الملل والنحل

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الملل والنحل

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


المحقق: الدكتور ألبير نصري نادر
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المشرق
الطبعة: ٣
ISBN: 2-7214-8039-1
الصفحات: ١٨٤

في خاطر بشر انه يتمكن من مثله لكثرة ما فيه من فنون علمه. وتصانيفه في الكلام والفقه والحديث والمقدرات (الحساب) التي هي أم الدقائق تخرج عن الحصر ، لم يسبق الى مثل كتبه في هذه الانواع ، من حسن عبارته ، وعذوبة بيانه ، ولطافة كلامه في جميع كتبه».

ويذكر الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري في مقدمة طبعته لكتاب «الفرق بين الفرق» (القاهرة ١٣٦٧ ه‍ / ١٩٤٨ م) : «له (لعبد القاهر البغدادي) مؤلفات كثيرة ذكر ابن السبكي كثيرا منها ؛ ومن انفعها كتاب «الملل والنحل» وهو من محفوظات مكتبة الاوقاف ببغداد» (ص ٧). ويضيف الشيخ الكوثري في هامش ١ من ص ٦٥ من طبعته لكتاب «الفرق بين الفرق» : «كتاب «الملل والنحل» في مكتبة الاوقاف ببغداد ، وكان في مكتبة عاشر في الآستانة».

وقد ذكر الدكتور فيليب حتّى في مقدمة طبعته لكتاب «مختصر كتاب الفرق بين الفرق» اختصار عبد الرزاق بن رزق الله ابي بكر بن خلف الرّسعني (ص ٨) طبعة الهلال بمصر سنة ١٩٢٨ : «وان كانت قيمة الكتاب (كتاب الفرق بين الفرق) باعتبار البحث والاستقراء دون قيمة أخويه «كتاب الملل والنحل» للشهرستاني (المتوفى سنة ٥٤٨ ه‍ / ١١٥٣ م) و «كتاب الفصل في الملل والاهواء والنحل» لابن حزم (المتوفى ٤٥٦ ه‍ / ١٠٦٣ م) ، فلكتاب «الفرق بين الفرق» ميزة الاسبقية عليهما ، فهو أقدم مصدر نستقي منه معلومات بشأن نشوء الفرق الاسلامية وتأثير بعضها على بعض ، وتأثير الفلسفات اليونانية (واخصها الافلاطونية الجديدة) والديانات المسيحية واليهودية والفارسية والهندية عليها ـ ولدى الاطلاع يتبين ان ظهور أكثر الفرق الاسلامية يمثّل ردّ الفعل الذي حصل في العقل الاسلامي السامي من عوامل الديانات والفلسفات التي احتك بها المسلمون في سورية والعراق وبلاد فارس. وهذا هو تعليل عدم قيام فرق اسلامية ذات شأن في جزيرة بلاد العرب» ـ ه.

ولكن هناك كتاب اسبق عهدا من كتاب «الفرق بين الفرق» يعرض مواقف مختلف الفرق الاسلامية حتى القرن الرابع الهجري ، وهو كتاب «التنبيه والرد على اهل الاهواء والبدع» لابي الحسين محمد بن احمد بن عبد الرحمن الملطي

٤١

الشافعي ، المتوفى سنة ٣٧٧ ه‍» ونشر هذا الكتاب في القاهرة سنة ١٣٦٩ ه‍ / ١٩٤٩ م وقدم له الشيخ محمد زاهد الكوثري.

ثم كتاب «الملل والنحل» لعبد القاهر البغدادي اسبق عهدا من كتاب «الفرق بين الفرق» اذ انه ذكره في كتابه الاخير هذا. وكتاب «الملل والنحل» هو ما ننشره الآن حسب ما عثرنا عليه في مكتبة الاوقاف ببغداد.

هذه المخطوطة التي ننشرها هنا هي في الواقع كتاب سابق لكتاب «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ؛ وهي تحوي عددا من المعلومات اهملها فيما بعد البغدادي في كتابه «الفرق» ؛ كما انها تبين لنا فكرة المؤلف الأولى عن مختلف الفرق ، وذلك قبل ان توضح لديه هذه الفكرة ، وقبل ان يدخل عليها بعض التعديلات ، لا سيما هذا التمييز الذي اجراه بين المعتدل والمتطرف من اصحاب الفرق ، اذ انه خصص الجزء الرابع من كتابه «الفرق بين الفرق» لهؤلاء الغلاة الذين لم يعودوا في نظره من المسلمين.

ان مثل هذا التمييز يدل على تبدل في حكم المؤلف على هؤلاء الغلاة ، عند ما كتب كتاب «الفرق بين الفرق». ونتساءل هنا : هل هذا التبدل في الحكم عليهم راجع الى معرفة اوضح واكمل حصل عليها البغدادي بعد ما كتب كتاب «الملل والنحل»؟ أم هناك ظروف أخرى جعلته يبدل موقفه تجاههم؟ ـ هذا ما يتطلب دراسة خاصة.

فكتاب «الفرق بين الفرق» هو في الواقع اعادة النظر في كتاب «الملل والنحل» الذي كان قد وضعه أولا عبد القاهر البغدادي ، ثم نقّح فيه وحذف بعض الفقرات منه واضاف إليه بعض المعلومات ، وميز بين اقسام الفرقة الواحدة. وقد ذكرنا في الهوامش هذه التنقيحات التي ادخلها البغدادي على كتابه الاول «الملل والنحل». وفي هذه الهوامش قارنا بين ما جاء في المخطوطة من جهة ، وما يقابله في كتاب «الفرق بين الفرق» في طبعاته المختلفة.

٤٢

الرموز

رمزنا الى الطبعة الأولى التي نشرها محمد بدر هكذا : ط. بدر.

والى الطبعة التي صححها محمد زاهد الكوثري : ط. الكوثري.

والى الطبعة التي حققها محمد محيي الدين عبد الحميد : ط. عبد الحميد.

والى «مختصر كتاب الفرق بين الفرق». اختصار عبد الرزاق الرسعني : مختصر الفرق (للرسعني).

ملاحظة ١ ـ الارقام التى على هامش صفحات النص تدل على رقم اوراق المخطوطة والرقم ١ مع الحرف ا يدلان على الصفحة اليمنى ؛ والرقم ٢ مع الحرف ب يدلان على اليسرى من اوراق المخطوطة.

٢ ـ الخط المائل / في النص يدل على نهاية صفحة من صفحات المخطوطة وبداية صفحة أخرى.

٤٣
٤٤

كتاب الملل والنّحل

للبغدادي

٤٥
٤٦

في بيان مقالات فرق الرفض الكيسانية

الإمامة صارت الى ابن الحنفية بوصية اخيه الحسين إليه ، قبل خروجه الى الكوفة. وكان ولد الحسين يومئذ صغارا ، فلذلك اوصى الى اخيه ، وهؤلاء جاهلون بتلك الوصية ، فليس فيها ذكر عهد إليه ، وانما اوصى إليه في ماله وولده وصدقة يتصدق بها عنه.

ولما تم للمختار بيعة اهل الكوفة ، وقتل من ظفر به من قتلة الحسين واصحابه بكربلاء ، وانفذ برأسي عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد الى ابن الحنفية ، ثني بعده كله ، وتكهن ، وسجّع كاسجاع الكهنة (١). فقال في بعض خطبه : «اما ورب البحار والمهابة والقفار ، والنحل والاشجار ، والملائكة الابرار ، والمصطفين الاخيار ، لاقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار ، حتى اذا اقمت عمود الدين ، وشفيت غليل الصادقين من اولاد القاسطين / ونفيه المارقين ، لم يكبر عليّ زوال الدنيا ، ولم احفل بالموت (٢) اذا اتى ، اذا كان المصير الى دار الجزاء» (٣).

وقال في خطبة اخرى : «اما ومنشئ السحاب ، الشديد العقاب ، السريع الحساب ، منزل الكتاب ، لانبشن قبر ابن شهاب ، ولابعثن الاحزاب الى بلاد الاعراب (٤)».

__________________

(١) «وسجع كاسجاع الكهنة» في طبعة الكوثري «لكتاب الفرق بين الفرق» ص ٣١ جاء : «وسجع كأسجاع الكهنة» وكذلك في طبعة بدر ص ٣٣ ، وعبد الحميد ص ٤٦.

(٢) في المخطوط : اجفل بالموت.

(٣) هذه الخطبة : «اما ورب البحار والمهابة والقفار ... دار الجزاء» غير واردة في الطبعات الأربع لكتاب «الفرق بين الفرق».

(٤) هذه الخطبة : «اما ومنشئ السحاب ... بلاد الاعراب».

جاء في طبعة حتّى لمختصر كتاب الفرق بين الفرق ص ٤٥ : «اما ومنشئ السحاب ، الشديد العقاب ، السريع الحساب ، العزيز الوهاب ، القدير الغلاب ، لأنبشنّ قبر ابن شهاب ، المفتري الكذاب ، المجرم المرتاب».

وجاء في طبعة الكوثري ص ٣١ : «اما وممشي السحاب ، الشديد العقاب ، السريع الحساب ،

٤٧

وقال في خطبة اخرى : «اما والذي جعلني بصيرا ، ونوّر قلبي تنويرا ، لاحرقن بالمصر دورا ، ولانبشن بها قبورا ، ولا شفين فيها صدورا (١)».

وقال أيضا : «وحق النون والقلم ، ورب الحرم والبيت المحرم ، والركن المعظم ، ليرفعن علم من الكوفة الى اضم الى اكناف ذي سلم من العرب والعجم (٢)».

وقال أيضا : «اما والمرسلات عرفا ، وعصف العاصفات عصفا ، لنعسفن من بغانا عسفا حتى يسوم القوم منا خسفا (٣)».

وكان السبب في قول المختار بالبدا انه انفذ صاحب جيشه ، احمد بن شميط (٤) ، مع جيش كثيف الى قتال / مصعب بن الزبير ، واخبرهم بان الله قد وعده بان الظفر يكون لهم. فرجعوا إليه منهزمين ، وسألوه عن وعده اياهم بالظفر ، فقال

__________________

العزيز الوهاب ، القدير الغلاب ، لأنبشنّ قبر ابن شهاب ، المفتري الكذاب ، المجرم المرتاب» ـ (ط بدر ص ٣٤ : أما وتمشّى السحاب ...) ط عبد الحميد ص ٤٧.

(١) هذه الخطبة : «اما والذي جعلني بصيرا ... فيها صدورا».

جاء في طبعة حتّى ص ٤٦ : «الحمد لله الذي جعلني بصيرا ، ونوّر قلبي تنويرا. والله لأحرقنّ بالمصر دورا ، ولانبشن بها قبورا ، ولأشفين منها صدورا وكفى بالله هاديا ونصيرا».

وكذلك في الطبعات الثلاثة الاخرى لكتاب «الفرق بين الفرق» (ط بدر ص ٣٢ ، ط الكوثري ص ٣٢ ، عبد الحميد ص ٤٨).

(٢) هذه الخطبة : «وحق النون والقلم ، ... العرب والعجم».

جاء في طبعة حتّى ص ٤٦ : «برب الحرم ، والبيت المحرم ، والركن المكرّم ، والمسجد المعظم ، وحق نون والقلم ليرفعنّ لي علم ، من هاهنا إلى إضم ، ثم الى اكناف ذي سلم».

وفي طبعة الكوثري ص ٣٢ وكذلك ط بدر ص ٣٤ ، وط عبد الحميد ص ٤٨ : «برب الحرم ، والبيت المحرم ، والركن المكرّم ، والمسجد المعظم ، وحق ذي القلم ، ليرفعن لي علم ، من هنا الى أضم ، ثم الى اكناف ذي سلم» (إضم : واد في الحجاز ـ ياقوت «معجم البلدان» ١ : ٢٨١ ـ ذو سلم : واد على طريق بصرة الى مكة ـ ياقوت «معجم البلدان» ٥ : ١١٢).

(٣) هذا القول : «اما والمرسلات عرفا ، وعصف العاصفات ... منا خسفا» غير وارد في الطبعات الاربعة لكتاب «الفرق بين الفرق».

(٤) احمد بن شميط : من قواد المختار ، قتله مصعب بن الزبير في موقعة سنة ٦٧ ه‍ (الطبري ٢ : ٦٥٥ ـ ٦٥٩).

٤٨

ان الله بدّله : اما سمعتم قوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (١)؟ ـ وكان في بعض حروبه قد اسر رجلا من اصحاب مصعب بن الزبير يقال له سراقة بن مرداس البارقي (٢) ، فقال له : «ما اسرني اصحابك ، وانما غلبنا الملائكة الذين (٣) كانوا في جيشك [ ] (٤) خيل خضر. فاعجبه ذلك ، فاطلق عنه ، فلحق بمصعب ، ثم كتب الى المختار يقول :

«ألا ابلغ أبا إسحاق اني

رأيت الخضر وهما مصمتات

أري عينيّ ما لم تبصراه

كلانا عالم بالتّرهات

كفرت لوحيكم وجعلت نزرا

علي قتالكم حتى الممات»

ثم ان مصعبا حاصر المختار في قصره بالكوفة حتى خرج إليه / مستقبلا ، فقتله اخوان يقال لهما طارف وطريف ، ابناء عبد الله بن دجاجة الحنفي.

وقال في ذلك اعشى همدان :

__________________

(١) الآية (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) قرآن كريم سورة الرعد آية ٣٩.

البداء : هو ان يقرر الله شيئا ثم يعدل عنه ويبدله ـ الشهرستاني ١ : ١٩٨ وابن حزم ٤ : ١٨٢ «وطائفة منهم تقول ان الله تعالى يريد الشيء ويعزم عليه ثم يبدو له فلا يفعله. وهذا مشهور للكيسانية».

(٢) سراقة بن مرداس البارقي : نسبة الى جبل بارق باليمن ينزله الأزد ، فارس مشهور ، وشاعر معروف. جاء في طبعة الكوثري ص ٣٢ : «واسر جماعة منهم وكان في الأسراء رجل يقال له سراقة بن مرداس البارقي ، فتقدم الى المختار ؛ وخاف البارقي ان يأمر بقتله ، فقال للذين اسروه وقدموه الى المختار : «ما انتم اسرتمونا ، ولا انتم هزمتمونا بعدتكم ، وانما هزمنا الملائكة الذين رأيناهم على الخيل البلق فوق عسكركم». فأعجب المختار قوله هذا ، فاطلق عنه. فلحق بمصعب بن الزبير ، ولاه اخوه عبد الله العراقين ، فسار إليه عبد الملك بن مروان فقتله سنة ٧٢ ه‍ بالبصرة وكتب منها الى المختار هذه الأبيات :

الا أبلغ أبا اسحاق أنّي

رأيت البلق دهما مصمتات

أري عيني ما لم تنظراه

كلانا عالم بالترهات

كفرت بوحيكم وجعلت نذرا

عليّ قتالكم حتى الممات»

(٣) في المخطوط : الذي.

(٤) بياض في المخطوط ربما المقصود : ورأيناهم على.

٤٩

لقد نبّئت والأنباء تنمي

بما لاقى الكواذب بالمذار (١)

وما إن سرّني إهلاك قومي

وان كانوا وحقك في خسار

ولكني سررت بما لاقى

ابو إسحاق من خزي وعار

ولما قتل المختار استوت خراسان والعراقان والحجاز واليمن لعبد الله بن الزبير ، فدعا ابن الحنفية الى طاعته ، فهرب منه الى عبد الملك بن مروان. فلما بلغ أيلة كره ابن مروان جواره بالشام ، فامره بالرجوع. فخرج الى الطائف وتولى بها دفن عبد الله بن عباس ، وخرج منها الى اليمن. فمات في طريقه (٢).

واختلفت الكيسانية بعد موته : فمنهم من زعم انه في جبل رضوى ، وانه حي لم يمت ، وهو المهدي المنتظر ، وانما عوقب بالحبس هناك الى عبد الملك بن مروان / وخروجه قبل ذاك الى يزيد بن معاوية. وهذا قول الكربيّة منهم ، اتباع ابي كرب الضرير (٣). وعلى هذا المذهب كان كثيّر صاحب عزة ،

__________________

(١) جاء في طبعة بدر ص ٣٧ وفي طبعة الكوثري ص ٣٤ وط عبد الحميد ص ٥٢ ... بما لاقى الكوارث بالمذار.

هذه الأبيات لاعشى همدان (اخباره مذكورة وكذلك نسبه في «الاغاني» ٥ : ١٤٦ ـ ١٦١). المذار : ذكرها ابن حوقل ص ١٦١ و ١٧١ والمقدسي (طبعة دي غويه في ليدن ص ٢٥٨) وهي من ناحية الكوفة.

(٢) بخصوص هذه النهاية جاء في طبعة حتّى ص ٥٠ : «وقالوا : كان يجب على محمد (ابن الحنفية) ان يقاتل ابن الزبير ، فعصى ربّه بترك قتاله ، وعصاه بقصده عبد الملك بن مروان ، وكان قد عصاه قبل ذلك بقصده يزيد بن معاوية». ثم انه رجع من طريقه الى ابن مروان الى الطائف وشهد دفن ابن عباس. ثم سافر الى اليمن. فلما بلغ شعب رضوي اختلفوا فيه» ...

وجاء في طبعة الكوثري ص ٣٤ (كذلك ط بدر ص ٣٨ ، ط عبد الحميد ص ٥٣) : وقالوا : انه كان يجب عليه ان يقاتل ابن الزبير ولا يهرب ، فعصى ربه بتركه قتاله ، وعصاه بقصده عبد الملك بن مروان. وكان قد عصاه قبل ذلك بقصده يزيد بن معاوية. ثم انه رجع من طريقه الى ابن مروان الى الطائف. ومات بها ابن عباس ودفنه ابن الحنفية بالطائف. ثم سار منها الى الذر. فلما بلغ شعب رضوى اختلفوا فيه.

(٣) عرض موقف الكيسانية من محمد بن الحنفية هنا يتفق والوقائع التاريخية اكثر مما ذكر في الطبعات الاربع لكتاب الفرق ، اذ جاء فيها اختلاف الكيسانية في ابن الحنفية قبل الكلام عن مختلف الحالات التي مرّ بها قبل انقطاع اخباره ـ يعتبر للكربيّة من غلاة الكيسانية.

٥٠

الشاعر ، والسيد الحميري أيضا. ولهذا قال كثيّر في شعره :

الا ان الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللواء (١)

فقال السيد الحميري :

الا قل للوصي فدتك نفسي

أطلت بذلك الجبل المقاما

أضرّ بمعشر والوك منا

وسمّوك الخليفة والاماما

وعادوا فيك أهل الارض طرّا

مقامك عندهم ستين عاما (٢)

__________________

(١) هذه الأبيات لكثير عزة ناقصة هنا ـ والقصيدة هي كما يلي :

ألا ان الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

عليّ والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط ايمان وبرّ

وسبط غيّبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها اللّواء

تغيّب لا يرى فيهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء

وكان كثير عزة الشاعر على مذهب الكيسانية الذين زعموا إمامة محمد بن الحنفية ولم يصدقوا بموته.

(المرجع : شرح ديوان كثيّر عزة نشره هنري بريز ، الجزائر عام ١٩٣٠ الجزء الثاني ص ١٨٦).

(٢) هذه الأبيات هي للسيد الحميري ، لا لكثير عزة كما جاء في طبعة الكوثري (ص ٢٩ وط عبد الحميد ص ٤٢ ط بدر ص ٣٠ والقصيدة بكاملها كما يأتي :

ألا قل للوصي فدتك نفسي

أطلت بذلك الجبل المقاما

أضرّ بمعشر والوك منّا

وسمّوك الخليفة والإماما

وعادوا فيك أهل الأرض طرّا

مقامك عندهم ستّين عاما

وما ذاق ابن خولة طعم موت

ولا وارت له ارض عظاما

لقد أمسى بمجرى شعب رضوى

تراجعه الملائكة الكلاما

وإنّ له لرزقا من إمام

: واشربة يعلّ بها الطّعاما

هذا البيت الأخير ورد في طبعة حتى هكذا (صفحة ٤٠)

وإنّ له لرزقا من طعام

وأشربة يعلّ بها الطّعاما

وفي ط الكوثري ص ٢٩ وفي ط عبد الحميد ص ٤٣ :

وإنّ له لرزقا كل يوم

وأشربة يعلّ بها الطّعاما

وكان الشاعر السيد الحميري على مذهب الكيسانية الذين ينتظرون محمد بن الحنفية ويزعمون انه محبوس بجبل رضوى الى ان يؤذن له بالخروج. انظر : احمد صلاح نجا : الكميت ابن زيد الاسدي [دار العصر ـ بيروت ١٩٥٧] ص ٢١٦.

٥١

ومنهم من اقر بموته ، ونقل الامامة منه الى غيره. واختلف هؤلاء في المنقول إليه على الوجوه التي بيناها قبل هذا.

/ وتكفير هؤلاء واجب في اجازتهم على الله البداء وقولهم بانه قد يريد شيئا ثم يبدو له. وقد زعموا انه اذا امر بشيء ثم نسخه ، فانما نسخه لانه بدا له فيه. وفيهم من اجاز البداء عليه فيما لم يطلع عليه عباده. ومنهم من اجازه فيما اطلع عليه عباده ومما لم يطلعهم عليه. ومن قال منهم بحلول روح الاله في الأيمة فكفره ككفر الحلولية مع كفره بالبداء مزدوج. والزيدية مع الامامية تكفران الغلاة من الروافض بين الزيدية والامامية تكفيرا. ـ وقد قال شاعر الامامية في الزيدية :

يا ايها الزيدية المهملة

إمامكم ذا آفة مرسلة

يا رخمات الجو تبا لكم

غصتم فاخرجتم لنا جندله

فاجابتهم الزيدية بقول شاعرها :

إمامنا منتصب قائم

لا كالذي يطلب بالغربلة

/ كل امام لا يرى جهرة

ليس يساوي عندنا خردلة

وقال الاستاذ الامام عبد القاهر ، صاحب الكتاب (١) : قد اجبنا الفريقين عن شعرهما. يقول :

يا ايها الرافضة المبطلة

دعواكم من اصلها مبطلة

إمامكم ان غاب في ظلمه

فاستدركوا الغائب بالمشعلة

او كان مغمورا باغماركم

فاستخرجوا المغمور بالغربلة

لكن امام الحق في قولنا

في سنة او آية منزلة

وفيهما للمهتدي مقنع

كفى بهذين لنا منزلة

__________________

(١) الاستاذ الامام ، صاحب الكتاب ، هو عبد القاهر بن طاهر ابي منصور البغدادي ، الاصولي الشافعي ، ولد ببغداد وسافر الى نيسابور ، وتوفي سنة ٤٢٩ ه‍ له كتاب «فضائح المعتزلة» و «فضائح الكرامية» و «الملل والنحل» وغير ذلك. نقل من «دائرة المعارف» (هذا ما جاء على هامش صفحة ٤٢ من المخطوط).

والأبيات المذكورة بعد هي في الواقع لعبد القاهر البغدادي ، كما هو مذكور في مختلف الطبعات لكتابه «الفرق بين الفرق». راجع مثلا ص ٤٤ من طبعة الكوثري ، ط بدر ص ٥٤ ط عبد الحميد ص ٧١. وهذا دليل قاطع على ان الكتاب هو لعبد القاهر البغدادي.

٥٢

وقال الاستاذ الامام ، رضي الله عنه : ما رأينا ولا سمعنا بنوع من الكفر الا وجدنا شعبه منه في مذاهب الروافض ، لان فيهم من قال بالبداء وجواز التغيير على الله تعالى ، كالمجوس. ومنهم من ابطل الفرائض واستباح المحرمات كالخرمدينية (١) والمزدكية (٢) من المجوس ، وفيهم من شبه / معبوده بصورة الانسان كالمشبهة من اليهود. وفيهم من زعم ان الله فوض خلق الدنيا وتدبير العالم الى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والى علي ، فجعله إلها ثانيا ، كما جعلت النصارى المسيح إلها ثانيا. فاما فتن منهم بالهية الايمة وعبدوهم. وادناهم كفرا المنتظرون لامام يظهر فيبين لهم معالم دينهم ، فهم اليوم في حيرة من احكام الشرع ، يزعمون انهم في التيه ، وما زالوا يتعصبون في نصب امام من اهل البيت حتى

__________________

(١) الخرمدينية : اتى ذكرهم مع اصحاب الاباحة ـ في طبعات كتاب «الفرق بين الفرق» : فجاء في الباب الرابع ، الفصل الحادي عشر من كتاب «الفرق بين الفرق» : في ذكر اصحاب الاباحة من الخرّمية ، فهؤلاء صنفان : صنف منهم كانوا قبل الاسلام ... والصنف الثاني ، الخرمدينية ظهروا في دولة الاسلام وهم فريقان ، بابكية ، ومزيارية ، وكلتاهما معروفة بالمحمّرة. فالبابكية منهم اتباع بابك الخرمي الذي ظهر في جبل البدين بناحية آذربيجان وكثر بها اتباعه واستباحوا المحرمات وقتلوا الكثيرين من المسلمين ، وجهز إليه خلفاء بني العباس جيوشا كثيرة مع افشين الحاجب ، ومحمد بن يوسف التغري ، وابي دلف العجلي ، واقرانهم وبقيت العساكر في وجهه مقدار عشرين سنة الى ان اخذ بابك واخوه اسحاق بن ابراهيم وصلبا بسرّ من رأى في ايام المعتصم ـ واما المازيارية منهم فهم اتباع مازيار (وهو من وجوه عسكر المعتصم وانباؤه في كتب التاريخ في حوادث سنة ٢٢٤ ه‍) الذي اظهر دين المحمرة بجرجان (الفرق ـ طبعة الكوثري ص ١٦١ ط عبد الحميد ص ٢٦٧ ، بدر ص ٢٥١). ويذكر عبد القاهر البغدادي أيضا الخرمدينية في كتابه «الفرق بين الفرق» مع المجوس واعتبرهم فرقة منهم اذ يقول : المجوس اربع فرق : زروانية ، ومسخية وخرمدينية ، وبه آفريدية. (الفرق ـ طبعة الكوثري ص ٢١٤ ؛ ط بدر ص ٣٤٧ ؛ ط عبد الحميد ص ٣٥٤).

(٢) المزدكية ـ يذكر عبد القادر البغدادي في «الفرق» في الباب الرابع ، الفصل الحادي عشر مع اصحاب الاباحة من الخرمية ـ فيقول : هؤلاء صنفان : صنف منهم كانوا قبل الاسلام كالمزدكية الذين استباحوا المحرمات (الفرق بدر ص ٢٥١ ، عبد الحميد ص ٢٦١ ، طبعة الكوثري ص ١٦٠). وجاء أيضا في «الفرق : «واما المزدكية من المجوس فلا يجوز قبول الجزية منهم لانهم فارقوا دين المجوس الاصلية باستباحة المحرمات كلها وبقولهم : ان الناس كلهم شركاء في الاموال والنساء وسائر اللذات» (ط بدر ٣٤٧ ط ، الكوثري ص ٢١٥ ، ط عبد الحميد ص ٣٥٥).

٥٣

اخرج الامامة خمسة نفر منهم عن اهل البيت : أخرج الامامة الراوندية (١) الذين اخرجوها الى ولد العباس. والبيانية (٢) الذين اخرجوا الامامة الى بيان بن سمعان.

__________________

(١) الراوندية : «الراوندية من الروافض الحلولية كلها قالت بتناسخ روح الاله في الأئمة بزعمهم. واوّل من قال بهذه الضلالة السبائية من الرافضة لدعواهم ان عليا صار إلها حين حلّ روح الاله فيه (الفرق بين الفرق ط بدر ص ٢٥٤ ، ط عبد الحميد ص ٢٧٢ ، طبعة الكوثري ص ١٦٣) ويذكرهم البغدادي مع اصحاب التناسخ في الفصل الثاني عشر من الباب الرابع.

(٢) البيانية : يذكرهم البغدادي (الفرق بين الفرق ط بدر ص ٢٥٤ ، طبعة الكوثري ص ١٦٣ ، ط عبد الحميد ص ٢٧٢) في الفصل الثاني عشر من الباب الرابع مع اصحاب التناسخ ويقول : وزعمت البيانية منهم ان روح الاله دارت في الأنبياء ثم في الأئمة الى ان صارت في بيان ابن سمعان. ـ ويذكرهم البغدادي مع غلاة الامامية الذين قالوا بإلهية الأئمة ، واباحوا محرمات الشريعة واسقطوا وجوب فرائض الشريعة (ط بدر ص ١٧ ، ط عبد الحميد ص ٢٣ ، ص ١٩ من طبعة الكوثري) ـ وجاء في ذكر الكيسانية من الرافضة : «وذهب الباقون من الكيسانية الى الاقرار بموت محمد بن الحنفية ، واختلفوا في الامام بعده. فمنهم من زعم ان الامامة بعده رجعت الى ابن اخيه علي بن الحسين زين العابدين ، ومنهم من قال برجوعها بعده الى ابي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية. واختلف هؤلاء في الامام بعد ابي هاشم. فمنهم من نقلها الى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بوصية ابي هاشم إليه. وهذا قول الراوندية ، ومنهم من زعم ان الامامة بعد ابي هاشم صارت الى بيان ابن سمعان وزعموا ان روح الله تعالى كانت في ابي هاشم ثم انتقلت منه الى بيان». (الفرق ص ٢٧ من طبعة الكوثري ط بدر ص ٢٨ ، ط عبد الحميد ص ٤٠) ـ ويذكرهم أيضا البغدادي في الفصل الثامن من الباب الثالث الخاص بمذاهب المشبهة. فيقول : ومنهم البيانية : اتباع بيان بن سمعان الذي زعم ان معبوده انسان من نور على صورة الانسان في اعضائه وانه يفنى كله الا وجهه (الفرق. ص ١٣٨ من طبعة الكوثري ، ط بدر ص ٢١٤ ، ط عبد الحميد ص ٢٢٦) ـ ويذكرهم البغدادي أيضا في «الفرق» في الفصل الثالث من الباب الرابع : في ذكر البيانية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام : هؤلاء اتباع بيان بن سمعان التميمي وهم الذين زعموا ان الامامة صارت من محمد بن الحنفية الى ابنه ابي هاشم عبد الله بن محمد ، ثم صارت من ابي هاشم الى بيان بن سمعان بوصيته إليه. واختلف هؤلاء في بيان زعيمهم ، فمنهم من زعم انه كان نبيا وانه نسخ بعض شريعة محمد (ص) ومنهم من زعم انه كان إلها (ص ١٤٥ من طبعة الكوثري ، ط بدر ص ٢٢٧ ، ط عبد الحميد ص ٢٢٦) ـ وهم من غلاة الروافض (الفرق بدر ص ٣٠٧ ، عبد الحميد ص ٣٢١ ، ص ١٩٣ طبعة الكوثري) ـ ويذكر البغدادي أيضا : «واما الكفرة الذين ظهروا في دولة الاسلام ، واستتروا بظاهر الاسلام ، واغتالوا المسلمين في السر كالغلاة من الرافضة السبائية ، والبيانية (الفرق : ص ٢١٦ من طبعة الكوثري ، بدر ص ٣٤٩ ، ط عبد الحميد ص ٣٥٦).

٥٤

والحربية (١) الذين قالوا بامامة عبد الله بن عمر بن حرب الكندي بعد ابن الحنفية ، ولم يقنعوا بذلك حتى قالوا بالهيته. والمنصورية (٢) الذين قالوا بامامة ابي منصور العجلي. والخطابية (٣) الذين قالوا / بامامة ابي الخطاب. ولا نعلم احدا من اهل

__________________

(١) الحربية : هم من غلاة الرافضة (الفرق بدر ص ٢٨ ، عبد الحميد ص ٤١ ، طبعة الكوثري ص ٢٧) ـ ويقول البغدادي : والفرق المنتسبة الى الاسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الامة عشرون فرقة ، هذه ترجمتها : سبائية ، وبيانية ، وحربية ... (بدر ص ٢٢٢ ، عبد الحميد ص ٢٣٣ ، ط الكوثري ص ١٤٣) ـ ويقول في ذكر الحربية وبيان خروجهم عن فرق الامة : هؤلاء اتباع عبد الله بن حرب الكندي ، وكان على دين البيانية في دعواها ان روح الاله تناسخت في الأنبياء والأئمة الى ان انتهت الى ابي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية. ثم زعمت الحربية ان تلك الروح اتصلت من عبد الله بن محمد بن الحنفية الى عبد الله بن عمرو بن حرب. وادعت الحربية في زعيمها عبد الله بن عمرو بن حرب مثل دعوى البيانية في بيان بن سمعان. وكلتا الفرقتين كافرة بربها ، وليست من فرق الاسلام ، كما ان سائر الحلولية خارجة عن فرق الاسلام (الفرق ط. الكوثري ص ١٤٩ ، ط بدر ص ٢٣٣ ، ط عبد الحميد ص ٢٤٣).

(٢) المنصورية : من غلاة الرافضة (الفرق ط الكوثري ص ١٩ وص ١٩٣ ، ط بدر ص ٣٠٧ ، ط عبد الحميد ص ٣٢١) ـ «هم اتباع ابي منصور العجلي الذي شبه نفسه بربه. وزعم انه صعد الى السماء. وزعم أيضا ان الله مسح يده على رأسه وقال له : يا بني بلّغ عني. (الفرق ط الكوثري ص ١٣٨ ، بدر ص ٢١٥ ، عبد الحميد ص ٢٢٦) ويقول عبد القاهر البغدادي : «ان الباطنية ، والمنصورية ، والجناحية ، والخطابية قد اكفروا أبا بكر وعمر وعثمان واكثر الصحابة باخراجهم عليا من الامامة في عصرهم ، وهم قد اخرجوا الامامة عن اولاد علي في اعصار زعمائهم (الفرق ، بدر ص ٢٣٧ ، عبد الحميد ص ٢٥٠ ، ط الكوثري ص ١٥٢) ويعتبرهم البغدادي من الكفرة الذين ظهروا في دولة الاسلام واستتروا بظاهر الاسلام واغتالوا المسلمين في السر (الفرق ط الكوثري ص ٢١٦ ، ط عبد الحميد ص ٣٥٦ ط بدر ص ٣٤٩).

(٣) الخطابية : من غلاة الرافضة (الفرق ط الكوثري ص ١٩ وص ١٨٠ وص ١٩٣) ـ هم الذين قالوا بإلهية الأئمة وبالهية ابي الخطاب الاسدي (الفرق بدر ص ٢١٥ ، عبد الحميد ص ٢٢٦ ، ط. الكوثري ص ١٣٨) ـ هم من الفرق المنتسبة الى الاسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الأمة (الفرق بدر ص ٢٢٢ ، عبد الحميد ص ٢٣٢ ، ط الكوثري ص ١٤٣). هم اتباع ابي الخطاب الأسدي ، وهم يقولون أن الامامة كانت في اولاد علي الى ان انتهت الى جعفر الصادق ، ويزعمون ان الأئمة كانوا آلهة. وكان ابو الخطاب يزعم أوّلا ان الأئمة انبياء ، ثم زعم انهم آلهة وان اولاد الحسن والحسين كانوا ابناء الله واحباءه. وكان يقول ان جعفرا إله فلما بلغ ذلك جعفرا لعنه وطرده. وكان ابو الخطاب يدعي بعد ذلك الالهية لنفسه ، وزعم اتباعه ان جعفرا إله ، عن ان أبي الخطاب افضل منه وافضل من علي (الفرق ، بدر ص ٢٤٢ ، عبد الحميد

٥٥

الاهواء ادعى الربوبية لامامه وزعيمه غيرهم ، ولا من ادعى نبيا بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير اليزيدية (١) من الخوارج ، كما نذكرهم بعد هذا. والحمد لله على العصمة من الضلالة والبدعة.

__________________

ص ٢٤٧ ، ط. الكوثري ص ١٥٠ ـ ١٥١). وهم من الحلولية (البغدادي : الفرق ، عبد الحميد ص ٢٥٤ ، ط. الكوثري ص ١٥٤) ـ هم من الكفرة الذين ظهروا في دولة الاسلام واستتروا بظاهر الاسلام واغتالوا المسلمين في السر (الفرق. ط الكوثري ص ٢١٦ ، ط. بدر ص ٣٤٩ ، ط. ظبد الحميد ص ٣٥٦).

(١) اليزيدية من الخوارج : هم اتباع يزيد بن ابي انيسة ، ليست من فرق الاسلام لقولها بان شريعة الاسلام تنسخ في آخر الزمان بني يبعث من العجم (الفرق ، بدر ص ١٨ ؛ عبد الحميد ص ٢٤ ؛ ط. الكوثري ص ٢٠) ـ «فأما اليزيدية من الاباضية (من فرق الخوارج) والميمونية من العجاردة (من فرق الخوارج) فانهما فرقتان من غلاة الكفرة الخارجين عن فرق الامة (الفرق ، بدر ص ٥٥ ، عبد الحميد ص ٧٣ ، ط. الكوثري ص ٤٥) ـ هم من الفرق المنتسبة الى الاسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الامة (الفرق ، بدر ص ٢٢٢ ، عبد الحميد ص ٢٣٢ ، ط. الكوثري ص ١٤٣) ـ هم اتباع يزيد بن ابي انيسة الخارجي وكان من البصرة ثم انتقل الى جور من ارض فارس ، وكان على رأس الاباضية من الخوارج ، ثم انه خرج عن قول جميع الأمة لدعواه ان الله عزوجل يبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء وينسخ بشرعه شريعة محمد (ص). وزعم ان اتباع ذلك النبي المنتظر هم الصابئون المذكورون في القرآن. فاما المسمون بالصابئة من اهل واسط وحران فما هم الصابئون المذكرون في القرآن. وكان مع هذه الضلالة يتولى من شهد لمحمد (ص) بالنبوة من اهل الكتاب وان لم يدخل في دينه ، وسماهم بذلك مؤمنين. وعلى هذا القول يجب ان يكون العيسوية ، والموشكانية من اليهود مؤمنين لانهم اقروا بنبوة محمد (ص) ولم يدخلوا في دينه (الفرق ، ط. الكوثري ص ١٦٧ ـ ١٦٨ ، ط. بدر ص ٢٦٤ ، عبد الحميد ص ٢٨٠).

ملاحظة : ما جاء في آخر هذا الفصل بعد شعر عبد القاهر (البغدادي) غير مذكور في كتاب «الفرق بين الفرق» ولا في ملخص الفرق بين الفرق للرسعني ـ ان البغدادي لخص في نهاية هذا الفصل موقف بعض فرق الروافض لا سيما الغلاة منهم.

٥٦

ذكر فرق الضلال من الخوارج (١)

قد بينا قبل ان الخوارج على كم فرقة ، كل فرقة تكفر سايرها ، وهي (٢) المحكمة الاولى ، والازارقة ، والنجدية ، والصفرية ، والميمونية ، والشبيبية (٣) ، والحمزية ، والحازمية ، والمعلومية ، والمجهولية ، والصلتية ، والاخنسية ، والمعبدية ، والشيبانية مع الشبلية (٤) ، والرشيدية ، والحفصية ، واليزيدية ، والحارثية ، واصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها.

وسنذكر من فضائح كل فرقة منها ما يبين عن كفرها وضلالتها عن الايمان ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) هذا الفصل يقابل الفصل الثاني من الباب الثالث من كتاب «الفرق بين الفرق» للبغدادي.

(٢) ترتيب فرق الخوارج كما جاء في طبعات كتاب «الفرق» هو كالآتي :

المحكمة الاولى ـ والازارقة ـ والنجدات ـ والصفرية ـ ثم العجاردة المفترقة فرقا : منها الحازمية ـ والشعيبية (أ) ـ والمعلومية ـ والمجهولية ـ واصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها ـ والصلتية ـ والأخنسية ـ والشبيبية ـ والشيبانية ـ والمعبدية ـ والرشيدية ـ والمكرمية (ب) والحمزية ـ والشمراخية (ج) والابراهيمية (د) ـ والواقفة (ه) والاباضية. والاباضية منهم افترقت فرقا معظمها فريقان : حفصية ـ وحارثية. فاما اليزيدية من الاباضية ، والميمونية من العجاردة فانهما فرقتان من غلاة الكفرة.

أ ـ هذه الفرقة غير مذكورة في المخطوط مع قائمة الفرق ولكنها مذكورة في تفصيل الفرق.

ب ـ المكرمية : هذه الفرقة غير مذكورة في بيان قائمة فرق الخوارج ـ في المخطوط ـ ولكنها مذكورة بالتفضيل بعد ذكر الرشيدية.

ج ـ هذه الفرقة غير مذكورة في المخطوط.

د ـ هذه الفرقة غير مذكورة في المخطوط.

ه ـ هذه الفرقة غير مذكورة في المخطوط.

(٣) الشبيبية : ورد هذا الاسم هكذا هنا في القائمة ولكن في تفصيل الفرق وردت الفرقة تحت اسم «الشعيبية» مما يتفق مع باقي الطبعات لكتاب «الفرق».

(٤) الشبلية : ورد اسم هذه الفرقة هنا خطأ اذ ان في تفصيل الفرق ذكرت هذه الفرقة تحت اسم «الشبيبية» مما يتفق مع ما ورد في باقي طبعات كتاب «الفرق».

٥٧

ذكر المحكمة الاولى / منهم

الخوارج على اختلاف فرقها ، يجمعها القول بتكفير علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير وعائشة ، وجيشهما ، وتكفير معاوية واصحابه بصفين ، وتكفير الحكمين ومن حكّمهما ، او رضي بحكمهما ، وتكفير كل من ارتكب كبيرة ، ووجوب الخروج على السلطان الجائر ، وان كان على رأيهم (١).

واختلفوا في اوّل من شرى (تشري) (٢) منهم ، فمنهم من قال اولهم عروة بن جرا (٣) اخو ابي بلال بن مرداس الخارجي. ومنهم من قال : أولهم يزيد بن عاصم المحاربي. ومنهم من قال : اولهم رجل من ربيعة من بني يشكر ، كان مع علي بصفين ، فلما رأى الفريقين قد كتبا كتاب الاتفاق على الحكمين ، ركب فرسه واستسقى من (د) ما (٤) اصحاب علي واصحاب معاوية ، وقال : «اشرب من دمائكم و (د) ما معاوية ، وكلكم (د) ماؤه نار حامية ، ارجو من الله جنانا عالية ، فيها ظلال

__________________

(١) هذا الحكم العام على الخوارج الوارد هنا بعد عنوان «ذكر المحكمة الاولى منهم» مذكور في باقي طبعات «الفرق بين الفرق» ، مباشرة بعد القائمة الخاصة بذكر فرق الخوارج وقيل «ذكر المحكمة الأولى منهم». (ط بدر ص ٥٥ ، ط. الكوثري ص ٤٥ ، عبد الحميد ص ٧٣).

(٢) شري ، الأصح : تشري.

(٣) عروة بن حدير ، ويقع محرفا في بعض كتب المقالات عروة بن جدير. ويقال : عروة بن أدية ، بضم الهمزة وفتح الدال وتشديد الياء ، وهو صواب أيضا : حدير ابوه أو جده ، وأدية جدته ، ويقال أمه ، نص على ذلك ابو العباس المبرد في كتاب الكامل (٢ : ١١٦ الخيرية) قال : «ويقال : فيما يروى من الاخبار ، ان اوّل من حكم عروة بن أدية ، وأدية جدة له جاهلية ، وهو عروة بن حدير احد بني ربيعة بن حنظلة» ا ه. وقال ابن قتيبة : هو عروة بن عمرو بن حدير ؛ وقد قاتل عروة في حرب النهروان ثم نجا منها ، فلم يزل حيا مدة من خلافة معاوية ، ثم اتى به الى زياد بن ابيه ، فسأله اسئلة ، ثم أمر به فضربت عنقه ، ثم دعا مولى له فسأله عنه وقال : صف لي اموره ، فقال : اطنب أم اختصر؟ فقال : بل اختصر. فقال : ما اتيته بطعام في نهار قط ، ولا فرشت له فراشا بليل قط ؛ يريد انه صائم النهار قائم الليل دائما. وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام في شأن الخوارج المارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية حيث يقول : «يحقر أحدكم صلاته بجنب صلاتهم». اما الاسم كما ورد في المخطوط فلا شك انه محرّف.

(٤) (د) ما ـ الدال ساقطة في المخطوط ، والمقصود «دماء».

٥٨

وقطوف دانية (١)». / ثم نادى بين العسكرين : «الا اني خلعت عليا ومعاوية ، وبرئت منهما ، ولا حكم الا لله (٢)». ثم قتل رجلا من اصحاب علي ، وقتل آخر من اصحاب معاوية. ثم قتله قوم من همدان. وفيه يقول النجاشي ، شاعر علي :

«ما كان اغنا اليشكري عن التي

اقاد بها جمرا من النار حاميا

ينادي والحوادث جمة

خلعت عليا مرة ومعاويا

فضلّ ضلالا لم ير الناس مثله

واصبح يهوى في جهنم تاويا»(٣)

ثم ان الخوارج ، بعد رجوع علي من صفين الى الكوفة ، وانتظاره انقضاء السنة التي كانت احلا (٤) بينه وبين معاوية ، انخزلت طائفة منهم ، وجاءت أربعة الف (آلاف) فارس كانوا عباد (٥) عسكره ، الى حروراء ، ولذلك يقال لهم حرورية. وانضم إليهم بعد ذلك ثمانية آلاف فارس ، فصاروا اثني عشر. واميرهم

__________________

(١) ان هذا القول : «اشرب من دمائكم ودماء معاوية ... وقطوف دانية» غير وارد في كتاب «الفرق بين الفرق».

(٢) اما قول هذا الرجل من ربيعة : «الا اني خلعت عليا ... ولا حكم الا لله» ورد القسم الاول منه في «الفرق» ؛ اما القسم الأخير من قوله : «ولا حكم الا لله» فغير وارد فيه. وورد في باقي طبعات كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ٥٦ ، الكوثري ص ٤٦ ، عبد الحميد ص ٧٥) انه قتل رجلا من اصحاب علي ، وقتل آخر من اصحاب معاوية قبل ان يبوح بهذا القول ، اما في المخطوط هنا فمذكور انه اباح بهذا القول أولا ثم قتل رجلا من اصحاب علي وآخر من اصحاب معاوية. فكأن في كتاب الفرق يصحح البغدادي بعض الهفوات التي وقعت منه في كتابه الاسبق «الملل والنحل».

(٣) هذه الأبيات للنجاشي غير واردة في كتاب «الفرق بين الفرق».

(٤) احلا ـ الاصح : احلاها ـ لم يأت في كتاب «الفرق» ان عليا قد احلّ سنة بينه وبين معاوية بل ورد فقط : «ثم ان الخوارج بعد رجوع علي من صفين الى الكوفة ، انجازوا الى حروراء ...» («الفرق» ط. بدر ص ٢٥٦ ، الكوثري ص ٢٤٦ ، عبد الحميد ص ٧٥).

(٥) عباد. الاصح : عماد ـ جاء في كتاب «الفرق» ان عدد الخوارج «كان يومئذ اثنا عشرة ألفا» («الفرق» ط. بدر ص ٥٧ ، الكوثري ص ٤٩ ، عبد الحميد ص ٧٥). اما في هذه المخطوطة فقد جاء «انهم كانوا أربعة آلاف فارسا ، كانوا عماد عسكره ، ... وانضم إليهم بعد ذلك ثمانية آلاف فارس ، فصاروا اثني عشر».

٥٩

يومئذ عبد الله (١) في الاحكام ، واميرهم للقتال شبث بن ربعي (٢).

/ فقالوا جميعا : «لا حكم الا الله» ، فلهذا سموا محكمة.

ثم ان عليا خرج في اثرهم ، وناظرهم ، وظهرت حجته عليهم فاستأمن إليه ابن الكوّاء في يمينه الف (٣). ـ وقال شاعرهم :

«كرهنا ان نريق دما حراما

وهيهات الحلال من الحرام»(٤)

وانحاز الباقون من الخوارج ، وهم أربعة آلاف ، الى عبد الله بن وهب الراسبي الحرامي ، وحرقوص بن زهير ، المعروف بذي الثدية. وانحازوا الى النهروان. وقاتلهم بها علي واصحابه. وقال : لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة. فقتل يومئذ تسعة من اصحاب علي ، ونجا من الخوارج تسعة ، وقتل الباقون منهم مع زعيمهم ابن وهب وذي الثدية.

ثم خرج بعد واقعة النهروان من الخوارج اشرس بن عوف في جيشه ، فوجه إليه بالابرش بن حسان (٥) ، فقتله واصحابه بالانبار. ثم خرج عليه علقمة / التميمي ،

__________________

(١) عبد الله بن الكواء اليشكري. ذكره الدينوري ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، والطبري ١ : ٣٣٤٩ ـ والمخطوط هنا يوضح وظيفته بانه كان اميرهم في الاحكام.

(٢) شبث بن ربعى التميمي الرّياحي. ذكره الدينوري ٢٢٣ والطبري ٢ : ٦٢١ ـ ٦٢٤ كان قائد الميسرة في حرب علي للخوارج ، ثم خان والتحق بهم (ملاحظة حتّى ص ٦٧ رقم ٥).

شبث بن ربعي ـ بكسر الراء وسكون الباء ـ التميمي ، الرياحي : له ذكر في تجميع الخوارج وتوحيد كلمتهم (الكامل للمبرد ٢ : ١١٦) وله من قبل ذلك كلام يراجع فيه معاوية ويدعوه الى موادعة علي والدخول في طاعته (وقعة صفين ١٨٧ ، ١٩٧) وكان احد الذين يؤمرهم علي على من يخرجه لقتال معاوية وأهل الشام (ص ١٩٥) ، وله شعر يتبجح فيه بالنصر على جيش معاوية (ص ٢٩٤) ويقال انه كان مؤذنا لسجاح حين ادعت النبوة (المعارف ٤٠٥)

(انظر الملاحظة رقم ٢ من ص ٧٥ من ط. عبد الحميد لكتاب الفرق بين الفرق).

(٣) جاء في «الفرق» : «فاستأمن إليه ابن الكواء مع عشرة من الفرسان» (ط. بدر ص ٥٧ ، ط. الكوثري ص ٤٦ ، ط. عبد الحميد ص ٧٥).

(٤) هذا البيت غير وارد في كتاب «الفرق».

(٥) ورد في المخطوطة اسم قائد جيش علي الذي وجهه الى اشرس بن عوف الخارجي ـ وهذا القائد هو الابرش بن حسان ؛ واسمه غير وارد في كتاب «الفرق».

٦٠