مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

لوقته وصار كلبا ، فبهت من حوله ، وجعل الرجل يتضرّع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ويشير بإصبعه فنظر إليه وحرّك شفته فإذا هو بشر سوي ، فقام إليه بعض أصحابه وقال مالك : أنجهّز الناس إلى قتال معاوية ولك مثل هذه القدرة؟ فقال : والذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة بهذه الفلوات حتى أضرب بها صدر معاوية فأقبله عن سريره لفعلت ، ولكن (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (١).

ومن ذلك قوله لمروان بن الحكم يوم الجمل وقد بايعه : خفت يا ابن الحكم أن ترى رأسك في هذه البقعة ، كلا لا يكون ذلك حتى يكون من صلبك طواغيت يملكون هذه الأمة (٢).

ومن ذلك كلامه في كربلاء وهو في التوجّه إلى صفّين فقال : صبرا أبا عبد الله بشاطي الفرات ثم بكى ، وقال : هذا والله مناخ القوم ومحطّ رحالهم (٣).

ومن ذلك قوله بصفين وقد سمع الغوغاء يقولون : قتل معاوية ، فقال : ما قتل ولا يقتل حتى تجتمع عليه الامّة (٤).

ومن ذلك ما رواه القاضي ابن شاذان عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان ينفخ في الناس وهم يتحاودون عنه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وسّعوا له» فأقبل حتى رقي المنبر والناس ينظرون إليه ، ثم قبّل أقدام أمير المؤمنين عليه‌السلام وجعل يتمرّغ عليها ، ونفخ ثلاث نفخات ، ثم نزل وانساب ، ولم يقطع أمير المؤمنين عليه‌السلام خطبته ، فسألوه عن ذلك فقال : هذا رجل من الجن ذكر أن ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر بن سبيع عند خفان (٥) من غير أن يتعرّض له بسوء وقد استوهبت دم ولده. فقام إليه رجل طوال بين الناس وقال : أنا الرجل الذي قتلت الحية في المكان المشار إليه ، وإني منذ قتلتها لا أقدر أن أستقر في مكان من الصياح والصراخ فهربت إلى الجامع ، وأنا منذ سبع ليال هاهنا.

__________________

(١) الأنبياء : ٢٦ ، والحديث في بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٨٥ ح ٣٥٧.

(٢) مدينة المعاجز : ٢ / ٣٩.

(٣) بحار الأنوار : ٢٢ / ٣٨٦ ح ٢٨.

(٤) بحار الأنوار عن الخرائج : ٤١ / ٢٩٨ ح ٢٧ وفيه لا يهلك.

(٥) خفان موضع بالكوفة.

١٢١

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : خذ جملك واعقره في مكان قتل الحية وامض لا بأس عليك (١).

ومن كرامته عليه‌السلام قوله : إنّ الله أعطاني ما لم يعط أحدا من خلقه ، فتحت لي السبل ، وعلمت الأسباب والأنساب ، وأجري لي السحاب ، ولقد نظرت في الملكوت فما غاب عنّي شيء ممّا كان قبلي ، ولا شيء ممّا يأتي بعدي ، وما من مخلوق إلّا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر نحن نعرفه ، إذا رأيناه (٢).

ومن ذلك قوله عليه‌السلام لرميلة وكان قد مرض وأبل وكان من خواصّ شيعته فقال له : وعكت يا رميلة ، ثم رأيت خفا فأتيت إلى الصلاة ، قال : نعم يا سيدي ، وما أدراك؟ فقال : يا رميلة ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلّا مرضنا لمرضه ، ولا حزن إلّا حزنّا لحزنه ، ولا دعا إلّا أمّنا على دعائه ، ولا سكت إلّا دعونا له ، وما من مؤمن ولا مؤمنة في المشارق والمغارب إلّا ونحن معه (٣).

ومن ذلك ما رواه الأصبغ بن نباتة عن زيد الشحام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام جاءه نفر من المنافقين فقال له : أنت الذي تقول أن هذا الجري مسخ حرام؟ فقال : نعم ، فقالوا : أرنا برهانك؟ فجاء بهم إلى الفرات ، ثم نادى مناش مناش (٤) ، فأجابه الجري : لبيك ، فقال له أمير المؤمنين : من أنت؟ فقال : ممّن عرضت ولايتك عليه فأبى فمسخ ، وإن فيمن معك من يمسخ كما مسخنا ويصير كما صرنا ، فقال أمير المؤمنين : بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم. فقال : نعم كنّا أربعة وعشرين قبيلة من بني إسرائيل ، وكنّا قد تمرّدنا وعصينا وعرضت علينا ولايتك فأبينا ، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد فجاءنا آت أنت والله أعلم به منّا فصرخ فينا صرخة فجمعنا جمعا واحدا ، وكنّا متفرّقين في البراري فجمعنا لصرخته ثم صاح صيحة اخرى وقال : كونوا مسوخا بقدرة الله فمسخنا أجناسا مختلفة ، ثم قال : أيّتها القفار كوني أنهارا تسكنك هذه المسوخ واتصلي ببحار الأرض حتى لا يبقى ماء إلّا وفيه من هذه

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٢٠١ باب انّهم جرى لهم ما جرى للرسول ح ٣ ـ ٤ والبحار : ٣٩ / ١٧٢ ح ١٤.

(٢) بحار الأنوار : ٣٩ / ٣٣٦ ح ٥.

(٣) بحار الأنوار : ٢٦ / ١٥٤ ح ٤٣.

(٤) في البحار : هناس.

١٢٢

المسوخ كما ترى (١).

فصل

نازع في هذا الحديث من اعترضه الشك فقال : نطق بلسان الحال أو بلسان المقال ، فقلت له : أما تسمع قول الله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) (٢) فجعله لمن يعقل ، ثم عطف على من لا يعقل فقال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ، ثم قال : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٣) ، أخبر سبحانه أن كل شيء يسبّح لربّه بلسان الحال ولسان المقال ، ولكن لسان المقال منه مستور عنكم لم يلزمكم الله بمعرفته ، لأن العفو هو الستر فلو كشف الستر عنه عرفتموه مثل تسبيح الحصى بكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا نطق الحصى الصوان بلسان المقال فلم لا ينطق الجري وهو حيوان ، وقوله : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) ، يعني أن سائر المخلوقات غير المكلّفين يسبّحون ولا يسأمون ، وأنتم مع وجوب التكليف عليكم تنسون وتسأمون ، وهو مع جهلكم وسهوكم ، حليم عنكم وغفور لكم.

ومن ذلك ما رواه عبيد السكسكي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ عليا عليه‌السلام لمّا قدم من صفين وقف على شاطىء الفرات ، وأخرج قضيبا أخضر وضرب به الفرات ، والناس ينظرون إليه فانفجرت اثنتى عشرة عينا كل فرق كالطود العظيم ثم تكلّم بكلام لم يفهموه ، فأقبلت الحيتان رافعة أصواتها بالتهليل والتكبير ، وقالت : السلام عليك يا حجّة الله في أرضه وعين الله الناظرة في عباده خذلك قومك كما خذل هارون بن عمران قومه ، فقال لأصحابه : سمعتم؟ فقالوا : نعم ، فقال هذه آية لي وحجّة عليكم (٤).

ومن ذلك من قضاياه الغريبات وحلّه للمشكلات ، أن رجلا حضر مجلس أبا بكر فادّعى

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٧ / ٢٧١ ح ٢٤.

(٢) الاسراء : ٤٤.

(٣) الاسراء : ٤٤ ـ ٤٥.

(٤) بحار الأنوار عن الخرائج : ٣٣ / ٤٦ ح ٣٩١.

١٢٣

أنه لا يخاف الله ولا يرجو الجنّة ولا يخشى النار ، ولا يركع ولا يسجد ، ويأكل الميتة والدم ويشهد بما لم ير ويحبّ الفتنة ، ويكره الحق ويصدّق اليهود والنصارى ، وأن عنده ما ليس عند الله وله ما ليس لله ، وأنا أحمد النبي وأنا علي وأنا ربّكم ، فقال له عمر : ازددت كفرا على كفرك ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : هوّن عليك يا عمر ، فانّ هذا رجل من أولياء الله لا يرجو الجنة ، ولكن يرجو الله ولا يخاف النار ، ولكن يخاف ربّه ولا يخاف الله من ظلم ، ولكن يخاف عدله لأنّه حكم عدل ، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة ويأكل الجراد والسمك ، ويحبّ الأهل والولد ويشهد بالجنّة والنار ، ولم يرهما ويكره الموت وهو الحق ، ويصدّق اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضا ، وله ما ليس لله لأن له ولدا وليس لله ولد ، وعنده ما ليس عند الله ، فإنّه يظلم نفسه وليس عند الله ظلم ، وقوله : أنا أحمد النبي ، أي أنا أحمده عن تبليغه الرسالة عن ربّه ، وقوله : أنا علي يعني علي في قولي وقوله ، وأنا ربّكم أي لي كم أرفعها وأضعها.

ففرح عمر وقام فقبّل رأس أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : لا بقيت بعدك يا أبا الحسن (١).

ومن ذلك أن ابن الكوا قدم إلى أمير المؤمنين وهو يخطب فقال : إنّي وطأت على دجاجة ميتة فخرجت منها بيضة أفآكلها؟ قال : لا ، قال : فإن استفرختها فخرج منها فروخ فآكله؟ فقال : نعم. فقال : كيف ذاك؟ فقال : لأنّه حي خرج من ميت ، وتلك ميتة خرجت من ميت (٢).

أقول : وكيف لا يكون ذاك كذلك؟ وقد روى الحسن البصري أن الخضر لما التقى بموسى وكان بينهما ما كان جاء عصفور فأخذ قطرة من البحر فوضعها على يد موسى فقال الخضر : ما هذا؟ قال : يقول ما علمنا وعلم سائر الأولين والآخرين في علم وصي النبي الأمّي إلّا كهذه القطرة في هذا البحر (٣).

وروى ابن عباس عنه أنه شرح له في ليلة واحدة من حين أقبل ظلامها حتى أسفر صباحها وطفى مصباحها في شرح الباء من بسم الله ولم يتعد إلى السين ، وقال : لو شئت

__________________

(١) بحار الأنوار عن المناقب : ٤٠ / ٢٢١ ح ٤ والحديث طويل.

(٢) شرح الأخبار للقاضي : ٢ / ٣٢٤ ، ومناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٩٦ وفيهما : استحضنتها.

(٣) بحار الأنوار : ٤٠ / ١٨٦ ح ٧١.

١٢٤

لأوقرت أربعين بعيرا من شرح بسم الله (١).

نعم هذا أخو النبي ووصيّه ، ونائب الحق ووليّه ، وأسد الله وعليه ، ومختاره ورضيّه ، الذي واسى النبي وساواه ، وبمهجته في الملمات وقاه ، وأجابه حين دعاه ولباه ، وشيّد الدين بعزمه وبناه ، وكان بيت النبوة مرباه ، ومبناه ، وشمس الرسالة عرسه ، وغصن الجلالة والنبوة ولداه ، الذي نصر الرسول وحماه ، وغسّل النبي وواراه ، وقام بدينه ودينه وقضاه ، وليد الحرم وربيب الكرم ، وفتاه الذي أباد الشرك وأفناه.

ومن ذلك : أن رجلا من الخوارج مرّ بأمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه حوتان من الجري قد غطاهما بثوبه فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : بكم شريت أبويك من بني إسرائيل؟

فقال له الرجل : ما أكثر ادّعاءك للغيب؟ فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : أخرجهما. فأخرجهما.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أنتما؟ فقالت إحداهما : أنا أبوه ، وقالت الأخرى : أنا أمّه.

ومن ذلك ما رواه محمد بن سنان قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول للرجل : يا مغرور إنّي أراك في الدنيا قتيلا بجراحة من عبد أم معمر تحكم عليه جورا فيقتلك توفيقا يدخل بذلك الجنة على رغم منك ، وإن لك ولصاحبك الذي قمت مقامه صلبا وهتكا تخرجان من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتصلبان على أغصان دوحة يابسة فتورق فيفتتن بذاك من والاك ، فقال عمر : ومن يفعل ذاك يا أبا الحسن؟ فقال : قوم قد فرّقوا بين السيوف وأغمادها ، ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم ويأتي جرجيس ودانيال وكل نبي وصدّيق ، ثم يأتي ريح فينسفكما في اليم نسفا (٢).

ومن ذلك : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال يوما للحسن : يا أبا محمد ما ترى عند ربي تابوتا من نار يقول يا علي استغفر لي ، لا غفر الله له.

وروي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (٣) ، قال : سأل رجل

__________________

(١) تذكرة الخواص : ١٥٣ ، والطرائف : ١ / ٢٠٥ بتحقيقنا ، والبحار : ٤٠ / ١٨٦ ح ٧١.

(٢) مدينة المعاجز : ٢ / ٤٤ ، والبحار : ٥٣ / ١٣ بتفاوت.

(٣) لقمان : ١٩.

١٢٥

أمير المؤمنين عليه‌السلام ما معنى هذه الحمير؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الله أكرم من أن يخلق شيئا ثم ينكره ، إنّما هو زريق وصاحبه في تابوت من نار في صورة حمارين إذا شهقا في النار انزعج أهل النار من شدّة صراخهما.

ومن ذلك : أن الخوارج يوم النهروان جاءهم جواسيسهم فأخبروهم أن عسكر أمير المؤمنين عليه‌السلام أربعة آلاف فارس فقالوا : لا ترموهم بسهم ولا تضربوهم بسيف ، ولكن يروح كل واحد منكم إلى صاحبه برمحه فيقتله ، فعلم أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك من الغيب ، فقال لأصحابه : لا ترموهم ولا تطاعنوهم ، واستلوا السيف فإذا جاء كلا منكم غريمه فليقطع رمحه ويمشي إليه فيقتله فإنّه لا يقتل منكم عشرة ، ولا يفلت منهم عشرة. فكان كما قال (١).

ومن ذلك ـ أي من كراماته ـ : ما رواه ابن عباس أن رجلا قدم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فاستضافه فاستدعى قرصا من شعير يابسة وقعبا فيه ماء ثم كسر قطعة فألقاها في الماء ثم قال للرجل : تناولها فأخرجها فإذا هي فخذ طائر مشوي ، ثم رمى له أخرى ، وقال : تناولها فأخرجها فإذا هي قطعة من الحلوى ، فقال الرجل : يا مولاي تضع لي كسرا يابسة فأجدها أنواع الطعام ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : نعم هذا الظاهر وذاك الباطن وإن أمرنا هكذا (٢).

ومن ذلك : قصة فضة الجارية وأنها لما جاءت إلى بيت الزهراء عليها‌السلام ولما دخلت بيت النبوّة ومعدن الرحمة ومنبع العصمة ، ودار الحكمة وامّ الأئمة ، لم تجد هناك إلّا السيف والدرع والرحى ، وكانت فضة بنت ملك الهند وكان عندها ذخيرة من الأكسير ، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة سمكة وألقت عليها الدواء وصبغتها ذهبا ، فلما جاء أمير المؤمنين عليه‌السلام وضعتها بين يديه فلما رآها قال : أحسنت يا فضة لكن لو أذنبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى ، فقالت : يا سيدي أتعرف هذا العلم؟

فقال : نعم ، وهذا الطفل يعرفه وأشار إلى الحسن عليه‌السلام فجاء وقال كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم قال لها أمير المؤمنين : نحن نعرف أعظم من هذا ، ثم أومى بيده ، وإذا عنق

__________________

(١) المعجم الأوسط : ٢ / ٣٢٣ ومناقب الخوارزمي : ٢٦٣.

(٢) بحار الأنوار : ٤١ / ٢٧٣ ح ٢٩ وفيه : الحلواء.

١٢٦

من ذهب وكنوز سائرة ، فقال : ضعيها مع أخواتها ، فوضعتها فسارت (١).

ومن ذلك : ما رواه عمّار بن ياسر قال : كنت مع سيدي أمير المؤمنين عليه‌السلام يوما في بعض صحاري الحيرة ، وإذا راهب يضرب ناقوسه ، فقال لي : يا عمّار أتدري ما يقول الناقوس؟

فقلت : يا مولاي ، وما تقول الخشبة؟ فقال : إنها تضرب مثلا للدنيا وتقول :

أهل الدنيا خلوا الدنيا

مهلا مهلا رفقا رفقا

إن المولى صمد يبقى

حقا حقا صدقا صدقا

يا مولانا إن الدنيا

قد أهوتنا واستغوتنا

ما من يوم يمضي منها

إلّا أوهت منا ركنا

لسنا ندري ما قدّمنا

فيها إلّا إذ قد متنا

قال عمار : فأتيت الراهب من الغد فقلت له : اضرب الناقوس.

فقال : وما تفعل به وأنت مسلم؟

فقلت : لأريك سرّه ، قال : فأخذ يضرب ناقوسه ، وأنا أتلو عليه ما يقول ، فخرّ ساجدا وأسلم ، وقال : إنّ عندي بخط هارون بن عمران بيده أن الله يبعث في الاميين رسولا له وزير يعلم ما يقول الناقوس (٢).

ومن ذلك ما روي من كراماته : أن فرعونا لمّا لحق هارون بأخيه موسى دخلا عليه يوما فأوجسا خيفة منه ، فإذا فارس يقدمهما ولباسه من ذهب ، وفي يده سيف من ذهب ، وكان فرعون يحبّ الذهب فقال لفرعون : أجب هذين الرجلين وإلّا قتلتك ، فانزعج فرعون لذاك وقال : عودا إليّ غدا ، فلما خرجا دعا البوّابين وعاقبهم ، وقال : كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفا بعزّة فرعون ما دخل إلّا هذان الرجلان ، وكان الفارس مثال علي الذي أيّد الله به النبيّين سرّا ، وأيّد به محمدا جهرا ، لأنه كلمة الله الكبرى التي أظهرها الله لأوليائه فيما شاء من الصور فنصرهم بها ، وبتلك الكلمة يدعون الله فيجيبهم وينجيهم ، وإليه الإشارة في

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤١ / ٢٧٣ ح ٢٩ بتفاوت بسيط.

(٢) بحار الأنوار : ٤٠ / ١٧٢ ح ٥٤ وفيه : يفسّر ما يقول الناقوس.

١٢٧

قوله : (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا) (١) قال ابن عباس : وكانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس والسلطان.

ومن ذلك ما رواه الرضا عليه‌السلام عن آبائه الطاهرين عليهم‌السلام أن يهوديا جاء إلى أبي بكر في ولايته وقال له : إنّ أبي قد مات وخلف كنوزا ، ولم يذكر أين هي ، فإن أظهرتها كان لك ثلث وللمسلمين ثلث آخر ، ولي ثلث وأدخل في دينك ، فقال أبو بكر : لا يعلم الغيب إلّا الله ، فجاء إلى عمر فقال له مقالة أبي بكر ، ثم دلّه على علي عليه‌السلام فسأله فقال : رح إلى بلد اليمن واسأل عن وادي برهوت بحضر موت ، فإذا حضرت الوادي فاجلس هناك إلى غروب الشمس فسيأتيك غرابان سود مناقيرها تنعب فاهتف باسم أبيك وقل له : يا فلان أنا رسول وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليك كلّمني فانّه يكلّمك فاسأله عن الكنوز فإنّه يدلّك على أماكنها ، فمضى اليهودي إلى اليمن واستدل على الوادي وقعد هناك ، وإذا بالغرابين قد أقبلا فنادى أباه فأجابه ، وقال : ويحك ما أقدمك إلى هذا الموطن ، وهو من مواطن أهل النار؟ فقال : جئت أسألك عن الكنوز ، أين هي؟ فقال : في موضع كذا وفي حائط كذا. ثم قال : ويلك اتبع دين محمد تسلم فهو النجاة. ثم انصرف الغرابان ، ورجع اليهودي فوجد كنزا من ذهب وكنزا من فضّة ، فأوقر بعيرا وجاء به إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله وأنك وصي رسول الله وأخوه وأمير المؤمنين حقّا كما سمّيت ، وهذه الهدية فاصرفها حيث شئت فإنّك وليه في العالمين (٢).

ومن ذلك ما رواه ابن عباس أن جماعة من أهل الكوفة من أكابر الشيعة سألوا أمير المؤمنين أن يريهم من عجائب أسرار الله فقال لهم : إنّكم لن تقدروا أن تروا واحدة ، فتكفروا ، فقالوا : لا شك أنك صاحب الأسرار ، فاختار منهم سبعين رجلا وخرج بهم إلى ظاهر الكوفة ثم صلّى ركعتين وتكلّم بكلمات وقال : انظروا فإذا أشجار وأثمار حتى تبين لهم أنه الجنة ، فقال أحسنهم قولا : هذا سحر مبين ، ورجعوا كفّارا إلّا رجلين ، فقال لأحدهما : أسمعت ما قال أصحابك وما هو والله بسحر ، وما أنا بساحر ، ولكنه علم الله ورسوله ، فإذا رددتم عليّ

__________________

(١) القصص : ٣٥.

(٢) مدينة المعاجز : ٢ / ٤٧ ح ٣٩٣.

١٢٨

فقد رددتم على الله ، ثم رجع إلى المسجد يستغفر لهم ، فلمّا دعا تحول حصى المسجد درّا وياقوتا فرجع أحد الرجلين كافرا وثبت الآخر (١).

ومن ذلك أنه كان يقول لابن عباس : كيف أنت يابن عم إذا ظلمت العيون العين؟

فقال : يا مولاي كلّمتني بهذا مرارا ولا أعلم معناه ، فقال : عين عتيق وعمر وعبد الرحمن ابن عوف ، وعين عثمان وستضمّ إليها عين عائشة ، وعين معاوية وعين عمرو بن العاص ، وعين عبد الرحمن بن ملجم ، وعين عمر بن سعد (٢).

ومن ذلك قوله لدهقان فارس وقد حذّره من الركوب والمسير إلى الخوارج فقال له : اعلم أن طوالع النجوم قد نحست فسعد أصحاب النحوس ونحس أصحاب السعود ، وقد بدا المريخ يقطع في برج الثور وقد اختلف في برجك كوكبان وليس الحرب لك بمكان ، فقال له : أنت الذي تسيّر الجاريات وتقضي علي بالحادثات ، وتنقلها مع الدقائق والساعات ، فما السراري وما الذراري؟ وما قدر شعاع المدبرات؟

فقال : سأنظر في الاسطرلاب وأخبرك ، فقال له : أعالم أنت بما تم البارحة في وجه الميزان؟ وأي نجم اختلف في برج السرطان؟ وأي آفة دخلت على الزبرقان؟

فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت أن الملك البارحة انتقل من بيت إلى بيت في الصين ، وانقلب برج ما جين وغارت بحيرة ساوة ، وفاضت بحيرة خشرمة وقطعت باب البحر (٣) من سقلبة (٤) ، ونكس ملك الروم بالروم وولي أخوه مكانه ، وسقطت شرفات الذهب من قسطنطينية الكبرى ، وهبط سور كرنديب ، وفقد ربان اليهود ، وهاج النمل بوادي النمل ، وصعد سبعون ألف عالم وولد في كل عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم.

فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت بالشهب الحرس والأنجم والشمس ، وذوات الذوايب التي تطلع مع الأنوار وتغيب مع الأسحار؟ فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت بطلوع النجمين

__________________

(١) مدينة المعاجز : ٢ / ٤٧ ح ٣٩٣.

(٢) معاني الأخبار : ٣٨٧ باب نوادر المعاني وفيه بدل أسماء الرجال قوله : وأما العيون فأعداؤه رابعهم قاتله.

(٣) أو الصخرة كما في نسخة أخرى.

(٤) في البحار : من سفينته.

١٢٩

اللذين ما طلعا إلّا عن مكيدة ، ولا غابا إلّا عن مصيبة ، وإنهما طلعا غربا فقتل قابيل هابيل ، ولا يظهران إلّا بخراب الدنيا؟ فقال : لا أعلم ، فقال : إذا كنت لا تعلم طرق الدنيا فإنّي أسألك عن قريب ، أخبرني ما تحت حافر فرسي الأيمن والأيسر من المنافع والمضار ، فقال : أنا في علم الأرض أقصر منّي في علم السماء ، فأمر أن يحفر تحت الحافر الأيمن فخرج كنز من ذهب ، ثم أمر أن يحفر تحت الحافر الأيسر فخرج أفعى فتعلّق الحكيم فصاح يا مولاي الأمان ، فقال : الأمان بالإيمان ، فقال : لأطيلن لك الركوع والسجود ، فقال : سمعت خيرا ، فقال : خيرا أسجد لله وتضرّع بي إليه ، ثم قال : يا سهر سقيل سوار نحن نجوم القطب ، وأعلام الفلك ، وإن هذا العلم لا يعلمه إلّا نحن وبيت في الهند (١).

ومن ذلك ما رواه أحمد بن عبد العزيز الجلودي قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام بالبصرة فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوا من عنده علم المنايا والبلايا ، والأنساب في الأصلاب ، وفصل الخطاب (٢).

روى الصدوق في العيون بسنده عن أبي الصلت الهروي قال : كان الرضا عليه‌السلام يكلّم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس بلغاتهم وأعلمهم بكل لسان ولغة ، فقلت : يابن رسول الله إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ، فقال :

يا أبا الصلت أنا حجّة الله ، وما كان الله ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أما بلغك قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أوتينا فصل الخطاب [فهل فصل الخطاب] إلّا معرفة اللغات؟ أنا دابة الأرض ، أنا حي لا أموت ، وإذا مت يرث الله الأرض ومن عليها ، سلوني فإنّي لا أسأل عمّا دون العرش إلّا أجبت (٣)» ، وقوله : «عمّا دون العرش» رمز له وجوه : الأوّل منها أن العرش هو العلم ، والعرش عند علماء الحروف هو محمد ، والعرش العرش وقوله «عما دون العرش» لا يستلزم أنه لا يعلم ما وراء ذلك ، بل إن عقول البشر لا تعي القول عمّا وراء العرش ، ولا تحتمله بل تعمى دونه البصائر والأبصار.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٧ / ٣٣٧ و ٤١ / ٣٣٦ ح ٥٧.

(٢) بصائر الدرجات : ٢٠١ باب انّهم جرى لهم ما جرى للرسول : ح ٣ ـ ٤.

(٣) وفي بصائر الدرجات (٤٥٤ ح ١٢) : بروح القدس علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى.

١٣٠

آه لو أجد له حملة! قال : فقام إليه رجل في عنقه كتاب رافعا صوته : أيّها المدّعي ما لا تعلم ، المقلّد ما لا يفهم ، إنّي سائلك فأجب ، قال : فوثب إليه أصحاب علي ليقتلوه ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : دعوه فإنّ حجج الله لا تقوم بالبطش ، ولا بالباطل تظهر براهين الله ، ثم التفت إلى الرجل وقال : سل بكل لسانك فإنّي مجيب إن شاء الله تعالى ، فقال الرجل : كم بين المشرق والمغرب؟ فقال : مسافة الهواء ، وقال : وما مسافة الهواء؟ قال : دوران الفلك ، قال : وما دوران الفلك؟ قال : مسيرة يوم الشمس ، قال الرجل : صدقت ، قال : فمتى القيامة؟ قال : عند حضور المنيّة ، وبلوغ الأجل ، قال : صدقت ، قال : فكم عمر الدنيا؟ قال : يقال سبعة آلاف ثم لا تحديد ، قال : صدقت ، قال : فأين مكة من بكة؟ فقال : مكة أكناف الحرم وبكة مكان البيت؟ قال : ولم سمّيت مكة؟ قال : لأنّ الله تعالى مك الأرض من تحتها أي دحاها ، قال : فلم سمّيت بكة؟ قال : لأنها أبكت عيون الجبّارين والمذنبين ، قال : صدقت ، قال : وأين كان الله قبل خلق عرشه؟ فقال أمير المؤمنين : سبحان الله من لا يدرك كنه صفته حملة عرشه على قرب زمراتهم من كراسي كرامته ، ولا الملائكة المقرّبون من أنوار سبحات جلاله ، ويحك لا يقال لم ولا كيف ، ولا أين ولا متى ، ولا بم ولا حيث ، فقال الرجل : صدقت ، قال : فكم مقدار ما لبث العرش على الماء قبل خلق الله الأرض والسماء؟ فقال : أتحسن أن تحسب؟ فقال : نعم ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أفرأيت لو صبّ في الأرض خردل حتى سد الهواء وملأ ما بين الأرض والسماء ، ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من المشرق إلى المغرب ، ثم مد لك في العمر حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء ، وانّما وصفه لك جزاء من عشر عشير جزء من مائة ألف جزء وأستغفر الله من القليل في التحديد ، قال : فحرّك الرجل رأسه ، وقال : أشهد أن لا إله إلّا الله [وأن محمدا رسول الله] (١).

يؤيّد هذا ما رواه الرازي في كتابه المسمّى بمفاتيح الغيب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليلة اسري بي إلى السماء ، رأيت في السماء السابعة ميادينا كميادين أرضكم هذه ، ورأيت أفواجا من الملائكة يطيرون لا يقف هؤلاء لهؤلاء ، ولا هؤلاء لهؤلاء ، قال : فقلت لجبرائيل عليه‌السلام : من

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٧ / ٢٣١ ح ١٨٨ عن كتاب المختصر مع تفاوت.

١٣١

هؤلاء؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : وأين يمضون؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : سلهم ، فقال : لا أقدر ولكن سلهم أنت يا حبيب الله ، قال : فاعترضت ملكا منهم وقلت : ما اسمك؟ فقال : كيكائيل ، فقلت : من أين أتيت؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : وأين تمضي؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : وكم لك في السير؟ فقال : لا أعلم ، غير أني يا حبيب الله أعلم أن الله سبحانه يخلق في كل ستّة آلاف سنة كوكبا ، وقد رأيت ستّة آلاف كوكبا خلقهن وأنا في السير (١).

ومن ذلك ما رواه أصحاب التواريخ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا وعنده جني يسأله عن قضايا مشكلة فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام فتصاغر الجني حتى صار كالعصفور ثم قال : أجرني يا رسول الله ، فقال : ممن؟ فقال : من هذا الفتى المقبل ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما ذاك؟ فقال الجني : أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان ، فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي ، ثم أخرج يده مقطوعة فقال النبي : هو ذلك (٢).

وبهذا الإسناد أن جنيا كان جالسا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام فاستغاث الجنّي وقال : أجرني سليمان فأرسل إليّ نفرا من الجن فطلت عليهم فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني ، وهذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل ، فنزل جبرائيل عليه‌السلام وقال : الحق يقرئك السلام ويقول لك : إنّي لم أبعث نبيّا قطّ إلّا جعلت عليا معه سرّا ، وجعلته معك جهرا (٣).

فيا خامد الفطنة ، يا من يقول هذا التناسخ ومن أين لك علم التناسخ؟

وقدمك في طريق الحق غير راسخ ، أما علمت أن اسم الله الأعظم نير لك في كل تركيب ، وكذا كلمة الله العليا تظهر في كل صورة وتفعل كل عجيب ، وكيف تشك في قول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قال : أنا الفاتح ، أنا الخاتم ، وترتاب في علي ، أليس هو قسيم النور الأوّل الذي يتشعشع في جسد كل من والاه ، فإنّه أمل كل ولي وغاية كل صفي ، ثم ظهر مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الجسد ، كما كان معه في كل مقام.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٧ / ٣٣٨ ح ٢٩.

(٢) حلية الأبرار : ٢ / ١٥ ، ومدينة المعاجز : ٣ / ٧٦ ـ ٥١٢.

(٣) المراقبات : ٢٥٩ ، وجامع الأسرار : ٣٨٢ ح ٧٦٣.

١٣٢

الفصل الثالث

في أسرار فاطمة الزهراء عليها‌السلام

فمن ذلك من أسرار مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ : أن خديجة لمّا حضرتها الولادة بعث الله عزوجل إليها عشرين من الحور العين بطشوت وأباريق وماء من حوض الكوثر ، وجاءتها مريم بنت عمران وسارة وآسية بنت مزاحم ، بعثهنّ الله يعنها على أمرها ، فلما وضعتها أشرقت الدنيا وامتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار ، وفاح عطر العظمة ، وامتلأت بيوت مكة بالنور ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلّا أشرق نورا ، وظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا ، وقالت النسوة : خذيها يا خديجة طاهرة معصومة بنت نبي ، زوجة وصي ، نور وضي عنصر زكي ، أم أبرار ، حبيبة جبّار ، صفوة أطهار ، مباركة بورك فيها وفي ولدها.

ولما تناولتها خديجة قالت : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن أبي سيّد الأنبياء ، وأن بعلي سيّد الأوصياء ، وأن ولدي سادة الأسباط.

ثم سلمت على النسوة وسمّت كل واحدة منهن باسمها ، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة الزهراء ، وكانت تحدث خديجة في الأحشاء وتونسها بالتسبيح والتقديس ، وكان نورها وخلقها وخلالها وجمالها لا يعدو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

ومن كراماتها على الله : أنها لما منعت حقّها أخذت بعضادة حجرة النبي وقالت : ليست ناقة صالح عند الله بأعظم منّي ، ثم رفعت جنب قناعها إلى السماء وهمّت أن تدعو فارتفعت جدران المسجد عن الأرض ، ونزل العذاب فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فمسك يدها وقال : يا بقية النبوّة وشمس الرسالة ، ومعدن العصمة والحكمة ، إنّ أباك كان رحمة للعالمين فلا تكوني عليهم نقمة ، أقسم عليك بالرؤوف الرحيم ، فعادت إلى مصلّاها (٢).

__________________

(١) يراجع المجلّد ٤٦ من بحار الأنوار ـ تاريخ فاطمة عليها‌السلام.

(٢) وفاة الزهراء : ٦٣ ، والاحتجاج : ٥٦ والمسترشد : ٣٨٢.

١٣٣

الفصل الرابع

في أسرار الحسن بن علي عليهما‌السلام

فمن ذلك : أنه لما قدم من الكوفة جاءت النسوة يعزينه في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ودخلت عليه أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت عائشة : يا أبا محمد ما مثل فقد جدّك إلّا يوم فقد أبوك ، فقال لها الحسن : نسيت نبشك في بيتك ليلا بغير قبس بحديدة ، حتى ضربت الحديدة كفك فصارت جرحا إلى الآن فأخرجت جردا أخضر فيه ما جمعته من خيانة حتى أخذت منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين لها وزنا ففرقتيها في مبغضي علي صلوات الله عليه من تيم وعدي ، وقد تشفيت بقتله ، فقالت : قد كان ذلك (١).

ومن ذلك : أن معاوية لمّا أراد حرب علي عليه‌السلام وجمع أهل الشام ، سمع بذلك ملك الروم فقيل له : رجلان قد خرجا يطلبان الملك ، فقال : من أين؟ فقيل له : رجل بالكوفة ورجل بالشام ، فقال : [فسألهم عن صفتهما ، فوصفوهما له ، ثم قال لخزان بيوت خزائنه : أخرجوا إلى الأصنام ، فنظر إليها فقال : الشامي ضال والكوفي هاد] (٢) ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، وبعث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، حتى أجمع بينهما وأنظر في الانجيل من أحق بالملك منكما وأخبركما ، فبعث إليه معاوية ابنه يزيد ، وبعث إليه أمير المؤمنين الحسن عليه‌السلام ، فلما دخل يزيد أخذ الرومي يده فقبّلها ، ولما دخل الحسن عليه‌السلام قام الرومي فانحنى على قدميه فقبلهما ، فجلس الحسن عليه‌السلام لا يرفع بصره ، فلما نظر ملك الروم إليهما أخرجهما معا ، ثم استدعى يزيد وحده ، وأخرج له من خزانته ١١٣ صنما تماثيل الأنبياء وصورهم وقد زيّنت بكل زينة ، فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ، ثم عرض آخر فلم يعرفه ، ثم سأله عن أرزاق العباد وعن أرواح المؤمنين ، وأرواح

__________________

(١) الهداية الكبرى للخصيبي : ١٩٧.

(٢) زيادة عن البحار : (٣٣ / ٢٣٤ ح ٥١٧) لتقويم المعنى.

١٣٤

الكفار ، أين تجمع بعد الموت؟ فلم يعرف ، فدعا الحسن بن علي عليه‌السلام وقال : إنّما بدأت بهذا حتى يعلم أنّك تعلم ما لا يعلم ، وأن أباك يعلم [لا] أبوه وأن أباك ربّانيّ هذه الامّة ، وقد نظرت في الإنجيل فرأيت الرسول محمدا والوزير عليا ونظرت إلى الأوصياء فرأيت أباك فيها وصي محمد ، فقال للرومي : سلني عمّا بدا لك من علم التوراة ، والإنجيل والفرقان ، أخبرك ، فدعا الأصنام ، فأوّل صنم عرضه عليه على صفة القمر فقال الحسن عليه‌السلام : هذه صفة آدم أبي البشر ، ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس ، فقال : هذه صفة حواء أمّ البشر ، ثم عرض آخر ، فقال : هذا عليه صفة شيث بن آدم ، وهذا أوّل من بعث وكان عمره في الدنيا ١٥٤٠ سنة ، ثم عرض عليه آخر فقال : هذه صفة نوح صاحب السفينة ، وكان عمره في الدنيا ٢٥٠٠ سنة ولبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره ٢٤٥ سنة وكان بينه وبين إبراهيم ٥٠٠ سنة ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب الحزين ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة إسماعيل ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة يوسف بن يعقوب ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة داود صاحب الجراب ، ثم عرض عليه آخر فقال : هذه صفة شعيب ، ثم زكريا ، ثم عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ، وكان عمره في الدنيا ٢٣ سنة ثم رفعه الله إليه ثم يهبط إلى الأرض بدمشق ويقتل الدجّال ، ثم عرضت عليه أصنام الأوصياء ، والوزراء ، فأخبر بأسمائهم ، ثم عرضت عليه أصنام في صفة الملوك وقال له ملك الروم : هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة والإنجيل ، فقال الحسن عليه‌السلام : هذه صفة الملوك ، فقال عند ذلك ملك الروم عند ذاك : أشهد لكم يا آل محمد أنكم اوتيتم علم الأوّلين والآخرين ، وعلم التوراة والإنجيل ، وصحف إبراهيم وألواح موسى ، وإنا نجد في الإنجيل أن أوّل فتنة هذه الامّة وثوب شيطانها الضليل على ملك نبيّها واجتراؤه على ذريته ، ثم قال للحسن عليه‌السلام : أخبرني عن سبعة أشياء خلقها الله تعالى ، لم تركض في رحم ، فقال الحسن عليه‌السلام : آدم وحواء ، وكبش إبراهيم ، وناقة صالح ، وإبليس والحية والغراب الذي ذكر في القرآن ، ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن عليه‌السلام : في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسيط ، وسأله عن أرواح المؤمنين أين تكون؟ فقال : تجتمع

١٣٥

عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة وهي العرش الأدنى ومنها يبسط الله الأرض وإليها يطويها وإليها المحشر. ثم سأله عن أرواح الكفّار فقال : تجتمع في وادي حضر موت عند مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعها ريح شديد فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فأهل الجنة عن يمينها ، وأهل النار عن يسارها في تخوم الأرض السابعة ، فتحشر الناس عند الصخرة ، فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها ، وذلك قوله : فريق في الجنة وفريق في السعير.

فالتفت الملك إلى يزيد وقال : هذا بقيّة الأنبياء وخليفة الأوصياء ، ووارث الأصفياء وثاني النقباء ، ورابع أصحاب الكساء ، والعالم بما في الأرض والسماء ، أفقياس هذا بمن طبع على قلبه وهو من الضالين ، ثم كتب إلى معاوية : من آتاه الله العلم والحكمة بعد نبيّكم وحكم التوراة والإنجيل وأخبار الغيب ، فالحق والخلافة له ، ومن نازعه فإنّه ظالم ، ثم كتب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام إن الحق لك والخلافة فيك وفي ولدك إلى يوم القيامة ، فقاتل من قاتلك يعذّبه الله بيدك ، فإنّ من عصاك وحاربك عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (١).

ومن ذلك من كراماته ما روي عن مولانا الباقر عليه‌السلام أن جماعة من أهل الكوفة قالوا للحسن عليه‌السلام : يابن رسول الله ما عندك من عجايب أسرار أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي كان يرينا أي شيء نريد يرينا إيّاه؟

فقال : هل تعرفون أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ فقالوا : نعم ، فرفع سترا كان على باب البيت ، وقال : انظروا ، فنظروا فإذا أمير المؤمنين ، فقالوا : نعم ، هذا أمير المؤمنين لا نشك فيه ونشهد أنك خليفة حقا وصدقا (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٣ / ٢٣٧ ح ٥١٧ والحديث طويل جدّا اختصر هنا.

(٢) مدينة المعاجز : ٣ / ٧٦ ـ ٥١٢.

١٣٦

الفصل الخامس

في أسرار الحسين بن علي عليهما‌السلام

فمن ذلك أنه لمّا أراد الخروج إلى العراق قالت له أمّ سلمة : يا بني لا تحزنّي بخروجك فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يقتل ولدي الحسين بالعراق ، فقال لها الحسين عليه‌السلام : يا أمّاه إنّي مقتول لا محالة وليس من الأمر المحتوم بد وإنّي لأعرف اليوم الذي اقتل فيه والحفرة التي أدفن فيها ، ومن يقتل معي من أهل بيتي ومن شيعتي ، وإن أردت أريتك مضجعي ومكاني ، ثم أشار بيده فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومكانه (١).

ومن ذلك من كتاب الراوندي أن رجلا جاء إلى الحسين عليه‌السلام فقال : أمّي توفيت ولم توص بشيء غير أنّها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتى أعلمك يا مولاي ، فجاء الحسين عليه‌السلام وأصحابه فرآها ميتة فدعا الله ليحييها فإذا المرأة تتكلّم ، وقالت : ادخل يا مولاي ومرني بأمرك ، فدخل وجلس وقال لها : أوصي يرحمك الله ، فقالت : يا سيدي ، إنّ لي من المال كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك ، وإن كان مخالفا فلا حظّ للمخالف في أموال المؤمنين ، ثم سألته أن يتولّى أمرها وأن يصلّي عليها ، ثم صارت ميّتة كما كانت (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار عن الكافي : ٤٤ / ٣٣٠ ح ٢.

(٢) الخرائج والجرائح : ٢٤٥ باب ٤ ، وفرج المهموم : ٢٢٧.

١٣٧

الفصل السادس

في أسرار علي بن الحسين عليهما‌السلام

فمن ذلك ما رواه خالد بن عبد الله قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام حاجّا فجاء أصحابه فضربوا فسطاطه في ناحية فلما رآه قال : هذا مكان قوم من الجن المؤمنين وقد ضيّقتم عليه ، فناداه هاتف : يابن رسول الله قرّب فسطاطك منّا رحمة لنا ، وإنّ طاعتك مفروضة علينا ، وهذه هديتنا إليك فاقبلها ، قال جابر : فنظرنا وإذا إلى جانب الفسطاط أطباق مملوءة رطبا وعنبا ، وموزا ورمّانا ، فدعا زين العابدين عليه‌السلام من كان معه من أصحابه ، وقال : كلوا من هدية إخوانكم المؤمنين (١).

ومن ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين : أن بني مروان لمّا كثر استنقاصهم بشيعة علي ابن الحسين عليه‌السلام شكوا إليه حالهم فدعا الباقر عليه‌السلام وأخرج إليه حقا فيه خيط أصفر وأمره أن يحرّكه تحريكا لطيفا فصعد السطح وحرّكه ، وإذا بالأرض ترجف وبيوت المدينة تساقطت حتى هوى من المدينة ستمائة دار ، وأقبل الناس هاربين إليه يقولون : أجرنا يابن رسول الله ، أجرنا يا ولي الله ، فقال : هذا دأبنا ودأبهم يستنقصون بنا ونحن نفنيهم (٢).

ومن ذلك أن رجلا سأله فقال : بماذا فضّلنا على أعدائنا وفيهم من هو أجمل منّا؟ فقال له الإمام عليه‌السلام : أتحبّ أن ترى فضلك عليهم؟ فقال : نعم ، فمسح يده على وجهه ، وقال : انظر ، فنظر فاضطرب ، وقال : جعلت فداك ردني إلى ما كنت ، فإنّي لم أر في المسجد إلّا دبّا ، وقردا وكلبا ، فمسح يده فعاد إلى حاله (٣).

وإليه الإشارة بقوله : «أعداء عليّ مسوخ هذه الامّة» ، وفي النقل : اقتلوا الوزغ فإنّها مسوخ بني أمية (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار عن دلائل الطبري : ٤٦ / ٤٥ ح ٤٥ بتفاوت.

(٢) الهداية الكبرى : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ باب ٦ و : ٣٢٢ باب ١٢ ، ودلائل الإمامة : ٢ ، والبحار : ٢٥ / ٣٧٩.

(٣) بحار الأنوار : ٤٦ / ٤٩ ح ٤٩.

(٤) الخرائج : ٨٢٣ وبحار الأنوار : ٢٧ / ٢٦٩ ح ١٩ بتفاوت.

١٣٨

الفصل السابع

في أسرار أبي جعفر الباقر عليه‌السلام

فمن ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام إذ وقع إليه ورشانان ثم هدلا فرد عليهما فطارا ، فقلت : جعلت فداك ما هذه؟ فقال : هذا طائر ظن في زوجته سوءا فحلفت له فقال لها : لا أرضى إلّا بمولاي محمد بن علي عليه‌السلام ، فجاءت فحلفت له بالولاية أنّها لم تخنه فصدّقها ، وما من أحد يحلف بالولاية إلّا صدّق إلّا الإنسان ، فإنّه حلّاف مهين (١).

ومن ذلك ما رواه ميسر قال : قمت بباب أبي جعفر فخرجت جارية جلاسية فوضعت يدي على رأسها فناداني من أقصى الدار : ادخل لا أبا لك فلو كانت الجدران تحجب أبصارنا عنكم كما تحجب أبصاركم لكنّا نحن وإيّاكم سواء (٢).

ومن ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال : خرجت مع أبي جعفر عليه‌السلام إلى مكان يريده فسرنا ، وإذا ذئب قد انحدر من الجبل وجاء حتى وضع يده على قربوس السرج ، وتطاول فخاطبه فقال له الإمام عليه‌السلام : ارجع فقد فعلت ، قال : فرجع الذئب مهرولا ، فقلت : يا سيدي ما شأنه؟ فقال : ذكر أن زوجته قد عسرت عليها الولادة فسأل لها الفرج وأن يرزقه الله ولدا لا يؤذي دواب شيعتنا ، فقلت له : اذهب فقد فعلت ، قال : ثم سرنا ، وإذا قاع محدب يتوقّد حرّا ، وهناك عصافير يتطايرون ، ودرن حول بغلته فرجوها ، وقال : لا ولا كرامة ، قال : ثم سار إلى مقصده ، فلما رجعنا من الغد وعدنا إلى القاع وإذا العصافير قد طارت ودارت حول بغلته ورفرفت ، فسمعته يقول : اشربي وارتوي ، قال : فنظرت ، وإذا في القاع ضحضاح (٣) من الماء ، فقلت : يا سيدي بالأمس منعتها واليوم سقيتها؟ فقال : اعلم أن اليوم خالطتها القنابر فسقيتها ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦٥ / ٢٤ ح ٤٠.

(٢) بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٤٨ ح ٤٠ وفيه لا ام لك.

(٣) الضحضاح في الأصل ما رقّ من الماء على وجه الأرض ما بلغ الكعبين «النهاية».

١٣٩

ولو لا القنابر لما سقيتها ، فقلت : يا سيدي ، وما الفرق بين القنابر والعصافير؟

فقال : ويحك أما العصافير فإنّهم موالي الرجل (١) لأنهم منه ، وأما القنابر فإنّهم موالينا أهل البيت ، وإنّهم يقولون في صفيرهم : بوركتم أهل البيت عليهم‌السلام ، وبورك شيعتكم ، ولعن الله أعدائكم ، ثم قال : عادانا من كل شيء حتى الطيور الفاختة ومن الأيام الأربعاء (٢).

أقول : في هذا الحديث رمز حسن يشير إلى أن كلّا يميل إلى شكله ويفرح بنظيره ، وينبعث إلى طبعه ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يعرف ولد الحرام بأكله للحرام ، وهذا أيضا رمز وهو أن ولد الحرام مادته من الحرام فهو يحب ما هو منه ، وعدوّهم من الرجل فهو لا يحب إلّا مادته ، ومحبّهم ووليّهم طينته منهم ، وهي طينة خلق منها أولاد الحلال فلا يحبّهم إلّا ولد الحلال ، وليس محبّهم إلّا ولد الحلال.

ومن ذلك ما رواه إسماعيل السندي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول لرجل من خراسان كان قدم إليه : كيف أبوك؟

فقال الرجل : بخير ،

فقال : فأخوك؟

قال : خلفته صالحا ، فقال : قد هلك أبوك بعد خروجك بيومين ، وأما أخوك فقتلته جاريته يوم كذا ، وقد صار إلى الجنة ؛ فقال الرجل : جعلت فداك ، إن ابني قد خلفته وجعا ، فقال : أبشر فقد برىء وزوّجه عمّه ابنته وصار له غلام وسمّاه عليا ، وليس من شيعتنا ، فقال الرجل : فما إليه من حلية؟ فقال : كلا قد أخذ من صلب آدم أنه من أعدائنا فلا تغرنك عبادته وخشوعه (٣).

ومن ذلك ما رواه جابر بن يزيد قال : كنّا مع أبي جعفر عليه‌السلام في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام ، وعليه ثوبان معصفران فقال أبو جعفر عليه‌السلام : لا تذهب الأيام حتى يملكها هذا الغلام ، ويستعمل العدل جهرا والجور سرّا فإذا مات تبكيه أهل الأرض ويلعنه

__________________

(١) في البحار : عمر.

(٢) بحار الأنوار : ٢٧ / ٢٧٢ ح ٢٥ بتفاوت.

(٣) بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٤٣ ح ٣١ بتفاوت كبير.

١٤٠