الملل والنحل

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الملل والنحل

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


المحقق: الدكتور ألبير نصري نادر
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المشرق
الطبعة: ٣
ISBN: 2-7214-8039-1
الصفحات: ١٨٤

لهم البيهسية ، اصحاب ابي بيهس (١) ، وقالوا ان ميمونا كفر حين حرم بيع الامة في دار التفيّة من كفار قومنا. وكفرت الواقفة بان لم يعرفوا كفر ميمون وصواب ابراهيم ، فكفر ابراهيم حين لم يتبرأ من اهل الوقف. ثم ان البيهسية قالوا ان من واقع ذنبا لم يشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالي ويحدّ ، ولا نسميه قبل الرفع الى الوالي مؤمنا ولا كافرا. ووافقهم في ذلك قوم من الصفرية (٢). وقال بعض البيهسية ان الذنوب كلها شرك ، وكل ذنب لم يحكم الله فيه حكما مغلظا ، ولم يقفنا على تغليظه فهو مغفور (٣). ـ وقال بعض البيهسية : كل شراب حلال الاصل موضوع ، فمن يسكر (٤) منه كل ما كان (منه) في السكر / من ترك صلاة وشتم الله تعالى ، ولا حد فيه ، ولا حكم فيه ، ولا يكفر به ما دام في سكره. وقالت العوفية من البيهسية : السكر كفر اذا كان معه غير من ترك الصلاة ونحوه. ومنها ان الشمراخية منهم ، اتباع عبد الله بن شمراخ (٥) ، قالوا

__________________

(١) أصحاب ابي بيهس هيصم بن عامر (كان في زمان الحجاج وقتل في المدينة) (ط. الكوثري ص ٦٤ وط. عبد الحميد ص ١٠٨) وجاء في هامشها : «قال ابن قتيبة «البيهسية من الخوارج ينسبون الى ابي بيهس ، من بني سعد بن ضبيعة بن قيس ، واسمه هيصم بن جابر ، وكان عثمان ابن حيان والي المدينة قطع يديه ورجليه» ه. وفي كلام الشهرستاني زيادة تفصيل في شأن أبي بيهس ، قال : «وقد كان الحجاج طلب أبا بيهس في ايام الوليد ، فهرب الى المدينة ، فطلبه بها عثمان ابن حيان المري ، فظفر به وحبسه ، وكان يسامره الى ان ورد كتاب الوليد بان يقطع يديه ورجليه ، ويقتله ، ففعل به ذلك» ه. وقال في لسان العرب «وبيهس : من اسماء العرب ، والبيهسية : صنف من الخوارج نسبوا الى ابي بيهس هيصم بن جابر احد بني سعد بن ضبيعة بن قيس» ه.

(٢) «ووافقهم ... الصفرية» غير وارد في «الفرق» مع العلم ان الكلام السابق متفق مع ما جاء في (ط. بدر ص ٨٨ ، الكوثري ص ٦٥ ، عبد الحميد ص ١٠٩).

(٣) الكلام من «وقال بعض البيهسية ... فهو مغفور» غير وارد في «الفرق».

(٤) جاء في بدر ص ٨٨ ، والكوثري ص ٦٥ ، وعبد الحميد ص ١٠٩ : «كل شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كل ما كان منه في السكر من ترك الصلاة ، والشتم لله عزوجل وليس فيه حد ولا كفر ما دام في سكره». وهنا الكلام يبدو اوضح.

(٥) لم تذكر الشمراخية ولا عبد الله بن شمراخ في «الفرق». ولكن البغدادي يقول في كتابه «الفرق بين الفرق» ط. بدر ص ٨٩ وط. الكوثري ص ٦٥ وط. عبد الحميد ص ١٠٩ :

٨١

دماء قومنا حرام في السّر ، وحلال في العلانية ، ودماء الابن حرام في دار التفيّة ودار الهجرة ، وان كانا مخالفين لهم. ـ ومنها ان قوما من الخوارج قالوا ان اهل الذنوب لا نسميهم الا بالاسم المستوى من ذنوبهم : كذاب ، وسارق ، وقاذف ، ولا نسميه كافرا. فاما صاحب ذنب لا حد فيه فهو كافر.

فهذه اصول بدع الخوارج المارقة ، خذلهم الله تعالى.

ذكر فرق الضلال من القدرية والمعتزلة عن الحق

قد بينا ان القدرية عشرون فرقة وهي :

/ الواصلية ، والعمرية (١) ، والهذيلية ، والنظامية ، والاسوارية ، والاسكافية ، والجعفرية ، والبشرية ، والمردارية ، والهشامية ، والحائطية ، والحدثية (٢) ، والحمارية ،

__________________

«وللاباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها في كتاب «الملل والنحل» وفيما ذكرنا منه في هذا الكتاب كفاية.

(ملاحظة : اوضحنا ذلك في مقدمة الكتاب).

(١) جاء في ط. بدر ص ٩٣ ، الكوثري ص ٦٧ ، عبد الحميد ص ١١٤ «العمروية».

(٢) الحدثية : هذه الفرقة غير مذكورة في «الفرق» انظر ط. بدر ص ٩٣ ، الكوثري ص ٦٧ ، عبد الحميد ص ١١٤ ، ولكن ورد في كتاب «الفرق» (ذات المراجع) اسماء ثلاث فرق غير واردة هنا في المخطوط ، وهي : «اصحاب صالح قبة ـ المريسية ـ الشحامية». وجاء أيضا في «الفرق» : فهذه ثنتان وعشرون فرقة ، فرقتان منها من جملة فرق الغلاة في الكفر ، نذكرهما في الباب الذي نذكر فيه فرق الغلاة ، وهما : الخابطية والحمارية ، وعشرون منها قدرية محضة يجمعها كلها في بدعها امور (ذات المراجع) ، وجاء أيضا في مختصر «الفرق» للرسعني ص ٩٥ ما يلي : «قد ذكرنا قبل هذا ان المعتزلة افترقت فيما بينها اثنتين وعشرين فرقة ، فرقتان منها من جملة فرق الغلاة في الكفر نذكرهم في بابهم ، وهما الحائطية والحمارية. وعشرون منها قدرية محضة يجمعها كلها امور» ـ وهذا الكلام ناقص في المخطوط هنا.

ملاحظة : المخطوط يستعرض كلا من العشرين فرقة المذكورة في اوّل هذا الباب ، ولم يميز بين فرق الغلاة في الكفر والقدرية المحضة ، كما جاء في «الفرق» ومختصره ـ مما يدل على ان المخطوط اسبق من «الفرق» ويتميز عنه.

٨٢

والمعمرية ، والثمامية ، والجاحظية ، والخياطية ، والكعبية ، والجبائية ، والبهشمية.

وسنذكر فضائح كل فرقة منهم ما يكشف عن كفرها ان شاء الله تعالى (١).

ذكر الواصلية منهم

هؤلاء اتباع واصل بن عطاء الغزال الأبلع (٢) ، وكان بدء شانه ان الامة في وقت الحسن البصري اختلفوا فيمن يكثر الكبائر من الامة. فزعمت الازارقة من الخوارج انه مشرك كافر ، وقالت الاباضية منهم انه موحد كافر وليس بمشرك. وزعمت البكرية انه منافق. وقال الجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين انه / مؤمن بتوحيده ومعرفته بربه ، وتصديقه لكتب ربه ورسوله ، فاسق بكبيرته. فخرج واصل عن اقوال الامة في هذا الأصل ، وزعم انه فاسق ، لا مؤمن ولا كافر ، وجعل الفاسق في منزلة بين المنزلتين ، اوجب له الخلود في النار مع خروجه من الكفر. ـ فلما رأى الحسن خلاف واصل على الامة ، طرده عن مجلسه ، فاعتزل عنه الى سارية من سواري مسجد البصرة ، واظهر بدعته عندها. فقال الناس فيه : انه اعتزل الأمة ، فسمي اتباعه معتزلة. وانضم إليه عمرو بن عبيد بن باب ، مولى تميم واسد في غيهما ، ودعيا الاعمار الى القدر والى المنزلة بين المنزلتين في الفاسق ، ونسجا على منوال معبد الجهني في القدر وخلطاه ببدعة المنزلة بين المنزلتين ، ووافقا الخوارج في تأبيد عقاب الفاسق. / فلذلك سميت المعتزلة مخانيث الخوارج (٣) ، لان الخوارج لما حكموا من تأبيد عقاب الفاسق سموه كافرا. ـ وزعمت المعتزلة انه موحد ، مطيع ، وفيه ايمان وطاعات كثيرة ، وهو مع ذلك مخلد في النار. ـ وقالوا انما لم نسمه مؤمنا لان هذا من اسماء المدح ،

__________________

(١) في المخطوط هنا ، بعد ما عدّد المؤلف اسماء العشرين فرقة ، بدأ مباشرة بعرض موقف كل فرقة ، بينما في كتاب «الفرق بين الفرق» وفي «مختصره للرسعني» يعرض ما اجمعت عليه المعتزلة من آراء : نفي الصفات ، حدوث كلام الله ، المنزلة بين المنزلتين ، ان الله شيء لا كالاشياء ، وان الله خلق ما خلق لا من شيء ، ومن ثم يأتي الكلام عن كل فرقة مبتدأ بالواصلية (بدر ص ٩٣ ـ ٩٦ ، الكوثري ص ٦٨ ـ ٧٠ ، عبد الحميد ص ١١٤ ـ ١١٦ ، الرسعني ص ٩٥ ـ ٩٧).

(٢) «الأبلع» غير وارد في «الفرق».

(٣) مخانيث ـ جاء في المخطوط : مجانيب.

٨٣

ولا يوصف الفاسق باسم المدح. ويلزمهم على هذا ان لا يسموه موحدا ولا عارفا بالله تعالى ، لان هذين الاسمين من اسماء المدح (١).

ثم ان واصلا شان بدعته في القدر وفي المنزلة بين المنزلتين بحكمه في علي وطلحة والزبير ، فقال لو شهد علي وطلحة والزبير عندي على باقة بقل ، لم احكم بشهادتهم (٢) ؛ ولو شهد عندي علي مع واحد من عسكره قبلت شهادتهما ؛ وانما لا أقبل شهادة رجلين احدهما من عسكر علي والآخر من عسكر طلحة والزبير ، لان / احد الفريقين فاسق ، من اهل النار ، وان لم يعرف الفاسق منهما بعينه ، كالمتلاعبين احدهما فاسق لا بعينه ولا يقبل شهادتهما بفسق احدهما. ونتيجة هذا القول انه يجوز عند واصل ان يكون علي وابناه وابن عباس ، وعمار بن ياسر ، وابو أيوب الانصاري وسائر من كان في عسكر علي يوم الجمل فسقة مستحقين للخلود في النار ، لا مؤمنين ولا كافرين ، ويجوز ان يكون طلحة والزبير وعائشة واتباعهم هم الفسقة المخلدون في النار. فهذا رجل قد شك في ايمان الخيار من الصحابة الذين شهد لهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة ، واخبر الله برضاه عنهم في بيعة الرضوان.

فهذه بدع واصل. وقد ادعت المعتزلة لواصل كرامات ، كذبوا في بعضها ، وقلبوا في بعضها / مثل مناقب : فزعموا انه صحب محمد بن علي بن الحنفية ، وعبد الله بن علي بن أبي طالب واخذ عنهما مقالته (٣) ، ومدحوه بانه كان الثغ في حرف الراء ، فاحتال لاخراج الراء من كلامه. فزعم انه (بدأ) (٤) في مجلس عبد الله ابن عمر بن عبد العزيز خطبة لا راء فيها. وهذه خرافات امانيهم في الغرور. وقيل لهم لو كان على رأي محمد وعبد الله ابني علي بن ابي طالب لما رد شهادة

__________________

(١) كل ما جاء في ذكر الواصلية هنا ملخص لما جاء فيما بعد في كتاب «الفرق بين الفرق» (انظر ط. بدر ص ٩٦ ـ ٩٨ ، ط. الكوثري ص ٧٠ ـ ٧١ ط. عبد الحميد ص ١١٧ ـ ١١٨ وأيضا مختصر الفرق للرسعني ص ٩٧ ـ ٩٨).

(٢) جاء في المخطوط : بشهادتهما.

(٣) الكلام من «فهذه بدع واصل ... الى مقالته» غير وارد في «الفرق».

(٤) هذه الكلمة غير واضحة في المخطوط ؛ لعلها «بدأ».

٨٤

ابيهما. واما لثغته في الراء فمن مثالبه ، لانها تمنع من كونه مؤذنا وإماما للقارئين لعجزه لقوله : اشهد ان محمدا رسول الله ، وان يقول : الله اكبر. وكان لا يصح منه قراءة آية فيها الراء.

وكفى المعتزلة خزيا ان يكون زعيمها من لا يصح صلاتهم خلفه.

واما خطبته التي لا راء فيها فعساه كان في تحبيرها اياما. / ولصاحب هذا الكتاب خطب كثيرة ، منها ما ليس فيه حرف الألف ، ومنها ما ليس فيه حرف الواو ، وهذا اصعب من اسقاط الراء عن الخطبة. فان قالوا ان بشار بن برد الشاعر ، مدح واصلا في تلك الخطبة فقال فيه : أبا حذيفة ، قد اتيت معجزة من خطبة بدهت من غير تكرير. ـ قيل لهم : هذا أيضا من موضوعاتكم على لسان بشار. والمعروف من شعر بشار هجاؤه واصلا بالقصيدة التي يقول فيها :

ما لي اشايع غزالا له عنق

كنقنق الدّوّ ، ان ولى وان مثلا

عنق الزرافة ، ما لي وبالكم

تكفرون رجالا ، كفّروا رجلا(١)

وقد ذكر زعماء المعتزلة في كتبهم ان بشارا كان على دين الكاملية من الروافض ، وانه كان يرى تفصيل النار على الارض وأعاروه (٢) بذلك. وزعموا ان واصلا كان يهدد بشارا بالقتل. افتراه كان يمدح عدوه من يراه كافرا في دينه؟ واذا افتخرت المعتزلة بواصل / سلمناه إليهم ، وتمثلنا بقول الشاعر :

هل مشتر والسعيد بايعه؟

هل بايع والسعيد من وهبا (٣)؟

قال الاستاذ صاحب الكتاب (٤) : وقد قلنا في واصل من كيسنا :

__________________

(١) ورد البيت الأول فقط في المخطوط ، اما البيت الثاني فاضفناه من كتاب «الفرق».

(٢) في المخطوط : والعروة.

(٣) كل ما جاء هنا في هذه الصفحة غير مذكور في كتاب «الفرق».

(٤) صاحب الكتاب هو عبد القاهر البغدادي اذ ان في كتاب «الفرق» يذكر البغدادي : «ومقالة واصل في الجملة كما قلنا في بعض اشعارنا :

مقالة ما وصلت بواصل

بل قطع الله به اوصالها

ويضيف : «وسنذكر تمام ابيات هذه القصيدة بعد هذا ان شاء الله عزوجل» ولكنه لم يذكر باقي القصيدة في كتاب «الفرق» وكأن البغدادي اكتفى بان القصيدة مذكورة في كتاب «الملل والنحل» (انظر «الفرق» ط. بدر ص ١٠٠ ، الكوثري ص ٧٢ ، عبد الحميد ص ١٢٠). وقد اوضحنا ذلك في مقدمة الكتاب.

٨٥

مقالة ما وصلت بواصل

بل قطّع الله به اوصالها

قوائم ما تحتها قواعد

شلت يد الباقي الذي اطالها

أم الطواغيت عن الحق انثنت

فزنبير للرحم اعتزالها

لو رضي الله لها اقوالها

ما خالفت اقوالها افعالها

تلفتت غزلته وهي التي

من كل عدل حسالها

ستحصد الغي غدا ندامة

اذا رأت في صحفها اعمالها

تنهي عن الشيء وتأتي مثله

تجمع في ضلالها احلالها

واها لها لا بل عليها فيه

محالها اركبها محالها

لم يصطنع بوصفها انفسها

واعظمت في (ربها) مقالها

سبحان من امهلها بحلمه

وما رأى امهالها اهمالها

/لا عمّر الله بها ربوعها

ولا سقى غياثه اطلالها.

ذكر العمرية (١) منهم

هؤلاء اتباع عمرو بن عبيد ، وكان على رأي واصل بن عطاء في القدر وفي المنزلة بين المنزلتين. وزاد عليه في الطعن على شهادة رجلين ، احدهما من عسكر علي والآخر من اصحاب الجمل لفسق احدهما لا بعينه. ـ وزعم عمرو ان كل واحد من العسكرين لو شهد مع (شاهد) (٢) عدل من غير الفريقين لم يحكم بشهادتهما ، وفي هذا حكم منه بفسق الفريقين يوم الجمل. فأصل هذه البدعة من واصل ، والزيادة فيها من عمرو. ومن شأن (التملماذ) (٣) ان يزيد على الاستاذ. وافترق اتباعهما من القدرية في هذه المسألة : فذهب معمر والنظام والجاحظ الى قول واصل في علي وطلحة والزبير. ـ وقال (حوشب) (٤) / وهاشم

__________________

(١) جاء في «الفرق» بدر ص ١٠٠ ، الكوثري ص ٧٢ ، عبد الحميد ص ١٢٠ : «العمروية» هؤلاء اتباع عمرو بن عبيد بن باب مولى بني تميم ، وكان جده من سبي كابل وما ظهرت البدع والضلالات في الأديان إلا من ابناء السبايا ، كما روي في الخبر.

(٢) ناقص كلمة شاهد في المخطوط ؛ لا بد منها لتوضيح الكلام.

(٣) هكذا في المخطوط ؛ والمقصود التلميذ.

(٤) هكذا في المخطوط ـ وهو غير واضح ـ ربما المقصود : هو (اي عمرو بن عبيد).

٨٦

ونص في هذين العسكرين : بحب القادة وهلك الاتباع. ـ وتكلم الاصم (١) منهم في هذا الباب وفي شأن علي ومعاوية والحكمين ، وصرف امر معاوية على وجوه جعله في اكثرها مصيبا ، وفي بعضها احسن حالا من علي.

وقال اهل السنة بتصويب علي في جميع حروبه ، وبصحة شهادة فيها علي او طلحة او الزبير على رغم من ردها. وكان عمرو بن عبيد (٢) ، مع بدعته التي ذكرناها ، كاذبا في رواياته عن الحسن البصري وغيره ، وهي الذي روى عن الحسن في تفسير غير اولى الإربة انه المخنث. وقال اصحاب الحسن : كذبت عليه ، فانه لم يقل ذلك. وقال حماد بن زيد : قيل لايوب ان عمرو بن عبيد روى عن الحسن ان السكران من النبيذ لا يجلد. فقال : كذب عمرو. انا سمعت الحسن يقول : يجلد السكران من النبيذ. ـ وقال زكريا بن / يحبى الساجي في كتاب «العلل» كان شعبه قد روى عن عمرو بن عبيد حديثين ، ثم تركهما لما علم ضلالته. وقال أيضا : كان الحسن وأيوب وابن عوف وسليمان (٣) التميمي ويونس بن عبيد ينهون الناس عن عمرو بن عبيد. ـ وروى محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير ، باسناد عن مطر الوراق ، قال : كان عمرو بن عبيد يلقاني ، فيحلف علي بالحديث ، فاعلم انه كاذب. ـ وذكر الكعبي (٤) في «مقالاته» ان المنصور الخليفة مدح عمرا ، وقال نثرت الحبّ ، فلقطوا غير عمرو بن عبيد. ـ وهذا من اكاذيب الكعبي ، وهو الذي روى ان عمرا كان من الداعين الى البيعة لزيد الناقص في ولايته. افترى المنصور ، مع صرامته وعداوته لبني امية ، يمدح داعيهم ومن خرج عليه مع إبراهيم بن / عبد الله بن الحسن ابن الحسين بالبصرة حتى لحقه سوم عمرو ، فقتل في حربه؟ وعمرو ، في الجملة ، مسلم للمعتزلة بلا نزاع ، والسلام.

__________________

(١) موقف الأصم المذكور هنا الى آخر الصفحة غير وارد في «الفرق بين الفرق».

(٢) الكلام ابتداء من هنا الى آخر الصفحة غير وارد في «الفرق بين الفرق».

(٣) سليمان : سليمان.

(٤) في المخطوط : الكفتي ـ ولكن جاء بعد سطرين : الكعبي وهو الاصح.

٨٧

ذكر الهذيل العلاف (١)

التائه من جهالته في ضلالته.

ومن فضائحه قوله : تفنى مقدرات الله عزوجل ، وانه لمقدورات الله تعالى (حدا) (٢) لا يكون بعد انتهائها قادرا على احداث شيء ، ولا على احياء ميت ، ولا على إماتة حي ، ولا على تحريك ساكن ، ولا على شيء بوجه. وزعم ان اهل الجنة واهل النار ، في حال فناء مقدورات الله تعالى ، يبقون جمودا ، لا يقدرون على شيء ، من صحة عقولهم. ـ وشنع المردار عليه في هذه المسألة بان قال : يلزمه ، اذا كان ولي الله تعالى في الجنة يتناول باحدى يديه الكاس من بعض ازواجه ، ويتناول باليد الأخرى بعض التحف ، / ثم حضر وقت السكون الدائم ، الذي هو آخر مقدورات الله تعالى عنده ، ان يبقى بعد تلك الحال على هيئة المصلوب ابدا. ـ وقد اعتذر ابو الحسن الخياط لابي الهذيل في هذا (الباب) (٣) بان قال : ان الله ، عند انتهاء مقدوراته ، يجمع في اهل الجنة اللذات كلها : لذة الجماع ، ولذة الاكل ، ولذة الشرب ، وساير اللذات (٤) ، فيبقون

__________________

(١) نسب ابي الهذيل اوضح في كتاب الفرق (ط. بدر ص ١٠٢ ، الكوثري ص ٧٣ ، عبد الحميد ص ١٢١ ، ١٢٢ ، مختصر الفرق ص ١٥١) وقد جاء في «الفرق» : هؤلاء اتباع ابي الهذيل محمد بن الهذيل المعروف بالعلاف. كان مولى لعبد القيس ، وقد جرى على منهاج ابناء السبايا لظهور أكثر البدع منهم. وفي هامش ٢ لصفحة ١٢١ من ط. عبد الحميد : «هو ابو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبد الله ، البصري ، العلاف ، شيخ المعتزلة ومقدمهم ومقرر طريقتهم والمناظر عليها ، والذاب عنها. اخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل ابن عطاء ؛ ثم يقال ان واصلا اخذه عن ابي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية. ويقال : بل اخذه عن الحسن البصري ، وقد اختلف في وفاته ، فقيل توفي في سنة ٢٢٦ وقيل في سنة ٢٣٥ ه‍ وقيل في سنة ٢٣٧ («العبر» ١ / ٤٢٢ و «شذرات الذهب» ٢ : ٨٥ وابن خلكان الترجمة رقم ٥٧٨ و «طبقات المعتزلة» ص ٤٤) وانما قيل له العلاف لان داره بالبصرة كانت في العلافين».

(٢) ليلا : في المخطوط والاصح : حدا.

(٣) يضاف : الباب ، لتوضيح المعنى.

(٤) تفاصيل كل هذه اللذات المذكورة هنا غير واردة في «الفرق» (بدر ص ١٠٣ ، الكوثري ص ٧٤ ، عبد الحميد ص ١٢٣) حيث جاء : «يجمع في أهل الجنة اللذات كلها ، فيبقون على ذلك في سكون دائم».

٨٨

على ذلك في سكون دائم ابدا. ـ وفي هذا الاعتذار احالة (١) من وجوه : احدها جواز اجتماع لذات متضادة في محل واحد ، ولو جاز ذلك كان اجتماع لذات متضادة في محل واحد. والوجه الثاني ان هذا الاعتبار (٢) ، لو صح ، لوجب ان يكون حال اهل الجنة ، عند فناء مقدورات الله تعالى ، احسن من حالهم عند كون الاله قادرا. ومن العجب ان المعتزلة عابت جهما (٣) / في قوله : تفنى الجنة والنار بعد فنائهما (٤). وكيف لم يعب شيخها ابو الهذيل في دعواه فناء مقدورات الله تعالى جملة؟.

ومن فضائح ابي الهذيل (٥) أيضا قوله بان اهل الجنة مضطرون الى اقوالهم وحركاتهم وكل ما يكون منهم من اكل وشرب وجماع وغير ذلك. وكانت المعتزلة تكفر جهما في قوله ان العباد في الدنيا مضطرون الى ما يكون منهم (٦) ويكفرون اصحابنا في قولهم بان الله عزوجل خالق اكساب العباد. ويقولون لجهم : اذا خلق الله الظلم والكذب ، وجب ان يكون ظالما كاذبا. ـ فهلا قالوا لابي الهذيل : اذا خلق الله عزوجل اكل اهل الجنة وشربهم ، وجب ان يكون بها (٧) اكل وشرب؟ وقد الزمه المردار ذلك ، وقال ان أبا الهذيل جهمي الآخرة. وقال له : اذا قلت ان الله / خالق اقوال اهل الآخرة لزمك ان يكون هو الخالق لقول اهل النار ، (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٨) وهذا كذب منهم ، وفاعل الكذب كاذب. وهذا

__________________

(١) جاء في المخطوط : حاله ؛ ولكن باقي الكلام يدل على انها «احالة» بمعنى استحالة قبول هذا الاعتذار.

(٢) جاء في «الفرق» «الاعتذار» ذات المراجع المذكورة في الصفحة السابقة ، هامش رقم ٢ ؛ ولكن لفظ «الاعتبار» هنا صح أيضا.

(٣) الجهم بن صفوان.

(٤) لا شك في ان الكلام ناقص هنا ، تكملته تكون : بعد قولهم بفنائهما ـ (اعني كيف تعير المعتزلة على جهم قوله بفناء الجنة والنار وهو يقول بفنائهما؟).

(٥) جاء في المخطوط : أبا الهذيل ، والأصح : ابي الهذيل.

(٦) كان الجهم بن صفوان جبريا ، لا يقول بحرية الاختيار عند الانسان ، بينما المعتزلة كانوا قدرية ، بمعنى انهم يقولون بان الانسان قادر على افعاله.

(٧) جاء في المخطوط : بهما اكلا وشربا.

(٨) سورة الانعام : مكية ٢٣.

٨٩

الالزام متوجه على ابي الهذيل ، لانه يقول ان الكاذب منا انما كان كاذبا لانه فعل الكذب ، ولا يلزمنا على اصلنا ، لان الكاذب عندنا من قام به الكذب ولا من فعله.

ـ ومن فضائحه أيضا قوله بطاعات كثيرة لا يراد بها الله عزوجل ، وانه يجوز ان يطيع الله بانواع كثيرة من الطاعات من لا يعرفه ، فليس على الارض زنديق ولا ملحد الا وهو عنده مطيع لله تعالى من وجوه ، وان عصاه من جهة كفره. ـ وقال اصحابنا ان الطاعة لله قبل معرفته انما يصح في شيء واحد وهو النظر الواجب على العاقل ليتوصل به / الى معرفة ربه عزوجل ، فانه طاعة منه ، لانه مأمور به قبل معرفته بربه تعالى. ولا يصح من احد طاعة لله تعالى في غير ذلك الا بعد ان يعرفه ويقصد به التقرب بها إليه. وكان ابو الهذيل يحتج لبدعته هذه بان يقول ان أوامر الله تعالى بإزائها زواجر ، فلو كان من لا يعرف الله تعالى تاركا لجميع اوامره وجب ان يكون قد صار الى جميع زواجره ، ووجب من هذا ان يكون الدهري نصرانيا يهوديا مجوسيا وثنيا ، وهذه اغلوطة منه. وجوابه عنها ان كل طاعة يضادها معارض متضادة ، وبكل واحد منهما يخرج عن الطاعة والايمان واذا دخل في نوع من الكفر خرج عن اضداده من انواع الكفر ، كما يخرج به عن الايمان. وهذا واضح في نفسه.

ـ ومن فضائحه أيضا قوله بان علم الله هو الله / وقدرته هي هو (١) ، ويلزمه على هذه البدعة امران : احدهما انه يوجب عليه ان يكون علمه هو قدرته لرجوعهما الى ذات واحدة ؛ ولو كان علمه قدرته لوجب ان يكون معلوماته مقدورات له ، فيكون ذاته مقدورا له ، كما هو معلوم له. وهذا الحاد مما يؤدي إليه مثله.

ـ ومن فضائحه بقسمة كلام الله تعالى قسمين : قسمة لا في محل ، وهو قوله الشيء «كن» ، وباقي كلامه في محل ، مع كون القسمين عرضين حادثين. فاما قوله بحدوث إرادة الاله في محل فقد شاركه فيه البصريون من المعتزلة.

فهذه اقواله في ربه ، لا شكرا لله له اقواله. وكم له فضائح لو وضعت على الجبال دكدكت جباله.

__________________

(١) ردت المعتزلة الصفات الى الذات الالهية. انظر : كتابنا «فلسفة المعتزلة» الجزء الاول : التوحيد من ص ٣٧ الى ص ٥٥ ـ مطبعة نشر الثقافة ـ الاسكندرية ١٩٥٠.

٩٠

ذكر النظّامية منهم

هؤلاء اتباع إبراهيم بن سيار (١). والمعتزلة [أتموه] (٢) في تلقيبه / بالنظام يوهم (٣) انه ناظم الكلام ، وانما كان ينظم الخرز ، فسمي النظام. وكان في شبابه قد عاشر قوما من الثنوية وعاشر الحصري الخداد ، وابن ابي العوجاء واتباعهما الذين قالوا بتكافؤ الادلة (٤) ، وقوما من الفلاسفة. فاخذ من الفلاسفة قوله بنفي الجزء الذي لا يتجزأ ، واخذ من الثنوية الديصانية قوله بان الإله لا يقدر على فعل ما هو ظلم او كذب ، واخذ من هشام بن الحكم الرافضي قوله بان الالوان والاصوات اجسام ، واخذ من نفاة النظر قوله بابطال حجة الاجماع والتواتر وابطال المقاييس الشرعية ، ودلّس مذاهب الثنوية والملحدة في دين الاسلام.

وفضائحه يري منها قوله بان الله تعالى لا يقدر ان يفعل بعباده في الدنيا خلاف ما فيه صلاحهم ، ثم زاد على هذا ان / قال انه لا يقدر على ان ينقص

__________________

(١) جاء في «الفرق» ط. بدر ص ١١٣. الكوثري ص ٧٩ ، عبد الحميد ١٣١ : هؤلاء اتباع ابي اسحاق ابن سيّار المعروف بالنّظّام ؛ وفي هامش ٢ لصفحة ١٣١ من ط. عبد الحميد : «النظام هو ابو اسحاق ابراهيم بن سيار المعروف بالنظام ، وهو ابن اخت ابي الهذيل العلاف ، ومنه أخذ الاعتزال ، وهو شيخ ابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، وهو معدود من اذكياء المعتزلة وذوي النباهة فيهم ، يذكرون انه ظهر في سنة ١٦٠ من الهجرة ، وقرر مذهب الفلاسفة في القدر فتبعه خلق ، وكان من صغره يتوقد ذكاء ويتدفق فصاحة ، وقد اداه ذكاؤه المتوقد ، وبيانه المتدفق ، واطلاعه على الكثير من كتب الفلاسفة الطبيعيين والإلهيين الى انه ذهب المذهب الذي انكره عليه عامة المسلمين ، وسبحان الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وتوفي ما بين سنة ٢٣١ وسنة ٢٣٢ (انظر النجوم الزاهرة ٢ / ٢٣٤ ، والتنبيه ٤٣ ، ٤٤. واعتقادات فرق المسلمين ص ٤١ ودائرة معارف البستاني ١ / ٢٦٨ وطبقات المعتزلة ٤٩ ـ ٥٢ والعبر ١ / ٣١٥ و ٤٥٦).

(٢) كلمة مبهمة في المخطوط ؛ لا شك في انها تدل على التهكم.

(٣) الاصح : يوهمون.

(٤) جاء في الفرق (بدر ص ١١٣ ، الكوثري ص ٧٩ ، عبد الحميد ص ١٣١) : «وكان في زمان شبابه قد عاشر قوما من الثنوية ، وقوما من السمنية القائلين بتكافؤ الادلة» ـ اما هنا في المخطوط فقد جاء ذكر اسم الحصري الخداد وابن ابى العوجاء ، وهذان الاسمان غير مذكورين في كتاب الفرق.

٩١

نعيم اهل الجنة ، ولا على ان يزيد في عذاب اهل النار شيئا ، ولا على ان ينقص من عذابهم شيئا ، لان الزيادة فيه والنقصان منه ظلم ، ولا يقدر على الظلم. وزعم أيضا انه غير قادر على اخراج احد من اهل الجنة عنها.

وقال أيضا انه لا يقدر ان يعمي بصيرا ، ولا على ان يمرض صحيحا ، ولا على ان يفقر غنيا اذا علم ان البصر والصحة والغنى اصلح لهم.

وزعم أيضا انه لا يقدر على ان يخلق حية او عقربا او جسما فعلم ان خلق غيره اصلح من خلقه.

ـ ثم قال : لو ان طفلا وقف على شفير جهنم لم يكن الله تعالى قادرا على طرحه فيها ، وقدرت الزبانية (١) على طرحه فيها ، وقد اكفرته (٢) البصرية من المعتزلة في هذا (٣) ، وقالوا : لا فرق بين قول النظام انه يكون من الله / تعالى ما لا يوصف بالقدرة على ضده وبين قول من زعم انه مطبوع على فعل لا يصح منه خلافه. وهذه الشناعة ساقطة عن اصحاب الحديث ، لانهم قالوا ان الله تعالى قادر على ما يصح حدوثه وعلى اخراج اهل الجنة منها ، وعلى اخراج المشركين من النار ، وانما اوجبوا التحليل من جهة طريق الخير ، ووصفوه بالقدرة على الزيادة في نعيم اهل الجنة وفي عذاب اهل النار ، وعلى ان ينقص منهما ، وقالوا : كل ما فعله من مقدوراته لا يكون شيء منه ظلما. فاما قدرته على كذب يكون به كاذبا فمحال ، لان صدقه من صفاته الأزلية ، وان كان هو الخالق لكذب غيره. كما انه لما كان علمه من صفاته الأزلية استحال ان يكون قادرا على جعل (٤) بصيرته جاهلا ، وان كان خالقا لجهل غيره (٥).

__________________

(١) الزبانية : «ملائكة غلاظ شداد» تطرح الهالكين الى النار الابدية ـ قرآن كريم ٦٦ : ٦.

(٢) اكفرته : الأصح كفرته.

(٣) الكلام من : ثم قال : «لو ان طفلا ... في هذا» غير وارد في كتاب «الفرق».

(٤) في المخطوط : جهل بصيرته جاهلا ، لا شك ان «جهل» هنا وردت خطأ من قبل الناسخ.

(٥) الكلام من «وهذه الشناعة ساقطة عن اصحاب الحديث ... الى لجهل غيره» غير وارد في كتاب «الفرق».

٩٢

والفضيحة الثانية / من فضائح النظام قوله بان الانسان هو الروح ، وهو جسم لطيف مداخل هذا الجسم الكثيف ، مع قوله ان الروح هي الحياة ، وانه جوهر واحد غير متضاد. وفي هذا القول من الفضائح فنون ، منها ان الانسان لا يدرك بشيء من الحواس ، وانما يرى ويلمس الجسد الذي فيه الانسان. ومنها انه يوجب ان الصحابة ما رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانما رأوا قالبا فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويوجب ان احدا ما رأى اباه ولا أمه واخاه ، وانما رأى قوالبهم. واذا زعم ان الانسان غير قالبه لزمه مثل ذلك في الملائكة وفي كل حيوان : فلا يكون الذي قد رأى جبريل ، ولا احد رأى جمادا ولا فرسا ، وانما رأى قوالب هذه الحيوانات. وقيل له : اذا كان الانسان هو الروح وهو الزاني / السارق ، وهو غير الجسد ، والجلد والقطع وافعال على الجسد فقد قطع غير السارق ، وجلد غير الزاني (١).

والفضيحة الثالثة ، قوله بان الروح حي لنفسه ، ومستطيع لنفسه. فان أجاز على الروح الموت والعجز بطل قوله انه حي مستطيع لنفسه ، لوجود نفسه في حال موتها وعجزها. وان زعم ان الموت والعجز يحلان الجسد دون الروح ، فقد جعل الذي يموت من لم يكن حيا قط ، والذي يعجز من لم يكن قادرا قط. وان قال ان الروح تحيا وتقدر لنفسها ، وانما تموت او تعجز لانه يطرأ عليها (٢) لم ينفصل ممن قال ان الروح ميتة عاجزة لنفسها ، وانما يختار ويقدر بصفة يطرأ عليها.

والفضيحة الرابعة قوله بان الروح جنس واحد ، وافعالها جنس واحد ، وان الاجسام ضربان : حي وميت : وان الحي / منها محال ان يصير ميتا ، وان الميت منها محال ان يصير حيا. وانما اخذ هذا القول من الثنوية الديصانية (٣) في قولها ان النور من شأنه الارتفاع ، والظلام موات ثقيل من شأنه

__________________

(١) الكلام في هذه الجملة الاخيرة مضطرب. المقصود منه : الجلد والقطع لا يقعان على الجسد ، فيكون قد قطع غير السارق ، وجلد غير الزاني.

(٢) الكلام هنا ناقص ـ المقصود هنا : لانه يطرأ عليها الموت او العجز.

(٣) جاء في «الفرق» : بدر ص ١١٩ : الثنوية البرهانية ، الكوثري ص ٨٢ : الثنوية البرهمية ؛ عبد الحميد ص ١٣٦ : الثنوية البرهميّة.

٩٣

التسفل ، ومحال ان يصير الميت الثقيل حيا خفيفا ، وان يصير الحي الخفيف ثقيلا ميتا. ثم ان النظام فسر هذه البدعة : فانه قال ان الحيوان كله جنس واحد (١) ، لا يفارقه في توليد الادراك ، فزعم ان الجنس الواحد لا يكون منه عملان مختلفان ، كما لا يكون من النار تبريد وتسخين ، ولا من الثلج تبريد وتسخين. وهذا تحقيق قول الثنوية ان النور يفعل الخير دون الشر ، وان الظلام يفعل الشر دون الخير ، وان الفاعل الواحد لا يفعل فعلين متضادين ، كما لا يكون من النار ولا من الثلج تبريد وتسخين معا. واعجب من هذا انه صنف / كتابا على الثنوية والزمهم فيه استحالة مزاج النور والظلمة إذ (٢) كانا عنده مختلفين في الجنس والعمل ، وكانت جهات حركتيهما مختلفة. ثم زعم ان الروح تداخل الجسد ، وهي خفيفة ، تتحول بطبعها الى فوق ، والجسد ثقيل متحرك الى اسفل. والمداخلة في المختلفين ابعد من المجاورة والمزاج بينهما.

والفضيحة الخامسة قوله بان النار من شأنها انها تعلو كل شيء (٣) ، وانها اذا سلمت من الشوائب (الحابسة) (٤) لها في هذا العالم ، علت وجاوزت السموات والعرش ، الى (٥) ان يلقاها من جنسها ما يتصل به. فلا تفارقه. وكذلك قال في الروح ، اذا فارق الجسد ارتفع واحيا ، وهذا معنى قول الثنوية ان الذي شاب من اجزاء النور بأجزاء الظلمة (٦) اذا انفصلت منها وارتفعت الى عالمها ، فان كان / ثبتت النار والروح عالما تخلصان إليه بعد الانفصال ، فهو ثنوي.

__________________

(١) في المخطوط : فأن ـ في كتاب الفرق الكلام من : «فان قال ان الحيوان كله جنس واحد ... الى آخر الفقرة» هو الفضيحة الخامسة (بدر ص ١٢٠ ، الكوثري ص ٨٣ ، عبد الحميد ص ١٣٧) بينما هنا ألحق هذا الكلام بالفضيحة الرابعة.

(٢) في المخطوط : اذا.

(٣) الكلام هنا خاص بالفضيحة السادسة في كتاب «الفرق» (بدر ص ١٢٠ ، الكوثري ص ٨٣ ، عبد الحميد ص ١٣٧).

(٤) جاء في المخطوط «الخامسة».

(٥) في المخطوط : الا.

(٦) «إذ الذي شاب من اجزاء النور باجزاء الظلمة اذا انفصل منها ارتفع الى عالم النور» كما جاء في كتاب «الفرق» (بدر ص ١٢١ ، الكوثري ص ٢٨٣ ، عبد الحميد ص ١٢٧). ولكن جاء في المخطوط هنا : ان الذي شاب من اخر النور بأجزاء الظلمة.

٩٤

وان ثبتت فوق الهواء (١) دون القلل نارا يخلص إليها النيران المرتفعة من الارض ، فهو من اهل الطبائع الذين زعموا ان مسافة الهواء من فوق الارض ستة عشر ميلا ، ثم فوقه نار متصلة بالعلل يخلص إليها لهب النار ؛ فهو اما ثنوي واما طبيعي ، تدلّس نفسه في غمار المسلمين (٢).

والفضيحة السادسة له قوله بان افعال الحيوان كلها جنس واحد ، وهي كلها حركة (٣). والسكون عنده حركة اعتماد. والمعلوم والارادات عنده من جملة الحركات. والاعراض عنده جنس واحد ، وهي كلها حركات. فاما الالوان والطعوم والاصوات والخواطر ، فانها عنده اجسام مختلفة ، متداخلة. ويلزمه على هذا القول ان يكون / الايمان من جنس الكفر ، والعلم من جنس الجهل ، والحب من جنس البغض. ويلزمه ان يكون فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمؤمنين مثل فعل ابليس بالكافرين ، وان يكون دعوة احدهما مثل دعوة الآخر ومن جنسه. ويلزمه ان لا يغضب على من لعنه ، لان قول القائل : لعن الله النظام ، من جنس قوله : رحمه‌الله (٤).

والفضيحة السابعة قوله بان الروائح والالوان والطعوم والاصوات اجسام ، لان هذا القول اداه الى المداخلة على الاجسام ، وهي اجتماع جزءين في حيز واحد. ومن اجاز هذا لزمه دخول الجمل في سمّ الخياط (٥).

والفضيحة الثامنة قوله في الاصوات ، انه يستحيل ان يسمع اثنان صوتا واحدا الا على معنى انهما سمعا جنسا واحدا من الصوت كما يأكلان جنسا واحدا من الطعام وان كان / مأكول احدهما غير مأكول الآخر. انما الجأه الى هذا القول قوله بانه (٦) جسم ولا يجوز ان يهجم قطعة واحدة منه على سمعين ، وانما شبه

__________________

(١) جاء في المخطوط : الهوي.

(٢) قارن ما جاء في الفضيحة الخامسة هنا مع ما جاء في الفضيحة السادسة في كتاب الفرق (ط بدر ص ١٢٠ ـ ١٢١ ، الكوثري ص ٨٣ ، عبد الحميد ص ١٣٧).

(٣) ناقص «وسكون».

(٤) ما جاء هنا في الفضيحة السادسة مطابق تقريبا لما جاء في الفضيحة السابعة من كتاب «الفرق» (انظر ط. بدر ص ١٢١ ـ ١٢٢ ، الكوثري ص ٨٣ ـ ٨٤ ، عبد الحميد ص ١٣٨ مع بعض التوسع القليل في كتاب «الفرق»).

(٥) سمّ الخياط : الإبرة.

(٦) بانه : اي الصوت.

٩٥

الصوت المسموع بالماء المصبوب على قوم ، فما يصب (١) على كل واحد منهم غير ما يصب على الآخر. ويلزمه على هذا ان لا يكون جماعة من الصحابة سمعت كلمة واحدة من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لان كل واحد منهم سمع جزءا من كلمته او من صوته ، وليس الجزء منها كلمة تامة.

والفضيحة التاسعة له قوله بانقسام لا الى غاية ، وفيه احالة احاطة علم الله تعالى باجزاء العالم ، بخلاف قوله (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (٢). وقد انكر النظام على الثنوية قولها ان الهمامة (٣) التي هي روح الكافر عندهم ، قطعت بلادها ووافت / درجات النور. وقال لهم : ان كانت بلادها لا تتناهى من جهة السفل ، فكيف قطعتها الهمامة؟ ثم زعم مع ذلك ان الروح اذا فارق البدن يقطع هذا العالم الى فوق ، واجزاء ما يقطعه غير متناهية ، ولا جل هذا قال بالطفرة (٤). وزعم ان القاطع للشيء يقطع بعضه ويطفر بعضه. ولا ينفصل على هذا من المانوية (٥) اذا قالوا ان الهمامة قطعت بعض بلادها وطفرت بعضها حتى وافت النور.

والفضيحة العاشرة له قوله بالطفرة ، وان الشيء يكون في مكان ، فيصير منه الى المكان الثالث او العاشر منه من غير ان يمر بالوسط. ونحن نتحاكم إليه في إحالة هذا القول وان كان التحكيم بعد ابي موسى خارجا من الحزم.

والفضيحة الحادية عشر له قوله لا يعلم / باخبار الله تعالى ، ولا باخبار رسوله ، ولا باخبار اهل دينه شيء. وانما الجأه الى ذلك قوله بانه لا يعلم شيء من الاجسام والالوان بشيء من الاخبار. وقال ان المعلومات ضربان : محسوس وغير محسوس ، منها اجسام فحسب ، ولا يصح العلم بها الا من جهة الحس. وغير

__________________

(١) في المخطوط : فيصب ـ الصح : فما يصب.

(٢) سورة الجن ؛ مكّية ٢٨.

(٣) جاء في المخطوط «الهامة» وكذلك في ط. الكوثري ص ٨٤ ، وط. عبد الحميد ص ١٣٩ ؛ ولكن في ط. بدر ص ١٢٣ جاء «الهمّامة» وجاء أيضا «الهمامة» في كتاب الانتصار للخياط (انظر ص ٣١ من طبعتنا لهذا الكتاب) وفي هذا المخطوط هنا يوضح معنى «الهمامة» فيقول : «هي روح الكافر عندهم» ، بينما في باقي المراجع جاء : «الهمامة التي هي روح الظلمة عندهم».

(٤) فيما يتعلق بالطفرة انظر «الملل والنحل» للشهرستاني ١ : ٦٣ وكذلك الايجي : «المواقف» ص ١٩١ والاشعري : «مقالات الاسلاميين» ٢ : ١٨ (تحقيق عبد الحميد ـ طبعة القاهرة ١٩٥٤.

(٥) في المخطوط : المامونية.

٩٦

المحسوس شيئان : قديم وعرض ، وطريق العلم بهما النظر دون الخبر. فقيل له : على هذا الأصل ، كيف عرفت ان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسائر الأنبياء والملوك كانوا في الدنيا؟ فقال : ان الذين شاهدوه اقتطعوا منه حين رأوه قطعة توزعوها بينهم ووصلوها بارواحهم ، فلما اخبروا التابعين عن وجوده خرج منهم مفرق تلك القطعة فاتصل بالتابعين ، فعرفوه به عند خبرهم لاتصال / ارواحهم بحرفيه. وهكذا قصة الناقلين عن التابعين ، ومن بعدهم الى ان وصل إلينا. ـ فقيل له : قد علمت اليهود والنصارى وسائر الكفرة بكون نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد اتصلت (قطعة منه) بارواحهم ، ويجب اتصال قطعة من المشركين الذين في النار اذا سمع كل واحد من الفريقين خبر الآخر! ـ وكفاه بهذا خزيا (١).

والفضيحة الثانية عشر (٢) له : قوله بان الله تعالى خلق الناس والبهائم والجمادات والنبات في وقت واحد ، وان خلق آدم لم يتقدم خلق اولاده. غير ان الله عزوجل اكمن بعض الأشياء في بعض والتقدم والتأخير انما يقع في ظهور الاشياء من أماكنها دون اختراعها. وهذه البدعة زائدة على قول من قال من الرافضة المعني به ان الله تعالى خلق ظلال الناس / معا ، ثم عرض عليهم بيعة علي (٣). وفيه تكذيب لما اجتمع عليه المسلمون واهل الذمة من ان الله تعالى خلق اللوح والقلم قبل سائر خلقه. وقوله بكمون (٤) بعض الاجسام في بعض شيء من قول من قال من الدهرية بكمون الاعراض في الاجسام ، وزعم ان تغير الجسم من

__________________

(١) ما جاء في الفضيحة الحادية عشرة هنا متفق مع ما جاء في الفضيحة الثانية عشرة في كتاب «الفرق» مع بعض الايجاز هنا (انظر «الفرق» ط. بدر ص ١٢٥ ـ ١٢٦ ، الكوثري ص ٨٥ ـ ٨٦ ، عبد الحميد ص ١٤٠ ـ ١٤١). يضاف هنا (قطعة منه) لتوضيح للعنى.

(٢) لم يذكر في المخطوط هنا ما جاء في الفضيحة الثالثة عشرة في كتاب «الفرق» ما حكاه الجاحظ عنه من قوله بتجدد الجواهر والاجسام حالا بعد حال (انظر «الفرق» ط. بدر ص ١٢٦ ، الكوثري ص ٨٦ ، عبد الحميد ص ١٤١) فلم تذكر هذه المسألة قط في المخطوط هنا. ـ اما الفضيحة الثانية عشرة الواردة في المخطوط هنا تقابل الفضيحة الرابعة عشرة الواردة في كتاب «الفرق» (انظر «الفرق» بدر ص ١٢٧ ، الكوثري ص ٨٦ ، عبد الحميد ص ١٤٢).

(٣) الكلام من «وهذه البدعة زائدة ... الى بيعة علي» غير وارد في كتاب «الفرق».

(٤) بكمون : جاء في المخطوط : يكون.

٩٧

حال الى حال انما يكون بظهور بعض الاعراض وكمون بعضها فيه.

والفضيحة الثالثة عشر (١) له قوله بان نظم القرآن غير معجز ، وانما وجه الدلالة منه على صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما فيه من الاخبار عن الغيوب. وزعم ان العباد قادرون على مثل القرآن وعلى ما هو افصح منه. وفي هذا ابطال اعجاز القرآن.

والفضيحة الرابعة عشر (٢) له قوله بان التواتر غير موجب العلم / الضروري.

والفضيحة الخامسة عشر (٣) له قوله يجوز اجتماع الامة على الباطل من جهة الرأي. وكان مع هذا مبطلا للقياس الشرعي ، وغير قائل باخبار الآحاد ، فاذا لم يزمع هذا حجة الاجماع ولا حجة التواتر ، (فما) اراد الا رفع احكام الشريعة بقوله (او) بما يؤدي إليه (٤).

والفضيحة السادسة عشر (٥) له ما حكاه عنه الجاحظ في كتاب «المعارف» ، وفي كتاب «الفتيا» من طعنه على خيار الصحابة ، وانه زعم ان أبا هريرة كان اكذب الناس ، وادعى ان عمرا شك يوم الحديبية في دينه ، وانه كان فيمن يقر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة العقبة (٦) ، وانه ضرب فاطمة ومنع ميراث العترة (٧) ، وعذب نصر بن الحجاج ، وحرم نكاح الموالي للعربيات ، وابدع

__________________

(١) الفضيحة الثالثة عشرة هنا تقابل الفضيحة الخامسة عشرة في كتاب «الفرق» (انظر بدر ص ١٢٨ ، الكوثري ص ٨٧ ، عبد الحميد ص ١٤٣).

(٢) ما جاء هنا في الفضيحة الرابعة عشرة هو ملخص لما جاء في الفضيحة السادسة عشرة في كتاب «الفرق بين الفرق» (انظر ط. بدر ص ١٢٨ ، ط. الكوثري ص ٨٧ ، عبد الحميد ص ١٤٣).

(٣) ما جاء في الفضيحة الخامسة عشرة هنا يوجز ما جاء في الفضيحة السابعة عشرة في كتاب «الفرق» (انظر ط. بدر ص ١٢٩ ، الكوثري ، ص ٨٧ ، عبد الحميد ص ١٤٣).

(٤) ورد في المخطوط : فاذا لم يزمع هذا حجة الاجماع ولا حجة التواتر ، فمن اراد الا رفع احكام الشريعة لقوله بما يؤدي إليه ـ وهذا كلام مبهم حاولنا توضيحه بما وضعناه بين قوسين.

(٥) ما ورد في الفضيحة السادسة عشرة هنا جاء ذكره في كتاب «الفرق» في الفضيحة الحادية والعشرين بعد الكلام عن الطلاق وترك الصلاة (انظر ط بدر ص ١٣٣ ، الكوثري ص ٨٩ ، عبد الحميد ص ١٤٧ ـ ١٤٨).

(٦) الليلة التي فيها تمت البيعة للنبي (ابن هشام ١ : ١٥١ ، ١٥٣).

(٧) جاء في ط. بدر ص ١٣٣ «الفترة» وفي ط. الكوثري ص ٨٩ «الضرة» وفي عبد الحميد ص ١٤٨ «العترة» ويرجح عبد الحميد ان الأصح هو «العترة» وهنا في المخطوط أيضا «العترة». العترة : عترة الرجل : اخص اقاربه ـ ابن الأثير (النهاية) ٣ : ٦٥

٩٨

صلاة التراويح (١) ، ونهى / عن متعة الحج (٢) ، وعاب عثمان بإيوائه الحكم بن العاص ، وتوليته الوليد بن عقبة الكوفة ، وأنّه استأثر بالحمى (٣) وثلب عليا بقوله في بقرة قتلت حمارا : اقول فيها برأيي ، وعاب ابن مسعود بقوله في حديث تزويج بنت واشق (٤) : اقول فيها برأيي وعابه بروايته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ان السعيد من سعد في بطن أمه ، والشقي من شقى في بطن أمه». وزعم ان هذا كذب منه ، وكذّبه في روايته انشقاق القمر (٥) ، وفي رواية الجن (٦) ، وما للصحابة عند هذا الطاعن ذنب غير انهم كانوا موحّدين لا ملحدين مثله. وانشقاق القمر ان احاله فقد احال تفريق اجزاء جسم مؤلف ، وان اجاز انشقاقه عقلا ، فما المانع من وقوعه مع ورود الخبر به؟ واما رواية الجن فان احالها / لزمه ان لا يرى الجن بعضهم بعضا ، وان اجازها لم ينكر وقوعها لبعض الناس ، كما رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الملائكة دون الناس. وحديث السعادة والشقاوة صحيح وان رغم انفه في طعنه على الصحابة كما قيل : وهل يضرّ السحاب نباح الكلاب؟ وكقول الآخر : هل يضر البحر لسان اجرب ان رمى فيه وليد بحجر (٧) ـ وكقول الثالث : «ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها ، أم بلت حيث تناطح البحران» (٨).

__________________

(١) صلاة التراويح : جمع ترويحة وهي الجلسة التي بعد اربع ركعات في ليالي رمضان (صحيح مسلم ٢ : ١٧٦).

(٢) الزيجة المؤقتة في وقت الحج.

(٣) أراض لبيت المال محمية لمواشيه ، فزعم أن عثمان خصّ بها نفسه (راجع : ph.hitti originso ftheislamicstate ,p٢٣).

(٤) جاء في كتاب الفرق ، ط. بدر ص ١٣٤ «في حديث تزويج بنت واشق» وفي ط. الكوثري ص ٩٠ «في حديث تزويج بروع بنت واشق» وفي ط. عبد الحميد ص ١٤٨ «في حديث تزويج بروع بنت واشق». وفي مختصر الفرق ط. حتّى ص ١٠٧ «في حديث بروع بنت واشق» مع التعليق الآتي : العبارة مشوهة ، والشهرستاني ١ : ٧٣ اغفل هذه الرواية ، اما ابن مسعود ، فهو عبد الله ، ذكره الطبري ١ : ٢٣٧٦ ، والبلاذري ٢٧٣) ه تعليق فيليب حتّى.

(٥) القرآن ٥٤ : ١ «اقتربت الساعة وانشق القمر».

(٦) القرآن ٧٢ : ١ ـ ٦.

(٧) هذا القول الآخر غير وارد في كتاب «الفرق».

(٨)

ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها

أم بلت حيث تناطح البحران

يوما إذا خطرت عليك قرونهم

تركتك بين كلاكل وجران

٩٩

وكقول حسان : ما أبالي أنبّ بالحزن تيس (١).

والفضيحة السابعة عشر (٢) له قوله في باب الوعيد ان من اخذ بالخيانة مائة وتسعة وتسعين درهما او سرقها لم يفسق بذلك حتى يكون مائتي درهم فصاعدا ، فان ثني على هذا ما يقطع فيه اليد. فما قال احد من فقهاء الامة ان نصاب القطع مائتان ، وانما / اوجب الشافعي القطع بربع دينار او قيمته ، واوجبه (بعضهم) بربع دينار او ثلاثة دراهم. واوجبه بعضهم بأربعين درهم ، واوجبه ابو حنيفة بما قيمته عشرة دراهم ، واوجبت الاباضية القطع في القليل والكثير ، وما علقه احد بمائتي درهم. ولو كان التفسيق معتبرا بالقطع لوجب ان لا يفسق غاصب الف دينار ، ولا سارق من غير حرز ، لانه لا قطع عليهما. وان اعتبره بالزكاة لزمه تنسيق من الحنطة ما فيه الزكاة وان كانت قيمته دون مائتي درهم.

والفضيحة الثامنة عشر (٣) ، ضلالته في الفقه ، وقد زعم ان الطلاق او لم ينوه (٤) خلاف قول الامة (انه) مع النية طلاق ، فقد قال بعضهم (٥) بان الكنايات في حال الغضب كالصريح. وزعم (إن) من ظاهر من امرأته بذكر البطن / والفرج

__________________

جاء هذان البيتان في كتاب «الانتصار» للخياط المعتزلي (ط. نيبرغ ص ١٧٣) ويردهما الخياط للاخطل. ـ واستشهد بالبيت الأول الجاحظ في كتاب الحيوان (ط. مصر ١٩٠٧) ١ : ٧.

(١) البيت لحسان بن ثابت وهو :

ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم لحاني يظهر غيب لئيم

(نبّ التيس : صاح عند هياجه).

(٢) ما جاء في الفضيحة السابعة عشرة هنا يقابل ما جاء في الفضيحة الثامنة عشرة في كتاب «الفرق» (انظر طبعة بدر ص ١٢٩ ـ ١٣٠ ؛ الكوثري ص ٨٧ ـ ٨٨ ؛ عبد الحميد ص ١٤٤).

(٣) الفضيحة الثامنة عشرة هنا تقابل الفضيحة الحادية والعشرين في كتاب «الفرق» (انظر ط. بدر ص ١٣١ ـ ١٣٢ ، الكوثري ص ٨٩ ؛ عبد الحميد ص ١٤٥ ـ ١٤٦).

(٤) الكلام هنا موجز للغاية ومبهم اذ انه ناقص ؛ اما ما جاء في كتاب «الفرق» فقد يوضحه : «قوله ان الطلاق لا يقع بشيء من الكنايات كقول الرجل لامرأته انت خلية ، او برية ، أو حبلك على غاربك ، او الحقي بأهلك ، او اعتدى او نحوها من كنايات الطلاق عند الفقهاء ، سواء نوى بها لطلاق او لم ينوه» (انظر ط. بدر ص ١٣٢ ، الكوثري ص ٨٩ ، عبد الحميد ص ١٤٥ ـ ١٤٦).

(٥) فقهاء العراق ـ كما جاء في «الفرق» (ذات المراجع السابقة الذكر في ٤).

١٠٠