مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

رجب البرسي

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين

المؤلف:

رجب البرسي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٢
ISBN: 964-6307-75-2
الصفحات: ٣٨٤

الجنة من أطاع عليا وإن عصاني ، ولأدخلن النار من عصاه وإن أطاعني (١) ، وهذا رمز حسن وذلك لأن حب علي هو الإيمان الكامل ، والإيمان الكامل لا تضر معه السيئات ، فقوله : وإن عصاني فإنّي أغفر له إكراما له وأدخله الجنة بإيمانه فله الجنة بالإيمان ، وبحب علي العفو والغفران ، وقوله : ولأدخلن النار من عصاه وإن أطاعني ، وذلك لأنه إذا لم يوال عليا فلا إيمان له ، فطاعته هناك مجاز لا حقيقة لأن الطاعة بالحقيقة حبّ علي المضاف إليها سائر الأعمال ، فمن أحب عليا فقد أطاع الله ، ومن أطاع الله نجا ، فمن أحب عليا فقد نجا ؛ فاعلم : أن حبّ علي الإيمان ، وبغضه الكفر (٢) ، وليس هناك إلّا محب ومبغض ، فمحبّه لا سيئة له فلا حساب عليه ومن لا حساب عليه فالجنة داره ، ومبغضه لا إيمان له ، ومن لا إيمان له لا ينظر الله إليه فطاعته عين المعصية فعدوّه هالك ، وإن جاء بحسنات العباد بين يديه ، ووليّه ناج ولو كان في الذنوب إلى شحمتي أذنيه ، وأين الذنوب مع الإيمان المنير؟ أم أين من السيئات مع وجود الإكسير؟ فمبغضه من العذاب لا يقال ، ومحبّه لا يوقف ولا يقال ، فطوبى لأوليائه وسحقا لأعدائه.

يؤيّد هذا ما رواه ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : يا رسول الله أينفعني حبّ علي في معادي؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا أعلم حتى أسأل جبرائيل ، فنزل جبرائيل مسرعا فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أينفع هذا حبّ علي؟ فقال : لا أعلم حتى أسأل إسرافيل ، ثم ارتفع فسأل إسرافيل ، فقال : لا أعلم حتى أناجي ربّ العزّة ، فأوحى الله إلى إسرافيل قل لجبرائيل يقل لمحمد : أنت منّي حيث شئت ، وأنا وعلي منك حيث أنت منّي ، ومحب علي منّي حيث علي منك (٣).

يؤيّد هذا ما رواه الرازي في كتابه مرفوعا إلى ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة أمر الله مالكا أن يسعر النار ، وأمر رضوان أن يزخرف الجنة ثم يمد الصراط ، وينصب ميزان العدل تحت العرش ، وينادي مناد : يا محمد قرّب أمتك إلى الحساب ، ثم يمدّ على الصراط سبع

__________________

(١) في الحديث : من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله. البحار : ٥٢ / ٣٥٠ ح ١٠٣.

(٢) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٦٣ ح ٤٨.

(٣) مائة منقبة : ٤٣ ، والجواهر السنية : ٣٠٣.

١٠١

قناطر بعد كل قنطرة سبعة آلاف سنة ، وعلى كل قنطرة ملائكة يتخطفون الناس فلا يمرّ على هذه القناطر إلّا من والى عليا وأهل بيته ، وعرفهم وعرفوه ، ومن لم يعرفهم سقط في النار على أمّ رأسه ولو كان معه عبادة سبعين ألف (١) عابد لأنه لا يرجح في الحشر ميزان ، ولا تثبت على الصراط قدم انسان إلّا بحب علي.

وإليه الإشارة بقوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (٢) يعني في الدنيا وليه يغلب خصمه ، وفي الآخرة يثبت قدمه ، دليل ذلك ما رواه ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ما ثبت حبّك في قلب مؤمن إلّا وثبت قدمه على الصراط حتى يدخله الجنّة (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٠٩ ح ٣٢.

(٢) إبراهيم : ٢٧.

(٣) بحار الأنوار : ٢٧ / ٧٧ ح ٨ بتفاوت بسيط.

١٠٢

فصل

[موالاة علي وعدم إدراك كنهه عليه‌السلام]

أيّها الطائر في جو التقليد لا يأوي على غدران الحكماء ، ولا يرتع في رياض العلماء ، ولا ينبت في قلبه حبّ الحب ، ولا يثبت إلّا في محجبات الكتاب ، إلى متى أنت بعيد عن النور؟ محجوب عن السرور ، غافل عن أسرار السطور ، مكبّ على النظر في سواد المسطور ، أما أسمعك منادي الرحمن؟ (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (١) ، إلى متى أنت كشارب ماء البحر كلّما ازداد شربا ازداد عطشا؟ ألم تعلم أن الله سبحانه خلق تسع عشر ألف عالم وألف ألف عالم مبدؤها نور الحضرة المحمدية وسرّها الولاية الإلهية وختمها الخلافة المهدية والعصمة الفاطمية؟ وذلك كلّه فاض عن الكلمة الإلهية (الغيب) وهو ألف غير معطوف كما قالوا : (١١١١) ألف معطوف ، وألف غير معطوف ، وألف عنده الوقوف ، وألف هو منتهى الألوف ، خلقها وهو غني عن خلقها ، وسلمها إلى الولي الكامل لأنه وليه الذي أقامه في الخلق مقامه ، فهو الولي المطلق والمتصرّف العادل ، فلا يسأل عمّا يفعل ، وكيف يسأل المؤيّد بالحكمة؟ المخصوص بالعصمة ، الذي يريد الله ما يفعل لأن فعله الحق ، والعدل ، ويفعل الله ما يريد ، لأنه لا يريد إلّا ما يريد الله ، لأن قلبه مكان مشيئة الله ، أوجده موجد الكل قبل الكل ، وأوجد لأجله الكل واختاره على الكل ، وولّاه أمر الكل وحكمه على الكل ، فهو الكلمة التامة ، والحاكم يوم الطامة ، وكيف لا يكون كذلك وشيعته غدا بيض الصحايف ، خضر الملابس ، آمنين من العذاب ، يدخلون الجنة بغير حساب.

دليل ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين عن أنس بن مالك قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد يا علي يا ولي ، يا سيّد يا صدّيق يا ديّان يا هادي ، يا زاهد يا فتى يا طيب يا طاهر ، مرّ أنت وشيعتك إلى الجنة ، بغير حساب.

__________________

(١) محمد : ٢٤.

١٠٣

يؤيّد ذلك ما رواه صاحب كتاب النخب قال : تشاجر رجلان في خلافة علي وإمامته فجاءا إلى شريك فسألاه ، فقال لهما : حدّثني الأعمش عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إنّ الله خلق عليا قضيبا في الجنة من تمسّك به فهو من أهل الجنة ، فاستعظم الرجل ذلك فجاء إلى ابن الدراج فأخبره ، فقال : لا تعجب حدّثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن الله خلق قضيبا من نور في بطنان العرش لا يناله إلّا علي ومن تولاه.

فقال الرجل : هذا من ذاك نمضي إلى وكيع ، فجاء فأعلمه فقال : لا تعجب ، حدّثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : أركان العرش لا ينالها إلّا علي وشيعته ، فاعترف الرجل بفضل علي عليه‌السلام (١).

ومن كتاب المناقب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لله عمودا من نور يضيء لأهل الجنّة كالشمس لأهل الدنيا لا يناله إلّا علي وشيعته (٢) ، وإن حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء طولها خمسون عاما ، صفائح من ذهب إذا نقرت طنت وقالت في طنينها : يا علي (٣).

وكيف لا يكون كذلك؟ وهو الاسم الأعظم الذي به تنفعل الكائنات ، الحاكم المتصرّف في سائر الموجودات ، فهو الأوّل والآخر والباطن والظاهر ، الأوّل بالأنوار والآخر بالأدوار ، والباطن بالأسرار ، الظاهر بالآثار ، فهو مقام الربّ العلي في وجوب الطاعة والأمر نطقت فيه كلمته ، وظهرت عنه مشيته ، فهو كهو في وجوب الطاعة وامتثال الأمر والرفعة على الموجودات ، والحكم على البريات ، وليس هو هو بالذات المقدّسة المنزّهة عن الأشباه والأمثال ، المتعالية عن الصورة والمثال ، لا فرق بينهما وبينك إلّا أنّهم عبادك وخلقك.

يؤيّد هذا ما ورد في الحديث القدسي عن الرب العلي أنه يقول : عبدي أطعني اجعلك مثلي أنا حي لا أموت ، اجعلك حيّا لا تموت ، أنا غني لا أفتقر أجعلك غنيّا لا تفتقر ، أنا مهما أشأ يكن أجعلك مهما تشأ يكن (٤).

__________________

(١) تقدّم الحديث.

(٢) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٦٨ ح ٤٥.

(٣) بحار الأنوار : ٣٩ / ٢٣٥ ح ١٨.

(٤) رواه باختصار في جامع الأسرار : ٢٠٤ ح ٣٩٣.

١٠٤

ومنه أن لله عبادا أطاعوه فيما أراد فأطاعهم فيما أرادوا يقولون للشيء كن فيكون (١).

وذلك لأن الكل عباد الله فإذا اختار الله عبدا ألبسه خلعة التفضيل ، ونادى له في الممالك بالتصرّف والتبجيل ، وجعل له الولاية المطلقة فصار عبدا لحضرته وخالصا لولايته ، ومولى لعباده وبريته وواليا في مملكته ، وهو المتصرّف الوالي بإذن الربّ المتعالي ، ولهذا قالوا : جنبونا آلهة تعبد ، واجعلوا لنا ربّا نؤوب إليه ، وقولوا فينا ما استطعتم (٢) وذاك كما قيل :

جنبوهم قول الغلاة وقولوا

ما استطعتم في فضلهم أن تقولوا

فإذا عدت سماء مع الأرض

إلى فضلهم فذاك قليل

وعنهم عليهم‌السلام ، أنّهم قالوا : كونوا لنا زينا ، ولا تكونوا علينا شينا (٣) ، فانّه ليس بين الله وبين أحد من خلقه قرابة. ألا من ائتم بإمام فليعمل بعمله ، فما معنا براءة من النار ، وليس لنا على الله من حجّة فاحذروا المعصية لنا والمغالاة فينا ، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله ، والله إن الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، وإلينا يرجع الغالي فلا نقبله لأن الغالي اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصوم ، فلا يقدر على ترك عادته وبنا يلحق المقصر فنقبله لأنّ المقصّر إذا عرف عمل.

وعنهم عليهم‌السلام أنّهم قالوا : نزّهونا عن الربوبية وارفعوا عنّا حظوظ البشرية (٤) ـ يعني الحظوظ التي تجوز عليكم ـ فلا يقاس بنا أحد من الناس (٥) ، فإنّا نحسن الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، والكلمة الربّانية الناطقة في الأجساد الترابية ، وقولوا بعد ذاك ما استطعتم فانّ البحر لا ينزف ، وعظمة الله لا توصف.

فيا أيّها الواقف بين جدران التقليد ، تنظر إلى الحق من بعيد ، أما بلغك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حنّ الجذع اليابس إليه ، وقبّل البعير قدميه ، وانشق لعظمته القمر ونبع الماء الطاهر من بين يديه

__________________

(١) تقدّم الحديث مع تخريجه.

(٢) بحار الأنوار : ٢٥ / ٣٤٧ و ٢٨٣ ح ٣٠ بتفاوت. وقريب منه في بصائر الدرجات : ٢٤١ ح ٥.

(٣) بحار الأنوار : ٧١ / ٢٨٦ ح ٤١.

(٤) شرح الزيارة الجامعة : ١ / ٢٠١ بلفظ ... وادفعوا عنا ، وورد : لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم. البحار : ٢٦ / ٢ ح ١.

(٥) تقدّم الحديث مع تخريجه.

١٠٥

وانهمر ، واخضر العود اليابس في يديه وأثمر ، وكان يرى من خلفه كما يرى بين يديه إذا نظر (١) ، ولا ينام قلبه لنوم عينيه (٢) ، ولا يؤثر في الرمل وطء قدميه ، ويؤثر في الحجر ، وكان يظلّه الغمام إذا سار وسفر (٣) ، وركب البراق فاخترق السبع الطباق في أقل من لمح البصر ، الجوهر الشفاف الذي ليس له ظل كظلّ البشر (٤) ، وفي ذلك آيات لمن نظر واعتبر ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام مشاركا له فيما غاب وحضر ، فهو السرّ الذي لا ينكره إلّا من أبى وكفر ، والولي الذي تعرض عليه أعمال البشر (٥) ، وإليه الإشارة بقوله : «ظاهري إمامة وباطني غيب لا يدرك» (٦) ، فهم في الأجساد أشباح ، وفي الأشباح أرواح ، وفي الأرواح أنوار ، وفي الأنوار أسرار ، فهم الصفوة والصفات والأصفياء ، وإليه الإشارة بقوله : «لولانا ما عرف الله ولو لا الله ما عرفنا» (٧) ، كما قيل :

فلولاه وإيانا

لما كان الذي كانا

فصار الأمر مقسوما

بإياه وإيّانا

والشبح هو الذي يرى شخصه ، ولا يعرف معناه.

__________________

(١) أخبار الدول : ٨٤ والمعجم الأوسط : ٣ / ٣٢٣.

(٢) الشفاء : ٢ / ١٥٣.

(٣) بحار الأنوار : ٣٥ / ١٢٩ ح ٧٤.

(٤) من علامات الإمامة عدم وجود الظلّ ، راجع بحار الأنوار : ٢٥ / ١١٦ ح ١.

(٥) بحار الأنوار : ٢٢ / ٥٥٠ ح ٢.

(٦) بحار الأنوار : ٢٥ / ١٧١ ح ٣٨ بتفاوت.

(٧) البحار : ٢٦ / ١٠٧ ح ١٠ و : ٢٢ / ١٤٧ ح ١٤١.

١٠٦

فصل

[علم آل محمّد للغيب]

وها إننا نورد في هذا الفصل شمة من أسرار الأئمة الهداة والبررة السادات ، والميامين الولاة ، ونطقهم بالمغيبات ، وإظهارهم الكرامات وإبرازهم الخفيات ، توبيخا لأهل الجهالات ، الذين أنكروا هذه الحالات ، ومنعوا هذه الصفات ، وزعموا أنهم من العداة.

وكيف لا يطلعون على الغيب (١)؟

__________________

(١) إن الذي يدّعي علم الغيب للإمام والنبي : لا يدّعيه على نحو الاستقلالية ، بل يدعي أن الله أطلع نبيّه وأهل بيته على الامور الغيبية التي لم يطلع عليها أحدا.

وإن شئت قلت : علم الغيب لذات الشخص وبلا توسط من الغير هو العلم الثابت لواجب الوجود والذي هو عين الذات ، وهذا مختص بالله ولغيره كفر.

أمّا العلم بالغيب الذي هو بتوسط الله تعالى وليس هو عين الذات ، فهذا الذي علمته الأئمة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه دلت الآيات والروايات :

فعن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «والله لقد أعطينا علم الأوّلين والآخرين».

فقال له رجل من أصحابه : «جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟

فقال له عليه‌السلام : «ويحك إنّي أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ويحكم وسّعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم ، فنحن حجّة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلّا صدر كلّ مؤمن قوي قوّته كقوّة جبل تهامة إلّا بإذن الله ، والله لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم» (بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٨ ح ٢٨ باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : «إنّ الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيلا واطلعك عليه إلهاما» (مشارق أنوار اليقين : ١٣٥ ـ ١٣٦ و ٢٥ وفي بحار الأنوار : ٢٦ / ٤ ح ١ : «أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله علم ما فيه».

وقيل لأبي جعفر عليه‌السلام : إن شيعتك تدعي أنك تعلم كيل ما في دجلة. وكانا جالسين على دجلة.

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «يقدر الله عزوجل أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه؟»

قال : نعم.

فقال عليه‌السلام : «أنا أكرم على الله من بعوضته» ثم خرج. (إثبات الوصية : ١٩١ ـ ١٩٢).

١٠٧

__________________

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة يصف فيها الإمام : «فهو الصدق والعدل. يطلع على الغيب ويعطى التصرف على الإطلاق» (بحار الأنوار : ٢٥ / ١٧٠ ح ٣٨ ومشارق أنوار اليقين : ١١٥).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب عنه شيء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمّد ، وإنّا لنشهد أعمالكم ولا يخفى علينا شيء من أمركم ، وإن أعمالكم لتعرض علينا ، وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها ، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب» (مشارق أنوار اليقين : ١٣٨).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا وإني مفضيه إلى الخاصّة» (نهج البلاغة : ٢٥٠ الخطبة ١٧٥).

وقالت عائشة للإمام الحسن عليه‌السلام بعد أن أخبرها بما فعلته يوم وفاة الأمير ولم يطلع عليه أحد سواها : يا ابن خبوت جدّك وأبوك في علم الغيب ، فمن ذا الذي أخبرك بهذا عنّي!! (الهداية الكبرى : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، ذيل الباب الرابع).

وعند ما أخبرها بخفايا ضميرها وما أخبرها به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حربها الأمير عليه‌السلام قالت : جدّك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك؟!

قال عليه‌السلام : «هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين» (الهداية الكبرى : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، ذيل الباب الرابع).

وقال الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام لمن سأله عن القائم المنتظر عجل الله فرجه : «ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر» (الهداية الكبرى : ٣٣٤ باب ١٣).

وعن الإمام زين العابدين عليه‌السلام : «ألا إن للعبد أربع أعين : عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه ، وعينان يبصر بهما أمر آخرته ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته [وأمر آخرته]» (الخصال : ١ / ٢٤٠ ح ٩٠ باب الأربعة).

ورواه المتقي الهندي في كنز العمال بلفظ : «ما من عبد إلّا وفي وجهه عينان يبصر بهما أمر الدنيا ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة ، فإذا أراد بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه : فأبصر بهما ما وعده بالغيب ، فآمن بالغيب على الغيب» (كنز العمّال : ٢ / ٤٢ ح ٣٠٤٣).

وفي قصة أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة ما يؤكّد علم الإمام الكاظم عليه‌السلام للغيب حيث قال أحدهما لصاحبه : جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة وهو الآن جاء بشيء من علم الغيب.

فسألاه : من أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنّه يموت في هذه الليلة؟

قال الإمام عليه‌السلام : «من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (الخرايج والجرايح : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ الباب الثامن).

١٠٨

__________________

وأيضا في قصة إخبار الإمام الرضا عليه‌السلام ابن هذاب بما يجري عليه ما يزيل الشكّ في الباب حيث قال عليه‌السلام له : «إن أخبرتك أنّك ستبلى في هذه الأيام بذي رحم لك كنت مصدّقا لي؟»

قال : لا ، فإن الغيب لا يعلمه إلّا الله تعالى.

قال عليه‌السلام : «أو ليس الله يقول : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلّمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وإن الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيّام ، فإن لم يصح ما قلت فبهذه المدّة ، وإلّا فإنّي كذّاب مفتر ، وإن صحّ فتعلم أنّك الراد على الله وعلى رسوله. ولك دلالة أخرى فتصاب ببصرك وتصير مكفوفا فلا تبصر سهلا ولا جبالا وهذا كائن بعد أيام. ولك عندي دلالة أخرى أنّك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص».

قال محمد بن الفضل : بالله لقد نزل ذلك كلّه بابن هذاب (الخرايج والجرايح : ٣٠٦ الباب التاسع).

* أقول : هذه رواية صريحة في علمهم للغيب لا ينكرها إلّا ناصبي.

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة له : «والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي ، وأمر إلهي وروح قدسي ، ومقام عليّ ونور جليّ وسرّ خفيّ ، فهو ملك الذات إلهي الصفات ، زائد الحسنات عالم بالمغيبات ؛ خصّا من ربّ العالمين ونصّا من الصادق الأمين» (بحار الأنوار : ٢٥ / ١٧٢ ح ٣٨ باب جامع في صفات الإمام).

وعن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام لما أخبر امّ الفضل بنت المأمون بما فاجأها ممّا يعتري النساء عند العادة.

قالت له : لا يعلم الغيب إلّا الله.

قال عليه‌السلام : «وأنا أعلمه من علم الله تعالى» الإرشاد إلى ولاية الفقيه : ٢٥٤.

* أقول : وهذه رواية أخرى تنص على علمهم للغيب فلا تغفل وأزل الشك من قلبك.

وفي خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها : «ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب ويعطى التصرّف على الإطلاق» مشارق أنوار اليقين : ١١٥ ..

هذا إضافة إلى روايات إخبارهم بأمور غيبية جزئية ليس هنا محل ذكرها.

وقال تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) الجن : ٢٦.

قال الإمام الرضا عليه‌السلام لعمرو بن هذاب عند ما نفى عن الأئمة عليهم‌السلام علم الغيب محتجا بهذه الآية : «إن رسول الله هو المرتضى عند الله ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه فعلّمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة» (بحار الأنوار : ١٢ / ٢٢ و ١٥ / ٧٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «(إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وكان والله محمد ممن ارتضاه» (الإرشاد الى ولاية الفقيه : ٢٥٧ ، وقريب منه في الخرايج والجرايح : ٣٠٦).

وقال : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ـ تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ) آل عمران : ٤٤ ، هود : ٤٩ ، يوسف : ١٠٢.

١٠٩

وعلمه واجب لهم من وجوه : الأوّل أن الله سبحانه سطّر في اللوح المحفوظ علم ما كان وما يكون ، ثم أبرز إلى كل نبي منهم ما يكون له ولأوصيائه ، إلى ظهور الشريعة التي تأتي بعده حتى ختمت الرسل بفاتحهم ، وختمت الشرايع بخاتمها ، فوجب أن يكون عنده علم ما سبق وما يلحق إلى يوم القيامة ، لكونه خاتما لأن كتابه الجامع المانع ، ثم إنه ليلة المعراج لما وصل المقام الأسنى ، وكان قاب قوسين أو أدنى ، وعلا على اللوح المحفوظ رفعة وعلما ، وخوطب من الأسرار الإلهية بما ليس في اللوح ، فكان علم الغيب الأول والآخر عنده وله (١) ، بل هو اللوح المحفوظ لأنه السابق على الكل وجودا ، والممد للكل جودا ،

__________________

وقال : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ). النساء : ١١٣ ، وهي عامة.

(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) يس : ١٢. والإمام المبين هو أمير المؤمنين علي عليه‌السلام (ينابيع المودة : ١ / ٧٧ ط. اسلامبول و ٨٧ ط. النجف ، وتفسير نور الثقلين : ٤ / ٣٧٩ مورد الآية والهداية الكبرى : ٩٨ الباب الثاني والأنوار النعمانية : ١ / ٤٧ و : ٢ / ١٨).

وقال تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) يونس : ٦١ ، وسبأ : ٣.

وقال عز من قائل : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) النبأ : ٢٩. وهم الكتاب المبين (ينابيع المودة : ١ / ٨١ ط. النجف و ١ / ٧١ ط. تركيا ومشارق أنوار اليقين : ١٣٦).

وقال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الأعراف : ١٥٦.

فروي عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسيرها : «علم الإمام ، ووسع علمه الذي هو من علمه كل شيء» (نور الثقلين : ٢ / ٧٨ ح ٢٨٨ عن الكافي).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنا رحمة الله التي وسعت كل شيء» (الهداية الكبرى : ٤٠٠).

(١) الصحيح أن زمن علمهم هو عالم الأنوار وقد فصلناه في كتاب علم آل محمد عليهم‌السلام وإليك مجمله :

* زمن علم آل محمد عليهم‌السلام

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «نبئت وآدم بين الروح والجسد» «وجبت النبوّة لي وآدم بين الروح والجسد» «كنت نبيّا وآدم بين الروح والجسد» (فضائل ابن شاذان : ٣٤ ، كنز العمال : ١٢ / ٤٢٦ ح ٣٥٥٨٤ و ١١ / ٤٠٩ ـ ٤٥٠ ح ٣٢١١٥ و ٣١٩١٧ ، والشريعة للاجري : ٤١٦ ـ ٤٢١ ـ عدّة أحاديث ـ ، والشفاء :

١ / ١٦٦ ، وسنن الترمذي : ٥ / ٥٨٥ ، والمعجم الكبير : ٢٠ / ٣٥٣ ، والفردوس بمأثور الخطاب :

٣ / ٢٨٤ ح ٤٨٥٤).

فكونه نبيّا ينبأ في غاية الوضوح والدلالة على تلقيه العلوم في ذلك العالم ؛ إذ يستحيل أن الله اتخذه نبيا ونبأه وهو فاقد للعلم.

وعن الإمام الباقر عليه‌السلام : «إن الله أوّل ما خلق خلق محمّدا وعترته الهداة المهديين ، فكانوا أشباح نور

١١٠

__________________

بين يدي الله».

قلت : وما الأشباح؟

قال : «ظلّ النور أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيدا بروح واحدة هي روح القدس» (أصول الكافي : ١ / ٤٤٢ ح ١٠ مولد النبي).

وعن الإمام العسكري عليه‌السلام : «هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم‌السلام يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم» (الأنوار النعمانية : ٢ / ١٨).

وفي حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال فيه : «فلما أراد أن يخلق الخلق نشرهم بين يديه فقال لهم من ربكم؟

فكان أول من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم ، فقالوا : أنت ربنا ، فحمّلهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون» (بحار الأنوار : ١٥ / ١٦ باب بدء خلق النبي ح ٢٢ ، و : ٢٦ / ٢٧٧ ح ١٩ باب تفضيلهم على الأنبياء ، والتوحيد للصدوق : ٣١٩ باب معنى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) ح ١ باب ٤٩ ط. قم).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث جاء فيه : «ثم جعلنا عن يمين العرش ، ثم خلق الملائكة فهللنا فهللت الملائكة ، وكبّرنا فكبّرت الملائكة ، وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي ، وكان ذلك في علم الله السابق أن الملائكة تتعلّم منّا التسبيح والتهليل ، وكل شيء يسبّح لله ويكبّره ويهلّله بتعليمي وتعليم علي» (بحار الأنوار : ٢٦ / ٣٤٥ باب فضل النبي وآله ح ١٨ ، ومشارق أنوار اليقين : ٤٠ ، والأنوار النعمانية : ١ / ٢٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي نحن أفضل (من الملائكة) خير خليقة الله على بسيط الأرض وخيرة الله المقرّبين ، وكيف لا نكون خيرا منهم؟ وقد سبقناهم إلى معرفة الله وتوحيده؟! فبنا عرفوا الله وبنا عبدوا الله وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله» (بحار الانوار : ٢٦ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ح ٣٣).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «نحن شجرة النبوّة ومعدن الرسالة ، ونحن عهد الله ونحن ذمّة الله ، لم نزل أنوارا حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السماء لتسبيحنا ، فلما نزلنا إلى الأرض سبّحنا فسبّح أهل الأرض ؛ فكل علم خرج إلى أهل السّموات والأرض فمنّا وعنّا» (بحار الأنوار : ٢٥ / ٢٤ ح ٤١ ومشارق أنوار اليقين : ٤٥).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن الله مثّل لي أمّتي في الطين وعلّمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلّها» (بصائر الدرجات : ٨٥ باب أنّه عرف ما رأى في الأظلة ح ٧).

وفي رواية عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن ربي مثّل لي امّتي في الطين وعلّمني أسماء الأنبياء ـ وفي نسخة الأشياء ـ كما علّم آدم الأسماء كلّها فمر بي أصحاب الرايات ، فاستغفرت لعلي وشيعته» (بصائر الدرجات : ٨٦ باب أنه عرف ما رأى في الأظلة ح ١٥).

وقال الإمام الجواد عليه‌السلام : «أنا محمّد بن علي الرضا أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب

١١١

فعلم ما كان وما يكون عنده وعند أوصيائه.

واحتجاج الجاهلين ، ووقوف المقلّدين عند قوله «لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلّا ما علّمني ربّي» فيه أسرار كثيرة : الأوّل أنه شهد أن علمه من الله الذي اختاره واصطفاه ، الثاني قوله : لا أعلم ، أي لا أنطق من العلم ولو بما وراء هذا الجدار إلّا إذا أمرت لأنه كان ينتظر

__________________

أنا أعلم بسرايركم فظواهركم ، وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين في الهداية الكبرى : علما أورثناه الله قبل الخلق أجمعين ، وبعد فناء السّموات والأرضين ، ولو لا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلالة ، ووثوب أهل الشكّ ؛ لقلت قولا تعجب منه الأوّلون والآخرون».

ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال : «يا محمّد اصمت كما صمت آباؤك من قبل».

(مشارق أنوار اليقين : ٩٨ الفصل الحادي عشر ، والهداية الكبرى : ٢٩٦ باب ١١).

وروى صاحب بستان الكرامة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا وعنده جبرائيل عليه‌السلام فدخل علي عليه‌السلام فقام له جبرائيل عليه‌السلام.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتقوم لهذا الفتى؟».

فقال له عليه‌السلام : نعم إنّ له عليّ حق التعليم.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف ذلك التعليم يا جبرائيل؟

فقال : لمّا خلقني الله تعالى سألني من أنت وما اسمك ومن أنا وما اسمي؟

فتحيّرت في الجواب وبقيت ساكتا ، ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار وعلّمني الجواب ، فقال : «قل : أنت ربّي الجليل واسمك الجليل وأنا العبد الذليل واسمي جبرائيل».

ولهذا قمت له وعظمته. (الأنوار النعمانية : ١ / ١٥).

وروى الصفوري قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «سلوني قبل أن تفقدوني عن علم لا يعرفه جبرائيل وميكائيل» (نزهة المجالس : ٢ / ١٢٩ ط. التقدم العلمية بمصر ١٣٣٠ ه‍ ، و ٢ / ١٤٤ ط. بيروت المكتبة الشعبانية المصورة عن مصر الأزهرية ١٣٤٦ ه‍).

وقد أشار محيي الدين ابن عربي في خطبة الفتوحات المكية إلى ذلك بقوله :

«الحمد لله الذي جعل الإنسان الكامل معلّم الملك وأدار بانقساره طبقات الفلك».

وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء وشكايتهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حلّ بهم قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفضّة : «يا فضّة لقد عرفه رسول الله وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل (ضرب فاطمة وإسقاط المحسن عليهما‌السلام) ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش» (الهداية الكبرى : ٤٠٨ باب ١٤).

هذا وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «في قاب قوسين علّمني الله القرآن وعلّمني الله علم الأولين» (لوامع أنوار الكوكب الدريّ : ١ / ١١٧ ـ ١١٨).

١١٢

الغيب إذا سئل ، وهم يقولون : معلم مجنون ، فكيف لو نطق به قبل أن يسأل أو قبل أن يؤمر وادعاه وهم متهموه بالسحر والكهانة ، لكان ذاك منافيا للحكمة ، وكان إذا سئل صبر حتى يؤمر ، ليندفع ظن الملحدين فيه. وكيف يحجب عنهم علم الغيب والكرامات وهم خلفاء الله على الخلائق وأمناؤه على الحقائق؟ وويل للمنكر والمنافق.

فمن ذلك. (الفصل الأوّل) : في أسرار النبي المصطفى وبعده آله الذين اصطفى.

١١٣

[الفصل الأوّل]

أسرار النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله

فمن ذلك أسرار مولده : رواه زياد بن المنذر عن ليث بن سعيد قال : قلت لكعب الأحبار وهو عند معاوية ، كيف تجدون صفة مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وهل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت إلى معاوية لينظر كيف هو فأنطقه الله فقال : هات يا أبا إسحاق ، فقال كعب : إنّي قرأت اثنين وسبعين كتابا نزلت من السماء ، وقرأت صحيفة دانيال ووجدت في الكل مولده ومولد عترته ، وإن اسمه لمعروف ، ولم يولد نبي نزلت عليه الملائكة قط ما خلا عيسى وأحمد ، وما ضرب على آدمية حجب البتّة غير مريم وآمنة ، وكان علامة حمله أن نادى مناد في السماء في الليلة التي حملت به آمنة عليها‌السلام : أبشروا يا أهل السماء ، فقد حمل الليلة بأحمد ، وفي الأرض كذلك حتى في البحور ، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدبّ ولا طائر يطير ، إلّا وعلم بمولده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد بني في الجنة ليلة ولادته سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر ، وسبعون ألف قصر من اللؤلؤ الرطب ، وسمّيت قصور الولادة ، وقيل للجنة : اهتزّي وازّيني ، فإن نبي أولئك قد ولد ، فضحكت الجنّة يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ، وبلغنا أن حوتا من حيتان البحر يقال له طموسا وهي سيّدة الحيتان ، لها سبعمائة ألف ذنب تمشي على ظهور سبعمائة ألف ثور ، الواحد أكبر من الدنيا ، لكل ثور منها سبعمائة ألف قرن من زمرد أخضر اضطرب فرحا لمولده ، ولو لا أن الله تعالى ثبته لجعل عاليها سافلها ، وبلغنا يومئذ أنه ما بقي جبل إلّا لقي صاحبه بالبشارة ويقول : لا إله إلّا الله ، ولقد خضعت الجبال كلّها لأبي قبيس كرامة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد قدّست الأشجار أربعين يوما بأغصانها ، وأزهارها وثمارها ، فرحا بمولده ، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عمودا من نور ، ولقد بشّر آدم بمولده فزاد في حسنه سبعين ضعفا ، ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب فرحا وطما ماؤه حتى رمى ألف قصر من قصور الجنة من الدر والياقوت نثارا لمولده ، ولقد زم إبليس وسبل وألقي في الحفير أربعين يوما ، ولقد تنكست الأصنام كلّها وصاحت ، وسمعوا صوتا من

١١٤

الكعبة يقول :

يا قريش جاءكم البشير ، جاءكم النذير ، معه عمر الأبد ، والرمح الأكبر ، وهو خاتم الأنبياء ، ونجد في الكتب أن عترته خير البشر ، ولا تزال الناس في أمان من العذاب ما دامت عترته في الدنيا ، فقال معاوية : يا أبا إسحاق ومن عترته؟ فقال : من ولد فاطمة ، فعبس معاوية وجهه ، وعضّ على شفته ، وقام من مجلسه (١).

ومن ذلك من خواص مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله ما نزل في الإنجيل : يا عيسى جد في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع يابن الطهر البتول ، خلقتك من غير فحل آية للعالمين ، فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل ، خذ الكتاب بقوّة فبشّر لأهل سوريا بالسريانية ، تلمح من بين يديك أنّي أنا الله الدائم ، صدقوا النبي الأمّي صاحب الجمل ، والدرع والتاج ، وهي العمامة ، والبغل والهراوة ، وهي القضيب ، الأكحل العين الصلت الجبين الواضح الخدّين الأقنى الأنف المفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة كأن الدهن يجري في تراقيه ، أسمر اللون إذا مشى فكأنما ينقلع من صخر وينحدر من صبب ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ أو ريح المسك ، لم ير قبله مثله أو بعده مثله ، نكاح النساء قليل النسل وإنّما نسله من مباركة لها بيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كفل زكريا أمك لها فرخان يستشهدان ، كلامه القرآن ، ودينه الإسلام ، وأنا السلام ، طوبى لمن أدرك زمانه ، وسمع كلامه (٢).

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عنه من نطقه بالغيب وإخباره بالملاحم ، قال : حججنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع فجاء حتى أخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه وهو كالشمس في الضحية ثم قال : ألا أخبركم بأشراط الساعة؟

فقلنا : بلى يا رسول الله ،

فقال : إنّ من اشراط الساعة إضاعة الصلاة ، واتباع الشهوات ، وتعظيم المال ، وبيع الدين بالدنيا فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء ، ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع إنكاره ، فقال سلمان : وكل هذا كائن يا رسول الله؟ فقال : إي والذي نفس محمد

__________________

(١) الحديث بطوله في البحار : ١٥ / ٢٦١ ح ١٢ مع تفاوت ببعض الألفاظ.

(٢) بحار الأنوار : ١٤ / ٢٨٤ ح ٦ ، وفيه تفاوت ببعض الألفاظ مثلا بدل الدهن الذهب.

١١٥

بيده ، فعندها يليهم من الأمراء الجور والوزراء الفسق ، والعرفاء الظلم ، والامناء الخيانة ، فعندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا ، ويصدّق الكاذب ويكذّب الصادق ، وتتأمّر النساء وتشاور الإماء وتعلو الصبيان المنابر ، ويكون الفجور طرفا ، والزكاة مغرما والغي مغنما ، ويجفو الرجل والديه ويبرّ (١) صديقه ، ويطلع الكوكب المذنّب فعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر قضا فإذا دخلت السوق فلا ترى إلّا ذاما لربّه ، هذا يقول : لم أبع شيئا ، وهذا يقول : لم أربح شيئا ، فعندها يملكهم قوم إن تكلّموا قتلوهم ، وإن سكتوا استباحوهم ، يسفكون دماءهم ويملؤون قلوبهم رعبا ، فلا تراهم إلّا خائفين مرعوبين ، فعندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب ، فالويل لضعفاء امّتي منهم والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيرا ولا يوقّرون كبيرا ، قلوبهم قلوب الشياطين ، فعندها يلتقي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويغار على الغلام كما يغار على الجارية في بيت أهلها ، وتشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، وتعلو الفروج السروج ، فعلى أولئك من امّتي لعنة الله ، فعندها تزخرف المساجد والمصاحف ، وتعلى المنابر وتكثر الصفوف ، قلوب متباغضة ، وألسن مختلفة ، فعندها تحلى ذكور امّتي بالذهب ، ويلبسون الحرير والديباج ويظهر الربا ويتعاملون بالرشوة ، ويستعملون الغيبة ، فعندها يكثر الطلاق ، فلا يقام لله حدّ فعندها يحجّ ملوك أمّتي للنزهة ، وتحجّ أوساطهم للتجارة ، وتحجّ فقراؤهم للرياء والسمعة ، فعندها يتعلّمون القرآن لغير الله ويتخذونه مزامير ويتفقهون للجدال ، ويكثر أولاد الزنا ويعفون بالقرآن ، ويتهافتون على الدنيا ، فإذا انتهكت المحارم ، واكتسبت المآثم ، سلّط الأشرار على الأخيار ، فهنالك يفشو الكذب ، ويتهافتون في اللباس ويمطرون في غير أوان المطر ، وينكرون الأمر بالمعروف في ذلك الزمان حتى يكون المؤمن أذلّ من الأمة ، وتظهر قراؤهم فيما بينهم التلاوة والعداوة ، أولئك يدعون في ملكوت السماء الأرجاس والأنجاس فهناك يخشى الغني من الفقير أن يسأله ، ويسأل الناس في محافلهم فلا يضع أحد في يده شيئا فعندها يتكلّم من لم يكن متكلّما فلم يلبثوا هناك إلّا قليلا حتى تخور الأرض خورة حتى يظن كل قوم أنّها خارت في ناحيتهم ، ثم يمكثون ما شاء الله ، ثم يمكثون في مكثهم فتلقي لهم

__________________

(١) في المطبوع يئر وجاء في نسخة خطية : يبر.

١١٦

الأرض أفلاذ أكبادها ذهبا وفضة ، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضّة (١).

ومن ذلك من إخباره بالغيب أنه مسح التراب عن وجه عمّار بن ياسر يوم الخندق وقال : تقتلك الفئة الباغية (٢).

وقال لأبي ذر : كيف أنت إذا طردت ونفيت وأخرجت إلى الربذة (٣)؟

وقال : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والفرات وقطر ، بل تجبى إليها خزائن الأرض ويكون الخسف بها (٤) ، يعني بغداد.

ومن كراماته صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لما اشتد الأمر على المسلمين يوم الخندق صعد صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجد الفتح وصلّى ركعتين ثم قال : اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعدها في الأرض ، فجاءت الملائكة فقالت : يا رسول الله إن الله قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت ، فقال : زعزعوا المشركين واطردوهم ، وكانوا من ورائهم ، ففعلوا ذلك ، فقال أبو سفيان لأصحابه : إن كنّا نقاتل أهل الأرض فلنا القدرة عليهم وإن كنّا نقاتل أهل السماء فما لنا طاقة بأهل السماء (٥).

ومن ذلك من أسرار مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الملك سيف بن ذي يزن قال لعبد المطلب رضى الله عنه : إني أجد في الكتاب المكنون ، والعلم المخزون ، أنه إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم الزعامة إلى يوم القيامة ، تموت امّه وأبوه ويكفله جدّه وعمّه ، ولد في عام الفيل وتوفي أبوه وهو ابن شهرين. وماتت امّه وهو ابن أربع سنين ، ومات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين ، وكفله عمّه أبو طالب عليه‌السلام (٦).

ومن كراماته صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أباذر لما جاء إليه وأسلم على يده قال له : ارجع إلى بلادك فإنّ ابن عمّك قد مات ، وقد خلف مالا فاحتو عليه والبث في بلادك إلى وقت كذا وأتني.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦ / ٣٠٧ ح ٦ بتفاوت.

(٢) مسند البزار : ٢ / ٢١٥ ح ٦٠٤ ، والمعجم الأوسط : ٩ / ١٩٨ ح ٨٤٢٧ ، ومسند الشاسي : ١ / ٣٤٢ ، والمستدرك : ٣ / ١٣١.

(٣) البحار : ١٨ / ١١١ ح ١٨.

(٤) البحار : ١٨ / ١١١ ح ١٨.

(٥) بحار الأنوار : ٢٠ / ٢٤٨ ح ١٧.

(٦) بحار الأنوار : ١٥ / ١٨٨ ح ١١ عن الكافي.

١١٧

فرجع إلى اليمن فوجد كما أخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاحتوى على المال ، وبقي في بلاده حتى ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأتى إليه.

ومن ذلك ما رواه وهب بن منبه عن ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا عرج بي إلى السماء ناداني ربي يا محمد ، إنّي أقسمت بي وأنا والله الذي لا إله إلّا أنا أني أدخل الجنة جميع أمّتك إلّا من أبى ، فقلت : ربي ومن يأبى دخول الجنّة؟ فقال : إنّي اخترتك نبيّا ، واخترت عليا وليّا ، فمن أبى عن ولايته فقد أبى دخول الجنّة لأنّ الجنّة لا يدخلها إلّا محبّه ، وهي محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلي وفاطمة وعترتهم وشيعتهم ، فسجدت لله شكرا ، ثم قال لي : يا محمد إنّ عليا هو الخليفة بعدك ، وإنّ قوما من امّتك يخالفونه وإن الجنّة محرّمة على من خالفه وعاداه ، فبشّر عليا أن له هذه الكرامة منّي وأني سأخرج من صلبه أحد عشر نقيبا منهم سيّد يصلّي خلفه المسيح ابن مريم يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، فقلت : ربّي متى يكون ذاك؟ فقال : إذا رفع العلم ، وكثر الجهل ، وكثر القراء ، وقلّ العلماء ، وقلّ الفقهاء ، وكثر الشعراء ، وكثر الجور والفساد ، والتقى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وصارت الأمناء خونة ، وأعوانهم ظلمة ، فهناك أظهر خسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب ، ثم يظهر الدجّال بالمشرق ، ثم أخبرني ربي ما كان وما يكون من الفتن من أمية وبني العباس ، ثم أمرني ربي أن أوصل ذلك كلّه إلى علي فأوصلته إليه وعن أمر الله (١).

ومن ذلك من كراماته صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رواه ابن عباس قال : لمّا زوّج النبي عليا بفاطمة ، استدعى تميرات وفضلة من سمن عربي ، وحفنة من سويق ، وجعلها في قصعة كانت لهم ، ثم فركه بيده الشريفة التي هي منبع البركات ومعدن الخيرات ، وفياض النعمات ، ورحمة أهل الأرض والسّموات ، ثم قال : قدموا الصحاف والجفان والقصاع ، فقدمت ؛ فلم يزل يملأ من ذلك الهيس الجفان ويحملونها الى بيوت المهاجرين والأنصار ، والقصعة تمتلىء وتفيض حتى اكتفى سائر الناس والقصعة على حالها.

ومن كراماته صلى‌الله‌عليه‌وآله ومكاشفاته ممّا تكلّم به عند موته والناس حوله فقال : ابيضت وجوه واسودت وجوه ، وسعد أقوام وشقي آخرون ، سعد أصحاب الكساء الخمسة ، وأنا سيّدهم ولا

__________________

(١) بعضه في البحار : ٨ / ٥ ح ٨ و : ٤٧ / ٣٨١ ح ١٠٢.

١١٨

فخر ، عترتي أهل بيتي السابقون أولئك المقرّبون ، سعد من تبعهم وشايعهم ، على ديني ودين آبائي ، أنجزت موعدك يا رب ، واسودت وجوه أقوام يردون ظماء إلى نار جهنّم مرق البغل الأوّل الأعظم ، والآخر والثاني حسابهم على الله ، وثالث ورابع كل امرىء بما كسب رهين ، وعلقت الرهون ، واسودت الوجوه ، وهلكت الأحزاب وقادت الأمراء بعضها بعضا إلى النار ، كتاب دارس وباب مهجور وحكم بغير علم ، مبغض علي وآل علي في النار ، محبّ علي وآل علي في الجنّة (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٢ / ٤٩٤ ح ٤٠.

١١٩

الفصل الثاني

[أسرار أمير المؤمنين عليه‌السلام وغيبه]

وفي أسرار أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لمّا ولد في البيت الحرام ، وكعبة الملك العلام ، خرّ ساجدا ثم رفع رأسه الشريف فأذّن ، وأقام وشهد لله بالوحدانية ، ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ولنفسه بالخلافة والولاية ، ثم أشار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إقرأ يا رسول الله؟ فقال : نعم ، فابتدأ بصحف آدم فقرأها حتى لو حضر شيث لأقرّ أنّه أعلم بها منه ، ثم تلا صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل ، ثم تلا (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (١) فقال له النبي : نعم. أفلحوا إذ أنت إمامهم. ثم خاطبه بما خاطب به الأنبياء الأوصياء ، ثم سكت ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عد إلى طفولتك فامسك (٢).

ومن كراماته التي لا تحدّ وفضائله التي لا تعدّ : أن راهب اليمامة الأثرم كان يبشّر أبا طالب عليه‌السلام بقدوم علي عليه‌السلام ويقول له : سيولد لك ولد يكون سيّد أهل زمانه ، وهو الناموس الأكبر ، ويكون لنبي زمانه عضدا وناصرا وصهرا ووزيرا ، فاني لا أدرك أيّامه فإذا رأيته فأقرئه منّي السلام ، ويوشك أنّي أراه ، فلما ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام مرّ أبو طالب عليه‌السلام عليه ليعلمه فوجده قد مات ، فرجع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخذه وقبّله فسلّم عليه أمير المؤمنين وقال : أبتي جئت من عند الراهب الأثرم الذي كان يبشرك بي وقصّ عليه قصة الراهب ، فقال له أبو عبد مناف : صدقت يا ولي الله (٣).

ومن ذاك ما رواه محمد بن سنان قال : بينما أمير المؤمنين عليه‌السلام يجهّز أصحابه إلى قتال معاوية إذا اختصم إليه اثنان ، فلغى أحدهما في الكلام فقال له : اخسأ يا كلب ، فعوى الرجل

__________________

(١) المؤمنون : ١.

(٢) بحار الأنوار : ٣٥ / ١٨ و ٣٧ ح ١٤ و ٣٧ بتفاوت والحديث طويل.

(٣) في المصادر : الراهب المثرم.

١٢٠