النّهاية - ج ١

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ١

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٢

وفي حديث بعضهم «الحَزَاءَةُ يشربها أكايس النّساء لِلطُّشَّةِ» الحَزَاءَةُ نبت بالبادية يشبه الكرفس إلا أنه أعرض ورقا منه. والحَزَاءُ : جنس لها. والطُّشَّةُ : الزكام. وفي رواية : «يشتريها أَكايِس النّساء للخافية والإقلات». الخافية : الجنّ. والإقلات : موت الولد. كأنّهم كانوا يرون ذلك من قبل الجنّ ، فإذا تبخّرن به نفعهنّ في ذلك.

(باب الحاء مع السين)

(حسب) ـ في أسماء الله تعالى «الحَسِيبُ» هو الكافي ، فَعِيل بمعنى مُفْعِل ، من أَحْسَبَنِي الشىءُ : إذا كفاني. وأَحْسَبْتُهُ وحَسَّبْتُهُ بالتّشديد أعطيته ما يرضيه حتى يقول حسبي.

ومنه حديث عبد الله بن عمرو «قال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يَحْسِبُكَ أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام» ، أى يكفيك. ولو روى «بِحَسْبِكَ أن تصوم» أى كفايتك ، أو كافيك ، كقولهم بِحَسْبِكَ قول السّوء ، والباء زائدة لكان وجها.

(ه) وفيه «الحَسَبُ المال ، والكرم التّقوى» الحَسَبُ في الأصل : الشّرف بالآباء وما يعدّه الناس من مفاخرهم. وقيل الحَسَبُ والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف. والشّرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء ، فجعل المال بمنزلة شرف النفس أو الآباء. والمعنى أن الفقير ذا الحَسَب لا يوقّر ولا يحتفل به ، والغنىّ الذى لا حسب له يوقّر ويجلّ في العيون.

(ه) ومنه الحديث الآخر «حَسَبُ المرء خلقه ، وكرمه دينه (١)».

ومنه حديث عمر رضى الله عنه «حَسَبُ المرء دينه ، ومروءته خلقه».

وحديثه الآخر «حَسَبُ الرجل نقاء ثوبيه» أى أنّه يوقّر لذلك حيث هو دليل الثروة والجدة.

(ه) ومنه الحديث «تنكح المرأة لمِيسمها وحَسَبِهَا» قيل الحَسَبُ هاهنا الفعال الحسن.

__________________

(١) في الأصل : حسب المرء دينه ، وكرمه خلقه. والمثبت من ا واللسان والهروى.

٣٨١

(ه) ومنه حديث وفد هوازن «قال لهم اختاروا إحدى الطائفتين : إما المال ، وإما السّبى ، فقالوا : أما إذا خيّرتنا بين المال والحَسَبِ فإنّا نختار الحَسَبَ ، فاختاروا أبناءهم ونساءهم» أرادوا أن فكاك الأسرى وإيثاره على استرجاع المال حَسَبٌ وفعال حسن ، فهو بالاختيار أجدر. وقيل :المراد بالحَسَبِ هاهنا عدد ذوى القرابات ، مأخوذا من الحِسَاب ، وذلك أنهم إذا تفاخروا عدّ كلّ واحد منهم مناقبه ومآثر آبائه وحسبها. فالحَسَبُ : العدّ والمعدود. وقد تكرر في الحديث.

(ه) وفيه «من صام رمضان إيمانا واحتِسَاباً» أى طلبا لوجه الله وثوابه. فالاحْتِسَاب من الحَسَبِ ، كالاعتداد من العدّ ، وإنما قيل لمن ينوى بعمله وجه الله احْتَسَبَهُ ؛ لأن له حينئذ أن يعتدّ عمله ، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتدّ به. والحِسْبَةُ اسم من الاحْتِسَاب ، كالعدّة من الاعتداد ، والاحْتِسَاب في الأعمال الصالحة ، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتّسليم والصّبر ، أو باستعمال أنواع البرّ والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثّواب المرجوّ منها.

(ه) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «أيها الناس احْتَسِبُوا أعمالَكم ، فإن من احْتَسَبَ عمله كتب له أجر عمله وأجر حِسْبَتِهِ.

(ه) ومنه الحديث «من مات له ولد فاحْتَسَبَهُ» أى احْتَسَبَ الأجر بصبره على مصيبته. يقال : احْتَسَبَ فلان ابنا له : إذا مات كبيرا ، وافترطه (١) إذا مات صغيرا ، ومعناه : اعتدّ مصيبته به في جملة بلايا الله التى يثاب على الصّبر عليها. وقد تكرر ذكر الاحْتِسَاب في الحديث.

(ه) وفي حديث طلحة «هذا ما اشترى طلحة من فلان فتاه بخمسمائة درهم بالحَسَبِ والطّيب» أى بالكرامة من المشترى والبائع ، والرّغبة وطيب النّفس منهما. وهو من حَسَّبْتُهُ إذا أكرمته. وقيل هو من الحُسْبَانَة ، وهى الوسادة الصّغيرة. يقال حَسَّبْتُ الرجل إذا وسّدته ، وإذا أجلسته على الحُسْبَانَة.

ومنه حديث سماك «قال شعبة : سمعته يقول : ما حَسَّبُوا ضيفَهم» أى ما أكرموه.

(ه) وفي حديث الأذان «إنّهم يجتمعون فَيَتَحَسَّبُونَ الصلاة ، فيجيئون بلا داع» أى

__________________

(١) في الأصل «وأفرطه» والمثبت هو الصحيح.

٣٨٢

يتعرّفون ويتطلّبون وقتها ويتوقعونه ، فيأتون المسجد قبل أن يسمعوا الأذان. والمشهور في الرواية يتحيّنون ، من الحين : الوقت : أى يطلبون حينها.

ومنه حديث بعض الغزوات «أنهم كانوا يَتَحَسَّبُونَ الأخبار» أى يطلبونها.

وفي حديث يحيى بن يَعْمَر «كان إذا هبّت الرّيح يقول : لا تجعلها حُسْبَاناً» أى عذابا.

وفيه «أفضل العمل منح الرّغاب ، لا يعلم حُسْبَانَ أجرها إلا الله عزوجل» الحُسْبَانُ بالضم : الحساب. يقال : حَسَبَ يَحْسُبُ حِسْبَاناً وحُسْبَاناً.

(حسد) ـ فيه «لا حَسَدَ إلا في اثنتين» الحَسَدُ : أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنّى أن تزول عنه وتكون له دونه. والغَبْطُ : أن يتمنّى أن يكون له مثلها ولا يتمنّى زوالها عنه. والمعنى : ليس حَسَدٌ لا يضرّ إلّا في اثنتين.

(حسر) (ه س) فيه «لا تقوم الساعة حتّى يَحْسُرَ الفرات عن جبل من ذهب» أى يكشف. يقال : حَسَرْتُ العمامة عن رأسى ، والثّوب عن بدنى : أى كشفتهما ومنه الحديث «فَحَسَرَ عن ذراعيه» أى أخرجهما من كمّيه.

(س) وحديث عائشة «وسئلت عن امرأة طلّقها زوجها فتزوّجها رجل فَتَحَسَّرَتْ بين يديه» أى قعدت حَاسِرَةً مكشوفة الوجه.

(س) ومنه حديث يحيى بن عبّاد «ما من ليلة إلّا ملك يَحْسُرُ عن دواب الغزاة الكلال» أى يكشف. ويروى يحسّ. وسيجىء.

(س) ومنه حديث عليّ «ابنوا المساجد حُسَّراً فإن ذلك سيماء المسلمين» أى مكشوفة الجُدُر لا شرف لها (١).

ومثله حديث أنس «ابنوا المساجد جمّا» والحُسَّرُ جمع حَاسِر وهو الذى لا درع عليه ولا مغفر.

__________________

(١) في الدر النثير : قلت : إنما الحديث «ابنوا المساجد حسرا ومقنعين أى مغطاة رؤوسكم بالقناع ومكشفة منه» ، كذا في كامل بن عدى وتاريخ ابن عساكر.

٣٨٣

(ه) ومنه حديث أبى عبيدة رضى الله عنه «أنه كان يوم الفتح على الحُسَّرِ» جمع حَاسِر كشَاهِدٍ وشُهَّدٍ.

(ه) وفي حديث جابر بن عبد الله «فأخذت حجرا فكسرته وحَسَرْتُهُ» يريد غصنا من أغصان الشّجرة : أى قشره بالحجر.

(ه) وفيه «ادعوا الله عزوجل ولا تَسْتَحْسِرُوا» أى لا تملّوا. وهو استفعال في حَسَرَ إذا أعيا وتَعَبَ ، يَحْسِرُ حُسُوراً فهو حَسِيرٌ.

ومنه حديث جرير «ولا يَحْسِرُ صاحبها» أى لا يتعب ساقيها ، وهو أبلغ.

(ه) ومنه الحديث «الحَسِير لا يُعْقَرُ» هو المعيى منها ، فعيل بمعنى مفعول ، أو فاعل : أى لا يجوز للغازى إذا حَسَرَتْ دابّته وأعيت أن يعقرها مخافة أن يأخذها العدو ، ولكن يسيّبها. ويكون لازما ومتعدّيا.

(ه) ومنه الحديث «حَسَرَ أخى فرسا له بعين التمر وهو مع خالد بن الوليد». ويقال فيه أَحْسَرَ أيضا.

(ه) وفيه «يخرج في آخر الزّمان رجل يسمى أمير العُصَب ، أصحابه مُحَسَّرُونَ مُحَقَّرُونَ» أى مُؤْذَون محمولون على الحَسْرَة ، أو مطرودون متعبون ، من حَسَرَ الدّابة إذا أتعبها.

(حسس) (ه) فيه «أنه قال لرجل : متى أَحْسَسْتَ أمّ مِلدَم» أى متى وجدت مسّ الحمّى. والإِحْسَاس : العلم بالحَوَاسّ ، وهى مشاعر الإنسان كالعين والأذن والأنف واللسان واليد.

(ه) ومنه الحديث «أنه كان في مسجد الخَيف فسمع حِسَ حيّة» أى حركتها وصوت مشيها.

ومنه الحديث «إنّ الشيطان حَسَّاسٌ لَحَّاس» أى شديد الحسّ والإدراك.

[ه] وفيه «لا تَحَسَّسُوا ، ولا تَجَسَّسُوا» قد تقدم ذكره في حرف الجيم مستوفى.

وفي حديث عوف بن مالك «فهجمت على رجلين فقلت : هل حَسْتُمَا من شيء؟ قالا : لا» حَسْتُ وأَحْسَسْتُ بمعنى ، فحذف إحدى السّينين تخفيفا : أى هل أَحْسَسْتُمَا من شىء : وقيل غير ذلك. وسيرد مبيّنا في آخر هذا الباب.

٣٨٤

(ه) وفي حديث عمر «أنه مرّ بامرأة قد ولدت ، فدعا لها بشربة من سويق وقال : اشربى هذا فإنه يقطع الحِسَ» الحِسُ : وجع يأخذ المرأة عند الولادة وبعدها.

وفيه «حُسُّوهُمْ بالسّيف حِسّا» أى استأصلوهم قتلا ، كقوله تعالى (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) وحَسَ البردُ الكلأُ إذا أهلكه واستأصله.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «لقد شَفَى وَحَاوِحَ صدرى حَسُّكُم إيّاهم بالنّصال».

ومنه حديثه الآخر «كما أزالوكم حَسّا بالنّصال»

ويروى بالشين المعجمة. وسيجىء.

(ه) ومنه الحديث في الجراد «إذا حَسَّهُ البرد فقتله».

(ه) ومنه حديث عائشة «فبعثت إليه بجراد مَحْسُوس» أى قتله البرد. وقيل هو الذى مسّته النار.

(ه) وفي حديث زيد بن صوحان «ادفنونى في ثيابى ولا تَحُسُّوا عنّى ترابا» أى لا تنفضوه.

ومنه حَسُ الدابَّة : وهو نفض التّراب عنها.

[ه] ومنه حديث يحيى بن عبّاد «ما من ليلة أو قرية إلّا وفيها ملك يَحُسُ عن ظهور دوابّ الغزاة الكلال» أى يذهب عنها التّعب بِحَسِّهَا وإسقاط التّراب عنها.

وفيه «أنه وضع يده في البرمة ليأكل فاحترقت أصابعه ، فقال : حَسِ» هى بكسر السين والتشديد : كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضّه وأحرقه غفلة ، كالجمرة والضّربة ونحوهما.

(ه) ومنه الحديث «أصاب قدمه قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : حَسِ».

ومنه حديث طلحة رضي‌الله‌عنه «حين قطعت أصابعه يوم أحد فقال : حَسِ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والنّاس ينظرون» وقد تكرر في الحديث.

وفيه «أنّ رجلا قال : كانت لى ابنة عمّ فطلبت نفسها ، فقالت : أوتعطينى مائة دينار؟ فطلبتها من حَسِّي وبَسّي» أى من كلّ جهة. يقال : جىء به من حَسِّكَ وبَسِّكَ : أي من حيث شئت.

٣٨٥

(س) وفي حديث قتادة «إنّ المؤمن لَيَحِسُ للمنافق» أى يأوى إليه ويتوجع. يقال : حَسَسْتُ له بالفتح والكسر أَحِسُ : أى رققت له.

(حسف) [ه] فيه «أنّ عمر رضى الله عنه كان يأتيه أَسْلَمُ بالصّاع من التّمر ، فيقول : يا أسلمُ حُتَّ عنه قشرَه ، قال : فأَحْسِفُهُ ثم يأكله» الحَسْفُ كالحتّ ، وهو : إزالة القشر.

ومنه حديث سعد بن أبى وقاص «قال عن مصعب بن عمير : لقد رأيت جلده يَتَحَسَّفُ تَحَسُّفَ جلد الحيّة» أى يتقشّر.

(حسك) [ه] فيه «تياسروا في الصّداق ، فإن الرجل ليعطى المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حَسِيكة» أى عداوة وحقدا. يقال : هو حَسَكُ الصّدر على فلان.

[ه] وفي حديث خيفان «أمّا هذا الحىّ من بلحارث بن كعب فحَسَكٌ أمراس» الحَسَكُ : جمع حَسَكَة ، وهى شوكة صلبة معروفة.

ومنه حديث عمرو بن معدى كرب «بنو الحارث حَسَكَةٌ مَسَكَةٌ».

[ه] وفي حديث أبى أمامة «أنه قال لقوم : إنّكم مُصَرِّرُونَ مُحَسِّكُون» هو كناية عن الإمساك والبخل ، والصّرّ على الشّىء الذى عنده. قاله شمر.

وفيه ذكر «حُسَيْكَة» هو بضم الحاء وفتح السين : موضع بالمدينة كان به يهود من يهودها.

(حسم) (ه) في حديث سعد رضى الله عنه «أنه كواه في أَكْحَلهُ ثم حَسَمَهُ» أى قطع الدم عنه بالكىّ.

(ه) ومنه الحديث «أنه أتى بسارق فقال اقطعوه ثم احْسِمُوه» أى اقْطَعوا يده ثم اكْوُوها لينقطع الدّم.

(ه) ومنه الحديث «عليكم بالصوم فإنه مَحْسَمَةٌ للعرق» أى مقطعة للنّكاح. وقد تكرر في الحديث.

(س) وفيه «فله مثل قُور حِسْمَا» حِسْمَا بالكسر والقصر : اسم بلد جذام. والقُور جمع قارة : وهى دون الجبل.

٣٨٦

(حسن) ـ في حديث الإيمان «قال : فما الإِحْسَان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه» أراد بالإِحْسَان الإخلاص ، وهو شرط في صحّة الإيمان والإسلام معا. وذلك أنّ من تلفّظ بالكلمة وجاء بالعمل من غير نيّة إخلاص لم يكن مُحْسِناً ، ولا كان إيمانه صحيحا. وقيل : أراد بالإِحْسَان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطاعة ، فإنّ من راقب الله أَحْسَنَ عمله ، وقد أشار إليه في الحديث بقوله «فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

(ه) وفي حديث أبى هريرة «قال كنا عنده صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ليلة ظلماء حندس ، وعنده الحَسَن والحُسَين ، فسمع تولول فاطمة رضى الله عنها وهى تناديهما : يا حَسَنَان ، يا حُسَيْنَان ، فقال : الحقا بأمّكما» غلّبت أحد الاسمين على الآخر ، كما قالوا العمران لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما ، والقمران للشمس والقمر.

(ه) وفي حديث أبى رجاء «أذكر مقتل بسطام بن قيس على الحَسَن» هو بفتحتين جبل معروف من رمل. وكان أبو رجاء قد عمّر مائة وثمانى وعشرين سنة.

(حسا) ـ فيه «ما أسكر منه الفرق فالحُسْوَةُ منه حرام» الحُسْوَةُ بالضّم : الجرعة من الشّراب بقدر ما يُحْسَى مرّة واحدة. والحَسْوَة بالفتح : المرّة.

وفيه ذكر «الحَسَاء» وهو بالفتح والمدّ : طبيخ يتّخذ من دقيق وماء ودهن ، وقد يُحَلَّى ويكون رقيقا يُحْسَى.

وفي حديث أبى التَّيِّهان «ذهب يستعذب لنا الماء من حِسْي بني حارثة» الحِسْيُ بالكسر وسكون السين ، وجمعه أَحْسَاء : حفيرة قريبة القعر ، قيل إنه لا يكون إلّا في أرض أسفلها حجارة وفوقها رمل ، فإذا أمطرت نشّفها الرمل ، فإذا انتهى إلى الحجارة أمسكته.

(س) ومنه الحديث «أنهم شربوا من ماء الحِسْي».

(س) وفي حديث عوف بن مالك «فهجمت على رجلين ، فقلت : هل حَسْتُمَا من شىء» قال الخطّابى : كذا ورد ، وإنما هو : هل حَسِيتُمَا؟ يقال : حَسِيتُ الخبر بالكسر : أى علمته ، وأَحَسْتُ الخبرَ ، وحَسِسْتُ بالخبر ، وأَحْسَسْتُ به ، كأنّ الأصل فيه حَسِسْتُ ، فأبدلوا إحدى السّينين ياء. وقيل هو من باب ظَلْتُ ومَسْتُ ، في ظللت ومَسِسْتُ ، في حذف أحد المثلين.

٣٨٧

ومنه قول أبى زبيد (١) :

خلا أنّ العتاق من المطايا

أَحَسْنَ به فهنّ إليه شوس

ويروى حَسِينَ : أى أَحْسَسْنَ وحَسِسْنَ.

(باب الحاء مع الشين)

(حشحش) (ه) في حديث علي وفاطمة «دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلينا قطيفة ، فلمّا رأيناه تَحَشْحَشْنَا ، فقال : مكانكما» التَّحَشْحُشُ : التّحرّك للنّهوض. يقال سمعت له حَشْحَشَةً وخَشْخَشَةً : أى حركة.

(حشد) ـ في حديث فضل سورة الإخلاص «احْشِدُوا فإنّى سأقرأ عليكم ثلث القرآن» أى اجتمعوا واستحضروا النّاس. والحَشْدُ : الجماعة. واحْتَشَدَ القوم لفلان : تجمّعوا له وتأهّبوا.

(ه) ومنه حديث أم معبد «محفود مَحْشُود» أى أنّ أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه.

(ه) وحديث عمر «قال في عثمان رضى الله عنهما : إنى أخاف حَشْدَهُ».

وحديث وفد مذحج «حُشَّدٌ رُفَّدٌ» الحُشَّدُ بالضم والتشديد : جمع حَاشِد.

(س) وحديث الحجّاج «أمن أهل المَحَاشِدِ والمَخَاطِب» أى مواضع الحَشْدِ والخُطَب. وقيل هما جمع الحَشْدِ والخُطَب على غير قياس ، كالمَشَابِه والمَلَامِح : أى الذين يجمعون الجموع للخروج. وقيل المَخْطَبَة الخُطْبة ، والمُخَاطَبَة مُفَاعَلَة ، من الخطاب والمشاورة.

(حشر) ـ في أسماء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قال : إنّ لى أسماء وعدّ فيها : وأنا الحَاشِرُ» أى الذى يُحْشَرُ الناسُ خلفَه وعلى ملّته دون ملّة غيره. وقوله : إنّ لى أسماء ، أراد أن هذه الأسماء التى عدّها مذكورة في كتب الله تعالى المنزّلة على الأمم التى كذّبت بنبوّته حجّة عليهم.

(ه) وفيه «انقطعت الهجرة إلا من ثلاث : جِهاد أو نِيّة أو حَشْر» أى جهاد في سبيل الله ، أو نيّة يفارق بها الرجل الفسق والفجور إذا لم يقدر على تغييره ، أو جلاء ينال الناس فيخرجون عن ديارهم. والحَشْرُ : هو الجلاء عن الأوطان. وقيل : أراد بالحَشْرِ الخروج في النّفير إذا عمّ.

__________________

(١) الطائى ، واسمه المنذر بن حرملة ، أو حرملة بن المنذر ؛ على خلاف في اسمه.

٣٨٨

وفيه «نار تطرد الناس إلى مَحْشَرِهِمْ» يريد به الشّام ؛ لأنّ بها يُحْشَرُ الناس ليوم القيامة.

ومنه الحديث الآخر «وتَحْشُرُ بقيّتهم النّار» أى تجمعهم وتسوقهم.

وفيه «أن وفد ثقيف اشترطوا أن لا يعشروا ولا يُحْشَرُوا» أى لا يندبون إلى المغازى ، ولا تضرب عليهم البعوث. وقيل لا يُحْشَرُونَ إلى عامل الزّكاة ليأخذ صدقة أموالهم ، بل يأخذها في أماكنهم.

ومنه حديث صلح أهل نجران «على أن لا يُحْشَرُوا ولا يعشروا».

[ه] وحديث النّساء «لا يعشرن ولا يُحْشَرْنَ» يعنى للغزاة ، فإن الغزو لا يجب عليهن.

(س) وفيه «لم تدعها تأكل من حَشَراتِ الأرض» هى صغار دوابّ الأرض ، كالضّب ، واليربوع. وقيل هى هوامّ الأرض ممّا لا سمّ له ، واحدها حَشَرَةٌ.

(س) ومنه حديث التّلب «لم أسمع لِحَشَرَةِ الأرض تحريما».

وفي حديث جابر «فأخذت حجرا فكسرته وحَشَرْتُهُ» هكذا جاء في رواية ، وهو من حَشَرْتُ السّنان إذا دقّقته وألطفته. والمشهور بالسّين المهملة. وقد ذكر.

(حشرج) ـ فيه «ولكن إذا شخص البصر ، وحَشْرَجَ الصّدر ، فعند ذلك من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه» الحَشْرَجَةُ : الغرغرة عند الموت وتردّد النّفس.

ومنه حديث عائشة «دخلت على أبيها عند موته فأنشدت (١) :

لعمرك ما يغنى الثّراء ولا الغنى

إذا حَشْرَجَتْ يوما وضاق بها الصّدر

فقال : ليس كذلك ولكن «جاءت سكرة الحقّ بالموت» وهى قراءة منسوبة إليه. والقراءة بتقديم الموت على الحق.

(حشش) ـ في حديث الرؤيا «وإذا عنده نار يَحُشُّها» أى يوقدها. يقال : حَشَشْتُ النار أَحُشُّها إذا ألهبتها وأضرمتها.

(ه) ومنه حديث أبى بصير «ويل أمّه مِحَشُ حربٍ لو كان معه رجال» يقال : حَشَ الحربَ إذا أسعرها وهيّجها ، تشبيها بإسعار النار. ومنه يقال للرجل الشّجاع : نعم مِحَشُ الكتيبة.

__________________

(١) لحاتم الطائي. (ديوانه ص ١١٨ ط الوهبية) مع بعض اختلاف.

٣٨٩

[ه] ومنه حديث عائشة تصف أباها رضى الله عنهما «وأطفأ ما حَشَّتْ يهود» أى ما أوقدت من نيران الفتنة والحرب.

(س) ومنه حديث زينب بنت جحش «قالت : دخل علىّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضربني بمِحَشَّةٍ» أى قضيب ، جعلته كالعود الذى تُحَشُ به النار : أى تحرّك ، كأنه حرّكها به لتفهم ما يقول لها.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «كما أزالوكم حَشّاً ) بالنّصال» أى إسعارا وتهييجا بالرّمى.

(ه) وفيه «أن رجلا من أسلم كان في غنيمة له يَحُشُ عليها» قالوا : إنّما هو يهشّ بالهاء : أى يضرب أغصان الشّجرة حتى ينتثر ورقها ، من قوله تعالى (وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) وقيل : إنّ يَحُشُ ويهشّ بمعنى ، أو هو محمول على ظاهره ، من الحَشِ : قطع الحَشِيشِ. يقال حَشَّهُ واحْتَشَّهُ ، وحَشَ على دابّته ، إذا قطع لها الحشيش.

(س) ومنه حديث عمر «أنه رأى رجلا يَحْتَشُ في الحرم فزبره» أى يأخذ الحشيش ، وهو اليابس من الكلأ.

(س) ومنه حديث أبى السّليل «قال : جاءت ابنة أبى ذرّ عليها مِحَشُ صوف» أى كساء خشن خلق ، وهو من المِحَشِ بالفتح والكسر : الكساء الذى يوضع فيه الحَشِيشِ إذا أخذ.

(س) وفيه «إن هذه الحُشُوشَ محتضرة» يعنى الكنف ومواضع قضاء الحاجة ، الواحد حَشُ بالفتح. وأصله من الحَشِ : البستان ، لأنهم كانوا كثيرا ما يتغوّطون في البساتين.

ومنه حديث عثمان «أنه دفن في حَشِ كوكب» وهو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع.

(ه) ومنه حديث طلحة «أدخلونى الحَشَ فوضعوا اللّجّ على قفىّ» ويجمع الحَشُ ـ بالفتح والضم ـ على حُشَّان.

ومنه الحديث «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلى في حُشَّان».

(ه) وفيه «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تؤتى النّساء في مَحَاشِّهِنَ» هى جمع مَحَشَّة ، وهى الدّبر. قال الأزهرى : ويقال أيضا بالسين المهملة ، كنى بالمَحَاشِ عن الأدبار ، كما يكنّى بالحُشُوش عن مواضع الغائط.

__________________

(١) روى بالسين المهملة. وسبق.

٣٩٠

(س) ومنه حديث ابن مسعود «مَحَاشُ النّساء عليكم حرام».

(س) ومنه حديث جابر «نهى عن إتيان النّساء في حُشُوشِهِنَ» أى أدبارهنّ.

[ه] وفي حديث عمر «أتى بامرأة مات زوجها ، فاعتدّت أربعة أشهر وعشرا ، ثم تزوّجت رجلا فمكثت عنده أربعة أشهر ونصفا ، ثم ولدت ، فدعا عمر نساء فسألهنّ عن ذلك ، فقلن : هذه امرأة كانت حاملا من زوجها الأول ، فلمّا مات حَشَ ولدها في بطنها» أى يبس. يقال : أَحَشَّت المرأة فهى مُحِشُ ، إذا صار ولدها كذلك. والحَشُ : الولد الهالك في بطن أمّه.

ومنه الحديث «أنّ رجلا أراد الخروج إلى تبوك ، فقالت له أمّه أو امرأته : كيف بالودىّ؟ فقال : الغزو أنمى للودىّ ، فما ماتت منه وديّة ولا حَشَّت» أى يبست.

(س) ومنه حديث زمزم «فانفلتت البقرة من جازرها بحُشَاشَة نفسها» أى برمق بقيّة الحياة والرّوح.

(حشف) (س) فيه «أنه رأى رجلا علّق قنو حَشَفٍ تصدّق به» الحَشَف : اليابس الفاسد من التمر. وقيل الضعيف الذى لا نوى له كالشّيص.

وفي حديث علي رضى الله عنه «في الحَشَفَة الدّية» الحَشَفَةُ : رأس الذّكر إذا قطعها إنسان وجبت عليه الدّية كاملة.

(ه) وفي حديث عثمان «قال له أبان بن سعيد : ما لى أراك مُتَحَشِّفا؟ أسبِل ، فقال : هكذا كانت إزرة صاحبنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم» المُتَحَشِّف : اللابس للحَشِيف : وهو الخلق. وقيل : المُتَحَشِّف المبتئس المتقبّض. والإزرة بالكسر : حالة المتأزّر.

(حشك) ـ في حديث الدعاء «اللهم اغفر لى قبل حَشْكِ النّفس ، وأنّ العروق» الحَشْك النزع الشديد ، حكاه ابن الأعرابى.

(حشم) ـ في حديث الأضاحى «فشكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لهم عيالا وحَشَماً» الحَشَم بالتحريك : جماعة الإنسان اللائذون به لخدمته.

(س) وفي حديث عليّ في السارق «إنى لأَحْتَشِم أن لا أدع له يدا» أى استحيى وأنقبض

٣٩١

والحِشْمَة : الاستحياء ، وهو يَتَحَشَّم المحارم : أى يتوقّاها.

(حشن) ـ في حديث أبى الهيثم بن التّيهان «من حِشَانَة» أى سقاء متغير الريح. يقال : حَشِن السقاء يَحْشَنُ فهو حَشِنٌ إذا تغيرت رائحته لبعد عهده بالغسل والتّنظيف.

وفيه ذكر «حُشَّان» هو بضم الحاء وتشديد الشين : أطم من آطام المدينة على طريق قبور الشهداء.

(حشا) (س) في حديث الزكاة «خذ من حَواشِي أموالهم» هى صغار الإبل ، كابن المخاض ، وابن اللّبون ، واحدها حاشِية. وحاشِية كل شيء جانبه وطرفه. وهو كالحديث الآخر «اتّق كرائم أموالهم».

(ه) ومنه الحديث «أنه كان يصلى في حاشية المقام» أى جانبه وطرفه ، تشبيها بحاشية الثّوب.

ومنه حديث معاوية «لو كنت من أهل البادية لنزلت من الكلأ الحاشِية».

(ه) وفي حديث عائشة «ما لى أراك حَشْيَاءَ رابية» أى ما لك قد وقع عليك الحَشَا ، وهو الرّبو والنّهيج الذى يعرض للمسرع في مشيه ، والمحتدّ في كلامه من ارتفاع النّفس وتواتره. يقال : رجل حَشٍ وحَشْيَان ، وامرأة حَشِيَةٌ وحَشْيَا. وقيل : أصله من إصابة الربو حَشَاه.

وفي حديث المبعث «ثم شقّا بطنى وأخرجا حُشْوَتِي» الحُشْوَة بالضم والكسر : الأمعاء.

ومنه حديث مقتل عبد الله بن جبير «إنّ حُشْوَته خرجت».

ومنه الحديث «مَحَاشِي النساء حرام» هكذا جاء في رواية. وهى جمع مِحْشَاة : لأسفل مواضع الطعام من الأمعاء ، فكنى به عن الأدبار. فأمّا الحَشَا فهو ما انضمّت عليه الضلوع والخواصر. والجمع أَحْشَاء. ويجوز أن تكون المَحَاشِي جمع المِحْشى بالكسر ، وهى العظّامة التى تعظّ بها المرأة عجيزتها ، فكنى بها عن الأدبار.

(س) وفي حديث المستحاضة «أمرها أن تغتسل ، فإن رأت شيئا احْتَشَت» أى استدخلت شيئا يمنع الدّم من القطر ، وبه سمّى الحَشْو للقطن ؛ لأنه يُحْشَى به الفرش وغيرها.

٣٩٢

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «من يعذرنى من هؤلاء الضياطرة ، يتخلف أحدهم يتقلّب على حَشَايَاه» أى على فراشه ، واحدها حَشِيَّة بالتشديد.

ومنه حديث عمرو بن العاص «ليس أخو الحرب من يضع خور الحَشَايا عن يمينه وشماله».

(باب الحاء مع الصاد)

(حصب) (ه) فيه «أنه أمر بتَحْصِيب المسجد» وهو أن تلقى فيه الحَصْبَاء ، وهو الحصى الصّغار.

ومنه حديث عمر «أنه حَصَّبَ المسجد ، وقال : هو أغفر للنّخامة» أى أستر للبزاقة إذا سقطت فيه.

ومنه الحديث «نهى عن مسّ الحَصْبَاء في الصلاة» كانوا يصلّون على حَصْبَاء المسجد ولا حائل بين وجوههم وبينها ، فكانوا إذا سجدوا سوّوها بأيديهم ، فنهوا عن ذلك ، لأنه فعل من غير أفعال الصلاة ، والعبث فيها لا يجوز ، وتبطل به إذا تكرّر.

ومنه الحديث «إن كان لا بدّ من مسّ الحَصْبَاء فواحدة» أى مرة واحدة ، رخّص له فيها لأنها غير مكرّرة. وقد تكرر حديث مسّ الحَصْبَاء في الصلاة.

وفي حديث الكوثر «فأخرج من حَصْبَائه فإذا ياقوت أحمر» أى حصاه الذى في قعره.

(س) وفي حديث عمر «قال : يا لخزيمة حَصِّبُوا» أى أقيموا بالمُحَصَّب ، وهو الشّعب الذى مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى.

[ه] ومنه حديث عائشة «ليس التَّحْصِيب بشيء» أرادت به النّوم بالمُحَصَّب عند الخروج من مكة ساعة والنّزول به ، وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزله من غير أن يسنّه للناس ، فمن شاء حَصَّبَ ، ومن شاء لم يُحَصِّب. والمُحَصَّب أيضا : موضع الجمار بمنى ، سمّيا بذلك للحصى الذى فيهما. ويقال لموضع الجمار أيضا حِصَاب ، بكسر الحاء.

٣٩٣

[ه] وفي حديث مقتل عثمان «أنهم تَحَاصَبوا في المسجد حتى ما أبصر أديم السّماء» أى تراموا بالحَصْبَاء.

ومنه حديث ابن عمر «أنه رأى رجلين يتحدّثان والإمام يخطب ، فحَصَبَهُما» أى رجمهما بالحَصْبَاء يسكتهما.

وفي حديث عليّ «قال للخوارج : أصابكم حَاصِبٌ» أى عذاب من الله. وأصله رميتم بالحَصْبَاء من السماء.

(س) وفي حديث مسروق «أتينا عبد الله في مجدّرين ومُحَصَّبين» هم الذين أصابهم الجدرىّ والحَصْبَة ، وهما بئر يظهر في الجلد. يقال : الحَصْبَة بسكون الصاد وفتحها وكسرها.

(حصحص) (ه) في حديث عليّ «لأن أُحَصْحِصَ في يدى جمرتين أحبّ إلىّ من أن أُحَصْحِصَ كعبتين» الحَصْحَصَة : تحريك الشىء أو تحرّكه حتى يستقرّ ويتمكّن.

(ه) ومنه حديث سمرة «أنه أتى بعنّين ، فأدخل معه جارية ، فلما أصبح قال له : ما صنعت؟ قال : فعلت حتى حَصْحَصَ فيها» أى حركته حتى استمكن واستقر ، فسأل الجارية فقالت : «لم يصنع شيئا ، فقال : خلّ سبيلها يا مُحَصْحِصُ».

(حصد) (ه) فيه «أنه نهى عن حِصَاد الليل» الحَصَاد بالفتح والكسر : قطع الزرع. وإنما نهى عنه لمكان المساكين حتى يحضروه. وقيل لأجل الهوامّ كيلا تصيب الناس.

ومنه حديث الفتح «فإذا لقيتموهم غدا أن تَحْصُدُوهم حَصْدا» أى تقتلوهم وتبالغوا في قتلهم واستئصالهم ، مأخوذ من حَصْد الزرع.

(ه) ومنه الحديث «وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلّا حَصَائِد ألسنتهم» أى ما يقتطعونه من الكلام الذى لا خير فيه ، واحدتها حَصِيدَة ، تشبيها بما يُحْصَد من الزرع ، وتشبيها للّسان وما يقتطعه من القول بحدّ المنجل الذى يُحْصَد به.

ومنه حديث ظبيان «يأكلون حَصِيدَها» الحَصِيد : المَحْصُود ، فعيل بمعنى مفعول.

٣٩٤

(حصر) ـ في حديث الحج «المُحْصَر بمرض لا يحلّ حتى يطوف بالبيت» الإِحْصَار : المنع والحبس. يقال : أَحْصَرَه المرض أو السّلطان إذا منعه عن مقصده ، فهو مُحْصَر ، وحَصَرَه إذا حبسه فهو مَحْصُور. وقد تكرر في الحديث.

وفي حديث زواج فاطمة «فلما رأت عليّا جالسا إلى جنب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حَصِرَت وبكت» أى استحيت وانقطعت ، كأن الأمر ضاق بها كما يضيق الحبس على المحبوس.

وفي حديث القبطىّ الذى أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا بقتله «قال : فرفعت الريح ثوبه فإذا هو حَصُور» الحَصُور : الذى لا يأتى النساء ، سمى به لأنه حبس عن الجماع ومنع ، فهو فعول بمعنى مفعول. وهو في هذا الحديث المجبوب الذّكر والأنثيين ، وذلك أبلغ في الحَصْر لعدم آلة الجماع.

وفيه «أفضل الجهاد وأجمله حجّ مبرور ، ثم لزوم الحُصْر» وفي رواية أنه قال لأزواجه : «هذه ثمّ لزوم الحُصْر» : أى أنّكنّ لا تعدن تخرجن من بيوتكن وتلزمن الحُصُر ، هى جمع الحَصِير الذى يبسط في البيوت ، وتضم الصاد وتسكن تخفيفا.

(ه) وفي حديث حذيفة «تعرض الفتن على القلوب عرض الحَصِير» أى تحيط بالقلوب يقال : حَصَرَ به القوم. أى أطافوا. وقيل : هو عرق يمتدّ معترضا على جنب الدابّة إلى ناحية بطنها ، فشبّه الفتن بذلك. وقيل : هو ثوب مزخرف منقوش إذا نشر أخذ القلوب بحسن صنعته ، فكذلك الفتنة تزيّن وتزخرف للناس ، وعاقبة ذلك إلى غرور.

(ه) وفي حديث أبى بكر «أن سعدا الأسلمىّ قال : رأيته بالخذوات وقد حلّ سفرة معلّقة في مؤخّرة الحِصَار» الحِصَارُ : حقيبة يرفع مؤخّرها فيجعل كآخرة الرّحل ، ويحشى مقدّمها فيكون كقادمته ، وتشدّ على البعير ويركب. يقال منه : احْتَصَرَت البعير [بالحصار](١).

(ه) وفي حديث ابن عباس «ما رأيت أحدا أخلق للملك من معاوية ، كان الناس

__________________

(١) ساقط من ا والهروى.

٣٩٥

يردون منه أرجاء واد رحب ، ليس مثل الحَصِر العقص» يعنى ابن الزّبير. الحَصِر : البخيل (١) ، والعقص : الملتوى الصّعب الأخلاق.

(حصص) (س) فيه «فجاءت سنة حَصَّت كلّ شيء» أى أذهبته. والحَصُ : إذهاب الشّعر عن الرأس بحلق أو مرض.

(ه) ومنه حديث ابن عمر «أتته امرأة فقالت : إنّ ابنتي تمعّط شعرها وأمرونى أن أرجّلها بالخمر ، فقال : إن فعلت ذلك فألقى الله في رأسها الحَاصَّة» هى العلّة التى تَحُصُّ الشّعر وتذهبه.

(ه) ومنه حديث معاوية «كان أرسل رسولا من غسّان إلى ملك الروم ، وجعل له ثلاث ديات على أن ينادى بالأذان إذا دخل مجلسه ، ففعل الغسّاني ذلك ، وعند الملك بطارقته ، فهمّوا بقتله فنهاهم ، وقال : إنما أراد معاوية أن أقتل هذا غدرا وهو رسول ، فيفعل مثل ذلك بكلّ مستأمن منّا ، فلم يقتله ، ورجع إلى معاوية ، فلما رآه قال : أفلتّ وانْحَصَ الذّنب ـ أى انقطع. فقال : كلّا إنه لبهلبه» أى بشعره ، يضرب مثلا لمن أشفى على الهلاك ثم نجا.

(ه) وفي حديث أبى هريرة «إذا سمع الشيطان الأذان ولّى وله حُصَاص» الحُصَاص : شدة العدو وحدّته. وقيل : هو أن يمصع بذنبه ويصرّ بأذنيه ويعدو. وقيل : هو الضّراط.

[ه] وفي شعر أبى طالب :

بميزان قسط لا يَحُصُ شعيرة

أى لا ينقص.

(حصف) ـ في كتاب عمر إلى أبى عبيدة «أن لا يمضى أمر الله إلّا بعيد الغرّة حَصِيف العقدة» الحَصِيف : المحكم العقل. وإِحْصَاف الامر : إحكامه. ويريد بالعقدة هاهنا الرّأى والتّدبير.

(حصل) ـ فيه «بذهبة (٢) لم تُحَصَّل من ترابها» أى لم تخلّص. وحَصَّلْت الأمر : حقّقته وأثبته (٣). والذّهب يذكّر ويؤنث.

__________________

(١) أنشد الهروى [لجرير] :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

أى بخيلا بسرك.

(٢) في او اللسان : بذهب.

(٣) في اللسان : وأبنته.

٣٩٦

(حصلب) (ه) في صفة الجنة «وحِصْلَبُها الصّوار» الحِصْلَب : التّراب. والصّواب : المسك.

(حصن) ـ فيه ذكر «الإِحْصَان والمُحْصَنَات في غير موضع» أصل الإِحْصَان : المنع. والمرأة تكون مُحْصَنَة بالإسلام ، وبالعفاف ، والحرّيّة ، وبالتّزويج. يقال أَحْصَنَت المرأة فهى مُحْصِنَةٌ ، ومُحْصَنَةٌ. وكذلك الرجل. والمُحْصَن ـ بالفتح ـ يكون بمعنى الفاعل والمفعول ، وهو أحد الثلاثة التى جئن نوادر. يقال أَحْصَنَ فهو مُحْصَن ، وأسهب فهو مسهب ، وألفج فهو مفلج.

ومنه شعر حسان يثنى على عائشة :

حَصَان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

الحَصَان بالفتح. المرأة العفيفة.

وفي حديث الأشعث «تَحَصَّنَ في مِحْصَن» المِحْصَن : القصر والحِصْن. يقال : تَحَصَّن العدوّ إذا دخل الحِصْنَ واحتمى به.

(حصا) ـ في أسماء الله تعالى «المُحْصِي» هو الذى أَحْصَى كل شىء بعلمه وأحاط به ، فلا يفوته دقيق منها ولا جليل. والإِحْصَاء : العدّ والحفظ.

(ه) ومنه الحديث «إنّ لله تسعة وتسعين اسما من أَحْصَاها دخل الجنّة» أى من أحصاها علما بها وإيمانا. وقيل : أَحْصَاها : أى حفظها على قلبه. وقيل : أراد من استخرجها من كتاب الله تعالى وأحاديث رسوله ، لأنّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعدها لهم ، إلّا ما جاء في رواية عن أبى هريرة وتكلّموا فيها. وقيل : أراد من أطاق العمل بمقتضاها ، مثل من يعلم أنه سميع بصير فيكفّ لسانه وسمعه عمّا لا يجوز له ، وكذلك باقى الأسماء. وقيل : أراد من أخطر (١) بباله عند ذكرها معناها ، وتفكّر في مدلولها معظّما لمسمّاها ، ومقدّسا معتبرا بمعانيها ، ومتدبّرا راغبا فيها وراهبا. وبالجملة ففى كلّ اسم يجريه على لسانه يخطر بباله الوصف الدّالّ عليه.

ومنه الحديث «لا أُحْصِي ثناءً عليك» أى لا أُحْصِي نعمك والثناء بها عليك ، ولا أبلغ الواجب فيه.

والحديث الآخر «أكلّ القرآن أَحْصَيْتَ؟» أى حفظت.

__________________

(١) في الأصل : أحضر. والمثبت من ا واللسان.

٣٩٧

وقوله للمرأة «أَحْصِيها حتى نرجع» أى احفظيها.

(ه) ومنه الحديث «استقيموا ولن تُحْصُوا ، واعلموا أنّ خير أعمالكم الصّلاة» أى استقيموا في كل شىء حتى لا تميلوا ، ولن تطيقوا الاستقامة ، من قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أى لن تطيقوا عدّه وضبطه.

(ه) وفيه «أنه نهى عن بيع الحَصَاة» هو أن يقول البائع أو المشترى : إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع. وقيل : هو أن يقول : بعتك من السّلع ما تقع عليه حَصَاتُك إذا رميت بها ، أو بعتك من الأرض إلى حيث تنتهى حصاتك ، والكلّ فاسد لأنّه من بيوع الجاهليّة ، وكلّها غرر لما فيها من الجهالة. وجمع الحَصَاة : حَصىً.

وفيه «وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النّار إلّا حَصَا ألسنتهم» هو جمع حَصَاة اللّسان ، وهى ذرابته. ويقال للعقل حَصَاة. هكذا جاء في رواية. والمعروف : حَصَائِد ألسنتهم. وقد تقدّمت.

(باب الحاء مع الضاد)

(حضج) (ه) في حديث حنين «أنّ بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا تناول الحصى ليرمى به المشركين فهمت ما أراد فانْحَضَجَت» أى انبسطت. وانْحَضَجَ : إذا ضرب بنفسه الأرض غيظا. وانْحَضَجَ من الغيظ : انقدّ وانشقّ.

(ه) ومنه حديث أبى الدرداء «قال في الركعتين بعد العصر : أمّا أنا فلا أدعهما ، فمن شاء أن يَنْحَضِجُ فَلْيَنْحَضِج».

(حضر) ـ في حديث ورود النار «ثم يصدرون عنها بأعمالهم كلمح البرق ، ثم كالرّيح ، ثم كحُضْر الفرس» الحُضْر بالضم : العدو. وأَحْضَرَ يُحْضِر فهو مُحْضِر إذا عدا.

ومنه الحديث «أنه أقطع الزّبير حُضْرَ فرسه بأرض المدينة».

(ه) ومنه حديث كعب بن عجرة «فانطلقت مسرعا أو مُحْضِرا فأخذت بضبعيه».

وفيه «لا يبع حَاضِر لباد» الحَاضِر : المقيم في المدن والقرى. والبادى : المقيم بالبادية. والمنهىّ عنه أن يأتى البدوىّ البلدة ومعه قوت يبغى التّسارع إلى بيعه رخيصا ، فيقول له الحَضَرِي :

٣٩٨

اتركه عندى لأغالى في بيعه. فهذا الصّنيع محرّم ، لما فيه من الإضرار بالغير. والبيع إذا جرى مع المغالاة منعقد. وهذا إذا كانت السّلعة ممّا تعمّ الحاجة إليها كالأقوات ، فإن كانت لا تعم ، أو كثر القوت واستغنى عنه ، ففي التّحريم تردّد ، يعوّل في أحدهما على عموم ظاهر النّهى ، وحسم باب الضّرر ، وفي الثانى على معنى الضّرر وزواله. وقد جاء عن ابن عباس أنه سئل عن معنى «لا يبع حَاضِرٌ لباد» فقال : لا يكون له سمسارا.

وفي حديث عمرو بن سلمة الجرمى «كنّا بحَاضِر يمرّ بنا الناس» الحَاضِر : القوم النّزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه. ويقال للمناهل المحَاضِر ، للاجتماع والحُضُور عليها. قال الخطّابى : ربّما جعلوا الحَاضِر اسما للمكان المَحْضُور. يقال نزلنا حَاضِرَ بنى فلان ، فهو فاعل بمعنى مفعول.

ومنه حديث أسامة «وقد أحاطوا بحَاضِرٍ فعم».

(س) والحديث الآخر «هجرة الحَاضِر» أى المكان المَحْضُور. وقد تكرر في الحديث.

وفي حديث أكل الضّبّ «إنى تَحْضُرُنِى من الله حَاضِرة» أراد الملائكة الذين يَحْضُرُونه. وحَاضِرَةٌ : صفة طائفة أو جماعة.

ومنه حديث صلاة الصبح «فإنها مشهودة مَحْضُورَة» أى تَحْضُرُهَا ملائكة الليل والنّهار.

(س) ومنه الحديث «إن هذه الحشوش مُحْتَضَرَةٌ» أى يحضرها الجنّ والشياطين.

وفيه «قولوا ما بِحَضْرَتِكُم» أى ما هو حَاضِرٌ عندكم موجود ، ولا تتكلّفوا غيره.

(س) ومنه حديث عمرو بن سلمة الجرمى «كنّا بِحَضْرَة ماء» أى عنده. وحَضْرَةُ الرجل : قربه.

وفيه «أنّه عليه الصلاة والسلام ذكر الأيّام وما في كلّ منها من الخير والشّرّ ، ثم قال : والسّبت أَحْضَرُ ، إلّا أنّ له أشطرا» أى هو أكثر شرّا. وهو أفعل ، من الحُضُور. ومنه قولهم :

٣٩٩

حُضِرَ فلانٌ واحْتُضِرَ : إذا دنا موته. وروى بالخاء المعجمة. وقيل هو تصحيف. وقوله : إلا أنّ له أشطرا : أى إنّ له خيرا مع شرّه. ومنه المثل «حلب الدّهر أشطره» أى نال خيره وشرّه.

وفي حديث عائشة «كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثوبين حَضُورِيَّيْن» هما منسوبان إلى حَضُور ، وهى قرية باليمن.

وفيه ذكر «حَضِير» وهو بفتح الحاء وكسر الضاد : قاع يسيل عليه فيض النّقيع ، بالنّون. (حضرم) (س) في حديث مصعب بن عمير «أنه كان يمشى في الحَضْرَمِيّ» هو النّعل المنسوبة إلى حضرموت المتّخذة بها.

(حضض) (س) فيه «أنه جاءته هدية فلم يجد لها موضعا يضعها عليه ، فقال : ضعه بالحَضِيض ، فإنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد» الحَضِيض : قرار الأرض وأسفل الجبل.

ومنه حديث عثمان «فتحرّك الجبل حتّى تساقطت حجارته بالحَضِيض».

وفي حديث يحيى بن يعمر «كتب عن يزيد بن المهلّب إلى الحجّاج : إنّ العدوّ بعرعرة الجبل ، ونحن بالحَضِيض».

وفيه ذكر «الحَضّ على الشىء» جاء في غير موضع ، وهو الحث على الشىء. يقال : حَضَّه ، وحَضَّضَهُ ، والاسم الحِضِّيضَا ، بالكسر والتّشديد والقصر.

ومنه الحديث «فأين الحِضِّيضَا».

وفي حديث طاوس «لا بأس بالحُضَض» يروى بضم الضاد الأولى وفتحها. وقيل هو بطاءين. وقيل بضاد ثم طاء ، وهو دواء معروف. وقيل إنه يعقد من أبوال الإبل. وقيل : هو عقّار ، منه مكّى ، ومنه هندىّ ، وهو عصارة شجر معروف له ثمر كالفلفل ، وتسمّى ثمرته الحُضَض.

ومنه حديث سليم بن مطير «إذا أنا برجل قد جاء كأنّه يطلب دواء أو حُضَضًا».

(حضن) (س) فيه «أنه خرج مُحْتَضِناً أحد ابنى ابنته» أى حاملا له في حِضْنِه. والحِضْن : الجنب. وهما حِضْنَان.

٤٠٠