النّهاية - ج ١

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ١

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٢

(ه) ومنه حديث أسيد بن حضير «أنه قال لعامر بن الطّفيل : اخرج بذمّتك لا أنفذ حِضْنَيْك».

ومنه حديث سطيح :

كأنما حثحث من حِضْنَيْ ثكن

وحديث عليّ رضى الله عنه «عليكم بالحِضْنَيْن» أى مجنّبتى العسكر.

ومنه حديث عروة بن الزبير «عجبت لقوم طلبوا العلم حتّى إذا نالوا منه صاروا حُضَّاناً لأبناء الملوك» أى مربّين وكافلين. وحُضَّان : جمع حَاضِن ، لأن المربّى والكافل يضمّ الطفل إلى حِضْنِه ، وبه سمّيت الحَاضِنَة ، وهى التى تربّى الطفل. والحَضَانَة بالفتح : فعلها. وقد تكرر في الحديث.

(ه) وفي حديث السّقيفة «إنّ إخواننا من الأنصار يريدون أن يَحْضُنُونَا من هذا الأمر» أى يخرجونا. يقال حَضَنْتُ الرجل عن الأمر أَحْضُنُه حَضْناً وحَضَانَة : إذا نحّيته عنه وانفردت به دونه ، كأنه جعله في حضن منه ، أى جانب. قال الأزهرى : قال الليث : يقال أَحْضَنَنِي من هذا الأمر : أى أخرجنى منه. قال : والصواب حَضَنَنِي.

ومنه الحديث «أن امرأة نعيم أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : إنّ نعيما يريد أن يَحْضُنَنِي أمر ابنتي ، فقال : لا تَحْضُنْهَا وشاورها».

[ه] ومنه حديث ابن مسعود في وصيّته «ولا تُحْضَن زينب عن ذلك» يعنى امرأته : أى لا تحجب عن وصيّته ولا يقطع أمر دونها.

(ه) وفي حديث عمران بن حصين «لأن أكون عبدا حبشيّا في أعنز حَضَنِيَّات أرعاهنّ حتى يدركنى أجلى أحبّ إلىّ من أن أرمى في أحد الصّفين بسهم أصبت أم أخطأت» الحَضَنِيَّات منسوبة إلى حَضَن بالتحريك ، وهو جبل بأعالى نجد. ومنه المثل «أنجد من رأى حَضَناً» وقيل هى غنم حمر وسود. وقيل : هى التى أحد ضرعيها أكبر من الآخر.

٤٠١

(باب الحاء مع الطاء)

(حطط) ـ فيه «من ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حِطَّة» أى تَحُطُّ عنه خطاياه وذنوبه. وهى فعلة من حَطَّ الشىء يَحُطُّه إذا أنزله وألقاه.

ومنه الحديث في ذكر حِطَّة بنى إسرائيل ، وهو قوله تعالى (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) أى قولوا حُطَّ عنّا ذنوبنا ، وارتفعت على معنى : مسألتنا حطّة ، أو أمرنا حطّة.

(ه) وفيه «جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى غصن شجرة يابسة فقال بيده فَحَطَّ ورقها» أى نثره.

ومنه حديث عمر «إذا حَطَطْتُمُ الرّحال فشدّوا السّروج» أى إذا قضيتم الحجّ ، وحططتم رحالكم عن الإبل ، وهى الأكوار والمتاع ، فشدّوا السّروج على الخيل للغزو.

وفي حديث سبيعة الأسلميّة «فحَطَّتْ إلى السّلب» أى مالت إليه ونزلت بقلبها نحوه.

وفيه «أنّ الصلاة تسمّى في التوراة حَطُوطاً».

(حطم) (ه) في حديث زواج فاطمة رضى الله عنها «أنه قال لعليّ : أين درعك الحَطَمِيَّة» هى التى تَحْطِمُ السيوف : أى تكسرها. وقيل : هى العريضة الثّقيلة. وقيل : هى منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع. وهذا أشبه الأقوال.

(ه) ومنه الحديث «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : شرّ الرّعاء الحُطَمَة» هو العنيف برعاية الإبل في السّوق والإيراد والإصدار ، ويلقى بعضها على بعض ، ويعسفها. ضربه مثلا لوالى السّوء. ويقال أيضا حُطَمٌ ، بلا هاء.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «كانت قريش إذا رأته في حرب قالت : احذروا الحُطَم احذروا القطم».

٤٠٢

ومنه قول الحجّاج في خطبته

قد لفّها اللّيل بسوّاق حُطَم

أى عسوف عنيف. والحُطَم من أبنية المبالغة ، وهو الذى يكثر منه الحَطْم. ومنه سمّيت النار الحُطَمَة : لأنها تَحْطِم كل شىء.

ومنه الحديث «رأيت جهنم يَحْطِم بعضها بعضها».

(س) ومنه حديث سودة «أنّها استأذنت أن تدفع من منى قبل حَطْمَة الناس» أى قبل أن يزدحموا ويحطم بعضهم بعضا.

وفي حديث توبة كعب بن مالك «إذن يَحْطِمكم الناس» أى يدوسونكم ويزدحمون عليكم.

[ه] ومنه سمى «حَطِيم مكة» ، وهو ما بين الركن والباب. وقيل : هو الحجر المخرج منها ، سمى به لأن البيت رفع وترك هو مَحْطُوما : وقيل لأنّ العرب كانت تطرح فيه ما طافت به من الثياب فتبقى حتّى تَنْحَطِم بطول الزمان ، فيكون فعيلا بمعنى فاعل.

(ه) وفي حديث عائشة «بعد ما حَطَمَه الناس».

وفي رواية «بعد ما حَطَمْتُمُوه» يقال : حَطَم فلانا أهله : إذا كبر فيهم ، كأنّهم بما حمّلوه من أثقالهم صيّروه شيخا مَحْطُومَا.

(ه) ومنه حديث هرم بن حبّان «أنّه غضب على رجل فجعل يَتَحَطَّم عليه غيظا» أى يتلظّى ويتوقّد ، مأخوذ من الحُطَمَة : النّار.

(س) وفي حديث جعفر «كنّا نخرج سنة الحَطْمَة» هى السنة الشديدة الجدب.

(س) وفي حديث الفتح «قال للعبّاس : احبس أبا سفيان عند حَطْم الجبل» هكذا جاءت في كتاب أبى موسى وقال : حطم الجبل : الموضع الذى حطم منه : أى ثلم فبقى منقطعا.

قال : ويحتمل أن يريد عند مضيق الجبل ، حيث يزحم بعضهم بعضا. ورواه أبو نصر الحميدى في كتابه بالخاء المعجمة ، وفسّرها في غريبه فقال : الخطم والخطمة : زعن الجبل ، وهو الأنف النادر منه. والذى جاء في كتاب البخارى ، وهو أخرج الحديث فيما قرأناه ورأيناه من نسخ كتابه

٤٠٣

«عند حَطْم الخيل» هكذا مضبوطا ، فإن صحّت الرّواية به ولم يكن تحريفا من الكتبة فيكون معناه ـ والله أعلم ـ أنه يحبسه في الموضع المتضايق الذى تَتَحَطَّم فيه الخيل. أى يدوس بعضها بعضا ، ويزحم بعضها بعضا فيراها جميعها ، وتكثر في عينه بمرورها في ذلك الموضع الضّيّق. وكذلك أراد بحبسه عند خطم الجبل على ما شرحه الحميدى ، فإنّ الأنف النّادر من الجبل يضيِّق الموضع الذى يخرج فيه.

(حطا) (ه) في حديث ابن عباس قال : أخذ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقفاى فحَطَانِي حَطْوَة» قال الهروى : هكذا جاء به الرّاوى عير مهموز. قال ابن الأعرابى : الحَطْو : تحريك (١) الشّىء مزعزعا. وقال : رواه شمر بالهمز. يقال حَطَأَهُ يَحْطَؤُه حَطْأً : إذا دفعه بكفه. وقيل : لا يكون الحَطْء إلّا ضربة بالكفّ بين الكتفين.

ومنه حديث المغيرة «قال لمعاوية حين ولّى عمرا : ما لبّثك السّهمىّ أن حَطَا بك إذ تشاورتما» أى دفعك عن رأيك.

(باب الحاء مع الظاء)

(حظر) ـ فيه «لا يلج حَظِيرَة القدس مدمن خمر» أراد بحظيرة القدس الجنّة. وهى في الأصل : الموضع الذى يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل ، يقيهما البرد والرّيح.

(ه) ومنه الحديث «لا حمى في الأراك ، فقال له رجل : أراكة في حِظَاري» أراد الأرض التى فيها الزرع المحاط عليها كالحَظِيرَة ، وتفتح الحاء وتكسر. وكانت تلك الأراكة التى ذكرها في الأرض التى أحياها قبل أن يحييها ، فلم يملكها بالإحياء وملك الأرض دونها ؛ إذ كانت مرعى للسّارحة.

ومنه الحديث «أتته امرأة فقالت : يا نبى الله ادع الله لى فلقد دفنت ثلاثة ، فقال : لقد احْتَظَرْتِ بحِظَارٍ شديد من النار» والاحْتِظَارُ : فعل الحِظَار ، أراد لقد احتميت بحمى عظيم من النار يقيك حرّها ويؤمّنك دخولها.

__________________

(١) في اللسان : تحريكك.

٤٠٤

ومنه حديث مالك بن أنس «يشترط صاحب الأرض على المساقى شدّ الحِظَار» يريد به حائط البستان.

(ه) وفي حديث أكيدر «لا يُحْظَر عليكم النّبات» أى لا تمنعون من الزراعة حيث شئتم. والحَظْر : المنع.

ومنه قوله تعالى (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) وكثيرا ما يرد في الحديث ذكر المَحْظُور ، ويراد به الحرام. وقد حَظَرْت الشىء إذا حرّمته. وهو راجع إلى المنع.

(حظظ) (س) في حديث عمر «من حَظَّ الرجل نفاق أيّمه وموضع حقّه» الحَظُّ : الجدّ والبخت. وفلان حَظِيظ ومَحْظُوظ ، أى من حَظَّه أن يرغب في أيّمه ، وهى التى لا زوج لها من بناته وأخواته ، ولا يرغب عنهنّ ، وأن يكون حقّه في ذمّة مأمون جحوده وتهضّمه ، ثقة وفىّ به.

(حظا) (س) في حديث موسى بن طلحة «قال : دخل علىّ طلحة وأنا متصبّح فأخذ النّعل فحَظَانِي بها حَظَيَات ذوات عدد» أى ضربنى بها ، كذا روى بالظاء المعجمة. قال الحربى : إنما أعرفها بالطاء المهملة. وأمّا بالظاء فلا وجه له. وقال غيره : يجوز أن يكون من الحَظْوَة بالفتح ، وهو السّهم الصغير الذى لا نصل له. وقيل كلّ قضيب ثابت في أصل فهو حَظْوَة ، فإن كانت اللفظة محفوظة فيكون قد استعار القضيب أو السّهم للنّعل. يقال : حَظَاه بالحَظْوة إذا ضربه بها ، كما يقال عصاه بالعصا.

وفي حديث عائشة «تزوّجنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شوال وبنى بى في شوال ، فأىّ نسائه كان أَحْظَى منّى؟» أى أقرب إليه منّى وأسعد به. يقال : حَظِيَت المرأة عند زوجها تَحْظَى حُظْوَة وحِظْوَة بالضّم والكسر (١) : أى سعدت به ودنت من قلبه وأحبّها.

__________________

(١) وبالفتح أيضا : فهو مثلث ، كما في تاج العروس.

٤٠٥

(باب الحاء مع الفاء)

(حفد) (ه) في حديث أم معبد «مَحْفُود محشود ، لا عابس ، ولا مفند» المَحْفُود : الذى يخدمه أصحابه ويعظّمونه ويسرعون في طاعته. يقال حَفَدْت وأَحْفَدْتُ ، فأنا حَافِد ومَحْفُودٌ. وحَفَدٌ وحَفَدَة جمع حَافِد ، كخدم وكفرة.

ومنه حديث أميّة «بالنّعم مَحْفُود».

ومنه دعاء القنوت «وإليك نسعى ونَحْفِد» أى نسرع في العمل والخدمة :

(ه) وحديث عمر ، وذكر له عثمان للخلافة فقال «أخشى حَفْدَه» أى إسراعه في مرضات أقاربه.

(حفر) (س) في حديث أبىّ «قال : سألت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن التّوبة النّصوح فقال : هو النّدم على الذنب حين يفرط منك ، وتستغفر الله بندامتك عند الحَافِر ، ثم لا تعود إليه أبدا» قيل : كانوا لكرامة الفرس عندهم ونفاستهم بها لا يبيعونها إلّا بالنّقد ، فقالوا : النّقد ، فقالوا : النّقد عند الحَافِر : أى عند بيع ذات الحَافِر ، وسيّروه مثلا. ومن قال «عند الحَافِرَة» فإنه لمّا جعل الحافر في معنى الدّابّة نفسها ، وكثر استعماله من غير ذكر الذّات ألحقت به علامة التأنيث ، إشعارا بتسمية الذّات بها ، أو هى فاعلة من الحَفْر ، لأنّ الفرس بشدّة دوسها تَحْفِر الأرض. وهذا هو الأصل ، ثم كثر حتى استعمل في كل أوّليّة ، فقيل : رجع إلى حَافِرِه وحَافِرَتِه ، وفعل كذا عند الحَافِر والحَافِرَة. والمعنى تنجيز النّدامة والاستغفار عند مواقعة الذّنب من غير تأخير ، لأن التأخير من الإصرار. والباء في «بندامتك» بمعنى مع أو للاستعانة : أى تطلب مغفرة الله بأن تندم. والواو في «وتستغفر» للحال ، أو للعطف على معنى النّدم.

(ه) ومنه الحديث «إنّ هذا الأمر [لا](١) يترك على حالته حتّى يردّ إلى حَافِرَتِه» أى أوّل تأسيسه.

ومنه حديث سراقة «قال : يا رسول الله أرأيت أعمالنا التى نعمل أمؤاخذون بها عند الحَافِر ؛ خير فخير ، أو شرّ فشرّ ، أو شىء سبقت به المقادير وجفّت به الأقلام؟».

__________________

(١) الزيادة من ا ، واللسان ، وشرح القاموس.

٤٠٦

وفيه ذكر «حَفْر أبى موسى» وهى بفتح الحاء والفاء : ركايا احْتَفَرَها على جادّة البصرة إلى مكة.

وفيه ذكر «الحَفِير» بفتح الحاء وكسر الفاء : نهر بالأردن نزل عنده النّعمان بن بشير. وأمّا بضم الحاء وفتح الفاء ، فمنزل بين ذى الحليفة وملل ، يسلكه الحاجّ.

(حفز) (س) فيه عن أنس «من أشراط الساعة حَفْزُ الموت ، قيل : وما حَفْزُ الموت؟ قال : موت الفجأة» الحَفْز : الحثّ والإعجال.

(ه) ومنه حديث أبى بكرة «أنه دبّ إلى الصّفّ راكعا وقد حَفَزَه النفس» وقد تكرر في الحديث.

ومنه حديث البراق «وفي فخذيه جناحان يَحْفِزُ بهما رجليه».

[ه] ومنه الحديث «أنه عليه الصلاة والسلام أتى بتمر فجعل يقسمه وهو مُحْتَفِز» أى مستعجل مستوفز يريد القيام.

[ه] ومنه حديث ابن عباس «أنه ذكر عنده القدر فاحْتَفَزَ» أى قلق وشخص به. وقيل : استوى جالسا على وركيه كأنه ينهض.

ومنه حديث عليّ «إذا صلت المرأة فَلْتَحْتَفِز إذا جلست وإذا سجدت ولا تخوّى كما يخوّى الرجل» أى تتضامّ وتجتمع.

وفي حديث الأحنف «كان يوسّع لمن أتاه ، فإذا لم يجد متّسعا تَحَفَّزَ له تَحَفُّزاً».

(حفش) (ه) في حديث ابن اللّتبيّة «كان وجّهه ساعيا على الزكاة ، فرجع بمال ، فقال : هلّا قعد في حِفْشِ أمّه فينظر أيهدى إليه أم لا» الحِفْشُ بالكسر : الدّرج ، شبّه به بيت أمّه في صغره. وقيل : الحِفْشُ البيت الصغير الذّليل القريب السّمك ، سمّى به لضيقه. والتَّحَفُّشُ : الانضمام والاجتماع.

ومنه حديث المعتدّة «كانت إذا توفّى عنها زوجها دخلت حِفْشاً ، ولبست شرّ ثيابها» وقد تكرر في الحديث.

٤٠٧

(حفظ) ـ في حديث حنين «أردت أن أُحْفِظَ الناس ، وأن يقاتلوا عن أهليهم وأموالهم» أى أغضبهم ، من الحَفِيظَة : الغضب.

(ه) ومنه الحديث «فبدرت منّى كلمة أَحْفَظْتُهُ» أى أغضبته.

(حفف) ـ في حديث أهل الذكر «فيَحُفُّونَهم بأجنحتهم» أى يطوفون بهم ويدورون حولهم.

وفي حديث آخر «إلا حَفَّتْهُم الملائكة».

(ه) وفيه «من حَفَّنَا أو رفّنا فليقتصد» أى من مدحنا فلا يغلونّ فيه. والحفّة : الكرامة التامة.

(ه) وفيه «ظلّل الله مكان البيت غمامة ، فكانت حِفَافَ البيت» أى محدقة به.

وحِفَافَا الجبل : جانباه.

(ه) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «كان أصلع ، له حِفَافٌ» هو أن ينكشف الشّعر عن وسط رأسه ويبقى ما حوله.

وفيه «أنه عليه الصلاة والسلام لم يشبع من طعام إلّا على حَفَفٍ» الحَفَفُ : الضّيق وقلة المعيشة. يقال : أصابه حَفَفٌ وحُفُوف. وحَفَّت الأرض إذا يبس نباتها : أى لم يشبع إلّا والحال عنده خلاف الرّخاء والخصب.

ومنه حديث عمر «قال له وفد العراق : إن أمير المؤمنين بلغ سنّا وهو حَافُ المطعم» أى يابسه وقحله.

ومنه حديثه الآخر «أنه سأل رجلا فقال : كيف وجدت أبا عبيدة؟ فقال : رأيت حفُوُفاً» أى ضيق عيش.

(ه) ومنه الحديث «بلغ معاوية أنّ عبد الله بن جعفر حَفَّفَ وجهد» أى قلّ ماله.

(حفل) (ه) فيه «من اشترى مُحَفَّلَة وردّها فليردّ معها صاعا» المُحَفَّلَة : الشاة. أو البقرة ، أو الناقة ، لا يحلبها صاحبها أيّاما حتى يجتمع لبنها في ضرعها ، فإذا احتلبها المشترى حسبها غزيرة ،

٤٠٨

فزاد في ثمنها ، ثم يظهر له بعد ذلك نقص لبنها عن أيام تَحْفِيلِها ، سمّيت مُحَفَّلَة ، لأن اللبن حُفَّلٌ في ضرعها : أى جمع.

(ه) ومنه حديث عائشة تصف عمر رضى الله عنهما «فقالت : لله أمّ حَفَلَت له ودرّت عليه» أى جمعت اللّبن في ثديها له.

(س) ومنه حديث حليمة «فإذا هى حَافِل» أى كثيرة اللّبن.

وحديث موسى وشعيب عليهما‌السلام «فاستنكر أبوهما سرعة صدرهما بغنمهما حُفَّلاً بطانا» هى جمع حَافِل : أى ممتلئة الضّروع.

(س) ومنه الحديث في صفة عمر «ودفقت في مَحَافِلِها» جمع مَحْفِل ، أو مُحْتَفَلٌ ، حيث يَحْتَفِل الماء : أى يجتمع.

وفيه «وتبقى حُفَالَة كحُفَالَة التّمر» أى رذالة من الناس كردىء التّمر ونفايته ، وهو مثل الحثالة بالثاء. وقد تقدّم.

(ه) وفي رقية النملة «العروس تكتحل وتَحْتَفِلُ» أى تتزيّن وتحتشد للزّينة. يقال : حَفَلْتُ الشىء ، إذا جلوته.

وفيه ذكر «المَحْفِل» وهو مجتمع الناس ، ويجمع على المَحَافلِ.

(حفن) [ه] في حديث أبى بكر «إنما نحن حَفْنَةٌ من حَفَنَات الله» أراد إنا على كثرتنا يوم القيامة قليل عند الله كالحَفْنَة ، وهى ملء الكفّ ، على جهة المجاز والتّمثيل ، تعالى الله عن التشبيه ، وهو كالحديث الآخر «حثية من حثيات ربّنا».

وفيه «أن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مارية من حَفْن» هى بفتح الحاء وسكون الفاء والنون : قرية من صعيد مصر ، ولها ذكر في حديث الحسن بن على رضى الله عنهما مع معاوية.

(حفا) ـ فيه «أنّ عجوزا دخلت عليه فسألها فَأَحْفَى ، وقال : إنها كانت تأتينا في زمن خديجة ، وإنّ كرم العهد من الإيمان» يقال أَحْفَى فلان بصاحبه ، وحُفِيَ به ، وتَحَفَّى : أى بالغ في برّه والسّؤال عن حاله.

٤٠٩

ومنه حديث أنس «أنهم سألوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أَحْفَوْه» أى استقصوا في السؤال.

(ه) وحديث عمر «فأنزل أويسا القرنىّ فاحْتَفَاه وأكرمه».

(ه) وحديث عليّ «أنّ الأشعث سلّم عليه فردّ عليه‌السلام بغير تَحَفٍ» أى غير مبالغ في الرّدّ والسؤال.

وحديث السواك «لزمت السواك حتى كدت أُحْفِي فمي» أى استقصى على أسنانى فأذهبها بالتّسوّك.

[ه] ومنه الحديث «أمر أن تُحْفَى الشّوارب» : أى يبالغ في قصّها.

(ه س) والحديث الآخر «إن الله تعالى يقول لآدم : أخرج نصيب جهنم من ذرّيتك ، فيقول : يا رب كم؟ فيقول : من كل مائة تسعة وتسعين ، فقالوا : يا رسول الله احْتُفِينَا إذا ، فما ذا يبقى؟» أى استؤصلنا ، من إِحْفَاء الشّعر. وكلّ شىء استؤصل فقد احْتُفِيَ.

ومنه حديث الفتح «أن تحصدوهم حصدا ، وأَحْفَى بيده» أى أمالها وصفا للحصد والمبالغة في القتل.

وفي حديث خليفة «كتبت إلى ابن عباس أن يكتب إلىّ ويُحْفِي عنّى» أى يمسك عنى بعض ما عنده مما لا أحتمله ، وإن حمل الإِحْفَاء بمعنى المبالغة فيكون عنّى بمعنى علىّ. وقيل هو بمعنى المبالغة في البرّ به والنصيحة له. وروى بالخاء المعجمة.

(ه) وفيه «أنّ رجلا عطس عند النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوق ثلاث ، فقال له : حَفَوْت» أى منعتنا أن نشمّتك بعد الثلاث ، لأنه إنما يشمّت في الأولى والثانية. والحَفْو : المنع ، ويروى بالقاف : أى شدّدت علينا الأمر حتى قطعتنا عن تشميتك. والشّدّ من باب المنع.

ومنه «أنّ رجلا سلم على بعض السّلف فقال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الزّاكيات.

فقال له : أراك قد حَفَوْتَنَا ثوابها» أى منعتنا ثواب السّلام حيث استوفيت علينا في الردّ. وقيل : أراد تقصّيت ثوابها واستوفيته علينا.

وفي حديث الانتعال «لِيُحْفِهما جميعا أو لينعلهما جميعا» أى ليمش حَافِي الرّجلين

٤١٠

أو منتعلهما ، لأنه قد يشقّ عليه المشى بنعل واحدة ، فإنّ وضع إحدى القدمين حَافِيَةً إنما يكون مع التّوقّى من أذى يصيبها ، ويكون وضع القدم المنتعلة على خلاف ذلك فيختلف حينئذ مشيه الذى اعتاده فلا يأمن العثار. وقد يتصوّر فاعله عند الناس بصورة من إحدى رجليه أقصر من الأخرى.

(ه) وفيه «قيل له : متى تحلّ لنا الميتة؟ فقال : ما لم تصطبحوا ، أو تغتبقوا ، أو تَحْتَفِئُوا بها بقلا فشأنكم بها» قال أبو سعيد الضّرير : صوابه «ما لم تَحْتَفُوا بها» بغير همز ، من أَحْفَى الشّعر. ومن قال تَحْتَفِئُوا مهموزا هو من الحَفَإِ ، وهو البردىّ فباطل ؛ لأن البردىّ ليس من البقول.

وقال أبو عبيد : هو من الحَفَأِ ؛ مهموز مقصور ، وهو أصل البرديّ الأبيض الرّطب منه ، وقد يؤكل. يقول ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه. ويروى «ما لم تَحْتَفُّوا» بتشديد الفاء ، من احْتَفَفْت الشىء إذا أخذته كلّه ، كما تَحُفُّ المرأة وجهها من الشّعر. ويروى «ما لم تجتفئوا» بالجيم. وقد تقدم. ويروى بالخاء المعجمة وسيذكر في بابه.

وفي حديث السّباق ذكر «الحَفْيَاء» وهو بالمدّ والقصر : موضع بالمدينة على أميال. وبعضهم يقدّم الياء على الفاء.

(باب الحاء مع القاف)

(حقب) (ه) فيه «لا رأى لحَاقِب ولا لحاقن» الحَاقِب : الذى احتاج إلى الخلاء فلم يتبرّز فانحصر غائطه.

ومنه الحديث «نهى عن صلاة الحَاقِب والحاقن».

(س) ومنه الحديث «حَقِبَ أمر الناس» أى فسد واحتبس ، من قولهم حقب المطر : أى تأخّر واحتبس.

(ه) ومنه حديث عبادة بن أحمر «فجمعت إبلى وركبت الفحل فحَقِبَ فتفاجّ يبول فنزلت عنه» حَقِبَ البعير : إذا احتبس بوله. وقيل هو أن يصيب قضيبه الحَقَبُ. وهو الحبل الذى يشدّ على حقو البعير فيورثه ذلك.

(س) ومنه حديث حنين «ثم انتزع طلقا من حَقَبِه» أى من الحبل المشدود على حقو

٤١١

البعير ، أو من حَقِيبَتِه ، وهى الزيادة (١) التى تجعل في مؤخّر القتب ، والوعاء الذى يجمع الرجل فيه زاده.

(س) ومنه حديث زيد بن أرقم «كنت يتيما لابن رواحة فخرج بى إلى غزوة مؤتة مردفي على حَقِيبَة رحله».

(س) وحديث عائشة «فأَحْقَبَها عبد الرحمن على ناقة» أى أردفها خلفه على حَقِيبَة الرحل.

(س) وحديث أبى أمامة «أنه أَحْقَبَ زاده خلفه على راحلته» أى جعله وراءه حَقِيبَة.

(س) ومنه حديث ابن مسعود «الإمّعة فيكم اليوم المُحْقِب النّاس دينه» وفي رواية «الذى يَحْقِب دينه الرّجال» أراد الذى يقلّد دينه لكل أحد. أى يجعل دينه تابعا لدين غيره بلا حجّة ولا برهان ولا رويّة ، وهو من الإرداف على الحَقِيبَة.

(س) وفي صفة الزبير «كان نفج الحَقِيبَة» أى رابى العجز ناتئه ، وهو بضم النون والفاء.

ومنه انتفج جنبا البعير : أى ارتفعا.

(س) وفيه ذكر «الأَحْقَب» ، وهو أحد النّفر الذين جاءوا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جنّ نصيبين. قيل كانوا خمسة : خسا ، ومسا ، وشاصه ، وباصه ، والأَحْقَب.

وفي حديث قسّ :

وأعبد من تعبّد في الحِقَبِ

جمع حِقْبَة بالكسر وهى السّنة. والحُقْب بالضم. ثمانون سنة. وقيل أكثر. وجمعه حِقَاب.

(حقحق) [ه] في حديث سلمان «شرّ السّير الحَقْحَقَة» هو المتعب من السّير. وقيل هو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه.

ومنه حديث مطرّف «أنه قال لولده : شرّ السّير الحَقْحَقَة» وهو إشارة إلى الرّفق في العبادة.

(حقر) ـ فيه «عطس عنده رجل فقال : حَقِرْت ونقرت» حَقُرَ الرجل إذا صار حَقِيراً : أى ذليلا.

__________________

(١) في الأساس والتاج : الرفادة.

٤١٢

(حقف) (ه) فيه «فإذا ظبى حَاقِفٌ» أى نائم قد انحنى في نومه.

وفي حديث قسّ «في تنائف حِقَاف» وفي رواية أخرى «في تنائف حَقَائِف» الحِقَاف : جمع حِقْف : وهو ما اعوجّ من الرّمل واستطال ، ويجمع على أَحْقَاف. فأما حَقَائِف فجمع الجمع ، إمّا جمع حِقَاف أو أَحْقَاف.

(حقق) ـ في أسماء الله تعالى «الْحَقُ» هو الموجود حَقِيقَة المُتَحَقِّق وجوده وإلهيّته. والحَقُ : ضدّ الباطل.

ومنه الحديث «من رآنى فقد رأى الحَقَ» أى رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام. وقيل فقد رآني حَقِيقَةً غير مشبّه.

ومنه الحديث «أمينا حَقٌ أمين» أى صدقا. وقيل واجبا ثابتا له الأمانة.

ومنه الحديث «أتدري ما حَقُ العباد على الله؟» أى ثوابهم الذى وعدهم به ، فهو واجب الإنجاز ثابت بوعده الحقّ.

ومنه الحديث «الحَقُ بعدى مع عمر!».

ومنه حديث التّلبية «لبّيك حَقّاً حقّا» أى غير باطل ، وهو مصدر مؤكّد لغيره : أى أنه أكّد به معنى ألزم طاعتك الذى دلّ عليه لبّيك ، كما تقول : هذا عبد الله حقّا فتؤكّد به ، وتكريره لزيادة التأكيد. وتعبّدا مفعول له (١).

(س) ومنه الحديث «إن الله أعطى كل ذى حَقٍ حَقَّه فلا وصيّة لوارث» أى حظّه ونصيبه الذى فرض له.

(ه) ومنه حديث عمر «أنه لمّا طعن أوقظ للصلاة ، فقال : الصلاة والله إذا ، ولا حَقَ» أى لا حظّ في الإسلام لمن تركها. وقيل : أراد الصّلاة مقضيّة إذا ، ولا حقّ مقضىّ غيرها : يعنى في عنقه حُقُوقاً جمّة يجب عليه الخروج من عهدتها وهو غير قادر عليه فهب أنه قضى حقّ الصلاة فما بال الحُقُوقُ الأخر؟.

__________________

(١) هكذا بالأصل وا ، ولسنا نجد لقوله «تعبدا» مرجعا في الحديث. وقد نقلها اللسان كما هى. وتشكك مصححه فقال : «قوله تعبدا .. الخ» هكذا بالأصل والنهاية.

٤١٣

(س) ومنه الحديث «ليلة الضّيف حَقٌ ، فمن أصبح بفنائه ضيف فهو عليه دين» جعلها حقّا من طريق المعروف والمروءة ، ولم يزل قرى الضّيف من شيم الكرام ، ومنع القرى مذموم.

(س) ومنه الحديث «أيّما رجل ضاف قوما فأصبح محروما فإنّ نصره حَقٌ على كل مسلم حتى يأخذ قرى ليلته من زرعه وماله» وقال الخطّابى : يشبه أن يكون هذا في الذى يخاف التّلف على نفسه ولا يجد ما يأكله ، فله أن يتناول من مال الغير ما يقيم نفسه. وقد اختلف الفقهاء في حكم ما يأكله : هل يلزمه في مقابلته شىء أم لا؟

(س ه) وفيه «ما حَقُ امرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلّا ووصيّته عنده» أى ما الأحزم له والأحوط إلّا هذا. وقيل : ما المعروف في الأخلاق الحسنة إلا من جهة الفرض. وقيل : معناه أنّ الله حكم على عباده بوجوب الوصيّة مطلقا ، ثم نسخ الوصيّة للوارث ، فبقى حقّ الرجل في ماله أن يوصى لغير الوارث ، وهو ما قدّره الشارع بثلث ماله.

(ه) وفي حديث الحضانة «فجاء رجلان يَحْتَقَّان في ولد» أى يختصمان ويطلب كل واحد منهما حَقَّه.

ومنه الحديث «من يُحَاقُّنِي في ولدى».

وحديث وهب «كان فيما كلّم الله أيوب عليه‌السلام : أتُحَاقُّنِي بخطئك؟».

(س) ومنه كتابه لحصين «إنّ له كذا وكذا لا يُحَاقُّه فيها أحد».

(ه) وحديث ابن عباس «متى ما يغلوا في القرآن يَحْتَقُّوا» أى يقول كل واحد منهم الحقّ بيدى.

(ه) وفي حديث عليّ «إذا بلغ النّساء نصّ الحِقَاق فالعصبة أولى» الحِقَاق : المخاصمة ، وهو أن يقول كل واحد من الخصمين : أنا أَحَقُ به. ونصّ الشىء : غايته ومنتهاه. والمعنى أن الجارية ما دامت صغيرة فأمّها أولى بها ، فإذا بلغت فالعصبة أولى بأمرها. فمعنى بلغت نصّ الحِقَاق : غاية البلوغ. وقيل : أراد بنصّ الحِقَاق بلوغ العقل والإدراك ، لأنه إنّما أراد منتهى الأمر الذى تجب فيه الحُقُوق. وقيل : المراد بلوغ المرأة إلى الحدّ الذى يجوز فيه تزويجها وتصرّفها في أمرها ، تشبيها

٤١٤

بالحِقَاق من الإبل. جمع حِقٍ وحِقَّة ، وهو الذى دخل في السّنة الرابعة ، وعند ذلك يتمكّن من ركوبه وتحميله. ويروى «نصّ الحَقَائق» جمع الحَقِيقَة : وهو ما يصير إليه حق الأمر ووجوبه ، أو جمع الحِقَّة من الإبل.

ومنه قولهم «فلان حامى الحَقِيقَة» إذا حمى ما يجب عليه حمايته.

(ه) وفيه «لا يبلغ المؤمن حَقِيقَةَ الإيمان حتى لا يعيب مسلما بعيب هو فيه» يعنى خالص الإيمان ومحضه وكنهه.

وفي حديث الزكاة ذكر «الحِقِ والحِقَّة» وهو من الإبل ما دخل في السنة الرابعة إلى آخرها. وسمّى بذلك لأنه اسْتَحَّقّ الركوب والتّحميل ، ويجمع على حِقَاق وحَقَائِق.

(ه) ومنه حديث عمر «من وراء حِقَاق العرفط» أى صغارها وشوابّها ، تشبيها بحِقَاق الإبل.

(ه) وفي حديث أبى بكر «أنه خرج في الهاجرة إلى المسجد ، فقيل له : ما أخرجك؟ قال : ما أخرجنى إلّا ما أجد من حَاقِ الجوع» أى صادقه وشدّته. ويروى بالتخفيف ، من حَاقَ به يَحِيقُ حَيْقاً وحَاقاً إذا أحدق به ، يريد من اشتمال الجوع عليه. فهو مصدر أقامه مقام الاسم ، وهو مع التشديد اسم فاعل من حقّ يحقّ.

وفي حديث تأخير الصلاة «وتَحْتَقُّونَها إلى شرق الموتى» أى تضيّقون وقتها إلى ذلك الوقت. يقال : هو في حَاقٍ من كذا : أى في ضيق ، هكذا رواه بعض المتأخرين وشرحه. والرواية المعروفة بالخاء المعجمة والنون ، وسيجيء.

(ه) وفيه «ليس للنساء أن يَحْقُقْنَ الطريق» هو أن يركبن حُقَّها ، وهو وسطها. يقال : سقط على حاقّ القفا وحقّه.

وفي حديث حذيفة «ما حَقَ القول على بنى إسرائيل حتى استغنى الرجال بالرجال والنّساء بالنساء» أى وجب ولزم.

(ه) وفي حديث عمرو بن العاص «قال لمعاوية : لقد تلافيت أمرك وهو أشدّ انفضاجا من حُقِ الكَهُول» حقّ الكهول : بيت العنكبوت ، وهو جمع حُقَّة : أى وأمرك ضعيف.

٤١٥

وفي حديث يوسف بن عمر «إنّ عاملا من عمّالى يذكر أنه زرع كلّ حُقٍ ولقّ» الحُقُ : الأرض المطمئنّة. واللُّقُّ : المرتفعة.

(حقل) [ه] فيه «أنه نهى عن المُحَاقَلة» المُحَاقَلَة مختلف فيها. قيل : هى اكتراء الأرض بالحنطة. هكذا جاء مفسّرا في الحديث ، وهو الذى يسمّيه الزّرّاعون : المحارثة (١). وقيل : هى المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والرّبع ونحوهما. وقيل : هى بيع الطعام في سنبله بالبرّ. وقيل : بيع الزرع قبل إدراكه. وإنّما نهى عنها لأنها من المكيل ، ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد إلّا مثلا بمثل ويدا بيد. وهذا مجهول لا يدرى أيّهما أكثر.

وفيه «النّسيئة والمُحَاقَلَة» مفاعلة ، من الحَقْل وهو الزرع إذا تشعّب قبل أن يغلظ سوقه. وقيل : هو من الحَقْل وهى الأرض التى تزرع. ويسمّيه أهل العراق القراح.

(ه) ومنه الحديث «ما تصنعون بمُحَاقَلِكم» أى مزارعكم ، واحدها مَحْقَلَة ، من الحقل : الزرع ، كالمبقلة من البقل.

ومنه الحديث «كانت فينا امرأة تَحْقِل على أربعاء لها سلقا» هكذا رواه بعض المتأخّرين وصوّبه : أى تزرع. والرواية : تزرع وتجعل (٢).

(حقن) (ه) فيه «لا رأى لحَاقِن» هو الذى حبس بوله ، كالحاقب للغائط.

(ه) ومنه الحديث «لا يصلّينّ أحدكم وهو حَاقِنٌ ـ وفي رواية حَقِنٌ ـ حتى يتخفّف» الحاقن والحقن سواء.

ومنه الحديث «فحَقَنَ له دمه» يقال حقنت له دمه إذا منعت من قتله وإراقته : أى جمعته له وحبسته عليه.

ومنه الحديث «أنه كره الحُقْنَة» وهو أن يعطى المريض الدّواء من أسفله ، وهى معروفة عند الأطبّاء.

(ه) وفي حديث عائشة «توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين حَاقِنَتِي وذاقتني» الحَاقِنَة : الوهدة المنخفضة بين التّرقوتين من الحلق.

__________________

(١) في ا : المخابرة. وفي اللسان : المجاربة.

(٢) هكذا بالأصل وا. والذى في اللسان نقلا عن النهاية «تزرع وتحقل»

٤١٦

(حقا) (ه) فيه «أنه أعطى النّساء اللاتى غسّلن ابنته حَقْوَه وقال : أشعرنها إيّاه» أى إزاره. والأصل في الحَقْوِ معقد الإزار ، وجمعه أَحْقٍ وأَحْقَاء ، ثم سمّى به الإزار للمجاورة. وقد تكرر في الحديث.

فمن الأصل حديث صلة الرّحم «قال : قامت الرحم فأخذت بِحَقْو الرحمن» لمّا جعل الرّحم شجنة من الرحمن استعار لها الاستمساك به ، كما يستمسك القريب بقريبه ، والنّسيب بنسيبه. والحَقْو فيه مجاز وتمثيل. ومنه قولهم : عذت بحَقْو فلان إذا استجرت به واعتصمت.

وحديث النعمان يوم نهاوند «تعاهدوا هماينكم في أَحْقِيكُمْ» الأَحْقِي جمع قلّة لِلْحَقْو : موضع الإزار.

(س) ومن الفرع حديث عمر «قال للنساء : لا تزهدن في جفاء الحَقْو» أى لا تزهدن في تغليظ الإزار وثخانته ليكون أستر لكنّ.

وفيه «إن الشيطان قال : ما حسدت ابن آدم إلّا على الطّسأة والحَقْوَة» الحقوة : وجع في البطن. يقال منه : حُقِي فهو مَحْقُوٌّ.

(باب الحاء مع الكاف)

(حكأ) ـ في حديث عطاء «أنه سئل عن الحُكَأَة الحُكْأَة فقال : ما أحبّ قتلها»

الحُكأَةُ : العظاءة بلغة أهل مكة ، وجمعها حُكَاء. وقد يقال بغير همز ، ويجمع على حُكَا مقصورا. والحُكَاء ممدود : ذكر الخنافس ، وإنّما لم يحبّ قتلها لأنّها لا تؤذى. هكذا قال أبو موسى. وقال الأزهرى : أهل مكة يسمون العظاءة الحُكَأَة ، والجمع الحُكَا مقصور. قال : وقال أبو حاتم : قالت أمّ الهيثم : الحُكَاءَة ممدودة ومهموزة ، وهو كما قالت.

(حكر) (س) فيه «من احْتَكَرَ طعاما فهو كذا» أى اشتراه وحبسه ليقلّ فيغلو. والحُكْرُ والحُكْرَةُ الاسم منه.

ومنه الحديث «أنه نهى عن الحُكْرَةِ».

٤١٧

(س) ومنه حديث عثمان «أنه كان يشترى العير حُكْرَةً» أى جملة. وقيل جزافا. وأصل الحَكْر : الجمع والإمساك.

(س) وفي حديث أبى هريرة «قال في الكلاب : إذا وردن الحَكَر القليل فلا تطعمه» الحَكَر بالتحريك : الماء القليل المجتمع ، وكذلك القليل من الطعام واللّبن ، فهو فعل بمعنى مفعول : أى مجموع. ولا تطعمه : أى لا تشربه.

(حكك) ـ فيه «البرّ حسن الخلق ، والإثم ما حَكَ في نفسك وكرهت أن يطّلع عليه الناس» يقال حَكَ الشىء في نفسى : إذا لم تكن منشرح الصّدر به ، وكان في قلبك منه شىء من الشّك والرّيب ، وأوهمك أنه ذنب وخطيئة.

(ه) ومنه الحديث الآخر «الإثم ما حَكَ في الصّدر وإن أفتاك المفتون».

(ه) والحديث الآخر «إيّاكم والحَكَّاكَات فإنّها المآثم» جمع حَكَّاكة ، وهى المؤثّرة في القلب.

(ه) وفي حديث أبى جهل «حتى إذا تَحَاكَّت الرّكب قالوا منّا نبىّ ، والله لا أفعل» أى تماسّت واصطكت : يريد تساويهم في الشّرف والمنزلة. وقيل : أراد به تجاثيهم على الرّكب للتّفاخر.

(ه) وفي حديث السقيفة «أنا جذيلها المُحَكَّك» أراد أنه يستشفى برأيه كما تستشفى الإبل الجربى باحْتِكَاكِها بالعود المُحَكَّك : وهو الذى كثر الاحتكاك به. وقيل : أراد أنه شديد البأس صلب المكسر ، كالجذل المحكّك. وقيل : معناه أنا دون الأنصار جذل حِكَاكٍ ، فبى تقرن الصّعبة. والتّصغير للتعظيم.

(س) وفي حديث عمرو بن العاص «إذا حَكَكْت قرحة دمّيتها» أى إذا امّمت غاية تقصّيتها وبلغتها.

(س) وفي حديث ابن عمر «أنه مرّ بغلمان يلعبون بالحِكَّة ، فأمر بها فدفنت» هى لعبة لهم ؛ يأخذون عظما فيَحُكُّونه حتى يبيضّ ، ثم يرمونه بعيدا ، فمن أخذه فهو الغالب.

(حكم) ـ في أسماء الله تعالى «الحكم و (الْحَكِيمُ)» هما بمعنى الحَاكِم ، وهو القاضى. والحكيم

٤١٨

فعيل بمعنى فاعل ، أو هو الذى يُحْكِم الأشياء ويتقنها ، فهو فعيل بمعنى مفعل. وقيل : الحَكِيم : ذو الحِكْمَة. والحِكْمَةُ عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. ويقال لمن يحسن دقائق الصّناعات ويتقنها : حَكِيم.

ومنه حديث صفة القرآن «وهو الذّكر الحَكِيم» أى الحَاكِم لكم وعليكم ، أو هو المُحْكَم الذى لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، فعيل بمعنى مفعل ، أُحْكِمَ فهو مُحْكَم.

(س) ومنه حديث ابن عباس «قرأت المُحْكَم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» يريد المفصّل من القرآن ، لأنه لم ينسخ منه شىء. وقيل : هو ما لم يكن متشابها ؛ لأنه أحكم بيانه بنفسه ولم يفتقر إلى غيره.

وفي حديث أبى شريح «أنه كان يكنّى أبا الحَكَم ، فقال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله هو الحَكَم ، وكنّاه بأبى شريح». وإنما كره له ذلك لئلا يشارك الله تعالى في صفته.

(ه) وفيه «إنّ من الشّعر لحُكْماً» أى إنّ من الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل والسّفه ، وينهى عنهما. قيل : أراد بها المواعظ والأمثال التى ينتفع بها الناس. والحُكْم : العلم والفقه والقضاء بالعدل ، وهو مصدر حَكَمَ يَحْكُم. ويروى «إنّ من الشّعر لَحِكْمَة» وهى بمعنى الحكم.

ومنه الحديث (١) «الصّمت حُكْمٌ وقليل فاعله».

ومنه الحديث «الخلافة في قريش ، والحُكْمُ في الأنصار» خصّهم بالحُكْم ؛ لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم : منهم معاذ بن جبل ، وأبىّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم.

ومنه الحديث «وبك حَاكَمْت» أى رفعت الحكم إليك فلا حكم إلّا لك. وقيل : بك خاصمت في طلب الحكم وإبطال من نازعنى في الدين ، وهى مفاعلة من الحكم.

وفيه «إن الجنة للمُحَكَّمِين» يروى بفتح الكاف وكسرها ، فالفتح : هم الذين يقعون في يد العدوّ فيخيّرون بين الشرك والقتل فيختارون القتل. قال الجوهرى : هم قوم من أصحاب

__________________

(١) عبارة الهروى : ويقال : الصمت ... الخ.

٤١٩

الأخدود فعل بهم ذلك فاختاروا الثّبات على الإيمان مع القتل. وأمّا بالكسر فهو المنصف من نفسه. والأوّل الوجه.

(ه) ومنه حديث كعب «إنّ في الجنّة دارا ـ ووصفها ، ثم قال ـ : لا ينزلها إلّا نبىّ أو صدّيق أو شهيد أو مُحَكَّم في نفسه».

(س) وفي حديث ابن عباس «كان الرجل يرث امرأة ذات قرابة فيعضلها حتى تموت أو تردّ إليه صداقها ، فَأَحْكَمَ الله عن ذلك ونهى عنه» أى منع منه. يقال أَحْكَمْتُ فلانا : أى منعته. وبه سمّى الحَاكِم ؛ لأنه يمنع الظالم. وقيل : هو من حَكَمْت الفرس وأَحْكَمْته وحَكَّمْته : إذا قدعته وكففته.

(س) وفي الحديث «ما من آدمى إلا وفي رأسه حَكَمَة». وفي رواية «في رأس كل عبد حَكَمَة ، إذا همّ بسيّئة فإن شاء الله أن يقدعه بها قدعه» الحَكَمَة : حديدة في اللّجام تكون على أنف الفرس وحنكه ، تمنعه عن مخالفة راكبه. ولما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة. وكان الحنك متّصلا بالرأس جعلها تمنع من هى في رأسه ، كما تمنع الحكمة الدابة.

(س) ومنه حديث عمر «إن العبد إذا تواضع رفع الله حَكَمَتَه» أى قدره ومنزلته ، كما يقال : له عندنا حَكَمَةٌ : أى قدر. وفلان عالى الحَكَمَةِ. وقيل : الحَكَمَة من الإنسان : أسفل وجهه ، مستعار من موضع حَكَمَةِ اللّجام ، ورفعها كناية عن الإعزاز ، لأنّ من صفة الذّليل تنكيس رأسه.

(س) ومنه الحديث «وأنا آخذ بحَكَمَة فرسه» أى بلجامه. [ه] وفي حديث النّخعىّ «حَكِّمِ اليتيم كما تُحَكِّمُ ولدك» أى امنعه من الفساد كما تمنع ولدك. وقيل : أراد حَكِّمْهُ في ماله إذا صلح كما تحكّم ولدك.

(ه) وفيه «فى أرش الجراحات الحُكُومَة» يريد الجراحات التى ليس فيها دية مقدّرة. وذلك أن يجرح في موضع من بدنه جراحة تشينه فيقيس الحاكم أرشها بأن يقول : لو كان هذا

٤٢٠