الملل والنحل

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الملل والنحل

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


المحقق: الدكتور ألبير نصري نادر
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المشرق
الطبعة: ٣
ISBN: 2-7214-8039-1
الصفحات: ١٨٤

والكلب وكل حيوان بمثل هذه الصفات. فزعم أن كل حيوان غير جسده الذي هو مدبر له ، وكل حيوان عالم قادر مختار ، غير متحرك ولا ساكن ، ولا ذي لون ، ولا ذي وزن ، فوصف كل ما دب ودرج / بصفات معبوده ، ونفى عنه ما ينفيه عن معبوده (١).

ومن فضائحه امتناعه من القول بان الله عالم بنفسه ، فقال : من شرط المعلوم ان يكون غير العالم به. ومنع أيضا من تسمية الاله قديما مع وصفه اياه بانه ازلي. وهذا كمنع من منع من تسميته باقيا مع وصفه اياه بانه دائم الوجود. ـ وحكى الكعبي عنه في «مقالاته» ان الاعراض كلها فعل الجسم بطبعه الا الإرادة فانها فعل الانسان. فاذا زعم ان الانسان لا فعل له الا الإرادة ، لزمه ان لا يكون الانسان مصليا ولا صائما ولا حاجا ، ولا زانيا ، ولا سارقا ، لانه لم يفعل صلاة ولا صياما ولا حجا ولا زنا ولا سرقة. فلتفتخر المعتزلة بهذا الشيخ فانه لائق لهم (٢).

ذكر الثمامية منهم

هؤلاء اتباع ثمامة بن اشرس النميري (٣). وحكى ابن قتيبة عنه في / كتاب «مختلف الحديث» انه رأى قوما يتعادون يوم الجمعة الى المسجد الجامع ، فقال لبعض اتباعه : «انظر الى الحمير والبقر». ثم قال : «ما ذا صنع ذلك العربيّ بالناس!» يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ـ وذكر الجاحظ ان المأمون رآه يوما في الطريق سكران فقال : «يا ثمامة». قال : «اي والله». قال : «ألا تستحي؟». قال : «لا والله». قال : «عليك لعنة الله». قال : «تترى ثم تترى».

وحكى الجاحظ ان غلامه قال له ليلة (٤) : قم صلّ. فتغافل. فقال له :

__________________

(١) الكلام هنا من «ثم انه وصف الحمار والكلب ... عن معبوده» غير وارد في كتاب «الفرق» (انظر بدر ص ١٤١. الكوثري ص ٩٤ ، عبد الحميد ص ١٥٥).

(٢) الكلام هنا من «ومن فضائحه ... لائق لهم» ورد جزء منه في كتاب «الفرق» ؛ في الفضيحة الثالثة وهو الخاص بان الاعراض كلها فعل الجسم بطبعه الا الإرادة ، اما باقي الكلام فانه زائد هنا (انظر الفرق ط. بدر ص ١٣٨ ، الكوثري ص ٩٣ ، عبد الحميد ص ١٥٣).

(٣) هو ثمامة بن الاشرس ، ويكنى أبا معن النميري ـ ذكره ابن المرتضى في رجال الطبقة السابعة (طبقات المعتزلة ص ٦٢).

(٤) جاء في الفرق ط. بدر ص ١٥٨ ط. الكوثري ص ١٠٤ ، عبد الحميد ص ١٧٤) «وذكر الجاحظ أيضا ان غلام ثمامة قال يوما لثمامة» : وهذا اوضح مما جاء في المخطوط هنا.

١٢١

قم صلّ واسترح. قال : انا مستريح ان تركتني. فكان من حق الجاحظ ان يستر على عيب استاذه ومواقفه في المعارف. غير ان الله تعالى اراد انطاقهم بفضائحهم (١).

ومن بدع ثمامة سيئات ، احدها قوله ان المعارف كلها ضرورية / ، وان من لم يضطر الى معرفة الله تعالى فليس مأمورا بها ، وانما خلق للعبرة والسخرة كسائر الحيوان الذي ليس بمكلف.

ولهذا زعم ان عوام اليهود والنصارى والزنادقة يصيرون في القيامة ترابا ، لان من لم يكن مأمورا لم يستحق ثوابا ولا عقابا. فاعتذر الخياط بان قال انه كان يرى تخليد اليهود والنصارى والزنادقة وسائر الكفرة في النار ، غير انه كان لا يوقع هذه الأسماء الا على من خلق الله المعرفة الضرورية ونصحه دينه. ـ والكفرة عندهم العارفون بما امروا به ، ونهوا عنه ، القاصدون الى الكفر بالله تعالى ، والمعصية له. فيقال له : اخبرنا عن عامة الدهرية ، هل عرفوا الله ضرورة؟ وعن عامة اليهود والنصارى ، هل عرفوا صحة نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالضرورة؟ فان قالوا : قد / عرفوا كل ما دل عليه العقل والشرع بالضرورة. فان قالوا : قد عرفوا كل ما دل عليه العقل والشرع (٢) ثم جحدوا ذلك لم ينفصل. فمن قال ان الثمامية قد عرفوا فساد قولهم وصحة قول من اكفرهم ضرورة ، فهم الذين يصيرون عند ثمامة ترابا. فلا معنى لانكار الخياط هذا التشنيع على ثمامة (٣).

والبدعة الثانية قوله بان الافعال المتولّدة لا فاعل لها ، وهذا تجرء الى نفي الصانع ، لانه لو صح وجود فعل بلا فاعل ، لم يكن حينئذ في الافعال دلالة على فاعلها ، كما ان من اجاز كتابة لا من كاتب ، وبناء لا من باني ،

__________________

(١) الكلام : «فكان من حق الجاحظ ... بفضائحهم» غير وارد في كتاب «الفرق».

(٢) لا شك في ان هنا تكرارا لهذا الجملة : «قد عرفوا ... العقل والشرع».

(٣) هنا الكلام الخاص بمصير اليهود والنصارى اوسع مما جاء في كتاب «الفرق» (انظر كتاب الفرق ط. بدر ص ١٥٧ ، الكوثري ص ١٠٣ ، عبد الحميد ص ١٧٢ ، مختصر الفرق ص ١١٥).

١٢٢

لزمه كل بناء وكتابة لا من بان ولا من كاتب. ونتيجة هذه البدعة من ثمامة ان كلام الانسان عنده لا فاعل له ، لانه متولد عنه. فلما ذا يلوم الكاذب على كذبه ، ولم يفعل كذبا؟ ـ وكان ثمامة مع بدعته يقول في دار / الاسلام انها دار شرك. وكان يحرم السّبي ، لان المسبيّ عنده ما كان عرف ربه ولا عصاه اذا لم يعرفه.

وقيل انه كان مولي لنمير (١) ، وكان هجينا بامه ، فان كان السابي لأمه عنده واطيا لمن هي حرام عليه لزمه على اصله ان يكون ولد زنى. وكفاه بهذا خزيا (٢).

ذكر الجاحظية منهم

هؤلاء قوم من غواة القدرية بالبصرة ، انتسبوا الى عمرو بن بحر الجاحظ (٣) اعتزازا منهم بحسن نذلته (٤) وبلاغته في كتبه التي لها ترجمة تروق بلا معنى ،

__________________

(١) ذكره ابن المرتضى في اوائل من ذكر من رجال الطبقة السابعة. وذكر له اخبارا كثيرة مع المأمون العباسي كما ذكر ان اوّل اتصاله بالخلفاء كان بهارون الرشيد ، وان قد تمكن منه تمكنا عظيما حتى عادله في السفر الى مكة ، وانه كان يملأ اذن الرشيد علما وادبا ، وان كان يدبر في نفسه الوقيعة بمحمد بن سليمان عند الرشيد ، لانه كان قد قطع يدي عيسى الطبري ، وان ثمامة اخذ على نفسه ان يقتل محمد بن سليمان نفسه بسبب ذلك ، وانه ما زال بالرشيد حتى كان منه ما كان (طبقات المعتزلة ص ٦٢ ـ ٦٧) ومحمد بن سليمان بن علي : ابن عم المنصور أمير البصرة وفارس. وذكر الذهبي انه مات في سنة ١٧٣ ه‍ ولم يذكر انه قتل (العبر : ١ / ٢٦٣ ، ميزان الاعتدال رقم ١٣٩٤).

(٢) كل ما ذكر هنا بخصوص ثمامة وارد في كتاب «الفرق» ط. بدر ص ١٥٧ ، ط. الكوثري ص ١٠٣ ـ ١٠٥. ط. عبد الحميد ص ١٧٣ ـ ١٧٧ ، مختصر الفرق للرسعني ص ١١٥ ـ ١١٧) ولكن بترتيب آخر.

(٣) الجاحظ : هو ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، كان بحرا من بحور العلم ، رأسا في الكلام والاعتزال ، وعاش تسعين سنة او يزيد ، اخذ عن القاضي ابي يوسف ، وعن ثمامة ابن اشرس ، وعن ابي اسحاق النظام ، وصنف التصانيف الجياد ، ومات في سنة ٢٥٠ ويقال في سنة ٢٥٥ (العبر ١ / ٤٥٦ ـ ابن خلكان الترجمة ٤٧٩ ـ وطبقات المعتزلة ٦٧).

(٤) في ط. بدر «بحسن بذله» ص ١٦٠ ـ وفي ط. الكوثري ص ١٠٥ «بحسن بيان» وكذلك في ط. عبد الحميد ص ١٧٥ ـ امّا في مختصر الرسعني «اغتروا بزلّة» ص ١١٧

١٢٣

واسم يهول بلا جسم. ولو عرفوا ضلالاته لاستغفروا من ظنهم اياه انسانا فضلا ان يظنوا به احسانا.

ومن بدع الجاحظ فان المعارف طباع ، وهي مع ذلك فعل للعباد ، وليست باختيار لهم. هذا ما حكاه الكعبي عنه ، ونسبه ان يكون غلطا منه / عليه ، لان المعرفة لو كانت عنده فعلا للعباد ما كانت مروة (١) عنده.

وقد حكى الكعبي عنه في «مقالاته» ان الانسان لا فعل له الا الإرادة. وفي هذا دليل على كذبه عليه ، لان المعرفة فعل العباد. واذا كان من قوله للجاحظ وثمامة ان الانسان لا فعل له الا الإرادة لزمهما ان لا يكون الصلوات والحج والعمرة والجهاد من افعال العباد ، وان لا يكون الزنا ، واللواط ، وشرب الخمر ، والسرقة ، والقذف من اكتساب العباد ، لان هذه الأفعال غير الإرادة. وفي هذا ابطال الثواب والعقاب على الاكتساب.

ومن بدع الجاحظ أيضا قوله باستحالة العدم على الجواهر والاجسام. وفي هذا ابطال حدوثها ، لان الذي يستحيل عدمه هو القديم.

ومن بدعه أيضا قوله بان الله عزوجل ، لا يدخل احدا النار ، وانما النار تجذب اهلها الى نفسها بطبعها ، ثم تمسكهم / في نفسها على الخلود. فان قال بمثل هذا في الجنة ، وانها تجذب اهلها الى نفسها بطبعها ، فقد قطع الرغبة عن الله تعالى والرهبة منه. وكفاه بذلك خزيا.

ومن فضائحه مجونه في كتبه التي اغوى بها الفسقة ، مثل كتابه في «حيل اللصوص» ، وكتابه في «غش الصناعات» وكتابه «في الفخار والمؤاجرين» (٢). وزين بكتاب «البخلاء» البخل في اعين البخلاء. وصنف كتابا في «النواميس»

__________________

(١) هكذا في المخطوط ؛ والمرجح ان يكون المقصود المعرفة لا تروى ، بمعنى انه لا يكتسبها شخص من آخر ويجوز ان تكون الكلمة «مرويّة».

اما الكلام من «ونسبه ان يكون غلطا ... عنده» زائد هنا وغير وارد في كتاب «الفرق».

(٢) اسم كتاب «في الفخار والمؤاجرين» غير وارد في كتاب «الفرق». انظر ط. الكوثري ص ١٠٦ ؛ ط. بدر ١٦٢ ط. عبد الحميد ص ١٧٧ ومختصر الفرق للرسعني ص ١١٨.

١٢٤

التي تجتلب بها المحتالون الودائع ، وسجن (١) كتابه المعروف «بالفتيا» بالطعن على اعلام الصحابة في فتاويهم. وقد جرى المثل بان من كان في اصله لئيما وفي دينه ذميما ، لم يزل لنفسه عارا بهيما الا بحلة ، واستباح به حريما ، ومن لم يأخذه في تحلية الغيرة وفي بدعته غيرة (٢).

واقصى (٣) كتبه اثرا كتاباه المعروفان «بطبائع الحيوان» معا في كتاب الحيوان لارسطاطاليس ، / وضم إليهما (٤) ابياتا من الشعر ، وطوله بمناظرة في المفاخرة بين الديك والكلب. والمناظرة في ذلك تضييع للوقت بالمقت (٥). ثم انه لحن في هذين الكتابين لحنا لا يخفى على الصبيان. فقال : تستحب الجارية ان تكون لحانة ، والسر فيه قول مالك بن اسما ، ويلحن احيانا ، وخير الحديث ما كان لحنا. فظن انه اراد اللحن الذي هو في الخطابة ، وانما اراد الشاعر لحن القول من قول الله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٤٧ / ٣٠). ـ وقد افتخر الكعبي في «مقالاته» بالجاحظ ، وزعم انه كناني. ولو كان كنانيا من ولد كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس ابن مضر بن اياد بن معد بن عدنان ، لما تعصب للقحطانية على العدنانية (٦).

وكتاب آخر في «فضل الموالي على العرب». وسجن هذين الكتابين بما قيل في هجو العدنانية / وسائر العرب ، فصار مثله في ذلك كمثل بن بسام في هجائه ابيه ، حتى قال فيه الحطيئة (٧) :

من كان يهجو اباه

فشعره قد كفاه

لو انه من ابيه

ما كان يهجو اباه

__________________

(١) سجن بمعنى اخفى.

(٢) هذا المثل : «من كان في اصله لئيما ... غيره» غير وارد في كتاب الفرق.

(٣) في المخطوط : واقصى.

(٤) في المخطوط : إليها.

(٥) في كتاب الفرق ط. بدر ص ١٦٢ ، ط. الكوثري ص ١٠٧ ، وط. عبد الحميد ص ١٧٧ : «بالغث».

(٦) الكلام من «ثم انه لحن في هذين الكتابين ... العدنانية» غير وارد في كتاب الفرق.

(٧) في المخطوط ححطه ، وهذا مبهم. ابن بسّام هو علي بن محمد بن ناصر بن منصور ابن بسّام الكاتب ، توفي سنة ٣٠٢ ه‍.

١٢٥

وهو في الجملة كما قال فيه الشاعر العدناني التميمي (١) :

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا

ما كان الا دون قبح الجاحظ

ندل (٢) ينوب عن الجحيم بنفسه

وهو القذى في كلّ طرف لاحظ

ذكر الخياطية منهم

هؤلاء اتباع ابي الحسين الخياط (٣) ، استاذ الكعبي قبل خلافه اياه.

وقد شارك الخياط القدرية في اكثر بدعها ، وزاد عليها ما لم يسبق إليه في المعدوم. وذلك ان القدرية اختلفت في تسمية المعدوم شيئا ، فمنهم من سماه معلوما ومذكورا ولم يسمه شيئا ولا جوهرا ولا عرضا. وهذا القول موافق / اهل السنة في المعدوم. ومنهم من سماه شيئا ولم يسمه جوهرا ولا عرضا ، وبه قال الكعبي. وزعم الجبائي وابنه ان المعدوم في حال عدمه شيء ، وان الجوهر جوهر والعرض عرض ، والسواد سواد ، والبياض بياض قبل حدوثه ، وكذلك الحرارة والبرودة ، واجريا على المعدوم في حال عدمه كل وصف يستحقه عند وجوده لنفسه او لجنسه. وامتنع هؤلاء من تسمية المعدوم جسما. وزعم هشام الفوطي (٤) ان المعدوم الذي لا يحدث قط ليس بشيء ، وما عدم بعد حدوثه شيء في حال عدمه (٥).

__________________

(١) لم يأت ذكر «العدناني التميمي» في كتاب «الفرق» انظر ط. بدر ص ١٦٣ ، ط. الكوثري ص ١٠٧ ط. عبد الحميد ص ١٧٨ ، ومختصر الفرق ص ١١٨

ملاحظة : اجمالا كل ما ذكر عن الجاحظ هنا جاء ذكره في كتاب «الفرق» مع بعض الاختلاف في الاسلوب ؛ ولكن جاء هنا بعض البيانات الغير واردة في كتاب «الفرق» كما اوضحنا ذلك في حينه.

(٢) في مختلف طبعات كتاب «الفرق» جاء : «رجل». (انظر المراجع المذكورة في الرقم ١).

(٣) هو ابو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط ، ذكره ابن المرتضى في رجال الطبقة الثامنة ، وقال عنه : استاذ ابي القاسم البلخي عبد الله بن احمد ، وكان ابو علي يفضل البلخي على استاذه ، وله كتب كثيرة في النقض على ابن الراوندي. وكان ابو الحسين فقيها صاحب حديث ، واسع الحفظ لمذاهب المتكلمين (طبقات المعتزلة ص ٨٥).

(٤) الكلام الخاص بهشام الفوطي هنا غير وارد في كتاب «الفرق».

(٥) في المخطوط : عدومه.

١٢٦

وخرج الخياط عن قول الجميع بزعمه ان المعدوم جسم ان كان في حدوثه جسما. وقال لكل صفة يصح كونه عليها في حال حدوثه فتلك الصفة ثابتة له في حال عدمه ، ولم يسمه في حال عدمه متحركا / لأنه لا يصح ان يكون في حال حدوثه متحركا.

وهذه الفرقة من المعتزلة يقال لها المعدومية. وهذا اللقب لائق بهم.

ذكر الكعبية منهم

هؤلاء اتباع ابي القاسم الكعبي (١) الذي كان خاطب ليل (٢) يدّعي في كل شيء وهو خال من كل شيء.

وقد خالف الكعبي البصرية من القدرية في امور ، منها ان البصرية زعمت ان الله يرانا ولا يرى نفسه. وزعم الكعبي انه لا يرى نفسه ولا غيره الا على معنى العلم بنفسه وبغيره.

ومنها ان البصرية قالت ان الله سامع الكلام والاصوات على الحقيقة ، لا على معنى العلم بها ، وزعم الكعبي والبغداديون من القدرية ان الله انما يسمع بمعنى يعلم المسموع.

ومنها ان البصرية قالت بان الله مريد بإرادة ليست هي امره ، كما / قاله اهل الصفات. وزعم الكعبي انها ليست لله تعالى إرادة. وقال : اذا قلنا انه اراد فعل غيره فمعناه انه قد امر بذلك الفعل. وقد اكفرته البصرية بذلك ، لانه اذا قال ان فعل الله تعالى واقع منه بغير إرادة واختيار ، فهو بمنزلة من قال بوقوع الفعل من الطبع بغير اختيار.

ومنها انه صار الى قول من أوجب الاصلح في التكليف وغيره ، ولم يوجبه البصريون منهم الا في التكليف.

__________________

(١) هو ابو القاسم عبد الله بن احمد بن محمود البلخي الكعبي (انظر «طبقات المعتزلة» لابن المرتضى ص ٨٨).

(٢) في المخطوط : خاطب ليلي : وهو صح أيضا.

١٢٧

ومنها ان البصرية قالت بان الاستطاعة معنى غير السلامة وصحة البدن ، وزعم الكعبي انها صحة البدن وسلامته من الآفات.

وذكر بعض البصريين في كتابه ان الكعبي انفرد بعشر مسائل اكفره بها اصحاب الجبائي وابنه ، واكفرهما في خلافه. واهل السنة يكفرون الجميع بحمد الله ومنه (١).

ذكر الجبائية منهم

هؤلاء اتباع ابي علي الجبائي (٢) الذي اغوى اهل الاهواز واهل عسكر مكرم (٣). واكرم الله عزوجل شيخنا أبا الحسن (٤) عند خذلانه الجبائي. وذلك انهما (٥) كانا على بدعة واحدة.

ثم ان أبا الحسن رحمه‌الله اقتفى آثار الامام الموفق زكريا بن يحيى الساجي

__________________

(١) هذه الفقرة الأخيرة غير واردة في كتاب «الفرق».

(٢) هو أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن ابان ، الجبائي ـ نسبة الى جبى بضم الجيم وتشديد الباء ، وهي بلد من اعمال خوزستان في طرف من البصرة والأهواز ـ البصري ، شيخ المعتزلة وابو شيخها عبد السلام ابي هاشم ، وهو عندهم الذي سهل علم الكلام ويسره وذلّله. وكان بعد ذلك فقيها ورعا زاهدا ، لم يتفق لأحد من اذعان سائر طبقات المعتزلة له والاقرار له بالتقدم والرئاسة بعد ابي الهذيل العلاف مثل ما اتفق له. تلقى الاعتزال على ابي يعقوب الشمام ولقي غيره من متكلمي زمانه. وكان من حداثة سنه معروفا بقوة الجدل ، توفي في سنة ٣٠٣ ه‍ (العبر ٢ / ١٢٥ ، طبقات المعتزلة ص ٨٠ ـ ٨٥ ، وابن خلكان الترجمة رقم ٥٧٩ ـ وشذرات الذهب ٢ / ٢٤١).

(٣) جاء في كتاب الفرق (الكوثري ص ١١٠ ، ط. عبد الحميد ص ١٨٣ ، ط. بدر ص ١٦٧ ومختصر الفرق ص ١٢١) «الذي أضلّ اهل خوزستان».

(٤) ابو الحسن «الاشعري» ـ لقد تخرج ابو منصور البغدادي في علم اصول الدين على الطريقة الاشعرية على الاستاذ ابي اسحاق الأسفرايني المتوفى سنة ٤١١ ه‍ وهو تخرج في ذلك على الامام ابي الحسن الباهلي المتوفى سنة ٣٧٠ ه‍ كما في «عيون التواريخ». وهو تخرج في علم اصول الدين على الامام ابي الحسن الاشعري» (انظر طبعة الكوثري لكتاب الفرق بين الفرق للبغدادي ص ٧).

(٥) المقصود هنا اهل الاهواز واهل عسكر مكرم.

١٢٨

صاحب كتاب «اختلاف العلماء في اصول الدين وفروعه» ، فاثبت الله قدمه ورفع علمه ورزقه من الاتباع ما لم يرزق احدا من المسلمين مثله (١). ودار بينه وبين الجبائي مسائل تعرف بالحصينات (٢) ، بيّن بها ضلالات الجبائي بتسمية الاله مطيعا للعبد اذا فعل مراد عبده ، والتزم في ذلك قياسه في قوله ان الطاعة موافقة الإرادة. وسماه أيضا محبلا للنساء لخلق الحبل فيهن ، وهذه البدعة توقع الناس / باحبال مريم وحدها. فتعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

ومن ضلالاته أيضا ان كلام الله عزوجل عرض يوجد في امكنة كثيرة وفي مكان بعد مكان ، من غير ان يعدم عن مكانه الاول ، ثم يحدث في الثاني (٣).

ذكر البهشمية منهم

هؤلاء اتباع ابي هاشم الجبائي (٤) ، واكثر معتزلة عصرنا على ضلالته ، لدعوة ابن عباد (٥) إليها في ايام وزارته لآل بويه. وقد شارك ابو هاشم القدرية في معظم

__________________

(١) الكلام ابتداء من «ثم ان أبا الحسن ... الى من المسلمين مثله» غير وارد في كتاب «الفرق بين الفرق» (راجع ط. الكوثري ص ١١٠ ، عبد الحميد ص ١٨٣ ، ط. بدر ص ١٦٧ ومختصر الفرق ص ١٢١).

(٢) لم يرد هذا اللفظ في كتاب «الفرق» (ذات المراجع المذكورة في رقم ١).

(٣) ذكر ضلالات الجبائي جاء هنا مختصرا ، ولكن البغدادي توسع في هذه البدع في كتاب «الفرق» (المصادر المذكورة في رقم ١).

(٤) هو ابو هاشم ، عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي ، قدم ابن المرتضى ذكره على جميع رجال الطبقة التاسعة من طبقات المعتزلة مع تأخره عنهم في السن لتقدمه في العلم ، وحكى عنه انه لم يبلغ غيره مبلغه في علم الكلام ، وكان من شدة حرصه يسأل اباه أبا علي حتى يتأذى به ، وكان يسأله طول نهاره ما قدر ، فاذا كان في الليل سبق الى موضع مبيت ابيه لئلا يغلق دونه الباب. فاذا استلقى ابو علي على سريره وقف ابو هاشم بين يديه يسأله حتى يضجره ، فيحول وجهه عنه ، فيتحول الى جهة وجهه ، فلا يزال كذلك حتى ينام ؛ وربما سبق ابو علي فأغلق على نفسه الباب دونه. وقد خالف ابو هاشم اباه في جملة من المسائل ، كان خالف ابوه استاذه أبا الهذيل في مسائل. ومات أبو هاشم بن الجبائي ببغداد في شهر شعبان من سنة ٣٢١ ه‍ (طبقات المعتزلة ص ٩٤ ـ ٩٦ ـ وكتاب العبر ٢ / ١٨٧).

(٥) هو ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن احمد بن ادريس الطالقاني ،

١٢٩

كفرها ، وانفرد عنها بمخازي لم يسبق إليها : منها قوله باستحقاق الذم لا على ذنب ، وذلك انه زعم ان القادر منا يجوز ان يخلو من الفعل والترك (١) ، وهو غير ممنوع.

وكان اصحابنا قد الزموا المعتزلة التسوية بين الاوقات المحصورة بغير حصر ونهاية في تقدم الاستطاعة / على الفعل ان جاز تقدمها عليه وقتا واحدا واوقاتا محصورة. فرأى ابو هاشم توجه الالزام عليهم ، فسوى بين الأمرين ، واجاز ان يبقى (٢) المستطيع ابدا مع بقاء استطاعته وتوفر آلاته ، وارتفاع الموانع عنه خاليا من الفعل والترك. ـ فقيل له : أرأيت لو كان هذا القادر مأمورا منهيا ، ولم يفعل فعلا ولا تركا ، ما ذا يكون حاله؟ ـ فقال : يكون عاصيا ، مستحقا للذم والعقاب ، لا على فعل ، لانه لم يفعل ما امر به مع قدرته عليه وتوفر آلاته وارتفاع الموانع منه. ـ فقيل له : كيف صار مستحقا للعقاب ، بان لم يفعل ما امر به؟ وهلا استحق المدح والثواب بان لم يفعل ما نهي عنه؟ ـ

وكانت المعتزلة قبله يكفرون اهل السنة في قولهم ان الله عزوجل يعذب الكافر على كسبه الكفر الذي / هو من خلق الله تعالى. وزاد تكفيرهم لابي هاشم على قوله بان الله يعذب العاصي له على فعل يكتسب ، ولا محدث منه.

ثم انه مع هذه الجملة التي قدرناها عليه قال : لو قدرنا ان هذا المكلف

__________________

الملقب بالصاحب. وقال عنه ابن خلكان : نادرة الدهر ، واعجوبة العصر في فضائله ومكارمه وكرمه. اخذ الأدب عن ابي الحسين احمد بن فارس اللغوي صاحب «كتاب المجمل في اللغة» واخذ من ابي الفضل بن العميد وغيرهما ... وهو أول من لقّب بالصاحب من الوزراء لانه كان يصحب ابن العميد. وقال الصابي في «كتاب التيجان» : انه قيل له الصاحب لانه صحب مؤيد الدولة بن بويه منذ الصبا وسماه الصاحب فاستمر عليه هذا اللقب واشتهر به ، ثم سمي به كل من ولي الوزارة بعده ... وكان مولده لاربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة ٣٢٦ ه‍ في اصطخر ، ويقال في الطالقان. وتوفي في ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة ، ٣٨٥ ه‍ بالري. ثم نقل الى اصبهان ، ودفن في قبة بمحلة تعرف بباب دزبة (ابن خلكان ، الترجمة رقم ٩٣ ، و «يتيمة الدهر» للثعالبي ٣ / ١٩٢ ـ ٢٩٠ بتحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ، و «معاهد التنصيص» ٥٥٠ بولاق).

(١) جاء في طبعة الكوثري ص ١١١ : والشرك. وفي ط. عبد الحميد ص ١٨٦ : والترك كما هو في المخطوط هنا.

(٢) في المخطوط : واجاز ان ينفى المستطيع ابدا مع نفاء استطاعته اما في «الفرق» (انظر رقم (١) هنا) : واجاز ان يبقى المستطيع ... وهو اصح واوضح.

١٣٠

تغير تغيرا قبيحا لاستحق بذلك قسطين من العذاب : احدهما للقبيح الذي فعله ، والثاني للحسن الذي لم يفعله ، وانه لو تغير تغيرا حسنا ، وفعل من مثل افعال الأنبياء عليهم‌السلام ، وكان الله قد امره بشيء فلم يفعله ، ولا فعل ضده ، كان مخلدا في النار.

والزمه اصحابنا في الحدود مثل قوله في القسطين ، حتى يكون عليه حدان : احدهما للزنا ، والثاني لما يفعله من ترك الزنا. وكذلك القول في حد القذف وشرب الخمر والقصاص. والزموه كفارتين عن الفطر في شهر رمضان / بالجماع : احدهما بفطره والثانية بان ما وجب عليه من الصوم. فلما توجه عليه هذا الالزام ارتكب ما هو اشنع منه ، فقال : انما نهي عن الزنا والشرب والقذف ، فاما ترك هذه الافعال فغير واجب عليه. والزموه القول بثلاثة اقساط واكثر الى ما لا نهاية له ، اثبت قسطين فيما هو متولد عنه ، قسطا لانه لم يفعل السبب. وقد وجدنا من المتولدات ما يتولد عن اسباب كثيرة يتقدمه ، كالاصابة المتولدة عن حركات كثيرة يفعلها في السهم عنده ، فكل حركة سبب لما يليها ، الى العاشر ثم العاشر سبب للاصابة. فيجب على اصله اذا امره الله تعالى بالاصابة فلم يفعل ، احد عشر قسطا : عشرة لانه لم يفعل تلك الحركات ، وواحد لانه لم يفعل الاصابة. ـ ومن اصله انه اذا كان / مأمورا بالكلام فلم يفعل ، استحق قسطين ، (قسطا) (١) لانه لم يفعل الكلام ، وقسطا لانه لم يفعل سبب الكلام ، ولو انه فعل ضد سبب الكلام لا يستحق قسطين ، وقام هذا عنده مقام السبب الذي لم يفعله. ـ فيقال له : هلا استحق ثلاثة اقساط : قسطا لانه لم يفعل الكلام؟ وذكر بعض اصحابنا انه كان لا يثبت القسطين الا في ترك سبب الكلام وحده. وقد نص في كتاب : «استحقاق الذم» على خلافه ، فقال كلاما نزل مخصوص محكمه حكم سبب العطية الواجبة كالزكاة والكفارة ، وقضاء الدين ، ورد المظالم. واراد بهذا ان الزكاة والكفارة وامثالهما لا يقع بجارحة مخصوصة ، ولا له ترك واحد مخصوص ، بل لو صلى او حج ، كان ذلك تركا للزكاة ، وللكلام سبب ، وتركه مخصوص ، فكان / تركه قبيحا. فاذا فعل ترك سبب الكلام

__________________

(١) لا بد من اضافة لفظ : «قسطا».

١٣١

استحق به قسطا ، وليس للعطية ترك قبيح. ـ فيقال له ان كان ترك الصلاة والزكاة ليس بقبيح ، وجب ان يكون حسنا ، وهذا خروج عن الدين. ثم انه لاجل هذه البدعة خالف الاجماع بفرقه بين الجزاء وبين الثواب والعقاب ، فاجاز ان يكون في الجنة ثواب كثير ، لا يكون جزاء ، وان يكون في النار عقاب كثير ، لا يكون جزاء ، لان القرآن ناطق بان الجزاء لا يكون الا على عمل وقد يكون عنده لا عقاب على ما لم يفعل (١).

ومن فضائحه قوله بالاحوال (٢). والجاءه إليها قول اصحابنا المعتزلة : هل فارق العالم منا من ليس بعالم لنفسه او لمعنى؟ ويطلب مفارقته اياه لنفسه للتجانس الواقع بين العالم والجاهل منا. وصح انه انما فارقه لمعنى وجب بذلك اثبات / ذلك المعنى لكل عالم. فزعم انه انما فارقه بحال لا موجودة ولا معدومة.

وقال بالاحوال في ثلاثة مواضع : احدها الموصوف الذي يكون موصوفا لنفسه بما يستحقه بحال يفارق بها غيره ، والثاني الموصوف بالشيء لمعنى يصير مختصا بذلك المعنى دون غيره بحال ، والثالث ما يستحقه لا لنفسه ولا لمعنى فيختص بهذا الوصف دون غيره عنده بحال. وزعم ان الاحوال لا معلومة ولا مجهولة ، ولا موجودة ولا معدومة ، ولا مذكورة. وقد ذكرها بلفظه ، فصار بذكره لها مناقضا قوله بها غير مذكورة. ـ وزعم ان احوال الباري عزوجل لا نهاية لها ، كما ان معلوماته ومقدوراته لا نهاية لها. وزعم انها ليست هي الباري ولا غيره.

ومن فضائحه قوله في التوبة (٣) ، انها لا تصح من قبيح (مع) / الاصرار على قبيح آخر يعلمه او يعتقده قبيحا ، وان كان حسنا. وان التوبة من العظائم

__________________

(١) كل ما ذكر الى هنا وارد في كتاب «الفرق» بذات المعنى ولكن باسلوب مختلف (انظر ط. بدر ص ١٦٩ ـ ١٧٣ ، ط. الكوثري ص ١١١ ـ ١١٣ ، ط. عبد الحميد ص ١٨٦ ـ ١٨٩).

(٢) القول بالاحوال هنا يقابل ما جاء في الفضيحة السادسة في كتاب «الفرق» (ط. الكوثري ص ١٧٧ ، ط. عبد الحميد ص ١٩٥ ، ط. بدر ص ١٨٠). والفضائح هنا غير مرقمة كما هو الحال في كتاب «الفرق».

(٣) القول الخاص بالتوبة هنا يقابل الفضيحة الثالثة في كتاب الفرق (ط. بدر ص ١٧٥ ، ط. الكوثري ص ١١٤ ، ط. عبد الحميد ص ١٩٠).

١٣٢

لا تصح مع الاصرار على منع حبّة واحدة عليه. ـ وسألناه (١) عن يهودي اسلم وتاب عن جميع القبائح ، غير انه اصر على منع حبة فضة غير مستحل لها. فزعم ان توبته على الكفر ما صحت ، وانه غير مسلم ، بل هو كافر باليهودية التي كان عليها. ثم انه قال انه ليس بيهودي ولا تائب من اليهودية. وهذه مناقضة ظاهرة.

ومن فضائحه في التوبة أيضا (٢) قوله : لا تصح التوبة عن شيء بعد العجز عنه ، وهذا يوجب ان لا يصح توبة الكاذب من كذبه بعد خرسه.

ومن فضائحه قوله باستحقاق الذم والشكر على فعل الغير (٣). وقال فيمن امر غيره بان يعطي الفقير شيئا ، فاعطاه ، استحق هذا الامر الشكر والثواب على نفس العطية التي هي فعل غيره. / وكذلك لو امره بمعصية ففعلها استحق الذم على ما هي فعل غيره. وليس هذا منه كقولنا. وقال اصحابه انه يستحق المدح او الذم على نفس المأمور به اذا وجدوا ثبت شكرا آخر وذما آخر على نفس الامر ، هذا مع انكاره علينا ثواب العبد على كسبه الذي هو خلق ربه.

ومن فضائحه المسألة المعروفة بالافادة (الإرادة) المشروطة (٤) ، وهي قوله : لا يجوز ان يكون شيء واحد مرادا من وجه مكروها من وجه. قال : لا يجوز ان يكون المريد الا مريدا للشيء بجميع وجوهه ولم ينفعه هذا لركوب ، فان المعلوم ينقض قوله ، لان الشيء يجوز ان يكون معلوما من وجه ومجهولا من وجه آخر. ولما ركب هذا الارتكاب في الإرادة جلب على نفسه ما فيه هدم اصله واصول المعتزلة ،

__________________

(١) جاء في «الفرق» (ط. الكوثري ص ١١٤ ، ط. عبد الحميد ص ١٩١ ، ط. بدر ص ١٧٦) : وقد سأله اصحابنا ...»

(٢) الكلام هنا يقابل ما جاء في الفضيحة الرابعة من كتاب «الفرق» (ط. الكوثري ص ١١٥ ، عبد الحميد ص ١٩١ ، ط. بدر ص ١٧٧).

(٣) الكلام الخاص باستحقاق الذم ... يقابل ما جاء في الفضيحة الثانية في كتاب «الفرق» (ط. الكوثري ص ١١٣ ، ط. عبد الحميد ص ١٨٩ ، ط. بدر ص ١٧٤).

(٤) الكلام الخاص بالافادة (الإرادة) المشروطة يقابل الفضيحة الخامسة في كتاب الفرق (ط. الكوثري ص ١١٥ ، ط. بدر ص ١٧٧ ط. عبد الحميد ص ١٩٢).

١٣٣

ولزما عليه ان يكون من القبائح العظام ما / لم يكرهه الله عزوجل ، ومن الحسن الجميل ما لم يرده ، ان السجود لله عبادة له ، يلزمه على اصله ان لا يلزمه عبادة الصنم ، والسجود للصنم قبيح ، وكذلك قول القائل : محمد رسول الله ، اذا اراد به الخبر عن محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. يجب على اصله ان يكرهه خبرا عن محمد آخر مع كون ذلك كفرا. ـ وقد ذكر (١) هذا كله في «جامعه الكبير» ونص فيه على ان السجود للصنم لم يكرهه الله عزوجل. واكفره اصحابه بذلك.

ومن فضائحه نفيه لجملة من الاعراض (٢) : كيفية (٣) البقاء ، والادراك ، واللذة والألم.

وزعم ان الألم يلحق الانسان عند المصيبة ، والألم الذي يجده عند شرب الدواء الكريه ليس بمعنى وليس هو اكثر من ادراك ما ينفر عنه الطبع ، والادراك ليس بمعنى عنده ، ومثله ادراك جواهر (أهل) (٤) النار في جهنم ، وغيرها. وليست / اللذة عنده معنى اكثر من ادراك المشتهى. والادراك ليس بمعنى. وزعم ان كل الم يحدث عنه الوهي فهو معنى ، كالالم عند الضرب. ويلزمه اذا نفى كون اللذة معنى ان لا يزيد لذات اهل الثواب في الجنة على لذات الاطفال التي نالوها بالتفضيل ، لانه لا يكون لا شيء اكثر من لا شيء.

ومن فضائحه في الفناء (٥) ان الله تعالى لا يقدر على ان يفني ذرة من العالم مع بقاء السموات والارض ، وبناه على اصله ان الجسم يفنى بفناء لا في محل يكون

__________________

(١) جاء «ذكرت» في المخطوط ، والصح : ذكر.

(٢) هذا يقابل ما جاء في الفضيحة السابعة في كتاب «الفرق» (ط. الكوثري ص ١١٨ ، عبد الحميد ص ١٩٦ ، ط. بدر ص ١٨٣).

(٣) هكذا في المخطوط.

(٤) ساقط لفظ (اهل) في المخطوط ، ولا بد منه لاستقامة المعنى ، وهو مذكور في كتاب الفرق (ط. الكوثري ص ١١٨ ، عبد الحميد ص ١٩٩ ، ط. بدر ص ١٨٣).

(٥) يقابل ما جاء في الفضيحة الثامنة في كتاب الفرق (ط. بدر ص ١٨٣ ـ ١٨٤ ، ط. الكوثري ص ١١٨ ، ط. عبد الحميد ص ١٩٧).

١٣٤

ضدا لجميع الاجسام. وحسبه من هذه الفضيحة دعواه ان الله تعالى يقدر ان يفني جملة لا يقدر على افناء بعضها.

ومن فضائحه قوله ان الطهارة (١) غير واجبة ، وذلك انه مع ابيه قالا ببطلان الصلاة في دار مغصوبة ، واجاز الوضوء بماء مغصوب ، وفرق بينهما بان الطهارة غير / واجبة ، وانما امر الله العبد ان يصلي اذا كان متطهرا. واستدل على ان الطهارة غير واجبة بان غيره لو طهره مع كونه صحيحا أجزأه. ثم طرد هذه الاعتدالة في الحج ، وزعم ان الوقوف والطواف والسعي غير واجب في الحج ، لانه يجزيا كل ذلك اذا فعله راكبا. واوجب الدعاء والاحرام في الحج. فجعل ما اوجبته الامة في الحج غير واجب ، وما لم توجبه الامة من الدعاء فيه واجبا. ويلزمه على هذا الاعتدال ان لا يوجب الزكاة والكفارة والنذور وقضاء الديون ، لان وكيله ينوب عنه فيها. وفي هذا ابطال احكام الشريعة ما اضمر غيره لقوله بما يؤدي إليه. ولو لا ابن عباد في وزارته دعا الاعمار الى بدعته لاضمحلت بدعته. والملحد يبصر الملحد ، وابن عباد ...

يقول :

/ صاحبنا احواله عالية

لكنما عرفته خالية

فان عرفت السر من حاله

لم تسأل الله سوى العافية (٢)

فهذه فرق الاعتزال التي اكفرت بعضها بعضا ، كقول الله تعالى في امثالهم (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) (المائدة ١٤).

واكثرهم يكفرون عامتهم المقلدين لهم (قسوة) لاتباعهم مع قول الله تعالى فيهم : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا (وَرَأَوُا الْعَذابَ) وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ.) (البقرة ١٦٦) (٣).

__________________

(١) يقابل ما جاء في الفضيحة التاسعة في كتاب «الفرق» (ذات المصادر المذكورة في رقم ٥ في الصفحة السابقة).

(٢) الكلام الخاص بابن عباد وكذلك شعره غير وارد في كتاب «الفرق».

وهنا ينتهي الكلام عن البهشمية ويبدأ الكلام عن المعتزلة اجمالا.

(٣) وردت الآية هنا في المخطوط ناقصة (ورأوا العذاب).

١٣٥

ومن مكابرات جمهورهم دعواهم ان الذي يقدر على ان يرتفع من الارض شبرا قادر على الصعود الى السماوات ، كل بقة او بعوضة قادرة على شرب ماء البحار والانهار ، وعلى قتل اهل السموات والارض. ويزعم اكثرهم ان الزنج والترك قادرون على افتراض مثل قصائد العرب وعلى معارضة القرآن بمثله وما هو افصح منه ، وان / المقيد المغلل قادر على طفر الانهار والصعود الى السماء. ومن لم يعد هذه مكابرة ولا وجه لانكاره مكابره السوفسطائية (١) ، وكان فيهم رجل يعرف بقاسم الدمشقي يزعم ان حروف الصدق هي حروف الكذب باعيانها. وان حروف قول القائل : لا إله الا الله ، هي حروف من قال لا إله الا المسيح. وان الحروف التي الفها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كلامه هي الحروف التي الفها الشيطان في تكذيبه ، وان الحروف التي في القرآن في كتاب زرتشت المجوسي ، وان لم يكن هذه مكابرة فلا مكابرة في قول اهل العناد من السوفسطائية (٢).

وذكر اصحاب التواريخ ان سبعة من زعمائهم اجتمعوا في مجلس وظهرت محاربهم في مسألة القدرة على الظلم والكذب ، فقيل للنظام : هل يقدر الله عزوجل على ان يكذب؟ فقال : لو قدر عليه لم يدر لعله قد / ظلم وكذب فيما مضى ، او لعله يظلم او يكذب في المستقبل ، ولم يكن لنا من ذلك امان الا من جهة حسن الظن به. فاما دليل مؤمن منه فلا ، لان الدليل لا يخرجه من القدرة عليه ، وما قدر عليه لم يؤمن وقوعه منه. فقال له الاسواري : يلزمك على هذا ان لا يقدر على ما علمه انه لا يفعله او اخبرنا به لا يفعله ، لانه لو قدر عليه لم يؤمن وقوعه منه فيما مضى ، او في المستقبل. ـ فقال له النظام : هذا لازم ، فما قولك فيه؟ قال : انا اسوي بينهما او اقول انه لا يقدر على الجور ولا على ما علم انه لا يفعله ، ولا على ما اخبرنا به لا يفعله ، وان كان فعل مثله عدلا منه. فقال ابو الهذيل للاسواري : ما تقول في فرعون ومن علم الله منهم

__________________

(١) الكلام الخاص بالزنج والترك الى ... السوفسطائية ، غير وارد في كتاب «الفرق».

(٢) ورد هذا الكلام عن قاسم الدمشقي في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٨٥ ، ط. الكوثري ص ١١٩ ، عبد الحميد ص ١٩٨).

١٣٦

انهم لا يؤمنون؟ هل كانوا قادرين على الايمان أم لا؟ فان قلت : انهم لم / يقدروا عليه. قلت بان الله بكلفهم ما لا يطيقون به ، وهذا عندكم كفر. وان قلت : انهم قادرون عليه ، فما يؤمنك ان يكون قد وقع من بعضهم ما علم الله منه انه لا يقع ، او اخبر بانه لا يقع على قوة اعتلالكم ، واعتلال النظام؟ وقالا لابي الهذيل : هذا لازم لنا. فما تقول انت؟ ـ فقال : اقول ان الله قادر على ان يجور ويكذب ، وعلى ما علم انه لا يفعله. فقالا له : أرأيت لو فعل الجور والكذب وما علم انه لا يفعله كيف كان يكون حال الدلائل التي دلت على ان الله عزوجل لا يجور ولا يكذب ولا يفعل ما علم انه لا يفعله؟ ـ فقال : هذا محال. ـ فقالا له : فكيف يكون المحال فعله مقدورا عليه؟ ولم أحلت هذا مع كونه مقدورا لله عزوجل عندك؟ ـ فقال : لانه لا يقع الا عن آفة ، ومحال دخول / الآفات على الله عزوجل. ـ فقالا له : ومحال أيضا ان يكون الله قادرا على ما لا يقع منه الا عن آفة تدخل عليه. فبهت الثلاثة. ـ فقال لهم بشر بن المعتمر : انا اقول ان الله تعالى قادر على ذلك كله. ـ فقالوا : أرأيت لو فعل ما قدر عليه من تعذيب الطفل ما كانت حال الدلائل التي دلت على ان الله لا يجور؟ ـ فقال : لو عذب الله الطفل جائرا عليه في تعذيبه ، لكان الطفل بالغا عاقلا ، عاصيا ، مستحقا للعذاب ، وكانت الدلائل بحالها في دلالتها على عدله. ـ فقالوا له : سخنت عينيك ، كيف يكون عادلا بفعل الجور؟ ـ فقال لهم المردار : انا اقول انه لو فعل الجور والكذب المقدورين له ، كان إلها ظالما ، كاذبا. ـ فقالوا له : كيف كان مستحقا للعبادة والمدح ، وهو بالظلم / والكذب يستحق الذم؟ ـ فقال لهم الأشبح (١) : انا اقول انه قادر على الجور والكذب ، ولو وقعا منه كانت الدلائل بحالها. ـ فقال له الاسكافي : أخطأت ، لان العدل لا ينقلب جورا والجور لا ينقلب عدلا ، ولكني اقول :

__________________

(١) جاء في ط. بدر ص ١٨٨ وفي ط. الكوثري ص ١٢١ وط عبد الحميد ص ٢٠٠ «الأشجّ» ويقول الكوثري في هامش ص ١٢١ : رقم ١ : هو من زعماء المعتزلة معاصر لبشر بن المعتمر.

١٣٧

لو فعل الجور والكذب ما كان العقل موجودا ، وكان واقعا لمجنون او منقوص. ـ فقالوا له : كأنك تقول انه انما يقدر على ظلم المجانين ولا يقدر على ظلم العقلاء. وافترقوا يومئذ على تكفير بعضهم بعضا. ولما انتهت نوبة الاعتزال الى الجبائي وابنه امسكا عن الجواب في هذه المسألة بنعم او لا (١).

وقال اصحاب ابي هاشم : من قال لنا هل يصح وقوع ما يقدر الله عليه من الظلم والكذب؟ ـ قلنا : يصح ذلك ، لانه لو لم يصح وقوعه منه لم يكن قادرا عليه ، لانه لا يقدر على المحال. ـ فان قال : فلم يجز (٢) / وقوع ذلك منه ـ قلنا : لعلمه بقبحه وغناه عنه. ـ فان قال : أرأيت لو وقع منه مقدوره من الظلم والكذب هل كان وقوع ذلك منه دليلا على جهله او حاجته؟ ـ قلنا : محال ذلك. لانا قد علمناه عالما غنيا. ـ فان قال : فهل يجوز ان يقال وقوع ذلك منه الا على جهله او حاجته؟ ـ قيل : لا يوصف بذلك من حيث عرفنا دلالة الظلم على جهل وحاجة بنفي ولا اثبات. ـ قلنا له : كذلك نقول.

فهؤلاء قد اقروا بالعجز عن الجواب في هذه المسألة ، ولو وفقوا للصواب ورجعوا الى قولنا بان الله عزوجل قادر على كل مقدور له لو وقع منه لم يكن جورا ، وحالوا عليه الكذب كما احلناه ليحصلوا من هذه الاكرام.

والحمد لله الذي انقذنا من ضلالاتهم التي صاروا من اجلها حيارى كاليهود والنصارى (٣).

ذكر فرق الضلال من المرجئة

ان المرجئة اليوم ثلاثة اصناف ، صنف منهم قد جمعوا بين الارجاء في الايمان وبين القدر ، على مذاهب المعتزلة ، كغيلان ، وابي شمر واتباعهما. فهؤلاء مرجئة قدرية جامعة بين كفري الأرجاء والقدر.

__________________

(١) الحوار المذكور هنا بين المعتزلة السبعة وارد في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٨٦ ، الكوثري ص ١١٩ ـ ١٢١ ، عبد الحميد ص ١٩٨ ـ ٢٠١).

(٢) في المخطوط : فلم يجوز.

(٣) ما جاء هنا في خاتمة الكلام عن المعتزلة ورد بذات المعنى في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٨٨ ـ ١٨٩ ، الكوثري ص ١٢١ ـ ١٢٢ ، عبد الحميد ص ٢٠٠ ـ ٢٠١).

١٣٨

وصنف منهم قالوا بالارجاء والجبر ، على مذهب جهم. فهم معدودون في الجهمية.

والصنف الثالث منهم مرجئة خالصة عن القدر والجبر ، وانما ضلت هذه الطائفة بالارجاء دون غيره. وهي فيما بينها خمس فرق ، تكفر بعضها بعضا. وهم : اليونسية ، والغسّانية ، والثوبانية ، والتومنية ، والمريسية.

واختلفوا في وجه تسميتهم ، فزعم الكعبي في «مقالاته» انهم مرجئة لتركهم القطع على عقاب من لم يتب عن كبيرة حتى / مات. وهذا خطأ منه ، لان الذين يرجون لاهل الكبائر من هذه المغفرة رجايته غير مرجئة. وانما المرجئة الذين اخروا العمل عن الايمان ، دليله قول الله تعالى ، فيما حكاه عن قوم فرعون ، انهم قالوا : ارجأه وآخره (١) ، اي أخره الى إن يجتمع السحرة عندك (٢). وقولي ارجأه بغيرهم ، وهو كالاول في المعنى. يقال منه ارجئت الامر وارجأته ، اي آخرته ، ودليله أيضا من السنة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا». قيل : «يا رسول الله ، من المرجئة؟» فقال : «الذين يقولون الايمان كلام». وفي هذا دليل على انهم (٣) المرجئة الذين اخروا العمل على الايمان.

ذكر اليونسية منهم

هؤلاء اتباع يونس بن عون الذي زعم ان الايمان في القلب واللسان ، وانه / هو المعرفة بالله تعالى ، والخضوع له ، والمحبة له ، والاقرار بانه واحد ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٤) ، ما لم يقم عليه حجة الأنبياء ، عليهم‌السلام. فان قامت عليهم حجتهم كالتصديق لهم ، ومعرفة ما جاء من عندهم في الجملة من الايمان. وليست معرفة تفضيل ما جاء من عنده ايمانا ، ولا من جملته. وقالوا : ليس كل خصلة

__________________

(١) جاء في المخطوط : ارجه واخاه ، وهذا خطأ من الناسخ.

(٢) لم يرد ذكر هذا القول عن قوم فرعون في كتاب «الفرق بين الفرق» ـ (راجع ط. الكوثري ص ١٢٢ وطبعة عبد الحميد ص ٢٠٢ ، ط. بدر ص ١٩٠) ولكن ورد قول النبي (ص) في كتاب «الفرق» : لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا.

(٣) ورد في المخطوط : ان.

(٤) سورة الشورى : مكية ١١.

١٣٩

من خصال الايمان ايمانا ، ولا بعض ايمان ، ومجموعها ايمان. ـ وحكى (١) بعض المقالات عن ابي شمر القدري مثل قول هؤلاء اليونسية في الايمان. وذلك غلط منه ، لان أبا شمر يقول بالقدر ، ويونس لا يقول به ، ويجمل المعرفة بان الله واحد ليس كمثله شيء مع الاقرار به ايمانا قبل حجة الرسول ، حتى يعرف كل ما يستخرج بالمعقول من عدل الاله ، واراد بعدله ما يذهب إليه / من القدر. ـ وزعم ان الشاك في ذلك كله او في بعضه كافر. وكذلك الشاك في تكفير الشاك. وليس هذا قول اليونسية.

ذكر الغسّانية منهم

هؤلاء اتباع غسّان المرجئ الذي التجى في الفقه الى محمد بن الحسن ، وزعم ان الايمان هو الاقرار والمحبة لله تعالى ، والتعظيم له ، وترك الاستكبار عليه. ـ وقال بانه يزيد ولا ينقص. ـ وفارق اليونسية بان كل خصلة من خصال الايمان سماه بعض الايمان. ـ وكان غسان يزعم ان قوله في الايمان كقول ابي حنيفة ، رحمه‌الله ، فيه. وهذا غلط منه ، لان أبا حنيفة قال ان الايمان هو المعرفة والاقرار بالله تعالى ، وبرسله ، وبما جاء من عندهما في الجملة ، ولا يزيد ولا ينقص ، وغسان يقول بزيادة الايمان (٢).

ذكر الثوبانية / منهم

هؤلاء اتباع ابي ثوبان المرجئ الذي قال ان الايمان هو الاقرار والمعرفة بالله تعالى وبرسله عليهم‌السلام ، وبكل ما يجب في العقل فعله ، وما جاز في العقل تركه ، فليست به من الايمان. وفارقوا الغسانية بايجابهم في العقل شيئا قبل ورود الشرع (٣).

__________________

(١) الكلام ابتداء من هنا الى آخر الفقرة غير وارد في كتاب «الفرق».

(٢) ما ورد هنا عن الغسانية يتفق مع ما ذكر عنهم في كتاب «الفرق» (انظر ط. بدر ص ١٩١ ، ط. الكوثري ص ١٢٣ ، ط. عبد الحميد ص ٢٠٣).

(٣) يتفق هنا الكلام عن الثوبانية مع ما جاء في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٩١ ، ط. الكوثري ص ١٢٤ ، ط. عبد الحميد ص ٢٠٤).

١٤٠