النّهاية - ج ١

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ١

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٢

(ه) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «إذا رأيناكم جَهَرْنَاكم» أى أعجبتنا أجسامكم (١).

وفي حديث خيبر «وجد الناس بها بصلا وثوما فَجَهَرُوه» أى استخرجوه وأكلوه. يقال جَهَرْت البئر إذا كانت مندفنة فأخرجت ما فيها.

[ه] ومنه حديث عائشة تصف أباها رضى الله عنهما «اجْتَهَر دفن الرّواء» الاجْتِهَار : الاستخراج. وهذا مثل ضربته لإحكامه الأمر بعد انتشاره ، شبّهته برجل أتى على آبار قد اندفن ماؤها فأخرج ما فيها من الدّفن حتى نبع الماء.

(س) وفيه «كلّ أمّتى معافي إلا المُجَاهِرِين» هم الذين جَاهَرُوا بمعاصيهم ، وأظهروها ، وكشفوا ما ستر الله عليهم منها فيتحدّثون به. يقال جَهَرَ ، وأَجْهَر ، وجَاهَرَ.

ومنه الحديث «وإنّ من الإِجْهَار كذا وكذا» وفي رواية «الجِهَار» وهما بمعنى المُجَاهَرة.

ومنه الحديث «لا غيبة لفاسق ولا مُجَاهِر».

وفي حديث عمر رضى الله عنه «أنه كان رجلا مُجْهِراً» أى صاحب جهر ورفع لصوته. يقال : جَهَرَ بالقول : إذا رفع به صوته فهو جَهِيرٌ. وأَجْهَر فهو مُجْهِرٌ : إذا عرف بشدّة الصّوت. وقال الجوهرى : «رجل مِجْهَر بكسر الميم : إذا كان من عادته أن يَجْهَرَ بكلامه».

(س) ومنه الحديث «فإذا امرأة جَهِيرَة» أى عالية الصّوت. ويجوز أن يكون من حسن المنظر.

(س) وفي حديث العباس رضى الله عنه «أنه نادى بصوت له جَهُورِيٌ» أى شديد عال. والواو زائدة. وهو منسوب إلى جَهْوَرَ بصوته.

(جهز) (ه) فيه «من لم يغز ولم يُجَهِّزْ غازيا» تَجْهِيز الغازى : تحميله وإعداد ما يحتاج إليه في غزوه. ومنه تَجْهِيز العروس ، وتَجْهِيزُ الميّت.

__________________

(١) أنشد الهروى للقطامى :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

٣٢١

وفيه «هل ينتظرون إلّا مرضا مفسدا أو موتا مُجْهِزاً» أى سريعا. يقال أَجْهَزَ على الجريح يُجْهِز ، إذا أسرع قتله وحرّره.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «لا يُجْهَز على جريحهم» أى من صرع منهم وكفي قتاله لا يقتل ؛ لأنهم مسلمون ، والقصد من قتالهم دفع شرّهم ، فإذا لم يمكن ذلك إلا بقتلهم قتلوا.

(س) ومنه حديث ابن مسعود رضى الله عنه «أنه أتى على أبى جهل وهو صريع فأَجْهَز عليه.

(جهش) [ه] في حديث المولد «فأَجْهَشْت بالبكاء» الجَهْش : أن يفزع الإنسان إلى الإنسان ويلجأ إليه ، وهو مع ذلك يريد البكاء ، كما يفزع الصّبىّ إلى أمّه وأبيه. يقال جَهَشْت وأَجْهَشْت.

(ه) ومنه الحديث «فجَهَشْنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(جهض) (ه) في حديث محمّد بن مسلمة رضى الله عنه «قال : قصدت يوم أحد رجلا فجَاهَضَني عنه أبو سفيان» أى مانعنى عنه وأزالني.

(ه) ومنه الحديث «فأَجْهَضُوهُم عن أثقالهم» أى نحّوهم عنها وأزالوهم. يقال أَجْهَضْته عن مكانه : أى أزلته. والإِجْهَاض : الإزلاق.

ومنه الحديث «فأَجْهَضت جنينها» أى أسقطت حملها. والسّقط : جَهِيض.

(جهل) (ه) فيه «إنكم لتُجَهِّلُون ، وتبخّلون ، وتجبّنون» أى تحملون الآباء على الجَهْل حفظا لقلوبهم. وقد تقدّم في حرف الباء والجيم.

(ه) ومنه الحديث «من اسْتَجْهَل مؤمنا فعليه إثمه» أى من حمله على شىء ليس من خلقه فيغضبه فإنما إثمه على من أحوجه إلى ذلك.

ومنه حديث الإفك «ولكن اجْتَهَلَتْهُ الحميّةُ» أى حملته الأنفة والغضب على الجَهْل. هكذا جاء في رواية.

ومنه الحديث «إنّ من العلم جَهْلاً» قيل : هو أن يتعلّم ما لا حاجة إليه كالنّجوم وعلوم الأوائل ، ويدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن والسّنّة. وقيل : هو أن يتكلّف العالم القول فيما لا يعلمه فيُجَهِّله ذلك.

٣٢٢

ومنه الحديث «إنك امرؤ فيك جَاهِلِيَّة» قد تكرر ذكرها في الحديث ، وهى الحال الّتى كانت عليها العرب قبل الإسلام ؛ من الجَهْل بالله ورسوله وشرائع الدّين ، والمفاخرة بالأنساب والكبر والتّجبّر وغير ذلك.

(جهم) ـ في حديث طهفة «ونستحيل الجَهَام» الجَهَام : السّحاب الذى فرغ ماؤه. ومن روى نستخيل بالخاء المعجمة : أراد لا نتخيّل في السّحاب خالا إلّا المطر وإن كان جَهَاماً ؛ لشدّة حاجتنا إليه. ومن رواه بالحاء : أراد لا ننظر من السّحاب في حال إلّا إلى جَهَام ، من قلّة المطر.

(س) ومنه قول كعب بن أسد لحىّ بن أخطب «جئتنى بِجَهَام» أى الذى تعرضه علىّ من الدّين لا خير فيه ، كالجَهَام الذى لا ماء فيه.

(س) وفي حديث الدعاء «إلى من تكلنى. إلى عدوّ يَتَجَهَّمُني؟» أى يلقانى بالغلظة والوجه الكريه.

(س) ومنه الحديث «فتَجَهَّمَنِي القوم».

(جهنم) (س) قد تكرر في الحديث ذكر «جَهَنَّم» ، وهى لفظة أعجمية ، وهو اسم لنار الآخرة. وقيل هى عربية. وسمّيت بها لبعد قعرها. ومنه ركيّة جِهِنَّام ـ بكسر الجيم والهاء والتشديد ـ : أى بعيدة القعر. وقيل تعريب كهنّام بالعبرانى.

(باب الجيم مع الياء)

(جيب) (س) في صفة نهر الجنة «حافتاه الياقوت المُجَيَّب» الذى جاء في كتاب البخارى «اللؤلؤ المجوّف» وهو معروف. والذى جاء في سنن أبى داود «المُجَيَّب ، أو المجوّف» بالشّك. والذى جاء في معالم السّنن (١) «المُجَيَّب أو المجوَّب» بالباء فيهما على الشك. قال : معناه الأجوف. وأصله من جُبْتُ الشىء إذا قطعته. والشيء مَجِيب أو مَجُوب ، كما قالوا مشيب ومشوب. وانقلاب الواو عن الياء كثير في كلامهم. فأما مُجَيَّب ـ مشدّدا ـ فهو من قولهم : جَيَّبَ يُجَيِّب فهو مُجَيَّب : أى مقوّر ، وكذلك بالواو.

(جيح) ـ فيه ذكر «سيحان وجَيْحَان» وهما نهران بالعواصم عند المصيصة وطرسوس.

__________________

(١) لأبى سليمان الخطابى.

٣٢٣

(جيد) ـ في صفته عليه الصلاة والسلام «كأنّ عنقه جِيدُ دمية في صفاء الفضة» الجِيد : العنق.

وفيه ذكر «أَجْيَاد» هو موضع بأسفل مكة معروف من شعابها.

(جير) ـ في حديث ابن عمر رضى الله عنهما «أنه مرّ بصاحب جِيرٍ قد سقط فأعانه» الجِيرُ : الجصّ ، فإذا خلط بالنّورة فهو الجَيَّار. وقيل : الجَيَّار : النّورة وحدها.

(جيز) ـ قد تكرر فيه ذكر «الجِيزَة» وهى بكسر الجيم وسكون الياء : مدينة تلقاء مصر على النيل.

(جيش) (س) في حديث الحديبية «فما زال يَجِيشُ لهم بالرّىّ» أى يفور ماؤه ويرتفع.

ومنه حديث الاستسقاء «وما ينزل حتى يَجِيشَ كلّ ميزاب» أى يتدفّق ويجرى بالماء.

(ه) ومنه الحديث «ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلّا جَاشَ منها جانب» أى فار وارتفع.

(ه) ومنه حديث عليّ رضى الله عنه في صفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «دامغ جَيْشَات الأباطيل» هى جمع جَيْشَة : وهى المرّة من جَاشَ إذا ارتفع.

[ه] ومنه الحديث «جاؤا بلحم فتَجَيَّشَت (١) أنفس أصحابه منه» أى غثت. وهو من الارتفاع ، كأنّ ما في بطونهم ارتفع إلى حلوقهم فحصل الغثى.

وفي حديث البراء بن مالك «وكأنّ نفسى جَاشَت» أى ارتاعت وخافت.

(ه) وفي حديث عامر بن فهيرة «فاسْتَجَاش عليهم عامر بن الطّفيل» أى طلب لهم الجَيْشَ وجمعه عليهم.

(جيض) (س) وفيه «فَجَاض الناس جَيْضَة» يقال : جَاضَ في القتال إذا فرّ. وجَاضَ عن الحقّ : عدل. وأصل الجَيْضَ : الميل عن الشىء ، ويروى بالحاء والصاد المهملتين. وسيذكر في موضعه.

__________________

(١) ويروى بالحاء المهملة بمعنى نفرت ، وسيجىء.

٣٢٤

(جيف) (س) في حديث بدر «أتكلّم ناسا قد جَيَّفُوا» أى أنتنوا. يقال جَافَت الميتة ، وجَيَّفْت ، واجْتَافَت. والجِيفَة : جثة الميت إذا أنتن.

(س) ومنه الحديث «فارتفعت ريح جِيفَة».

وحديث ابن مسعود «لا أعرفنّ أحدكم جِيفَة ليل قطرب نهار» أى يسعى طول نهاره لدنياه ، وينام طول ليله ، كالجِيفَة التى لا تتحرّك.

وفيه «لا يدخل الجنة جَيَّاف» هو النّبّاش. سمّى به لأنه يأخذ الثّياب عن جِيَف الموتى ، أو سمّى به لنتن فعله.

(جيل) (س) في حديث سعد بن معاذ «ما أعلم من جِيلٍ كان أخبث منكم» الجِيلُ : الصّنف من الناس. وقيل الامّة. وقيل كل قوم يختصّون بلغة جِيلٌ.

(جيا) (س) في حديث عيسى عليه‌السلام «أنه مرّ بنهر جاور جِيَّة منتنة» الجِيَّة ـ بالكسر غير مهموز ـ مجتمع الماء في هبطة. وقيل أصلها الهمز وقد تخفّف الياء. وقال الجوهرى (١) : الجِيَّة : الماء المستنققع في الموضع.

ومنه حديث نافع بن جبير بن مطعم «وتركوك بين قرنها والجِيَّة» قال الزمخشرى : الجِيَّة بوزن النّيّة ، والجَيَّة بوزن المرّة : مستنقع الماء.

وفيه ذكر «جِيٍ» بكسر الجيم وتشديد الياء : واد بين مكة والمدينة.

__________________

(١) حكاية عن ثعلب.

٣٢٥

حرف الحاء

(باب الحاء مع الباء)

(حبب) (س) في صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ويفترّ عن مثل حَبِ الغمام» يعنى البرد شبّه به ثغره في بياضه وصفائه وبرده.

(س) وفي صفة أهل الجنة «يصير طعامهم إلى رشح مثل حَبَاب المسك» ، الحَبَاب بالفتح : الطّلّ الذى يصبح على النّبات. شبّه به رشحهم مجازا ، وأضافه إلى المسك ليثبت له طيب الرائحة. ويجوز أن يكون شبّهه بحَبَاب الماء ، وهى نفّاخاته الّتى تطفو عليه. ويقال لمعظم الماء حَبَاب أيضا.

(س) ومنه حديث عليّ «قال لأبى بكر رضى الله عنهما : طرت بعبابها وفزت بحَبَابِها» أى معظمها.

(س) وفيه «الحُبَاب شيطان» هو بالضّم اسم له ، ويقع على الحيّة أيضا ، كما يقال لها شيطان ، فهما مشتركان فيهما. وقيل الحُبَاب حيّة بعينها ، ولذلك غيّر اسم حُبَاب كراهية للشيطان.

(ه) وفي حديث أهل النار «فينبتون كما تنبت الحِبَّة في حميل السّيل» الحِبَّة بالكسر : بزور البقول وحَبُ الرياحين. وقيل هو نبت صغير ينبت في الحشيش. فأما الحَبَّةُ بالفتح فهى الحنطة والشعير ونحوهما (١).

وفي حديث فاطمة رضى الله عنها «قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عائشة «أنها حِبَّة أبيك» الحِبُ بالكسر. المَحْبُوب ، والأنثى حِبَّة.

__________________

(١) جاء في الهروى : وقال ابن شميل : والحبة بضم الحاء وتخفيف الباء : القضيب من الكرم يغرس فيصير حبلة.

٣٢٦

ومنه الحديث «ومن يجترئ على ذلك إلّا أسامة حِبُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» أى مَحْبُوبه ، وكان يُحِبُّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثيرا.

وفي حديث أحد «هو جبل يُحِبُّنا ونُحِبُّه» هذا محمول على المجاز ، أراد أنه جبل يُحِبُّنا أهله ونُحِبُّ أهله ، وهم الأنصار. ويجوز أن يكون من باب المجاز الصريح. أى إنّنا نُحِبُّ الجبل بعينه لأنه في أرض من نُحِبُّ.

وفي حديث أنس رضى الله عنه «انظروا حُبَ الأنصار التّمر» هكذا يروى بضم الحاء ، وهو الاسم من المَحَبَّة. وقد جاء في بعض الروايات بإسقاط انظروا ، وقال «حُبُ الأنصار التّمر» فيجوز أن يكون بالضم كالأوّل ، وحذف الفعل وهو مراد ، للعلم به ، أو على جعل التّمر نفس الحُبِ مبالغة في حُبِّهم إياه. ويجوز أن تكون الحاء مكسورة بمعنى المَحْبُوب. أى مَحْبُوبُهم التّمر ، وحينئذ يكون التّمر على الأوّل ـ وهو المشهور في الرواية ـ منصوبا بالحُبِ ، وعلى الثانى والثالث مرفوعا على خبر المبتدأ.

(حبج) (ه) في حديث ابن الزبير رضى الله عنهما «إنّا لا نموت حَبَجًا على مضاجعنا كما يموت بنو مروان» الحَبَج بفتحتين : أن يأكل البعير لحاء العرفج ويسمن عليه ، وربّما بشم منه فقتله. عرّض بهم لكثرة أكلهم وإسرافهم في ملاذّ الدنيا ، وأنهم يموتون بالتّخمة.

(حبر) (ه) في ذكر أهل الجنة «فرأى ما فيها من الحَبْرَة والسّرور» الحَبْرَة بالفتح : النّعمة وسعة العيش ، وكذلك الحُبُور.

ومنه حديث عبد الله «آل عمران غنى ، والنّساء مَحْبَرة» أى مظنّة الحُبُور والسّرور.

(ه) وفي ذكر أهل النار «يخرج من النار رجل قد ذهب حِبْرُه وسبره» الحِبْرُ بالكسر ، وقد يفتح : أثر الجمال والهيئة الحسنة.

(ه) وفي حديث أبى موسى «لو علمت أنك تسمع لقراءتى لحَبَّرْتُها لك تَحْبِيراً» يريد تحسين الصّوت وتحزينه. يقال حَبَّرت الشىء تَحْبِيراً إذا حسّنته.

٣٢٧

وفي حديث خديجة رضى الله عنها «لما تزوّجت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كست أباها حلة وخلّقته ، ونحرت جزورا ، وكان قد شرب ، فلما أفاق قال : ما هذا الحَبِيرُ ، وهذا البعير ، وهذا العقير؟» الحَبِيرُ من البرود : ما كان موشيّا مخطّطا. يقال برد حَبِير ، وبرد حِبَرَة بوزن عنبة : على الوصف والإضافة ، وهو برد يمان ، والجمع حِبَرٌ وحِبَرَات.

ومنه حديث أبى ذرّ رضى الله عنه «الحمد لله الذى أطعمنا الخمير ، وألبسنا الحَبِير».

(س ه) وحديث أبى هريرة «حين لا ألبس الحَبِير» وقد تكرر ذكره في الحديث.

[ه] وفيه «سمّيت سورة المائدة سورة الأَحْبَار» لقوله تعالى فيها (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) وهم العلماء ، جمع حِبْر وحَبَر بالفتح والكسر. وكان يقال لابن عباس رضى الله عنه : الحَبْر والبحر لعلمه وسعته. وفي شعر جرير :

إنّ البعيث وعبد آل مقاعس

لا يقرآن بسورة الأَحْبَار

أى لا يفيان بالعهود ، يعنى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

(س) وفي حديث أنس رضى الله عنه «إنّ الحُبَارَى لتموت هزلا بذنب بنى آدم» يعنى أنّ الله يحبس عنها القطر بعقوبة ذنوبهم ، وإنما خصّها بالذكر لأنها أبعد الطير نجعة ، فربّما تذبح بالبصرة ويوجد في حوصلتها الحبّة الخضراء ، وبين البصرة وبين منابتها مسيرة أيام.

(س) وفي حديث عثمان رضى الله عنه «كل شىء يحبّ ولده حتى الحُبَارَى» خصّها بالذكر لأنها يضرب بها المثل في الحمق ، فهى على حمقها (١) تحبّ ولدها فتطعمه وتعلّمه الطّيران كغيرها من الحيوان.

(حبس) (ه) في حديث الزكاة «إنّ خالدا جعل أدراعه وأعتده حُبْسا في سبيل الله» أى وقفا على المجاهدين وغيرهم. يقال حَبَسْت أَحْبِس حَبْساً ، وأَحْبَست أُحْبِسُ إِحْبَاسا : أى وقفت ، والاسم الحُبْس بالضم.

(س) ومنه حديث ابن عباس رضى الله عنهما «لما نزلت آية الفرائض قال النبى صلّى الله

__________________

(١) في الصحاح واللسان وتاج العروس : «... لأنه يضرب بها المثل في الموق ، فهى على موقها ... الخ» قال الجوهرى : والموق [بضم الميم] : حمق في غباوة.

٣٢٨

عليه وسلم : لا حَبْسَ بعد سورة النّساء» أراد أنه لا يوقف مال ولا يزوى عن وارثه ، وكأنه إشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من حَبْسِ مال الميّت ونسائه ، كانوا إذا كرهوا النّساء لقبح أو قلّة مال حَبَسُوهُنَّ عن الأزواج ؛ لأنّ أولياء الميّت كانو أولى بهنّ عندهم. والحاء في قوله لا حَبْسَ : يجوز أن تكون مضمومة ومفتوحة على الاسم والمصدر.

(س) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «قال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حَبِّسِ الأصل وسبّل الثّمرة» أى اجعله وقفا حَبِيسًا.

ومنه الحديث الآخر «ذلك حَبِيسٌ في سبيل الله» أى موقوف على الغزاة يركبونه في الجهاد. والحَبِيس فعيل بمعنى مفعول.

(ه) ومنه حديث شريح «جاء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإطلاق الحُبُس» الحُبُس : جمع حَبِيس ، وهو بضم الباء ، وأراد به ما كان أهل الجاهلية يُحَبِّسُونه ويحرّمونه : من ظهور الحامى ، والسائبة ، والبحيرة ، وما أشبهها ، فنزل القرآن بإحلال ما حرّموا منها ، وإطلاق ما حَبَّسُوه ، وهو في كتاب الهروى بإسكان الباء ، لأنه عطف عليه الحُبْس الذى هو الوقف ، فإن صحّ فيكون قد خفّف الضمة ، كما قالوا في جمع رغيف رغف بالسكون ، والأصل الضم ، أو أنه أراد به الواحد.

(ه) وفي حديث طهفة «لا يُحْبَس درّكم» أى لا تُحْبَس ذوات الدّرّ ـ وهو اللّبن ـ عن المرعى بحشرها وسوقها إلى المصدّق ليأخذ ما عليها من الزكاة ؛ لما في ذلك من الإضرار بها.

وفي حديث الحديبية «ولكن حَبَسَهَا حَابِس الفيل» هو فيل أبرهة الحبشى الذى جاء يقصد خراب الكعبة ، فحَبَسَ الله الفيل فلم يدخل الحرم ، وردّ رأسه راجعا من حيث جاء ، يعنى أنّ الله حبس ناقة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما وصل إلى الحديبية فلم تتقدّم ولم تدخل الحرم ، لأنه أراد أن يدخل مكة بالمسلمين.

(ه) وفي حديث الفتح «أنه بعث أبا عبيدة على الحُبُس» هم الرّجّالة ، سمّوا بذلك لتَحَبُّسِهم عن الرّكبان وتأخّرهم ، واحدهم حَبِيس ، فعيل بمعنى مفعول أو بمعنى فاعل ، كأنه يَحْبِس من يسير من الرّكبان بمسيره ، أو يكون الواحد حَابِساً بهذا المعنى ، وأكثر ما تروى الحُبَّسُ ـ بتشديد الباء وفتحتها ـ فإن صحّت الرواية فلا يكون واحدها إلّا حَابِساً كشاهد وشهّد ، فأمّا حَبِيس فلا يعرف في

٣٢٩

جمع فعيل فعّل ، وإنما يعرف فيه فعل كما سبق ، كنذير ونذر. وقال الزمخشرى : «الحُبُسُ ـ يعنى بضم الباء والتخفيف ـ الرّجّالة ، سمّوا بذلك لحَبْسِهم الخيّالة ببطء مشيهم ، كأنه جمع حُبُوس ، أو لأنهم يتخلّفون عنهم ويَحْتَبِسُون عن بلوغهم ، كأنه جمع حَبِيس».

ومنه حديث الحجاج «إنّ الإبل ضمر (١) حُبُس ما جشّمت جشمت» هكذا رواه الزمخشرى (٢). وقال : الحُبُسُ جمع حَابِس ، من حَبَسَه إذا أخّره. أى إنها صوابر على العطش تؤخرّ الشّرب ، والرواية بالخاء والنون.

(س) وفيه «أنه سأل : أين حِبْس سيل ، فإنه يوشك أن تخرج منه نار تضىء منها أعناق الإبل ببصرى» الحِبْس بالكسر : خشب أو حجارة تبنى فى وسط الماء ليجتمع فيشرب منه القوم ويسقوا إبلهم. وقيل هو فلوق في الحرّة يجتمع بها ماء لو وردت عليه أمّة لوسعتهم. ويقال للمصنعة التى يجتمع فيها الماء حِبْس أيضا. وحِبْس سيل : اسم موضع بحرّة بنى سليم ، بينها وبين السّوارقيّة مسيرة يوم. وقيل إن حُبْس سيل ـ بضم الحاء ـ اسم للموضع المذكور.

وفيه ذكر «ذات حَبِيس» بفتح الحاء وكسر الباء ، وهو موضع بمكة. وحَبِيس أيضا موضع بالرّقّة به قبور شهداء صفّين.

(حبش) (س) في حديث الحديبية «إنّ قريشا جمعوا لك الأَحَابِيش» هم أحياء من من القارة انضمّوا إلى بنى ليث في محاربتهم قريشا. والتَّحَبُّش : التّجمّع. وقيل حالفوا قريشا تحت جبل يسمّى حُبْشِيّاً فسمّوا بذلك.

وفيه «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطاعة وإن عبدا حَبَشِيّاً» أى أطيعوا صاحب الأمر ، واسمعوا له ، وإن كان عبدا حَبَشِّيّاً ، فحذف كان وهى مرادة.

وفي حديث خاتم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فيه فصّ حَبَشِيٌ» يحتمل أنه أراد من الجزع أو العقيق ؛ لأنّ معدنهما اليمن والحبشة ، أو نوعا آخر ينسب إليها (٣).

__________________

(١) كذا بالراء المهملة في الأصل وفي او في كل مراجعنا. ولم يعده المصنف في مادة «ضمر» على عادته. وأعاده في «ضمز» وقال : الإبل الضامزة : الممسكة عن الجرّة.

(٢) الذى في الفائق ١ / ٦٣٩ بالخاء والنون المشددة المفتوحة ، ولم يضبط الزمخشرى بالعبارة.

(٣) قال صاحب الدر النثير : ذكر ابن البيطار في «المفردات» أنه صنف من الزبرجد.

٣٣٠

وفي حديث عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما «أنه مات بالحُبْشِيّ» هو بضم الحاء ، وسكون الباء وكسر الشين والتشديد : موضع قريب من مكة. وقال الجوهرى : هو جبل بأسفل مكة.

(حبط) ـ فيه «أَحْبَطَ الله عمله» أى أبطله. يقال : حَبِطَ عمله يَحْبَط ، وأَحْبَطَه غيره ، وهو من قولهم : حَبِطَت الدابة حَبَطاً ـ بالتحريك ـ إذا أصابت مرعى طيّبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت.

[ه] ومنه الحديث «وإنّ مما ينبت الرّبيع ما يقتل حَبَطاً أو يلمّ» وذلك أن الرّبيع ينبت أحرار العشب ، فتستكثر منه الماشية. ورواه بعضهم بالخاء المعجمة من التّخبّط وهو الاضطراب. ولهذا الحديث شرح يجىء في موضعه ، فإنه حديث طويل لا يكاد يفهم إذا فرّق.

(حبنط) [ه] في حديث السّقط «يظلّ مُحْبَنْطِئاً على باب الجنة» المُحْبَنْطِئُ ـ بالهمز وتركه ـ المتغضّب المستبطىء للشىء. وقيل هو الممتنع امتناع طلبة ، لا امتناع إباء. يقال : احْبَنْطَأْتُ ، واحْبَنْطَيْتُ. والحَبَنْطَى : القصير البطين ، والنون والهمزة والألف والياء زوائد للإلحاق.

(حبق) (س ه) فيه «نهى عن لون الحَبِيق أن يؤخذ في الصّدقة» هو نوع من أنواع التّمر ردىء منسوب إلى ابن حُبَيْق ، وهو اسم رجل. وقد تكرر في الحديث. وقد يقال له بنات حُبَيْق ، وهو تمر أغبر صغير مع طول فيه. يقال حُبَيْق ، ونبيق ، وذوات العنيق ، لأنواع من التمر. والنّبيق : أغبر مدوّر. وذوات العنيق لها أعناق مع طول وغبرة ، وربما اجتمع ذلك كلّه في عذق واحد.

وفي حديث المنكر الذى كانوا يأتونه في ناديهم «قال : كانوا يَحْبِقُون فيه» الحَبِق بكسر الباء : الضّراط. وقد حَبَقَ يَحْبِق.

(حبك) (ه) في حديث عائشة رضى الله عنها «أنها كانت تَحْتَبِك تحت درعها في الصلاة» أى تشدّ الإزار وتحكمه.

٣٣١

وفي حديث عمرو بن مرّة يمدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

لأصبحت خير النّاس نفسا ووالدا

رسول مليك النّاس فوق الحَبَائِك

الحَبَائِك : الطّرق ، واحدها حَبِيكَة : يعنى بها السّماوات ؛ لأنّ فيها طرق النّجوم. ومنه قوله تعالى (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) واحدها حِبَاك ، أو حَبِيك.

(س) ومنه الحديث في صفة الدجال «رأسه حُبُك» أى شعر رأسه متكسّر من الجعودة ، مثل الماء السّاكن ، أو الرّمل إذا هبّت عليهما الرّيح ، فيتجعّدان ويصيران طرائق. وفي رواية أخرى «مُحَبَّك الشّعر» بمعناه.

(حبل) (ه) في صفة القرآن «كتاب الله حَبْل ممدود من السّماء إلى الأرض» أى نور ممدود ، يعنى نور هداه. والعرب تشبّه النّور الممتدّ بالحَبْل والخيط. ومنه قوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) يعنى نور الصّبح من ظلمة الليل.

وفي حديث آخر «وهو حَبْل الله المتين» : أى نور هداه. وقيل عهده وأمانه الذى يؤمّن من العذاب. والحَبْل : العهد والميثاق.

(ه) ومنه حديث ابن مسعود رضى الله عنه «عليكم بحَبْل الله» أى كتابه. ويجمع الحَبْل على حِبَال.

(س) ومنه الحديث «بيننا وبين القوم حِبَال» أى عهود ومواثيق.

ومنه حديث دعاء الجنازة «اللهم إنّ فلان ابن فلان في ذمّتك وحَبْل جوارك» كان من عادة العرب أن يخيف بعضها بعضا ، فكان الرجل إذا أراد سفرا أخذ عهدا من سيّد كلّ قبيلة فيأمن به ما دام في حدودها حتى ينتهى إلى الأخرى فيأخذ مثل ذلك ، فهذا حبل الجوار : أى ما دام مجاورا أرضه ، أو هو من الإجارة : الأمان والنّصرة.

وفي حديث الدعاء «يا ذا الحَبْل الشديد» هكذا يرويه المحدّثون بالباء ، والمراد به القرآن ، أو الدين ، أو السّبب. ومنه قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) وصفه بالشّدّة لأنها من صفات الحِبَال. والشّدّة في الدين : الثّبات والاستقامة. قال الأزهرى : الصواب الحيل بالياء ، وهو القوّة. يقال حول وحيل بمعنى.

٣٣٢

ومنه حديث الأقرع والأبرص والأعمى «أنا رجل مسكين قد انقطعت بى الحِبَال في سفرى» أى الأسباب ، من الحَبْل : السّبب.

(س) وفي حديث عروة بن مضرّس «أتيتك من جبلى طيّئ ما تركت من حَبْل إلّا وقعت عليه» الحَبْل : المستطيل من الرّمل. وقيل : الضّخم منه ، وجمعه حِبَال. وقيل : الِحبَال في الرّمل كالجبال في غير الرمل.

(س) ومنه حديث بدر «صعدنا على حَبْل» أى قطعة من الرمل ضخمة ممتدّة.

ومنه الحديث «وجعل حَبْل المشاة بين يديه» أى طريقهم الذى يسلكونه في الرّمل. وقيل أراد صفّهم ومجتمعهم في مشيهم تشبيها بحَبْل الرّمل.

(س) وفي حديث أبى قتادة «فضربته على حَبْل عاتقه» هو موضع الرّداء من العنق. وقيل هو ما بين العنق والمنكب. وقيل هو عرق أو عصب هناك. ومنه قوله تعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الوريد : عرق في العنق ، وهو الحبل أيضا ، فأضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين.

وفي حديث قيس بن عاصم «يغدو الناس بحِبَالِهم ، فلا يوزع رجل عن جمل يخطمه» يريد الحِبَال التى تشدّ بها الإبل : أى يأخذ كلّ إنسان جملا يخطمه بحَبْلِه ويتملّكه. قال الخطّابى : رواه ابن الأعرابى «يغدو الناس بجمالهم» والصحيح بحِبَالهم.

(س) وفي صفة الجنة «فإذا فيها حَبَائِل اللّؤلؤ» هكذا جاء في كتاب البخارى. والمعروف جنابذ اللؤلؤ. وقد تقدم ، فإن صحّت الرواية فيكون أراد به مواضع مرتفعة كحِبَال الرّمل ، كأنه جمع حِبَالَة ، وحِبَالَة جمع حَبْل ، وهو جمع على غير قياس.

وفي حديث ذى المشعار «أتوك على قلص نواج ، متّصلة بحَبَائل الإسلام» أى عهوده وأسبابه ، على أنها جمع الجمع كما سبق.

(س) وفيه «النّساء حَبَائِل الشيطان» أى مصايده ، واحدها حِبَالة بالكسر : وهى ما يصاد بها من أىّ شىء كان.

ومنه حديث ابن ذى يزن «وينصبون له الحَبَائِل».

٣٣٣

(ه) وفي حديث عبد الله السعدى «سألت ابن المسيّب عن أكل الضّبع فقال : أويأكلها أحد؟ فقلت : إنّ ناسا من قومى يَتَحَبَّلُونها فيأكلونها» أى يصطادونها بالحِبَالة.

(ه) وفيه «لقد رأيتنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما لنا طعام إلّا الحُبْلَة وورق السّمر» الحُبْلَة بالضم وسكون الباء : ثمر السّمر يشبه اللّوبياء. وقيل هو ثمر العضاه.

ومنه حديث عثمان رضى الله عنه «ألست ترعى معوتها وحُبْلَتها» وقد تكرّر في الحديث.

(ه) وفيه «لا تقولوا للعنب الكرم. ولكن قولوا العنب والحَبَلَة» الحَبَلَة ـ بفتح الحاء والباء ، وربما سكّنت ـ الأصل أو القضيب من شجر الأعناب.

[ه] ومنه الحديث «لمّا خرج نوح من السّفينة غرس الحَبَلَة».

وحديث ابن سيرين «لما خرج نوح من السّفينة فقد حَبَلَتَين كانتا معه ، فقال له الملك : ذهب بهما الشيطان» يريد ما كان فيهما من الخمر والسّكر.

(ه) ومنه حديث أنس رضى الله عنه «كانت له حَبَلَة تحمل كرّا ، وكان يسمّيها أمّ العيال» أى كرمة.

(ه) وفيه «أنه نهى عن حَبَل الحَبَلَة» الحَبَل بالتحريك : مصدر سمّى به المحمول ، كما سمّى بالحمل ، وإنما دخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه ، فالحَبَل الأوّل يراد به ما في بطون النوق من الحمل ، والثانى حَبَل الذى في بطون النوق. وإنما نهى عنه لمعنيين : أحدهما أنه غرر وبيع شىء لم يخلق بعد ، وهو أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذى في بطن الناقة ، على تقدير أن تكون أنثى ، فهو بيع نتاج النّتايج. وقيل : أراد بحَبْل الحَبَلة أن يبيعه إلى أجل ينتج فيه الحمل الذى في بطن الناقة ، فهو أجل مجهول ولا يصحّ.

ومنه حديث عمر رضى الله عنه «لمّا فتحت مصر أرادوا قسمتها ، فكتبوا إليه فقال : لا ، حتى يغزو منها حَبَل الحَبَلَة» يريد حتى يغزو منها أولاد الأولاد ، ويكون عامّا في الناس والدّوابّ : أى يكثر المسلمون فيها بالتّوالد ، فإذا قسمت لم يكن قد انفرد بها الآباء دون الأولاد ، أو يكون أراد المنع من القسمة حيث علّقه على أمر مجهول.

٣٣٤

(ه س) وفي حديث قتادة في صفة الدجّال «أنه مُحَبَّل الشّعر» أى كأنّ كل قرن من قرون رأسه حَبْل. ويروى بالكاف. وقد تقدم.

وفيه «أنّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطع مجّاعة بن مرارة الحُبَل» هو بضم الحاء وفتح الباء : موضع باليمامة.

(حبن) (ه) فيه «أنّ رجلا أَحْبَنَ أصاب امرأة فجلد بأثكول النّخلة» الأَحْبَن المستشفى ، من الحَبَن بالتحريك : وهو عظم البطن.

(ه) ومنه الحديث «تجشّأ رجل في مجلس ، فقال له رجل : دعوت على هذا الطّعام أحدا؟ قال : لا ، قال : فجعله الله حَبَناً وقددا» القداد : وجع البطن.

(س) ومنه حديث عروة «إنّ وفد أهل النار يرجعون زبّا حُبْناً» الحُبْن جمع الأَحْبَن.

(س) وفي حديث عقبة «أتمّوا صلاتكم ، ولا تصلّوا صلاة أمّ حُبَيْن» هى دويبّة كالحرباء ، عظيمة البطن إذا مشت تطأطىء رأسها كثيرا وترفعه لعظم بطنها ، فهى تقع على رأسها وتقوم. فشبّه بها صلاتهم في السّجود ، مثل الحديث الآخر في نقرة الغراب.

(ه) ومنه الحديث «أنه رأى بلالا وقد خرج بطنه ، فقال : أمّ حُبَيْن» تشبيها له بها. وهذا من مزحه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(س) وفي حديث ابن عباس رضى الله عنهما «أنه رخص في دم الحُبُون» وهى الدّماميل ، واحدها حِبْنٌ وحِبْنَة بالكسر : أى إنّ دمها معفوّ عنه إذا كان في الثوب حالة الصلاة.

(حبا) (س) فيه «أنه نهى عن الاحْتِبَاء في ثوب واحد» الاحْتِبَاء : هو أن يضمّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، ويشدّه عليها. وقد يكون الاحْتِبَاء باليدين عوض الثّوب. وإنّما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلّا ثوب واحد ربّما تحرّك أو زال الثّوب فتبدو عورته.

(س) ومنه الحديث «الاحْتِبَاء حيطان العرب» أى ليس في البرارى حيطان ، فإذا أرادوا

٣٣٥

أن يستندوا احْتَبَوا ، لأن الاحْتِبَاء يمنعهم من السّقوط ، ويصير لهم ذلك كالجدار. يقال : احْتَبَى يَحْتَبِى احْتَبِاء ، والاسم الحِبْوَة بالكسر والضم ، والجمع حُباً وحِباً.

(س) ومنه الحديث «أنه نهى عن الحُبْوَة يوم الجمعة والإمام يخطب» نهى عنها لأنّ الاحْتِبَاء يجلب النّوم فلا يسمع الخطبة ، ويعرّض طهارته للانتقاض.

(س) وفي حديث سعد «نبطىّ في حِبْوَته» هكذا جاء في رواية. والمشهور بالجيم ، وقد تقدم في بابه.

(ه) وفي حديث الأحنف «وقيل له في الحرب : أين الحلم؟ فقال : عند الحُبَا» أراد أنّ الحلم يحسن في السّلم لا في الحرب.

(س) وفيه «لو يعلمون ما في العشاء والفجر لأتوهما ولو حَبْوا» الحَبْوُ : أن يمشى على يديه وركبتيه ، أو استه. وحَبَا البعير إذا برك ثم زحف من الإعياء. وحَبَا الصّبىّ : إذا زحف على استه.

(ه س) وفي حديث عبد الرحمن «إنّ حَابِياً خير من زاهق» الحَابِى من السّهام : هو الذى يقع دون الهدف ثم يزحف إليه على الأرض ، فإن أصاب فهو خازق وخاسق ، وإن جاوز الهدف ووقع خلفه فهو زاهق : أراد أنّ الحَابِى وإن كان ضعيفا فقد أصاب الهدف ، وهو خير من الزّاهق الذى جاوزه لقوّته وشدّته ولم يصب الهدف ، ضرب السّهمين ممثلا لواليين : أحدهما ينال الحقّ أو بعضه وهو ضعيف ، والآخر يجوز الحقّ ويبعد عنه وهو قوىّ.

وفي حديث وهب «كأنه الجبل الحَابِي» يعنى الثّقيل المشرف. والحَبِيُ من السحاب المتراكم.

(ه س) وفي حديث صلاة التسبيح «ألا أمنحك؟ ألا أَحْبُوك؟ يقال : حَبَاه كذا وبكذا : إذا أعطاه. والحِبَاء : العطيّة.

٣٣٦

(باب الحاء مع التاء)

(حت) (ه) في حديث الدّم يصيب الثّوب «حُتِّيه ولو بضلع» أى حكّيه. والحكّ ، والحتّ ، والقشر سواء.

ومنه الحديث «ذاكر الله في الغافلين مثل الشّجرة الخضراء وسط الشّجر الذى تَحَاتَ ورقه من الضّريب» أى تساقط. والضّريب : الصّقيع.

(س) ومنه الحديث «تَحَاتَّت عنه ذنوبه» أى تساقطت.

ومنه حديث عمر رضى الله عنه «أنّ أسلم كان يأتيه بالصّاع من التّمر فيقول حُتَ عنه قشره» أى اقشره.

(س) ومنه حديث كعب «يبعث من بقيع الغرقد سبعون ألفا هم خيار من يَنْحَتُ عن خطمه المدر» أى ينقشر عن أنوفهم المدر ، وهو التّراب.

(ه) وفي حديث سعد «أنه قال له يوم أحد : احْتُتُهم يا سعد» أى ارددهم.

(حتف) [ه] فيه «من مات حَتْفَ أنفه في سبيل الله فهو شهيد» هو أن يموت على فراشه كأنه سقط لأنفه فمات. والحَتْف : الهلاك. كانوا يتخيّلون أنّ روح المريض تخرج من أنفه (١) فإن جرح خرجت من جراحته.

(ه) وفي حديث عبيد بن عمير «ما مات من السّمك حَتْف أنفه فلا تأكله» يعنى الطّافى.

ومنه حديث عامر بن فهيرة :

والمرء يأتى حَتْفُه من فوقه

أى إنّ حذره وجبنه غير دافع عنه المنيّة إذا حلّت به. وأوّل من قال ذلك عمرو بن مامة في شعره ، يريد أنّ الموت يجيئه من السّماء.

__________________

(١) في الدر النثير : قلت قال ابن الجوزى : وإنما قيل ذلك لأن نفسه تخرج من فيه وأنفه فغلب أحد الاسمين ، وهو أولى مما ذكره صاحب النهاية. ا ه وانظر اللسان (حتف).

٣٣٧

[ه] وفي حديث قَيْلَة «إنّ صاحبها قال لها : كنت أنا وأنت كما قيل : حَتْفَها تحمل ضأنٌ بأظلافها» هذا مَثَل. وأصله : أنّ رجلا كان جائعا بالبلد القفر ، فوجد شاة ولم يكن معه ما يذبحها به ، فبحثت الشّاةُ الأرض فظهر فيها مدية فذبحها بها ، فصار مثلا لكلّ من أعان على نفسه بسوء تدبيره.

(حتك) (ه) في حديث العرباض «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج في الصّفّة وعليه الحَوْتَكِيَّة» قيل هى عمامة يتعمّمها الأعراب يسمّونها بهذا الاسم. وقيل هو مضاف إلى رجل يسمّى حَوْتَكاً كان يتعمّم هذه العمّة.

وفي حديث أنس رضى الله عنه «جئت إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليه خميصة حَوْتَكِيَّة» هكذا جاء في بعض نسخ صحيح مسلم. والمعروف «خميصة جونيّة» وقد تقدّمت ، فإن صحّت الرّواية فتكون منسوبة إلى هذا الرجل.

(حتم) ـ في حديث الوتر «الوتر ليس بحَتْمٍ كصلاة المكتوبة» الحَتْم : اللّازم الواجب الذى لا بدّ من فعله.

(ه) وفي حديث الملاعنة «إن جاءت به أسحم أَحْتَمَ» الأَحْتَم : الأسود. والحَتَمَة بفتح الحاء والتّاء : السّواد.

(ه) وفيه «من أكل وتَحَتَّمَ دخل الجنّة» التَّحَتُّم : أكل الحُتَامَة : وهى فتات الخبز السّاقط على الخوان.

(حتن) (س) فيه «أفَحِتْنُه فلان؟» الحِتْنُ بالكسر والفتح : المثل والقرن. والمُحَاتِنَة : المساواة. وتَحَاتَنُوا : تساووا.

(حتا) ـ في حديث عليّ رضى الله عنه «أنه أعطى أبا رافع حَتِيّاً وعكّة سمن» الحَتِيُ : سويق المقل.

وحديثه الآخر «فأتيته بمزود مختوم فإذا فيه حَتِيٌ».

٣٣٨

(باب الحاء مع الثاء)

(حثحث) ـ في حديث سطيح :

كأنّما حُثْحِثَ من حضنى ثكن

أى حُثَّ وأسرع. يقال حَثَّه على الشىء ، وحَثْحَثَه بمعنى. وقيل الحاء الثانية بدل من إحدى الثاءين.

(حثل) ـ فيه «لا تقوم الساعة إلا على حُثَالَة من الناس» الحُثَالَة : الرّدىء من كل شىء. ومنه حُثَالَة الشّعير والأرزّ والتّمر وكلّ ذى قشر.

(ه) ومنه الحديث «قال لعبد الله بن عمر : كيف أنت إذا بقيت في حُثَالَة من الناس؟» يريد أراذلهم.

(ه) ومنه الحديث «أعوذ بك من أن أبقى في حَثْل من الناس».

وفي حديث الاستسقاء «وارحم الأطفال المُحْثَلَة» يقال أَحْثَلْتُ الصّبى إذا أسأت غذاءه. والحَثْل : سوء الرّضاع وسوء الحال.

(حثم) ـ في حديث عمر رضى الله عنه ذكر «حَثْمَة» وهى بفتح الحاء وسكون الثاء : موضع بمكة قرب الحجون.

(حثا) (س) فيه «احْثُوا في وجوه المدّاحين التّراب» أى ارموا. يقال حَثَا يَحْثُو حَثْواً ويَحْثِي حَثْياً. يريد به الخيبة ، وألّا يعطوا عليه شيئا ، ومنهم من يجريه على ظاهره فيرمى فيها التّراب.

وفي حديث الغسل «كان يَحْثِي على رأسه ثلاث حَثَيَات» أى ثلاث غرف بيديه ، واحدها حَثْيَة.

وفي حديث آخر «ثلاث حَثَيَات من حَثَيَات ربّى تبارك وتعالى» هو كناية عن المبالغة في الكثرة ، وإلّا فلا كفّ ثمّ ولا حثى ، جلّ الله عن ذلك وعزّ.

وفي حديث عائشة وزينب رضى الله عنهما «فتقاولتا حتى اسْتَحَثَّتَا» هو استفعل ،

٣٣٩

من الحَثْي ، والمراد أنّ كلّ واحدة منهما رمت في وجه صاحبتها التراب.

ومنه حديث العباس رضى الله عنه في موت النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودفنه «وإن يكن ما تقول يا ابن الخطّاب حقّا فإنّه لن يعجز أن يَحْثُو عنه تراب القبر ويقوم» أى يرمى به عن نفسه.

[ه] وفي حديث عمر «فإذا حصير بين يديه عليه الذهب منثورا نثر الحَثَا» هو بالفتح والقصر : دقاق التّبن (١).

(باب الحاء مع الجيم)

(حجب) ـ في حديث الصلاة «حين توارت بالحِجَاب» الحِجَاب هاهنا : الأفق ، يريد حين غابت الشمس في الأفق واستترت به. ومنه قوله تعالى (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)

(ه) وفيه «إنّ الله يغفر للعبد ما لم يقع الحِجَاب ، قيل : يا رسول الله وما الحِجَاب؟ قال : أن تموت النّفس وهى مشركة» كأنها حُجِبَت بالموت عن الإيمان.

(ه) ومنه حديث ابن مسعود رضى الله عنه «من اطّلع الحِجَاب واقع ما وراءه» أى إذا مات الإنسان واقع ما وراء الحِجَابَيْن : حِجَاب الجنّة وحِجَاب النّار لأنّهما قد خفيا ، وقيل اطّلاع الحِجَاب : مدّ الرأس ، لأنّ المطالع يمدّ رأسه ينظر من وراء الحِجَاب وهو السّتر.

(س) وفيه «قالت بنو قصىّ : فينا الحِجَابَة» يعنون حجابة الكعبة ، وهى سدانتها ، وتولّى حفظها ، وهم الذين بأيديهم مفتاحها.

(حجج) ـ في حديث الحَجِ «أيّها الناس قد فرض عليكم الحَجَ فحَجُّوا» الحَجُ في اللغة. القصد إلى كلّ شىء ، فخصّه الشّرع بقصد معيّن ذى شروط معلومة ، وفيه لغتان : الفتح والكسر. وقيل الفتح المصدر ، والكسر الاسم ، تقول حَجَجْتُ البيت أَحُجُّه حَجّاً ، والحَجَّة بالفتح : المرّة الواحدة على القياس. وقال الجوهرى : الحِجَّة بالكسر : المرّة الواحدة ، وهو من الشّواذ. وذو الحِجَّة

__________________

(١) أنشد الهروى :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

٣٤٠