النّهاية - ج ١

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ١

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: طاهر احمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٢

(باب الباء مع الخاء)

(بخ) [ه] فيه «أنه لمّا قرأ : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، قال رجل بَخْ بَخْ» هى كلمة تقال عند المدح والرّضى بالشىء ، وتكرر للمبالغة ، وهى مبنية على السكون ، فإن وصلت جررت ونوّنت فقلت بَخٍ بَخٍ ، وربّما شدّدت. وبَخْبَخْتَ الرجل ، إذا قلت له ذلك. ومعناها تعظيم الأمر وتفخيمه. وقد كثر مجيئها في الحديث.

(بخت) ـ فيه «فأتى بسارق قد سرق بُخْتِيَّة» البُخْتِيَّة : الأنثى من الجمال البُخْت ، والذكر بُخْتِيّ ، وهى جمال طوال الأعناق ، وتجمع على بُخْت وبَخَاتِيّ ، واللفظة معرّبة.

(بختج) ـ في حديث النخعى «أهدى إليه بُخْتُج فكان يشربه مع العكر» البُخْتُج. العصير المطبوخ. وأصله بالفارسية ميبخته ، أى عصير مطبوخ ، وإنما شربه مع العكر خيفة أن يصفّيه فيشتدّ ويسكر.

(بختر) (س) في حديث الحجاج «لما أدخل عليه يزيد بن المهلّب أسيرا فقال الحجاج :

جميل المحيّا بَخْتَرِيّ إذا مشى

فقال يزيد :

وفي الدرع ضخم المنكبين شناق

البَخْتَرِيّ : المُتَبَخْتِر في مشيه ، وهى مشية المتكبر المعجب بنفسه.

(بخند) (س) في حديث أبى هريرة «إن العجّاج أنشده :

ساقا بَخَنْدَاة وكعبا أدرما

البَخَنْدَاة : التامّة القصب الرّيّا ، وكذلك الخبنداة. وقبل هذا البيت :

قامت تريك خشية أن تصرما

ساقا بَخَنْدَاةً وكعبا أدرما

(بخر) ـ في حديث عمر رضى الله عنه «إيّاكم ونومة الغداة فإنها مَبْخَرَة مجفرة مجعرة» وجعله القتيبى من حديث عليّ رضى الله عنه : مَبْخَرَة أى مظنّة للبَخَرِ ، وهو تغيّر ريح الفم.

ومنه حديث المغيرة «إيّاك وكلّ مجفرة مَبْخَرَة» يعنى من النساء.

١٠١

وفي حديث معاوية «أنه كتب إلى ملك الروم : لأجعلنّ القسطنطينية البَخْرَاء حممة سوداء» وصفها بذلك لبُخَار البحر.

(بخس) (ه) في الحديث «يأتى على الناس زمان يستحل فيه الرّبا بالبيع ، والخمر بالنّبيذ ، والبَخْس بالزكاة» البَخْس ما يأخذه الولاة باسم العشر والمكوس ، يتأوّلون فيه الزكاة والصدقة.

(بخص) (ه) في صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه كان مَبْخُوص العقبين» أى قليل لحمهما. والبَخْصَة : لحم أسفل القدمين. قال الهروى : وإن روى بالنون والحاء والضاد فهو من النّحض : اللحم. يقال نحضت العظم إذا أخذت عنه لحمه.

(ه) وفي حديث القرظى «في قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ،) لو سكت عنها لَتَبَخَّصَ لها رجال فقالوا ما صمد؟» البَخَص بتحريك الخاء : لحم تحت الجفن الأسفل يظهر عند تحديق الناظر إذا أنكر شيئا وتعجّب منه. يعنى لو لا أن البيان اقترن في السّورة بهذا الاسم لتحيّروا فيه حتى تنقلب أبصارهم.

(بخع) (ه) فيه «أتاكم أهل اليمن هم أرقّ قلوبا وأَبْخَعُ طاعة» أى أبلغ وأنصح في الطاعة من غيرهم ، كأنهم بالغوا في بَخْع أنفسهم : أى قهرها وإذلالها بالطاعة. قال الزمخشرى : هو من بَخَعِ الذبيحة إذا بالغ في ذبحها ، وهو أن يقطع عظم رقبتها ويبلغ بالذبح البِخَاع ـ بالباء ـ وهو العرق الذى في الصّلب. والنّخع بالنون دون ذلك ، وهو أن يبلغ بالذبح النّخاع ، وهو الخيط الأبيض الذى يجرى في الرقبة ، هذا أصله ، ثم كثر حتى استعمل في كل مبالغة ، هكذا ذكره في كتاب الفائق في غريب الحديث ، وكتاب الكشّاف في تفسير القرآن ، ولم أجده لغيره. وطالما بحثت عنه في كتب اللغة والطبّ والتشريح فلم أجد البخاع ـ بالباء ـ مذكورا في شىء منها.

ومنه حديث عمر «فأصبحت يجنبنى الناس ومن لم يكن يَبْخَعُ لنا بطاعة».

(ه) ومنه حديث عائشة في صفة عمر رضى الله عنهما «بَخَعَ الأرض فقاءت أكلها» أى قهر أهلها وأذلّهم وأخرج ما فيها من الكنوز وأموال الملوك. يقال : بَخَعْتُ الأرض بالزراعة إذا تابعت حراثتها ولم ترحها سنة.

١٠٢

(بخق) (ه) فيه «في العين القائمة إذا بُخِقَتْ مائة دينار» أراد إذا كانت العين صحيحة الصّورة قائمة في موضعها إلا أن صاحبها لا يبصر بها ثم بخصت أى قلعت بعد ففيها مائة دينار. وقيل : البَخَق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة منفتحة.

(ه) ومنه حديث نهيه عليه‌السلام عن البَخْقَاء في الأضاحى.

ومنه حديث عبد الملك بن عمير يصف الأحنف «كان ناتئ الوجنة بَاخِق العين».

(بخل) (س) فيه «الولد مَبْخَلَة مجبنة» هو مفعلة من البُخْل ومظنّة له ، أى يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه فيبخلان بالمال لأجله.

ومنه الحديث الآخر «إنكم لَتُبَخِّلُون وتجبّنون».

(باب الباء مع الدال)

(بدأ) ـ في أسماء الله تعالى «المُبْدِئ» هو الذى أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال.

(ه) وفي الحديث «أنه نفّل في البَدْأَة الرّبع وفي الرّجعة الثلث» أراد بِالبَدْأَةِ ابتداء الغزو ، وبالرجعة القفول منه. والمعنى : كان إذا نهضت سريّة من جملة العسكر المقبل على العدوّ فأوقعت بهم نفّلها الربع مما غنمت ، وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر نفلها الثلث ، لأن الكرّة الثانية أشقّ عليهم والخطر فيها أعظم ، وذلك لقوّة الظّهر عند دخولهم وضعفه عند خروجهم ، وهم في الأوّل أنشط وأشهى للسير والإمعان في بلاد العدوّ ، وهم عند القفول أضعف وأفتر وأشهى للرجوع إلى أوطانهم فزادهم لذلك.

ومنه حديث عليّ رضى الله عنه «والله لقد سمعته يقول : ليضربنكم على الدّين عودا ، كما ضربتموهم عليه بَدْءاً» أى أوّلا ، يعنى العجم والموالى.

ومنه حديث الحديبية «يكون لهم بَدْوُ الفجور وثناه» أى أوّله وآخره.

(ه) ومنه الحديث «منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبّها ، وعدتم من حيث بَدَأْتُمْ» هذا الحديث من معجزات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

١٠٣

لأنه أخبر بما لم يكن وهو في علم الله كائن ، فخرّج لفظه على لفظ الماضى ، ودلّ به على رضاه من عمر بن الخطاب بما وظّفه على الكفرة من الجزية في الأمصار.

وفي تفسير المنع وجهان : أحدهما أنه علم أنهم سيسلمون ويسقط عنهم ما وظّف عليهم ، فصاروا له بإسلامهم مانعين ، ويدل عليه قوله : وعدتم من حيث بدأتم ، لأن بدأهم في علم الله تعالى أنهم سيسلمون ، فعادوا من حيث بدأوا. والثانى أنهم يخرجون عن الطاعة ويعصون الإمام فيمنعون ما عليهم من الوظائف. والمدى مكيال أهل الشام ، والقفيز لأهل العراق ، والإردبّ لأهل مصر.

(ه) وفي الحديث «الخيل مُبَدَّأَةٌ يوم الورد» أى يبدأ بها في السّقى قبل الإبل والغنم ، وقد تحذف الهمزة فتصير ألفا ساكنة.

(س) ومنه حديث عائشة رضى الله عنها «أنها قالت في اليوم الذى بُدِئَ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وا رأساه» يقال متى بُدِئَ فلان؟ أى متى مرض ، ويسأل به عن الحىّ والميت.

وفي حديث الغلام الذى قتله الخضر «فانطلق إلى أحدهم بَادِئَ الرأى فقتله» أى في أوّل رأى رآه وابتدأه به ، ويجوز أن يكون غير مهموز ؛ من البدوّ : الظهور ، أى في ظاهر الرأى والنّظر.

(س) وفي حديث ابن المسيّب في حريم البئر «البَدِيء خمس وعشرون ذراعا» البَدِيء ـ بوزن البديع ـ : البئر التى حفرت في الإسلام وليست بعاديّة قديمة.

(بدج) (ه) في حديث الزبير «أنه حمل يوم الخندق على نوفل بن عبد الله بالسّيف حتى شقه باثنتين وقطع أُبْدُوج سرجه» يعنى لبده. قال الخطابى : هكذا فسره أحد رواته. ولست أدرى ما صحّته.

(بدح) (س) في حديث أم سلمة «قالت لعائشة رضى الله عنهما : قد جمع القرآن ذيلك فلا تَبْدَحِيهِ» من البَدَاح وهو المتّسع من الأرض ، أى لا توسّعيه بالحركة والخروج. والبَدْح : العلانية. وبَدَحَ بالأمر : باح به. ويروى بالنون ، وسيذكر في بابه.

(ه) وفي حديث بكر بن عبد الله «كان أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمازحون ويَتَبَادَحُون بالبطّيخ ، فإذا جاءت الحقائق كانوا هم الرجال» أى يترامون به. يقال بَدَحَ يَبْدَحُ إذا رمى.

١٠٤

(بدد) (ه) في حديث يوم حنين «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَبَدَّ يده إلى الأرض فأخذ قبضة» أى مدّها.

ومنه الحديث «أنه كان يُبِدُّ ضبعيه في السجود» أى يمدّهما ويجافيهما. وقد تكرر في الحديث.

(ه) ومنه حديث وفاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فَأَبَدَّ بصره إلى السّواك» كأنه أعطاه بُدَّتَهُ من النّظر ، أى حظّه.

(ه) ومنه حديث ابن عباس رضى الله عنهما «دخلت على عمر وهو يُبِدُّنِي النّظر استعجالا لخبر ما بعثنى إليه».

(ه) وفيه «اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بِدَداً» يروى بكسر الباء جمع بُدَّة وهى الحصّة والنصيب ، أى اقتلهم حصصا مقسّمة لكل واحد حصّته ونصيبه. ويروى بالفتح أى متفرّقين في القتل واحدا بعد واحد ، من التَّبْدِيد.

(ه) ومنه حديث عكرمة «فَتَبَدَّدُوه بينهم» أى اقتسموه حصصا على السّواء.

(ه) ومنه حديث خالد بن سنان «أنه انتهى إلى النار وعليه مدرعة صوف ، فجعل يفرّقها بعصاه ويقول : بَدّاً بَدّاً» أى تَبَدُّدِي وتفرّقى. يقال بَدَدْتُ بَدّاً ، وبَدَّدْتُ تَبْدِيداً. وهذا خالد هو الذى قال فيه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نبىّ ضيّعه قومه».

(ه) وفي حديث أم سلمة «أن مساكين سألوها ، فقالت : يا جارية أَبِدِّيهم تمرة تمرة» أى أعطيهم وفرّقى فيهم.

ومنه الحديث «إن لى صرمة أفقر منها وأطرق (١) وأُبِدُّ» أى أعطى.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه «كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فَاسْتَبْدَدْتُمْ علينا» يقال اسْتَبَدَّ بالأمر يَسْتَبِدُّ به اسْتِبْدَاداً إذا تفرّد به دون غيره. وقد تكرر في الحديث.

__________________

(١) الذى في اللسان وتاج العروس : «وقال رجل من العرب : إن لى صرمة أبد منها وأقرن». والصرمة هنا القطيع من الإبل من العشرين إلى الثلاثين والأربعين. ومعنى قوله أبد : أى أعطى واحدا واحدا ، ومعنى أقرن : أى أعطى اثنين اثنين. هكذا فسره أبو عبيد. ا ه ومعنى أفقر في روايتنا : أعير. ويقال : أطرقنى فحلك ، أى أعرنى فحلك ليضرب في إبلى. فهذا معنى أطرق في روايتنا

١٠٥

(ه) وفي حديث ابن الزبير «أنه كان حسن البَادّ إذا ركب» البَادّ أصل الفخذ ، والبَادَّان أيضا ـ من ظهر الفرس ـ ما وقع عليه فخذ الفارس ، وهو من البَدَد : تباعد ما بين الفخذين من كثرة لحمهما.

(بدر) (ه) في حديث المبعث «فرجع بها ترجف بَوَادِرُهُ» هى جمع بَادِرَة وهى لحمة بين المنكب والعنق. والبَادِرَة من الكلام : الذى يسبق من الإنسان في الغضب. ومنه قول النابغة :

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

بَوَادِر تحمى صفوه أن يكدّرا

(س) وفي حديث اعتزال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءه «قال عمر : فَابْتَدَرَتْ عيناى» أى سالتا بالدموع.

(س) وفي حديث جابر رضى الله عنه «كنا لا نبيع التّمر حتى يَبْدُرَ» أى يبلغ. يقال بَدَرَ الغلام إذا تمّ واستدار. تشبيها بالبدر في تمامه وكماله. وقيل إذا احمرّ البسر قيل له أَبْدَرَ.

(ه) وفيه «فأتى بِبَدْرٍ فيه بقول» أى طبق ، شبّه بالبدر لاستدارته.

(بدع) ـ في أسماء الله تعالى «البَدِيع» ، هو الخالق المخترع لا عن مثال سابق ، فعيل بمعنى مفعل. يقال أَبْدَعَ فهو مُبْدِع.

(ه) وفيه «أن تهامة كبَدِيع العسل ، حلو أوّله حلو آخره» البَدِيع : الزّق الجديد ، شبّه به تهامة لطيب هوائها ، وأنه لا يتغيّر كما أن العسل لا يتغير.

(س) وفي حديث عمر رضى الله عنه في قيام رمضان «نعمت البِدْعَة هذه» البدعة بدعتان :

بدعة هدى ، وبدعة ضلال ، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو في حيّز الذّم والإنكار ، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه الله أو رسوله فهو في حيز المدح ، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جعل له في ذلك ثوابا فقال «من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها» وقال في ضدّه «ومن سنّ سنة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها» وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومن

١٠٦

هذا النوع قول عمر رضى الله عنه : نعمت البدعة هذه. لمّا كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدحها ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يسنّها لهم ، وإنما صلّاها ليالى ثم تركها ولم يحافظ عليها ، ولا جمع الناس لها ، ولا كانت في زمن أبى بكر ، وإنما عمر رضى الله عنه جمع الناس عليها وندبهم إليها ، فبهذا سمّاها بدعة ، وهى على الحقيقة سنّة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «عليكم بسنّتى وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدى!!» وقوله «اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر!!» وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر «كل محدثة بِدْعَةٌ» إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السّنّة. وأكثر ما يستعمل المُبْتَدَع عرفا في الذّم.

وفي حديث الهدي «فأزحفت عليه بالطريق فعىّ بشأنها إن هى أَبْدَعَتْ» يقال أَبْدَعَتِ الناقة إذا انقطعت عن السّير بكلال أو ظلع ، كأنه جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السّير إِبْدَاعاً ، أى إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها.

ومنه الحديث «كيف أصنع بما أُبْدِعَ علىّ منها» وبعضهم يرويه أبدعت. وأبدع على ما لم يسم فاعله. وقال : هكذا يستعمل. والأول أوجه وأقيس.

(ه) ومنه الحديث «أتاه رجل فقال إنّى أُبْدِعَ بى فاحملنى» أى انقطع بى لكلال راحلتى.

(بدل) [ه] في حديث عليّ رضى الله عنه «الأَبْدَال بالشام» هم الأولياء والعبّاد ، الواحد بِدْل كحمل وأحمال ، وبَدَل كجمل ، سمّوا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبدل بآخر.

(بدن) (ه) فيه «لا تبادرونى بالركوع والسّجود ، إنّى قد بَدُنْتُ» قال أبو عبيد هكذا روى في الحديث بدنت ، يعنى بالتخفيف ، وإنما هو بَدَّنْتُ بالتشديد : أى كبرت وأسننت ، والتخفيف من البَدَانَة وهى كثرة اللحم ، ولم يكن صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمينا. قلت : قد جاء في صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث ابن أبى هالة : بَادِن متماسك ، والبَادِن الضّخم. فلما قال بادن أردفه بمتماسك ، وهو الذى يمسك بعض أعضائه بعضا ، فهو معتدل الخلق.

ومنه الحديث «أتحبّ أن رجلا بَادِناً في يوم حارّ غسل ما تحت إزاره ثم أعطاكه فشربته».

١٠٧

وفي حديث عليّ «لما خطب فاطمة رضى الله عنهما ، قيل : ما عندك؟ قال : فرسى وبَدَنِي» البَدَن الدرع من الزّرد. وقيل هى القصيرة منها.

ومنه حديث سطيح.

أبيض فضفاض الرّداء والبَدَن

أى واسع الدرع. يريد به كثرة العطاء.

ومنه حديث مسح الخفّين «فأخرج يده من تحت بَدَنِهِ» استعار البدن هاهنا للجبّة الصغيرة ، تشبيها بالدرع. ويحتمل أن يريد به من أسفل بدن الجبة ، ويشهد له ما جاء في الرواية الأخرى «فأخرج يده من تحت البَدَنِ» وفيه «أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمس بَدَنَات» البَدَنَة تقع على الجمل والناقة والبقرة ، وهى بالإبل أشبه. وسميت بدنة لعظمها وسمنها. وقد تكررت في الحديث.

ومنه حديث الشعبى «قيل له إن أهل العراق يقولون إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوّجها كان كمن يركب بَدَنَتَهُ» أى إنّ من أعتق أمته فقد جعلها محرّرة لله ، فهى بمنزلة البدنة التى تهدى إلى بيت الله تعالى في الحج ، فلا تركب إلّا عن ضرورة ، فإذا تزوّج أمته المعتقة كان كمن قد ركب بدنته المهداة.

(بده) (س) في صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من رآه بَدِيهَة هابه» أى مفاجأة وبغتة ، يعنى من لقيه قبل الاختلاط به هابه لوقاره وسكونه ، وإذا جالسه وخالطه بان له حسن خلقه.

(بدا) (ه) فيه «كان إذا اهتمّ لشىء بَدَا» أى خرج إلى البَدْو. يشبه أن يكون يفعل ذلك ليبعد عن الناس ويخلو بنفسه.

ومنه الحديث «أنه كان يَبْدُو إلى هذه التّلاع».

والحديث الآخر «من بَدَا جفا» أى من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب.

(ه) والحديث الآخر «أنه أراد البَدَاوَة مرّة» أى الخروج إلى البَادِيَة. وتفتح باؤها وتكسر.

١٠٨

وحديث الدعاء «فإنّ جار البَادِي يتحوّل» هو الذى يكون في البادية ومسكنه المضارب والخيام ، وهو غير مقيم في موضعه ، بخلاف جار المقام في المدن. ويروى النّادى بالنّون.

ومنه الحديث «لا يبع حاضر لِبَاد» وسيجىء مشروحا في حرف الحاء.

(س) وفي حديث الأقرع والأبرص والأعمى «بَدَا الله عزوجل أن يبتليهم» أى قضى بذلك ، وهو معنى البداء هاهنا ، لأن القضاء سابق. والبَدَاء استصواب شىء علم بعد أن لم يعلم ، وذلك على الله عزوجل غير جائز.

ومنه الحديث «السلطان ذو عدوان وذو بُدْوَان» أى لا يزال يبدو له رأى جديد.

(س) وفي حديث سلمة بن الأكوع «خرجت أنا ورباح مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعى فرس طلحة أُبْدِيهِ مع الإبل» أى أبرزه معها إلى مواضع الكلأ ، وكل شىء أظهرته فقد أَبْدَيْتُهُ وبَدَّيْتُهُ.

(س) ومنه الحديث «أنه أمر أن يُبَادِيَ الناس بأمره» أى يظهره لهم.

ومنه الحديث «من يُبْدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» أى من يظهر لنا فعله الذى كان يخفيه أقمنا عليه الحدّ.

(س) وفيه :

باسم الإله وبه بَدِينَا

ولو عبدنا غيره شقينا (١)

يقال بَدِيتُ بالشىء ـ بكسر الدال ـ أى بدأت به ، فلما خفّف الهمزة كسر الدال فانقلبت الهمزة ياء ، وليس هو من بنات الياء.

وفي حديث سعد بن أبى وقاص «قال يوم الشورى : الحمد لله بَدِيّاً» البَدِيّ بالتشديد الأوّل ، ومنه قولهم : افعل هذا بَادِيَ بَدِيٍ ، أى أوّل كل شىء.

وفيه «لا تجوز شهادة بَدَوِيٍ على صاحب قرية» إنما كره شهادة البدوىّ لما فيه من الجفاء في الدّين والجهالة بأحكام الشرع ؛ ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها ، وإليه ذهب مالك ، والناس على خلافه.

__________________

(١) هو لعبد الله بن رواحة ، كما في تاج العروس. وبعده :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

١٠٩

وفيه ذكر «بَدَا» بفتح الباء وتخفيف الدال : موضع بالشام قرب وادى القرى ، كان به منزل علىّ بن عبد الله بن العباس وأولاده.

(باب الباء مع الذال)

(بذأ) (ه) في حديث الشعبى «إذا عظمت الخلقة فإنما هى بَذَاء ونجاء» البَذَاء : المباذاة ، وهى المفاحشة ، وقد بَذُوَ يَبْذُو بَذَاءَةً ، والنّجاء : المناجاة. وهذه الكلمة بالمعتلّ أشبه منها بالمهموز ، وسيجىء مبينا في موضعه.

(بذج) (ه) فيه «يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بَذَج من الذّلّ» البَذَجُ : ولد الضأن وجمعه بِذْجَان.

(بذخ) ـ في حديث الخيل «والذى يتخذها أشرا وبطرا وبَذَخاً» البَذَخ ـ بالتحريك ـ الفخر والتّطاول. والبَاذِخ العالى ، ويجمع على بُذْخ.

ومنه كلام عليّ «وحمل الجبال البُذَّخ على أكتافها».

(بذذ) (ه) فيه «البَذَاذَة من الإيمان» البَذَاذَة رثاثة الهيئة. يقال : بَذُّ الهيئة وبَاذّ الهيئة : أى رثّ اللّبسة. أراد التواضع في اللباس وترك التّبجّح به.

(س) وفي الحديث «بَذَّ القائلين» أى سبقهم وغلبهم ، يَبُذُّ هم بَذّاً.

ومنه في صفة مشيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يمشى الهوينا يَبُذُّ القوم» إذا سارع إلى خير ومشى إليه. وقد تكرر في الحديث.

(بذر) ـ في حديث فاطمة رضى الله عنها عند وفاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قالت لعائشة رضى الله عنها : إنى إذن لَبَذِرَة» البَذِرُ : الذى يفشى السّرّ ويظهر ما يسمعه.

(ه) ومنه حديث عليّ رضى الله عنه في صفة الأولياء «ليسوا بالمذاييع البُذْر» جمع بَذُور. يقال بَذَرْتُ الكلام بين الناس كما تُبْذَرُ الحبوب : أى أفشيته وفرّقته.

وفي حديث وقف عمر «ولوليّه أن يأكل منه غير مُبَاذِر» المُبَاذِر والمُبَذِّر : المسرف في النّفقة. بَاذَرَ وبَذَّرَ مُبَاذَرَةً وتَبْذِيراً. وقد تكرر في الحديث.

١١٠

(بذعر) (س) في حديث عائشة رضى الله عنها «ابْذَعَرَّ النّفاق» أى تفرّق وتبدّد.

(بذق) (س) في حديث ابن عباس رضى الله عنهما «سبق محمّد البَاذَق» هو بفتح الذال الخمر ؛ تعريب باذه ، وهو اسم الخمر بالفارسية ، أى لم تكن في زمانه ، أو سبق قوله فيها وفي غيرها من جنسها.

(بذل) ـ في حديث الاستسقاء «فخرج مُتَبَذِّلاً متخضّعا» التَّبَذُّل : ترك التزيّن والتّهيّئ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع.

ومنه حديث سلمان «فرأى أم الدّرداء مُتَبَذِّلَة» وفي رواية مُبْتَذِلَة ، وهما بمعنى. وقد تكرر في الحديث.

(بذا) (س) فيه «البَذَاء من الجفاء» البَذَاء بالمد : الفحش في القول. وفلان بَذِيّ اللسان. تقول منه بَذَوْتُ على القوم وأَبْذَيْتُ أَبْذُو بَذَاءً.

ومنه حديث فاطمة بنت قيس «بَذَتْ على أحمائها» وكان في لسانها بعض البذاء. ويقال في هذا الهمز ، وليس بالكثير. وقد سبق في أوّل الباب. وقد تكرر في الحديث.

(باب الباء مع الراء)

(برأ) ـ في أسماء الله تعالى «الْبارِئُ» هو الذى خلق الخلق لا عن مثال. ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات ، وقلّما تستعمل في غير الحيوان ، فيقال بَرَأَ الله النسمة ، وخلق السموات والأرض. وقد تكرر ذكر البرء في الحديث.

وفي حديث مرض النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قال العباس لعلىّ رضى الله عنه : كيف أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : أصبح بحمد الله بَارِئاً» أى معافا. يقال بَرَأْتُ من المرض أَبْرَأُ بَرْءاً بالفتح ، فأنا بَارئٌ ، وأَبْرَأَنِي الله من المرض ، وغير أهل الحجاز يقولون : بَرِئْتُ بالكسر بُرْءاً بالضم.

(س) ومنه قول عبد الرحمن بن عوف لأبى بكر رضى الله عنهما «أراك بَارِئاً».

(س) ومنه الحديث في اسْتِبْرَاء الجارية «لا يمسّها حتى يَبْرَأَ رحمها» ويتبيّن حالها هل

١١١

هى حامل أم لا. وكذلك الِاسْتِبْرَاء الذى يذكر مع الاستنجاء في الطهارة ، وهو أن يستفرغ بقيّة البول وينقّى موضعه ومجراه حتى يبريهما منه ، أى يبينه عنهما كما يبرأ من المرض والدّين ، وهو في الحديث كثير.

وفي حديث الشرب «فإنه أروى وأَبْرَا» أى يبريه من ألم العطش ، أو أراد أنه لا يكون منه مرض ؛ لأنه قد جاء في حديث آخر «فإنه يورث الكباد» وهكذا يروى الحديث «أبرا» غير مهموز لأجل أروى.

وفي حديث أبى هريرة رضى الله عنه «لمّا دعاه عمر إلى العمل فأبى ، فقال عمر : إن يوسف قد سأل العمل ، فقال : إن يوسف منّى بَرِيء وأنا منه بَرَاء» أى برىء عن مساواته في الحكم ، وأن أقاس به ، ولم يرد براءة الولاية والمحبّة ؛ لأنه مأمور بالإيمان به ، والبَرَاء والبَرِيء سواء.

(بربر) (ه) في حديث عليّ رضى الله عنه «لما طلب إليه أهل الطائف أن يكتب لهم الأمان على تحليل الرّبا والخمر فامتنع قاموا ولهم تغزمر وبَرْبَرَةٌ» البَرْبَرَة : التخليط في الكلام مع غضب ونفور.

ومنه حديث أحد «أخذ اللّواء غلام أسود فنصبه وبَرْبَرَ».

(بربط) (س) في حديث على بن الحسين «لا قدّست أمّة فيها البَرْبَط» البَرْبَط ملهاة تشبه العود ، وهو فارسى معرّب. وأصله بربت ؛ لأن الضارب به يضعه على صدره ، واسم الصّدر : بر.

(برث) (س) فيه «يبعث الله تعالى منها سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب ، فيما بين البَرْث الأحمر وبين كذا» البَرْث : الأرض اللّينة ، وجمعها بِرَاث ، يريد بها أرضا قريبة من حمص ، قتل بها جماعة من الشهداء والصالحين.

(ه) ومنه الحديث الآخر «بين الزّيتون إلى كذا بَرْثٌ أحمر».

(برثم) (س) في حديث القبائل «سئل عن مضر فقال : تميم بُرْثُمَتُهَا وجرثمتها» قال الخطابى : إنما هو برثنتها بالنون ، أى مخالبها ، يريد شوكتها وقوّتها. والنون والميم يتعاقبان ، فيجوز أن تكون الميم لغة ، ويجوز أن تكون بدلا ، لازدواج الكلام في الجرثومة ، كما قال الغدايا والعشايا.

١١٢

(برثان) ـ بَرْثَان هو بفتح الباء وسكون الراء : واد في طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر. وقيل في ضبطه غير ذلك.

(برج) (س) في صفة عمر رضى الله عنه «طوال أدلم أَبْرَج» البَرَج بالتحريك : أن يكون بياض العين محدقا بالسّواد كله لا يغيب من سوادها شىء.

(س) وفيه «كان يكره للنساء عشر خلال ، منها التَّبَرُّج بالزينة لغير محلّها» التَّبَرُّج : إظهار الزّينة للناس الأجانب وهو المذموم ، فأما للزوج فلا ، وهو معنى قوله لغير محلّها.

(برجس) ـ في حديث ابن عباس رضى الله عنهما «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن الكواكب الخنّس فقال : هى البِرْجِيس وزحل وعطارد وبهرام والزّهرة» البِرْجِيس : المشترى ، وبهرام : المرّيخ.

(برجم) (س) فيه «من الفطرة غسل البَرَاجِم» هى العقد التى في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ ، الواحدة بُرْجُمَة بالضم. وقد تكرر في الحديث.

(س) وفي حديث الحجاج «أمن أهل الرّهمسة والبَرْجَمَة أنت؟» البَرْجَمَة بالفتح : غلظ الكلام.

(برح) (ه) فيه «أنه نهى عن التّوليه والتَّبْرِيح» جاء في متن الحديث أنه قتل السّوء للحيوان ، مثل أن يلقى السمك على النار حيّا. وأصل التَّبْرِيح المشقّة والشدة ، يقال بَرَّحَ به إذا شقّ عليه.

(س) ومنه الحديث «ضربا غير مُبَرِّح» أى غير شاق.

والحديث الآخر «لقينا منه البَرْح» أى الشدّة.

(س) وحديث أهل النهروان «لقوا بَرْحاً».

(س) والحديث الآخر «بَرَّحَتْ بي الحمّى» أى أصابنى منها البُرَحَاء ، وهو شدّتها.

(س) وحديث الإفك «فأخذه البُرَحَاء» أى شدّة الكرب من ثقل الوحى.

وحديث قتل أبى رافع اليهودى «بَرَّحَتْ بنا امرأته بالصّياح».

١١٣

وفيه «جاء بالكفر بَرَاحاً» أى جهارا ، من بَرِحَ الخفاء إذا ظهر ، ويروى بالواو ، وسيجىء.

(س) وفيه «حين دلكت بَرَاحِ» بَرَاحِ بوزن قطام من أسماء الشمس. قال الشاعر :

هذا مقام قدمى رباح

غدوة حتّى دلكت بَرَاحِ

دلوك الشمس : غروبها وزوالها. وقيل إن الباء في بِرَاح مكسورة ، وهى باء الجرّ. والرَّاح جمع رَاحَة وهى الكفّ. يعنى أن الشمس قد غربت أو زالت ، فهم يضعون راحاتهم على عيونهم ينظرون هل غربت أو زالت. وهذان القولان ذكرهما أبو عبيد والأزهرى والهروى والزمخشرى وغيرهم من مفسّرى اللغة والغريب. وقد أخذ بعض المتأخرين القول الثانى على الهروى ، فظنّ أنه قد انفرد به وخطأه في ذلك ، ولم يعلم أن غيره من الأئمة قبله وبعده ذهب إليه.

(س) وفي حديث أبى طلحة «أحبّ أموالى إلىّ بَيْرَحَى» هذه اللفظة كثيرا ما تختلف ألفاظ المحدّثين فيها ، فيقولون بَيْرَحَاءُ بفتح الباء وكسرها ، وبفتح الراء وضمها والمدّ فيهما ، وبفتحهما والقصر ، وهى اسم مال وموضع بالمدينة. وقال الزمخشرى في الفائق : إنها فيعلى من البراح ، وهى الأرض الظاهرة.

وفي الحديث «بَرِحَ ظبى» هو من البارح ضدّ السّانح ، فالسّانح ما مرّ من الطّير والوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك ، والعرب تتيمّن به لأنه أمكن للرّمى والصيد. والبَارِح ما مرّ من يمينك إلى يسارك ، والعرب تتطيّر به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف.

(برد) (ه) فيه «من صلّى البَرْدَيْنِ دخل الجنة» البَرْدَان والأَبْرَدَان الغداة والعشىّ. وقيل ظلّاهما.

ومنه حديث ابن الزبير «كان يسير بنا الأَبْرَدَيْنِ».

وحديثه الآخر مع فضالة بن شريك «وسر بها البَرْدَيْنِ».

(ه) وأما الحديث الآخر «أَبْرِدُوا بالظّهر» فالإِبْرَاد : انكسار الوهج والحرّ ، وهو من الإِبْرَاد : الدّخول في البرد. وقيل معناه صلّوها في أوّل وقتها ، من برد النهار وهو أوّله.

(ه) وفيه «الصوم في الشتاء الغنيمة البَارِدَة» أى لا تعب فيه ولا مشقّة ، وكل محبوب

١١٤

عندهم بارد. وقيل معناه الغنيمة الثابتة المستقرّة ، من قولهم بَرَدَ لى على فلان حقّ ، أى ثبت.

ومنه حديث عمر رضى الله عنه «وددت أنه بَرَدَ لنا عملنا».

وفيه «إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت زوجته فإن ذلك بَرْدُ ما في نفسه» هكذا جاء في كتاب مسلم بالباء الموحدة من البرد ، فإن صحّت الرّواية فمعناه أنّ إتيانه زوجته يبرّد ما تحرّكت له نفسه من حرّ شهوة الجماع ، أى يسكّنه ويجعله باردا. والمشهور في غيره «فإن ذلك يردّ ما في نفسه» بالياء ، من الردّ ، أى يعكسه.

(ه) ومنه حديث عمر رضى الله عنه «أنه شرب النّبيذ بعد ما بَرَدَ» أى سكن وفتر. يقال جدّ في الأمر ثم بَرَدَ ، أى فتر.

(ه) وفيه «لما تلقّاه بُرَيْدَة الأسلمى قال له : من أنت؟ قال : أنا بريدة ، فقال لأبى بكر رضى الله عنهما : بَرَدَ أمرنا وصلح» أى سهل.

(ه) ومنه الحديث «لا تُبَرِّدُوا عن الظالم» أى لا تشتموه وتدعوا عليه فتخففوا عنه من عقوبة ذنبه.

(ه) وفي حديث عمر «فهبره بالسيف حتى بَرَدَ» أى مات.

(س) وفي حديث أمّ زرع «بَرُود الظّل» أى طيّب العشرة. وفعول يستوى فيه الذّكر والأنثى.

(س) وفي حديث الأسود «أنه كان يكتحل بالبَرُود وهو محرم» البَرُود بالفتح : كحل فيه أشياء باردة ، وبَرَدْتُ عينى مخفّفا : كحلتها بالبرود.

(ه) وفي حديث ابن مسعود رضى الله عنه «أصل كلّ داء البَرَدَة» هى التّخمة وثقل الطعام على المعدة ، سميت بذلك لأنها تبرد المعدة فلا تستمرئ الطعام.

(ه) وفي الحديث «إنّى لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرْد» أى لا أحبس الرسل الواردين علىّ. قال الزمخشرى : البُرْد ـ يعنى ساكنا ـ جمع بَرِيد وهو الرسول ، مخفّف من بُرُد ، كرسل مخفف من رسل ، وإنما خفّفه هاهنا ليزاوج العهد. والبَرِيد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل ، وأصلها بريده دم ، أى محذوف الذّنب ، لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها ، فأعربت

١١٥

وخفّفت. ثم سمى الرسول الذى يركبه بَرِيداً ، والمسافة التى بين السّكّتين بَرِيداً ، والسكة موضع كان يسكنه الفيوج المرتّبون من بيت أو قبّة أو رباط ، وكان يرتّب في كل سكة بغال. وبعد ما بين السكتين فرسخان وقيل أربعة.

(س) ومنه الحديث «لا تقصر الصلاة في أقلّ من أربعة بُرُد» وهى ستة عشر فرسخا ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع.

(ه) ومنه الحديث «إذا أَبْرَدْتُمْ إلىّ بَرِيداً» أى أنفذتم رسولا.

(ه) وفيه ذكر «البُرْدِ والبُرْدَة» في غير موضع من الحديث ، فالبُرْد نوع من الثياب معروف ، والجمع أَبْرَاد وبُرُود ، والبُرْدَة الشّملة المخطّطة. وقيل كساء أسود مربّع فيه صغر تلبسه الأعراب ، وجمعها بُرَد.

وفيه «أنه أمر أن يؤخذ البُرْدِيّ في الصدقة» هو بالضم نوع من جيّد النمر.

(برر) ـ في أسماء الله تعالى «الْبَرُّ» هو العطوف على عباده ببرّه ولطفه. والبَرّ والبَارّ بمعنى ، وإنما جاء في أسماء الله تعالى البرّ دون البارّ. والبِرّ بالكسر : الإحسان.

ومنه الحديث في «بِرِّ الوالدين» ، وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل ضدّ العقوق ، وهو الإساءة إليهم والتّضييع لحقّهم. يقال بَرَّ يَبَرُّ فهو بَارّ ، وجمعه بَرَرَة ، وجمع البَرّ أَبْرَار ، وهو كثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعبّاد.

ومنه الحديث «تمسّحوا بالأرض فإنها بكم بَرَّة» أى مشفقة عليكم كالوالدة البرّة بأولادها ، يعنى أن منها خلقكم ، وفيها معاشكم ، وإليها بعد الموت كفاتكم.

ومنه الحديث «الأئمة من قريش ، أَبْرَارُهَا أمراء أبرارها ، وفجّارها أمراء فجّارها» ، هذا على جهة الإخبار عنهم لا على طريق الحكم فيهم ، أى إذا صلح الناس وبرّوا وليهم الأخيار ، وإذا فسدوا وفجروا وليهم الأشرار. وهو كحديثه الآخر «كما تكونون يولّى عليكم».

وفي حديث حكيم بن حزام «أرأيت أمورا كنت أَتَبَرَّرُ بها» أى أطلب بها البرّ والإحسان إلى الناس والتقرّب إلى الله تعالى.

وفي حديث الاعتكاف «البِرَّ يُرِدْنَ» أى الطاعة والعبادة.

١١٦

ومنه الحديث «ليس من البِرِّ الصيام فى السفر».

وفى كتاب قريش والأنصار «وأن البِرَّ دون الإثم» أى أن الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر والنكث.

وفيه «الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البَرَرَة» أى مع الملائكة.

(ه س) وفيه «الحج المَبْرُور ليس له ثواب إلا الجنة» هو الذى لا يخالطه شىء من المآثم. وقيل هو المقبول المقابل بالبرّ وهو الثواب. يقال بَرَّ حجّه ، وبُرَّ حجّه وبَرَّ الله حجّه ، وأَبَرَّه بِرّاً بالكسر وإِبْرَاراً.

(ه) ومنه الحديث «بَرَّ الله قسمه وأَبَرَّهُ» أى صدّقه.

(س) ومنه حديث أبى بكر رضى الله عنه «لم يخرج من إلّ ولا بِرٍّ» أى صدق.

ومنه الحديث «أمرنا بسبع منها إِبْرَارُ المقسم».

(س) وفيه «أن رجلا أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّ ناضح آل فلان قد أَبَرَّ عليهم» أى استصعب وغلبهم ، من قولهم أَبَرَّ فلان على أصحابه أى علاهم.

وفى حديث زمزم «أتاه آت فقال احفر بَرَّة» سماها برّة لكثرة منافعها وسعة مائها.

وفيه «أنه غيّر اسم امرأة كانت تسمّى بَرَّةَ فسماها زينب» وقال : تزكّى نفسها. كأنه كره لها ذلك.

(س) وفي حديث سلمان «من أصلح جوّانيّه أصلح الله بَرَّانِيَّه» أراد بالبَرَّانِيِ العلانية ، والألف والنون من زيادات النّسب كما قالوا في صنعاء صنعانىّ. وأصله من قولهم خرج فلان بَرّاً أى خرج إلى البَرِّ والصّحراء. وليس من قديم الكلام وفصيحه.

وفي حديث طهفة «ونستعضد البَرِير» أى نجنيه للأكل. والبَرِير ثمر الأراك إذا اسودّ وبلغ. وقيل هو اسم له في كلّ حال.

(س) ومنه الحديث الآخر «ما لنا طعام إلا البَرِير».

(برز) (ه) في حديث أمّ معبد «وكانت بَرْزَةً تحتبى بفناء القبّة» يقال امرأة بَرْزَة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشّوابّ ، وهى مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدّثهم ، من البُرُوز وهو الظّهور والخروج.

١١٧

(س) ومنه الحديث «كان إذا أراد البَرَازَ أبعد» البَرَازُ بالفتح اسم للفضاء الواسع ، فكنّوا به عن قضاء الغائط كما كنوا عنه بالخلاء ، لأنهم كانوا يَتَبَرَّزُونَ في الأمكنة الخالية من الناس. قال الخطّابىّ : المحدّثون يروونه بالكسر وهو خطأ ، لأنه بالكسر مصدر من المبارزة في الحرب. وقال الجوهرى بخلافه ، وهذا لفظه : البِرَاز المُبَارَزَة في الحرب ، والبِرَاز أيضا كناية عن ثُفْل الغِذاء وهو الغائط ، ثم قال : والبَرَاز بالفتح الفضاء الواسع ، وتَبَرَّزَ الرّجل أى خرج إلى البَراز للحاجة. وقد تكرر المكسور في الحديث.

ومن المفتوح حديث يَعْلَى «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى رجلا يغتسل بِالبَرَازِ» يريد الموضع المنكشف بغير سترة.

(برزخ) ـ في حديث المبعث عن أبى سعيد «في بَرْزَخ ما بين الدنيا والآخرة» البَرْزَخ : ما بين كل شيئين من حاجز.

(ه) ومنه حديث عليّ «أنه صَلَّى بقوم فأسْوَى بَرْزَخاً» أى أسقط في قراءته من ذلك الموضع إلى الموضع الذى كان انتهى إليه من القرآن.

ومنه حديث عبد الله «وسئل عن الرجل يجد الوسوسةَ فقال : تلك بَرَازِخُ الإيمان» يريد ما بين أوّله وآخره. فأوّله الإيمان بالله ورسوله ، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق. وقيل أراد ما بين اليقين والشك. والبَرَازِخُ جمع بَرْزَخ.

(برزق) (ه) فيه «لا تقوم الساعة حتى يكون الناس بَرَازِيق» ويروى بَرَازِق ، أى جماعات ، واحده بِرْزَاق وبَرْزَق. وقيل أصل الكلمة فارسية معرّبة.

(ه) ومنه حديث زياد «ألم تكن منكم نهاة تمنع الناس عن كذا وكذا وهذه البَرَازِيق».

(برس) ـ في حديث الشّعبىّ «هو أحلّ من ماء بُرْس» بُرْس : أجَمَة معروفة بالعراق ، وهى الآن قرية.

(برش) (س) في حديث الطّرمّاح «رأيت جذيمة الأَبْرَش قصيرا أُبَيْرِش» هو تصغير أَبْرَش. والبُرْشَة لون مختلط حمرة وبياضا ، أو غيرهما من الألوان.

١١٨

(برشم) ـ في حديث حذيفة «كان الناس يسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشّرّ فَبَرْشَمُوا له» أى حدّقوا النّظر إليه. والبَرْشَمَة إدامة النظر.

(برض) (ه) فيه «ماء قليل يَتَبَرَّضُهُ الناس تَبَرُّضاً» أى يأخذونه قليلا قليلا. والبَرْض الشىء القليل.

(س) وفي حديث خزيمة وذكر السنة المجدبة «أيبست بَارِضَ الوديس» البَارِض : أوّل ما يبدو من النبات قبل أن تعرف أنواعه ، فهو ما دام صغيرا بَارِض ، فإذا طال تبيّنت أنواعه. والوَدِيس : ما غطّى وجه الأرض من النبات.

(برطش) (ه) فيه «كان عمر في الجاهلية مُبَرْطِشاً» وهو السّاعى بين البائع والمشترى ، شبه الدّلّال ، ويروى بالسين المهملة بمعناه.

(برطل) ـ في قصيد كعب بن زهير :

من خطمها ومن اللّحيين بِرْطِيل

البِرْطِيل : حجر مستطيل عظيم ، شبه به رأس الناقة.

(برطم) (س) في حديث مجاهد «في قوله تعالى (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) ، قال : هى البَرْطَمَة» وهو الانتفاخ من الغضب. ورجل مُبَرْطِم متكبّر. وقيل مقطّب متغضّب. والسَّامِد : الرافع رأسه تكبّرا.

(برق) (ه) فيه «أَبْرِقُوا فإنّ دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين» أى ضحّوا بالبَرْقَاء ، وهى الشاة التى في خلال صوفها الأبيض طاقات سود. وقيل معناه اطلبوا الدّسم والسّمن. من بَرَقْتُ له إذا دسّمت طعامه بالسّمن.

وفي حديث الدجال «إن صاحب رايته في عَجْب ذَنَبِه مثل ألية البَرَق ، وفيه هلبات كهلبات الفرس» البَرَق بفتح الباء والراء : الحمل ، وهو تعريب بره بالفارسية.

(س) ومنه حديث قتادة «تسوقهم النار سوق البَرَق الكسير» أى المكسور القوائم. يعنى تسوقهم النار سوقا رفيقا كما يساق الحمل الظّالع.

١١٩

(ه) وفي حديث عمرو «أنه كتب إلى عمر : إن البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف ، دود على عود ، بين غرق وبَرَق» البَرَق بالتحريك : الحيرة والدّهش.

[ه] ومنه حديث ابن عباس «لكل داخل بَرْقَة» أى دهشة.

ومنه حديث الدعاء «إذا بَرِقَتِ الأبصار» يجوز كسر الراء وفتحها ، فالكسر بمعنى الحيرة ، والفتح من البَرِيقِ : الّلموع.

وفيه «كفي بِبَارِقَةِ السّيوف على رأسه فتنة» أى لمعانها. يقال : بَرَقَ بسيفه وأَبْرَقَ إذا لمع به.

(ه) ومنه حديث عمار «الجنة تحت البَارِقَة» أى تحت السيوف.

وفي حديث أبى إدريس «دخلت مسجد دمشق فإذا فتى بَرَّاق الثّنايا» وصف ثناياه بالحسن والصفاء ، وأنها تلمع إذا تبسّم كالبرق ، وأراد صفة وجهه بالبشر والطّلاقة.

ومنه الحديث «تَبْرُقُ أسارير وجهه» أى تلمع وتستنير كالبرق. وقد تكررت في الحديث.

(س) وفي حديث المعراج ذكر «البُرَاق» وهى الدّابة التى ركبها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الإسراء. سمّى بذلك لنصوع لونه وشدّة بريقه. وقيل لسرعة حركته شبّهه فيهما بالبرق.

وفي حديث وحشىّ «فاحتمله حتى إذا بَرِقَتْ قدماه رمى به» أى ضعفتا ، وهو من قولهم بَرِقَ بصره أى ضعف.

وفيه ذكر «بُرْقَة» ، هو بضم الباء وسكون الراء : موضع بالمدينة به مال كانت صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منها.

(برك) (س) في حديث الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وبَارِكْ على محمّد وعلى آل محمّد» أى أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وهو من بَرَكَ البعير إذا ناخ في موضع فلزمه. وتطلق البَرَكَة أيضا على الزيادة. والأصل الأوّل.

وفي حديث أمّ سليم «فحّنكه وبَرَّكَ عليه» أى دعا له بالبركة.

١٢٠