مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

أهل السماء (١).

ومن ذلك ما رواه أبو بصير قال : قال لي مولاي أبو جعفر عليه‌السلام : إذا رجعت إلى الكوفة يولد ولد تسمّيه عيسى ، ويولد ولد وتسمّيه محمدا وهما من شيعتنا وأسماؤهما في صحيفتنا ، وما يولدون إلى يوم القيامة ، قال : فقلت : وشيعتكم معكم؟ قال : نعم ، إذا خافوا الله واتقوه وأطاعوه (٢).

ومن ذلك أنه دخل المسجد يوما فرأى شابّا يضحك في المسجد فقال له : تضحك في المسجد وأنت بعد ثلاثة من أصحاب القبور؟ فمات الرجل في أوّل اليوم الثالث ، ودفن في آخره (٣).

ومن ذلك ما ورد في كتاب كشف الغمة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له يوما : أنتم ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال : نعم ، قلت : ورسول الله وارث الأنبياء؟

قال : نعم ، قلت : وأنتم ورثة رسول الله؟

قال : نعم ، قلت : فتقدر أن تحيي الموتى وتبرىء الأكمه والأبرص وتخبر الناس بما يأكلون ، وما يدخرون؟

قال : نعم ، بأمر الله ، ثم قال : ادن منّي ، فدنوت منه فمسح يده على وجهي ، فأبصرت السماء والأرض ، ثم مسح يده على وجهي فعدت كما كنت لا أرى شيئا (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٥١ ح ٤٤ بتفاوت.

(٢) بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٧٤ ح ٧٩.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) بصائر الدرجات : ٢٨٩ ج ٦ باب ٣ ح ١ باب انّهم يحيون الموتى. والهداية الكبرى : ٢٤٣ باب ٧ وبحار الأنوار : ٤٦ / ٢٣٧ ح ١٣.

١٤١

الفصل الثامن

في أسرار الإمام الصادق عليه‌السلام

من ذلك ما رواه محمد بن سنان أن رجلا قدم عليه من خراسان ومعه صرر من الصدقات معدودة مختومة ، وعليها أسماء أصحابها مكتوبة ، فلما دخل الرجل جعل أبو عبد الله يسمّي أصحاب الصرر ، ويقول : أخرج صرة فلان فإن فيها كذا وكذا ، ثم قال : أين صرّة المرأة التي بعثتها من غزل يدها أخرجها فقد قبلناها؟ ثم قال للرجل : أين الكيس الأزرق ، وكان فيما حمل إليه كيس أزرق فيه ألف درهم ، وكان الرجل قد فقده في بعض طريقه ، فلمّا ذكره الإمام استحيى الرجل وقال : يا مولاي إنّي فقدته في بعض الطريق ، فقال له الإمام عليه‌السلام : تعرفه إذا رأيته؟ فقال : نعم ، فقال : يا غلام ، أخرج الكيس الأزرق ، فأخرجه ، فلمّا رآه الرجل عرفه ، فقال الإمام : إنّا احتجنا إلى ما فيه فأحضرناه قبل وصولك إلينا ، فقال الرجل : يا مولاي إنّي ألتمس الجواب بوصول ما حملته إلى حضرتك ، فقال له : إن الجواب كتبناه وأنت في الطريق (١).

ومن ذلك ما رواه عبد الله بن الكاهلي قال : قال لي الصادق عليه‌السلام : إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي ، وقل : عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة رسوله ، وعزيمة سليمان بن داود ، وعزيمة علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده ، فإنه ينصرف عنك ، قال : فخرجت مع ابن عم لي قادما من الكوفة فعرض لنا السبع فقرأت عليه ما علّمني مولاي فطأطأ رأسه ورجع عن الطريق ، فلما قدمت إلى سيدي من قبل أن أعلمه بالخبر ، فقال : أتراني لم أشهدكم إن لي مع كل ولي أذن سامعة ، وعين ناظرة ، ولسان ناطق ، ثم قال : يا عبد الله أنا والله صرفته عنكما وعلامة ذلك أنكما كنتما على شاطىء النهر (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٧ / ١٥٥ ح ٢١٨.

(٢) بحار الأنوار : ٤٧ / ٩٥ ح ١٠٨.

١٤٢

أقول : في هذا الحديث أسرار غريبة ، الأوّل إطاعة الوحوش لهم عيانا وسماعا ، والثاني إخباره أنه لم يغب عنهم وأنه يشهد سائر أوليائه لأن الإمام مع الخلق كلّهم لم يغب عنهم ، ولم يحتجبوا عنه طرفة عين ، ولكن أبصارهم محجوبة عن النظر إليه ، وإن الدنيا بين يدي الإمام كالدرهم بين يدي الرجل يقلّبه كيف شاء ، والثالث أنه أنكر عليه وقال : أتراني لم أشهدكم؟ حيث إنه حسب أن الحجّة لا يشهد لمحجوج عليه بعد أن يثبت أنهم عين الله الناظرة في عباده ، ويده المبسوطة بالفضل في بلاده ، ولسانه المترجم عنه ، وأن قلوب الأولياء مكان مشيئة الله وخزائن أسراره وباب حكمته.

ومن ذلك ما رواه أبو بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن المعلى بن خنيس ينال درجتنا ، وإن المدينة من قابل يليها داود بن عروة ، ويستدعيه ويأمره أن يكتب له أسماء شيعتنا فيأبى فيقتله ويصلبه ، فينال بذلك درجتنا ، فلمّا ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلّى وسأله عن الشيعة فقال : أعرفهم ، فقال : اكتبهم لي وإلّا ضربت عنقك ، فقال : بالقتل تهدّدني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم ، فأمر بضرب عنقه وصلبه ، فلمّا دخل عليه الصادق عليه‌السلام قال : يا داود قتلت مولاي ووكيلي ، وما كفاك القتل حتى صلبته ، والله لأدعون الله عليك كما قتله ، فقال له داود : أتهدّدني بدعائك؟ ادع الله لك فإذا استجاب لك فادعه عليّ ، فخرج أبو عبد الله عليه‌السلام مغضبا ، فلما جن الليل اغتسل واستقبل القبلة ، ثم قال : يا ذا يا ذي يا ذوا إرم داود سهما من سهام قهرك تبلبل به قلبه ، ثم قال لغلامه : اخرج واسمع الصائح. فجاء الخبر أن داود قد هلك ، فخرّ الإمام ساجدا وقال : إنّه لقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو قسمت على أهل الأرض لزلزلت بمن عليها (١).

ومن كراماته عليه‌السلام : أن المنصور يوما دعاه ، فركب معه إلى بعض النواحي ، فجلس المنصور على تلال هناك وإلى جانبه أبو عبد الله ، فجاء رجل وهمّ أن يسأل المنصور ثم أعرض عنه ، وسأل الصادق عليه‌السلام فحثى له من رمل هناك ملء يديه ثلاث مرّات ، فقال : اذهب وأغل ، فقال له بعض حاشية المنصور : خرجت عن الملك وسألت فقيرا لا يملك شيئا ، فقال الرجل وقد عرق وجهه خجلا ممّا أعطاه : إنّي سألت من أنا واثق بعطائه ، ثم جاء بالتراب إلى بيته ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٧ / ١٨١ ح ٢٧ وتصويب العبارة منه.

١٤٣

فقالت له زوجته : من أعطاك هذا؟ فقال : جعفر ، فقالت : وما قال؟ قال : قال لي : أغل ، فقالت : إنّه صادق ، فاذهب بقليل منه إلى أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رايحة الغنا ، فأخذ الرجل منه جزءا ومرّ به إلى بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم ، وقال له : أتيني بباقيه على هذه القيمة (١).

ومن ذلك : أن المنصور لمّا أراد قتل أبي عبد الله عليه‌السلام استدعى قوما من الأعاجم يقال لهم البعرعر (٢) لا يفهمون ولا يعقلون ، فخلع عليهم الديباج المثقل ، والوشي المنسوج ، وحملت إليهم الأموال ، ثم استدعاهم وكانوا مائة رجل ، وقال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوا يدخل عليّ الليلة فاقتلوه إذا دخل ، فأخذوا أسلحتهم ووقفوا ممتثلين لأمره ، فاستدعى جعفرا عليه‌السلام وأمره أن يدخل وحده ، ثم قال للترجمان : قل لهم هذا عدوّي فقطعوه ، فلمّا دخل الإمام تعاووا عوي الكلاب ، ورموا أسلحتهم ، وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم ، وخرّوا له سجدا ، ومرغوا وجوههم على التراب ، فلمّا رأى المنصور ذاك خاف ، وقال : ما جاء بك؟ قال : أنت ، وما جئتك إلّا مغتسلا محنطا ، فقال المنصور : معاذ الله أن يكون ما تزعم ، ارجع راشدا ، فخرج جعفر عليه‌السلام والقوم على وجوههم سجدا ، فقال للترجمان : قل لهم : لم لا قتلتم عدو الملك؟ فقالوا : نقتل وليّنا الذي يلقانا كل يوم ويدبر أمرنا كما يدبّر الرجل أمر ولده ولا نعرف وليا سواه ، فخاف المنصور من قولهم فسرّحهم تحت الليل ، ثم قتله بعد ذلك بالسمّ (٣).

ومن كراماته عليه‌السلام أن فقيرا سأله فقال لعبده : ما عندك؟ قال : أربعمائة درهم ، فقال : أعطه إياها ، فأعطاه ، فأخذها وولّى شاكرا ، فقال لعبده : أرجعه ، فقال : يا سيدي سألت فأعطيت ، فماذا بعد العطاء ، فقال له : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الصدقة ما أبقت غنى ، وإنّا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم ، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة (٤).

ومن ذلك من كتاب الراوندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر ، ومصحف فاطمة والجامعة ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٧ / ١٥٥ ح ٢١٨.

(٢) كذا بالأصل وهي غير موجودة في البحار مع أنه ينقله عن المشارق.

(٣) بحار الأنوار : ٤٧ / ١٨١ ح ٢٧.

(٤) بحار الأنوار : ٤٧ / ٦٠ ح ١١٦.

١٤٤

فأما الغابر فعلم ما كان ، وأما المزبور فعلم ما يكون ، وأما النكت في القلوب فهو الإلهام ، وأما النقر في الأسماع فهو حديث الملائكة ، وأما الجفر الأحمر ففيه سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه التوراة والإنجيل والزبور والكتب الأولى ، وأمّا مصحف فاطمة ففيه ما يكون من الحوادث ، واسم من يملك إلى يوم القيامة ، وأما الجامعة ففيها جميع ما يحتاج الناس إليه حتى أرش الخدش ، وعندنا صحيفة فيها اسم من ولد ومن يولد ، واسم أبيه وأمّه من الذر إلى يوم القيامة ، ممّن هو من أعدائنا ، ذلك فضل الله علينا وعلى الناس (١).

ومن ذلك : ما رواه أحمد البرقي عن أبيه عن سدير الصيرفي قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم وبين يديه طبق مغطى ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، فكشف الطبق وإذا فيه رطب ، فقلت : يا رسول الله ناولني رطبة ، فأكلتها ، ثم طلبت أخرى فناولني حتى أكلت ثمان رطبات ، فطلبت أخرى فقال : حسبك.

قال : فلما استيقظت من الغد دخلت على الصادق عليه‌السلام وإذا بين يديه طبق مغطى كما رأيته في المنام ، فكشف عنه ، وإذا فيه رطب ، فقلت : جعلت فداك ناولني رطبة ، فناولنيها فأكلتها ، ثم سألته أخرى فأعطاني ، فناولني ثمان رطبات فأكلتهن ، ثم سألته أخرى ، فقال : حسبك لو زادك جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله لزدتك (٢).

__________________

(١) الإرشاد للمفيد : ٢ / ١٨٦ كلام الصادق حول ميراث الرسول ، وأصول الكافي : ١ / ٢٣٨.

(٢) بحار الأنوار : ٤٧ / ٦٣ ح ٢.

١٤٥

الفصل التاسع

في أسرار أبي الحسن موسى الكاظم عليه‌السلام

فمن ذلك أن الرشيد لمّا حج دخل المدينة فاستأذن عليه الناس ، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فلما أدخل عليه دخل وهو يحرّك شفتيه ، فلما قرب إليه قعد الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثم أقبل عليه ، وقال : كيف أنت يا أبا الحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ وهو يقول : خير ، خير ، خير ، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فقعد ، ثم عانقه وخرج ، فلما خرج قال له المأمون : من هذا الرجل؟ قال : يا بني هذا وارث علوم الأوّلين والآخرين ، هذا موسى بن جعفر ، فإن أردت علما حقّا فعند هذا (١).

ومن ذلك ما رواه أحمد البزاز قال : إن الرشيد لما أحضر موسى عليه‌السلام إلى بغداد فكّر في قتله ، فلمّا كان قبل قتله بيومين ، قال للمسيب وكان من الحرّاس عليه لكنّه كان من أوليائه ، وكان الرشيد قد سلم موسى إلى السندي بن شاهك وأمره أن يقيّده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثين رطلا قال : فاستدعى المسيب نصف الليل وقال : إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة إلى المدينة لأعهد إلى من بها عهدا يعمل به بعدي ، فقال المسيب : يا مولاي كيف أفتح لك الأبواب والحرس قيام؟

فقال : ما عليك ، ثم أشار بيده إلى القصور المشيدة والأبواب العالية ، والدور المرتفعة ، فصارت أرضا ، ثم قال لي : يا مسيب كن على هيئتك فانّي راجع إليك بعد ساعة ، فقال : يا مولاي ألا أقطع لك الحديد؟ قال : فنفضه وإذا هو ملقى ، قال : ثم خطا خطوة فغاب عن عيني ، ثم ارتفع البنيان كما كان.

قال المسيب : فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيت الأبنية والجدران قد خرّت ساجدة

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٨ / ١٣٣ ح ٦ والحديث طويل.

١٤٦

إلى الأرض ، وإذا بسيدي قد أقبل وعاد إلى محبسه وأعاد الحديد إليه ، فقلت : يا سيدي ، أين قصدت؟ فقال : كل محب لنا في الأرض شرقا وغربا حتى الجن في البراري ومختلف الملائكة (١).

ومن ذلك ما رواه صفوان الجمال بن مهران قال : أمرني سيدي أبو عبد الله عليه‌السلام يوما أن أقدم ناقته على باب الدار ، فجئت بها ، قال : فخرج أبو الحسن موسى مسرعا وهو ابن ست سنين فاستوى على ظهر الناقة وأثارها وغاب عن بصري ، قال : فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وما أقول لمولاي إذا خرج يريد ناقته ، قال : فلمّا مضى من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنها شهاب وهي ترفض عرقا ، فنزل عنها ودخل الدار فخرج الخادم ، وقال : أعد الناقة مكانها وأجب مولاك ، قال : ففعلت ما أمرني ودخلت عليه ، فقال : يا صفوان إنّما أمرتك إحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن ، فقلت في نفسك : كذا وكذا فهل علمت يا صفوان إلى أين بلغ عليها في هذه الساعة؟ إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين وجاوزه أضعافا مضاعفة وأبلغ كل مؤمن ومؤمنة سلامي (٢).

ومن ذلك ما رواه المسيب أن الرشيد لما أراد قتل موسى أرسل إلى عمّاله في الأطراف فقال : التمسوا لي قوما لا يعرفون الله أستعين بهم في مهمّ لي ، فأرسلوا إليه قوما يقال لهم العبدة ، فلما قدموا عليه وكانوا خمسين رجلا أنزلهم في بيت من بيوت داره قريب المطبخ ، ثم حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والخدم ، ثم استدعاهم وقال : من ربّكم؟ فقالوا : ما نعرف ربّا وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم ، ثم قال للترجمان : قل لهم إن لي عدوّا في هذه الحجرة فادخلوا إليه فقطعوه ، فدخلوا بأسلحتهم على أبي موسى عليه‌السلام والرشيد ينظر ماذا يفعلون ، فلمّا رأوه رموا أسلحتهم وخرّوا له سجدا فجعل موسى يمرّ يده على رؤوسهم وهم يبكون ، وهو يخاطبهم بألسنتهم ، فلمّا رأى الرشيد ذلك غشي عليه وصاح بالترجمان أخرجهم ، فأخرجهم يمشون القهقرى إجلالا لموسى عليه‌السلام ، ثم ركبوا خيولهم وأخذوا الأموال ومضوا (٣).

__________________

(١) مدينة المعاجز : ٦ / ٣٨٤.

(٢) الهداية الكبرى : ٢٧٠ باب ٩.

(٣) بحار الأنوار : ٤٨ / ٢٤٩ ح ٥٧.

١٤٧

الفصل العاشر

في أسرار أبي الحسن علي بن موسى عليهما‌السلام

فمن ذلك أن الرضا عليه‌السلام لمّا قدم من خراسان توجّهت إليه الشيعة من الأطراف ، وكان علي بن أبي أسباط قد توجّه إليه بهدايا وتحف فأخذت القافلة وأخذ ماله وهداياه وضرب على فيه ، فانتثرت نواجذه فرجع إلى قرية هناك ونام ، فرأى الرضا عليه‌السلام في منامه ، وهو يقول : لا تحزن إن هداياك وصلت إلينا ، وأما فمك وثناياك فخذ من السعد المسحوق واحشي به فاك ، فانتبه مسرورا وأخذ من السعد وحشى به فاه فرد الله عليه نواجذه ، قال : فلما وصل إلى الرضا عليه‌السلام ودخل عليه قال له : قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقّا فادخل هذه الخزانة فانظر ، فدخل فإذا ماله وهداياه كلّا على حدته (١).

ومن ذلك أن رجلا من الواقفة جمع مسايل مشكلة في طومار ، وقال في نفسه : إن عرف معناه فهو ولي الأمر ، فلما أتى الباب ، وقف ليخف الناس من المجلس ، فخرج إليه خادم وبيده رقعة فيها جواب مسألة بخط الإمام عليه‌السلام فقال له الخادم : أين الطومار؟ فأخرجه ، فقال له : يقول لك ولي الله هذا جواب ما فيه. فأخذه ومضى (٢).

ومن ذلك أن الرضا عليه‌السلام قال يوما في مجلسه : لا إله إلّا الله مات فلان ، ثم صبر هنيهة ، وقال : لا إله إلّا الله غل وكفر ، وحمل إلى حفرته ، ثم صبر هنيهة ، وقال : لا إله إلّا الله وضع في قبره ، وسئل عن ربّه فأجاب ، ثم سئل عن نبيه فأقرّ ، ثم سئل عن إمامه فأخبر ، وعن العترة ، فعدّهم ، ثم وقف عندي فما باله وقف ، وكان الرجل واقفيا (٣).

ومن ذلك ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام فمسح يده

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٩ / ٧١ ح ٩٥.

(٢) بحار الأنوار : ٤٩ / ٧١ ح ٩٥.

(٣) المصدر نفسه.

١٤٨

على الأرض فظهرت سبايك من فضة ، ثم مسح يده فغابت ، فقلت : أعطني واحدة منها ، فقال : إنّ هذا الأمر ما آن وقته (١).

أقول : الفرق بين الشعبذة والسحر والسيمياء ، والكرامات والمعجزات ، الأول منها قلب العين حتى يرى الإنسان شيئا فيتخيّله ولا حقيقة له ولا يبقى ، وأما المعجزات والكرامات فقلب أعيان الأشياء وتحويلها إلى حقيقة أخرى باقية لا تزول إلّا إذا أراد المظهر لها زوالها.

ومن كراماته عليه‌السلام أن أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحير أبو نواس ، وقال : والله يا ولي الله ما قالها أحد غيري ، ولا سمعها أحد سواك ، فقال : صدقت ، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنك تمدحني بها.

ومن ذلك ما رواه أبو الصلت الهروي قال : بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام إذ قال لي : سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كل معول بخراسان لم يقدروا على قلعها ، فمرهم أن يحفروا لي سبع مرّات إلى أسفل ، وأن يشق لي ضريح فإنّ الماء سينبع حتى يمتلىء اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ، ثم يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ثم يغيب ، فدع يديك على الماء وتكلّم بهذا الكلام فإنّه ينضب لك ولا يبقى منه شيء ، ولا تفعل ذلك إلّا بحضرة المأمون ، ثم قال لي : يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر ، فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك ، وإن خرجت مغطّى الرأس فلا تكلّمني.

قال أبو الصلت : فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه ، وجلس في محرابه ، فجاء غلام المأمون وقال : أجب أمير المؤمنين ، فلبس نعله ورداءه ، وقام يمشي وأنا أتبعه ، ثم دخل على المأمون وبين يديه أطباق وفاكهة ، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه ، فلما رآه مقبلا وثب قايما وعانقه وأجلسه ، ثم ناوله العنقود ، وقال : يا ابن رسول الله هل رأيت أحسن من هذا العنب؟

فقال : قد يكون في بعض الجنان أحسن منه ، ثم قال له : كل منه ، فقال له الرضا عليه‌السلام : أعفني ، فقال : لا بد من ذلك ، ثم قال : وما يمنعك أتتهمني؟ ثم تناول العنقود منه وأكل منه ، وناوله الرضا عليه‌السلام فأكل منه ثلاث حبّات ، ثم رمى به ، وقال له المأمون : إلى أين؟

__________________

(١) بحار الأنوار عن الخرايج : ٤٩ / ٥٠ ح ٥٠.

١٤٩

فقال له الرضا عليه‌السلام : إلى حيث وجّهتني ، ثم خرج عليه‌السلام مغطّى الرأس حتى دخل الدار ثم أمر أن تغلق الأبواب ، ثم نام على فراشه.

قال : فكنت واقفا في صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل إليّ شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت : من أين دخلت والباب مغلوق؟ فقال : الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق ، فقلت : من أنت؟

فقال عليه‌السلام : أنا حجّة الله يا أبا الصلت ، أنا محمد بن علي ، ثم مضى نحو أبيه الرضا عليه‌السلام فدخل ، فأمرني بالدخول ، فلما نظر إليه الرضا عليه‌السلام نهض إليه ليعتنقه ، ثم سجه سجى إلى فراشه وأكبّ عليه محمد بن علي عليه‌السلام فسرّ إليه سرّا لا أفهمه ، ورأيت على شفة الرضا بياضا أشدّ بياضا من الثلج ، ورأيت أبا جعفر عليه‌السلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين صدره وثوبه فاستخرج منه شيئا شبه العصفور فابتلعه ، ثم مضى الرضا عليه‌السلام فقال لي : يا أبا الصلت أيتني المغسل والماء من الخزانة ، فقلت : ما في الخزانة مغسل ولا ماء ، فقال : ائتمر بما آمرك به.

قال : فدخلت الخزانة وإذا فيها مغسل وماء فأتيته بها ، ثم شمرت ثيابي لأعاونه ، فقال : تنح فإنّ لي من يساعدني ، ثم قال لي : أدخل الخزانة وأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه ، فدخلت وإذا أنا بسفط لم أره من قبل ذلك فأخرجته إليه وصلّى عليه ، ثم قال : ائتني بالتابوت ، فقلت : أأمضي إلى النجار؟

فقال : إنّ في الخزانة تابوتا ، فدخلت وإذا تابوت لم أر مثله قط ، فأخرجته إليه فوضعته فيه بعد أن صلّى عليه ، تباعد عنه وصلّى ركعتين ، وإذا بالتابوت قد ارتفع فانشق السقف وغاب التابوت.

فقلت : يا ابن رسول الله الساعة يأتي المأمون ويسألنا عن الرضا فماذا نقول؟

فقال : اسكت يا أبا الصلت ، سيعود ، إنه ما من نبي في شرق الأرض يموت ووصيّه في غربها إلّا جمع الله بين روحيهما.

فما تم الحديث حتى عاد التابوت ، فقال : فاستخرج الرضا عليه‌السلام من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يكفن ولم يغسل ، ثم قال : افتح الباب للمأمون ، ففتحت الباب ، وإذا أنا بالمأمون والغلمان على الباب ، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه ، وهو يقول :

١٥٠

واسيداه ، ثم جلس عند رأسه ، وقال : خذوا في تجهيزه ، وأمر بحفر القبر ، فظهر جميع ما ذكر الرضا عليه‌السلام.

فقلت : أمرني أن أحفر له سبع مرّات ، وأن أشق ضريحه ، قال : فافعل ، ثم ظهر الماء والحيتان ، فقال المأمون : لم يزل الرضا عليه‌السلام يرينا عجائبه في حياته حتى أرانا بعد وفاته.

فقال له وزيره الذي كان معه : أتدري ما أخبرك به؟

قال : لا.

قال : أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان ، حتى إذا انقضت دولتكم وولّت أيامكم سلّط عليكم رجلا فأفناكم عن آخركم.

فقال له المأمون : صدقت ، ثم دفن الرضا عليه‌السلام ومضى (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٩ / ٢٩٣ ح ٨.

١٥١

الفصل الحادي عشر

في أسرار أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليهما‌السلام النور المستضيء

فمن ذلك ما روي عنه أنه جيء به إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موت أبيه الرضا وهو طفل ، فجاء إلى المنبر ورقي منه درجة ، ثم نطق فقال : أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرايركم وظواهركم ، وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين ، وبعد فناء السّموات والأرضين ، ولو لا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ، ووثوب أهل الشك ، لقلت قولا يعجب منه الأوّلون والآخرون ، ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال : يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل (١).

ومن ذلك ما رواه أبو جعفر الهاشمي قال : كنت عند أبي جعفر الثاني ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوما وقال : يا سيّدنا إن سيدتنا أم جعفر تستأذنك أن تصير إليها.

فقال للخادم : ارجع فإني في الأثر ، ثم قام وركب البغلة وأقبل حتى قدم الباب ، فخرجت أم جعفر أخت المأمون فسلّمت عليه وسألته الدخول على أم الفضل بنت المأمون ، وقالت : يا سيدي أحب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقر عيني ، قال : فدخل والستور تشال بين يديه فما لبث أن خرج راجعا وهو يقول : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ). (٢)

قال : ثم جلس فخرجت أم جعفر تعثر ذيولها ، فقالت : يا سيدي أنعمت عليّ بنعمة فلم تتمّها ، فقال لها : أتى أمر الله فلا تستعجلوا ، إنه قد حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلى أم الفضل فاستخبريها عنه ، فرجعت امّ جعفر فأعادت عليها ما قال ، فقالت : يا عمة وما أعلمه بذاك عني ، ثم قالت : كيف لا أدعو على أبي وقد زوّجني ساحرا ، ثم قالت : والله يا عمّة إنه لما طلع عليّ جماله حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي فضممتها ، فبهتت

__________________

(١) الهداية الكبرى : ٢٩٦ باب ١١ وبحار الأنوار : ٥٠ / ١٠٨ ح ٢٧.

(٢) يوسف : ٣١.

١٥٢

أمّ جعفر من قولها ثم خرجت مذعورة ، وقالت : يا سيدي وما حدث لها.

قال : «هو من أسرار النساء».

فقالت : يا سيدي أتعلم الغيب؟

قال : لا.

قالت : فنزل إليك الوحي؟

قال : لا.

قالت : فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلّا الله وهي؟

فقال : «وأنا أيضا أعلمه من علم الله (١).

قال : فلما رجعت امّ جعفر قالت له : يا سيدي وما كان إكبار النسوة؟

قال : هو ما حصل لامّ الفضل. فعلمت أنّه الحيض (٢).

__________________

(١) روحي فداه نفى أوّلا علم الغيب الاستقلالي ثم أثبته بتعليم الله تعالى.

(٢) الهداية الكبرى : ١٩٧ ذيل الباب ٤ والإرشاد إلى ولاية الفقيه : ٢٥٤.

١٥٣

الفصل الثاني عشر

في أسرار أبي الحسن الهادي عليه‌السلام

فمن ذلك ما رواه محمد بن الحسن الحضيني (١) قال : حضر مجلس المتوكل مشعبذ (٢) هندي فلعب عنده بالحقق فأعجبه ، فقال له المتوكل : يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله ، قال : فلما حضر أبو الحسن المجلس لعب الهندي فلم يلتفت إليه ، فقال له : يا شريف أما يعجبك لعبي ، كأنك جائع؟ ثم أشار إلى صورة مدوّرة في البساط على شكل الرغيف وقال : يا رغيف مرّ إلى هذا الشريف ، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن يده على صورة سبع في البساط وقال : قم فخذ هذا ، فصارت الصورة سبعا ، فابتلع الهندي وعاد إلى مكانه في البساط ، فسقط المتوكل لوجهه ، وهرب من كان قائما (٣).

ومن ذلك ما رواه محمد بن داود القمي ، ومحمد الطلحي قال : حملنا مالا من خمس ونذور ، وهدايا وجواهر ، اجتمعت في قم وبلادها ، وخرجنا نريد بها سيّدنا أبا الحسن الهادي عليه‌السلام فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول إلينا ، فرجعنا إلى قم وأحرزنا ما كان عندنا فجاءنا أمره بعد أيّام أن قد أنفذنا إليكم إبلا غبراء فاحملوا عليها ما عندكم ، وخلوا سبيلها فحملناها وأودعناها الله ، فلما كان من قابل قدمنا عليه ، قال : انظروا إلى ما حملتم إلينا ، فنظرنا فإذا المنايح كما هي (٤).

__________________

(١) في نسخة خطية الحمصي.

(٢) كذا في الأصل يريد مشعوذ.

(٣) بحار الأنوار : ٥٠ / ٢١١ ح ٢٥.

(٤) بحار الأنوار : ٥٠ / ١٨٥ ح ٦٢.

١٥٤

الفصل الثالث عشر

في أسرار أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام

فمن ذلك ما رواه علي بن عاصم الكوفي قال : دخلت على أبي محمد العسكري عليه‌السلام فقال لي : يا علي بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فإنّك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين ، والأئمة الراشدين.

قال : فقلت : يا سيدي لا أتنعل ما دمت في الدنيا إكراما لهذا البساط؟

فقال : يا علي إن هذا النعل الذي في رجلك نجس ملعون [لا يقرّ بولايتنا].

قال : فقلت في نفسي : ليتني أرى هذا البساط ، فعلم ما في ضميري ، فقال : ادن مني ، فدنوت منه ، فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيرا قال : فرأيت في البساط أقداما وصورا.

فقال عليه‌السلام : هذا قدم آدم عليه‌السلام وموضع جلوسه ، وهذا أثر هابيل ، وهذا أثر شيث ، وهذا أثر نوح ، وهذا أثر قيدار ، وهذا أثر مهلائيل ، وهذا أثر دياد (١) ، وهذا أثر اخنوخ ، وهذا أثر إدريس ، وهذا أثر توشلح (٢) ، وهذا أثر سام ، وهذا أثر أرفخشد ، وهذا أثر هود ، وهذا أثر صالح ، وهذا أثر لقمان ، وهذا أثر إبراهيم ، وهذا أثر لوط ، وهذا أثر إسماعيل ، وهذا أثر إلياس ، وهذا أثر إسحاق ، وهذا أثر يعقوب ، وهذا أثر يوسف ، وهذا أثر شعيب ، وهذا أثر موسى ، وهذا أثر يوشع بن نون ، وهذا أثر طالوت ، وهذا أثر داود ، وهذا أثر سليمان ، وهذا أثر الخضر ، وهذا أثر دانيال ، وهذا أثر اليسع ، وهذا أثر ذو القرنين إسكندر ، وهذا أثر سابور بن أرشير (٣) ، وهذا أثر لؤي ، وهذا أثر كلّاب ، وهذا أثر قصي ، وهذا أثر عدنان ، وهذا أثر عبد المطلب ، وهذا أثر عبد الله ، وهذا أثر عبد

__________________

(١) في البحار : ياره.

(٢) في نسخة متوشلح وهو المشهور وكذا في البحار.

(٣) في البحار : شابور بن أردشير.

١٥٥

مناف ، وهذا أثر سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا أثر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا أثر الأوصياء من بعده إلى المهدي عليه‌السلام لأنه قد وطئه وجلس عليه.

ثم قال : انظر إلى الآثار واعلم أنها آثار دين الله ، وأن الشاك فيهم كالشاك في الله ، [ومن جحدهم] كمن جحد الله ، ثم قال : اخفض طرفك يا علي ، فرجعت محجوبا كما كنت (١).

ومن ذلك ما رواه الحسن بن حمدان عن أبي الحسن الكرخي قال : كان أبي بزازا في الكرخ فجهّزني بقماش إلى سر من رأى فلما دخلت إليها جاءني خادم وناداني باسمي واسم أبي ، وقال : أجب مولاك ، فقلت : ومن مولاي حتى أجيبه؟

فقال : ما على الرسول إلّا البلاغ المبين! قال : فتبعته فجاء بي إلى دار عظيمة البناء لا أشكّ أنّها الجنّة ، وإذا رجل جالس على بساط أخضر ونور جلاله يغشي الأبصار فقال لي : إنّ فيما حملت من القماش حبرتين إحداهما في مكان كذا ، والاخرى في مكان كذا في السفط الفلاني ، وفي كل واحدة منهما رقعة مكتوب فيها ثمنها وربحها ، وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون دينارا والربح ديناران ، وثمن الأخرى ثلاثة عشر دينارا ، والربح كالأولى ، فاذهب فأت بهما.

قال الرجل : فرجعت فجئت بهما إليه فوضعتهما بين يديه فقال لي : اجلس فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلالا لهيبته ، قال : فمد يده إلى طرف البساط وليس هناك شيء فقبض قبضة ، وقال : هذا ثمن حبرتيك وربحهما ، قال : فخرجت وعددت المال في الباب فكان المشترى والربح كما كتب أبي لا يزيد ولا ينقص (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٠ / ٣٠٤ ح ٨١.

(٢) بحار الأنوار : ٥٠ / ٣١٤ ح ١٢.

١٥٦

الفصل الرابع عشر

في أسرار أبي صالح المهدي عليه‌السلام

فمن ذلك ما رواه الحسن بن حمدان عن حليمة (١) بنت محمد بن علي الجواد قالت : كان مولد القائم ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٠ (٢) وامّه نرجس بنت ملك الروم فقالت حليمة : فلما وضعته سجد ، وإذا على عضده (٣) مكتوب بالنور : جاء الحق وزهق الباطل ، قال : فجئت به إلى الحسن عليه‌السلام فمسح يده الشريفة على وجهه وقال : تكلّم يا حجّة الله وبقية الأنبياء ، وخاتم الأوصياء ، وصاحب الكرة البيضاء ، والمصباح من البحر العميق الشديد الضياء ، تكلّم يا خليفة الأتقياء ، ونور الأوصياء.

فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أن عليا ولي الله ، ثم عدّ الأوصياء ، فقال له الحسن عليه‌السلام : اقرأ ما نزل على الأنبياء ، فابتدأ بصحف إبراهيم فقرأها بالسريانية ، ثم قرأ كتاب نوح وإدريس ، وكتاب صالح ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وفرقان محمد صلّى الله عليه وعليهم أجمعين ، ثم قص قصص الأنبياء إلى عهده عليه‌السلام (٤).

هذا بقيّة الله في خلقه ، ووجه الله في عباده ، ووديعته المستحفظة ، وكلمته الباقية ، وهذا بقية أغصان شجرة طوبى ، هذا القاف ، وسدرة المنتهى ، هذا ريحان جنّة المأوى ، هذا خليفة الأبرار ، هذا بقيّة الأطهار ، هذا خازن الأسرار ، هذا منتهى الأدوار ، هذا ابن التسمية البيضاء ، والوحدانية الكبرى ، وحجاب الله الأعظم الأعلى ، هذا السبب المتصل من الأرض إلى السماء ، هذا الوجه الذي يتوجّه إليه الأولياء هذا الولي الذي بيمنه رزق الورى وببقائه بقيت الدنيا ، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، هذا الحجة من الحجج ، هذا نسخة الوجود والموجود ، هذا غوث المؤمنين ، وخاتم الوصيين وبقية النبيين ، ومستودع علم الأوّلين

__________________

(١) في نسخة خطية حكيمة.

(٢) كذا في الأصل المطبوع وفي النسخة ٢٢٥ فأما في كتاب دلائل الإمامة للطبري : سنة ٢٥٧.

(٣) في النسخة الخطية.

(٤) بحار الأنوار : ٥١ / ٢٧ ح ٣٧.

١٥٧

والآخرين ، هذا خاتم الألقاب الذاتية ، والأشخاص المحمدية ، والعترة الهاشمية ، هذا البقيّة من النور القويم ، والنبأ العظيم ، والصراط المستقيم ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم ، وأمناء العلي العظيم ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم.

هم خلفاء أحمد والنقباء الحكماء

أئمة اثنا عشر أشرف من تحت السماء

تعمى العيون عنهم وهم جلاء للعماء

هذا الخليفة الوارث لأسرة النبوّة والإمامة ، والخلافة والولاية ، والسلطنة (١) ، والعصمة والحكمة ، هذا الخلف من الآيات الباهرات ، والنجوم الزاهرات ، الذين لهم الحكم على الموجودات ، والتصرّف في الكائنات ، والاطلاع على الغيوب ، والعلم بما في الضمائر والقلوب ، والإحاطة بالمخلوقات والشهادة لسائر البريات ، شهد لهم بذلك الذكر المبين (٢) ، بأنهم سادة الأوّلين والآخرين ، والولاة على السّموات والأرضين ، وإن الذي وصل إلى الأنبياء قطرة من بحرهم ، ولمعة من نورهم ، وذرّة من سرّهم ، وذلك لأن الذي كان عند الأنبياء من الاسم الأعظم حرفان لا غير ، وكانوا يفعلون بهما العجائب ، وعند آل محمد سبعون حرفا ، وعندهم ما عند الأنبياء أيضا مضاف إليه ، فالكل منهم وعنهم ، وإليه الإشارة بقوله حكاية عن موسى عليه‌السلام : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (٣) ومن هنا للتبعيض ، وقال حكاية عن عيسى عليه‌السلام : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) (٤) ، وقال حكاية عن خاتم النبيّين : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٥) ، وقوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ

__________________

(١) في النسخة الخطية والنقطة كما في المفهوم الذي يراه المؤلف في علم الحروف.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) هذه الآية في آخر سورة التوبة.

(٣) الأعراف : ١٤٥.

(٤) النحل : ٣٩.

(٥) النحل : ٨٩.

١٥٨

شَيْءٍ) (١) ، فهم اللوح الحاوي لكل شيء ، والكتاب المبين الجامع لكل شيء ، لأن كل ما سطر في اللوح صار إليهم ، دليله قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٢). والإمام المبين هو اللوح المحفوظ (٣) المتقدّم في الوجود على سائر الموجودات ، وسمّاه الإمام لأنه فوق الكل وإمام الكل ، دليله قوله : «أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ» (٤) ونور محمد متقدّم في علم الغيب على الكل وعدل على الكل ، وعنه بدأ الكل ولأجله خلق الكل ، فاللوح المحفوظ هو الإمام ، وإليه الإشارة بقوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) فالكتاب المبين هو الإمام ، وإمام الحق علي ، فعلي هو الكتاب المبين ، وإليه الإشارة بما روي عن محمد الباقر عليه‌السلام أنّه لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا : يا رسول الله من الكتاب المبين أهو التوراة؟

قال : لا. قالا : فهو الإنجيل؟

قال : لا. قالا : فهو القرآن؟

قال : لا. فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا هو الإمام المبين الذي أحصى الله فيه علم كلّ شيء (٥).

وإن كبر عليك انّه هو الكتاب المبين ، فعنده علم الكتاب وإليه الإشارة بقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٦) فعلى الوجهين عنده علم الغيب من غير ريب.

أقول : يؤيّد هذا ما رواه ابن عباس من كتاب المقامات قال : أنزل الله على نبيّه كتابا من قبل أن يأتيه الموت عليه خواتيم من ذهب ، فقال له : ادفعه إلى النجيب من أهلك علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه ، ففك منه خاتما وعمل بما فيه ، ثم دفعه إلى الحسن عليه‌السلام ففك خاتما منه وعمل بما فيه ثم دفعه إلى الحسين عليه‌السلام ففك خاتما منه فوجد فيه : اخرج بقومك إلى الشهادة ، واشتر نفسك لله ، ثم دفعه إلى علي ابنه عليه‌السلام فوجد

__________________

(١) الأنعام : ٣٨.

(٢) يس : ١٢.

(٣) راجع تفسير الميزان : ١٧ / ٦٧ مورد الآية.

(٤) تقدّم الحديث.

(٥) تقدّم الحديث وراجع : ينابيع المودّة : ١ / ٧٧ ط تركيا و : ٨٧ النجف ، وتفسير الثقلين : ٤ / ٣٧٩.

(٦) الرعد : ٤٣.

١٥٩

فيه : اصمت والزم بيتك واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين ، ففعل ثم دفعه إلى محمد ابنه عليه‌السلام ففك خاتما فوجد فيه : حدّث الناس وافتهم ، ولا تخافنّ إلّا الله فلا سبيل لأحد عليك ، ففعل ، ثم دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه : حدّث الناس وافتهم وانشر علوم آبائك وصدق أهل بيتك ، ولا تخافنّ أحدا إلّا الله هكذا حتى مضى ، ثم صار إلى القائم عليه‌السلام (١).

يشهد بصحّة هذا الإيراد حديث اللوح الذي رواه جابر عن الزهراء عليها‌السلام وهو لوح أهداه الله إلى رسوله فيه اسمه واسم الخلفاء من بعده نسخته : «بسم الله الرحمن الرحيم» هذا كتاب من الله العزيز الحكيم إلى محمد نبيّه وسفيره نزل به الروح الأمين من رب العالمين ، عظّم يا محمد أمري ، واشكر نعمائي ، إنّني أنا الله لا إله إلّا أنا فمن رجا غير فضلي ، وخاف غير عدلي ، عذّبته عذابا أليما ، فإيّاي فاعبد ، وعليّ فتوكل ، إنني لم أبعث نبيّا قط فأكملت أيّامه إلّا جعلت له وصيّا وإني فضلتك على الأنبياء وجعلت لك عليا وصيّا ، وكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، وجعلت حسنا معدن وحيي بعد أبيه ، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة ، وأعطيته مواريث الأنبياء فهو سيّد الشهداء ، وجعلت كلمتي الباقية في عقبه أخرج منه تسعة أبرار هداة أطهار منهم سيّد العابدين وزين أوليائي ، ثم ابنه محمد شبيه جدّه المحمود الباقر لعلمي ، هلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد عليّ ، حق القول منّي أن أهيج بعده فتنة عمياء ، من جحد وليا من أوليائي فقد جحد نعمتي ، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ ، ويل للجاحدين فضل موسى عبدي وحبيبي ، وعلي ابنه وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوّة يقتله عفريت مريد ، حق القول منّي لأقرنّ عينه بمحمد ابنه موضع سرّي ، ومعدن علمي ، وأختم بالسعادة لابنه علي الشاهد على خلقي ، أخرج منه خازن علمي الحسن الداعي إلى سبيلي ، وأكمل ديني بابنه زكي العالمين عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، يذلّ أولياؤه في غيبته ويتهادون برؤوسهم إلى الترك والديلم ، ويصبغ الأرض بدمائهم ويكونون خائفين أولئك أوليائي حقّا ، بكم أكشف الزلازل والبلاء ، (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار عن الكافي : ٣٦ / ١٩٢ ح ١.

(٢) بحار الأنوار : ٣٦ / ١٩٨ ح ٣ والحديث طويل / والاية ١٥٧ من سورة البقرة.

١٦٠