله الرؤوف الرحيم أن يرفعه إلى المقام الكريم في التشريف والتعظيم ، فقال بعد أن بالغ في بليغ المقام : لو كانت السّموات صحفا والبحار مددا والغياض أقلاما لنفد المداد وفنيت الصحف وعجز الثقلان أن يكتبوا معشار فضل علي وهذا مرّ ذكره لكن أعدناه ثانيا للحاجة إليه.

فصل

ثم دلّ على فضله النبي كما دلّ عليه الربّ العلي فبيّن أن الأعمال لا توزن يوم المآل ولا يبلغ بها الآمال إلّا بحبّه فقال : لو أن أحدكم صف قدميه بين الركن والمقام ، يعبد الله ألف عام ، ثم ألف عام صائما نهاره قائما ليله فكان له ملء الأرض ذهبا فأنفقه وعباد الله ملكا فأعتقهم ثم قتل بعد هذا الخير الكثير شهيدا بين الصفا والمروة ثم لقي الله يوم القيامة جاحدا لعلي حقّه لم يقبل الله له صرفا ولا عدلا وزج بأعماله في النار. هذا أيضا مرّ ذكره.

فصل

ثم دلّ سبحانه على قرب عارفيه ومواليه من حضرة ربّه وباريه فقال في حقّه الرسول بعد

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) النحل : ٥٠.

(٣) الإنسان : ١٠.

(٤) الأنعام : ١٤.

(٥) الإنسان : ٨.

١٩٥

بليغ المقال : «لو لم أخف لقلت» (١) وهذا كمال المبالغة وغاية الشرف لأن ما لم يقل أعظم ممّا قيل ، وهذا مثل قوله سبحانه بعد أن مدح الجنّة ووصفها فقال : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) (٢) وإذا كانت الجنّة وهي دارة علي لا توصف فكيف يوصف صاحب الدار.

فصل

[مقام علي عليه‌السلام عند الملائكة]

وأما مقامه عند الملائكة المقرّبين ورفعته عند جبرائيل الأمين فإنه كان يلزم ركاب علي إذا ركب ويسير معه إذا سار ويقف إذا وقف ويكبّر إذا كبّر ويحمل إذا حمل لأنه خادمه والخادم يدين بطاعة المخدوم ، وهو مع رفعته في السماء وحمله للرسائل إلى الأنبياء فإنّه فقير علي لأنه وقف ببابه سائلا فقال : (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) فهذا سرّ الأسرار ، وآية الجبّار ، الذي ينفد عند عدّ فضائله رمل القفار ، وورق الأشجار ، فلأنه إمام الأبرار ، ووالد السادة الأطهار ، وقسيم الجنة والنار ، سنان النبوّة ، ولسان الفتوة ، وختام الرسالة ، وبيان المقالة ، ينبوع الحكمة ، وباب الرحمة ، يعسوب الدين والحكمة ، ومعدن الطهارة والعصمة ، مريخ الانتقام وكيوان الرفعة والاحتشام ، كاسر قناة الغواية ، وسفينة النجاة والهداية وصاحب الخلافة والألوية من البداية إلى النهاية ، وقلت :

يا أيّها المولى الولي ومن له

الشرف العلي ومن به أنا واثق

لا أبتغي مولى سواك ولا أرى

إلّا ولاك ومن عداك فطالق

عين العلى بك أشرقت أنوارها

صار الصفى من بحر جودك دافق

يا كاف الكل يا هاء الهدى

يا فلك نوح واللواء الخافق

من قبل خلق الخلق أنت رضيتني

عبدا وما أنا عبد سوء آبق

ونقلت من صلب إلى صلب على

صدق الولا وأنا المحبّ الصادق

__________________

(١) وهو قوله : «لو لا أني أخاف ... لقلت اليوم فيك مقالة لا تمرّ بملأ إلّا أخذوا تراب نعليك» البحار : ٢٥ / ٢٨٤ ح ٣٥.

(٢) السجدة : ١٧.

١٩٦

كم يعذلوني في هواك تعنفا

أنا عاشق أنا عاشق أنا عاشق

هذه شمة من أزهار أسرار إمام الأبرار ورشحة من نثار زخار منبع الأسرار ، فقل للمنكر والمرتاب والكفور : موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور.

فصل

[آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله صفات الديان]

آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين صفات الديان ، وصفوة المنان ، وخاصّة الرحمن وسفراء الغيب والقرآن ، فليس للخلق على عظمتهم نسبة ، ولا بعظيم جلالهم معرفة ، فمعرفة العامة لعلي أنّه فارس الفرسان ، وقاتل الشجعان ومبيد الأقران ، ومعرفة الخاصة له أفضل من فلان وفلان ؛ فلذلك إذا سمعوا أسراره أنكروا واستكبروا وذهلوا وجهلوا وهم في جهلهم غير ملومين لأنهم لو عرفوا أن محمدا هو الواحد المطلق ، وأن عليا هو العلي المطلق ، فلهما الولاية على الكل ، والسبق على الكل ، والتصرّف في الكل ، لأنّهما العلّة في وجود الكل ، فلهما السيادة على الكل ، لكنّهما خاصة إله الكل ، وعبدي إله الكل ، ومختاري معبود الكل ، سبحانه إله الكل ، ورب الكل ، وفالق الكل ، ومفضل محمد وعلي على الكل ، والمستعبد بولايتهم وطاعتهم الكل ، فمن عرف من مراتب الإبداع والاختراع هذا القدر وتدبّره ، عرف مقام آل محمد وخبره ، وإليه الإشارة بقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (١) لكنّهم ردّوه وما دروه فأنكروه وما عرفوه ومن جاءهم بشيء منه كذّبوه وكفروه ، وهذا شأن أهل الدعوى أنهم لم يزالوا منغمسين في حياض التكذيب ، فيا وارد السراب دون الشراب ، والقانع بالعذاب دون الغلل العذاب ، هذا إبليس (لعنه الله) عدوّ الرحمن وهو يجري مجرى الدم في كل إنسان ويعلم خواطر القلوب ووساوس الصدور وهو اجس النفوس ، وإليه الإشارة بقوله : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (٢) ، وهو محيط بالخلائق مع جنوده ، وهذه صفات الربوبية ، فانظر إلى

__________________

(١) النساء : ٨٣.

(٢) الزخرف : ١٨.

١٩٧

المنافق والمرتاب والمعدم إذا ذكرت خواص إبليس قال مسلم ، وإذا ذكرت خواص علي أنكر واستعظم وطعن في قائلها وتوهّم ، وهو أحق بالطعن وأوصم ، ثم يزعم بعد ذاك أنه آمن وأسلم ، كلا والليل إذا أظلم والصبح إذا تبسّم ، فيا مدّعي اليقين وهو منغمس في شكّه ، ويا طالب الخلاص وهو مرتبط في شرك شكّه ، هذا جامسب (١) الحكيم ، قد وضع كتاب القرانات ، وتحدث فيه على المغيبات ، وذكر فيه ظهور الأنبياء إلى آخر الدهر ، وتاريخ هذا الكتاب ٢٢١١ سنة ، وقد ذكر فيه الملوك والدول من أيام زرادشت إلى انقراض العالم ، وتحدث فيه على الغيب فما أخطأ.

__________________

(١) في المطبوع : جامبست.

١٩٨

فصل

[التنبؤ بعلي عليه‌السلام]

وهذا سطيح أيضا قد نطق بالمغيبات ، وذكر ملّة الإسلام قبل وصولها ، وتحدّث على حوادث الدهر إلى أيام المهدي ، والكتابان مشهوران (١) يتداولهما الملوك والعلماء ، ولم يخطئوا في النقل عنهم ، فأما أخبار سطيح فقد رواها كعب بن الحارث ، قال : إنّ ذا يزن الملك أرسل إلى سطيح لأمر لا شك فيه ، فلما قدم عليه أراد أن يجرب علمه قبل حكمه ، فخبأ له دينارا تحت قدمه ، ثم أذن له فدخل ، فقال له الملك : ما خبأت لك يا سطيح؟

فقال سطيح : حلفت بالبيت والحرم ، والحجر الأصم ، والليل إذا أظلم ، والصبح إذا تبسّم ، وكل فصيح وأبكم ، لقد خبأت لي دينارا بين النعل والقدم.

فقال الملك : من أين علمك هذا يا سطيح؟

فقال : من قبل أخ لي جنّي ينزل معي إذا نزلت ، فقال الملك : أخبرني عمّا يكون في الدهر؟

فقال سطيح : إذا غارت الأخيار ، وغازت الأشرار ، وكذب بالأقدار ، وحمل المال بالأوقار ، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار ، وقطعت الأرحام ، وظهر الطعام لمستحلي الحرام في حرمة الإسلام ، واختلفت الكلمة ، وغفرت الذمة ، وقلّت الحرمة ، وذلك منذ طلوع الكوكب ، الذي يفزع العرب ، وله شبه الذنب ، فهناك تنقطع الأمطار ، ثم تقبل البرر «الهزبرخ» بالرايات الصفر على البرازين البتر ، حتى ينزلو مصر ، فيخرج رجل من ولد صخر ، فيبدل الرايات السود بالحمر ، فيبيح المحرمات ، ويترك النساء بالثدايا معلقات ، وهو صاحب نهب الكوفة ، قرب بيضاء الساق مكشوفة ، على الطريق مردوفة ، بها الخيل محفوفة ، قد قتل زوجها ، وكثر عجزها ، واستحلّ فرجها ، فعندها يظهر ابن النبي المهدي ، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب

__________________

(١) في المخطوط والمطبوع والكتابين مشهورين.

١٩٩

وابن عمّه في الحرم ، وظهر الخفي فوافق الوسمي ، فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه المظلوم ، فيطاهي الروم ويقتل القروم ، فعندها ينكسف كسوف إذا جاء الزخوف وصفّ الصفوف ، ثم يخرج ملك من اليمن من صنعاء وعدن أبيض كالشطن ، اسمه حسين أو حسن ، فيذهب بخروجه غمر الفتن ، فهناك يظهر مباركا زكيا ، وهاديا مهديا ، وسيّدا علويّا ، فيفرح الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم ، فيكشف بنوره الظلماء ، ويظهر به الحق بعد الخفاء ، ويفرّق الأموال في الناس بالسواء ، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء ، ويعيش الناس في البشر والهناء ، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذى ، ويرد الحق على أهل القرى ، ويكثر في الناس الضيافة والقرى ، ويرفع بعدله الغواية والعمى ، كأنه كان غبارا فانجلى ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، والأيام حبّا ، وهو علم الساعة بلا امتراء (١).

هذا كلام سطيح وإخباره بالغيب في قديم الأيام ، وليس بنبي ولا إمام ، وأنت بالمرصاد في تكذيب أحاديث علي وعترته ، تكذّب ما نطقوا به من الغيب. أليس هو القائل وقوله الحقّ : «إن بين جنبي علما جمّا آه لو أجد له حملة» (٢) ، وقوله : لقد احتويت على مكنون علم لو بحت به لا ضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي (٣).

وليس ذلك علم الشرع ، وإلّا لوجب عليه تعليمه ، ولكن غامض الأسرار التي قال فيها : «ولكن أخاف أن تكفروا بي وبرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤) وقد روى أبو عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : إنّ أحبّ أصحابي إليّ أمهرهم وأفقههم في الحديث ، وإن أسوأهم وأكثرهم عنتا ومقتا الذي إذا سمع الحديث يروى إلينا وينقل عنّا لم يعقله عقله ، ولم يقبله قلبه ، واشمأز من سماعه وكفر به وجحده ، وكفّر من رواه ودان به ، فصار بذلك كافرا بنا وخارجا عن ولايتنا (٥).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥١ / ١٦٢ بتفاوت بسيط.

(٢) تقدّم الحديث.

(٣) في المصادر في الطوي البعيدة ، نهج البلاغة : ٥٢ الخطبة ٥ ، والتذكرة الحمدونية : ١ / ٩١ ح ١٦٦.

(٤) نهج البلاغة : ٢٥٠ الخطبة ١٧٥.

(٥) بحار الأنوار : ٢٥ / ٣٦٥ ح ٦.

٢٠٠