النّهاية - ج ١

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ١

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٢

لا يناله التّنظيف التّامّ إذا غسل الإناء. وقد جاء في لفظ الحديث «إنه مقعد الشيطان» ولعلّه أراد به عدم النظافة.

(باب الثاء مع الميم)

(ثمد) (ه) في حديث طهفة «وافجر لهم الثَّمَد» الثَّمَد بالتحريك : الماء القليل ، أى افجره لهم حتى يصير كثيرا.

ومنه الحديث «حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَد».

(ثمر) (ه) فيه «لا قطع في ثَمَر ولا كَنَر» الثَّمَر : الرّطب ، ما دام في رأس النخلة ، فإذا قطع فهو الرّطب ، فإذا كنز (١) فهو التّمر. والكَنَر : الجمّار. وواحد الثَّمَر ثَمَرَة ، ويقع على كلّ الثِّمَار ، ويغلب على ثَمَر النّخل.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «زاكيا نبتها ، ثَامِرا فرعها» يقال شجر ثَامِر إذا أدرك ثَمَرُه.

وفيه «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ثَمَرَةَ فؤاده؟ فيقولون نعم» قيل للولد ثَمَرَة لأن الثَّمَرَة ما ينتجه الشجر ، والولد ينتجه الأب.

(س) ومنه حديث عمرو بن مسعود «قال لمعاوية : ما تسأل عمّن ذبلت بشرته ، وقطعت ثَمَرَتُه» يعنى نسله. وقيل انقطاع شهوة الجماع.

وفي حديث المبايعة «فأعطاه صفقة يده ، وثَمَرَةَ قلبه» أى خالص عهده.

(ه) وفي حديث ابن عباس رضى الله عنهما «أنه أخذ بِثَمَرَةِ لسانه» أى بطرفه.

ومنه حديث الحدّ «فأتى بسوط لم تقطع ثَمَرَتُه» أى طرفه الذى يكون في أسفله.

(ه) وفي حديث ابن مسعود رضى الله عنه «أنه أمر بسوط فدقّت ثَمَرَتُه» وإنّما دقّها لتلين ، تخفيفا على الذى يضربه به.

(س) وفي حديث معاوية رضى الله عنه «قال لجارية : هل عندك قرى؟ قالت : نعم ،

__________________

(١) في الأصل واللسان : «كبر». تصحيف ، والمثبت من ا والهروى. قال في القاموس : وزمن الكناز ـ ويكسر ـ أوان كنز التمر.

٢٢١

خبز خمير ، ولبن ثَمِيرٌ ، وحيس جمير» الثَّمِير : الذى قد تحبّب زبده فيه ، وظهرت ثَمِيرَتُه : أى زبده. والجمير : المجتمع.

(ثمغ) ـ في حديث صدقة عمر رضى الله عنه «إن حدث به حدث إنّ ثَمْغاً وصرمة ابن الأكوع وكذا وكذا جعله وقفا». هما مالان معروفان بالمدينة كان لعمر بن الخطاب رضى الله عنه فوقفهما.

(ثمل) (ه س) في حديث أم معبد «فحلب فيه ثجّا حتى علاه الثُّمَال» هو بالضّم : الرّغوة ، واحده ثُمَالَة.

وفي شعر أبى طالب يمدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثِمَالُ اليتامى عصمة للارامل.

الثِّمَال ـ بالكسر ـ الملجأ والغياث. وقيل : هو المطعم في الشّدّة.

(س) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «فإنّها ثِمَال حاضرتهم» أى غياثهم وعصمتهم.

وفي حديث حمزة رضى الله عنه وشارفي عليّ رضى الله عنه «فإذا حمزة ثَمِلٌ محمرّة عيناه» الثَّمِلُ الذى أخذ منه الشّراب والسّكر.

(س) ومنه حديث تزويج خديجة «أنّها انطلقت إلى أبيها وهو ثَمِلٌ» وقد تكرر في الحديث.

(س) وفي حديث عمر رضى الله عنه «أنه طلى بعيرا من إبل الصّدقة بقطران ، فقال له رجل لو أمرت عبدا كفاكه! فضرب بالثَّمَلَة في صدره وقال : عبد أعبد منّى!» الثَّمَلَة بفتح الثاء والميم : صوفة ، أو خرقة يهنأ بها البعير ، ويدهن بها السّقاء.

(س) وفي حديثه الآخر «أنه جاءته امرأة جليلة ، فحسرت عن ذراعيها وقالت : هذا من احتراش الضّباب ، فقال : لو أخذت الضّبّ فورّيته ، ثم دعوت بمكتفة فثَمَلْتِهِ كان أشبع» أى أصلحته.

وفي حديث عبد الملك «قال للحجّاج : أما بعد فقد ولّيتك العراقين صدمة ، فسر إليها

٢٢٢

منطويَ الثَّمِيلَة» أصل الثَّمِيلَة : ما يبقى في بطن الدّابة من العلف والماء ، وما يدّخره الإنسان من طعام أو غيره ، وكلّ بقية ثَمِيلَة. المعنى : سر اليها مخفّا.

(ثمم) (ه) في حديث عروة «وذكر أحيحة بن الجلاح وقول أخواله فيه : كنّا أهل ثُمِّهِ ورُمِّهِ» قال أبو عبيد : المحدّثون يروونه بالضّم ، والوجه عندى الفتح ، وهو إصلاح الشىء وإحكامه ، وهو والرّمّ بمعنى الإصلاح. وقيل : الثَّمّ قماش البيت ، والرّمّ مرمّة البيت. وقيل : هما بالضّم مصدران ، كالشّكر ، أو بمعنى المفعول كالذّخر : أى كنّا أهل تربيته والمتولّين لإصلاح شأنه.

(ه) وفي حديث عمر رضى الله عنه «اغزوا والغزو حلو خضر قبل أن يصير ثُمَاماً ، ثم رماما ثم حطاما» الثُّمَام : نبت ضعيف قصير لا يطول. والرّمام : البالى ، والحطام. المتكسّر المتفتّت. المعنى : اغزوا وأنتم تنصرون وتوفّرون غنائمكم قبل أن يهن ويضعف ويكون كالثُّمَام.

(ثمن) (س) في حديث بناء المسجد «ثَامِنُونِي بحائطكم» أى قرّروا معى ثَمَنَه وبيعونيه بالثَّمَن. يقال : ثَامَنْت الرجلَ في المبيع أُثَامِنُه ، إذا قاولته في ثَمَنِه وساومته على بيعه واشترائه.

(باب الثاء مع النون)

(ثند) [ه] في صفة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «عارى الثَّنْدُوَتَين» الثَّنْدُوَتَان للرّجل كالثّديين للمرأة ، فمن ضمّ الثناء همز ، ومن فتحها لم يهمز ، أراد أنه لم يكن على ذلك الموضع منه كبير لحم.

(س) وفي حديث ابن عمرو بن العاص «في الأنف إذا جدع الدّية كاملة ، وإن جدعت ثَنْدُوَتُه فنصف العقل» أراد بالثَّنْدُوَة في هذا الموضع روثة الأنف ، وهى طرفه ومقدّمه.

(ثنط) (س) في حديث كعب «لمّا مدّ الله الأرض مادت فَثَنَطَهَا بالجبال» أى شقّها

٢٢٣

فصارت كالأوتاد لها. ويروى بتقديم النون. قال الأزهرى : «فرق ابن الأعرابى بين النّثط والثَّنْط ، فجعل الثَّنْط شقّا ، والنّثط تثقيلا (١). قال وهما حرفان غريبان ، فلا أدرى أعربيّان أم دخيلان» ، وما جاء إلا في حديث كعب. ويروى بالباء بدل النون ، من التّثبيط : التعويق.

(ثنن) (ه) فيه «إنّ آمنة أمّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : لما حملت به : ما وجدته في قطن ولا ثُنَّة» الثُّنَّة : ما بين السّرة والعانة من أسفل البطن.

(ه) ومنه حديث مقتل حمزة رضى الله تعالى عنه «قال وحشى : سدّدت رمحى لثُنَّتِه».

وحديث فارعة أخت أميّة «فشقّ ما بين صدره إلى ثُنَّتِه».

وفي حديث فتح نهاوند «وبلغ الدّم ثُنَنَ الخيل» الثُّنَن : شعرات في مؤخّر الحافر من اليد والرجل.

(ثنا) (ه) فيه «لا ثِنَى في الصّدقة» : أى لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السّنة. والثِّنَى بالكسر والقصر : أن يفعل الشىء مرّتين. وقوله في الصّدقة : أى في أخذ الصدقة ، فحذف المضاف. ويجوز أن تكون الصدقة بمعنى التصديق ، وهو أخذ الصدقة ، كالزكاة والذّكاة بمعنى التزكية ، والتّذكية فلا يحتاج إلى حذف مضاف.

(ه) وفيه «نهى عن الثُّنْيَا إلا أن تعلم» هى أن يُسْتَثْنَى في عقد البيع شىء مجهول فيفسد. وقيل هو أن يباع شىء جزافا فلا يجوز أن يُسْتَثْنَى منه شىء قلّ أو كثر ، وتكون الثُّنْيَا في المزارعة أن يُسْتَثْنَى بعد النصف أو الثلث كيل معلوم (س) وفيه «من أعتق أو طلّق ثم اسْتَثْنَى فله ثُنْيَاه» أى من شرط في ذلك شرطا ، أو علّقه على شىء فله ما شرط أو اسْتَثْنَى منه ، مثل أن يقول : طلّقتها ثلاثا إلّا واحدة ، أو أعتقتهم إلّا فلانا.

(ه) وفيه «كان لرجل ناقة نجيبة فمرضت فباعها من رجل واشترط ثُنْيَاهَا» أراد قوائمها ورأسها.

__________________

(١) في اللسان وتاج العروس : إثقالا.

٢٢٤

(ه) وفي حديث كعب. وقيل ابن جبير «الشهداء ثَنِيَّة الله في الخلق» كأنه تأوّل قول الله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) فالذين اسْتَثْنَاهُم الله من الصّعق الشّهداء ، وهم الأحياء المرزوقون.

(ه) وفي حديث عمر «كان ينحر بدنته وهى باركة مَثْنِيَّة بِثِنَايَين» أى معقولة بعقالين ، ويسمّى ذلك الحبل الثِّنَايَة ، وإنّما لم يقولوا ثِنَاءَيْن بالهمز حملا على نظائره ، لأنه حبل واحد يشدّ بأحد طرفيه يد وبطرفه الثانى أخرى ، فهما كالواحد ، وإن جاء بلفظ اثْنَيْن ، ولا يفرد له واحد.

ومنه حديث عائشة رضى الله عنها تصف أباها «فأخذ بطرفيه وربّق لكم أَثْنَاءَه» أى ما انْثَنَى منه ، واحدها ثِنْىٌ ، وهو معاطف الثّوب وتضاعيفه.

ومنه حديث أبى هريرة رضى الله عنه «كان يَثْنِيهِ عليه أَثْنَاء من سعته» يعنى ثوبه.

وفي صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ليس بالطّويل المُتَثَنَّى» هو الذّاهب طولا ، وأكثر ما يستعمل في طويل لا عرض له.

(س) وفي حديث الصلاة «صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى» أى ركعتان ركعتان بتشهّد وتسليم ، في طويل لا عرض له. فهى ثُنَائِيَّة لا رباعيّة ، ومَثْنَى معدول من اثْنَيْن اثْنَيْن.

(ه) وفي حديث عوف بن مالك «أنّه سأل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإمارة فقال : أوّلها ملامة ، وثِنَاؤُها ندامة ، وثلاثها عذاب يوم القيامة» أى ثَانِيها وثالثها.

(س) ومنه حديث الحديبية «يكون لهم بدء الفجور وثِنَاهُ» أى أوّله وآخره.

وفي ذكر الفاتحة «هى السّبع المَثَانِى» سمّيت بذلك لأنّها تُثْنَى في كل صلاة : أى تعاد. وقيل : المَثَانِي السّور التى تقصر عن المئين وتزيد عن المفصّل ، كأنّ المئين جعلت مبادى ، والّتى تليها مَثَانِى.

(ه) وفي حديث ابن عمرو «من أشراط الساعة أن يقرأ فيما بينهم بالمَثْنَاة ، ليس أحد يغيّرها ، قيل : وما المَثْنَاة؟ قال : ما استكتب من غير كتاب الله تعالى» وقيل إنّ المَثْنَاة هى أنّ أحبار بنى إسرائيل بعد موسى عليه‌السلام وضعوا كتابه فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله ،

٢٢٥

فهو المَثْنَاة ، فكأنّ ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب ، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم ، فقال هذا لمعرفته بما فيها. قال الجوهرى : المَثْنَاة هى الّتى تسمّى بالفارسية دو بيتى ، وهو الغناء.

وفي حديث الأضحية «أنه أمر بالثَّنِيَّة من المعز» الثَّنِيَّة من الغنم ما دخل في السّنة الثالثة ، ومن البقر كذلك ، ومن الإبل في السادسة ، والذّكر ثَنِيٌ ، وعلى مذهب أحمد بن حنبل : ما دخل من المعز في الثَانِيَة ، ومن البقر في الثالثة.

(س) وفيه «من يصعد ثَنِيَّة المرار حطّ عنه ما حط عن بنى إسرائيل» الثَّنِيَّة في الجبل كالعقبة فيه. وقيل هو الطّريق العالى فيه. وقيل أعلى المسيل في رأسه. والمرار بالضم : موضع بين مكة والمدينة من طريق الحديبية. وبعضهم يقوله بالفتح ، وإنما حثّهم على صعودها لأنها عقبة شاقّة وصلوا إليها ليلا حين أرادوا مكة سنة الحديبية ، فرغّبهم في صعودها. والذى حط عن بنى إسرائيل هو ذنوبهم ، من قوله تعالى (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ).

(س) وفي خطبة الحجاج :

أنا ابن جلا وطلّاع الثَّنَايَا

هى جمع ثَنِيَّة ، أراد أنه جلد يرتكب الأمور العظام.

(س) وفي حديث الدعاء «من قال عقيب الصلاة وهو ثَانٍ رجله» أى عاطف رجله في التّشهّد قبل أن ينهض.

(س) وفي حديث آخر «من قال قبل أن يَثْنِى رجله»

وهذا ضدّ الأوّل في اللفظ ، ومثله في المعنى ؛ لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالتها التى هى عليها في التشهّد.

(باب الثاء مع الواو)

(ثوب) [ه] فيه «إذا ثُوِّب بالصلاة فائتوها وعليكم السكينة» التَّثْوِيب هاهنا : إقامة الصلاة. والأصل في التَّثْوِيب : أن يجيء الرجل مستصرخا فيلوّح بِثَوْبِه ليرى ويشتهر ، فسمّى الدعاء تَثْوِيباً لذلك. وكلّ داع مُثَوَّبٌ. وقيل إنما سمّى تَثْوِيباً من ثَابَ يَثُوب إذا رجع ،

٢٢٦

فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة ، وأنّ المؤذن إذا قال حىّ على الصلاة فقد دعاهم إليها ، وإذا قال بعدها الصلاة خير من النّوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها.

[ه] ومنه حديث بلال «قال : أمرنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا أُثَوِّب في شىء من الصلاة إلّا في صلاة الفجر» وهو قوله : الصلاة خير من النّوم ، مرّتين.

(ه) ومنه حديث أم سلمة رضى الله عنها «قالت لعائشة : إنّ عمود الدّين لا يثاب بالنّساء إن مال» أى لا يعاد إلى استوائه ، من ثَابَ يَثُوب إذا رجع.

ومنه حديث عائشة رضى الله عنها «فجعل الناس يَثُوبُون إلى النبى» أى يرجعون.

(ه) وفي حديث عمر رضى الله عنه «لا أعرفنّ أحدا انتقص من سبل الناس إلى مَثَابَاتِه شيئا» المَثَابَات : جمع مَثَابَة وهى المنزل ؛ لأن أهله يَثُوبُون إليه : أى يرجعون. ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ) أى مرجعا ومجتمعا. وأراد عمر : لا أعرفنّ أحدا اقتطع شيئا من طرق المسلمين وأدخله داره.

ومنه حديث عائشة رضى الله عنها ، وقولها في الأحنف «ألى (١) كان يستجمّ مَثَابَة سفهه؟

وحديث عمرو بن العاص رضى الله عنه «قيل له في مرضه الذى مات فيه : كيف تجدك؟ قال : أجدنى أذوب ولا أَثُوب» أى أضعف ولا أرجع إلى الصّحّة.

وفي حديث ابن التّيّهان «أَثِيبُوا أخاكم» أى جازوه على صنيعه. يقال : أَثَابَه يُثِيبُه إِثَابَة ، والاسم الثَّوَاب ، ويكون في الخير والشّرّ ، إلا أنه بالخير أخصّ وأكثر استعمالا.

(ه س) وفي حديث الخدرى «لمّا حضره الموت دعا بِثِيَاب جدد فلبسها ، ثم ذكر عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : إنّ الميت يبعث في ثِيَابِه التى يموت فيها» قال الخطابى : أمّا أبو سعيد فقد استعمل الحديث على ظاهره ، وقد روى في تحسين الكفن أحاديث ، قال وقد تأوّله بعض العلماء على المعنى ، وأراد به الحالة التى يموت عليها من الخير والشّر ، وعمله الذى يختم له به. يقال فلان طاهر الثِّيَاب : إذا وصفوه بطهارة النّفس والبراءة من العيب. وجاء في تفسير قوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)

__________________

(١) في ا واللسان : أبى.

٢٢٧

أى عملك فأصلح. ويقال فلان دنس الثِّيَاب إذا كان خبيث الفعل والمذهب. وهذا كالحديث الآخر «يبعث العبد على ما مات عليه» قال الهروى : وليس قول من ذهب به إلى الأكفان بشىء ، لأنّ الإنسان إنّما يكفّن بعد الموت.

(س) وفيه «من لبس ثَوْب شهرة ألبسه الله ثَوْب مذلّة» أى يشمله بالذّل كما يشمل الثَّوْب البدن ، بأن يصغّره في العيون ويحقّره في القلوب.

(س) وفيه «لتشبّع بما لم يعط كلابس ثَوْبَي زور» المشكل من هذا الحديث تثنية الثَّوْب ، قال الأزهرى : معناه أن الرجل يجعل لقميصه كمّين ، أحدهما فوق الآخر ليرى أن عليه قميصين ، وهما واحد. وهذا إنما يكون فيه أحد الثَّوْبَين زورا لا الثَّوْبَان. وقيل : معناه أن العرب أكثر ما كانت تلبس عند الجدة والقدرة إزارا ورداء ، ولهذا حين سئل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة في الثَّوْب الواحد قال : أوكلّكم يجد ثَوْبَين؟ وفسّره عمر رضى الله عنه بإزار ورداء ، وإزار وقميص وغير ذلك. وروى عن إسحاق بن راهويه قال : سألت أبا الغمر الأعرابى ـ وهو ابن ابنة ذى الرّمّة ـ عن تفسير ذلك فقال : كانت العرب إذا اجتمعوا في المحافل كانت لهم جماعة يلبس أحدهم ثَوْبَين حسنين ، فإن احتاجوا إلى شهادة شهد لهم بزور ، فيمضون شهادته بِثَوْبَيه. يقولون : ما أحسن ثِيَابَه؟ وما أحسن هيئته؟ فيجيزون شهادته لذلك ، والأحسن فيه أن يقال : المتشبّع بما لم يعط : هو أن يقول أعطيت كذا ، لشىء لم يعطه ، فأما إنه يتّصف بصفات ليست فيه ، يريد أن الله منحه إياها ، أو يريد أن بعض الناس وصله بشىء خصّه به ، فيكون بهذا القول قد جمع بين كذبين : أحدهما اتّصافه بما ليس فيه وأخذه ما لم يأخذه ، والآخر الكذب على المعطى وهو الله تعالى أو الناس. وأراد بِثَوْبَي الزّور هذين الحالين اللّذين ارتكبهما واتّصف بهما. وقد سبق أن الثَّوْب يطلق على الصّفة المحمودة والمذمومة ، وحينئذ يصح التّشبيه في التّثنية ، لأنه شبّه اثنين باثنين. والله أعلم.

(ثور) (ه) فيه «أنه أكل أَثْوَار أقط» الأَثْوَار جمع ثَوْر ، وهى قطعة من الأقط ، وهو لبن جامد مستحجر.

ومنه الحديث «توضّأوا ممّا مسّت النار ولو من ثَوْر أقط» يريد غسل اليد والفم منه. ومنهم من حمله على ظاهره وأوجب عليه وضوء الصلاة.

٢٢٨

(س) ومنه حديث عمرو بن معدى كرب «أتيت بنى فلان فأتونى بثَوْرٍ وقوس وكعب» والقوس : بقيّة التّمر في الجلّة ، والكعب : القطعة من السّمن.

(ه) وفيه «صلّوا العشاء إذا سقط ثَوْر الشّفق» أى انتشاره وثَوَرَان حمرته ، من ثَارَ الشىء يَثُور إذا انتشر وارتفع.

ومنه الحديث «فرأيت الماء يَثُور من بين أصابعه» أى ينبع بقوّة وشدّة.

والحديث الآخر «بل هى حمّى تفور أو تَثُور».

(ه) ومنه الحديث «من أراد العلم فَلْيُثَوِّرِ القرآن» أى لينقّر عنه ويفكّر في معانيه وتفسيره وقراءته.

(ه) ومنه حديث عبد الله «أَثِيرُوا القرآن فإنّ فيه علم الأوّلين والآخرين».

(ه) ومنه الحديث «أنه كتب لأهل جرش بالحمى الذى حماه لهم للفرس والرّاحلة والمُثِيرَة» أراد بالمُثِيرَة بقر الحرث ، لأنها تثير الأرض.

(س) ومنه الحديث «جاء رجل من أهل نجد ثَائِر الرأس يسأله عن الإيمان» أى منتشر شعر الرأس قائمه ، فحذف المضاف.

(س) والحديث الآخر «يقوم إلى أخيه ثَائِراً فريصته» أى منتفخ الفريصة قائمها غضبا. والفريضة : اللّحمة التى بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدّابة ، وأراد بها هاهنا عصب الرّقبة وعروقها ، لأنها هى الّتى تثور عند الغضب. وقيل : أراد شعر الفريصة ، على حذف المضاف.

(س) وفيه «أنه حرّم المدينة ما بين عير إلى ثَوْرٍ» هما جبلان : أما عير فجبل معروف بالمدينة ، وأما ثَوْر ، فالمعروف أنه بمكة ، وفيه الغار الذى بات به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا هاجر ، وفي رواية قليلة «ما بين عير وأحد» وأحد بالمدينة ، فيكون ثور غلطا من الرّاوى وإن كان هو الأشهر في الرواية والأكثر. وقيل إن عيرا جبل بمكة ، ويكون المراد أنه حرّم من المدينة قدر

٢٢٩

ما بين عير وثور من مكة ، أو حرّم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة ، على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف (١).

(ثول) (س) في حديث عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه «انْثَال عليه الناس» أى اجتمعوا وانصبّوا من كلّ وجه ، وهو مطاوع ثَالَ يَثُولُ ثَوْلاً إذا صبّ ما في الإناء. والثَّوْل : الجماعة.

(س) وفي حديث الحسن «لا بأس أن يضحّى بالثَّوْلَاء» الثَّوْل : داء يأخذ الغنم كالجنون يلتوى منه عنقها. وقيل هو داء يأخذها في ظهورها ورؤوسها فتخرّ منه.

(س) وفي حديث ابن جريح «سأل عطاء عن مسّ ثُول الإبل فقال لا يتوضأ منه» الثُّول لغة في الثّيل ، وهو وعاء قضيب الجمل. وقيل هو قضيبه.

(ثوا) (ه) في كتاب أهل نجران «وعلى نجران مَثْوَى رسلى» أى مسكنهم مدّة مقامهم ونزلهم. والمَثْوَى : المنزل ، من ثَوَى بالمكان يَثْوِي إذا أقام فيه.

(س) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «أصلحوا مَثَاوِيَكُمْ» هى جمع المَثْوَى : المنزل.

(ه) وحديثه الآخر «أنه كتب إليه في رجل قيل له : متى عهدك بالنّساء؟ فقال : البارحة ، فقيل : بمن؟ قال : بأمّ مَثْوَايَ» أى ربّة المنزل الذى بات به ولم يرد زوجته ؛ لأنّ تمام الحديث «فقيل له : أما عرفت أنّ الله قد حرّم الزّنا؟ فقال : لا».

(ه) وفي حديث أبى هريرة رضى الله عنه ؛ «أن رجلا قال تَثَوَّيْتُهُ» أى تضيّفته. وقد تكرر ذكر هذا اللفظ في الحديث.

وفيه «أنّ رمح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان اسمه المُثْوِي» سمّى به لأنه يثبت المطعون به ، من الثَّوَى : الإقامة.

__________________

(١) قال صاحب الدر النثير : قلت بل الصواب أن ثورا جبل بالمدينة سوى الذى بمكة ، وهو صغير إلى الحمرة بتدوير خلف أحد من جهة الشمال ، نبه عليه جماعة. قال في القاموس : ما قاله أبو عبيد وغيره من أن ذكر «ثور» هنا تصحيف وأن الصواب إلى «أحد» غير جيد.

٢٣٠

وفيه ذكر «الثُّوَيَّة» هى بضم الثاء وفتح الواو وتشديد الياء ، ويقال بفتح الثاء وكسر الواو : موضع بالكوفة به قبر أبى موسى الأشعرى ، والمغيرة بن شعبة رضى الله عنهما.

(باب الثاء مع الياء)

(ثيب) ـ فيه «الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ جلد مائة ورجم بالحجارة» الثَّيِّبُ من ليس ببكر ، ويقع على الذكر والأنثى ، رجل ثَيِّبٌ وامرأة ثَيِّبٌ ، وقد يطلق على المرأة المبالغة وإن كانت بكرا ، مجازا واتّساعا. والجمع بين الجلد والرّجم منسوخ. وأصل الكلمة الواو ، لأنه من ثَابَ يَثُوبُ إذا رجع ، كأن الثَّيِّب بصدد العود والرّجوع. وذكرناه هاهنا حملا على لفظه. وقد تكرر ذكره في الحديث.

(ثيتل) (س) في حديث النّخعى «في الثَّيْتَلِ بقرة» الثَّيْتَلُ : الذكر المسنّ من الوعول ، وهو التّيس الجبلى ، يعنى إذا صاده المحرم وجب عليه بقرة فداء.

٢٣١

حرف الجيم

(باب الجيم مع الهمزة)

(جأث) (ه) في حديث المبعث «فَجُئِثْتُ منه فرقا» أى ذعرت وخفت. يقال جُئِثَ الرجلُ ، وجئف ، وجثّ : إذا فزع.

(جؤجؤ) ـ في حديث عليّ «كأنى أنظر إلى مسجدها كَجُؤْجُؤ سفينة أو نعامة جاثمة ، أو كجؤجؤ طائر في لجّة بحر» الجُؤْجُؤُ : «الصّدر. وقيل عظامه ، والجمع الجَآجِئُ.

(س) ومنه حديث سطيح :

حتّى أتى عارى الجَآجِئ والقطن

(س) وفي حديث الحسن «خلق جُؤْجُؤ آدم عليه‌السلام من كثيب ضريّة» وضريّة بئر بالحجاز ينسب إليها حمى ضريّة. وقيل سمى بضريّة بنت ربيعة بن نزار.

(جأر) (ه) فيه «كأنى أنظر إلى موسى له جُؤَارٌ إلى ربه بالتّلبية» الجُؤَارُ : رفع الصّوت والاستغاثة ، جَأَرَ يَجْأَرُ.

ومنه الحديث «لخرجتم إلى الصّعدات تَجْأَرُون إلى الله».

ومنه الحديث «بقرة لها جُؤَار» هكذا روى من طريق. والمشهور بالخاء المعجمة. وقد تكرر في الحديث.

(جأش) (س) في حديث بدء الوحى «ويسكن لذلك جَأْشُهُ» الجَأْش : القلب ، والنّفس ، والجنان. يقال : فلان رابط الجَأْش : أى ثابت القلب لا يرتاع ولا ينزعج للعظائم والشّدائد.

(جأي) (س) في حديث يأجوج ومأجوج «وتَجْأَى الأرض من نتنهم حين يموتون» هكذا روى مهموزا. قيل : لعلّه لغة في قولهم جوى الماء يجوى إذا أنتن ، أى تنتن الأرض من

٢٣٢

جيفهم ، وإن كان الهمز فيه محفوظا ، فيحتمل أن يكون من قولهم كتيبة جَأْوَاء : بينة الجَأْي ، وهى التى يعلوها لون السّواد لكثرة الدّروع ، أو من قولهم سقاء لا يَجْأَى شيئا : أى لا يمسكه ، فيكون المعنى أن الأرض تقذف صديدهم وجيفهم فلا تشربه ولا تمسكها كما لا يحبس هذا السقاء ، أو من قولهم : سمعت سرّا فما جَأَيْتُهُ : أى ما كتمته ، يعنى أنّ الأرض يستتر وجهها من كثرة جيفهم.

وفي حديث عاتكة بنت عبد المطلب :

حلفت لئن عدتم لنصطلمنّكم

بِجَأْوَاء تردى حافتيه المقانب

أى بجيش عظيم تجتمع مقانبه من أطرافه ونواحيه.

(باب الجيم مع الباء)

(جبأ) (ه) في حديث أسامة «فلمّا رأونا جَبَأُوا من أخبيتهم» أى خرجوا. يقال : جَبَأَ عليه يَجْبَأُ إذا خرج.

(جبب) ـ فيه «أنهم كانوا يَجُبُّون أسنمة الإبل وهى حيّة» الجَبُ : القطع.

ومنه حديث حمزة رضى الله عنه «أنه اجْتَبَ أسنمة شارفي عليّ رضى الله عنه لما شرب الخمر» وهو افتعل من الجبّ.

وحديث الانتباذ «في المزادة المَجْبُوبَة» وهى التى قطع رأسها ، وليس لها عزلاء من أسفلها يتنفّس منها الشّرّاب.

(ه) وحديث ابن عباس رضى الله عنهما «قال نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الجُبّ. قيل وما الجبّ؟ فقالت امرأة عنده : هى المزادة يخيّط بعضها إلى بعض ، وكانوا ينتبذون فيها حتى ضريت» أى تعوّدت الانتباذ فيها واستدّت. ويقال لها المَجْبُوبَةُ أيضا.

(س) وحديث مأبور الخصىّ «الذى أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله لمّا اتّهم بالزنا فإذا هو مَجْبُوب» أى مقطوع الذّكر.

(س) وحديث زنباع «أنه جَبَ غلاما له».

٢٣٣

(س) ومنه الحديث «إنّ الإسلام يَجُبُ ما قبله ، والتّوبة تجبّ ما قبلها» أى يقطعان ويمحوان ما كان قبلهما من الكفر والمعاصى والذنوب.

(ه) وفي حديث مورّق «المتمسّك بطاعة الله إذا جَبَّبَ الناس عنها كالكارّ بعد الفارّ» أى إذا ترك النّاس الطاعات ورغبوا عنها. يقال : جَبَّبَ الرّجل : إذا مشى مسرعا فارّا من الشىء.

(ه) وفيه «أنّ رجلا مر بِجَبُوبِ بدر» الجَبُوب ـ بالفتح ـ الأرض الغليظة (١). وقيل هو المدر ، واحدتها جَبُوبَة.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «رأيت المصطفي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّى ويسجد على الجَبُوب».

(ه) ومنه حديث دفن أم كلثوم «فطفق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلقى إليهم بالجَبُوب ويقول : سدّوا الفرج».

(س) والحديث الآخر «أنه تناول جَبُوبَة فتفل فيها».

وحديث عمر رضى الله عنه «سأله رجل فقال : عنّت لى عكرشة فشنقتها بِجَبُوبَة» أى رميتها حتى كفّت عن العدو.

(ه) وفي حديث بعض الصحابة «وسئل عن امرأة تزوّج بها : كيف وجدتها؟ فقال : كالخير من امرأة قبّاء جَبَّاء ، قالوا : أوليس ذلك خيرا؟ قال : ما ذاك بأدفأ للضّجيع ولا أروى للرّضيع» يريد بالجبّاء أنّها صغيرة الثّديين ، وهى في اللغة أشبه بالّتى لا عجز لها ، كالبعير الأجبّ الذى لا سنام له. وقيل : الجَبَّاءُ : القليلة لحم الفخذين.

وفي حديث عائشة رضى الله عنها «إنّ سحر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل في جُبّ طلعة» أى في داخلها ، ويروى بالفاء ، وهما معا : وعاء طلع النّخيل.

(جبجب) (س) في حديث بيعة الأنصار «نادى الشيطان يا أصحاب الجُبَاجِب» هى جمع جُبْجُب ـ بالضم ـ وهو المستوى من الأرض ليس بحزن ، وهى هاهنا أسماء منازل بمنى ، سمّيت به ،

__________________

(١) أنشد الهروى لعبيد بن الأبرص.

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

والتكديح : التخديش.

٢٣٤

قيل لأن كروش الأضاحى تلقى فيها أيام الحجّ ، والجَبْجَبَة : الكرش يجعل فيها اللّحم يتزوّد في الأسفار.

(ه) وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه «أنه أودع مطعم بن عدى ـ لمّا أراد أن يهاجر ـ جُبْجُبَة فيها نوى من ذهب» هى زنبيل لطيف من جلود ، وجمعه جَبَاجِب. ورواه القتيبى بالفتح. والنّوى : قطع من ذهب ، وزن القطعة خمسة دراهم.

(س) ومنه حديث عروة «إن مات شىء من الإبل فخذ جلده فاجعله جَبَاجِب ينقل فيها» ، أى زبلا.

(جبذ) (ه) فيه «فَجَبَذَنِي رجل من خلفى» الجَبْذ لغة في الجذب. وقيل هو مقلوب. وقد تكرر ذكره في الحديث.

(جبر) ـ في أسماء الله تعالى «الْجَبَّارُ» ومعناه الذى يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهى. يقال : جَبَرَ الخلق وأَجْبَرَهُمْ ، وأَجْبَر أكثر. وقيل هو العالى فوق خلقه ، وفعّال من أبنية المبالغة ، ومنه قولهم : نخلة جَبَّارَة ، وهى العظيمة التى تفوت يد المتناول.

ومنه حديث أبى هريرة رضى الله عنه «يا أمة الجَبَّار» إنّما أضافها إلى الجبّار دون باقى أسماء الله تعالى ؛ لاختصاص الحال الّتى كانت عليها من إظهار العطر ، والبخور ، والتّباهى به ، والتّبختر في المشى.

ومنه الحديث في ذكر النار «حتى يضع الجَبَّار فيها قدمه» المشهور في تأويله : أن المراد بالجبّار الله تعالى ، ويشهد له قوله في الحديث الآخر «حتّى يضع ربّ العزة فيها قدمه» والمراد بالقدم : أهل النّار الذين قدّمهم الله تعالى لها من شرار خلقه ، كما أنّ المؤمنين قدمه الذين قدّمهم للجنة : وقيل أراد بالجَبَّار هاهنا المتمرّد العاتى ، ويشهد له قوله في الحديث الآخر «إنّ النار قالت : وكّلت بثلاثة : بمن (جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ، وب (كُلِ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) ، وبالمصوّرين».

[ه] ومنه الحديث الآخر «كثافة جلد الكافر أربعون ذراعا بذراع الجَبَّار» أراد به هاهنا الطّويل. وقيل الملك ، كما يقال بذراع الملك. قال القتيبى : وأحسبه ملكا من ملوك الأعاجم كان تامّ الذّراع.

٢٣٥

(ه) وفيه «أنه أمر امرأة فتأبّت عليه ، فقال : دعوها فإنها جَبَّارَة» أى مستكبرة عاتية.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «وجَبَّار القلوب على فطراتها» هو من جَبَر العظم المكسور ، كأنه أقام القلوب وأثبتها على ما فطرها عليه من معرفته والإفرار به ، شقيّها وسعيدها. قال القتيبى : لم أجعله من أَجْبَرَ ؛ لأنّ أفعل لا يقال فيه فعّال. قلت : يكون من اللغة الأخرى ، يقال جَبَرْتَ وأَجْبَرْتَ بمعنى قهرت.

(س) ومنه حديث خسف جيش البيداء «فيهم المستبصر ، والمَجْبُور ، وابن السّبيل» وهذا من جَبَرْتُ ، لا من أجبرت.

ومنه الحديث «سبحان ذى الجَبَرُوت والملكوت» هو فعلوت من الجبر والقهر.

والحديث الآخر «ثم يكون ملك وجَبَرُوت» أى عتوّ وقهر. يقال : جَبَّار بيّن الجَبَرُوَّة ، والجَبَرِيَّة ، والجَبَرُوت.

(ه) وفيه «جرح العجماء جُبَار» الجُبَار : الهدر. والعجماء : الدّابّة.

ومنه الحديث «السّائمة جُبَار» أى الدّابة المرسلة في رعيها.

[ه] وفي حديث الدعاء «واجْبُرْنِي واهدنى» أى أغننى ، من جبر الله مصيبته : أى ردّ عليه ما ذهب منه وعوّضه. وأصله من جبر الكسر.

(جبل) (س) في حديث الدعاء «أسألك من خيرها وخير ما جُبِلَتْ عليه» أى خلقت وطبعت عليه.

(س) وفي صفة ابن مسعود «كان رجلا مَجْبُولا ضخما» المَجْبُول : المجتمع الخلق.

(ه) وفي حديث عكرمة «إنّ خالدا الحذّاء ، كان يسأله ، فسكت خالد ، فقال له عكرمة : ما لك أَجْبَلْتَ» أى انقطعت. من قولهم : أَجْبَلَ الحافر إذا أفضى إلى الجبل أو الصّخر الذى لا يحيك فيه المعول.

(جبن) ـ في حديث الشفاعة «فلما كنا بظهر الجَبَّان» الجَبَّان والجَبَّانَة : الصّحراء ،

٢٣٦

وتسمّى بها المقابر ؛ لأنها تكون في الصحراء ، تسمية للشىء بموضعه. وقد تكرر في الحديث ذكر الجُبْن والجَبَان. هو ضدّ الشّجاعة والشّجاع.

(جبه) (ه) في حديث الزكاة «ليس في الجَبْهَة صدقة» الجَبْهَة : الخيل. وقال أبو سعيد الضّرير قولا فيه بعد وتعسّف (١).

(ه) وفي حديث آخر «قد أراحكم الله من الجَبْهَة ، والسّجّة ، والبجّة» الجَبْهَة هاهنا : المذلّة. وقيل هو اسم صنم كان يعبد.

(س) وفي حديث حدّ الزنا «أنه سأل اليهود عنه فقالوا : عليه التَّجْبِيه. قال : ما التَّجْبِيه؟ قالوا : أن تحمّم وجوه الزّانيين ؛ ويحملا على بعير أو حمار ، ويخالف بين وجوههما» أصل التَّجْبِيهِ أن يحمل اثنان على دابة ويجعل قفا أحدهما إلى قفا الآخر. والقياس أن يقابل بين وجوههما ، لأنه مأخوذ من الجبهة. والتَّجْبِيه أيضا : أن ينكّس رأسه ، فيحتمل أن يكون المحمول على الدّابة إذا فعل به ذلك نكّس رأسه ، فسمّى ذلك الفعل تجبيها ، ويحتمل أن يكون من الجبه ، وهو الاستقبال بالمكروه. وأصله من إصابة الجبهة ، يقال : جَبَهْتُهُ إذا أصبت جبهته.

(جبا) (ه) في كتاب وائل بن حجر «ومن أَجْبَا فقد أربى» الإِجْبَاء : بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه. وقيل هو أن يغيّب إبله عن المصدّق ، من أَجْبَأْتَهُ إذا واريته. والأصل في هذه اللفظة الهمز ، ولكنه روى هكذا غير مهموز ، فإمّا أن يكون تحريفا من الراوى ، أو يكون ترك الهمز للازدواج بأربى. وقيل أراد بِالإِجْبَاءِ العينة ، وهو أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمّى ، ثم يشتريها منه بالنقد بأقل من الثّمن الذى باعها به.

(س) وفي حديث الحديبية «فقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جَبَاهَا ، فسقينا واستقينا» الجَبَا. بالفتح والقصر ما حول البئر ، وبالكسر ما جمعت فيه من الماء.

وفي حديث ثقيف «أنهم اشترطوا ألّا يعشروا ولا يحشروا ولا يُجَبُّوا ، فقال : لكم

__________________

(١) اخذ السيوطى في الدر النثير على المصنف أنه لم يبين هذا القول. وها نحن نذكره كما جاء في الهروى : قال أبو سعيد : «الجبهة : الرجال يسعون في حمالة أو مغرم أو خير ، فلا يأتون أحدا إلا استحيا من ردهم. والعرب تقول : رحم الله فلانا فلقد كان يعطى في الجبهة. وتفسير قوله «ليس في الجبهة صدقة» أن المصدق إن وجد في أيدى هذه الجبهة من الإبل ما يجب في مثله الصدقة لم يأخذ مما في أيديهم ؛ لأنهم جمعوها لحمالة. وأما قوله «فإن الله قد أراحكم من الجبهة والسجة والبجة» فالجبهة هاهنا المذلة. ا ه. وانظر تاج العروس (جبه).

٢٣٧

ألّا تعشروا ، ولا تحشروا ، ولا خير في دين ليس فيه ركوع» أصل التَّجْبِيَة : أن يقوم الإنسان قيام الراكع. وقيل هو أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم. وقيل : هو السّجود. والمراد بقولهم لا يجبّوا أنهم لا يصلّون. ولفظ الحديث يدل على الركوع ؛ لقوله في جوابهم : ولا خير في دين ليس فيه ركوع ، فسمّى الصلاة ركوعا ، لأنّه بعضها. وسئل جابر رضى الله عنه عن اشتراط ثقيف أن لا صدقة عليها ولا جهاد ، فقال : علم أنهم سيصّدّقون ويجاهدون إذا أسلموا ، ولم يرخّص لهم في ترك الصلاة لأنّ وقتها حاضر متكرّر ، بخلاف وقت الزكاة والجهاد.

ومنه حديث عبد الله «أنه ذكر القيامة والنّفخ في الصّور ، قال : فيقومون فَيُجَبُّون تَجْبِيَةَ رجل واحد قياما لربّ العالمين».

وحديث الرؤيا «فإذ أنا بتلّ أسود عليه قوم مُجَبُّون ينفخ في أدبارهم بالنار».

(س) وفي حديث جابر رضى الله عنه «كانت اليهود تقول : إذا نكح الرجل امرأته مُجَبِّيَةً جاء الولد أحول» أى منكبّة على وجهها ، تشبيها بهيئة السجود.

وفي حديث أبى هريرة رضى الله عنه «كيف أنتم إذا لم تَجْتَبُوا دينارا ولا درهما» الاجْتِبَاء افتعال ، من الجباية ، وهو استخراج الأموال من مظانّها.

(ه) ومنه حديث سعد رضى الله عنه «نبطىّ في جِبْوَتِهِ» الجِبْوَة والجِبْيَة : الحالة من جَبْيِ الخراج واستيفائه.

وفيه «أنه اجْتَبَاهُ لنفسه» أى اختاره واصطفاه.

(ه) وفي حديث خديجة رضى الله عنها «قالت : يا رسول الله ما بيت في الجنّة من قصب؟ قال : هو بيت من لؤلؤة مُجَبَّأَة» فسّره ابن وهب فقال : مُجَبَّأَة أى مجوّفة. قال الخطابى : هذا لا يستقيم ، إلا أن يجعل من المقلوب فيكون مجوّبة من الجوب وهو القطع. وقيل هو من الجوب ، وهو نقير يجتمع فيه الماء.

(باب الجيم مع الثاء)

(جثث) ـ في حديث بدء الوحى «فرفعت رأسى فإذا الملك الذى جاءنى بحراء فَجُثِثْتُ

٢٣٨

منه» أى فزعت منه وخفت. وقيل : معناه قلعت من مكانى ، من قوله تعالى (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) وقال الحربى : أراد جئثت ، فجعل مكان الهمزة ثاء. وقد تقدم.

وفي حديث أبى هريرة رضى الله عنه «قال رجل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما نرى هذه الكمأة إلّا الشّجرة التى (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) فقال : بل هى من المنّ» ، اجْتُثَّتْ : أى قطعت. والجَثّ : القطع.

وفي حديث أنس «اللهم جاف الأرض عن جُثَّتِهِ» أى جسده. وقد تكررت في الحديث.

(جثجث) ـ في حديث قسّ بن ساعدة «وعرصات جَثْجَاث» الجَثْجَاث : شجر أصفر مرّ طيب الريح ، تستطيبه العرب وتكثر ذكره في أشعارها.

(جثم) (ه) فيه «أنه نهى عن المُجَثَّمَة» هى كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل ، إلّا أنّها تكثر في الطّير والأرانب وأشباه ذلك مما يَجْثِمُ في الأرض : أى يلزمها ويلتصق بها ، وجَثَمَ الطائر جُثُوماً ، وهو بمنزلة البروك للإبل.

(س) ومنه الحديث «فلزمها حتى تَجَثَّمَهَا» من تَجَثَّمَ الطائر أنثاه ، إذا علاها للسّفاد.

(جثا) (ه س) فيه «من دعا دعاء الجاهلية فهو من جُثَا جهنم».

وفي حديث آخر «من دعا يا لفلان فإنّما يدعو إلى جُثَا النّار» الجُثَا : جمع جُثْوَة بالضّم ، وهو الشىء المجموع.

(س) ومنه حديث ابن عمر رضى الله عنهما «إنّ الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً ، كلّ أمّة تتبع نبيّها» أى جماعة ، وتروى هذه اللفظة جُثِيّ بتشديد الياء : جمع جَاثٍ ، وهو الذى يجلس على ركبتيه.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «أنا أوّل من يَجْثُو للخصومة بين يدى الله تعالى».

(س) ومن الأوّل حديث عامر «رأيت قبور الشهداء جُثًا» يعنى أتربة مجموعة.

(س) والحديث الآخر «فإذا لم نجد حجرا جمعنا جُثْوَة من تراب» وقد تكسر الجيم وتفتح ، ويجمع الجميع : جُثًا ، بالضم والكسر.

٢٣٩

(س) وفي حديث إتيان المرأة مجبّية ، رواه بعضهم «مُجَثَّأَة» كأنه أراد قد جُثِّيَتْ ، فهى مُجَثَّأَة : أى حملت على أن تجثو على ركبتيها.

(باب الجيم مع الحاء)

(جحجح) في حديث سيف بن ذى يزن.

بيض مغالبة غلب جَحَاجِحَة

الجَحَاجِحَة : جمع جَحْجَاح وهو السّيد الكريم ، والهاء فيه لتأكيد الجمع.

(س [ه]) وفي حديث الحسن ، وذكر فتنة ابن الأشعث فقال «والله إنها لعقوبة فما أدرى أمستأصلة أم مُجَحْجَحَة» أى كافّة. يقال جَحْجَحْتُ عليه ، وحجحجت ، وهو من المقلوب.

(جحح) (ه) فيه «أنه مرّ بامرأة مُجِحّ» المُجِحّ : الحامل المقرب الّتى دنا ولادها.

(س) ومنه الحديث «إن كلبة كانت في بنى إسرائيل مُجِحّاً ، فعوى جراؤها في بطنها» ويروى مُجِحَّة بالهاء على أصل التأنيث.

(جحدل) (س) فيه «قال له رجل : رأيت في المنام أن رأسى قطع وهو يَتَجَحْدَلُ وأنا أتبعه» هكذا جاء في مسند الإمام أحمد ، والمعروف في الرواية : يتدحرج ، فإن صحت الرواية به ، فالذى جاء في اللغة أن جَحْدَلْتُهُ بمعنى صرعته.

(جحر) (ه) في صفة الدّجّال «ليست عينه بناتئة ولا جَحْرَاء» أى غائرة مُنْجَحِرَة في نقرتها. وقال الأزهرى : هى بالخاء ، وأنكر الحاء ، وستجىء في بابها.

(ه) وفي حديث عائشة رضى الله عنها «إذا حاضت المرأة حرم الجُحْرَان» يروى بكسر النون على التّثنية ، تريد الفرج والدّبر ، ويروى بضم النّون ، وهو اسم الفرج ، بزيادة الألف والنون ، تمييزا له عن غيره من الحجرة. وقيل : المعنى أن أحدهما حرام قبل الحيض ، فإذا حاضت حرما جميعا.

٢٤٠