الملل والنحل

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الملل والنحل

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


المحقق: الدكتور ألبير نصري نادر
الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المشرق
الطبعة: ٣
ISBN: 2-7214-8039-1
الصفحات: ١٨٤

انه لا يكون مظاهرا. وزعم ان النوم كيفما كان لا ينقض الطهارة ، واحتج بابي موسى الأشعري في ذلك مع تفسيقه اياه في التحكيم. وزعم ان من ترك صلاة مفروضة او صلوات لم يلزمه قضاءها. وقد كفر سلف الامة من قال بذلك ، وفي التابعين من اوجب لفوات صلاة واحدة قضاء الف صلاة ، وبه قال سعيد ابن المسيب ، واوجب بعضهم بها قضاء صلوات يوم وليلة. وكان النظّام اضمر سقوط وجوب الصلوات ، فلم يجسر على اظهار هذه البدعة ، فاسقط القضاء ، لان سقوطه يوجب سقوط وجوب الاداء.

ـ ومن فضائح (١) النظام في المعاد قوله بان العقارب والحيات والخنافس والحشرات والكلاب تحشر الى الجنة ، ولا يكون لمن مات من / اطفال الأنبياء عليهم‌السلام عليها فضل في نعيم الجنة ، لانه لا عمل لهم كما لا عمل لها ، ولا يجوز التفضيل عنده الا من جهة العمل ، ولم يرض بالحجر على ربه في ذلك حتى زعم انه لا يقدر على تفضيل الاطفال على البهائم في نعيم الجنة. وقلنا انه ينبغي ان لا تغضب على من دعا لك فقال : حشرك الله الى مأوى الكلاب والخنازير والقرود ان كان جميع هؤلاء في الجنة عندك.

ـ ثم انه مع ضلالاته (٢) كان افسق خلق الله في زمانه ، وذكر القتيبيّ (ابن قتيبة) (٣) في كتاب «اختلاف الحديث» : انه كان يغدو على سكر

__________________

(١) هنا يبدأ كلام خاص بالفضيحة التاسعة عشرة حسب ترتيب المخطوط ، وهذه الفضيحة تقابل الفضيحة العشرين في كتاب «الفرق» (بدر ص ١٣١ ، الكوثري ص ٨٨ ، عبد الحميد ص ١٤٥).

(٢) الكلام ابتداء من «ثم انه مع ضلالاته كان افسق خلق الله الى النهاية» وارد في أواخر الفضيحة الحادية والعشرين في كتاب «الفرق» (انظر ط بدر ص ١٣٥ ـ ١٣٦ ، ط. الكوثري ص ٩١ ، عبد الحميد ص ١٤٩ ـ ١٥٠).

(٣) عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، الدينوري ويقال المروزي النحوي اللغوي ، ولد ابوه بمرو فلذلك يقال له المروزي ، وتولى قضاء الدينور ردحا من الزمان فلذلك يقال له الدينوري ، ويقال له أيضا القتيبي (كما هو وارد في المخطوط هنا) أو القتبي نسبة الى جده قتيبة ، ولد في مستهل رجب من سنة ٢١٣ وسكن بغداد مدة وحدث بها عن اسحاق بن راهويه. وقد توفي على الأرجح في منتصف رجب سنة ٢٧٦ (العبر ٢ : ٥٦ ـ فهرست ابن النديم ص ١٢١ ط. مصر).

١٠١

ويروح على سكر ، وأنشد من خمرياته قوله :

ما زلت آخذ روح الزّقّ في لطف

وأستبيح دما من غير مذبوح

حتّى انثنيت ولي روحان في جسدي (١)

والزّقّ مطروح (٢) جسم بلا روح

/ ومن كانت هذه بدعه كفاه بها خزيا.

ذكر الاسوارية منهم

كان علي الاسواري (٣) من اتباع ابي الهذيل على ضلالته ، ثم انتقل الى بدعة النظام وزاد عليه بدعة عظيمة ، وهي قوله ان الله تعالى لا يقدر ان يفعل ما علم انه لا يفعله. والسبب في ذلك انه قال يوما للنظام : هل يقدر الله تعالى على فعل الظلم والكذب؟ ـ فقال : لو كان قادرا عليهما (بذر) (٤) لعله قد ظلم او كذب فيما مضى ، او لعله يجوز أو يكذب في المستقبل ، ولم يكن لنا من جوره وكذبه امان الا من جهة حسن الظن به. واما دليل نومن منه ، فلا ، لان الدليل لا يخرجه من قدرته عليه (٥) ، ومتى قدر عليه صح ان يفعله. فقال له الاسواري : يلزمك على هذا الاصل ان لا يقدر على ان يفعل ما / علم او خبر بانه لا يفعله ، وان كان ذلك من حسن ما قد فعله في الصلاح ، وان اجزت قدرته على ذلك فما يؤمنك من فعله؟ فقال له النظام : هذا لازم من قولك فيه. فقال : انا اسوي بينهما فاقول انما لا يقدر على الجور والكذب ولا على ان يفعل ما علم انه لا يفعله. فاكفره النظام وابو الهذيل في ذلك ، واكفرهما.

__________________

(١) بدن («الفرق» ط. بدر ص ١٣٦ ، الكوثري ص ٩١ ، عبد الحميد ص ١٥٠).

(٢) مطّرح ، (في «الفرق» ـ ذات المراجع).

(٣) جاء في هامش ٢ لصفحة ١٥١ من طبعة عبد الحميد : «علي الاسواري كان من اصحاب ابي الهذيل واعلمهم ، ثم انتقل الى النظام ، وروى انه صعد بغداد لفاقة لحقته ، فلقي النظام ، فسأله : ما جاء بك؟ فقال : الحاجة. فأعطاه الف دينار وقال له : ارجع من ساعتك. فيقال ان النظام خاف ان يراه الناس فيفضلوه عليه (طبقات المعتزلة ص ٧٢).

(٤) هكذا في المخطوط. ويمكن حذف هذه الكلمة دون التأثير على المعنى.

(٥) عليه : الجور او الكذب. والاصح : عليهما.

١٠٢

وقال اصحابنا : لا فرق بين قول الاسواري ان الله لا يقدر على ترك ما نفع منه وبين قول من يزعم انه مطبوع على ما نفع منه ، لانه لا يتوهم منه تركه ، ولا فعل غيره (١).

ذكر الاسكافية منهم

هؤلاء اتباع ابي جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي (٢). والذي تفرد من البدع من سائر القدرية بقوله بان الله تعالى انما يوصف بالقدرة على ظلم / المجانين والاطفال ولا يقدر على العقلاء. فخرج عن قول النظام والاسواري بانه لا يقدر على الظلم بحال. وخرج عن قول المعتزلة البصرية بانه قادر على الظلم والكذب ،

__________________

(١) ما ذكر هنا في المخطوط اوسع مما جاء في كتاب الفرق (انظر «الفرق» ط. بدر ص ١٣٦ الكلام عن الاسوارية ساقط ؛ الكوثري ص ٩١ ، عبد الحميد ص ١٥١ ، حيث جاء : الاسوارية هم اتباع علي الاسواري وكان من اتباع ابي الهذيل ثم انتقل الى مذهب النظام وزاد عليه في الضلالة بان قال : ان ما علم الله ان لا يكون لم يكن مقدورا لله تعالى ؛ وهذا القول منه يوجب ان تكون قدرة الله متناهية ، ومن كان قدرته متناهية كان ذاته متناهية ، والقول به كفر من قائله.

وجاء في مختصر الفرق ص ١٠٩ : «الاسوارية اتباع علي الاسواري وكان من اتباع ابي الهذيل. ثم انتقل الى مذهب النظام وزاد عليه في الضلالة ـ جاء في كتاب طبقات المعتزلة تأليف احمد بن يحيى بن المرتضى ـ تحقيق سوسنة ديفلد ـ فلزر ـ بيروت ١٩٦١ م ص ٧٢ : «ومنها علي الاسواري ، قال ابو القاسم : وكان من اصحاب ابي الهذيل واعلمهم فانتقل الى النظام ، وروي انه صعد بغداد لفاقة لحقته ، فقال النظام : ما جاء بك؟ فقال : بحاجة. فاعطاه الف دينار وقال له : ارجع من ساعتك ؛ فقيل انه خاف ان يراه الناس فيفضّل عليه».

الاسواري هو ابو علي عمرو بن قائد الاسواري ، انظر المقريزي ٢ : ٣٤٦ ، وهو منسوب الى قرية من قرى اصبهان ـ الأسيوطي : «لب الألباب في تحرير الأنساب» (ليدن ١٨٤٠) ص ١٥ ، و «مراصد الاطلاع» ١ : ٦٤

(٢) جاء في هامش ٢ لصفحة ١٦٩ من طبعة عبد الحميد : «هو ابو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي ، ذكره ابن المرتضى في رجال الطبقة السابعة ، وقال عنه : كان الاسكافي خياطا ، وكان عمه وأمه يمنعانه من الاختلاف في طلب العلم ويأمرانه بلزوم الكسب. فضمه جعفر ابن حرب الى نفسه ، وكان يبعث الى أمه كل شهر عشرين درهما حتى بلغ ما بلغ. وروي عن أبي الحسين الخياط ان الاسكافي مات في سنة ٢٤٠ ه‍ (انظر طبقات المعتزلة ص ٧٨).

١٠٣

غير انه لا يفعلهما لعلمه بقبحهما ، وغناه عنهما. فجعل بين القولين منزلة لقوله انه (قادر) (١) على ظلم المجانين والاطفال ، ولا يقدر على ظلم العقلاء. وقد اكفره اصحابه في ذلك واكفرهم.

ومن بدع الاسكافي أيضا قوله : يجوز ان يقال ان الله خلق (الطاعة والمعارف) وان كان هو الخالق لها (٢).

وقد روى بعض المعتزلة في كتابه ان محمد بن الحسن رأى الاسكافي يوما راجلا ، فنزل له عن دابته. وهذا من كذب القدرية على محمد. وكيف يصنع محمد بن الحسن هذا الصنيع بمعتزلي اعاد الصلاة؟

كذلك / روى عنه هشام بن عبد الله الرازي ، وروى هو عن يحيى بن اليمن عن ابي يوسف القاضي انه سئل عن المعتزلة ، فقال لهم : زنادقة. وذكر الشافعي في كتاب «القياس» رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة (٣).

ذكر الجعفرية منهم

هؤلاء اتباع جعفرين ، احدهما جعفر بن حرب (٤) ، والآخر جعفر بن

__________________

(١) ناقص في المخطوط ؛ ولا بد من هذا اللفظ لتوضيح المعنى.

(٢) الكلام هنا مبهم ـ والقول هنا الخاص بان الله خلق الطاعة والمعارف ... غير وارد في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٥٥ ـ ١٥٦ ، الكوثري ص ١٠٢ ، عبد الحميد ص ١٦٩).

(٣) هاتان الروايتان الواردتان هنا باختصار مذكورتان بتوسع في كتاب «الفرق» (ذات المراجع المذكورة في رقم ٢).

(٤) هو ابو الفضل جعفر بن حرب ، ذكره ابن المرتضى في رجال الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة (انظر طبقات المعتزلة تحقيق سوسنة ديفلد فلزر ص ٧٣ ـ ٧٦) «وميزان الاعتدال» رقم ١٤٩٧ ، وقد جاء في هامش ١ لصفحة ١٦٧ من طبعة عبد الحميد لكتاب «الفرق» :

ـ جعفر بن حرب ، هو ابو الفضل ، ذكره ابن المرتضى في رجال الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة ، وذكر ان له كتبا كثيرة في الجلي من علم الكلام والدقيق ، ومن اخباره التي حكاها ابن المرتضى انه حضر مجلس الواثق العباسي للمناظرة. فحضر وقت الصلاة فقاموا لها وتقدم الواثق يصلي بهم ، فتنحى جعفر بن حرب فنزع خفيه وصلى وحده ، وكان اقربهم إليه يحيى بن كامل. فجعلت الدموع تسيل من عيني يحيى خوفا على جعفر من القتل ، قال : ثم لبس جعفر خفيه وعاد الى المجلس واطرق. ثم اخذوا في المناظرة ، فلما خرجوا قال له القاضي احمد بن ابي داود :

١٠٤

مُبَشّر (١) ، وهما صاحبا ابي موسى المردار (٢). ـ والعصا منها العصية ، ولا تلد الحية الا الحية (٣).

فاما ابن مبشر ، فانه كان مع كفره في القدر ، زعم ان في فساق هذه الامة من هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة ، هذا مع قوله ان الفاسق لا مؤمن ولا كافر. فجعل من ليس بكافر شرا من الكافر ، والموحد شرا من الثنوي.

وزعم أيضا ان اجماع الصحابة على جلد / شارب الخمر خطأ ، لانهم اجمعوا عليه برأيهم. وشارك بهذا الخوارج في اسقاط حد الخمر ، وقد اجمعت الامة قبله على تكفير من اسقط حد الخمر ، كما قالوا بتكفير من اسقط الرجم (٤) ،

__________________

ان هذا (يريد الواثق) لا يحتملك على هذا الفعل ، فان عزمت عليه فلا نحضر مجلسه. فقال جعفر : ما اريد الحضور لو لا انك تحملني عليه. فلما كان المجلس الثاني نظر الواثق ثم قال : اين الشيخ الصالح؟ فاعتذر عنه ابن ابي داود. ولم يحضر جعفر مجلسه بعد ذلك (طبقات المعتزلة ص ٧٣ ـ ٧٦ ، ميزان الاعتدال رقم ١٤٩٧).

(١) هو ابو محمد جعفر بن مبشر الثقفي ، ذكره ابن المرتضى في رجال الطبقة السابعة مع جعفر بن حرب (انظر طبقات المعتزلة ص ٧٦ ـ ٧٧).

وقال ابن المرتضى عنه : بلغ في العلم والعمل هو وجعفر بن حرب حتى كان يضرب بهما المثل فيقال : علم الجعفرين وزهدهما. وذكر ان الواثق قال يوما لابن ابي دؤاد : لم لا تولي اصحابي (يريد المعتزلة) القضاء كما تولى غيرهما؟ فقال : يا امير المؤمنين ان اصحابك يمتنعون من ذلك ، وهذا جعفر بن مبشر وجهت إليه بعشرة آلاف درهم فأبى ان يقبلها. فذهبت إليه بنفسي واستأذنت ، فأبى ان يأذن لي ؛ فدخلت إليه بغير اذن ، فسل سيفه في وجهي وقال : الآن حلّ لي قتلك. فانصرفت عنه. فكيف أولي مثله القضاء؟ (طبقات المعتزلة ص ٧٦ ـ ٧٧ ، ميزان الاعتدال رقم ١٥١٧).

(٢) لم يذكر ذلك في «كتاب الفرق».

(٣) جاء ذكر هذا المثل في «كتاب الحيوان» للجاحظ ١ : ٤ (طبعة مصر سنة ١٣٢٣ ه‍).

(٤) قال بعض الفقهاء ان «الخمر» اي عصير العنب هو المحرم ، اما «النبيذ» او «الشراب» وهو عصير غير العنب كالتفاح والتمر فشربه حلال. راجع goldziher : ledogme ـ ص ٥٤ ـ والخمر النيء هو عصير العنب اذا لم يطبخ على النار بل ترك يختمر لنفسه. اما عصير العنب اذا عولج على النار فله احكام خاصة.

«كما قالوا بتكفير من اسقط الرجم» غير وارد في «الفرق» اما ما يتعلق بشارب الخمر فقد ورد في كتاب «الفرق» (انظر الفرق ط. بدر ص ١٥٣ ، الكوثري ص ١٠١ ، عبد الحميد ص ١٦٨).

١٠٥

وانما اختلفوا في حد شارب النبيذ اذا لم يسكر منه ، فقد وجب عليه الحد عند فريقي الرأي والحديث (١).

وزعم هذا المبتدع أيضا : من سرق حبة وما دونها فهو فاسق مخلد في النار ، منخلع من الايمان. وخالف بذلك اسلافه الذين قالوا بغفران الصغائر مع اجتناب الكبائر (٢).

وزعم أيضا ان رجلا لو بعث الى امرأة رسولا (٣) ليتزوجها فجاءته ، فوطئها من غير عقد لم يكن عليه حد ، وكان وطئه اياها طلاقا اذا كانت نيته انه انما احضرها على سبيل النكاح. وقال بعض المعتزلة انه انما اسقط / الحد عن المرأة وانه اوجبه على الرجل لانه زان. وهذا القائل جاهل بان المطاوعة للزاني زانية. وانما اختلف الفقهاء فيمن اكره امرأة على الزنا : فاوجب الشافعي عليه الحد دونها ، واوجب لها مهر مثلها ، وعليها العدة. واوجب غيره الحد عليه واسقط المهر. ولم يسقط احد من السلف الحد عن المطاوعة في الزنا ، كما اسقط بن مبشر. وكفاه بهذا خزيا.

واما جعفر بن حرب فانه جرى على ضلالات المردار ، وزاد عليه قوله بان بعض الجملة غير الجملة (٤) وان يد الانسان غير الانسان. ويلزمه على هذا ان تكون الجملة غير نفسها لان كل بعض لها (هو) غيرها عنده (٥).

__________________

(١) فريق اهل الرأي من الفقهاء هم مجتهدو العراق ، وفريق أهل الحديث مجتهدو الحجاز (الشهرستاني الملل ٢ : ٤٥ ـ ٤٦).

(٢) الكلام هنا متفق مع ما جاء في كتاب «الفرق» (ذات المراجع التي في رقم ٤ من الصفحة السابقة).

(٣) لم يأت ذكر «رسول» في كتاب «الفرق» (انظر الفرق ط. بدر ص ١٥٤ ، الكوثري ص ١٠١ ، عبد الحميد ص ١٦٨).

(٤) يريد : ان بعض الجملة هو غير الجملة.

(٥) هذا الكلام مختصر لما جاء في كتاب «الفرق» (ذات المراجع التي في رقم ٣).

١٠٦

ذكر البشرية منهم

هؤلاء اتباع بشر بن المعتمر (١). وقد كفره سائر المعتزلة / بامور ، واكفره اصحابنا بامور سواها. فما اكفرته المعتزلة في قوله بان الله تعالى قادر على لطف لو فعله بالكافر لآمن طوعا. واكفروه بقوله ان الله لو خلق العقلاء ابتداء في الجنة والنعيم وتفضّل بذلك عليهم لكان ذلك اصلح لهم. واكفروه في قوله ان الله لو علم من عبده انه لو ابقاه لآمن ، لكان ابقاؤه اياه اصلح له من ان يميته كافرا. واكفروه في قوله ان الله لم يزل مريدا ، وفي قوله ان الله اذا علم حدوث الشيء ولم يمنع منه ، فهو مريد لحدوثه.

وهذه المسائل الخمس التي اكفره فيها البصريون فان الحق فيها عندنا مع بشر ، والمكفر فيها له فهو الكافر دونه (٢).

ونحن نكفر بشرا في امور منها قوله ان الله تعالى ما اولى مؤمنا في حال ايمانه ولا عادى كافرا في حال كفره. وهذا خلاف / قول الجميع ، لأن اصحابنا قالوا ان الله تعالى لم يزل مواليا لمن علم انه يكون عند وجوده وليا له ، ومعاديا لمن علم انه اذا خلقه وأماته يموت كافرا. واما اسلاف المعتزلة فانهم قالوا ان الله لا يولي احدا قبل وجود معصيته ، وانما يكون مواليا للعبد في حال وجود الطاعة ،

__________________

(١) هو ابو سهل ، بشر بن المعتمر ، الهلالي ، من اهل بغداد ، وقيل : بل من أهل الكوفة. ولعله كان كوفيا ثم انتقل الى بغداد ، وهو رئيس معتزلة بغداذ ـ وله قصيدة اربعون الف بيت ردّ فيها على جميع المخالفين ـ وقيل للرشيد انه رافضي فحبسه ، فقال في الحبس شعرا (من الرجز) :

لسنا من الرافضة الغلاة

ولا من المرجئة الحفاة

لا مفرطين بل نرى الصّديقا

مقدّما والمرتضى الفاروقا

نبرأ من عمرو ومن معاوية.

الى آخر ما ذكره ، فلما بلغت الرشيد افرج عنه (طبقات المعتزلة ، تحقيق سوسنة ديفلد ـ فلزر ، ص ٥٢ ـ ٥٤).

(٢) الكلام الى هنا مطابق لما جاء في كتاب «الفرق» (انظر كتاب «الفرق» ط. بدر ص ١٤١ ـ ١٤٢ ، ط. الكوثري ص ٩٥ ، ط. عبد الحميد ص ١٥٦).

١٠٧

ومعاديا له عند وجود المعصية منه. وخرج بشر عن القولين ، فزعم انه يواليه في الحال الثالثة من وجود طاعته ، ويعاديه في الثاني من حال وجود كفره.

وقال : لو جاز ان يوالي او يعادي العبد في حال وجود ايمانه او كفره لجاز ان يثيبه او يعاقبه في حال وجود ايمانه او كفره. وقد قال اصحابنا ان ذلك جائز عندنا ، وانما يتوجه الزامه على من اوجب من المعتزلة / تأخير الثواب والعقاب عن العمل.

والفضيحة الثانية من فضائح بشر افراطه في التولد في قوله ان الانسان يصح ان يخلق لونا وطعما ورائحة وسمعا ورؤية بالتولد اذا فعل اسباب هذه المعاني. وكذلك قوله في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. واكفره اكثر المعتزلة بذلك.

والفضيحة الثالثة له قوله بان الله تعالى يغفر للعاصي ذنبه ، ثم يعود فيما غفر له فيعذبه عليه اذا عاد الى معصيته. فسئل على هذا عن كافر تاب عن كفره ثم شرب الخمر بعد اسلامه من غير استحلال وعافصه الموت قبل توبته من الخمر. فزعم ان الله تعالى يعذبه في القيمة (القيامة) على الكفر الذي قد تاب منه. فقيل له : يجب على هذا ان يكون عذاب العاصي من اهل ملة الاسلام مثل عذاب الكافر. فالتزم ذلك.

والفضيحة الرابعة انه / قال ان الله قادر على ان يعذب الطفل ظالما في تعذيبه اياه ، ولو فعل ذلك لكان الطفل بالغا عاصيا مستحقا للعقاب. وهذا في التقدير كأنه يقول انه قادر على ان يظلم ويكذب ، ولو ظلم وكذب لكان عادلا صادقا ، فينتقض بآخر كلامه اوله.

والفضيحة الخامسة له في الدقائق ، قوله بان الحركة تحل في المتحرك وليس هو في المكان الاول ، ولا في الثاني ، ولكن الجسم يتحرك بها من الاول الى الثاني. وهذا خلاف قول الجميع ، لان منهم من قال ان الحركة توجد والجسم في المكان الاول ، وبها ينتقل عنه الى الثاني. وهذا قول النظام وابن بشر. ومنهم من قال انها توجد فيه وهو في المكان الثاني ، وهذا قول ابي الهذيل والجبائي وابنه وشيخنا ابي الحسن الاشعري / رحمه‌الله. ومنهم من قال : الحركة كونان (١) يختلفان في

__________________

(١) جاء في المخطوط : لونان.

١٠٨

الجسم ، احدهما يحل فيه وهو في المكان الاول ، والثاني يحل فيه وهو في المكان الثاني. وهذا قول ابن الراوندي وابي العباس القلانسي. وزعم بشر انها تحل فيه لا في المكان الاول ، ولا في الثاني ، وليس بين الحالين واسطة. وهذا قول لا يعقله هو عن نفسه ، فكيف يعقله عنه خصمه (١)؟

ذكر المردارية (٢) منهم

هؤلاء اتباع المعروف بابي موسى المردار ، وكان قد افتتح دعوته بان قال لاتباعه ان الناس قادرون على مثل القرآن وعلى ما هو احسن منه نظما. وفي هذا ابطال اعجاز القرآن.

ثم قال بتكفير من لابس السلطان (٣) في زمانه ، وزعم انه لا يرث ولا يورث. وكيف / غفل سلطانه في زمانه عن قتله على هذه البدعة؟!

وزعم أيضا ان الله تعالى قادر على ان يظلم ويكذب ، ولو فعل ما قدر عليه من الظلم والكذب لكان إلها ظالما كاذبا.

وحكى عنه صاحبه ابو زفر انه اجاز وقوع فعل واحد من فاعلين على

__________________

(١) الفضائح الخمس المذكورة هنا في المخطوط ، واردة بذات الترتيب في كتاب «الفرق» مع بعض الاختلاف في التعبير فقط (انظر الفرق ط. بدر ص ١٤٢ ـ ١٤٥ ، الكوثري ص ٩٥ ـ ٩٦ ، عبد الحميد ص ١٥٧ ـ ١٥٩) اما ما جاء في «مختصر الفرق» للرسعني عن البشرية فانه موجز جدا وبعض المسائل غير واردة فيه (مختصر الفرق ص ١١٠ ـ ١١١) فكأن ما جاء في كتاب «الفرق» ما هو الا تكرار لما ذكر في كتاب «الملل والنحل» مع بعض الاختلاف في التعبير بينما الأفكار هي هي.

(٢) المردارية هم اتباع ابي موسى عيسى بن صبيح ، ولقبه المردار ، وفي «طبقات المعتزلة» (ابن المردار). قال ابن الاخشيد : هو من علماء المعتزلة ومن المقدمين فيهم ، وكان ممن اجاب بشر بن المعتمر ، ومن جهة ابي موسى انتشر الاعتزال في بغداد. ويقال انه كان من احسن عباد الله قصصا ، وافصحهم منطقا ، واثبتهم كلاما (طبقات المعتزلة ٧٠ ـ ٧١) وقال الشهرستاني : عيسى بن صبيح الملقب بالمردار. وقد تلمذ لبشر بن المعتمر ، واخذ العلم عنه ، وتزهد ، ويسمى راهب المعتزلة. ثم ذكر ما انفرد به عنهم (الملل ١ / ٦٨ ـ ٦٩).

(٣) في المخطوط : الشيطان ـ وفي كتاب «الفرق» : «السلطان» (ط. بدر ص ١٥١ ، الكوثري ص ١٠٠ ، عبد الحميد ص ١٦٥).

١٠٩

التولّد ، مع انكاره على اهل السنة قولهم يجوز فعل من فاعلين ، احدهما خالق والآخر مكتسب.

وزعم ان من اجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر بالله ، والشاك في كفره كافر ، وكذلك الشاك في الشاك لا الى نهاية. والباقون من المعتزلة (انما قالوا بتكفير من اجاز الرؤية على جهة) (١) المقابلة او التحديد او اتصال الشعاع به. والمثبتون للرؤية يكفرون منكرا بها ، وهم في هذا التكفير اكثر عددا واعز نفرا.

ومن فضائح المردار انه لما حضرته / الوفاة اوصى بان يتصدق بماله ولا يدفع شيء منه الى ورثته ، واعتذر بعض اصحابه عنه بانه كان في ماله شبه ، وللمساكين فيه حق قد خانهم فيه ، فلذلك اوصى به لهم. وفي هذا اقرار منهم بانه كان عاصيا او خائنا للمساكين ، فلزمهم الحكم باستحقاقه الخلود في النار على اصولهم في الوعيد ، وكفاه خزية (٢).

ذكر الهشامية منهم

هؤلاء اتباع هشام بن عمر الفوطي (٣) الذي حرم على الناس ان يقولوا : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (٤) ، مع ورود القرآن به. وزعم الخياط انه انما منع لفظ الوكيل فيه نطقا ، ولم يمنع منه كتابة. ومن العجب ان اسم الله تعالى يجوز ان

__________________

(١) الكلام بين الهلالين ناقص في هذا المخطوط ووارد في كتاب «الفرق» (انظر ط. بدر ص ١٥٢ ، الكوثري ص ١٠٠ ، عبد الحميد ص ١٦٦) ولا بد منه لاستقامة المعنى.

(٢) ما ذكر هنا من فضائح المردارية مطابق في المعنى لما جاء في كتاب «الفرق» (ذات المراجع التي ذكرت في رقم ١ وفي رقم ٢).

(٣) هو هشام بن عمرو ، الشيباني ، ذكره ابن المرتضى آخر من ذكر من اهل الطبقة السادسة ، وحكى عن يحيى بن اكثم ان المأمون العباسي كان اذا دخل عليه هشام هذا يتحرك له حتى انه ليكاد يقوم (طبقات المعتزلة ص ٦١). وقد اختلفوا في ضبط (الفوطى) فيضبطه قوم بضم الفاء وسكون الواو ، ويضبطه آخرون بضم الفاء وفتح الواو ، والاول على انه نسبة الى الفوطة مفردا ، والثاني على انه نسبة الى الفوط جمعا.

(٤) قرآن كريم ٣ : ١٧٣.

١١٠

يكتب ولا يجوز ان يذكر. وزعم الفوطي ان الوكيل في الرتبة دون الموكل. وهذا / من جهله باللغة ، لان الوكيل في اللغة بمعنى الكافي ، ومنه يسمى وكيل الرجل وكيلا لانه يكفيه ما وكله فيه ، وهذا معنى قولنا : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). ومعنى حسبنا : كاف ، لان ما بعد «نعم» ينبغي ان يكون موافقا لمن قبله ، كقولنا : الله رازقنا ونعم الغافر ، وقد يكون الوكيل بمعنى الحفيظ ، ومنها قول الله تعالى : (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (١) ، اي بحفيظ. ويقال في نقيضه : رجل وكل ، اي بليد غير حفيظ ، والوكالة البلادة. واذا كان الوكيل بمعنى الكافي والحفيظ ، وكان الله تعالى كافيا وحفيظا ، كان المانع من تسمية الله تعالى وكيلا جاهلا بمعاني الأسماء في اللغة. ـ ثم ان الفوطي طرد بدعته هذه ، فمنع من اطلاق كثير مما نطق به القرآن ، فمنع ان يقال ان الله تعالى اضل الفاسقين ، مع قول الله تعالى : (وَما / يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٢). ـ ومنع ان يقال في القرآن انه عمي على الكافرين ، وقد اخبر الله تعالى بذلك ، كما اخبر بان القرآن هدى للمتقين. ومنع ان يقال : انه الف بين قلوب المؤمنين ، مع قول الله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (٣). ـ وكان اصحابنا يتعجبون من اطلاق البصرية المعتزلة في اوصاف الله تعالى على ما يقتضيه القياس عندهم من غير اصل له في الكتاب والسنة ، وزال هذا التعجب بامتناع الفوطي وخلفه المعروف بعباد بن سليمان من اطلاق ما نطق به القرآن والسنة.

ـ ومن فضائح الفوطي قوله بان الاعراض لا تدل على الله تعالى ولا على رسله ولا شيء من احكامه ؛ وان فلق البحر ، وقلب العصا حية ، واحياء الموتى (٤) ، وانشقاق القمر لا يدل شيء منه / على صدق من ظهر عليه. ـ هذا قول الفوطي وصاحبه عباد بن سليمان العمري ، وزعما ان الدليل على الله وعلى رسله

__________________

(١) سورة الانعام : مكية ٦٦

(٢) سورة البقرة : مدنية ٢٦

(٣) سورة الانفال : مدنية ٦٣

(٤) «أحياء الموتى» غير وارد في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٤٨ ، الكوثري ص ٩٨ ، عبد الحميد ص ١٩٢).

١١١

يجب ان يكون محسوسا ، والجسم محسوس ، فالاجسام هي الادلة ، والاعراض معلومة بالأدلّة النظرية. وفي تحقيق هذا المذهب ابطال دلالة كلام الله عزوجل ، وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحلال والحرام ، والوعد والوعيد ، وفيه دفع الشريعة. وما اراد غيره لقولهما ما يؤدي إليه.

والفضيحة الثالثة (١) قوله بالمقطوع والموصول. وذلك انه زعم ان رجلا لو اسبغ الوضوء ثم افتتح الصلاة متقربا الى الله تعالى عازما على اتمامها ، وركع وسجد مخلصا في ذلك كله ، الا ان الله تعالى علم إنه يقطعها في آخرها ؛ ان اوّل صلاته وآخرها معصية. وقال اسلافه : / ان ما مضى منها طاعة وان لم تكن صلاة كاملة. ومن قال من اصحابنا بالموافاة ، قال علمنا بقطعها انها لم تكن مقبولة. ولم يقل احد ان الماضي منها معصية غير الفوطي. وقد يصح كون المقطوع طاعة ، كما لو مات فيها كان ما مضى منها طاعة وان لم تكن صلاة كاملة.

والفضيحة الرابعة (٢) له انكاره لكثير مما تواترت به الاخبار الموجبة للعلم الضروري ، كانكاره حصار عثمان وقتله بالغلبة. وزعم ان شرذمة قليلة جاءت إليه تشكوا عماله (٣) ، ثم دخلوا عليه وقتلوه غرة. وزعم أيضا ان عليا وطلحة والزبير ما قادوا جيوشهم للقتال في حرب الجمل ، وانما برزوا للمشاورة ، وتقاتل اتباع الفريقين في ناحية اخرى حتى كان منهم ما كان. ـ ومنكر هذا / الذي تواترت به الاخبار كمنكر وقعة بدر وأحد مع تواتر الخبر بهما ، كمنكر سائر ما تواترت به الاخبار من شأن الأنبياء والملوك. وقد شاركه في هذه البدعة علي الاسواري والقسم الدمشقي ، وكل منهم كسير وعوير ليس فيه جبير (٤).

__________________

(١) لم يأت في المخطوط هنا رقم للفضيحتين الاولى والثانية ـ اما الفضيحة الثالثة المذكورة هنا فانها تقابل الفضيحة الرابعة في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٤٩ ، الكوثري ص ٩٨ ـ ٩٩ ، عبد الحميد ص ١٦٣).

(٢) الفضيحة الرابعة هنا تقابل الفضيحة الخامسة في كتاب «الفرق» (المراجع المذكورة اعلاه).

(٣) هذا الزعم غير مذكور في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٤٩ ؛ الكوثري ص ٩٩ ؛ عبد الحميد ص ١٦٣).

(٤) ما جاء هنا اوسع مما ذكر في كتاب «الفرق». (المراجع ذاتها المذكورة في رقم ٢) ، حيث جاء : الفضيحة الخامسة من فضائحه : انكاره حصار عثمان وقتله بالغلبة والقهر. وزعم

١١٢

والفضيحة الخامسة (١) له قوله في الامامة ان الامة اذا اجتمعت كلمتها وتركت الظلم احتاجت الى الامام يسوسها ، واذا عصت وفجرت وقتلت وإليها استغنت عن الامام ، ولم تعقد حينئذ الامامة لاحد. وما اراد بهذا الأمر (الا الطعن) في إمامة (٢) علي رضي الله عنه ، لانها عقدت له في حال الفتنة بعد قتل عثمان رضي الله عنه. وعلى منواله نسج الاصم طعنه في إمامة علي ، وزعم / ان الامامة لا تثبت باجماع الامة على امام بعينه ، وضميره ابطال إمامة علي ، لان الامة لم تجمع عليه في وقته ، بل تثبت اهل الشام على خلافه الى ان مضى لسبيله واثبت إمامة معاوية لاجماع الناس عليه بعد قتل علي رضي الله عنه ، وقرت عيون الرافضة المائلين الى الاعتزال لقول الاصم والفوطي وواصل وعمرو بن عبيد واتباعهم في علي وإمامته وشهادته.

والفضيحة السادسة (٣) للفوطي قوله بتكفير من قال ان الجنة والنار مخلوقتان. ومن شك في خلقهما من اسلافه لم يكفر من قال بوجودهما. واصحابنا يقسمون بان الفوطي لا يدخل الجنة المخلوقة لانكاره وجودها. ـ واعظم من هذا انكاره افتضاض / الابكار في الجنة ، وهو الذي يحرم ما انكره.

ومن فضائح تلميذه عباد (٤) ، وقد نسج على منواله في بدعه وزاد عليه امتناعه

__________________

ان شرذمة قليلة قتلوه غرّة من غير حصار مشهور. ومنكر حصار عثمان مع تواتر الاخبار به كمنكر وقعتي بدر وأحد مع تواتر الاخبار بهما ، وكمنكر المعجزات التي تواترت الاخبار بها. (الفرق ط. بدر ص ١٤٩ ، الكوثري ص ٩٩ ، عبد الحميد ص ١٦٣) اما في مختصر الفرق فجاء : «ومنها انكاره إمامة علي (ر) واعترافه بامامة معاوية نظرا الى ان الامة لم تجتمع على علي واجتمعت على معاوية بعد قتل علي» (مختصر الفرق ص ١١٢).

(١) الفضيحة الخامسة هنا تقابل الفضيحة السادسة في كتاب الفرق (ذات المراجع المذكورة في رقم ٣).

(٢) الكلام بين قوسين وارد في كتاب «الفرق» وناقص في المخطوط ؛ ولا بد منه لتوضيح المعنى.

(٣) الفضيحة السادسة هنا تقابل ما جاء في الفضيحتين السابعة والثامنة في كتاب «الفرق» (انظر كتاب الفرق ط. بدر ص ١٥٠ ، الكوثري ص ٩٩ ، عبد الحميد ص ١٦٤).

(٤) فضائح عباد المذكورة هنا في آخر الكلام المخصص للهشامية ، غير وارد هكذا في كتاب «الفرق» وانما نوه البغدادي عرضا في كتاب «الفرق» الى عباد في سياق حديثه عن

١١٣

من القول بان الله تعالى خلق الكافر لانه اسم للعبد وكفره ، وليس الكفر من خلقه عنده. وزعم عباد أيضا ان الذين مسخهم الله عزوجل ، قردة وخنازير كانوا بعد المسخ ناسا معتقدين للكفر. وزعم أيضا ان الانسان اذا مات وصار ترابا فالمعنى الذي لاجله كان انسانا موجود فيه حال كونه ترابا. ـ واكفر هو وهشام من قال في اسماء الله تعالى انه الضار النافع ، فها هنا التنويه في دعواهم ان الضار هو غير النافع. وبحق قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان القدرية مجوس هذه الامة. وكان هذان القدريان / مع كفرهما يريان قتل مخالفيهما في السر واخذ اموالهم وان كانوا من ملة الاسلام ؛ وضاهيا بذلك المنصورية (١) (الخبث) ومن غلاة الروافض. وقولنا فيهم مثل ما رواه نبينا ؛ والسلام.

__________________

الهشامية في ذكر الفضيحة الثانية لهم (انظر الفرق ط. بدر ص ١٤٧ ، الكوثري ص ٩٧ ، عبد الحميد ص ١٦١) اذ جاء : «ومنع عبّاد ان يقال : ان الله تعالى ثالث كل اثنين ، ورابع كل ثلاثة ، وهذا عناد منه لقول الله عزوجل (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ، إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (سورة المجادلة آية ٧) ـ وكان يمنع ان يقال : ان الله عزوجل املى للكافرين. وفي هذا عناد منه لقوله عزوجل (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) سورة آل عمران الآية ١٧٨. فان كان عباد قد اخذ هذه الضلالة عن استاذه هشام فالعصا من العصيّة ، ولن تلد الحية الا الحية. وان انفرد بها دونه فقد قاس التلميذ ما منع من اطلاقه على ما منع استاذه من اطلاق اسم الوكيل والكفيل على الله تعالى (ط. بدر ص ١٤٧ ـ ١٤٨ ؛ الكوثري ص ٩٨ ، عبد الحميد ص ١٦١ ـ ١٦٢).

(١) لقد خصص البغدادي للمنصورية في كتاب «الفرق» الفصل الخامس من الباب الخاص بالفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منه. اما في المخطوطة هنا فانه يقارن بين موقف الفوطي واتباعه وموقف المنصورية في كلامه عن الهشامية ، فلم يخصص للغلاة بابا خاصا بل ذكرهم مع اصحاب الفرق المحض. انظر أيضا الشهرستاني «الملل والنحل» على هامش «الفصل» لابن حزم ٢ : ١٥ ما يتعلق بالمنصورية.

١١٤

ذكر الحائطية (١) والحدثية (٢) منهم

هؤلاء اتباع رجلين ، يقال لاحدهما احمد بن حائط ، والآخر فضل الحدثي ، وهما من تلامذة النظام ، وانما جمعنا بينهما لاتفاقهما في الشرك وفي التناسخ وان افترقا في فروعهما.

ـ وقد زعما ان للخلق ربين وخالقين ، احدهما الاله القديم ، الآخر مخلوق ، وهو عيسى بن مريم. وزعما ان المسيح ابن الله تعالى على التبني (٣) دون الولادة ، وان المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة ، وهو الذي عناه الله بقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٤). وهو الذي يأتي (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (٥) ، وهو الذي اراده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله ان الله تعالى / خلق آدم على صورته ، يعني ان عيسى خلق آدم على صورة نفسه. وهو المراد بقوله : «ترون ربكم

__________________

(١) جاء في كتاب الفرق ا «الحائطية» (في ط. بدر ص ٢٦٠) وجاء الخابطية (في ط. الكوثري ص ١٦٦ وط. عبد الحميد ص ٢٢٨). ويذكر عبد الحميد في هامش ٣ ص ٢٢٨ : «ابن خابط : ذكره الحافظ بن حجر والسفاريني بالحاء المهملة وبعد الألف الهمزة والتحقيق انه بالخاء المعجمة وبعد الألف ياء موحدة ـ وقد ترجم له الصفدي ترجمة واسعة في «الوافي» وجاء «احمد بن خابط» في ابن حزم ٤ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ؛ وفي «لب الألباب» ص ٨٦ ، ـ و «خابط» في شرح المواقف ٣ : ٢٨٥ وقد ورد هذا الاسم محرفا على اوجه كثيرة. راجع friedlander في  jaosمجلد ٢٩ : ١٠ وexpose ـ desacy­ ص ٤٢ من المقدمة.

(٢) نسبة الى فضل الحدثي : المنسوب الى الحدثية ، وهي بلد على شاطئ الفرات ، وقد وقع في شرح عقيدة السفاريني (١ ؛ ٧٩) الحدبي بياء موحدة تحتية.

ملاحظة : لم يذكر البغدادي هاتين الفرقتين مع المعتزلة في كتاب «الفرق بين الفرق» كما فعل هنا ؛ بل ذكرهما في الفصل الثالث عشر من الباب الرابع الخاص بالفرق التي انتسبت الى الاسلام وليست منه. انظر ط. بدر ص ٢٦٠ ، الكوثري ص ١٦٦ ، عبد الحميد ص ٢٧٧. وأيضا مقدمتنا للكتاب.

(٣) جاء في كتاب «الفرق» : «على معنى دون الولادة» انظر ط. بدر ص ٢٦٠ ، الكوثري ص ١٦٦. عبد الحميد ص ٢٧٧).

(٤) سورة الفجر مكية ٢٢

(٥) سورة البقرة ، مدينية ٢١٠

١١٥

كما ترون القمر ليلة البدر» (١). وانما سمي المسيح لانه تدرع جسد انسان ، وكان قبل تدرعه اياه عقلا ، وهو العقل الذي خلقه الله تعالى أولا وقال له : «اقبل ، فاقبل ، وادبر ، فادبر. فقال : بك اعطي وبك آخذ» (٢).

وزعم أيضا ان في الطير انبياء منها ، وكذلك في البق والبعوض وسائر الحيوانات ، لقوله : وان (ما) (٣) من امة (الا) خلا فيها نذير. وقوله : ما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم. وقال (لعنه) الله (٤) بالتناسخ. وزعم ان الله تعالى ابتدأ الخلق في الجنة ضربة واحدة ، وانما خرج من خرج منها بالمعصية.

ثم انهما طعنا في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اصل انكحته ، وزعما ان أبا ذر الغفاري كان أنسك / أمته وازهد.

وقال ان كل من نال خيرا في الدنيا فانما ناله بعمل كان منه ، ومن ناله مرض وآفة فبذنب كان منه ، وما سمح الناس بذبحه فلانه كان قتالا ، وما امتنعوا من ذبحه فلانه كان في بدء امره عفيفا عن الدماء.

وزعما ان البغلة عوقبت بالعقم لانها كانت في بدء خلقها زانية ، وصار التيس وثابا على الاناث جزاء له على عفته من قبل.

وقالا ان التكرير لا يزال قائما في الدنيا الى ان يمتلئ مكيال الخير او مكيال الشر. فاذا خلص العمل طاعة نقل صاحبه الى الجنة ، وان خلص معصية نقل صاحبه الى النار.

__________________

(١) وفي البخاري : «انكم سترون ربكم» الحديث ـ والعرب تضرب المثل بالقمر في الشهرة والظهور ، وليس المراد التشبيه في التدوير والمسير والحد كما في «مختلف الحديث» لابن قتيبة (هامش رقم ٣ ص ١٦٦ من طبعة الكوثري لكتاب «الفرق»).

(٢) جاء في كتاب «الفرق» (بدر ص ٢٦١ ، الكوثري ص ١٦٦ ، عبد الحميد ص ٢٧٧) : «ان الله تعالى خلق العقل فقال له : أقبل فاقبل. وقال له : أدبر فادبر. فقال : ما خلقت خلقا أكرم منك وبك أعطي وبك آخذ».

(٣) تضاف (ما) لاستقامة المعنى وتحذف (الا). الكلام ابتداء من «وزعم أيضا ان في الطير انبياء ... الى النار ، في آخر الصفحة» غير وارد في كتاب «الفرق» في ذكر هذه الفرقة.

(٤) في المخطوط : وقال الله : لا شك في أن لفظ «لعنه» ساقط هنا قبل «الله».

١١٦

وقد شاركا الثنوية بدعوى خالقين ، وشاركا النصارى بدعوى الإلهية المسيح ، وتحامقا في دعواهما ان المسيح خلق اباه آدم. فيا عجبا من فرع يخلق اصله (١).

واما بدعة التناسخ ، فاول من قالها / من الفلاسفة سقراط ، ثم صار إليه في دولة الاسلام قوم من غلاة الروافض ، فزعموا ان روح الاله تناسخت في الأئمة. وادعت البيانية بهذه العلة الإلهية بيان ، وادعاها الخطّابية بابي الخطّاب ، ثم ادعاها الحلولية من اتباع ابي طسان الدمشقي ، ثم ادعتها الحائطية من القدرية. ـ ويقال لهم : ينبغي ان لا تغضبوا على من ضربكم ونتف اسبلتكم ان كان كل ما يصيبكم من الم ومحنة جزاء على معصية سبقت منكم في قالب آخر ، لان موقع الجزاء المستحقة غير معلوم على فعله (٢).

ذكر الحمارية منهم (٣)

هؤلاء قوم من معتزلة عسكر مكرم ، اختاروا من كل بدعة شرعة. فاخذوا من ابن حائط قوله بالتناسخ ، واخذوا من بدع عباد بن سليمان قوله بان الذين نسخهم / الله قردة وخنازير كانوا (قبل) (٤) حال كونهم قردة وخنازير ناسا ، وكانوا معتقدين للكفر في تلك الحال. وكان عباد يزعم ان الانسان اذا مات

__________________

(١) اما الكلام من «وقد شاركا التنويه ... فرع يخلق اصله» فقد نوه إليه البغدادي في كتاب الفرق (بدر ص ٢٦١ ، الكوثري ص ١٦٦ عبد الحميد ص ٢٧٨).

(٢) ما جاء هنا عن التناسخ قد توسّع فيه البغدادي في كتاب «الفرق» في الفصل الثاني عشر من الباب الرابع (بدر ص ٢٥٣ ، الكوثري ص ١٦٢ ، عبد الحميد ص ٢٧٠). وفي هذا الفصل من كتاب «الفرق» يذكر قوله : «وذكر اصحاب المقالات عن سقراط وافلاطون واتباعهما من الفلاسفة انهم قالوا بتناسخ الارواح على تفصيل قد حكيناه عنهم في كتاب «الملل والنحل») (المراجع المذكورة اعلاه). وفي المخطوط هنا يذكر : «ثم صار إليه في دولة الاسلام قوم من غلاة الروافض ، فزعموا ان روح الاله تناسخت في الأئمة ...) (انظر في مقدمتنا للكتاب : ثانيا عنوان الكتاب ؛ رابعا : ذكر اصحاب المقالات ... انهم قالوا بتناسخ الأرواح).

(٣) ذكر البغدادي هذه الفرقة في الفصل الرابع عشر من الباب الرابع من كتاب «الفرق» (انظر ط. بدر ص ٢٦١ ، الكوثري ص ١٦٧ ، عبد الحميد ص ٢٧٨ وفي مختصر الفرق للرسعني ص ١٦٧).

(٤) في المخطوط «في» ، الاصح «قبل».

١١٧

وصار ترابا ففيه المعنى الذي كان به انسانا. واخذوا من بدع جعد بن درهم قوله بان النظر اوجب المعرفة ، فهي فعل لا فاعل له. ثم قاس بعضهم خالق الولد. واخذوا من زعيم لهم يعرف بعمر بن حماد قوله بانه يجوز ان يقدر الله تعالى على فعل البداء.

ـ واخذوا من الاسكافي قوله بانه لا يجوز ان يقال ان الله تعالى خلق الطنابير والمعازف ، وان كان هو الخالق لاجسامها. ثم زادوا من حماريتهم على هذا ان قالوا ليس الخمر من خلق الله ، وانما هي من اختراع الخمّار ، لان الله تعالى لا يفعل ما يكون يسبب المعصية.

وزعم قوم منهم ان الانسان / قد يخلق انواعا من الحيوانات ، كمن يطبق الآجر على التبن والسرقين فيظهر تحتها العقارب ، او يدفن اللحم في موضع حار فيتدوّد. ويزعمون ان الانسان هو الخالق لتلك العقارب والديدان.

واخذوا عن الصالحي منهم قولهم بأنه يجوز أن يقدر الله عزوجل الانسان على ان يفعل الحياة والقدرة. ـ فصار للحمارية في كل بدعة شرعة ، كمن له في كل سواد نخلة وفي كل قطيع سخلة (١).

ذكر المعمرية منهم

هؤلاء اتباع معمر بن عباد السلمي (٢) الذي حوى انواعا من البدع ، منها :

قوله ان الله تعالى ما خلق لونا ، ولا طعما ، ولا رائحة ، ولا حركة ولا سكونا ، ولا حرارة ولا برودة ، ولا رطوبة ولا يبوسة ، ولا حياة ولا موتا ، ولا سمعا ، ولا

__________________

(١) ما جاء هنا عن هذه الفرق يتفق مع ما ذكره البغدادي في كتاب «الفرق» (انظر المراجع المذكورة في رقم ١ من الصفحة السابقة).

(٢) هو ابو عمرو ؛ معمر بن عباد السلمي. قال ابن المرتضى : كان عالما عدلا ، وتفرد بمذاهب ، وكان بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو وابو الحسن المدائني من تلامذته. ثم حكى ان الرشيد وجه به الى ملك السند ليناظره ، وان ملك السند دسّ له من سمّه في الطريق ، فمات (طبقات المعتزلة ٥٤ ـ ٥٦).

١١٨

بصرا ، ولا قدرة ، ولا علما ، ولا ألما ولا لذة ، ولا شيئا من / الاعراض. وانما خلق الأجسام (١) ، وخلقت الأجسام الأعراض في نفسها. وزعم ان ما في الجسم من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة ، فهو من فعل الجسم بطبعه. وكذلك بقاؤه فعل له بطبعه. وكذلك صلاح الزروع وفسادها من فعل الزروع عنده بطباعها.

وزعم أيضا ان فناء كل فان فعله دون ربه.

وحكى ابو الحسن (٢) الخياط عنه انه كان مع هذا كله يقول ان الله تعالى ملوّن الأجسام الملوّنة. وهذا قول لا معنى تحته على اصله ، لانه ان اراد به انه خلق الالوان فليس هذا قوله ، وان اراد به خلق التلون لزمه ان يقول ان الله تعالى مفسد الزرع ، خلق الفاسد. فقد ابطل معمر بهذه البدعة (فأيد) قول الله عزوجل انه يحيى ويميت ، ان لم يكن هو خالقا / للموت والحياة (٣).

والفضيحة الثانية له انه لما زعم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض ادته هذه البدعة الى القول بان القرآن ليس كلام الله تعالى ، لانه لم يمكنه ان يقول انه فعله كما قال سائر المعتزلة ، لدعواه ان الله تعالى غير فاعل الاعراض ، ولا ان يقول ان كلامه صفة قائمة به ، لأنه لا يثبت لله صفة قائمة. فلزمه على اصله ان لا يكون لله تعالى كلام ولا امر ولا نهي ولا خبر. وفي هذا ابطال احكام الشريعة ، وما اراد غيره لقوله بما يؤدي إليه.

__________________

(١) يذكر فيليب حتّى في هامش طبعته «لمختصر كتاب الفرق بين الفرق» للرسعني ص ١١٠ هامش رقم ١ : «عنى «بالأجسام» ما نسميه اليوم «مادة» فنظريته اذا هي أنّ الله خلق المادة فقط ؛ اما التغييرات ـ الأعراض ، التي تحدث فيها فإما تتأتى ضرورة بحكم طبيعتها كالاحتراق في النار ، والاشعاع من الشمس ، او تنتج اختيارا وبداعي حرية الإرادة ، كما هي الحال في عالم الحيوان والانسان. راجع الشهرستاني ١ : ٨٣ ـ ٨٤ وmacdonald muslimtheology ص ١٤٣ ـ ١٤٤ وo ,leary ص ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٢) الاصح : ابو الحسين الخياط ، صاحب كتاب «الانتصار».

(٣) لفظ (فأيد) زائد هنا ولا معنى له ، لذلك وضعناه بين قوسين. هذه الفقرة الخاصة بما حكاه ابو الحسين الخياط عن معمر غير واردة في كتاب «الفرق» (انظر ط. بدر ص ١٣٦ ـ ١٣٧ ، ط. الكوثري ص ٩٢ ، ط. عبد الحميد ص ١٥٢).

١١٩

والفضيحة الثالثة له قوله باعراض لا نهاية لها في كل نوع منها ، وذلك انه قال ان المتحرك متحرك بحركة حلت فيه ، وتلك الحركة اختصت بمحلها لمعنى سواها في محلها ، وذلك المعنى أيضا حال فيه لمعنى سواه لا الى نهاية. وكذلك / قوله في اختصاص اللون والطعم وكل عرض بمحله. ونتيجة هذه البدعة موجبة ان الانسان القادر على فعل عرض ما يكون اقدر من ربه ، لان ربه انما قدر على فعل الاجسام ، وهي محصورة العدد ، والقادر من (١) يفعل في حالة واحدة لا نهاية له من انواع الاعراض ، والقادر على ما لا نهاية له في وقته اقدر ممن لا يقدر الا على افعال محصورة في الوقت (٢).

والفضيحة الرابعة له في قوله في الانسان انه شيء غير هذا الجسد (٣) ، وهو حي قادر عالم مختار وليس هو متحركا ولا ساكنا ، ولا متلونا ، ولا يرى ، ولا يلمس ، ولا يحل موضعا ، ولا يحويه مكان. فاذا قيل له : هل هو في الارض او في السماء ، او في الجنة او في النار؟ قال انه في الجسد مرئي ، وفي الجنة منعم ، وفي النار معذب ، وليس هو في شيء من هذه / المواضع حالا ولا متمكنا ، لانه ليس بطويل ولا عريض ، ولا ذي وزن. وكأنه اراد ان يصف الانسان بصفة الاله ، لان الانسان حي قادر عالم مختار حكيم ، وكذلك الله تعالى. والانسان عنده ليس بطويل ولا عريض ، ولا ذي وزن ولون وتأليف وحركة ، وليس بحال في مكان ، ولا متمكن فيه ، وكذلك الله تعالى. وكما يقال ان الاله مدبر للعالم وليس هو حالا فيه ولا متمكنا ، كذلك الانسان عنده مدبر للجسد وليس بحال فيه ولا متمكن ، فوصف الانسان بصفة الله تعالى. ـ ثم انه وصف الحمار

__________________

(١) جاء في المخطوط «ما».

(٢) في الفضيحة الثالثة هنا لم يأت ذكر لما حكاه الكعبي «في مقالاته» عن معمر بأن الحركة انما خالفت السكون لمعنى سواها ...» وهو وارد في كتاب «الفرق» (انظر الفرق ط. بدر ص ١٣٨ ، الكوثري ص ٩٢ ـ ٩٣ ، عبد الحميد ص ١٥٣) ولكن جاء في آخر الكلام هنا تنويه الى ما حكاه الكعبي في مقالاته عن معمر بان الاعراض كلها فعل الجسم بطبعه الا الإرادة فانها فعل الانسان». والكلام هنا اوضح مما جاء في «الفرق» بهذا الصدد.

(٣) المقصود «بالانسان» هنا النفس. وما يذكره معمر هنا يصبح واضحا اذا ما طبّق على النفس.

١٢٠