مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

فصل

[آيات في فضل الآل]

فهؤلاء سادة الأنام ، ومصابيح الظلام ، وكعبة الاعتصام ، وذروة الاحتشام ، وأمناء الملك العلّام ، الذين اصطفاهم للخطاب وارتضاهم لميراث الحكمة والكتاب ، وإليهم الإشارة بقوله : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (١) فهم السادة الأبرار والمصطفون الأخيار ، الذين وصفهم بالطهارة والعصمة في الكتاب ، فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) فهم الذرية الفاخرة ، وسادة الدنيا والآخرة ، الذين دلّ الكتاب على أنهم الهداة المهديون.

فقال في وصفهم ربّ العالمين : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٣) ثم شهد الرسول بأنهم سفينة النجاة ، فقال وقوله الحق صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخّر عنها ضلّ وغوى» (٤).

ثم أبان لنا ربّ الأرباب ، أنهم ورثة الحكمة والكتاب ، فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) (٥) ، فهم الذرية الطاهرون ، والعترة المعصومون.

ثم صرح الذكر المبين أنهم ولاة يوم الدين ، فقال : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٦) ، فإليهم الإياب ، وعليهم الحساب ، يوم الحساب أنتم أعلم أن حكم يوم المعاد

__________________

(١) فاطر : ٣٢.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) الأنعام : ٩٠.

(٤) بحار الأنوار : ٢٣ / ١٢٤ ، والطرائف : ١ / ١٩٩ بتحقيقنا.

(٥) الحديد : ٢٦.

(٦) الغاشية : ٢٥ ـ ٢٦.

١٦١

إليهم ، وحساب العباد عليهم ، فقال : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (١) فالشهيد محمد النبي ، والسائق علي الولي.

ثم أبان للخلق عددهم ونبأهم فقال : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (٢) فمنهم السادة النقباء ، والأسباط الأوصياء ، ثم خصّهم بالشرف والفخار ، وحصر فيهم العلم والافتخار ، فقال : (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ) (٣) فآباؤهم محمد وعلي وفاطمة ، وإخوانهم الحسن والحسين ، وذرياتهم الخلفاء من عترة الحسين إلى آخر الدهر عليهم‌السلام.

ثم قال : (وَاجْتَبَيْناهُمْ) فتعيّن شرفهم وفضلهم ووجب اتباعهم ، وانقطاع الكل عن مرتبتهم ونزول الخلائق عن رفعتهم.

ثم أكد ذلك وعيّنه ، وأشاع فضلهم وبيّنه ، وأن الإمامة لا تكون إلّا في المعصوم البريء من السيئات ، المطهّر من الخطيئات ، وأخرج من سواهم من دائرة الشرف والحكم ، وأشار إلى ذلك رمزا ، فقال لنوح إذ قال : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) * (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٤) ، ثم بيّن لعباده أنّهم أئمة الحق ، وأوضح لهم أنهم الداعون إلى الصدق ، وأن من تبع غيرهم ضلّ وزلّ ، فقال : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٥).

ثم توعّد عباده وخوّفهم أن يتبعوا غيرهم فقال : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٦) والصدق فيهم ومنهم.

ثم أمر عباده أن يدينوه بطاعتهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (٧) فجعل ولايتهم السلم والسلام.

__________________

(١) ق : ٢١.

(٢) المائدة : ١٢.

(٣) الأنعام : ٨٧.

(٤) هود : ٤٦.

(٥) يونس : ٣٥.

(٦) التوبة : ١١٩.

(٧) البقرة : ٢٠٨.

١٦٢

ثم بيّن في الآيات أنه اصطفاهم على الخلائق ، وارتضاهم للغيب والحقائق ، فقال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (١).

ثم بيّن أنهم بنعم الله محسودون ، وعلى فضل الله محسودون ، فقال : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٢) ، والملك العظيم هو وجوب الطاعة على سائر العباد.

ثم أوجب على العباد طاعتهم بالتصريح فقال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣) يعني الذين قرنهم بالكتاب والرسول.

ثم نهى عباده أن يتفرّقوا عنهم فقال : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) (٤) يعني عليا وعترته ، ثم قال : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) ـ يعني غيرهم ـ (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ـ يعني : فتضل بكم عن سبيله ، فجعلهم سبيله الهادي إليه ، وطريقه الدال عليه.

ثم جعل من مال عنهم تابعا للشيطان ، ومخالفا للقرآن ، وعاصيا للرحمن ، فقال : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وهي طريق أعدائهم.

ثم بيّن أن من اتبعهم نال الرضوان ، وفاز بالغفران ، ونجا من النيران ، فقال : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) (٥) ومعناه قفوا عند علي وعترته فهم الباب وتمسكوا بحبّهم تأمنوا العذاب ، واتبعوا سبيله فهو أم الكتاب ؛ واعلموا أن عليا مولاكم يغفر لكم خطاياكم.

ثم عدد مقاماتهم في الكتاب وعينهم بالخص والنص ؛ فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٦) يعني رهطك المصطفين.

ثم خصّهم بجوامع الشرف والتفضيل والتطهير ، وهذا هو الفضل الذي لا يجحد والشرف

__________________

(١) آل عمران : ٣٣.

(٢) النساء : ٥٤.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) الأنعام : ١٥٣.

(٥) النساء : ١٥٤.

(٦) الشعراء : ٢١٤.

١٦٣

الذي لا يحد.

ثم باهل بهم الأعداء فجعلهم على إثبات دينه شهداء ، وعلى نبوّة نبيّه أدلاء ، فقال : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١).

ثم خصهم بالمقام الخاص ، وجعلهم قنطرة الإخلاص ، ونهج النجاة والخلاص ، فقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٢) وهي خصوصية خص بها الربّ الكريم فاطمة الزهراء بضعة الرؤوف الرحيم.

ثم أوجب محبتهم على العباد ، وجعلهم الذخر يوم المعاد ، فقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣).

ثم ذكر قصة نوح فقال : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (٤) وقال ، عن هود : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) (٥) ، وقال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فلم يفرض لهم المودة إلّا لأنّهم نجوم الولاية ، وشموس الهداية ، لم يرتدوا عن الملة ، ولم يفارقوا الكتاب والسنّة ، لا بل هم الكتاب والسنّة ، ففرض مودّتهم وطاعتهم ، فمن أخذ بها وجب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحبّه لأنّه على منهاجه ، ومن لم يأخذ بها وجب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبغضه لأنّه ضيّع فريضة أمره الله والرسول بها ، لا بل هي رأس الفرض وتمام كل سنّة وفرض ، فأي شرف يعلو على هذا المقام.

ثم إنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا وأمره أن لا يسأل أمّته أجرا على نبوّته ، بل الله يوفيه أجره ، وفرض لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مودة أهل بيته عليهم‌السلام ، وأمره أن يبيّن فضلهم ، فمن أخذ بهذه المودّة فهو مؤمن مخلص قد وجبت له الجنة ، نم قرن ذكر محمد بذكره في الصلاة وقرن ذكرهم بذكر نبيّه فدلّ بذاك على رفيع شرفهم ، وبيّن ذلك الصادق الأمين من قوله : اللهمّ صلّ على محمد

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) الاسراء : ٢٦.

(٣) الشورى : ٢٣.

(٤) الشعراء : ١٠٩.

(٥) هود : ٥١.

١٦٤

وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد (١).

ثم أعطاهم من الفضل ما لم يبلغ أحد وصفه ، فسلم على الأكثر من رسله ، ولم يسلم على آلهم فقال : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٢) ، ثم قال : (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) (٣) ثم قال : (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) (٤) ، ثم سلام على آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (٥) وياسين اسم محمد بلغة طي.

ثم أنزل في كتابه ما فرق به بين الآل والأمة ، فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (٦) فرضي لهم ما رضي لنفسه فبدأ لنفسه ثم بدأ برسوله ، ثم بآل رسوله فجعل لنفسه نصيبا ، ثم للنبي ثم لآله ثم قرّبهم إليه في الطاعة فقال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٧) فبدأ بنفسه ثم برسوله المخبر عنه ثم بالهداة المهتدين من عترته ، ثم أكّد لهم الولاية فقال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٨) فجعل ولايتهم مع ولاية الرسول مقرونة بولايته ، كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقرونا لسهمه في القسمة «الغنيمة خ ل» فسبحان من فضلهم ورفعهم واختارهم على العالمين.

فصل

ثم إنه لمّا أنزلت آية الصدقة نزّه نفسه ورسوله ونزّه أهل بيته ، فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٩) إلى آخر الآية ، فلم يجعل له سهما ولا لرسوله ولا لآل رسوله من الصدقات ، لأنّها من أوساخ الناس ، وهم مطهّرون من الأدناس ، فهم الآل الذين أمر الله

__________________

(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري : ح ٣٣٦٩.

(٢) الصافات : ٧٩.

(٣) الصافات : ١٠٩.

(٤) الصافات : ١٢٠.

(٥) التوبة : ٦٠.

(٦) الأنفال : ٤١.

(٧) النساء : ٥٩.

(٨) المائدة : ٥٥.

(٩) التوبة : ٦٠.

١٦٥

بطاعتهم ، وذوو القربى الذين أمر الله بمودّتهم وصلتهم ، والموالي الذين أمر الله بطاعتهم ومعرفتهم ، وأهل الذكر الذين أمر الله بمسألتهم ، ورضي لهم ما رضي لنفسه ، ونزّههم عمّا نزّه عنه نفسه ، وجعلهم آل الرسول خاصة فقال : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولاً) (١).

فهم آل الرسول وعترته ، وأهل الله وخاصّته ، ومعهد التنزيل ونهايته ، وسدنة الوحي وخزنته ، كما قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام في مشاجرته : أيحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان حيّا أن يتزوّج إليك؟ فقال المأمون : نعم.

فقال الرضا عليه‌السلام : لكنّه لا يحل له أن يتزوّج إليّ.

فقال المأمون : نعم. لأنك ابنه.

وهذا هو الفرق ما بين الآل والأصحاب ، لأن المأمون كان يزعم أن آل رسول الله أصحابه وامّته ، فأبان لهم الإمام من آله وأصحابه.

ثم إنه قال له سبحانه في لفظ التخصيص : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) (٢) فلفظ الأمر هنا خاص ومعناه عام ، لأنه أدخله مع الامّة لعموم الأمر ، وميّزهم عنهم بتخصيص لفظ الأهل ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزول هذه الآية يأتي إلى باب الزهراء عليها‌السلام فيقف هناك ويقول : الصلاة يا آل محمّد الصلاة (٣).

فصل (٤)

[سر العدد ١٢]

وهم ١٢ سبطا خير أسباط المرسلين ، و ١٢ نقيبا ، و ١٢ نجما ، بعدد البروج والشهور

__________________

(١) الطلاق : ١٠.

(٢) طه : ١٣٢.

(٣) راجع مسند أحمد : ٣ / ٢٥٩ ط. م و : ٤ / ١٥٧ ط. ب وسنن الترمذي : ٥ / ٣٥٢ ح ٣٢٠٦ وتفسير الطبري : ٢٢ / ٥ مورد الآية.

(٤) جاء في هذا الفصل كثير من علم الحروف. ومن الجدير بالذكر أن الحروف المدغمة المشدّدة تعدّ واحدة والهمزة المدرجة والألف المكتوبة والملفوظة كذلك تعد واحدة ... والألف علامة للإعراب ولغير الإعراب سواء وقعت في الفاء أو العين أو اللام.

١٦٦

والأيام ، ولكل إمام منهم ١٢ حرفا وهو سر من أسرار الولاية ، وهو هذا مع التوحيد والنبوّة لا إله إلّا الله ١٢ ، محمد رسول الله ١٢ ، النبي المصطفى ١٢ ، الصادق الأمين ١٢ ، علي باب الهدى ١٢ ، أمين الله حقا ١٢ ، أمير المؤمنين ١٢ ، فاطمة أمة الله ١٢ ، البتول الزهراء ١٢ ، وارثة النبيين ١٢ ، الإمام الثاني ١٢ ، الحسن المجتبى ١٢ ، وارث المرسلين ١٢ ، الإمام الثالث ١٢ ، الحسين بن علي ١٢ ، خليفة النبيين ١٢ ، والد الوصيين ١٢ ، الإمام الرابع ١٢ ، الإمام السجّاد ١٢ ، علي بن الحسين ١٢ ، وارث المرسلين ١٢ ، سيّد العابدين ١٢ ، الإمام الخامس ١٢ ، الإمام الباقر ١٢ ، هو محمد بن علي ١٢ ، إمام المؤمنين ١٢ ، الإمام السادس ١٢ ، الإمام الصادق ١٢ ، هو جعفر بن محمد ١٢ ، قدوة الصدّيقين ١٢ ، الإمام السابع ١٢ ، الإمام الكاظم ١٢ ، هو موسى بن جعفر ١٢ ، خليفة النبيين ١٢ ، الإمام الثامن ١٢ ، الإمام الرضا ١٢ ، هو علي بن موسى ١٢ ، إمام المؤمنين ١٢ ، الإمام التاسع ١٢ ، الإمام الجواد ١٢ ، هو محمد بن علي ١٢ ، نجل المنتجبين ١٢ ، الإمام العاشر ١٢ ، الإمام الهادي ١٢ ، هو علي بن محمد ١٢ ، وارث الوصيين ١٢ ، الإمام الحادي عشر ١٢ ، الحسن العسكري ١٢ ، إمام المسلمين ١٢ ، الإمام الخاتم ١٢ ، القائم المهدي ١٢ ، محمد بن الحسن ١٢ ، خليفة النبيين ١٢ ، خاتم الوصيين ١٢ ، هؤلاء العترة ١٢ ، الغرّ الميامين ١٢ ، بنو عبد المطلب ١٢ ، سادة أهل الجنة ١٢ ، محبّهم مؤمن تقي ١٢ ، في الجنة مخلد ١٢ ، عدوّهم كافر شقي ١٢ ، في النار مؤبد ١٢ ، اللهمّ صلّ عليهم ١٢ ، بأفضل صلواتك ١٢ ، يا ربّ العالمين.

فصل

وبرهان ما هديت إليه ، ودللت عليه ، أن جميع الكلام إذا ردّ إلى الأصل كان منحصرا في أربع كلمات ، وهي : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، والإسلام والإيمان مبني عليهما وكل واحدة من هذه الكلمات ١٢ حرفا ، والإمام رأس الإيمان ، وزمام الإسلام ، فوجب أن يكون القائم بها ١٢ إماما ، وإليه الإشارة بقوله : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) (١) وقوله :

__________________

(١) المائدة : ١٢.

١٦٧

(وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) فجعل القائم بأمره من النقباء الأولياء ، والأسباط الأوصياء ١٢ ، الثالث أنه جعل مصالح العالم في الليل والنهار في ١٢ ساعة ، الرابع أنه جعل الشمس والقمر آيتين يهتدى بهما وسيرهما بالتقدير والتسخير في ١٢ برجا ، وجعل شهور السنة ١٢ شهرا ، فانظر بعين الاعتبار إلى هذه الأدوار كيف جرت بهذه الأسرار ، بمشيئة الجبار ، ذلك تقدير العزيز العليم.

١٦٨

فصل

[مناقب الصنديد الكرّار]

فيا أيّها المرتاب في فضل داحي الباب ، وأمّ الكتاب وحاكم يوم الحساب ، وولي النعيم والعذاب ، يوم المآب ، مؤمن حبّه النجاة من العقاب ، وعترته الهداة الأنجاب ، أليس هو الرجل الذي قال في حقّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله الحق : «من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في رفعته ، وإلى ميكائيل في درجته ، وإلى جبرائيل في عظمته ، وإلى آدم في هيبته ، وإلى نوح في صبره ودعوته ، وإلى إبراهيم في سخاوته ، وإلى موسى في شجاعته ، وإلى عيسى في سماحته ، وإلى محمد في شرفه ومنزلته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١) وهذا تنبيه ورمز إلى أنه الاسم الأعظم الجاري في كل شيء ، وأنّ كل شيء خلقه الله فإنّ عليا مولاه ومعناه ، لأنه كلمة واجب الوجود والنور المشرق في سماء الوجود والموجود ، فكل رفعة وإن علت ـ فانّها تحت درجته ، وكل منزلة ـ وإن علت ـ فهي دون منزلته ، وتحت رتبته ، فمقام الأملاك في صوامع الأفلاك ، دون منزلته وتحت رتبته ، ومقام ونور الكواكب والأقمار من إشراق شمس عظمته ، فهو العلي العظيم ، ولي العلي العظيم ، فهو عماد الأولياء ، ودعوة الأنبياء.

فرفعة إسرافيل ، وعظمة جبرائيل ، وهيبة آدم ، وكرم الخليل ، وشجاعة موسى وسماحة عيسى ، وحكمة داود ، وملك سليمان ، ذرّة من فخره وقطرة من بحره ، وكيف لا يكون كذلك؟ وهو العلّة في وجودهم ، وسرّ موجودهم ، فلولاه ما دار فلك ، ولا سبّح لله ملك ، فالنظر إليه عبادة ، والوقوف معه عبادة ، والموت على حبّه شهادة ، وموالانه سعادة ، وهو الذي قال في حقّه الرسول يوم خيبر : «لو لم أخف أن تقول أمّتي فيك ما قالت النصارى في

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي : ٢١٢ ح ٢٥٦ ، وأمالي الشجري : ١ / ١٣٣ وغرر البهاء الضوي : ٢٩٨ وروضة الواعظين : ١٢٨.

١٦٩

المسيح ابن مريم لقلت اليوم فيك حديثا» (١) فلو قال لدعوه ربّا ، لكنّهم دعوه ربا ، وما قال ، وذاك لعظيم الخصال ولما قال الرسول ما قال ، قال المنافقون : ما باله يرفع خساسة ابن عمّه يريد أن يجعله ربّا فكفروا فيه بمقالة الرسول ، والمنكر الآن لفضل ولي الرحمن لا فرق بينه وبين فلان وفلان.

فصل

وفي ذلك اليوم لمّا جاءت صفية إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت أحسن الناس وجها فرأى في وجهها شجة ، فقال : ما هذه وأنت ابنة الملوك؟ فقالت : إنّ عليا لمّا قدم الحصن هزّ الباب فاهتزّ الحصن ، وسقط من كان عليه من النظارة وارتجف بي السرير ، فسقطت لوجهي فشجّني جانب السرير ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا صفية إن عليا عظيم عند الله ، وإنه لما هزّ الباب اهتز الحصن واهتزّت السّموات السبع ، والأرضون السبع ، واهتز عرش الرحمن غضبا لعلي ، وفي ذلك اليوم لمّا سأله عمر فقال : يا أبا الحسن لقد اقتلعت منيعا ولك ثلاثة أيام خميصا ، فهل قلعتها بقوّة بشرية؟ فقال : ما قلعتها بقوّة بشرية ، ولكن قلعتها بقوّة إلهية ، ونفس بلقاء ربّها مطمئنة رضية (٢).

فصل

وفي ذلك اليوم لما شطر مرحب شطرين ، وألقاه مجندلا جاءه جبرائيل باسما متعجّبا فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : مم تعجّبك؟ فقال : إنّ الملائكة تنادي في صوامع وجوامع السّموات : «لا فتى إلّا علي ولا سيف إلّا ذو الفقار» ، وأما إعجابي فإنّي لما امرت أن أدمّر قوم لوط حملت مدائنهم وهي سبع مدائن من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا ، على ريشة من جناحي ، ورفعتها حتى سمع حملة العرش صياح ديكهم ، وبكاء أطفالهم ، ووقفت بها إلى الصبح أنتظر الأمر ولم أنتقل بها ، واليوم لما ضرب علي ضربته الهاشمية

__________________

(١) معجم الطبراني الكبير : ١ / ٣٢٠ ومناقب الكوفي : ٢ / ٦١٥.

(٢) أمالي الصدوق : ٤١٥ مجلس ٧٧ ح ١٠ ، والطرائف : ٥١٩.

١٧٠

وكنت أمرت أن أقبض فاضل سيفه حتى لا يشق الأرض فيصل الثور الحامل لها يشطره شطرين ، فتنقلب الأرض بأهلها فكان فاضل سيفه عليّ أثقل من مدائن لوط ، هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء!! (١).

أقول : استعظم الجاهل هذا الحديث ، فاضل سيف علي أثقل من مدائن لوط على يد جبرائيل هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء هو غلوّ.

فقلت : يا بعيد الفكرة وجامد الفطرة ، جبرائيل وميكائيل وإسرافيل خلق الله خلقوا من شعاع نور محمد وعلي ، ومحمد وعلي خلقا من جلال ذي الجلال ، فهم صفة الله وكلمة الله وأمر الله ، وخلق الله ، ولهذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو كانت البحار مدادا والغياض أقلاما ، والسّموات صحفا ، والجن والإنس كتّابا ، لنفد المداد وكلت الثقلان ، أن يكتبوا معشار عشر فضايل إمام يوم الغدير (٢) ، وكيف يكتبون وأنّى يهتدون؟

ولقد شهد لهذا الحديث النبوي الكتاب الإلهي من قوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (٣) ، وأكبر كلمات الله علي ، وإليه الإشارة بقوله صلوات الله عليه : «أنا كلمة الله الكبرى» (٤) فله الفضل الذي لا يعدّ ، والمناقب التي ليس لها حدّ ، ولقد أنصف الشافعي محمد بن إدريس إذ قيل له : ما تقول في علي؟ فقال : وماذا أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفا ، وأخفى أعداؤه فضائله حسدا ، وشاع له بين ذين ما ملأ الخافقين (٥) ، فأحببت أن أنظم هذا الحديث شعرا فقلت :

روى فضله الحساد من عظم شأنه

وأكبر فضل راح يرويه حاسد

محبّوه أخفوا فضله خيفة العدى

وأخفاه بعضا حاسد ومعاند

وشاعت له من بين ذين مناقب

تجل بأن تحصى وإن عدّ قاصد

إمام له في جبهة المجد أنجم

علت فعلت أن يدن هاتيك راصد

__________________

(١) مدينة المعاجز : ١ / ٤٢٦ ، والبحار : ٢١ / ٤٠.

(٢) بحار الأنوار : ٤٠ / ٧٣ ـ ٧٥ ، وتذكرة الخواص : ٢٣ ، والطرائف : ١ / ٢٠٨.

(٣) الكهف : ١٠٩.

(٤) روى الصدوق في الأمالي ١١ مجلس ٣ ، عن النبي : «علي كلمة الله العليا» وفي رواية : «الإمام كلمة الله» البحار ٢٥ / ١٦٩ وفي معاني الأخبار : «أنا كلمة الله التقوى».

(٥) كشف اليقين : ٤.

١٧١

لها فوق مرفوع السماك منابر

وفي عنق الجوزاء منها قلائد

مناقب إن جلت جلت كل كربة

وطابت فطابت من شذاها المشاهد

فتى تاه فيه الخلق طرّا فعابد

له ومقر بالولاء وجاحد

إمام مبين كل فضل له حوى

بمدحته التنزيل والذكر شاهد (١)

فكل مبالغ في فضله إلّا الغلو فهو معتذر ، وكل مطنب ومطرب في مدحه فهو مختصر ، وإلى هذا المعنى أشار العارف الخليعي رضى الله عنه فقال :

سارت بأنوار علمك السير

وحدثت عن جلالك السور

والواصفون المحدثون غلوا

وبالغوا في علاك واعتذروا

فصل

[عدم إدراك حقيقة علي عليه‌السلام]

وكيف لا يعتذرون وأنّى يبصرون ، وقد روى الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يجلس للناس في نجف الكوفة فقال يوما لمن حوله : من يرى ما أرى؟.

فقالوا : وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده؟

فقال : أرى بعيرا يحمل جنازة ، ورجلا يسوقه ورجلا يقوده ، وسيأتيكم بعد ثلاث ، فلمّا كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه ، والرجلان معه ، فسلّما على الجماعة ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد أن حيّاهم : من أنتم ومن أين أقبلتم وما هذه الجنازة ولماذا قدمتم؟.

فقالا : نحن من اليمن ، وأما الميّت فأبونا ، وإنه عند الموت أوصى إلينا ، فقال : إذا غسلتموني ، وكفنتموني ، وصلّيتم عليّ فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق ، وادفنوني بنجف الكوفة ، فقال لهما أمير المؤمنين : هل سألتماه لماذا؟ فقالا : أجل قد سألناه ، فقال : يدفن هناك رجل لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف لشفع ، فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : صدق ، أنا والله ذاك الرجل (٢).

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٦ / ٤٦٨.

(٢) بحار الأنوار : ٤١ / ٣٥٧ ح ٦٥ بتفاوت.

١٧٢

فصل

[ما عرف علي سوى النبيّ عليهما‌السلام]

وكيف يعرف الناس عليّا ويحيطون به خبرا وذلك باب قد سدّ النبي طريق الوصول إليه ، فقال وقوله الحق : «ما عرفك إلّا الله وأنا ، وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرف الله إلّا أنا وأنت» (١).

هذا حديث صحيح والناس مع صحّته يدعون معرفة الله ورسوله ، وصدق الحديث يوجب كذب دعواهم ، وصدق دعواهم يوجب كذب الحديث ، ولكن الحديث صادق ، فدعواهم في معرفة حقيقة الله ورسوله كاذبة ، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ، لأنّ حقيقة معرفة الله ومعرفة حقيقة الله غير معلومة للبشر ، وكذا معرفة حقيقة محمد وعلي عليهما‌السلام ، وإليه الإشارة بقوله : «ما عرف الله غير الله ، وما وحّد الله غير محمد رسول الله» (٢).

وكذا حقيقة محمد وعلي ما عرفها إلّا الله ، وهم وقليل من أوليائهم ، ممّن وصل إلى الدرجة العليا العاشرة من الإيمان. يدل على صحّة هذه الدعوى ، والشاهد ما ورد في كتاب البشائر : أن عمر دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده يوما وبين يديه أمير المؤمنين فقال عمر : فمالي سألته (٣) ... الله.

قلت : أصدقكم لهجة أبوذر ، فقال : هو كما قلت ، فقال عمر : فما لي سألته عنك فقال : هو في مسجده ، فقلت : ومن عنده؟

فقال : رجل لا أعرفه ، وهذا علي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صدق أبوذر يا عمر ، هذا رجل لا يعرفه إلّا الله ورسوله.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦٧ ، وإرشاد القلوب : ٢ / ٢٠٩ وبحار الأنوار : ٣٩ / ٨٤ ح ١٥.

(٢) في الحديث : يا علي ما عرف الله إلّا بي ثم بك» البحار : ٢٢ / ١٤٨.

(٣) نقص بالأصل ولعله : .. سألته (أباذر) عن علي فقال : لا يعرفه إلّا الله.

١٧٣

فصل

وبيان ما أشار إليه النبي وأحال عليه أن من عرف محمدا وعليا كمعرفة الله لهم ، عرف الله (١) كما عرفوه ، لكن الأوّل ممتنع فالثاني كذلك ، مثاله من القرآن : قوله سبحانه لموسى : (لَنْ تَرانِي* وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٢) فعلّق الرؤية على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل عند تجلّي نور الكبرياء محال ، فرؤية الرب الكبير المتعال بعين البصر محال. علق الممتنع على الممتنع فامتنع الثاني لا متناع الأوّل.

فمالك أيّها المرتاب كلّما وضح الدليل ازددت ضلالا عن السبيل ، وكلّما لاح ضوء الصباح وفاح أقاح الإيضاح ، زدت زكاما ، وهل هذا ضلال عن الحق وشك في عين اليقين وإمام الصدق ، فإذا كان المنافق إذا تليت عليه آيات علي أبى واستكبر ، والموافق إذا تليت عليه آياته أنكر واستكثر ، فما الفرق إذا بين من عمي وأبصر؟ ولقد أحسن من أشار إلى هذا المقام فقال :

أمير المؤمنين أراك لما

ذكرتك عند ذي ثقة صغى لي

وإن كررت ذكرك عند نغل

تكدر سرّه وبغى قتالي

فصرت إذا شككت بأصل امرء

ذكرتك بالجميل من الخصال

فها أنا قد خبرت بك البرايا

فأنت محكّ أولاد الحلال

وليس يطيق حمل ثناك إلّا

كريم الأصل محمود الفعال (٣)

وجه آخر في معنى قوله : «ما عرف الله إلّا أنا وأنت» ، وذاك أن العظمة التي رآها رسول الله ليلة المعراج واختراقه الحجب السماوية ، ووصوله إلى قاب قوسين والكلام الذي خوطب

__________________

(١) في الأصل المطبوع لفظ رجل بدل الله فتأمّل المعنى جيّدا؟!

(٢) الأعراف : ١٤٣.

(٣) كان الشعر في الأصل المطبوع مشوّها تشويها عجيبا وممسوخا عن أصله إلى حدّ بعيد.

١٧٤

به بغير واسطة ، ممّا لم ينله ملك مقرّب ولا نبي مرسل ، وأن ذلك كله وصل إلى أمير المؤمنين ورآه كما رآه ، وإليه الإشارة بقوله : «إنك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع» (١) فما عرف الله سبحانه من جميع الخلائق بهذه المعرفة إلّا هم ، وكذلك ما عرف محمدا وعليا على ما هم عليه إلّا الله الذي أوجدهم من نور عظمته ، وخصّهم بسرّه وكرامته ، وجعلهم في علو المقام تحت ذاته ، وفوق جميع مخلوقاته ؛ ومن ذا الذي يحصي عدد أوراق الأشجار ، وقطرات الأمطار ، وذرّات القفار ، ورشحات البحار؟!

ووجه آخر في معنى قوله : ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، والمراد أنه ليس بيننا وبين الله واسطة من المخلوقات ، بل نحن أوّل المخلوقات والخلائق ، وعين الحقائق ، ونحن في مقامنا اللاحق سادة العبيد ، وعبيد الحق.

__________________

(١) تقدّم الحديث.

١٧٥

فصل

[حقيقة الإمام والإمامة]

وإذا عرف الناس من معنى علي العلي ، إنّما شاهدوا منه ليثا جائلا ، وهزبرا صائلا ، وغضبا قاتلا ، وبليغا قائلا ، وحاكما بالحق قاضيا ، وغيثا هاملا ، ونورا كاملا ، فشهدوا صورة الجسم ، وموقع الاسم ، ذلك مبلغهم من العلم! وما عرفوا أنه الكلمة التي بها تمّت الأمور ، ودهرت الدهور ، والاسم الذي هو روح كل شيء ، والهاء التي في هوية كل موجود ، وباطن كل مشهود ، وإن الذي خرج إلى حملة العرش من معرفة آل محمد مع قربهم من حضرة العظمة والجلال كالقطرة من البحر ، وذلك لأن ذات الله تعالى غير معلومة للبشر كما مرّ ، فلم يبق إلّا معرفة الصفات ، والناس في معرفتها قسمان : قسم حظّهم منها الذكر لها والتقديس بها ، فجعلوها في السرّ أورادهم ، ومركبهم إلى مطلبهم ومرادهم ، فتجلّى عليهم نور الجمال ، من سبحات الجلال ، فصاروا في القميص البشرية ، أشخاصا سماوية ، تخضع لهم السباع ، وتذلّ لهم الضباع.

وهذا سرّ (١) تلاوة الأسماء ؛ وكذلك الناس في معرفة آل محمد ؛ قسم عرفوا أنهم أولياء الله والوسيلة إلى عفوه ورضاه ، فقدموهم في حاجتهم لديه ، وتوسّلوا بهم إليه ؛ وقسم عرفوا أنّهم الكلمة الكبرى ، والآية العظمى ، لأن أقرب الصفات إلى حضرة الأحدية ، جمال الوحدانية ؛ لأن الواحد إما أن يكون أوّل الأعداد ومنبع الآحاد ، والواحد الفاضل عن الاثنين ؛ وهو الذي لا يكون زوجا ولا فردا ؛ ذلك هو الأحد الحق .. وأما الواحد الذي هو منبع الموجودات ؛ فهو الواحد المطلق (٢) الذي لا يحدّ ولا يعدّ ؛ ولا لأمره دفع ؛ ولا لسلطانه نفاد ،

__________________

(١) في الأصل المطبوع : أثر بدلا «عن سر» النسخة الخطية.

(٢) في النسخة المخطوطة : والأمر المتصل من الواحد إلى الأحد هو روح الحق ومعنى سائر الخلق وهي الكلمة.

١٧٦

ولا لملكه فناء ؛ وهي الكلمة التي تخضع لذكرها الموجودات ؛ وتنفعل بسماعها الكائنات ؛ وهي مستورة بين حرفين كن فيكون. فمن تجلّى على مرآة نفسه بوارق سرّهم الخفي ؛ واسمهم العلي خرق لهم الجدران ؛ وسخرت لهم الأكوان ، وكان من أولياء الرحمن ، وأمن العذاب والهوان.

يؤيّد هذا المدعى ما رواه طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : يا طارق ، الإمام كلمة الله وحجّة الله ، ووجه الله ونور الله ، وحجاب الله ، وآية الله ، يختاره الله ، ويجعل فيه منه ما يشاء ، ويوجب له بذلك الطاعة والأمر على جميع خلقه ، فهو وليّه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدّم عليه كفر بالله من فوق عرشه فهو يفعل ما يشاء ، وإذا شاء الله شيئا يكتب على عضده ، وتمّت كلمة ربّك صدقا وعدلا ، فهو الصدق والعدل ، ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد ، ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب ويعطي التصرّف على الإطلاق ، ويرى ما بين الشرق والغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطى منطق الطير عند ولايته. فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ، يؤيّده بكلمته ، ويلقنه حكمته ، ويجعل قلبه مكان مشيئته ، وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة ، ويحكم له بالطاعة ، وذلك لان الإمامة ميراث الأنبياء ، ومنزلة الأصفياء ، وخلافة الله وخلافة رسل الله ، فهي عصمة وولاية ، وسلطنة وهداية ، لأنّها تمام الدين ، ورجح الموازين ، الإمام دليل للقاصدين ، ومنار للمهتدين ، وسبيل للسالكين ، وشمس مشرقة في قلوب العارفين. ولايته سبب النجاة ، وطاعته معرفة (١) للحياة ، وعدة بعد الممات ، وعزّ المؤمنين وشفاعة المذنبين ، ونجاة المحبّين وفوز التابعين ، لأنّها رأس الإسلام وكمال الإيمان ، ومعرفة الحدود والأحكام ، تبين الحلال من الحرام ، فهي رتبة لا ينالها إلّا من اختاره الله وقدّمه ، وولّاه وحكمه.

فالولاية هي حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وهي بعدد الأيام والشهور ، الإمام الماء العذب على الظمأ ، والدال على الهدى ، المطهر من الذنوب ، المطلع على الغيوب ، فالإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار ، فلا تناله الأيدي والأبصار.

__________________

(١) ـ في النسخة المخطوطة مفترضة.

١٧٧

ـ وإليه الإشارة بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (١) والمؤمنون علي وعترته فالعزّة للنبي وللعترة ، والنبي والعترة لا يفترقان إلى آخر الدهر ـ.

فهم رأس دائرة الإيمان وقطب الوجود ، وسماء الجود ، وشرف الموجود ، وضوء شمس الشرف ونور قمره ، وأصل العزّ والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه ، فالإمام هو السراج الوهاج ، والسبيل والمنهاج ، والماء الثجاج ، والبحر العجاج ، والبدر المشرق والغدير المغدق ، والمنهج الواضح المسالك ، والدليل إذا عمت المهالك ، والسحاب الهاطل ، والغيث الهامل ، والبدر الكامل ، والدليل الفاضل ، والسماء الظليلة ، والنعمة الجليلة ، والبحر الذي لا ينزف ، والشرف الذي لا يوصف ، والعين الغزيرة ، والروضة المطيرة ، والزهر الأريج ، والبدر البهيج ، والنير اللائح والطيب الفائح ، والعمل الصالح والمتجر الرابح ، والمنهج الواضح ، والطيب الرفيق ، والأب الشفيق ، ومفزع العباد في الدواهي ، والحاكم والآمر والناهي ، أمير الله على الخلائق ، وأمينه على الحقائق ، حجّة الله على عباده ، ومحجّته في أرضه وبلاده ، مطهر من الذنوب ، مبرأ من العيوب ، مطلع على العيوب ، ظاهره أمر لا يملك ، وباطنه غيب لا يدرك ، واحد دهره ، وخليفة الله في نهيه وأمره ، لا يوجد له مثيل ، ولا يقوم له بديل.

فمن ذا ينال معرفتنا ، أو ينال درجتنا ، أو يدرك منزلتنا. حارت الألباب والعقول ، وتاهت الأفهام فيما أقول ، تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء ، وكلت الشعراء وخرست البلغاء ، ولكنت الخطباء ، وعجزت الشعراء ، وتواضعت الأرض والسماء ، عن وصف شأن الأولياء ، وهل يعرف أو يوصف ، أو يعلم أو يفهم ، أو يدرك أو يملك ، شأن من هو نقطة الكائنات ، وقطب الدائرات ، وسرّ الممكنات ، وشعاع جلال الكبرياء ، وشرف الأرض والسماء؟

جل مقام آل محمد عن وصف الواصفين ، ونعت الناعتين ، وأن يقاس بهم أحد من العالمين ، وكيف وهم النور الأوّل ، والكلمة العليا ، والتسمية البيضاء ، والوحدانية الكبرى ، التي أعرض عنها من أدبر وتولّى ، وحجاب الله الأعظم الأعلى ، فأين الأخيار من هذا؟ وأين العقول من هذا ، ومن ذا عرف ، من عرف؟ أو وصف من وصف ، ظنّوا أن ذلك في غير آل محمد ، كذبوا وزلّت أقدامهم ، واتخذوا العجل ربّا ، والشيطان حزبا ، كل ذلك بغضة لبيت

__________________

(١) ـ المنافقون : ٨.

١٧٨

الصفوة ودار العصمة ، وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة ، وزين لهم الشيطان أعمالهم فتبا لهم وسحقا ، كيف اختاروا إماما جاهلا عابدا للأصنام جبانا يوم الزحام ، والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل ، وشجاعا لا ينكل ، لا يعلو عليه حسب ، ولا يدانيه نسب ، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم ، والبقية من إبراهيم والنهج من النبع الكريم ، والنفس من الرسول والرضى من الله ، والقبول عن الله ، فهو شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، عالم بالسياسة قائم بالرياسة ، مفترض الطاعة ، إلى يوم الساعة ، أودع الله قلبه سرّه ، وأنطق به لسانه ، فهو معصوم موفق ليس بجبان ، ولا جاهل فتركوه يا طارق ، واتّبعوا أهواءهم (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (١).

والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي ، وأمر إلهي وروح قدسي ، ومقام علي ونور جلي ، وسرّ خفي ، فهو ملكي الذات إلهي الصفات ، زائد الحسنات عالم بالمغيبات ، خصا من رب العالمين ، ونصا من الصادق الأمين ، وهذا كلّه لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشاركهم فيه مشارك ، لأنّهم معدن التنزيل ، ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل ، ومهبط الأمين جبرائيل ، صفات الله وصفوته ، وسرّه وكلمته ، شجرة النبوّة ، ومعدن الفتوة ، عين المقالة ومنتهى الدلالة ، ومحكم الرسالة ، ونور الجلالة ، حبيب الله ووديعته ، وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته ، مصابيح رحمة الله وينابيع نعمته ، السبيل إلى الله والسلسبيل ، والقسطاس المستقيم ، والمنهاج القويم ، والذكر الحكيم ، والوجه الكريم ، والنور القويم ، أهل التشريف والتقويم والتقديم ، والتفضيل والتعظيم ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم وأمناء العلي العظيم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ، السناء الأعظم والطريق الأقوم. من عرفهم وأخذ عنهم ، فهو منهم ، وإليه الإشارة بقوله : من تبعني فإنّه منّي ، خلقهم الله من نور عظمته ، وولاهم أمر مملكته ، فهم سررّ الله المخزون ، وأولياؤه المقرّبون ، وأمره بين الكاف والنون.

لا بل هم الكاف والنون ، إلى الله يدعون وعنه يقولون ، وبأمره يعلمون ، علم الأنبياء في علمهم ، وسرّ الأوصياء في سرّهم ، وعزّ الأولياء في عزّهم ، كالقطرة في البحر ، والذرة في القفر ، والسّموات والأرض عند الإمام منهم كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم

__________________

(١) ـ القصص : ٥٠.

١٧٩

برّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ، لأنّ الله علم نبيّه علم ما كان وما يكون ، وورث ذلك السرّ المصون ، الأوصياء المنتجبون ، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون ، وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماء والأرض؟ وإن الكلمة من آل محمد تنصرف إلى سبعين وجها».

ـ [قال المؤلف :] وكلما ذكر في الذكر الحكيم والكلام القديم ، من آية يذكر فيها العين والوجه ، واليد والجنب ، فالمراد منها الولي لأنه جنب الله ، ووجه الله ، يعني حق الله وعلم الله ، وعين الله ويد الله ، لأنّ ظاهرهم باطن الصفات الظاهرة ، وباطنهم ظاهر الصفات الباطنة ، فهم ظاهر الباطن وباطن الظاهر وإليه الإشارة بقوله : «إن لله أعينا وأيادي ، وأنا وأنت يا علي منها» ـ.

«فهم الجنب العلي والوجه الرضي ، والمنهل الروي ، والصراط السوي ، الوسيلة إلى الله ، والوصلة إلى عفوه ورضاه ، سرّ الواحد والأحد ، فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصة الله وخالصته ، وسرّ الديان وكلمته ، وباب الإيمان وكعبته ، وحجّة الله ومحجّته ، وأعلام الهدى ورايته ، وفضل الله ورحمته ، وعين اليقين وحقيقته ، وصراط الحق وعصمته ، ومبدأ الوجود وغايته ، وقدرة الرب ومشيئته ، وأمّ الكتاب وخاتمته ، وفصل الخطاب ودلالته ، وخزنة الوحي وحفظته ، وأمنة الذكر وترجمته ، ومعدن التنزيل ونهايته ، فهم الكواكب العلوية ، والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية ، في سماء العظمة المحمدية ، الأغصان النبوية ، النابعة في الدرجة الأحمدية ، الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، الذرية الزكية ، والعترة الهاشمية ، الهادية المهدية ، أولئك هم خير البرية ، فهم الأئمة الطاهرون والعترة المعصومون ، والذرية الأكرمين والخلفاء الراشدين ، والكبراء الصديقين ، والأوصياء المنتجبين ، والأسباط المرضيين ، والهداة المهديين ، والغرّ الميامين ، آل طه وياسين ، وحجّة الله على الأوّلين والآخرين ، اسمهم مكتوب على الأحجار ، وعلى أوراق الأشجار ، وعلى أجنحة الأطيار ، وعلى أبواب الجنة والنار ، وعلى العرش والأفلاك ، وعلى أجنحة الأملاك ، وعلى حجب الجلال ، وسرادقات العزّ والجمال ، وباسمهم تسبّح الأطيار ، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار ، وإن الله لم يخلق خلقا إلّا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية ، والولاية

١٨٠