النّهاية - ج ١

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ١

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٢

بالكسر : شهر الحَجِ. ورجل حَاجٌ ، وامرأة حَاجَّة ، ورجال حُجَّاج ، ونساء حَوَاجُ. والحَجِيج : الحُجَّاج أيضا ، وربما أطلق الحَاجُ على الجماعة مجازا واتّساعا.

(س) ومنه الحديث «لم يترك حَاجَّة ولا داجّة» الحَاجُ والحَاجَّة : أحد الحُجَاج ، والدّاجّ والدّاجّة : الأتباع والأعوان ، يريد الجماعة الحَاجَّة ومن معهم من أتباعهم.

ومنه الحديث الآخر «هؤلاء الدّاجّ وليسوا بالحَاجِ».

(ه) وفي حديث الدجال «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه» أى مُحَاجِجُه ومغالبه بإظهار الحُجَّة عليه ، والحُجَّة الدليل والبرهان. يقال حَاجَجْتُه حِجَاجا ومُحَاجَّة ، فأنا مُحَاٌّج وحَجِيج. فعيل بمعنى مفاعل.

(ه) ومنه الحديث «فحَجَ آدم موسى» أى غلبه بالحُجَّة.

وفي حديث الدعاء «اللهم ثبّت حُجَّتِي في الدنيا والآخرة» أى قولى وإيمانى في الدّنيا وعند جواب الملكين في القبر.

(س) ومنه حديث معاوية «فجعلت أَحُجُ خصمى» أى أغلبه بالحُجَّة.

(س) وفيه «كانت الضّبع وأولادها في حِجَاج عين رجل من العماليق» الحِجَاج بالكسر والفتح : العظم المستدير حول العين.

ومنه حديث جيش الخبط «فجلس في حِجَاج عينه كذا وكذا نقرا» يعنى السّمكة الّتى وجدوها على البحر.

(حجر) ـ فيه ذكر «الحِجْر» في غير موضع ، الحِجْرُ بالكسر : اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربىّ ، وهو أيضا اسم لأرض ثمود قوم صالح النبى عليه‌السلام. ومنه قوله تعالى : «كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ» وجاء ذكره في الحديث كثيرا.

(س) وفيه «كان له حصير يبسطه بالنهار ويَحْجُرُه بالليل» وفي رواية «يَحْتَجِرُه» أى بجعله لنفسه دون غيره. يقال حَجَرْتُ الأرض واحْتَجَرْتُها إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك.

٣٤١

وفي حديث آخر «أنه احْتَجَرَ حُجَيْرَة بخصفة أو حصير» الحُجَيْرَة تصغير الحُجْرَة ، وهو الموضع المنفرد.

(س [ه]) وفيه «لقد تَحَجَّرت واسعا» أى ضيّقت ما وسّعه الله وخصّصت به نفسك دون غيرك.

(س) وفي حديث سعد بن معاذ رضى الله عنه «لمّا تَحَجَّر جرحه للبرء انفجر» أى اجتمع والتأم وقرب بعضه من بعض.

وفيه «من نام على ظهر بيت ليس عليه حِجَارٌ فقد برئت منه الذّمّة» الحِجَار جمع حِجْر بالكسر وهو الحائط ، أو من الحُجْرَة وهى حظيرة الإبل ، أو حُجْرَة الدار : أى إنه يَحْجُر الإنسان النّائم ويمنعه عن الوقوع والسّقوط. ويروى حجاب بالباء ، وهو كل مانع عن السّقوط. ورواه الخطّابى «حجى» بالياء وسيذكر في موضعه. ومعنى براءة الذّمّة منه ؛ لأنه عرّض نفسه للهلاك ولم يحترز لها.

وفي حديث عائشة وابن الزبير رضى الله عنهما «لقد هممت أن أَحْجُرَ عليها» الحَجْرُ : المنع من التصرّف. ومنه حَجَر القاضى على الصّغير والسّفيه إذا منعهما من التّصرّف في مالهما.

ومنه حديث عائشة رضى الله عنها «هى اليتيمة تكون في حِجْر وليّها» ويجوز أن يكون من حِجْر الثّوب وهو طرفه المقدّم ؛ لأنّ الإنسان يربّى ولده في حِجْرِه ، والولىّ : القائم بأمر اليتيم. والحِجْر بالفتح والكسر : الثّوب والحضن ، والمصدر بالفتح لا غير.

[ه] وفيه «للنّساء حَجْرَتا الطّريق» أى ناحيتاه ومنه حديث أبى الدرداء رضى الله عنه «إذا رأيت رجلا يسير من القوم حَجْرَةً» أى ناحية منفردا ، وهى بفتح الحاء وسكون الجيم ، وجمعها حَجَرَات.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه : الحكم لله

ودع عنك نهبا صيح في حَجَراتِه

٣٤٢

هذا مثل للعرب يضرب لمن ذهب من ماله شىء ، ثم ذهب بعده ما هو أجلّ منه ، وهو صدر بيت لامرىء القيس :

فدع عنك نهبا صيح في حَجَراته

ولكن حديثا ما حديث الرّواحل

أى دع النّهب الذى نهب من نواحيك وحدّثنى حديث الرّواحل ، وهى الإبل التى ذهبت بها ما فعلت.

(ه) وفيه «إذا نشأت حَجْريَّة ثم تشاءمت فتلك عين غديقة» حَجْرِيَّة ـ بفتح الحاء وسكون الجيم ـ يجوز أن تكون منسوبة إلى الحَجْرِ وهو قصبة اليمامة ، أو إلى حَجْرَة القوم ، وهى ناحيتهم ، والجمع حَجْرٌ مثل جمرة وجمر ، وإن كانت بكسر الحاء فهى منسوبة إلى [الحِجْرِ )] أرض ثمود.

(س) وفي حديث الجسّاسة والدّجّال «تبعه أهل الحَجَر والمدر» يريد أهل البوادى الذين يسكنون مواضع الأَحْجَار والجبال ، وأهل المدر أهل البلاد.

(س) وفيه «الولد للفراش وللعاهر الحَجَر» أى الخيبة ، يعنى أنّ الولد لصاحب الفراش من الزّوج أو السيّد ، وللزانى الخيبة والحرمان ، كقولك : ما لك عندى شىء غير التراب ، وما بيدك غير الحَجَر. وقد سبق هذا في حرف التاء. وذهب قوم إلى أنه كنى بالحَجَر عن الرّجم ، وليس كذلك لأنه ليس كلّ زان يرجم.

(ه) وفيه «أنه تلقّى جبريل عليهما‌السلام بأَحْجَار المراء» قال مجاهد : هى قباء.

وفي حديث الفتن «عند أَحْجَار الزّيت» هو موضع بالمدينة.

(ه) وفي حديث الأحنف «قال لعليّ حين ندب معاوية عمرا للحكومة : لقد رميت بحَجَرِ الأرض» أى بداهية عظيمة تثبت ثبوت الحَجَر في الأرض.

[ه] وفي صفة الدّجال «مطموس العين ليست بناتئة ولا حَجْرَاء» قال الهروى : إن كانت هذه اللفظة محفوظة فمعناها أنها ليست بصلبة مُتَحَجِّرة ، وقد رويت جحراء بتقديم الجيم وقد تقدّمت.

__________________

(١) الزيادة من ا والدر النثير.

٣٤٣

وفي حديث وائل بن حُجْر «مزاهر وعرمان ومِحْجَر وعرضان» مِحْجَر بكسر الميم : قرية معروفة. وقيل هو بالنون ، وهى حظائر حول النّخل. وقيل حدائق.

(حجز) (س) فيه «إنّ الرّحم أخذت بحُجْزَة الرحمن» أى اعتصمت به والتجأت إليه مستجيرة ، ويدل عليه قوله في الحديث «هذا مقام العائذ بك من القطيعة» وقيل معناه أنّ اسم الرّحم مشتقّ من اسم الرّحمن ، فكأنّه متعلّق بالاسم آخذ بوسطه ، كما جاء في الحديث الآخر «الرّحم شجنة من الرحمن» وأصل الحُجْزَة : موضع شدّ الإزار ، ثم قيل للإزار حُجْزَة للمجاورة. واحْتَجَزَ الرجل بالإزار إذا شدّه على وسطه ، فاستعاره للاعتصام والالتجاء والتمسّك بالشّيء والتعلّق به.

ومنه الحديث الآخر «والنبيّ آخذ بحُجْزَةِ الله» أى بسبب منه.

ومنه الحديث «منهم من تأخذه النار إلى حُجْزَتِه» أى مشدّ إزاره ، وتجمع على حُجَز.

ومنه الحديث «فأنا آخذ بحُجْزِكُم».

وفي حديث ميمونة «كان يباشر المرأة من نسائه وهى حائض إذا كانت محْتَجِزة» أى شادّة مئزرها على العورة ومالا تحلّ مباشرته ، والحَاجِز : الحائل بين الشّيئين.

وحديث عائشة رضى الله عنها «ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن خيرا وقالت : لمّا نزلت سورة النّور عمدن إلى حُجَزِ مناطقهنّ فشققنها فاتّخذنها خمرا» أرادت بالحُجَزِ المآزر. وجاء في سنن أبى داود «حُجُوز أو حجور» بالشّك. قال الخطّابى : الحجور ـ يعنى بالرّاء ـ لا معنى لها هاهنا ، وإنما هو بالزاى ، يعنى جمع حُجَز ، فكأنه جمع الجمع. وأما الحجور بالراء فهو جمع حجر الإنسان. قال الزمخشرى : واحد الحُجُوز حِجْز بكسر الحاء ، وهى الحُجْزة. ويجوز أن يكون واحدها حُجْزة على تقدير إسقاط التاء ، كبرج وبروج.

ومنه الحديث «رأى رجلا مُحْتَجزا بحبل وهو محرم» أى مشدود الوسط ، وهو مفتعل من الحُجْزَة.

[ه] وفي حديث عليّ رضى الله عنه وسئل عن بنى أميّة فقال : «هم أشدّنا حُجَزا ـ وفي

٣٤٤

رواية : حُجْزَة ـ وأطلبنا للأمر لا ينال فينالونه» يقال رجل شديد الحُجْزة : أى صبور على الشّدّة والجهد.

(ه) وفيه «ولأهل القتيل أن ينْحَجِزُوا ؛ الأدنى فالأدنى» أى يكفّوا عن القود ، وكلّ من ترك شيئا فقد انْحَجَز عنه ، والانْحِجَاز مطاوع حَجَزَه إذا منعه. والمعنى : أنّ لورثة القتيل أن يعفوا عن دمه ؛ رجالهم ونساؤهم ، أيّهم عفا ـ وإن كانت امرأة ـ سقط القود واستحقّوا الدّية. وقوله الأدنى فالأدنى : أى الأقرب فالأقرب. وبعض الفقهاء يقول : إنّما العفو والقود إلى الأولياء من الورثة ، لا إلى جميع الورثة ممّن ليسوا بأولياء.

(ه) وفي حديث قيلة «أيلام ابن ذه أن يفصل الخطّة وينتصر من وراء الحَجَزَة» الحَجَزَة هم الذين يمنعون بعض الناس من بعض ويفصلون بينهم بالحقّ ، والواحد حَاجِز ، وأراد بابن ذِهِ ولدها ، يقول إذا أصابه خطّة ضيم فاحتجّ عن نفسه وعبّر بلسانه ما يدفع به الظّلم عنه لم يكن ملوما.

[ه] وقالت أم الرّحال «إنّ الكلام لا يُحْجَز في العكم» العكم بكسر العين : العدل. والحَجْز أن يدرج الحبل عليه ثم يشدّ.

وفي حديث حريث بن حسان «يا رسول الله إن رأيت أن تجعل الدّهناء حِجَازاً بيننا وبين بنى تميم» أى حدّا فاصلا يَحْجِزُ بيننا وبينهم. وبه سمّى الحِجَاز ؛ الصّقع المعروف من الأرض.

(ه) وفيه «تزوّجوا في الحُجْز الصّالح فإنّ العرق دسّاس» الحُجْز بالضم والكسر : الأصل (١). وقيل بالضم الأصل والمنبت ، وبالكسر هو بمعنى الحِجْزة ، وهى هيأة المُحْتَجز كناية عن العفّة وطيب الإزار. وقيل هو العشيرة لأنه يَحْتَجِز بهم أى يمتنع.

(حجف) (ه) في حديث بناء الكعبة «فتطوّقت بالبيت كالحَجَفَة» الحَجَفَة التّرس.

__________________

(١) أنشد الهروى لرؤبة :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

٣٤٥

(حجل) (س) في صفة الخيل «خير الخيل الأقرح المُحَجَّل» هو الذى يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ، ويجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين ؛ لأنّهما مواضع الأَحْجَال وهى الخلاخيل والقيود ، ولا يكون التَّحْجِيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان.

(س) ومنه الحديث «أمّتى الغرّ المُحَجَّلُون» أى بيض مواضع الوضوء من الأيدى والوجه والأقدام ، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرّجلين للإنسان من البياض الذى يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه.

(س) وفي حديث عليّ رضى الله عنه «أنه قال له رجل : إنّ اللّصوص أخذوا حِجْلَيْ امرأتى» أى خلخاليها.

(ه) وفيه «أنه عليه‌السلام قال لزيد : أنت مولانا فحَجَل» الحَجْل : أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح. وقد يكون بالرّجلين إلّا أنّه قفز. وقيل الحَجْل : مشى لنقيّد.

وفي حديث كعب «أجد في التّوراة أنّ رجلا من قريش أوبش الثّنايا يَحْجِلُ في الفتنة» قيل : أراد يتبختر في الفتنة.

وفيه «كان خاتم النبوّة مثل زرّ الحَجَلَة» الحَجَلَةُ بالتّحريك : بيت كالقبّة يستر بالثّياب وتكون له أزرار كبار ، وتجمع على حِجَال.

ومنه الحديث «أعروا النّساء يلزمن الحِجَال».

ومنه حديث الاستئذان «ليس لبيوتهم ستور ولا حِجَال».

وفيه «فاصطادوا حَجَلاً» الحَجَل بالتّحريك : القبج ؛ لهذا الطّائر المعروف ، واحده حَجَلَة.

(ه) ومنه الحديث «اللهم إنى أدعو قريشا وقد جعلوا طعامى كطعام الحَجَل» يريد أنه يأكل الحبّة بعد الحبّة لا يجدّ في الأكل. وقال الأزهرى : أراد أنهم غير جادّين في إجابتى ، ولا يدخل منهم في دين الله إلا النّادر القليل.

٣٤٦

(حجم) (س) في حديث حمزة «أنه خرج يوم أحد كأنه بعير مَحْجُوم» وفي رواية «رجل مَحْجُوم» أى جسيم ، من الحَجْم وهو النّتوّ.

[ه] ومنه الحديث «لا يصف حَجْم عظامها» أراد : لا يلتصق الثّوب ببدنها فيحكى النّاتئ والنّاشز من عظامها ولحمها ، وجعله واصفا على التّشبيه ؛ لأنه إذا أظهره وبيّنه كان بمنزلة الواصف لها بلسانه.

(س) وفي حديث ابن عمر رضى الله عنهما وذكر أباه فقال «كان يصيح الصّيحة يكاد من سمعها يصعق كالبعير المَحْجُوم» الحِجَام : ما يشدّ به فم البعير إذا هاج لئلّا يعضّ.

وفيه «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال : من يأخذ هذا السّيف بحقّه ، فأَحْجَمَ القوم» أى نكصوا وتأخّروا وتهيّبوا أخذه.

وفي حديث الصوم «أفطر الحَاجِم والمَحْجُوم» معناه أنّهما تعرّضا للإفطار : أمّا المَحْجُوم فللضّعف الذى يلحقه من خروج دمه ، فربّما أعجزه عن الصّوم ، وأمّا الحَاجِم فلا يأمن أن يصل إلى حلقه شيء من الدّم فيبتلعه ، أو من طعمه. وقيل هذا على سبيل الدّعاء عليهما : أى بطل أجرهما ، فكأنهما صارا مفطرين ، كقوله فيمن صام الدّهر «لا صام ولا أفطر».

ومنه الحديث «أعلق فيه مِحْجَماً» المِحْجَم بالكسر : الآلة الّتى يجتمع فيها دم الحِجَامَة عند المصّ ، والمِحْجَم أيضا مشرط الحَجَّام.

ومنه الحديث «لعقة عسل أو شرطة مِحْجَم».

(حجن) (ه س) فيه «أنه كان يستلم الرّكن بمِحْجَنِه» المِحْجَنُ عصا معقّفة الرّأس كالصّولجان. والميم زائدة.

(ه) ومنه الحديث «كان يسرق الحاجّ بمحجنه ، فإذا فطن به قال تعلّق بمِحْجَني» ويجمع على مَحَاجِن.

ومنه حديث القيامة «وجعلت المَحاجن تمسك رجالا».

(ه) ومنه الحديث «توضع الرّحم يوم القيامة لها حُجْنَةٌ كحُجْنَة المغزل» أى صنّارته ، وهى المعوجّة التى في رأسه.

٣٤٧

(ه) وفيه «ما أقطعك العقيق لتَحْتَجِنَه» أى تتمّلكه دون النّاس ، والاحْتِجَان : جمع الشّىء وضمّه إليك ، وهو افتعال من الحَجَن.

ومنه حديث ابن ذى يزن «واحْتَجَنَّاه دون غيرنا».

وفيه «أنه كان على الحَجُون كئيبا» الحَجُون : الجبل المشرف ممّا يلى شعب الجزّارين بمكة. وقيل : هو موضع بمكة فيه اعوجاج. والمشهور الأوّل ، وهو بفتح الحاء.

(ه) وفي صفة مكة «أَحْجَنَ ثمامها» أى بدا ورقه. والثّمام نبت معروف.

(حجا) (س) فيه «من بات على ظهر بيت ليس عليه حِجاً فقد برئت منه الذّمّة» هكذا رواه الخطّابى في معالم السّنن ، وقال : إنه يروى بكسر الحاء وفتحها ، ومعناه فيهما معنى السّتر ، فمن قال بالكسر شبّهه بالحِجَا : العقل ؛ لأنّ العقل يمنع الإنسان من الفساد ويحفظه من التّعرّض للهلاك ؛ فشبّه السّتر الذى يكون على السّطح المانع للإنسان من التّردّى والسّقوط بالعقل المانع له من أفعال السّوء المؤدّية إلى الرّدى ، ومن رواه بالفتح فقد ذهب إلى النّاحية والطّرف. وأَحْجَاء الشّىء : نواحيه ، واحدها حَجَا.

(س) وفي حديث المسألة «حتى يقول ثلاثة من ذوى الحِجَا من قومه : قد أصابت فلانا الفاقة فحلّت له المسألة» أى من ذوى العقل.

(س) وفي حديث ابن صيّاد «ما كان في أنفسنا أَحْجَى أن يكون هو مذ مات» يعنى الدّجّال ، أَحْجَى بمعنى أجدر وأولى وأحقّ ، من قولهم حجا بالمكان إذا أقام وثبت.

(س) ومنه حديث ابن مسعود رضى الله عنه «إنّكم معاشر همدان من أَحْجَى حىّ بالكوفة» أى أولى وأحقّ ، ويجوز أن يكون من أعقل حىّ بها.

[ه] وفيه «أنّ عمر رضى الله عنه طاف بناقة قد انكسرت ، فقال : والله ما هى بمغدّ فيَسْتَحْجِي لحمها» اسْتَحْجَى اللّحم إذا تغيّرت ريحه من المرض العارض. والمغدّ : النّاقة الّتى أخذتها الغدّة ، وهى الطّاعون.

(س) وفيه «أقبلت سفينة فحَجَتها الرّيح إلى موضع كذا» أى ساقتها ورمت بها إليه.

٣٤٨

(ه) وفي حديث عمرو «قال لمعاوية : إنّ أمرك كالجعدبة أو كالحَجَاة في الضّعف» الحَجَاة بالفتح : نفّاخات الماء.

(ه) وفيه «رأيت علجا يوم القادسية قد تكنّى وتَحَجَّى فقتلته» تَحَجَّى : أى زمزم. والحِجَاء بالمدّ : الزّمزمة ، وهو من شعار المجوس. وقيل : هو من الحِجَاة : السّتر. واحْتَجَا : إذا كتمه.

(باب الحاء مع الدال)

(حدأ) ـ فيه «خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم ؛ وعدّ منها الحِدَأ» وهو هذا الطّائر المعروف من الجوارح ، واحدها حِدْأَة بوزن عنبة.

(حدب) (س) في حديث قيلة «كانت لها ابنة حُدَيْبَاء» هو تصغير حَدْبَاء. والحَدَب بالتّحريك. ما ارتفع وغلظ من الظّهر. وقد يكون في الصّدر ، وصاحبه أَحْدَب.

ومنه حديث يأجوج ومأجوج «وَهُمْ مِنْ كُلِ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ» يريد يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها ، وجمعه حِدَاب.

ومنه قصيد كعب بن زهير :

يوما تظلّ حِدَاب الأرض ترفعها

من اللّوامع تخليط وتزييل

وفي القصيد أيضا :

كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آلة حَدْبَاء محمول

يريد النّعش. وقيل أراد بالآلة الحالة ، وبالحَدْبَاء الصّعبة الشّديدة.

(س) وفي حديث عليّ رضى الله عنه يصف أبا بكر «وأَحْدَبَهم على المسلمين!» أى أعطفهم وأشفقهم. يقال حَدِبَ عليه يَحْدِب إذا عطف.

وفيه ذكر «الحُدَيْبِيَّة» كثيرا وهى قرية قريبة من مكة سمّيت ببئر فيها ، وهى مخفّفة ، وكثير من المحدّثين يشدّدها.

٣٤٩

(حدبر) ـ في حديث عليّ رضى الله عنه في الاستسقاء «اللهم إنّا خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حَدَابِير السّنين» الحَدَابِير : جمع حِدْبَار وهى الناقة التى بدا عظم ظهرها ونشزت حراقيفها من الهزال ، فشبّه بها السّنين التى يكثر فيها الجدب والقحط.

(س) ومنه حديث ابن الأشعث «أنه كتب إلى الحجّاج : سأحملك على صعب حدباء حِدْبَار ينجّ ظهرها» ضرب ذلك مثلا للأمر الصّعب والخطّة الشديدة.

(حدث) (س) في حديث فاطمة رضى الله عنها «أنها جاءت إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجدت عنده حُدَّاثاً» أى جماعة يَتَحَدَّثُونَ ، وهو جمع على غير قياس ، حملا على نظيره ، نحو سامر وسُمّار ، فإن السُّمّار المُحَدِّثُونَ.

وفيه «يبعث الله السّحاب فيضحك أحسن الضّحك ويَتَحَدَّثُ أحسن الحَدِيث» جاء في الخبر «أنّ حَدِيثَهُ الرّعد وضحكه البرق» وشبّهه بالحَدِيث لأنه يخبر عن المطر وقرب مجيئه ، فصار كالمحدّث به. ومنه قول نصيب :

فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله

ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب

وهو كثير في كلامهم. ويجوز أن يكون أراد بالضّحك افترار الأرض بالنّبات وظهور الأزهار ، وبالحَدِيث ما يَتَحَدَّثُ به الناس من صفة النّبات وذكره. ويسمّى هذا النوع في علم البيان المجاز التّعليقى ، وهو من أحسن أنواعه.

(ه) وفيه «قد كان في الأمم مُحَدَّثُونَ ، فإن يكن في أمّتى أحد فعمر بن الخطاب!» جاء في الحديث تفسيره : أنهم الملهمون. والملهم هو الذى يلقى في نفسه الشىء فيخبر به حدسا وفراسة ، وهو نوع يختصّ به الله عزوجل من يشاء من (عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) ، مثل عمر ، كأنّهم حدّثوا بشىء فقالوه. وقد تكرّر في الحديث.

وفي حديث عائشة رضى الله عنها «لو لا حِدْثَانُ قومك بالكفر لهدمت الكعبة وبنيتها» حِدْثَان الشّىء بالكسر : أوّله ، وهو مصدر حَدَثَ يَحْدُثُ حُدُوثاً وحِدْثَانا. والحَدِيث ضدّ القديم. والمراد به قرب عهدهم بالكفر والخروج منه والدخول في الإسلام ، وأنه لم يتمكّن الدّين في قلوبهم ، فلو هدمت الكعبة وغيّرتها ربّما نفروا من ذلك.

٣٥٠

ومنه حديث حنين «إنّى أعطى رجالا حَدِيثِي عهد بكفر أتألّفهم» وهو جمع صحّة لحَدِيث ، فعيل بمعنى فاعل.

ومنه الحديث «أناس حديثة أسنانهم» حَدَاثَةُ السّنّ : كناية عن الشّباب وأوّل العمر.

ومنه حديث أمّ الفضل «زعمت امرأتى الأولى أنها أرضعت امرأتى الحُدْثَى» هى تأنيث الأَحْدَثِ ، يريد المرأة التى تزوّجها بعد الأولى.

وفي حديث المدينة «من أَحْدَثَ فيها حَدَثاً أو آوى مُحْدِثاً» الحَدَث : الأمر الحادث المنكر الذى ليس بمعتاد ولا معروف في السّنّة. والمُحْدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول ، فمعنى الكسر : من نصر جانيا أو آواه وأجاره من خصمه ، وحال بينه وبين أن يقتصّ منه. والفتح : هو الأمر المبتدع نفسه ، ويكون معنى الإيواء فيه الرّضا به والصبر عليه ، فإنه إذا رضى بالبدعة وأقرّ فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه.

ومنه الحديث «إيّاكم ومُحْدَثَات الأمور» جمع مُحْدَثَة ـ بالفتح ـ وهى ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سنّة ولا إجماع.

وحديث بنى قريظة «لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة كانت أَحْدَثَتْ حَدَثاً» قيل حدثها أنّها سمّت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(ه) وفي حديث الحسن «حَادِثُوا هذه القلوب بذكر الله» أى اجلوها به ، واغسلوا الدّرن عنها ، وتعاهدوها بذلك كما يُحَادَثُ السّيف بالصّقال (١).

(ه) وفي حديث ابن مسعود رضى الله عنه «أنه سلّم عليه وهو يصلّى فلم يردّ عليه‌السلام ، قال : فأخذنى ما قدم وما حَدُثَ» يعنى همومه وأفكاره القديمة والحديثة. يقال حَدَثَ الشّىء بالفتح يَحْدُثُ حُدُوثاً ، فإذا قرن بقدم ضمّ للازدواج بقدم.

(حدج) [ه] في حديث المعراج «ألم تروا إلى ميّتكم حين يَحْدِجُ ببصره

__________________

(١) أنشد الهروى للبيد :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

٣٥١

فإنما ينظر إلى المعراج» حَدَجَ ببصره يَحْدِجُ إذا حقق النّظر إلى الشّىء وأدامه.

(ه) ومنه حديث ابن مسعود رضى الله عنه «حدّث الناس ما حَدَجُوك بأبصارهم» أى ما داموا مقبلين عليك نشطين لسماع حديثك.

[ه] وفي حديث عمر رضى الله عنه «حَجَّةً هاهنا ثم احْدِجْ هاهنا حتّى تفنَى» الحَدْجُ شدّ الأحمال وتوسيقها ، وشدّ الحِدَاجَةِ وهو القتب بأداته ، والمعنى حجّ حجّة واحدة ثم أقبل على الجهاد إلى أن تهرم أو تموت ، فكنى بالحَدْجِ عن تهيئة المركوب للجهاد.

(ه) وفي حديث ابن مسعود رضى الله عنه «رأيت كأنّى أخذت حَدَجَةَ حنظل فوضعتها بين كتفي أبى جهل» الحَدَجَةُ بالتّحريك : الحنظلة الفجّة الصّلبة ، وجمعها حَدَجٌ.

(حدد) ـ فيه ذكر «الحَدّ والحُدُود» في غير موضع وهى محارم الله وعقوباته الّتى قرنها بالذّنوب. وأصل الحَدّ المنع والفصل بين الشّيئين ، فكأنّ حُدُود الشّرع فصلت بين الحلال والحرام فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرّمة ، ومنه قوله تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها). ومنها ما لا يتعدّى كالمواريث المعيّنة ، وتزويج الأربع. ومنه قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها).

(ه) ومنه الحديث «إنى أصبت حَدّا فأقمه عليّ» أى أصبت ذنبا أوجب علىّ حَدّاً : أى عقوبة.

(ه) ومنه حديث أبى العالية «إنّ اللّمم ما بين الحَدَّيْنِ : حَدّ الدنيا وحَدّ الآخرة» يريد بحَدّ الدنيا ما تجب فيه الحُدُود المكتوبة ، كالسّرقة والزّنا والقذف ، ويريد بحَدّ الآخرة ما أوعد الله تعالى عليه العذاب كالقتل ، وعقوق الوالدين ، وأكل الرّبا ، فأراد أن اللمم من الذّنوب : ما كان بين هذين ممّا لم يوجب عليه حدّا في الدنيا ولا تعذيبا في الآخرة.

(ه) وفيه «لا يحلّ لامرأة أن تُحِدَّ على ميّت أكثر من ثلاث» أَحَدَّتِ المرأة على زوجها تُحِدُّ ، فهي مُحِدٌّ ، وحَدَّتْ تَحُدُّ وتَحِدُّ فهى حَادٌّ : إذا حزنت عليه ، ولبست ثياب الحزن ، وتركت الزّينة.

(ه) وفيه «الحِدَّةُ تعتري خيار أمّتى» الحِدَّةُ كالنّشاط والسّرعة في الأمور والمضاء فيها ،

٣٥٢

مأخوذ من حَدّ السّيف ، والمراد بالحِدّة هاهنا المضاء في الدّين والصّلابة والقصد في الخير.

(ه) ومنه الحديث «خيار أمّتى أَحِدَّاؤها» هو جمع حَدِيد ، كشديد وأَشِدَّاء.

(س) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «كنت أدارى من أبى بكر بعض الحَدّ» الحَدّ والحِدّة سواء من الغضب ، يقال حَدَّ يَحِدُّ حَدّاً وحَدَّةً إذا غضب ، وبعضهم يرويه بالجيم ، من الجدّ ضدّ الهزل ، ويجوز أن يكون بالفتح من الحظّ.

(ه) وفيه «عشر من السّنّة ؛ وعدّ فيها الاسْتِحْدَاد» وهو حلق العانة بالحديد.

(ه) ومنه الحديث الآخر «أمهلوا كى تمتشطَ الشّعثة وتَسْتَحِدَّ المغيبة» ، وهو استفعل من الحديد ، كأنه استعمله على طريق الكناية والتّورية.

ومنه حديث خبيب رضى الله عنه «أنه استعار موسى لِيَسْتَحِدَّ بها» لأنّه كان أسيرا عندهم وأرادوا قتله ، فَاسْتَحَدَّ لئلا يظهر شعر عانته عند قتله.

وفي حديث عبد الله بن سلام «إن قومنا حَادُّونَا لما صدّقنا الله ورسوله» المُحَادَّةُ : المعاداة والمخالفة والمنازعة ، وهى مفاعلة من الحدّ ، كأن كل واحد منهما تجاوز حدّه إلى الآخر.

(ه) ومنه الحديث في صفة القرآن «لكل حرف حَدّ» أى نهاية ، ومنتهى كلّ شىء حَدُّهُ.

وفي حديث أبى جهل لما قال في خزنة النّار ـ وهم تسعة عشر ـ ما قال ، قال له الصحابة «تقيس الملائكة بالحَدَّادِينَ» يعنى السّجّانين ، لأنّهم يمنعون المحبّسين من الخروج. ويجوز أن يكون أراد به صنّاع الحَدِيد ؛ لأنهم من أوسخ الصّنّاع ثوبا وبدنا.

(حدر) ـ في حديث الأذان «إذا أذّنت فترسّل وإذا أقمت فاحْدُرْ» أى أسرع. حَدَرَ في قراءته وأذانه يَحْدُرُ حَدْراً ، وهو من الحُدُور ضدّ الصّعود ، ويتعدّى ولا يتعدّى.

(س) ومنه حديث الاستسقاء «رأيت المطر يَتَحَادَرُ على لحيته» أى ينزل ويقطر وهو يتفاعل ، من الحُدُور.

٣٥٣

(ه) وفي حديث عمر رضى الله عنه «أنه ضرب رجلا ثلاثين سوطا كلّها يَبْضَعُ ويَحْدُرُ» حَدَرَ الجلد يَحْدُرُ حَدْراً إذا ورم ، وحَدَرْتُهُ أنا ، ويروى يُحْدِرُ بضم الياء من أَحْدَرَ ، والمعنى أنّ السّياط بضعت جلده وأورمته.

(س) وفي حديث أمّ عطية «ولد لنا غلام أَحْدَرُ شيء» أى أسمن شىء وأغلظه. يقال : حَدُرَ حَدْراً فهو حَادِرٌ.

ومنه حديث ابن عمر «كان عبد الله بن الحارث بن نوفل غلاما حَادِراً».

ومنه حديث أبرهة صاحب الفيل «كان رجلا قصيرا حَادِراً دحداحا».

(س) وفيه «أنّ أبىّ بن خلف كان على بعير له وهو يقول يا حَدْرَاهَا» يريد : هل رأى أحد مثل هذا. ويجوز أن يريد يا حَدْرَاءَ الإبل ، فقصرها ، وهى تأنيث الأَحْدَر ، وهو الممتلئ الفخذ والعجز ، الدقيق الأعلى ، وأراد بالبعير هاهنا النّاقة ، وهو يقع على الذّكر والأنثى ، كالإنسان.

(ه) وفي حديث علي رضي‌الله‌عنه :

أنا الّذى سمّتن أمّى حَيْدَرَهْ

الحَيْدَرَةُ : الأسد ، سمّى به لغلظ رقبته ، والياء زائدة. قيل إنه لما ولد عليّ كان أبوه غائبا فسمّته أمّه أسدا باسم أبيها ، فلمّا رجع سمّاه عليّا ، وأراد بقوله حَيْدَرَة أنها سمّته أسدا. وقيل بل سمّته حَيْدَرَة.

(حدق) ـ فيه «سمع من السّماء صوتا يقول اسق حَدِيقَةَ فلان» الحَدِيقَةُ : كل ما أحاط به البناء من البساتين وغيرها. ويقال للقطعة من النّخل حَدِيقَةٌ وإن لم يكن محاطا بها ، والجمع الحَدَائِق. وقد تكرر في الحديث.

(س) وفي حديث معاوية بن الحكم «فَحَدَّقَنِي القوم بأبصارهم» أى رمونى بحَدَقِهِم ، جمع حَدَقَةٍ وهى العين. والتَّحْدِيق : شدّة النّظر.

(س) ومنه حديث الأحنف «نزلوا في مثل حَدَقَةِ البعير» شبّه بلادهم في كثرة مائها

٣٥٤

وخصبها بالعين ، لأنّها توصف بكثرة الماء والنّداوة ، ولأنّ المخّ لا يبقى في شىء من الأعضاء بقاءه في العين.

(حدل) [ه] في الحديث «القضاة ثلاثة : رجل عَلِمَ فَحَدَلَ» أى جاز. يقال : إنه لَحَدْلٌ : أى غير عدل.

وفيه ذكر «حُدَيْلَة» بضم الحاء وفتح الدال ، وهى محلّة بالمدينة نسبت إلى بنى حُدَيْلَة : بطن من الأنصار.

(حدم) ـ في حديث عليّ «يوشك أن تغشاكم دواجى ظلله واحْتِدَام علله» أى شدّتها ، وهو من احْتِدَام النّار : التهابها وشدة حرّها.

(حدة) ـ في حديث جابر ودفن أبيه «فجعلته في قبر على حدة» أى منفردا وحده.

وأصلها من الواو فحذفت من أوّلها وعوّض منها الهاء في آخرها ، كعدة وزنة من الوعد والوزن ، وإنما ذكرناها هنا لأجل لفظها.

ومنه حديثه الآخر «اجعل كلّ نوع من تمرك على حدة».

(حدا) (ه) في حديث ابن عباس رضى الله عنهما «لا بأس بقتل الحِدَوْ والإِفْعَوْ» هى لغة في الوقف على ما آخره ألف ، فقلبت الألف واوا. ومنهم من يقلبها ياء ، وتخفّف وتشدّد. والحِدَوُ هى الحدأ : جمع حدأة وهى الطائر المعروف ، فلما سكّن الهمز للوقف صارت ألفا فقلبها واوا.

ومنه حديث لقمان «إن أر مطمعى فَحِدَوٌّ تَلَمَّعُ» أى تختطف الشىء في انقضاضها ، وقد أجرى الوصل مجرى الوقف ، فقلب وشدّد. وقيل أهل مكة يسمّون الحدأ حِدَوّاً بالتشديد.

(ه) وفي حديث مجاهد «كنت أَتَحَدَّى القرّاء» أى أتعمّدهم وأقصدهم للقراءة عليهم.

وفي حديث الدعاء «تَحْدُونِي عليها خلّة واحدة» أى تبعثنى وتسوقنى عليها خصلة واحدة ، وهو من حَدْوِ الإبل ؛ فإنه من أكبر الأشياء على سوقها وبعثها. وقد تكرر في الحديث.

٣٥٥

(باب الحاء مع الذال)

(حذذ) ـ في حديث عليّ رضى الله عنه «أصول بيد حَذَّاء» أى قصيرة لا تمتدّ إلى ما أريد. ويروى بالجيم ، من الجذّ : القطع. كنى بذلك عن قصور أصحابه وتقاعدهم عن الغزو. وكأنّها بالجيم أشبه.

[ه] وفي حديث عتبة بن غزوان «إنّ الدنيا قد آذنت بصرم وولّت حَذَّاء» أى خفيفة سريعة. ومنه قيل للقطاة حَذَّاء.

(حذف) [ه] في حديث الصلاة «لا تتخلّلكم الشياطين كأنها بنات حَذَفٍ» وفي رواية «كأولاد الحَذَفِ» هى الغنم الصّغار الحجازيّة ، واحدتها حَذَفَةٌ بالتحريك. وقيل : هى صغار جرد ليس لها آذان ولا أذناب ، يجاء بها من جرش اليمن.

(س) وفيه «حَذْفُ السلام في الصلاة سنّة» هو تخفيفه وترك الإطالة فيه. ويدلّ عليه حديث النّخعى «التكبير جزم ، والسلام جزم» فإنه إذا جزم السّلام وقطعه فقد خفّفه وحَذَفَهُ.

(س) وفي حديث عرفجة «فتناول السّيف فَحَذَفَهُ به» أى ضربه به عن جانب. والحَذْفُ يستعمل في الرّمى والضرب معا.

(حذفر) ـ فيه «فكأنما حيزت له الدنيا بحَذَافِيرِهَا» الحَذَافِير : الجوانب. وقيل الأعالى ، واحدها حِذْفَار ، وقيل حُذْفُور : أى فكأنما أعطى الدنيا بأسرها.

ومنه حديث المبعث «فإذا نحن بالحىّ قد جاءوا بِحَذَافِيرِهِم» أى جميعهم.

(حذق) ـ فيه «أنه خرج على صعدة يتبعها حُذَاقِيٌ» الحذُاقِيُ : الجحش. والصّعدة : الأنان.

وفي حديث زيد بن ثابت «فما مرّ بى نصف شهر حتى حَذَقْتُهُ» أى عرفته وأتقنته.

(حذل) (س ه) فيه «من دخل حائطا فليأكل منه غير آخذ في حَذْلِهِ شيئا» الحَذْلُ بالفتح والضم : حجزة الإزار والقميص وطرفه.

٣٥٦

ومنه الحديث «هاتى حَذْلَكَ فجعل فيه المال».

(حذم) [ه] في حديث عمر رضى الله عنه «إذا أقمت فَاحْذِمْ» الحَذْمُ : الإسراع ، يريد عجّل إقامة الصلاة ولا تطوّلها كالأذان. وأصل الحَذْمِ في المشى : الإسراع فيه. هكذا ذكره الهروى في الحاء المهملة. وذكره الزمخشرى في الخاء المعجمة (١) ، وسيجىء.

(حذن) (ه) فيه «من دخل حائطا فليأكل منه غير آخذ في حُذْنِهِ شيئا» هكذا جاء في رواية ، وهو مثل الحذل باللام لطرف الإزار. وقد تقدّم.

(حذا) [ه] فيه «فأخذ قبضة من تراب فَحَذَا بها في وجوه المشركين» أى حثا ، على الإبدال ، أو هما لغتان.

وفيه «لتركبنّ سنن من كان قبلكم حَذْوَ النّعل بالنعل» أى تعملون مثل أعمالهم كما تقطع إحدى النّعلين على قدر النّعل الأخرى. والحَذْوُ : التّقدير والقطع.

[ه] ومنه حديث الإسراء «يعمدون إلى عُرْض جنب أحدهم فَيَحْذُونَ منه الحُذْوَةُ من اللّحم» أى يقطعون منه القطعة.

وفي حديث ضالّة الإبل «معها حِذَاؤُهَا وسقاؤها» الحِذَاء بالمدّ : النّعل ، أراد أنها تقوى على المشي وقطع الأرض ، وعلى قصد المياه وورودها ورعى الشّجر ، والامتناع عن السّباع المفترسة ، شبّهها بمن كان معه حِذَاء وسِقَاء في سفره. وهكذا ما كان في معنى الإبل من الخيل والبقر والحمير.

(س) ومنه حديث ابن جريج «قلت لابن عمر : رأيتك تَحْتَذِي السّبت» أى تجعله نعلك ، احْتَذَى يَحْتَذِي إذا انتعل.

ومنه حديث أبى هريرة يصف جعفر بن أبى طالب «خير من احْتَذَى النّعال».

(ه) وفي حديث مسّ الذّكر «إنما هو حِذْيَةٌ منك» أى قطعة. قيل هى بالكسر : ما قطع من اللّحم طولا.

ومنه الحديث «إنما فاطمة حِذْيَةٌ منّى يقبضنى ما يقبضها».

وفي حديث جهازها «أحد فراشيها محشوّ بِحُذْوَةِ الحَذَّائِين» الحُذْوَةُ والحُذَاوَة : ما يسقط من الجلود حين تبشر وتقطع ممّا يرمى به وينفى. والحَذَّائِينَ جمع حَذَّاء ، وهو صانع النّعال.

__________________

(١) الذى في الفائق ١ / ٤٧٨ بالحاء المهملة.

٣٥٧

(س) وفي حديث نوف «إنّ الهدهد ذهب إلى خازن البحر ، فاستعار منه الحِذْيَة ، فجاء بها فألقاها على الزّجاجة ففلقها» قيل هى الماس الذى يَحْذِي الحجارة : أى يقطعها ، ويثقب به الجوهر.

(ه) وفيه «مثل الجليس الصّالح مثل الدّارىّ إن لم يُحْذِكَ من عطره علقك من ريحه» أى إن لم يعطك. يقال : أَحْذَيْتُهُ أَحْذِيه إِحْذَاءً ، وهى الحُذْيَا والحَذِيَّة.

ومنه حديث ابن عباس رضى الله عنهما «فيداوين الجرحى ويُحْذَيْنَ من الغنيمة» أى يعطين.

(س) وفي حديث الهزهاز «قدمت على عمر رضى الله عنه بفتح ، فلمّا رجعت إلى العسكر قالوا : الحُذْيَا ، ما أصبت من أمير المؤمنين؟ قلت : الحُذْيَا شتم وسبّ» كأنه قد كان شتمه وسبّه ، فقال : هذا كان عطاءه إيّاى.

(س) وفي حديث ابن عباس رضى الله عنهما «ذات عرق حَذْو قرن» الحَذْوُ والحِذَاء. الإزاء والمقابل : أى إنّها مُحَاذِيَتُهَا. وذات عرق : ميقات أهل العراق. وقرن ميقات أهل نجد ، ومسافتهما من الحرم سواء.

(باب الحاء مع الراء)

(حرب) ـ في حديث الحديبية «وإلّا تركناهم مَحْرُوبِين» أى مسلوبين منهوبين. الحَرَبُ بالتّحريك : نهب مال الإنسان وتركه لا شىء له.

(س) ومنه حديث المغيرة «طلاقها حَرِيبَة» أى له منها أولاد إذا طلّقها حربوا وفجعوا بها ، فكأنّهم قد سلبوا ونهبوا.

ومنه الحديث «الحَارِب المشلّح» أى الغاصب والنّاهب الذى يعرّى الناس ثيابهم.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «أنه كتب إلى ابن عباس : لمّا رأيت العدوّ قد حَرِبَ» أى غضب. يقال منه حَرِبَ يَحْرَبُ حَرَباً بالتّحريك.

ومنه حديث عيينة بن حصن «حتّى أدخل على نسائه من الحَرَبِ والحزن ما أدخل على نسائى».

٣٥٨

ومنه حديث الأعشى الحرمازى :

فخَلَّفَتْنِي بنزاع وحَرَب

أى بخصومة وغضب.

ومنه حديث الدّين «فإنّ آخره حَرَب» وروى بالسّكون : أى النّزاع. وقد تكرر ذكره في الحديث.

ومنه حديث ابن الزبير رضى الله عنه عند إحراق أهل الشّام الكعبة «يريد أن يُحَرِّبَهُمْ» أى يزيد في غضبهم على ما كان من إحراقها. حَرَّبْتُ الرجل بالتشديد : إذا حملته على الغضب وعرّفته بما يغضب منه. ويروى بالجيم والهمزة. وقد تقدّم.

(ه) وفيه «أنه بعث عروة بن مسعود إلى قومه بالطائف ، فأتاهم ودخل مِحْرَاباً له ، فأشرف عليهم عند الفجر ثم أذّن للصّلاة» المِحْرَابُ : الموضع العالى المشرف ، وهو صدر المجلس أيضا ، ومنه سمّى مِحْرَاب المسجد ، وهو صدره وأشرف موضع فيه.

(ه) ومنه حديث أنس رضى الله عنه «أنه كان يكره المَحَارِيب» أى لم يكن يحبّ أن يجلس في صدر المجلس ويترفّع على النّاس. والمَحَارِيب : جمع مِحْرَاب.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «فابعث عليهم رجلا مِحْرَاباً» أى معروفا بالحرب عارفا بها والميم مكسورة ، وهو من أبنية المبالغة ، كالمِعْطَاء من العطاء.

ومنه حديث ابن عباس (١) «قال في عليّ رضى الله عنهم : ما رأيت مِحْرَاباً مثله».

وفي حديث بدر «قال المشركون : اخرجوا إلى حَرَائِبِكُمْ» هكذا جاء في بعض الرّوايات بالباء الموحّدة ، جمع حَرِيبَة ، وهو مال الرجل الذى يقوم به أمره. والمعروف بالثاء المثلثة. وسيذكر

(حرث) (ه) فيه «احْرُثْ لدنياك كأنّك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» أى اعمل لدنياك ، فخالف بين اللفظين. يقال حَرَثْتُ واحْتَرَثْتُ. والظاهر من مفهوم لفظ هذا الحديث : أمّا في الدنيا فللحثّ على عمارتها وبقاء الناس فيها حتى يسكن فيها وينتفع بها من يجىء بعدك ، كما انتفعت أنت بعمل من كان قبلك وسكنت فيما عمره ، فإنّ الإنسان إذا علم أنه يطول عمره أحكم ما يعمله وحرص على ما يكسبه ، وأمّا في جانب الآخرة فإنه حثّ على إخلاص العمل ،

__________________

(١) في ا : ابن مسعود.

٣٥٩

وحضور النّيّة والقلب فى العبادات والطاعات ، والإكثار منها ، فإنّ من يعلم أنه يموت غدا يكثر من عبادته ويخلص في طاعته. كقوله في الحديث الآخر «صلّ صلاة مودّع».

قال بعض أهل العلم : المراد من هذا الحديث غير السّابق إلى الفهم من ظاهره ؛ لأنّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما ندب إلى الزّهد في الدنيا ، والتّقليل منها ، ومن الانهماك فيها والاستمتاع بلذّاتها ، وهو الغالب على أوامره ونواهيه فيما يتعلق بالدنيا فكيف يحثّ على عمارتها والاستكثار منها ، وإنما أراد ـ والله أعلم ـ أنّ الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا قلّ حرصه ، وعلم أنّ ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه ، فإنه يقول : إن فاتنى اليوم أدركته غدا ، فإنّى أعيش أبدا ، فقال عليه الصلاة والسلام : اعمل عمل من يظنّ أنه يخلّد فلا يحرص في العمل ، فيكون حثّا له على الترك والتّقليل بطريقة أنيقة من الإشارة والتّنبيه ، ويكون أمره لعمل الآخرة على ظاهره ، فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزّهد والتّقليل ، لكن بلفظين مختلفين.

وقد اختصر الأزهرى هذا المعنى فقال : معناه تقديم أمر الآخرة وأعمالها حذار الموت بالفوت على عمل الدنيا ، وتأخير أمر الدنيا كراهية الاشتغال بها عن عمل الآخرة.

(ه) وفي حديث عبد الله «احْرُثُوا هذا القرآن» أى فتّشوه وثوّروه. والحَرْثُ : التّفتيش.

(ه) وفيه «أصدق الأسماء الحَارِث» لأنّ الحَارِث هو الكاسب ، والإنسان لا يخلو من الكسب طبعا واختيارا.

[ه] ومنه حديث بدر «اخرجوا إلى معايشكم وحَرَائِثِكُمْ» أى مكاسبكم ، واحدها حَرِيثَة. قال الخطّابى : الحَرَائِثُ : أنضاء الإبل ، وأصله في الخيل إذا هزلت فاستعير للإبل ، وإنّما يقال في الإبل أحرفناها بالفاء. يقال ناقة حرف : أى هزيلة. قال : وقد يراد بالحَرَائِثِ المكاسب ، من الاحْتِرَاث : الاكتساب. ويروى «حرائبكم» بالحاء والباء الموحّدة. وقد تقدّم.

(س) ومنه قول معاوية «أنه قال للأنصار : ما فعلت نواضحكم؟ قالوا : حَرَثْنَاهَا يوم بدر» أى أهزلناها. يقال حَرَثْتُ الدّابّة وأَحْرَثْتُهَا بمعنى أهزلتها. وهذا يخالف قول الخطّابى.

٣٦٠