النّهاية - ج ١

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ١

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٢

(بوح) (ه) فيه «إلا أن يكون كفرا بَوَاحاً» أى جهارا ، من بَاحَ بالشىء يَبُوحُ به إذا أعلنه. ويروى بالراء ، وقد تقدم.

(ه) وفيه «ليس للنّساء من بَاحَة الطّريق شىء» أى وسطه. وبَاحَة الدّار وسطها.

ومنه الحديث «نظّفوا أفنيتكم ولا تدعوها كَبَاحَة اليهود».

وفيه «حتى نقتل مقاتلتكم ونَسْتَبِيحُ ذراريّكم» أى نسبيهم وننهبهم ونجعلهم له مُبَاحاً ، أى لا تبعة عليه فيهم. يقال أَبَاحَهُ يُبِيحُهُ ، واسْتَبَاحَهُ يَسْتَبِيحُهُ. والمُبَاح. خلاف المحذور ، وقد تكرر في الحديث.

(بور) (ه) فيه «فأولئك قوم بُورٌ» أى هلكى ، جمع بَائِر. والبَوَار الهلاك.

(س) ومنه حديث عليّ «لو عرفناه أَبَرْنَا عترته» وقد تقدم في الهمزة.

ومنه حديث أسماء «في ثقيف كذّاب ومُبِيرٌ» أى مهلك يسرف في إهلاك الناس. يقال بَارَ الرجل يَبُورُ بَوْراً فهو بَائِر. وأَبَارَ غيره فهو مُبِير.

(ه) ومنه حديث عمر «الرجال ثلاثة : فرجل حائر بَائِر» إذا لم يتّجه لشىء ، وقيل هو إتباع لحائر.

(ه) وفي كتابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأكيدر «وأنّ لكم البَوْر والمعامى» البَوْر الأرض التى لم تزرع ، والمعامى المجهولة ، وهو بالفتح مصدر وصف به ، ويروى بالضّم وهو جمع البَوَار ، وهى الأرض الخراب التى لم تزرع.

(ه) وفيه «نعوذ بالله من بَوَارِ الأيّم» أى كسادها ، من بَارَت السّوق إذا كسدت ، والأيّم التى لا زوج لها وهى مع ذلك لا يرغب فيها أحد.

(س) وفيه «أن داود سأل سليمان عليهما‌السلام ، وهو يَبْتَار علمه» أى يختبره ويمتحنه.

(ه) ومنه الحديث «كنّا نَبُور أولادنا بحبّ عليّ رضى الله عنه».

(س) وحديث علقمة الثقفى «حتى والله ما نحسب إلا أن ذاك شىء يَبْتَار به إسلامنا».

١٦١

(ه) وفيه «كان لا يرى بأسا بالصلاة على البُورِيّ» هى الحصير المعمول من القصب. ويقال فيها بَارِيَّة وبُورِيَاء.

(بوص) (ه) فيه «أنه كان جالسا في حجرة قد كاد يَنْبَاص عنه الظّل» أى ينتقص عنه ويسبقه ويفوته.

(ه) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «أنه أراد أن يستعمل سعيد بن العاص فَبَاصَ منه» أى هرب واستتر وفاته.

(ه) وحديث ابن الزبير «أنه ضرب أزبّ حتى بَاصَ».

(بوع) (ه) فيه «إذا تقرّب العبد منّى بُوعاً أتيته هرولة» البُوع والبَاع سواء ، وهو قدر مدّ اليدين وما بينهما من البدن ، وهو ها هنا مثل لقرب ألطاف الله تعالى من العبد إذا تقرّب إليه بالإخلاص والطاعة.

(بوغ) [ه] في حديث سطيح :

تلفّه في الرّيح بَوْغَاء الدّمن

البَوْغَاء : التّراب النّاعم ، والدّمن ما تدّمن منه ، أى تجمّع وتلبّد. وهذا اللفظ كأنه من المقلوب ، تقديره تلفّه الريح في بَوْغَاء الدّمن ، ويشهد له الرواية الأخرى

«تلفّه الريح ببَوْغَاء الدّمن».

ومنه الحديث في أرض المدينة «إنّما هى سباخ وبَوْغَاء»

(بوق) (ه) فيه «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بَوَائِقَه» أى غوائله وشروره ، واحدها بَائِقَة ، وهى الدّاهية.

ومنه حديث المغيرة «ينام عن الحقائق ويستيقظ لِلْبَوَائِق. وقد تكررت في الحديث.

(بوك) ـ فيه «أنهم يَبُوكُونَ حسى تَبُوك بقدح» البَوْكُ : تثوير الماء بعود ونحوه ليخرج من الأرض ، وبه سميت غزوة تَبُوك. والحسى العين كالحفر.

(ه) ومنه الحديث «أن بعض المنافقين بَاكَ عينا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وضع فيها سهما».

١٦٢

وفي حديث عمر بن عبد العزيز «أنه رفع إليه رجل قال لرجل ـ وذكر امرأة أجنبيّة ـ إنّك تَبُوكُهَا ، فأمر بحدّه» أصل البَوْك في ضراب البهائم ، وخاصّة الحمير ، فرأى عمر ذلك قذفا وإن لم يكن صرّح بالزنا.

(س) ومنه حديث سليمان بن عبد الملك «أن فلانا قال لرجل من قريش علام تَبُوكُ يتيمتك في حجرك ، فكتب إلى ابن حزم أن اضربه الحدّ».

(ه) وفي حديث ابن عمر «أنه كانت له بندقة من مسك ، فكان يبلّها ثم يَبُوكُهَا» أى يديرها بين راحتيه.

(بول) (س) فيه «من نام حتى أصبح فقد بَالَ الشيطان في أذنه»

قيل معناه سخر منه وظهر عليه حتى نام عن طاعة الله عزوجل ، كقول الشاعر :

بَالَ سهيل في الفضيخ ففسد

أى لمّا كان الفضيخ يفسد بطلوع سهيل كان ظهوره عليه مفسدا له.

(س) وفي حديث آخر عن الحسن مرسلا «أنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فإذا نام شغر الشيطان برجله فَبَالَ في أذنه».

(س) وحديث ابن مسعود «كفي بالرجل شرّا أن يَبُولَ الشيطان في أذنه» وكلّ هذا على سبيل المجاز والتّمثيل.

وفيه «أنه خرج يريد حاجة فاتّبعه بعض أصحابه فقال : تنحّ فإن كلّ بَائِلَة تفيخ» يعنى أن من يبول يخرج منه الرّيح ، وأنّث البائل ذهابا إلى النّفس.

وفي حديث عمر رضى الله عنه «ورأى أسلم يحمل متاعه على بعير من إبل الصّدقة ، قال : فهلّا ناقة شصوصا أو ابن لبون بَوَّالاً» وصفه بالبول تحقيرا لشأنه وأنّه ليس عنده ظهر يرغب فيه لقوّة حمله ، ولا ضرع فيحلب ، وإنما هو بوّال.

(س) وفيه «كان للحسن والحسين قطيفة بَوْلَانِيَّة» هى منسوبة إلى بَوْلَان : اسم موضع كان يسرق فيه الأعراب متاع الحاجّ. وبَوْلَان أيضا في أنساب العرب.

١٦٣

(س) وفيه «كلّ أمر ذى بَالٍ لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر» البَال : الحال والشّأن. وأمر ذو بَالٍ أى شريف يحتفل له ويهتمّ به. والبَال في غير هذا : القلب.

(س) ومنه حديث الأحنف «أنه نعى له فلان الحنظلى فما ألقى له بَالاً» أى فما استمع إليه ولا جعل قلبه نحوه. وقد تكرر في الحديث.

(س) وفي حديث المغيرة «أنه كره ضرب البَالَة» هى بالتّخفيف حديدة يصاد بها السّمك يقال للصّياد ارم بها فما خرج فهو لى بكذا ، وإنّما كرهه لأنه غرر ومجهول.

(بولس) ـ فيه «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ حتّى يدخلوا سجنا في جهنّم يقال له بُولَسُ» هكذا جاء في الحديث مسمّى.

(بون) (س) في حديث خالد «فلما ألقى الشّأم بَوَانِيهِ عزلنى واستعمل غيرى» أى خيره وما فيه من السّعة والنّعمة. والبَوَانِي في الأصل : أضلاع الصّدر. وقيل الأكتاف والقوائم. الواحدة بَانِيَة. ومن حقّ هذه الكلمة أن تجئ في باب الباء والنون والياء. وإنما ذكرناها هاهنا حملا على ظاهرها ، فإنها لم ترد حيث وردت إلّا مجموعة.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «ألقت السماء برك بَوَانِيهَا» يريد ما فيها من المطر.

وفي حديث النّذر «أنّ رجلا نذر أن ينحر إبلا بِبُوَانَةَ» هى بضمّ الباء ، وقيل بفتحها : هضبة من وراء ينبع.

(باب الباء مع الهاء)

(بهأ) [ه] في حديث عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه «أنه رأى رجلا يحلف عند المقام ، فقال : أرى الناس قد بَهَئُوا بهذا المقام» أى أنسوا حتى قلّت هيبته في نفوسهم. يقال قد بَهَأْتُ به أَبْهَأُ.

ومنه حديث ميمون بن مهران «أنه كتب إلى يونس بن عبيد : عليك بكتاب الله فإن الناس قد بَهَئوُا به واستخفّوا عليه أحاديث الرّجال» قال أبو عبيد : روى بهوا به ، غير مهموز ، وهو في الكلام مهموز.

١٦٤

(بهت) ـ في حديث بيعة النّساء «وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ» هو الباطل الذى يتحيّر منه ، وهو من البُهْت التّحيّر ، والألف والنّون زائدتان. يقال بَهَتَهُ يَبْهَتُهُ. والمعنى لا يأتين بولد من غير أزواجهنّ فينسبنه إليهم. والبُهْت : الكذب والافتراء.

ومنه حديث الغيبة «وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ» أى كذبت وافتريت عليه.

(س) ومنه حديث ابن سلام في ذكر اليهود «إنهم قوم بُهْت» هو جمع بَهُوت من بناء المبالغة في البُهْت ، مثل صبور وصبر ، ثم سكّن تخفيفا.

(بهج) ـ في حديث الجنة «فإذا رأى الجنة وبَهْجَتَهَا» أى حسنها وما فيها من النّعيم. يقال بَهُجَ الشىء يَبْهُجُ فهو بَهِيجٌ ، وبَهِجَ به ـ بالكسر ـ إذا فرح وسرّ.

(بهر) (ه) فيه «أنه سار حتى ابْهَارَّ الليل» أى انتصف. وبُهْرَة كل شىء وسطه. وقيل ابْهَارَّ الليل إذا طلعت نجومه واستنارت ، والأوّل أكثر.

(ه) ومنه الحديث «فلما أَبْهَرَ القوم احترقوا» أى صاروا في بُهْرَة النّهار ، وهو وسطه.

(س) والحديث الآخر «صلاة الضّحى إذا بَهَرَتِ الشمس الأرض» أى غلبها ضوءها ونورها.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «قال له عبد خير : أصلّى الضحى إذا بزغت الشمس؟ قال : لا حتّى تَبْهَرَ البتيراء» أى يستنير ضوءها.

(س) وفي حديث الفتنة «إن خشيت أن يَبْهَرَكَ شعاع السّيف» (١).

(ه) وفيه «وقع عليه البُهْر» هو بالضّم : ما يعترى الإنسان عند السّعى الشديد والعدو ، من النّهيج وتتابع النّفس.

ومنه حديث ابن عمر رضى الله عنهما «أنه أصابه قطع أو بُهْر» وقد تكرر في الحديث.

(ه) وفي حديث عمر رضى الله عنه «أنه رفع إليه غلام ابْتَهَرَ جارية في شعر» الابْتِهَار أن يقذف المرأة بنفسه كاذبا ، فإن كان صادقا فهو الابتيار ، على قلب الهاء ياء.

__________________

(١) أى يغلبك ضوءه وبريقه. قاله صاحب الدر النثير.

١٦٥

ومنه حديث العوّام بن حوشب «الابْتِهَار بالذّنب أعظم من ركوبه» لأنه لم يدّعه لنفسه إلا وهو لو قدر لفعل ، فهو كفاعله بالنّيّة ، وزاد عليه بقحّته وهتك ستره وتبجّحه بذنب لم يفعله.

(ه) وفي حديث ابن العاص «إنّ ابن الصّعبة ترك مائة بُهَار ، في كل بُهَار ثلاثة قناطير ذهب وفضّة» البُهَار عندهم ثلثمائة رطل. قال أبو عبيد : وأحسبها غير عربيّة. وقال الأزهرى : هو ما يحمل على البعير بلغة أهل الشام ، وهو عربىّ صحيح. وأراد بابن الصّعبة طلحة بن عبيد الله ، كان يقال لأمّه الصّعبة.

(بهرج) (س) فيه «أنه بَهْرَجَ دم ابن الحارث» أى أبطله.

(ه) ومنه حديث أبى محجن «أمّا إذ بَهْرَجْتَنِي فلا أشربها أبدا» يعنى الخمر ، أى أهدرتنى بإسقاط الحدّ عنّى.

(ه) وفي حديث الحجاج «أنه أتى بجراب لؤلؤ بَهْرَج» أى ردىء. والبَهْرَج : الباطل. وقال القتيبى : أحسبه بجراب لؤلؤ بُهْرِجَ ، أى عدل به عن الطريق المسلوك خوفا من العشّار. واللفظة معرّبة. وقيل هى كلمة هندية أصلها نبهله ، وهو الرّدئ فنقلت إلى الفارسية فقيل نبهره ، ثم عرّبت فقيل بَهْرَج.

(بهز) (ه) فيه «أنه أتى بشارب فخفق بالنّعال وبُهِزَ بالأيدى» البَهْز : الدّفع العنيف.

(بهش) (ه) فيه «أنه كان يدلع لسانه للحسن بن على فإذا رأى حمرة لسانه بَهَشَ إليه» يقال للإنسان إذا نظر إلى الشيء فأعجبه واشتهاه وأسرع نحوه : قد بَهَشَ إليه.

ومنه حديث أهل الجنة «وإنّ أزواجه لَتَبْتَهِشْنَ عند ذلك ابْتِهَاشاً».

(ه) ومنه حديث ابن عباس رضى الله عنهما «أن رجلا سأله عن حيّة قتلها فقال : هل بَهَشَثْ إليك؟» أى أسرعت نحوك تريدك.

والحديث الآخر «ما بَهَشْتُ لهم بقصبة» أى ما أقبلت وأسرعت إليهم أدفعهم عنّى بقصبة.

١٦٦

(ه) وفيه «أنه قال لرجل. أمن أهل البَهْشِ أنت؟» البَهْش : المقل الرّطب (١) وهو من شجر الحجاز ، أراد أمن أهل الحجاز أنت؟

(ه) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «بلغه أنّ أبا موسى يقرأ حرفا بلغته ، فقال : إنّ أبا موسى لم يكن من أهل البَهْشِ» أى ليس بحجازى.

ومنه حديث أبى ذرّ «لمّا سمع بخروج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ شيئا من بَهْشٍ فتزوّده حتى قدم عليه».

(س) وفي حديث العرنيّين «اجتوينا المدينة وابْتَهَشَتْ لحومنا» يقال للقوم إذا كانوا سود الوجوه قباحا : وجوه البَهْش.

(بهل) [ه] في حديث أبى بكر «من ولى من أمر الناس شيئا فلم يعطهم كتاب الله فعليه بَهْلَة الله» أى لعنة الله ، وتضم باؤها وتفتح. والمُبَاهَلَة الملاعنة ، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شىء فيقولوا لعنة الله على الظالم منّا.

[ه] ومنه حديث ابن عباس «من شاء بَاهَلْتُهُ أنّ الحقّ معى».

وحديث ابن الصّبغاء «قال الذى بَهَلَهُ بريق» أى الذى لعنه ودعا عليه. وبريق اسم رجل.

وفي حديث الدعاء «والابْتِهَال أن تمدّ يديك جميعا» وأصله التّضرّع والمبالغة في السؤال.

(بهم) (ه) فيه «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بُهْماً» البُهْم جمع بَهِيم ، وهو في الأصل الذى لا يخالط لونه لون سواه ، يعنى ليس فيهم شىء من العاهات والأعراض الّتى تكون في الدّنيا كالعمى والعور والعرج وغير ذلك ، وإنما هى أجساد مصحّحة لخلود الأبد في الجنة أو النار. وقال بعضهم في تمام الحديث : «قيل وما البُهْم؟ قال : ليس معهم شىء» ، يعنى من أعراض الدنيا ، وهذا يخالف الأوّل من حيث المعنى.

__________________

(١) ويابسه : الخشل. بفتح الخاء وسكون الشين

١٦٧

وفى حديث عياش بن أبى ربيعة «والأسود البَهِيم كأنه من ساسم» أى المصمت الذى لم يخالط لونه لون غيره.

[ه] وفي حديث عليّ رضى الله عنه «كان إذا نزل به إحدى المُبْهَمَات كشفها» يريد مسألة معضلة مشكلة ، سمّيت مُبْهَمَة لأنها أُبْهِمَت عن البيان فلم يجعل عليها دليل.

ومنه حديث قسّ :

تجلو دجنّات الدّياجى والبُهَم

البُهَم جمع بُهْمَة بالضم ، وهى مشكلات الأمور.

(ه) ومنه حديث ابن عباس رضى الله عنهما «أنه سئل عن قوله تعالى «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» ولم يبيّن أدخل بها الابن أم لا ، فقال : أَبْهِمُوا ما أَبْهَمَ الله» قال الأزهرى : رأيت كثيرا من أهل العلم يذهبون بهذا إلى إبهام الأمر وإشكاله ، وهو غلط. قال وقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) إلى قوله (وَبَناتُ الْأُخْتِ) هذا كله يسمّى التّحريم المُبْهَم ؛ لأنه لا يحلّ بوجه من الوجوه ، كالبَهِيم من ألوان الخيل الذى لا شية فيه تخالف معظم لونه ، فلما سئل ابن عباس رضى الله عنهما عن قوله تعالى (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ولم يبيّن الله تعالى الدخول بهنّ أجاب فقال : هذا من مُبْهَم التّحريم الذى لا وجه فيه غيره ، سواء دخلتم بنسائكم أو لم تدخلوا بهنّ ، فأمّهات نسائكم محرّمات من جميع الجهات. وأما الرّبائب فلسن من المبهمات ؛ لأنّ لهنّ وجهين مبيّنين ، أحللن في أحدهما وحرّمن في الآخر ، فإذا دخل بأمّهات الرّبائب حرمت الربائب ، وإن لم يدخل بهنّ لم يحرمن ، فهذا تفسير المُبْهَم الذى أراد ابن عباس ، فافهمه. انتهى كلام الأزهرى. وهذا التفسير منه إنّما هو للرّبائب والأمّهات. لا لحلائل الأبناء ، وهو في أوّل الحديث إنما جعل سؤال ابن عباس عن الحلائل لا الرّبائب والأمّهات.

وفي حديث الإيمان والقدر «وترى الحفاة العراة رعاء الإبل والبَهْم يتطاولون في البنيان» البَهْم جمع بَهْمَة وهى ولد الضأن الذكر والأنثى ، وجمع البَهْم بِهَام ، وأولاد المعز سخال ، فإذا اجتمعا أطلق عليهما البَهْم والبِهَام ، قال الخطابى : أراد برعاء الإبل والبهم الأعراب وأصحاب البوادى الذين ينتجعون مواقع الغيث ولا تستقرّ بهم الدّار ، يعنى أن البلاد تفتح فيسكنونها ويتطاولون في البنيان. وجاء

١٦٨

في رواية «رعاة الإبل البُهُم» بضم الباء والهاء على نعت الرّعاة وهم السّود. وقال الخطابى : والبُهْم بالضم جمع البَهِيم ، وهو المجهول الذى لا يعرف.

(س) وفي حديث الصلاة «إنّ بَهْمَة مرّت بين يديه وهو يصلّى».

(س) والحديث الآخر «أنه قال للراعى ما ولّدت؟ قال : بَهْمَة ، قال : اذبح مكانها شاة» فهذا يدلّ على أنّ البَهْمَة اسم للأنثى ؛ لأنه إنّما سأله ليعلم أذكرا ولّد أم أنثى ، وإلّا فقد كان يعلم أنه إنما ولّد أحدهما.

(بهن) [ه] في حديث هوازن «أنهم خرجوا بدريد بن الصّمّة يَتَبَهَّنُون به» قيل إنّ الراوى غلط وإنّما هو : يتبهنسون به. والتّبهنس كالتّبختر في المشى ، وهى مشية الأسد أيضا. وقيل إنما هو تصحيف : يتيمّنون به ، من اليمن ضدّ الشّؤم.

(س) وفي حديث الأنصار «ابْهَنُوا منها آخر الدّهر» أى افرحوا وطيبوا نفسا بصحبتى ، من قولهم امرأة بَهْنَانَة أى ضاحكة طيّبة النّفس والأرج.

(بهبه) ـ في صحيح مسلم «بَهْ بَهْ إنك لضخم» قيل هى بمعنى بخ بخ ، يقال بخبخ به وبَهْبَهَ ، غير أن الموضع لا يحتمله إلا على بعد ؛ لأنه قال إنك لضخم كالمنكر عليه ، وبخ بخ لا يقال في الإنكار.

(بها) ـ في حديث عرفة «يُبَاهِي بهم الملائكة» المُبَاهَاة : المفاخرة ، وقد بَاهَى به يُبَاهِي مُبَاهَاةً.

ومنه الحديث «من أشراط الساعة أن يَتَبَاهَى الناس في المساجد» وقد تكرّر ذكرها في الحديث.

(ه) وفي حديث أمّ معبد «فحلب فيه ثجّا حتى علاه البَهَاء» أراد بهاء اللبن ، وهو وبيص رغوته.

(ه) وفيه «تنتقل العرب بِأَبْهَائِهَا إلى ذى الخلصة» أى ببيوتها ، وهو جمع البَهْو للبيت المعروف.

(س) وفيه «أنه سمع رجلا يقول حين فتحت مكّة : أَبْهُوا الخيل فقد وضعت (الْحَرْبُ

١٦٩

أَوْزارَها)» أى أعروا ظهورها ولا تركبوها فما بقيتم تحتاجون إلى الغزو ، من أَبْهَى البيت إذا تركه غير مسكون. وبيت باه أى خال. وقيل إنما أراد وسّعوا لها في العلف وأريحوها ، لا عطّلوها من الغزو ، والأوّل الوجه ؛ لأنّ تمام الحديث فقال «لا تزالون تقاتلون الكفّار حتى يقاتل بقيّتكم الدّجّال».

(باب الباء مع الياء)

(بيت) (ه) فيه «بشّر خديجة بِبَيْت من قصب» بَيْت الرجل داره وقصره وشرفه ، أراد بشّرها بقصر من زمرّدة أو لؤلؤة مجوّفة.

(ه) وفي شعر العباس رضى الله عنه يمدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

حتّى احتوى بَيْتُك المهيمن من

خندف علياء تحتها النّطق

أراد شرفه ، فجعله في أعلى خندف بيتا. والمهيمن : الشّاهد بفضلك.

(س) وفي حديث عائشة رضى الله عنها «تزوّجنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بَيْتٍ قيمته خمسون درهما» أى متاع بيت ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

(ه) وفي حديث أبى ذرّ «كيف تصنع إذا مات الناس حتّى يكون البَيْت بالوصيف» أراد بالبَيْت هاهنا القبر ، والوصيف : الغلام ، أراد أن مواضع القبور تضيق فيبتاعون كلّ قبر بوصيف.

وفيه «لا صيام لمن لم يُبَيِّت الصّيام» أى ينويه من الليل. يقال بَيَّتَ فلان رأيه إذا فكّر فيه وخمّره. وكل ما فكّر فيه ودبّر بليل فقد بُيِّتَ.

ومنه الحديث «هذا أمر بُيِّتَ بليل».

والحديث الآخر «أنه كان لا يُبَيِّتُ مالا ولا يقيله» أى إذا جاءه مال لم يمسكه إلى الليل ولا إلى القائلة ، بل يعجّل قسمته.

والحديث الآخر «أنه سئل عن أهل الدار يُبَيَّتُون» أى يصابون ليلا. وتَبْيِيت العدوّ : هو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة ، وهو البَيَات.

١٧٠

ومنه الحديث «إذا بُيِّتُّمْ فقولوا (حم ... لا يُنْصَرُونَ)» وقد تكرر في الحديث. وكل من أدركه الليل فقد بَاتَ يَبِيتُ ، نام أو لم ينم.

(بيح) ـ في حديث أبى رجاء «أيّما أحبّ إليك كذا وكذا ، أو بِيَاحٌ مُرَبَّبٌ؟» قال الجوهرى : البِيَاح بكسر الباء ضرب من السمك ، وربّما فتح وشدّد. وقيل إنّ الكلمة غير عربيّة. والمُرَبَّبُ : المعمول بالصباغ.

(بيد) (ه) فيه «أنا أفصح العرب بَيْدَ أنّى من قريش» بَيْدَ بمعنى غير.

ومنه الحديث الآخر «بَيْدَ أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا» وقيل معناه على أنهم ، وقد جاء في بعض الروايات بايد أنّهم ، ولم أره في اللغة بهذا المعنى. وقال بعضهم : إنها بأيد ، أى بقوّة ، ومعناه نحن السابقون إلى الجنة يوم القيامة بقوّة أعطاناها الله وفضّلنا بها.

وفي حديث الحج «بَيْدَاؤُكُمْ هذه التى تكذبون فيها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» البَيْدَاء : المفازة التى لا شيء بها ، وقد تكرر ذكرها في الحديث ، وهى هاهنا اسم موضع مخصوص بين مكّة والمدينة ، وأكثر ما ترد ويراد بها هذه.

(ه) ومنه الحديث «إنّ قوما يغزون البيت ، فإذا نزلوا بالبَيْدَاء بعث الله جبريل عليه‌السلام فيقول يا بَيْدَاء أَبِيدِيهِمْ ، فيخسف بهم» أى أهليكهم. والإِبَادَة : الإهلاك. أَبَادَهُ يُبِيدُهُ ، وبَادَ هو يَبِيد.

ومنه الحديث «فإذا هم بديار بَادَ أهلها» أى هلكوا وانقرضوا.

وحديث الحور العين «نحن الخالدات فلا نَبِيد» أى لا نهلك ولا نموت.

(بيذق) ـ في غزوة الفتح «وجعل أبا عبيدة على البَيَاذِقَة» هم الرّجّالة. واللفظة فارسية معربة. وقيل سمّوا بذلك لخفة حركتهم وأنّهم ليس معهم ما يثقلهم.

(بيرحاء) ـ قد تقدم بيانها في الباء والراء والحاء من هذا الباب.

(بيشيارج) (س) في حديث عليّ رضى الله عنه «البَيْشِيَارَجَاتُ تعظِّم البطن» قيل أراد به ما يقدّم إلى الضيف قبل الطعام ، وهى معرّبة. ويقال لها الفيشفارجات بفاءين.

١٧١

(بيض) (ه س) فيه «لا تسلّط عليهم عدوّا من غيرهم فيستبيح بَيْضَتَهُمْ» أى مجتمعهم وموضع سلطانهم ، ومستقرّ دعوتهم. وبَيْضَة الدّار : وسطها ومعظمها ، أراد عدوّا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم. قيل أراد إذا أهلك أصل البيضة كان هلاك كلّ ما فيها من طعم أو فرخ ، وإذا لم يهلك أصل البيضة ربّما سلم بعض فراخها. وقيل أراد بالبَيْضَة الخوذة ، فكأنّه شبّه مكان اجتماعهم والتئامهم ببيضة الحديد.

ومنه حديث الحديبية. «ثم جئت بهم لبَيْضَتِك تفضّها» أى أهلك وعشيرتك.

وفيه «لعن الله السارق يسرق البَيْضَة فتقطع يده» يعنى الخوذة. قال ابن قتيبة : الوجه في الحديث أنّ الله تعالى لما أنزل «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن الله السارق يسرق البَيْضَة فتقطع يده ، على ظاهر ما نزل عليه ، يعنى بيضة الدّجاجة ونحوها ، ثم أعلمه الله تعالى بعد أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فما فوقه. وأنكر تأويلها بالخوذة ؛ لأنّ هذا ليس موضع تكثير لما يأخذه السارق ، إنما هو موضع تقليل ، فإنه لا يقال. قبّح الله فلانا عرّض نفسه للضّرب في عقد جوهر ، إنما يقال لعنه الله تعرّض لقطع يده في خلق رثّ ، أو كبّة شعر.

(س) وفيه «أعطيت الكنزين الأحمر والأَبْيَض» فالأحمر ملك الشام ، والأَبْيَض ملك فارس. وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم ولأنّ الغالب على أموالهم الفضّة ، كما أنّ الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة وعلى أموالهم الذّهب.

(ه) ومنه حديث ظبيان ، وذكر حمير فقال «وكانت لهم البَيْضَاء والسّوداء ، وفارس الحمراء والجزية الصّفراء» أراد بالبَيْضَاء الخراب من الأرض ؛ لأنه يكون أبيض لا غرس فيه ولا زرع ، وأراد بالسّوداء العامر منها لا خضرارها بالشجر والزرع ، وأراد بفارس الحمراء تحكّمهم عليه (١) وبالجزية الصّفراء الذّهب ؛ لأنهم كانوا يجبون الخراج ذهبا.

ومنه «لا تقوم الساعة حتى يظهر الموت الأَبْيَض والأحمر» الأَبْيَض ما يأتى فجأة ولم يكن

__________________

(١) كذا في الأصل واللسان. وفي ا والهروى : وأراد بفارس الحمراء : العجم. وفي ا : لحكمهم عليه.

١٧٢

قبله مرض يغيّر لونه ، والأحمر الموت بالقتل لأجل الدّم.

(ه) وفي حديث سعد «أنه سئل عن السّلت بالبَيْضَاء فكرهه» البَيْضَاء الحنطة ، وهى السّمراء أيضا ، وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة وغيرهما ، وإنما كره ذلك لأنهما عنده جنس واحد ، وخالفه غيره.

(س) وفي صفة أهل النار «فخذ الكافر في النّار مثل البَيْضَاء» قيل هو اسم جبل.

وفيه «كان يأمرنا أن نصوم الأيّام البِيض» هذا على حذف المضاف يريد أيّام اللّيالى البيض ، وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وسمّيت لياليها بيضا لأن القمر يطلع فيها من أوّلها إلى آخرها ، وأكثر ما تجىء الرواية الأيّام البيض ، والصّواب أن يقال أيّام البيض بالإضافة ؛ لأنّ البيض من صفة الليالى.

وفي حديث الهجرة «فنظرنا فإذا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه مُبَيِّضِينَ» بتشديد الياء وكسرها ، أى لابسين ثيابا بيضا. يقال هم المبيّضة والمسوّدة بالكسر.

ومنه حديث توبة كعب بن مالك «فرأى رجلا مُبَيِّضاً يزول به السّراب» ويجوز أن يكون مُبْيَضّاً بسكون الباء وتشديد الضاد ، من البياض.

(بيع) [ه] فيه «البَيِّعَان بالخيار ما لم يتفرّقا» هما البَائِع والمشترى. يقال لكلّ واحد منهما بَيِّع وبَائِع.

(س) وفيه «نهى عن بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَة» هو أن يقول بِعْتُكَ هذا الثّوب نقدا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر ، فلا يجوز ؛ لأنه لا يدرى أيّهما الثمن الذى يختاره ليقع عليه العقد. ومن صوره أن يقول بعتك هذا بعشرين على أن تبيعنى ثوبك بعشرة فلا يصح للشرط الذى فيه ، ولأنه يسقط بسقوطه بعض الثّمن فيصير الباقى مجهولا ، وقد نهى عن بيع وشرط ، وعن بيع وسلف ، وهما هذان الوجهان.

(س ه) وفيه «لا يَبِعْ أحدكم على بيع أخيه» فيه قولان : أحدهما إذا كان المتعاقدان في مجلس العقد وطلب طالب السّلعة بأكثر من الثّمن ليرغّب البائع في فسخ العقد فهو محرّم ؛ لأنه إضرار

١٧٣

بالغير ، ولكنّه منعقد لأنّ نفس البيع غير مقصود بالنّهى ، فإنه لا خلل فيه. الثانى أن يرغّب المشترى في الفسخ بعرض سلعة أجود منها بمثل ثمنها ، أو مثلها بدون ذلك الثّمن ، فإنه مثل الأوّل في النّهى وسواء كانا قد تعاقدا على المبيع أو تساوما وقاربا الانعقاد ولم يبق إلا العقد ، فعلى الأوّل يكون البَيْع بمعنى الشراء ، تقول : بِعْتُ الشىء بمعنى اشتريته ، وهو اختيار أبى عبيد ، وعلى الثانى يكون البيع على ظاهره.

(ه) وفي حديث ابن عمر رضى الله عنهما «أنه كان يغدو فلا يمرّ بسقّاط ولا صاحب بِيعَة إلا سلّم عليه» البِيعَة بالكسر من البيع : الحالة ، كالرّكبة والقعدة.

وفي حديث المزارعة «نهى عن بَيْع الأرض» أى كرائها.

وفي حديث آخر «لا تَبِيعُوها» أى لا تكروها.

وفي الحديث «أنه قال : ألا تُبَايِعُونِي على الإسلام» هو عبارة عن المعاقدة عليه والمعاهدة ، كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره. وقد تكرر ذكرها في الحديث.

(بيغ) (ه) فيه «لا يَتَبَيَّغْ بأحدكم الدّم فيقتله» أى غلبة الدّم على الإنسان ، يقال تَبَيَّغَ به الدّم إذا تردّد فيه. ومنه تَبَيَّغَ الماء إذا تردّد وتحيّر في مجراه. ويقال فيه تبوّغ بالواو. وقيل إنه من المقلوب. أى لا يبغى عليه الدم فيقتله ، من البغى : مجاوزة الحدّ ، والأوّل الوجه.

ومنه حديث عمر رضى الله عنه «ابغنى خادما لا يكون قحما فانيا ، ولا صغيرا ضرعا ، فقد تَبَيَّغَ بى الدّم».

(بين) (ه) فيه «إنّ من البَيَان لسحرا» البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ ، وهو من الفهم وذكاء القلب ، وأصله الكشف والظّهور. وقيل معناه أنّ الرجل يكون عليه الحقّ وهو أقوم بحجّته من خصمه فيقلب الحقّ ببيانه إلى نفسه ؛ لأنّ معنى السّحر قلب الشىء في عين الإنسان ، وليس بقلب الأعيان ، ألا ترى أنّ البليغ يمدح إنسانا حتى يصرف قلوب السّامعين إلى حبه ، ثم يذمّه حتى يصرفها إلى بغضه.

ومنه «البذاء والبَيَان شعبتان من النّفاق» أراد أنّهما خصلتان منشؤهما النّفاق ، أمّا البذاء وهو الفحش فظاهر ، وأما البَيَان فإنما أراد منه بالذم التّعمّق في النّطق والتّفاصح وإظهار التّقدّم فيه على

١٧٤

الناس ، وكأنه نوع من العجب والكبر ، ولذلك قال في رواية أخرى : البذاء وبعض البيان ؛ لأنه ليس كلّ البيان مذموما.

ومنه حديث آدم وموسى عليهما‌السلام «أعطاك الله التّوراة فيها تِبْيَان كلّ شىء» أى كشفه وإيضاحه. وهو مصدر قليل فإنّ مصادر أمثاله بالفتح.

(ه) وفيه «ألا إنّ التَّبَيُّن من الله تعالى والعجلة من الشيطان ، فَتَبَيَّنُوا» يريد به هاهنا التّثبّت ، كذا قاله ابن الأنبارى.

(س) وفيه «أوّل ما يُبِينُ على أحدكم فخذه» أى يعرب ويشهد عليه.

(ه) وفي حديث النّعمان بن بشير رضى الله عنه «قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبيه لمّا أراد أن يشهده على شىء وهبه ابنه النّعمان : هل أَبَنْتَ كلّ واحد منهم مثل الذى أبنت هذا» أى هل أعطيتهم مثله ما لا تُبِينُهُ به ، أى تفرده ، والاسم البَائِنَة. يقال : طلب فلان البَائِنَةَ إلى أبويه أو إلى أحدهما ، ولا يكون من غيرهما.

(ه) ومنه حديث الصدّيق «قال لعائشة رضى الله عنها» إنّى كنت أَبَنْتُكِ بنحل» أى أعطيتك.

(س) وفيه «من عال ثلاث بنات حتّى يَبِنَ أو يمتن» يَبِنَ بفتح الياء ، أى يتزوّجن. يقال أَبَانَ فلان بنته وبَيَّنَهَا إذا زوّجها. وبَانَتْ هى إذا تزوّجت. وكأنّه من البَيْن : البعد ، أى بعدت عن بيت أبيها.

ومنه الحديث الآخر «حتى بَانُوا أو ماتوا».

وفي حديث ابن مسعود رضى الله عنه فيمن طلّق امرأته ثلاث تطليقات «فقيل له إنها قد بَانَتْ منك ، فقال صدقوا» بَانَتِ المرأة من زوجها أى انفصلت عنه ووقع عليها طلاقه. والطلاق البَائِن هو الذى لا يملك الزوج فيه استرجاع المرأة إلا بعقد جديد ، وقد تكرر ذكرها في الحديث.

وفي حديث الشرب «أَبِنِ القدح عن فيك» أى افصله عنه عند التّنفّس لئلا يسقط فيه شىء من الرّيق ، وهو من البَيْن : البعد والفراق.

١٧٥

ومنه الحديث في صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ليس بالطويل البَائِن» أى المفرط طولا الذى بعد عن قدر الرجال الطّوال.

(س) وفيه «بَيْنَا نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ جاءه رجل» أصل بينا : بين ، فأشبعت الفتحة فصارت ألفا ، يقال بَيْنَا وبَيْنَمَا ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل ، ومبتدأ وخبر ، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابهما ، ألّا يكون فيه إذا وإذا ، وقد جاءا في الجواب كثيرا ، تقول بينا زيد جالس دخل عليه عمرو ، وإذ دخل عليه عمرو ، وإذا دخل عليه.

ومنه قول الحرقة بنت النعمان :

بَيْنَا نسوس النّاس والأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف

(بيا) (س) في حديث آدم عليه‌السلام «أنه استحرم بعد قتل ابنه مائة سنة فلم يضحك حتى جاءه جبريل عليه‌السلام فقال : حيّاك الله وبَيَّاكَ» قيل هو إتباع لحيّاك. وقيل معناه أضحكك. وقيل عجّل لك ما تحب. وقيل اعتمدك بالملك. وقيل تغمّدك بالتحية. وقيل أصله بوّأك ، مهموزا فخفّف وقلب ، أى أسكنك منزلا في الجنة وهيّأك له.

(باب الباء المفردة)

أكثر ما ترد البَاء بمعنى الإلصاق لما ذكر قبلها من اسم أو فعل بما انضمّت إليه ، وقد ترد بمعنى الملابسة والمخالطة ، وبمعنى من أجل ، وبمعنى في ومن وعن ومع ، وبمعنى الحال ، والعوض ، وزائدة ، وكل هذه الأقسام قد جاءت في الحديث. وتعرف بسياق اللفظ الواردة فيه.

(ه) في حديث صخر «أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن رجلا ظاهر من امرأته ثم وقع عليها فقال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لعلّك بِذَلِكَ يا أبا سلمة ، فقال : نعم أنا بذلك» أى لعلّك صاحب الواقعة ، والباء متعلّقة بمحذوف تقديره لعلّك المبتلى بذلك.

(ه) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «أنه أتى بامرأة قد فجرت ، فقال مَن بِكَ» أى من الفاعل بك.

١٧٦

(س ه) وحديث ابن عمر رضى الله عنهما «أنه كان يشتدّ بين هدفين فإذا أصاب خصلة قال أنا بِهَا» يعنى إذا أصاب الهدف قال أنا صاحبها.

(ه) وفي حديث الجمعة «من توضّأ للجمعة فَبِهَا ونعمت» أى فبالرّخصة أخذ ، لأنّ السّنة في الجمعة الغسل ، فأضمر ، تقديره : ونعمت الخصلة هى ، فحذف المخصوص بالمدح. وقيل معناه فبالسّنّة أخذ ، والأوّل أولى.

(س) وفيه هاهنا للالتباس والمخالطة ، كقوله تعالى (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أى مختلطة وملتبسة به ، ومعناه اجعل تسبيح الله مختلطا وملتبسا بحمده. وقيل البَاءُ للتّعدية ، كما يقال اذهب به : أى خذه معك في الذّهاب ، كأنه قال : سبّح ربّك مع حمدك إيّاه.

(س) ومنه الحديث الآخر «سبحان الله وبحمده» أى وبحمده سبّحت. وقد تكرر ذكر الباء المفردة على تقدير عامل محذوف. والله تعالى أعلم.

١٧٧

حرف التاء

(باب التاء مع الهمزة)

(وأد) (س) في حديث عليّ والعباس رضى الله عنهما «قال لهما عمر رضى الله عنه تَيْدَكُمْ» أى على رسلكم ، وهو من التُّؤْدَة ، كأنّه قال الزموا تؤدتكم. يقال تَئِدَ تَأْداً ، كأنه أراد أن يقول تأدكم ، فأبدل من الهمزة ياء. هكذا ذكره أبو موسى. والذى جاء في الصحيحين أن عمر رضى الله عنه قال : اتَّئِدْ أنشدكم بالله ، وهو أمر بِالتُّؤَدَة : التّأنّى. يقال اتَّأَدَ في فعله وقوله ، وتَوَأَّدَ إذا تأنّى وتثبّت ولم يعجل. واتَّئِدْ في أمرك : أى تثبّت. وأصل التاء فيها واو. وقد تكررت في الحديث.

(تأر) (ه) فيه «إن رجلا أتاه فَأَتْأَرَ إليه النظر» أى أحدّه إليه وحقّقه.

(تأق) (س [ه]) في حديث الصراط «فيمرّ الرّجل كشدّ الفرس التَّئِق الجواد» أى الممتلئ نشاطا. يقال أَتْأَقْتُ الإناء إذا ملأته.

ومنه حديث عليّ «أَتْأَقَ الحياض بمواتحه».

(تأم) (س) في حديث عمير بن أفصى «مُتْئِم أو مفرد» يقال أَتْأَمَتِ المرأة فهى مُتْئِم ؛ إذا وضعت اثنين في بطن ، فإذا كان ذلك عادتها فهى مِتْآم. والولدان تَوْأَمَان. والجميع تُؤَام وتَوَائِم. والمفرد : التى تلد واحدا.

(باب التاء مع الباء)

(تبب) ـ في حديث أبى لهب «تَبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟» التَّبُ : الهلاك. يقال تَبَ يَتِبُ تَبّاً ، وهو منصوب بفعل مضمر متروك الإظهار. وقد تكرر ذكره في الحديث.

وفي حديث الدعاء «حتى اسْتَتَبَ له ما حاول في أعدائك» أى استقام واستمرّ.

(تبت) (س) في حديث دعاء قيام الليل «اللهم اجعل في قلبى نورا ـ وذكر سبعا ـ في

١٧٨

التَّابُوت» أراد بالتَّابُوت الأضلاع وما تحويه كالقلب والكبد وغيرهما تشبيها بالصندوق الذى يحرز فيه المتاع ، أى أنه مكنون موضوع في الصّندوق.

(تبر) (س [ه]) فيه «الذّهب بالذهب تِبْرُها وعينها ، والفضّة وعينها ، والفضّة بالفضّة تِبْرُها وعينها» التِّبْر هو الذهب والفضّة قبل أن يضربا دنانير ودراهم ، فإذا ضربا كانا عينا ، وقد يطلق التِّبْر على غيرهما من المعدنيّات كالنّحاس والحديد والرّصاص ، وأكثر اختصاصه بالذهب. ومنهم من يجعله في الذهب أصلا وفي غيره فرعا ومجازا.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «عجز حاضر ورأى مُتَبِّر» أى مهلك. يقال تَبَّرَهُ تَتْبِيراً أى كسره وأهلكه. والتَّبَار : الهلاك. وقد تكرر في الحديث.

(تبع) (س) في حديث الزكاة «في كل ثلاثين تَبِيع» التَّبِيع ولد البقرة أوّل سنة. وبقرة مُتْبِع : معها ولدها.

(ه) ومنه الحديث «إن فلانا اشترى معدنا بمائة شاة مُتْبِع» أى يتبعها أولادها.

ومنه حديث الحديبية «وكنت تَبِيعاً لطلحة بن عبيد الله» أى خادما. والتَّبِيع الذى يتبعك بحقّ يطالبك به.

(ه س). ومنه حديث الحوالة «إذا أُتْبِعَ أحدكم على مليء فَلْيُتْبِعْ» أى إذا أحيل على قادر فليحتل. قال الخطابىّ : أصحاب الحديث يروونه اتّبع بتشديد التّاء ، وصوابه بسكون التّاء بوزن أكرم ، وليس هذا أمرا على الوجوب ، وإنما هو على الرّفق والأدب والإباحة.

[ه] وحديث قيس بن عاصم «قال يا رسول الله ما المال الذى ليس فيه تَبِعَة من طالب ولا ضيف؟ قال : نعم المال أربعون ، والكثير (١) ستّون» : يريد بالتَّبِعَة ما يتبع المال من نوائب الحقوق. وهو من تبعت الرجل بحقّى.

(ه) وفي حديث الأشعرى «اتَّبِعُوا القرآن ولا يَتَّبِعَنَّكُمْ» أى اجعلوه أمامكم ثم اتلوه ، وأراد : لا تدعوا تلاوته والعمل به فتكونوا قد جعلتموه وراءكم. وقيل معناه لا يطلبنّكم لتضييعكم إياه كما يطلب الرجل صاحبه بالتّبعة.

وفي حديث ابن عباس «بينا أنا أقرأ آية في سكّة من سكك المدينة ، إذ سمعت صوتا من

__________________

(١) في ا والهروى : والكثر ، بضم الكاف وتسكين الثاء المثلثة.

١٧٩

خلفى : أَتْبِعْ يا ابن عباس ، فالتفتّ فإذا عمر ، فقلت أتبعك على أبىّ بن كعب» أى أسند قراءتك ممن أخذتها ، وأحل على من سمعتها منه.

وفي حديث الدعاء «تَابِعْ بيننا وبينهم على الخيرات» أى اجعلنا نتّبعهم على ما هم عليه.

(ه) ومنه حديث أبى واقد «تَابَعْنَا الأعمال فلم نجد فيها أبلغ من الزّهد» أى عرفناها وأحكمناها. يقال للرجل إذا أتقن الشىء وأحكمه : قد تابع عمله.

(س) وفيه «لا تسبّوا تُبَّعا فإنه أوّل من كسا الكعبة» تُبَّع ملك في الزمان الأوّل ، قيل اسمه أسعد أبو كرب ، والتَّبَابِعَة : ملوك اليمن. قيل كان لا يسمّى تبّعا حتى يملك حضرموت وسبأ وحمير.

(س) وفيه «أوّل خبر قدم المدينة ـ يعنى من هجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ امرأة كان لها تَابِع من الجنّ» التابع هاهنا جنىّ يتبع المرأة يحبّها. والتَّابِعَة جنّيّة تتبع الرجل تحبّه.

(تبل) (س) في قصيد كعب بن زهير :

بانت سعاد فقلبى اليوم مَتْبُول

أى مصاب بِتَبْلٍ ، وهو الذّحل والعداوة. يقال قلب مَتْبُول إذا غلبه الحب وهيّمه.

(ه) وفيه «ذكر تَبَالَة» هو بفتح التاء وتخفيف الباء : بلد باليمن معروف (١).

(تبن) فيه «إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة يُتَبِّنُ فيها يهوى بها في النار» هو إغماض الكلام والجدل في الدين. يقال قد تَبَّنَ يُتَبِّنُ تَتْبِيناً إذا أدقّ النّظر. والتَّبَانَة : الفطنة والذكاء.

(ه) ومنه حديث سالم «كنا نقول : الحامل المتوفي عنها زوجها ينفق عليها من جميع المال حتى تَبَّنْتُمْ» أى دقّقتم النّظر فقلتم غير ذلك.

__________________

(١) في المثل : «أهون من تبالة على الحجاج ، وكان عبد الملك ولاه إياها ، فلما أتاها استحقرها فلم يدخلها.

١٨٠