الملل والنحل

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الملل والنحل

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


المحقق: الدكتور ألبير نصري نادر
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المشرق
الطبعة: ٣
ISBN: 2-7214-8039-1
الصفحات: ١٨٤

وجاء الباب الثالث ، بالرغم من ضياع بعض الورقات الأولى منه ، عرضا شاملا لسبع فرق هي : الروافض ـ الخوارج ـ المعتزلة ـ المرجئة ـ النجارية ـ الجهمية ـ الكرامية ـ مع اقسام كل فرقة دون التمييز بين اتباع الفرقة والغلاة منهم ، كما ذكرنا سابقا.

وموضوع الباب الثالث هنا يقابله البابان الثالث والرابع من كتاب «الفرق بين الفرق». وقد فصّل البغدادي في هذا الكتاب الاخير الغلاة عن اصحاب الفرق ، وخصص لهم فصلا مستقلا هو الفصل الرابع. وهكذا يكون كتاب «الفرق بين الفرق» اوضح من المخطوطة في تقسيمه للفرق.

اما الباب الرابع من المخطوطة ، فعنوانه شبيه بعنوان الباب الخامس من كتاب «الفرق بين الفرق» ـ وهذا الباب الخامس ناقص في «مختصر كتاب الفرق» للرسعني.

ولكن ترتيب الباب الرابع في المخطوطة يختلف عن ترتيب الباب الخامس من كتاب «الفرق». فاذا كانت المخطوطة مختصرا لكتاب «الفرق» لكان الترتيب متفقا بين الكتاب الاصلي وملخصه كما نلاحظ في «مختصر» الرسعني لكتاب «الفرق». ولكننا نلاحظ إن في الصفحتين الأولتين (ص ١٢٣ ـ ١٢٤) من الباب الرابع من المخطوطة يتساءل المؤلف كيف يمكن اعتبار القدرية والخوارج والروافض والنجارية والبكرية والضرارية من اهل السنة؟ ـ اما في كتاب «الفرق» فمثل هذا التساؤل وارد في الفصل الثاني من الباب الخامس ، لا في اوّل هذا الباب.

وما اتى في المخطوطة بعد ذلك من الصفحات ١٢٥ الى ١٢٧ فقد ورد جزء منه في الفصل الأول ، وجزء منه في الفصل الثالث وجزء في الفصل الخامس وجزء في الفصل السادس من الباب الخامس من كتاب «الفرق بين الفرق».

فكأن الباب الرابع في المخطوطة جاء بمثابة مخطط اولي وسريع للباب الخامس من كتاب «الفرق» كما وان الباب الثالث من المخطوطة جمع في الواقع بابين هما الثالث والرابع من كتاب «الفرق» ؛ مما يدل على ان المخطوطة كانت محاولة اولى في عرض الفرق والملل والنحل ؛ فهي اسبق عهدا من كتاب «الفرق بين الفرق» لا مخلصا له.

٢١

٤ ـ عنوان المخطوطة :

ا ـ يذكر عبد القاهر البغدادي في كتاب «الفرق بين الفرق» ما يأتي :

وللاباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها في كتاب «الملل والنحل» وفيما ذكرنا منه في هذا الكتاب كفاية («الفرق بين الفرق» ط. بدر ص ٨٩ ، ط. الكوثري ص ٦٥ ، عبد الحميد ص ١٠٩).

نقارن ما جاء في كتاب «الفرق بين الفرق» مع ما جاء في المخطوطة بخصوص الاباضية أولا ثم بخصوص البيهسية.

الاباضية

كتاب الفرق بين الفرق

 ـ اجمعت الاباضية على القول بامامة عبد الله بن اباض ، وافترقت فيما بينها فرقا يجمعها القول بان كفار هذه الامة ـ يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الامة ـ براء من الشرك والأيمان ، وانهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ، ولكنهم كفار. واجازوا شهادتهم ، وحرموا دماءهم في السر ، واستحلوها في العلانية.

وصححوا مناكحتهم والتوارث منهم ، وزعموا انهم في ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق. (انظر ط. بدر ص ٨٢. الكوثري ص ٦١ ، عبد الحميد ص ١٠٣).

ـ وكانت الاباضية من الخوارج يقولون ان مرتكب ما فيه الوعيد مع معرفته بالله عزوجل وبما جاء من عنده كافر كفران نعمة وليس بكافر كفر شرك (ط. بدر ص ٩٧ الكوثري ص ٧٠ ، عبد الحميد ص ١١٨).

ـ واوجبت الاباضية القطع (للسارق) في قليل السرقة وكثيرها (بدر ص ١٣٠ ، الكوثري ص ٨٨ عبد الحميد ص ١٤٤).

المخطوطة

ـ ذكر الحارثية منهم : هؤلاء اتباع الحرث الاباضي وانفرد عنهم في قوله بالقدر ، على مذهب المعتزلة ، وقال بان الاستطاعة قبل الفعل. فاكفرته الاباضية واهل السنة في ذلك (الورقة ٥٧).

ـ فهذه اصناف الخوارج المكفر بعضهم لبعض ، ولأقوام مجهولين منهم بدع ، منها :

قول قوم من الاباضية : لا حجة لله تعالى على الخلق في التوحيد الا بالخبر ، وما يقوم مقام الخبر من اشارة (الورقة ٥٨).

ـ ومنها قول الاباضية بجواز امر الله تعالى عنده بحكمين متضادين في شيء واحد ، وقالوا ان ذلك كمن دخل زرعا لغيره ، فهو مأمور بالخروج منه ، ومنهي عنه ، لأن في خروجه افساد زرع غيره. (الورقة ٥٨).

٢٢

ـ وقد سرقوا (الكرامية من الخوارج) هذه البدعة من اباضية الخوارج الذين قالوا : ان قول النبي (ص) : «انا نبيّ» بنفسه حجة لا يحتاج معها الى برهان (بدر ص ٢١٠ ، الكوثري ص ١٣٥ ، عبد الحميد ص ٢٢٢).

يتضح لنا من هذه المقارنة بين ما جاء في كتاب «الفرق بين الفرق» وما جاء في المخطوطة ان مواقف الاباضية المذكورة في المخطوطة غير واردة بتاتا مرة أخرى في كتاب «الفرق بين الفرق» وهي ثلاثة مواقف مهمة : ١) عدم قول الاباضية بالقدر مثل ما قالت المعتزلة ـ ٢) الانسان غير محاسب عن التوحيد ما لم يأته نبي يعلمه بان الله واحد لا شريك له ـ ٣) يجوز ان يأمر الله بحكمين متضادين في شيء واحد ؛ كما جاء في المثال الذي ذكروه هنا. ـ لذلك قال عبد القاهر البغدادي «وللاباضية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها في كتاب «الملل والنحل». فاذا ما اضيفت هذه المذاهب الثلاثة الواردة هنا في المخطوطة الى ما جاء عن الاباضية في كتاب «الفرق بين الفرق» تكونت لدينا فكرة عن الاباضية تميزهم عن باقي فرق الخوارج.

ولنقارن بعد ذلك بين ما جاء في كتاب «الفرق بين الفرق» مع ما جاء في المخطوطة بخصوص البيهسية :

البيهسية

كتاب الفرق بين الفرق

ـ وتبع بعد هؤلاء الابراهيمية قوم يقال لهم البيهسية اصحاب ابي بيهس هيصم بن عامر.

قالوا ان ميمونا كفر بان حرم بيع الأمة في دار التقية من كفار قومنا ، وكفرت الواقفة بان لم يعرفوا كفر ميمون ، وصواب ابراهيم ، وكفر ابراهيم بان لم يتبرأ من الواقفة (ط. بدر ص ٨٧ ، ط. الكوثري ص ٦٤ ، ط.

عبد الحميد ص ١٠٨).

المخطوطة

ـ وتبع بعد هؤلاء قوم يقال لهم البيهسية ، اصحاب أبي بيهس ، وقالوا ان ميمونا كفر حين حرّم بيع الأمة في دار التقية من كفار قومنا. وكفرت الواقفة بأن لم يعرفوا كفر ميمون وصواب ابراهيم ، فكفر ابراهيم حين لم يتبرأ من اهل الوقف.

٢٣

ـ وفرقة ثالثة من الصفرية (من الخوارج) قالت بقول من قال من البيهسية ان صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالي فيحده. (ط. بدر ص ٧٠ ، ط. الكوثري ص ٥٤ ، ط. عبد الحميد ص ٩١).

ـ ثم ان البيهسية قالت ان من واقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالي ويحد ولا نسميه قبل الرفع الى الوالي مؤمنا ولا كافرا.

ـ وقال بعض البيهسية فاذا كفر الامام كفرت الرعية.

ـ وقال بعضهم : كلّ شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كلّ ما كان منه في السكر : من ترك الصلاة ، والشتم لله عزوجل ، وليس فيه حدّ ولا كفر ما دام في سكره.

ـ وقال قوم من البيهسية يقال لهم العوفية : السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه (ط. بدر ص ٨٨ ، ط. الكوثري ص ٦٥ ، ط. عبد الحميد ص ١٠٩).

ـ ثم ان البيهسية قالوا ان من وقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالي ، ولا نسميه قبل الرفع الى الوالي مؤمنا ولا كافرا. ووافقهم في ذلك قوم من الصفرية.

ـ وقال بعض البيهسية ان الذنوب كلها شرك ، وكل ذنب لم يحكم الله فيه حكما مغلظا ، ولم يقفنا على تغليظه فهو مغفور.

الورقة ٤٣ :

وقال بعض البيهسية : كل شراب حلال الأصل موضوع ، فمن يسكر منه كل ما كان منه في السكر من ترك الصلاة وشتم الله تعالى ، ولا حد فيه ، ولا حكم فيه ، ولا يكفر به ما دام في سكره.

ـ وقالت العوفية من البيهسية : السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه. (الورقة ٥٩).

من مقارنة ما جاء في كتاب «الفرق بين الفرق» مع ما جاء في المخطوطة بخصوص البيهسية ، نلاحظ ان البغدادي في كتاب «الفرق» يكرر أربعة مواقف لهذه الفرقة مذكورة في المخطوطة ، وهي :

١) تكفيرهم ميمونا حين حرّم بيع الامة ـ ٢) لا يسمون المذنب كافرا ولا مؤمنا الا بعد رفع امره الى الوالي ـ ٣) كل شراب حلال الا اذا نتج عنه ما يقع تحت الحد ـ ٤) السكر كفر.

ولكن هناك موقفا لهذه الفرقة مذكور في المخطوطة ولم يرد ذكره في كتاب

٢٤

الفرق ، وهو قول البيهسية بان الذنوب كلها شرك ، وان كل ذنب لم يحكم الله فيه حكما مغلظا فهو مغفور. فكأن العقل في رأيهم لا يستطيع تحديد الذنوب ، بل الشرع هو الذي يحددها.

فالبغدادي مصيب عند ما قال : قد ذكرنا في كتاب «الملل والنحل» مذاهب الاباضية والبيهسية. وفعلا ، مواقف هاتين الفرقتين الواردة في المخطوطة تبرز ما تميزت به جوهريا هاتان الفرقتان عن باقي فرق الخوارج.

اما ما ذكر عن الاباضية في «مختصر كتاب الفرق» للرسعني فهو ملخص لما جاء في كتاب «الفرق بين الفرق» وهذا نصه :

ذكر الاباضية : اجمعوا على إمامة عبد الله بن اباض. وافترقوا فرقا يجمعها القول باكفار هذه الامة وانهم ليسوا بمؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار. ـ واجازوا شهادتهم ، وحرموا دماءهم سرا واستحلوها علانية ـ وصححوا مناكحتهم والتوارث منهم ، ـ واستحلوا من اموالهم الخيل والسلاح ـ فاما الذهب والفضة فانها تردّ الى اصحابها ـ (مختصر الفرق ص ٨٧ ـ ٨٨).

وما جاء في المخطوطة عن الاباضية فلا أثر له في هذا المختصر.

اما البيهسية فلا ذكر لهم في «مختصر الفرق».

ب ـ هكذا يتضح لنا معنى قول عبد القاهر البغدادي في كتابه «الفرق بين الفرق» (ط. بدر ص ٨٩ ؛ ط. الكوثري ص ٦٥ ؛ ط. عبد الحميد ص ١٠٩) : «ان للاباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها في كتاب «الملل والنحل» وفيما ذكرنا منه في هذا الكتاب كفاية» ـ وفي هذا الكلام تصريح منه أيضا بانه وضع كتاب «الملل والنحل» قبل كتاب «الفرق بين الفرق».

ـ والترتيب الواضح في كتاب «الفرق بين الفرق» في عرض مواقف الفرق وتمييز اصحاب الفرق من الغلاة منهم ، وتخصيص باب منفرد لهؤلاء الغلاة ، دليل على ان المحاولة الثانية التي قام بها عبد القاهر عند ما انشأ كتاب «الفرق بين الفرق» جاءت اوضح من المحاولة الاولى التي قام بها في كتاب «الملل والنحل».

٢٥

ـ ثم ذكر البغدادي في الباب الرابع من كتاب «الفرق بين الفرق» ـ وهو الباب الخاص بالفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منه ـ عددا من الفرق بتوسع ، مخصصا فصلا كاملا لكل واحدة منها في حين انه في المخطوطة هنا اكتفى بذكر اسماء هذه الفرق وما تميزت به ، وذلك بكل ايجاز. هذا ما حدث بخصوص بعض فرق الروافض ، مثلا :

المخطوطة

 الورقة ٤٣

والحربية الذين قالوا بامامة عبد الله ابن عمر بن حرب الكندي بعد ابن الحنفية ، ولم يقنعوا بذلك حتى قالوا بإلهيته.

الورقة ٤٣ :

والمنصورية الذين قالوا بامامة ابي منصور العجلي.

كتاب الفرق بين الفرق

الفصول المخصصة لكل فرقة في الباب الرابع

الفصل الرابع : في ذكر الحربية وبيان خروجهم عن فرق الامة. هؤلاء اتباع عبد الله بن عمر بن حرب الكندي وكان على دين البيانية في دعواها ان روح الاله تناسخت في الأنبياء والأئمة الى ان انتهت الى ابي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية. ثم زعمت الحربية ان تلك الروح انتقلت من عبد الله بن محمد ابن الحنفية الى عبد الله بن عمرو بن حرب ، وادعت الحربية في زعيمها عبد الله بن عمرو بن حرب مثل دعوى البيانية في بيان بن سمعان ؛ وكلتا الفرقتين كافرة بربها وليست من فرق الاسلام ، كما ان سائر الحلولية خارجة عن فرق الاسلام (ط. بدر ٢٣٣ ، ط. الكوثري ص ١٤٩ ، ط. عبد الحميد ص ٢٤٣ ، مختصر الفرق ص ١٥١).

الفصل الخامس : في ذكر المنصورية وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام. هؤلاء اتباع ابي منصور العجلي الذي زعم ان الامامة دارت في اولاد علي حتى انتهت الى ابي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي المعروف بالباقر. وادعى هذا العجلي انه خليفة الباقر. ثم الحد في دعواه ، فزعم انه عرج به الى السماء وان الله تعالى مسح بيده على رأسه وقال له : يا بني بلغ عني. ثم انزله الى الارض ؛ وزعم انه الكسف الساقط من السماء المذكور في قوله : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً

٢٦

مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) (سورة الطور مكية ٤٤). وكفرت هذه الطائفة بالقيامة والجنة والنار ، وتأولوا الجنة على نعيم الدنيا ، والنار على محن الناس في الدنيا. واستحلوا مع هذه الضلالة خنق مخالفيهم. واستمرت فتنتهم على عادتهم الى ان وقف يوسف بن عمر الثقفي ، والي العراق في زمانه ، على عورات المنصورية ، فاخذ أبا منصور العجلي وصلبه. وهذه الفرقة أيضا غير معدودة في فرق الاسلام لكفرها بالقيامة والجنة والنار (ط. بدر ص ٢٣٤ ، ط. الكوثري ص ١٤٩ ، ط. عبد الحميد ص ٢٤٣ ، مختصر الفرق ص ١٥٢).

الورقة ٤٣ :

والخطابية الذين قالوا بامامة ابي الخطاب.

ولا نعلم احدا من اهل الاهواء ادعى الربوبية لامامه وزعيمه غيرهم.

الفصل السابع : في ذكر الخطابية : اتباع ابي الخطاب الأسدي. وهم يقولون ان الامامة كانت في اولاد علي الى ان انتهت الى جعفر الصادق. ويزعمون ان الأئمة كانوا آلهة. وكان ابو الخطاب يزعم أولا ان الأئمة انبياء ثم زعم انهم آلهة وان اولاد الحسن والحسين كانوا ابناء الله واحباءه. وكان يقول ان جعفرا إله. فلما بلغ ذلك جعفرا لعنه وطرده ؛ وكان ابو الخطاب يدعي بعد ذلك الالهية لنفسه. وزعم اتباعه ان جعفرا إله غير ان ابي الخطاب افضل منه وافضل من علي.

والخطابية يرون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم. ثم ان أبا الخطاب نصب خيمة في كناسة الكوفة ودعا فيها اتباعه الى عبادة جعفر ؛ ثم خرج ابو الخطاب على والي الكوفة في أيام المنصور ، فبعث إليه المنصور بعيسى بن موسى في جيش كثيف ، فاسروه. فصلب في كناسة الكوفة الخ ... (ط. بدر ص ٢٤٢ ، الكوثري ص ١٥٠ ، عبد الحميد ص ٢٤٧ ؛ مختصر الفرق ص ١٥٥).

لم يميز عبد القاهر البغدادي في هذه المخطوطة بين الروافض المحض وغلاتهم الذين خرجوا من الاسلام ، بينما هذا التمييز واضح في كتابه «الفرق بين الفرق».

٢٧

ومما يجدر ذكره هنا في هذه المخطوطة هو ان عبد القاهر البغدادي ذكر فيها عن الفرق بعض المواقف وبعض المعلومات التي لم يأت على ذكرها في كتابه «الفرق بين الفرق». وقد اوضحنا في الهوامش كل هذه الزوائد الواردة في المخطوطة. وكأن البغدادي اكتفى بانه أوردها سابقا في كتابه المخطوط هذا وغفل عنها في كتاب «الفرق».

ج ـ جاء في كتاب «الفرق بين الفرق» في آخر الفصل الثامن من الباب الثالث : «في بيان مذاهب المشبهة من اصناف شتّى» قول البغدادي : «وهذا باب ان اطلناه طال ، ونشر الأذيال ، وقد بينا تفصيل أقوال المعتزلة والمشبهة ، واقوال سائر أصحاب الأهواء في كتابنا المعروف بكتاب «الملل والنحل» ، وفيما ذكرنا منها في هذا الباب كفاية ، والله اعلم.» (الفرق ط. بدر ص ٢١٩ ؛ ط. الكوثري ص ١٤١ ؛ ط. عبد الحميد ص ٢٣٠).

وهذه المرة الثانية التي يذكر فيها البغدادي كتابه «الملل والنحل» في كتابه «الفرق بين الفرق» وهنا يقول انه بيّن تفصيل اقوال المعتزلة والمشبهة في كتابه «الملل والنحل».

فاذا رجعنا الى كلامه الخاص بذكر «فرق الضلال من القدرية والمعتزلة» في المخطوطة ، نلاحظ انه خصص لهذه الفرقة ـ فرقة المعتزلة ـ من الورقة ٥٩ / ٢ الى الورقة ١٠٩ / ٢ اي خمسين ورقة مجموعها مائة صفحة ، في حين ان مجموع اوراق المخطوطة التي عثرنا عليها هنا هو ٨٨ ورقة. فيكون البغدادي قد خصص للمعتزلة القسم الاكبر من مخطوطته هذه ، وربما خصص لهم نصفها او ما يزيد. وقد ذكرنا في الهوامش الخاصة بالمعتزلة عند كلامه عنهم ، ما هو وارد في المخطوطة هنا عن المعتزلة وغير مذكور في كتاب «الفرق بين الفرق» ممّا يثبّت قول البغدادي في كتابه «الفرق بين الفرق» : «قد بينا تفصيل اقوال المعتزلة في كتابنا المعروف بكتاب «الملل والنحل». وفي هذه المخطوطة لم يميز البغدادي بين المعتزلة المحض والغلاة منهم ، مثل الحابطية والحدثية والحمارية ، وقاسم الدمشقي ، كما انه يذكر ، بعد كلامه عن البهشمية من المعتزلة ، اصحاب الاهواء منهم ،

٢٨

والجدل الذي كان يدور بينهم ، مثال ذلك الحوار بين سبعة من زعماء المعتزلة حول مسألة القدرة. ويذكر البغدادي رأي كل واحد منهم ؛ وهؤلاء السبعة هم : النظّام ، الاسواري ، ابو الهذيل ، بشر بن المعتمر ، المردار ، الاشبح (الاشج) والاسكافي.

اما فيما يتعلق بالمشبهة الذين يقول في كتاب «الفرق» انه تكلم عنهم في كتابه «الملل والنحل» فنجد في هذه المخطوطة عرضا وافيا للكرامية وهم من المشبهة. وفعلا يقول البغدادي في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ٢١٨ ، ط. الكوثري ص ١٤١ ، ط. عبد الحميد ص ٢٢٩). «وزادت الكرامية على المعتزلة البصرية في تشبيه إرادة الله تعالى بإرادات عباده. وزعموا ان ارادته من جنس ارادتنا ، وانها حادثة فيه كما تحدث ارادتنا فينا. وزعموا لاجل ذلك ان الله تعالى محل للحوادث ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا».

فما يذكره البغدادي في آخر الفصل الثامن من الباب الثالث من كتابه «الفرق بين الفرق» بانه بيّن تفصيل اقوال المعتزلة والمشبهة في كتابه المعروف بكتاب «الملل والنحل» ينطبق تماما على ما جاء في المخطوطة هنا بخصوص المعتزلة والمشبهة من الكرامية. الأمر الذي يزيدنا ثقة بان هذه المخطوطة هي كتاب «الملل والنحل» للبغدادي.

وهناك ادلة اخرى تثبت ذلك ، منها :

د ـ جاء في كتاب «الفرق بين الفرق» في الفصل الثاني عشر من الباب الرابع : في ذكر اصحاب التناسخ من اهل الأهواء (ط. بدر ص ٢٥٤ ، ط. الكوثري ص ١٦٢ ، ط. عبد الحميد ص ٢٧٢) ما نصه كما يلي ؛ وجاء في المخطوطة في ورقة رقم ٩٠ / ٢ ما نصه :

كتاب الفرق

 وذكر اصحاب المقالات عن سقراط وافلاطون واتباعهما من الفلاسفة أنهم قالوا بتناسخ الأرواح ،

المخطوطة الورقة رقم ٩٠ / ٢

 واما بدعة التناسخ ، فأول من قالها من الفلاسفة سقراط ، ثم صار إليه في دولة

٢٩

على تفصيل قد حكيناه عنهم في كتاب «الملل والنحل».

ـ وقال بعض اليهود بالتناسخ ، وزعم انه وجد في كتاب دانيال ان الله تعالى مسخ بختنصر في سبع صور من صور البهائم والسباع ، وعذبه فيها كلها ثم بعثه في آخرها موحدا.

ـ واما اهل التناسخ في دولة الاسلام فان البيانية والجناحية والخطّابية والراوندية من الروافض الحلولية ، كلها قالت بتناسخ روح الاله في الأئمة بزعمهم.

ـ واوّل من قال بهذه الضلالة السّبئيّة من الرافضة لدعواهم ان عليا صار إلها حين حلّ روح الاله فيه.

ـ وزعمت البياتية منهم ان روح الاله دارت في الأنبياء ، ثم في الائمة الى ان صارت في بيان بن سمعان.

ـ وادعت الجناحية منهم مثل ذلك في عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.

ـ وكذلك دعوى الخطابية في ابي الخطّاب. وكذلك دعوى قوم من الروندية في أبي مسلم صاحب دولة بني العباس ...

ـ واما اهل التناسخ من القدرية فجماعة منهم : احمد بن خابط وكان معتزليا منتسبا الى النظام ، وكان على بدعته في الطفرة ... وزاد على النظام في ضلالة في التناسخ.

ومنهم : احمد بن محمد القحطي ، وافتخر بانه كان منهم في التناسخ والاعتزال ، ومنهم عبد الكريم بن ابي العوجاء ...

ـ وتفصيل (رأي) هؤلاء في التناسخ ان احمد بن خابط زعم ان الله تعالي أبدع خلقة الاسلام قوم من غلاة الروافض ، فزعموا ان روح الاله تناسخت في الأئمة ؛ وادعت البيانية بهذه العلة الإلهية بيان ، وادعاها الخطّابية بابي الخطّاب ثم ادعها الحلولية في اتباع ابي طسان الدمشقي ثم ادعتها الحائطية من القدرية.

ويقال لهم : ينبغي ان لا تغضبوا على من ضربكم ونتف اسبلتكم ان كان كل ما يصيبكم من ألم ومحنة جزاء على معصية سبقت منكم في قالب آخر ، لان موقع الجزاء المستحقة غير ملوم على فعله.

ـ في ذكر الحمارية منهم :

هؤلاء قوم من معتزلة عسكر مكرم ، اختاروا من كل بدعة شرعة. فاخذوا من ابن حائط قوله بالتناسخ ، واخذوا من بدع عباد بن سليمان قوله بان الذين نسخهم الله قردة وخنازير ، كانوا في حال كونهم قردة وخنازير ناسا ، وكانوا معتقدين للكفر في تلك الحال.

وجاء في الورقة رقم ٨٩ / ٢ :

وقال (احمد بن حائط) بالتناسخ ، وزعم ان الله تعالى ابتدأ الخلق في الجنة ضربة واحدة وانما خرج من خرج منها بالمعصية.

٣٠

اصحابه سالمين عقلاء ، بالغين ، في دار سوى الدنيا التي هم فيها اليوم ، وأكمل عقولهم وخلق فيهم معرفته والعلم به ، واسبغ عليهم نعمه.

ـ وزعم ان الانسان المأمور المنهي المنعم عليه هو الروح التي في الجسم ، وان الاجسام قوالب للأرواح ...

ثم زعم ان الروح لا يزال في هذه الدنيا يتكرر في قوالب وصور مختلفة ما دامت طاعته مشوبة بذنوبه ، وعلى قدر طاعاته وذنوبه يكون منازل قوالبه في الانسانية والبهيمية ، (ط. بدر ص ٢٥٥ / ٢٥٧ ، ط. الكوثري ص ١٦٤ / ١٦٥ ط. عبد الحميد ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥).

يتضح لنا من هذا النص الوارد في كتاب «الفرق بين الفرق» ان كتاب «الملل والنحل» للبغدادي وضع قبل كتاب الفرق ـ وهذه المرة الثالثة التي يذكر فيها كتابه «الملل والنحل» في كتابه «الفرق بين الفرق» ؛ ثم ما جاء في المخطوطة هنا بخصوص بدعة التناسخ هو :

١ ـ ان سقراط هو اوّل من قال بالتناسخ.

٢ ـ غلاة الروافض قالوا بالتناسخ حتى ينتهوا الى ان روح الله تناسخت في الأئمة.

٣ ـ يعتبر ابن حابط اكبر ممثل للقول بالتناسخ.

٤ ـ التناسخ عقاب للانسان : اذ ان روح الشرير من الناس تنتقل الى جسم حيوان.

٥ ـ ابتدأ الله الخلق في الجنة ولكن خرج منها الانسان بمعصيته.

ـ واذا رجعنا الى كتاب «الفرق بين الفرق» (الفصل الثاني عشر من الباب الرابع منه) وجدنا ان هذه النقط الخمس الواردة في المخطوطة يعرضها البغدادي

٣١

ويتوسع فيها. فكأن البغدادي رسم مخططا لمذهب اصحاب التناسخ في كتاب «الملل والنحل» ، وذلك معنى قوله «انهم قالوا بتناسخ الارواح على تفصيل قد حكيناه عنهم في كتاب «الملل والنحل» ـ والتفصيل هو في الواقع هذه النقاط المهمة الخاصة بالتناسخ والواردة في «الملل والنحل» ؛ ثم توسع في هذا التفصيل في كتاب «الفرق».

ـ اما ما جاء في «مختصر الفرق» للرسعني (ص ١٦٤ ـ ١٦٥) عن ذكر اصحاب التناسخ فهو ملخص لما جاء في كتاب «الفرق» ولكن لم يأت في هذا «المختصر» ذكر سقراط ، ولا ذكر الروافض القائلين بالتناسخ ـ بل جاء ذكر احمد بن حابط من القدرية وعبد الكريم بن ابي العوجاء ، وجاء عرض لرأيهم القائل بان التناسخ عقاب. مما يدل على ان المخطوطة هنا ليست مختصرا لكتاب الفرق ، بل التفصيل المنوه عنه في كتاب «الفرق» هو ما ورد في المخطوطة التي هي كتاب «الملل والنحل».

ـ وجاء في نهاية هذا الفصل الثاني عشر من الباب الرابع من كتاب «الفرق بين الفرق» ما نصه «فهذا تفصيل قول اصحاب التناسخ ، وقد نقضنا عللهم في كتاب «الملل والنحل» بما فيه كفاية (ط. بدر ص ٢٥٩ ، ط. الكوثري ، ص ١٦٥ ، ط. عبد الحميد ص ٢٧٦).

ـ وجاء في المخطوطة ، الورقة رقم ٩٠ / ٢ ما نصه : ويقال لهم (لأصحاب التناسخ) : «ينبغي ان لا تغضبوا على من ضربكم ونتف اسبلتكم ، ان كان كل ما يصيبكم من ألم ومحنة جزاء على معصية سبقت منكم في قالب آخر ؛ لان موقع الجزاء المستحقة غير ملوم على فعله».

ومما تجدر ملاحظته هنا هو ان في كتاب «الفرق بين الفرق» استعرض البغدادي مختلف مواقف اصحاب التناسخ دون اي تعليق او رد عليها (انظر الفرق ط. بدر ص ٢٥٣ ـ ٢٥٩ ، ط. الكوثري ص ١٦٢ ـ ١٦٥ ، ط. عبد الحميد ص ٢٧٠ ـ ٢٧٦) بينما في هذه المخطوطة ، بعد ما يعرض البغدادي ـ (بطريقة

٣٢

مختصرة عما جاء في كتاب الفرق) ـ موقف اصحاب التناسخ ينتقص موقفهم بحيث يعتبر القول بالتناسخ قولا له نتائج مردودة.

اما في مختصر «الفرق» للرسعني (ص ١٦٥) نجد هذه الجملة الموجزة للغاية في آخر كلام البغدادي عن اصحاب التناسخ حيث يقول : «... الى غير ذلك من الهذيان» ففي «المختصر» اعتبر القول بالتناسخ ضربا من الهذيان بينما في المخطوطة يوضح البغدادي نقضه لهذا القول بالتناسخ مما يتفق وما جاء في كتاب «الفرق» عند ما يقول : وقد نقضنا عللهم في كتاب «الملل والنحل». وفي هذه المخطوطة يوجد هذا النقض عند ما ذكر : «ينبغي ان لا تغضبوا على من ضربكم ... على فعله».

ه ـ جاء في المخطوطة ورقة ١٢٢ / ٢ في آخر ذكر الضلال من الكرّامية قول البغدادي : «ولم نذكر الباطنية فيهم (في الكرامية) لانها لم تتمسك بشيء من اصول الاسلام ولا بشيء من فروعه ، وانما هم دعاة المجوس الى تأويل اركان شريعة الاسلام على وجوه يؤدي الى المجوسية ـ واختلف اصحابنا فيهم : فمنهم من قال : حكمهم حكم المجوس ، يجوز وضع الجزية عليهم مع تحريم ذبائحهم ، ونكاح نسائهم ـ ومنهم من قال : حكمهم حكم المرتدين وان تابوا ، والا قتلوا ـ وقال مالك : لا يقبل توبة الباطني والزنديق بعد العثور عليه ، وانما يقبل التوبة اذا ابتدأ بها قبل العلم للعلم ـ وهذا هو الاحوط في الباطنية والزنادقة».

هذا كل ما يذكره البغدادي عن الباطنية في هذه المخطوطة. فهو جعلهم في مصاف المجوس وذكر رأي اهل السنة فيهم.

ولكن في كتاب «الفرق بين الفرق» لم يذكر البغدادي مثل هذا الكلام عن الباطنية في عرضه لمذهب الكرامية في الفصل السابع من الباب الثالث (انظر «الفرق» ط. بدر ص ٢٠٢ ـ ٢١٤ ، ط. الكوثري ص ١٣٠ ـ ١٣٧ ، ط. عبد الحميد ص ٢١٥ ـ ٢٢٥) وكذلك لم يأت ذكر للباطنية في كلامه عن الكرامية في «مختصر الفرق» للرسعني ص ١٣٩.

٣٣

غير إن البغدادي في كتاب «الفرق بين الفرق» خصص للباطنية فصلا كاملا طويلا مفصلا وهو الفصل السابع عشر من الباب الرابع الخاص بالفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منه (ط. بدر ص ٢٦٥ ـ ٢٩٩ ، ط. الكوثري ص ١٦٩ / ١٨٨ ، ط. عبد الحميد ص ٢٨١ ـ ٣١٢) كما ورد أيضا في (مختصر الفرق) فصل كامل للباطنية وهو الفصل السابع عشر والاخير من الباب الرابع للكتاب (انظر مختصر الفرق ص ١٧٠ ـ ١٨٠).

ونفهم قول البغدادي في هذه المخطوطة : «لم نذكر الباطنية منهم ...» وذلك عند ما نجده يقول في كتاب «الفرق» في مستهل الفصل الذي عقده للباطنية ـ اي الفصل السابع عشر من الباب الرابع : «اعلموا ـ اسعدكم الله ـ ان ضرر الباطنية على فرق المسلمين اعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم ، بل اعظم من مضرّة الدهرية وسائر اصناف الكفرة عليهم ، بل اعظم من ضرر الدجّال الذي يظهر في آخر الزمان ، لأن الذين ضلّوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم الى يومنا اكثر من الذين يضلون بالدجال في وقت ظهوره ، لان فتنة الدجّال لا تزيد مدتها على اربعين يوما ، وفضائح الباطنية اكثر من عدد الرمل والقطر.» (بدر ص ٢٦٥ ، الكوثري ص ١٦٩ ؛ عبد الحميد ص ٢٨٢).

فلما كان البغدادي لم يميز في هذه المخطوطة بين الفرق المنتمية الى الاسلام والفرق التي ليست منه ، اكتفى في تنويهه الى الباطنية بما ذكره عنهم في آخر كلامه عن الكرامية ـ حيث جاء كلامه مقتضبا للغاية.

اما في كتاب «الفرق» فانه خصص بابا مستقلا فيه سبعة عشر فصلا للفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منه ، لذلك توسع بقدر المستطاع في كلامه عن الباطنية.

وهنا نلاحظ أيضا ان كتاب «الملل والنحل» اسبق عهدا من كتاب «الفرق» وكان بمثابة محاولة اولى لعرض مواقف الفرق المختلفة.

٣٤

و ـ جاء في نهاية الركن الخامس عشر والاخير من الفصل الثالث من الباب الخامس لكتاب «الفرق بين الفرق» ما نصه : «وقد استقصينا بيان احكام أهل الأهواء في كتاب «الملل والنحل» وذكرنا في هذا الكتاب طرفا من احكامهم عند اهل السنة وفيه كفاية. والله أعلم» (ط. بدر ص ٣٥٢ ، ط. الكوثري ص ٢١٧ ، ط. عبد الحميد ص ٣٥٨) (١).

وفي هذا الفصل الثالث من الباب الخامس لكتاب «الفرق بين الفرق» يستعرض البغدادي خمسة عشر ركنا هي اصول الدين ، ويقيس بمقتضاها موقف مخالفي اهل السنة في هذه الاركان.

ونذكر هنا بعض الامثلة لمخالفي اهل السنة في هذه الاركان ، ونقابل فيها ما جاء في كتاب الفرق بين الفرق مع ما جاء في المخطوطة لنثبت قول البغدادي بانه استقصى بيان احكام اهل الاهواء في كتابه «الملل والنحل».

ما جاء في كتاب «الفرق بين الفرق»

الركن الأول : ضللوا (اهل السنة) الخوارج في انكارها الرجم ... والخوارج الذين قطعوا يد السارق في القليل والكثير من الحرز وغير الحرز (ط. بدر ص ٣١٤ ، الكوثري ص ١٩٦ ، عبد الحميد ص ٣٢٧).

الركن الثالث : اكفروا (اهل السنة) ثمامة واتباعه من القدرية في قولهم ان الافعال متولدة لا فاعل لها ، واكفروا معمرا واتباعه من القدرية في قولهم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض وانما خلق الاجسام (بدر ص ٣١٩ ، الكوثري ص ١٩٩ عبد الحميد ص ٣٣٢).

ما جاء في المخطوطة

ورقة ٤٧ / ١ ذكر الازارقة من الخوارج : انكروا الرجم ...

٤٧ / ٢ وقطعوا (الخوارج) يد السارق في القليل والكثير واكفرتهم الأمة في هذه البدع كلها ...

ورقة ٩٥ / ٢ والبدعة الثانية (لثمامة) قوله بان الافعال المتولدة لا فاعل لها ، وهذا تجرء على نفي الصانع.

ورقة ٩١ / ٢ : ومن بدع (معمر) قوله ان الله تعالى ما خلق لونا ولا طعما ولا رائحة ولا حركة ولا سكونا ولا حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا حياة ولا موتا ولا سمعا ولا بصرا ولا قدرة ولا علما ولا ألما ولا لذة ولا شيئا من

__________________

(١) في «مختصر كتاب الفرق بين الفرق» للرسعني هذا الباب الخامس غير وارد بتاتا.

٣٥

ما جاء في كتاب الفرق بين الفرق

 الركن الرابع : وقد نفت المعتزلة عنه (الله) جميع الصفات الازلية ، وقالوا ليس له قدرة ولا علم ولا حياة ولا رؤية ولا ادراك للمسموعات.

واثبتوا له كلاما محدثا (ط. بدر ص ٣٢٢ ، الكوثري ص ٢٠١ ، ط. عبد الحميد ص ٣٣٤).

الركن الخامس : وقد افرط الجبائي في هذا الباب (في اسماء الله) حتى سمى الله مطيعا لعبده اذا اعطاه مراده ، وسماه محبلا للنساء اذا خلق فيهن الحبل (ط. بدر ص ٣٢٦ ، ط. الكوثري ص ٢٠٣ ، ط. عبد الحميد ص ٣٣٧).

الركن السادس : الكلام في عدل الاله ...

وخلاف قول الجهمية : ان العباد غير مكتسبين ولا قادرين على اكسابهم (ط. بدر ص ٣٢٧ الكوثري ص ٢٠٤ ، عبد الحميد ص ٣٣٨).

الركن الثامن : وقالوا (اهل السنة) باعجاز القرآن في نظمه ، على خلاف قول من

ما جاء في المخطوطة

 الاعراض وانما خلق الاجسام. وخلقت الاجسام الاعراض في نفسها.

ورقة ٩٢ / ٢ والفضيحة الثانية له (لمعمر) انه لما زعم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض ادته هذه البدعة الى القول بان القرآن ليس كلام الله تعالى.

ورقة ٦٧ / ١ ومن فضائحه (لأبي الهذيل العلاف) أيضا قوله بان علم الله هو الله ، وقدرته هي هو. ويلزمه على هذه البدعة امران : احدهما انه يوجب عليه ان يكون علمه هو قدرته لرجوعهما الى ذات واحدة ، ولو كان علمه قدرته لوجب ان يكون معلوماته مقدورات له ، فيكون ذاته مقدورا له ، كما هو معلوم له.

ورقة ٩٢ / ٢ انه (معمر بن عباد) لا يثبت لله صفة قائمة ؛ فلزمه على أصله ان لا يكون لله تعالى كلام ولا امر ولا نهي ولا خبر.

الورقة  ودار بينه (ابي الحسن الاشعري) وبين الجبائي مسائل تعرف بالحصينات بين بها ضلالات الجبائي بتسمية الاله مطيعا للعبد اذا فعل مراد عبده ، والتزم في ذلك قياسه في قوله ان الطاعة موافقة الإرادة. وسماه أيضا محبلا للنساء لخلق الحبل فيهن. وهذه البدعة توقع الناس باحبال مريم وحدها.

الورقة ١١٥ / ١ الجهمية اتباع جهم بن صفوان الترمذي الذي قال بالاجبار والاضطرار الى الاعمال ، ونفي الاستطاعات كلها.

الورقة ٧٤ / ٢. والفضيحة الثالثة عشر له (للنظام) قوله بان نظم القرآن غير معجز ،

٣٦

زعم من القدرية ان لا اعجاز في نظم القرآن كما ذهب إليه النظّام (ط. بدر ص ٣٣٥ ، الكوثري ص ٢٠٨ ، عبد الحميد ص ٣٤٤).

وقالوا (اهل السنة) : من معجزات محمد (ص) انشقاق القمر ، وتسبيح الحصا في يده ، ونبوع الماء من بين اصابعه ، واشباعه الخلق الكثير من الطعام اليسير ونحو ذلك. وقد خالف النظّام واتباعه من القدرية ذلك. (ط. بدر ص. ٣٣٥ ، الكوثري ص ٢٠٨ ، عبد الحميد ص ٣٣٤).

وانما وجه الدلالة منه على صدق النبي (ص) ما فيه من الاخبار عن الغيوب. وزعم ان العباد قادرون على مثل القرآن وعلى ما هو افصح منه. وفي هذا ابطال اعجاز القرآن.

الورقة ٧٥ / ٢ وكذبه (النظام) في روايته انشقاق القمر ، وفي رواية الجن ... وانشقاق القمر ان احاله فقد احال تفريق اجزاء جسم مؤلف وان اجاز انشقاقه عقلا. فما المانع من وقوعه مع ورود الخبر؟ واما رواية الجن فان احالها لزمه ان لا يرى الجن بعضهم بعضا.

يتضح لنا من هذه الامثلة ان قول البغدادي المذكور في كتاب «الفرق بين الفرق» (في نهاية الفصل الثالث من الباب الخامس) بانه استقصى بيان احكام اهل الاهواء في كتاب «الملل والنحل» هو قول ينطبق تماما على ما جاء في هذه المخطوطة ؛ الامر الذي يزيد في اعتقادنا ان هذه المخطوطة هي فعلا كتاب «الملل والنحل» للبغدادي.

ز ـ يذكر ابو مظفر الأسفرايني في كتابه «التبصير في الدين» ص ١٢٠ عبد القاهر البغدادي وكتابه «الملل والنحل» بقوله : «ولو لم يكن لأهل السنة والجماعة من مصنف لهم في جميع العلوم ، على الخصوص والعموم الّا من كان فرد زمانه وواحد أقرانه في معارفه وعلومه ، وكثرة الغرر في تصانيفه ، وهو الإمام ابو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي التميمي ، قدس الله روحه ، وما من علم من العلوم الّا وله فيه تصانيف. ولو لم يكن له من التصانيف الّا كتاب «الملل والنحل» في اصول الدين ، وهو كتاب لا يكاد يسع في خاطر بشر انه يتمكن من مثله لكثرة ما فيه من فنون علمه. وتصانيفه في الكلام ، والفقه ، والحديث ، والمقدرات (الحساب) التي هي أم الدقائق ، تخرج عن الحصر ، ولم يسبق الى مثل كتبه في هذه الانواع من حسن عبارته ، وعذوبة بيانه ، ولطافة كلامه ، في جميع كتبه.»

٣٧

فاذن كتاب «الملل والنحل» هو قطعا كتاب لعبد القاهر البغدادي ، وقد ذكره هو صراحة في كتابه «الفرق بين الفرق» (١) ، وذكره أيضا صهره وتلميذه ابو مظفر الأسفرايني في كتابه «التبصير في الدين».

ثم ان كتاب «الملل والنحل» اسبق عهدا من كتاب «الفرق بين الفرق» اذ انه اتى ذكره في هذا الكتاب الأخير.

اما وصف الأسفرايني المقتضب لكتاب «الملل والنحل» هذا فانه ينطبق تماما على ما جاء في هذه المخطوطة. يقول الأسفرايني عنه : «كتاب «الملل والنحل» في اصول الدين ، هو كتاب لا يكاد يسع في خاطر بشر انه يتمكن من مثله لكثرة ما فيه من فنون علمه».

وفعلا من يطالع هذه المخطوطة يجد فيها عرضا وافيا لمختلف فرق الرافضة ، والخوارج ، والمعتزلة ، والمرجئة ، والجهمية والكرامية ، وبما اختلفت هذه الفرق عن اهل السنة والجماعة ، مما يدل على معرفة واسعة لمختلف الفرق التي ظهرت منذ بداية الاسلام حتى عهد عبد القاهر البغدادي.

ان أبا الحسين عبد الرحمن الملطي المتوفى ٣٧٧ ه‍ بكتابه «التنبيه والرد على اهل الاهواء والبدع» قد سبق عبد القاهر البغدادي في عرض مواقف الفرق ؛ ولكن هذه المخطوطة ـ وهي بلا شك كتاب «الملل والنحل» للبغدادي ، تتميز عن كتاب «التنبيه» للملطي بالوضوح والترتيب والجلاء.

__________________

(١) ذكره في كتاب «الفرق بين الفرق» عند كلامه عن الاباضية والبيهسية (ط. بدر ص ٨٩ ، ط الكوثري ص ٦٥ ، ط عبد الحميد ص ١٠٩) وذكره في آخر الباب الثالث في بيان مذاهب المشبهة (ط بدر ص ١٢٩ ، الكوثري ص ١٤١ عبد الحميد ص ٢٣٠) وذكره أيضا في الفصل الثاني عشر من الباب الرابع من «الفرق» عند كلامه عن اصحاب التناسخ (ط بدر ص ٢٥٤ ـ ٢٥٩ ط الكوثري ص ١٦٢ ـ ١٦٥ ط عبد الحميد ص ٢٧٢ ـ ٢٧٦) حيث جاء ذكر كتاب «الملل والنحل» مرتين في هذا الفصل.

وكذلك ذكر البغدادي كتابه «الملل والنحل» في آخر الفصل الثالث من الباب الخامس لكاتبه «الفرق بين الفرق» (ط بدر ص ٣٥٢ ط الكوثري ص ٢١٧ ط عبد الحميد ص ٣٥٨).

٣٨

ـ وقد لفت النظر الى هذه المخطوطة والى حقيقة عنوانها : «الملل والنحل» للبغدادي ، الشيخ محمد زاهد الكوثري اذ ذكر في هامش ص ٦٥ من طبعته لكتاب «الفرق بين الفرق» ان كتاب «الملل والنحل» هذا يوجد مخطوطا في مكتبة الاوقاف ببغداد ، وانه كان في مكتبة عاشر في الآستانة.

وذكر أيضا الشيخ محمد زاهد الكوثري في مقدمة طبعته لكتاب «الفرق بين الفرق» ص ٧ : «وله (لعبد القاهر البغدادي) مؤلفات كثيرة ، ذكر ابن السبكي كثيرا منها ، ومن انفعها كتاب «الملل والنحل». وهو من محفوظات مكتبة الاوقاف ببغداد».

ثالثا : مؤلف الكتاب (١)

هو الامام الاستاذ ابو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي البغدادي ، ولد ببغداد ونشأ بها ورحل مع ابيه ، وهو فتى ، الى خراسان وسكنا بنيسابور. وتفقه على الاستاذ ابي إسحاق بن محمد الأسفرايني ، وقرأ عليه اصول الدين ، ومهر في فنون عديدة خصوصا في علم الحساب. وبعد وفاة استاذه ابي إسحاق (٤١٨ ه‍ / ١٠٢٧ م) خلفه وجلس للاملاء في مسجد عقيل ، فأملى سنتين ،

__________________

(١) المراجع : ا ـ ابن خلّكان «وفيات الأعيان» (طبعة مصر ١٢٧٥ ه‍) ١ : ٤٢٣

ب ـ الكتبي «فوات الوفيات» (ط مصر ١٢٩٩) ١ : ٢٩٨ (عبد القاهر ابن طاهر بن محمد بن عبد الله التميمي).

ج ـ السّبكي «طبقات الشافعية الكبرى» (ط مصر) ٢ : ٢٢٨ ؛ ٣ : ٢٣٨ ـ ٢٤٢ (عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي).

د ـ ency clopaediaofislam : baghdadi

ه ـ مجلد ١ ص ٣٨٥ c.brockelmann geschic htederarabischen litteratur.­

و ـ مجلد ٢٨ ص ٢٦  i.friedlander journal americanoriental society­.  

ز ـ الفخر الرازي «الرياضة المونقة».

ح ـ ابن عساكر : «التبيين».

٣٩

واختلف إليه الأئمة فقرءوا عليه ، ومنهم ناصر المروزي ، وابو القاسم القشيري. وكان والد البغدادي ابو عبد الله طاهر رجلا ذا مال وثروة ومروءة ، ترك ماله الى ابنه فانفقه على اهل العلم والحديث حتى افتقر ، ولم يكتسب بعلمه مالا. وفي ايام فتنة التركمانية بنيسابور (٤٢٩ ه‍ ـ ١٠٣٧ م) خرج عبد القاهر من نيسابور الى اسفراين ، فابتهج الناس بمقدمه ، ولكن ايامه لم تطل ، فتوفي في السنة نفسها في اسفراين ، ودفن الى جانب شيخه ابي إسحاق ابراهيم بن محمد الأسفرايني.

وكان ابو منصور البغدادي تخرج في علم اصول الدين على الطريقة الاشعرية على الاستاذ ابي إسحاق الأسفرايني هذا المتوفى سنة ٤١١ ه‍ وهو تخرج في ذلك على الامام ابي الحسن الباهلي المتوفى سنة ٣٧٠ ه‍ ، وهو تخرج في علم اصول الدين على الامام ابي الحسن الاشعري (١).

تصانيف البغدادي :

من تصانيفه : «التكملة» في علم الحساب ، «تفسير القرآن» ، «فضائح المعتزلة» ، «ابطال القول بالتولد» «فضائح الكرّامية» ، «الايمان واصوله» ، «الملل والنحل» ، «نفي خلق القرآن» ، «الفرق بين الفرق» ، وبخصوص كتابه «الملل والنحل» قال عنه صهر المؤلف وتلميذه الناسج على منواله ، الامام ابو المظفر الأسفرايني في كتابه «التبصير في الدين» ص ١٢٠ : «ولو لم يكن لاهل السنة والجماعة من مصنف لهم في جميع العلوم على الخصوص والعموم الا من كان فرد زمانه وواحد اقرانه في معارفه وعلومه ، وكثرة الغرر في تصانيفه وهو الامام ابو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي التميمي قدس الله روحه ، وما من علم من العلوم الا وله فيه تصانيف. ولو لم يكن له من التصانيف الا كتاب «الملل والنحل» في اصول الدين ، وهو كتاب لا يكاد يسع

__________________

(١) جاء في المخطوطة (في نهاية الورقة ٨٢ / ٢) ، عند ذكر الفضيحة الخامسة من فضائح بشر بن المعتمر ، وهي الفضيحة الخاصة بالكلام عن الحركة ، ما نصه : يقول صاحب الكتاب : «وهذا قول ابي الهذيل والجبائي وابنه وشيخنا ابي الحسن الاشعري رحمه‌الله».

٤٠