نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

لم يكن بعد هذه النبوة نبوة فاولى ان تحتاج الامة الى امام معصوم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينفي عن الشريعة الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل فدعوى احتياج الناس الى امام معصوم من مقتضيات حكمة الله في ختم النبوة لا من منافياتها ولم يكن محمد خاتم النبيين الا ليكون اوصياؤه خاتمة الأوصياء واذا اوجب الله الوصية في الكتاب على من ترك مائة درهم مثلا فمن ترك امة عظيمة احرى بان يوصي بها الى من يؤتمن عليها وليس الا المعصوم وليس ذلك لقصور في بيان الكتاب ولا في روح النبوة ولا في التبليغ اما الكتاب الكريم فانه لم يتكفل ببيان جميع تفاصيل الاحكام وان قال الله تعالى انه تبيان لكل شيء لانه لا بد من حمل ذلك على بعض الوجوه مثل ان فيه اصول الاحكام اما تفاصيلها فلا او غير ذلك لما نراه بالبديهة ان جملة من الاحكام او تفصيلها لا يمكن استفادته من الكتاب فهو دال مثلا على وجوب الصلوات الخمس اما ان الظهرين والعشاء اربع ركعات والمغرب ثلاث والصبح ركعتان وان التكفير في الصلاة مستحب او غير مشروع فلا ، وعلى وجوب الزكاة وليس فيه انها في اي شيء وما مقدارها وشرائط وجوبها وليس فيه جميع تفاصيل احكام الحج ولا اشتراط رفع الجهالة في البيع وان ، الربا في اي شيء يتحقق ، ولا ان النكاح يقع بلفظ اعطيت او لا بد من زوجت وانكحت وهكذا جميع الاحكام من الطهارة الى الديات فلا يقال عن هذا انه قصور في بيان الكتاب فان الكتاب لم يرد منه الا هذا المقدار من البيان وأوكل التفصيل الى بيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاختلاف في مسائل الدين كثير من الصدر الاول الى اليوم مع وجود القرآن العظيم وكل يدعي ان الحق معه فظهر ان الكتاب لا يمكن ان يستغنى به وحده ومن زعم ذلك فقد غالط نفسه او حاول العناد. واما انه ليس قصورا في روح النبوة ولا في التبليغ فلانه قد وقع الاختلاف في الاحكام التي بينتها روح النبوة اصولا وفروعا ولم يستلزم ذلك هذا القصور فان المبلغين بالفتح منهم من حفظ ومنهم من نسي وضيع ومنهم من غير كما يشهد بذلك اختلاف الامة المستمر من الصدر الاول الى اليوم وما بعد اليوم فدعوى الحاجة الى امام معصوم ليست طعنا في اصل الدين بل هي دفاع عنه وانما دعوى عدم عصمة الإمام هي الطعن في اصل الدين بان صاحب الشرع والدين ترك الامة سدى لم ينصب لها من يحفظ عليها دينها ورضي لها بنصب من ليس بمعصوم عن الخطأ في امور الدين.

٨١

واما دعواه ان عقيدة انحصار الائمة في عدد قد اضطرت الشيعة الاثني عشرية الى اقوال كلها مستحيلة فكان عليه ان يبين هذه الاقوال لنبين له انها ممكنة واقعة وان غيرها هو المستحيل وانحصار الائمة في عدد قد اخذته الشيعة الاثنا عشرية مما ثبت عن صاحب الرسالة وروته ثقات المسلمين منا ومنكم في الصحاح الستة وغيرها من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الائمة من قريش. يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش او من بني هاشم. من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. دل الحديث الاول والثاني على ان الإمام لا يكون الا قرشيا وعليه اجماع المسلمين والحديث الثالث على انه لا بد ان يوجد واحد منهم في كل زمان والا لكان التكليف بمعرفته تكليفا بغير المقدور وليس في قريش ائمة بهذا العدد وفي كل زمان منهم واحد غير الائمة الاثني عشر. ودل الحديث الرابع على عصمة العترة كالكتاب والا لأمكن ان يكون المتمسك بها ضالا وان العترة لا تفارق الكتاب حتى ورود الحوض. ولا يكون ذلك الا بوجود امام معصوم منها في كل زمان. وليس المراد جميع العترة لوقوع الذنوب من بعضها وللإجماع على ان غيرها ليس بمعصوم. فبان ان انحصار الائمة في عدد محدود ثابت لا مناص منه ولا يمكن ان يضطرنا الى قول مستحيل. وانما القول بعدم انحصار الائمة في عدد قد اضطر غيرنا الى القول بإمامة أمثال يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم والوليد ويزيد صاحب حبابة من بني امية وامثالهم من بني العباس او ان تكون الأمة التي يتغنى بذكرها ويدعي عصمتها ماتت ميتة جاهلية

وقال صفحة (م) التي هي ص ٤٠ : والشيعة بدعواها في الائمة تصغر حق الامة وقوتها غاية التصغير والقرآن الكريم قد رفع ويرفع قدر الامة وقوتها مكانا عليا دونه مكان ادريس ويعلي بشأن الامة وحرمتها درجات دونها كل درجة وقد تلونا من قبل مئات من الآيات تشهد بذلك ونتلو الآن آيات بشرتنا بما ستبلغه الامة بقوتها وعقلها واجتهادها وسعيها في مستقبل الايام. ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله. اي كلمات الله التي ستكتبها الامة تداركا لما كان لنبيها من الامية. ثم كل هذا ليس على مجرد الكلام والكلمات بل

٨٢

منه أيضا ان وجه الحكمة وتامل عجائب الصنعة وادراك اتقان نظام الخلقة لا ينفد. ومن اعجب ما اراه في نسق الآيات ان آية قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي انما إلهكم إله واحد بعد آية قل لو كان البحر مدادا فان النبي جعل نفسه في هذه الآية مثل فرد من امته في تلك الايام فيكون الفرد من امته مثل نبيها.

ونقول ان كانت الشيعة على زعمه بدعواها الحاجة الى امام معصوم تصغر قدر الامة يلزمه هو ان تكون الامة اجمع باتفاقها على الاحتياج الى امام معصوم او غير معصوم قد صغرت حق الامة وقوتها غاية التصغير والقرآن الكريم قد رفع ويرفع قدرها مكانا عليا فوق مكان ادريس عليه‌السلام. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. وبقوله الائمة من قريش قد صغر حق الامة وقوتها غاية التصغير. والامة اذا كانت غير معصومة بالبرهان والوجدان. والغالب عليها الظلم والفساد في كل عصر وزمان فالقول بان الله تركها بدون ان يقيم لها إماما معصوما يفرق بين الحق والباطل ويحكم بينها بالعدل وتركها تقيم لنفسها من هو مثلها في الخطأ وعدم العصمة هو اعظم تصغير لحقها وتهاون بها لو كان هذا الرجل يدري ما يقول. واما قوتها فان نراها قد جعلت باسها بينها فصغرت قوتها. والقرآن الكريم لم يرفع الا قدر المتقين من الامة ولا يعلي الا شأنهم. وقليل ما هم. وقليل من عبادي الشكور. واما من كان بغير هذه الصفة من الامة فالقرآن لا يضعه الا بالموضع الذي وضع فيه نفسه كل ذلك يجري في كل عصر وكل زمان. ودعوى ان جميع افراد الامة او اكثرها بالصفة التي يريدها الله تعالى يكذبها الوجدان والقرآن والآيات الكريمة التي تلاها قد بينا عدم دلالتها على ما يدعي من العموم. وكون المراد بكلمات الله الكلمات التي ستكتبها الامة بخصوصها او مع غيرها لا يساعد عليه دليل بل الظاهران المراد بها ـ والله اعلم ـ آثار قدرة الله كما سمى عيسى عليه‌السلام كلمة الله القاها الى مريم وكما قال : انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ولا ربط لذلك بالامة. والذي قال عنه انه من اعجب ما يراه في نسق الآيات حقيق ان يقال فيه ان من اعجب ما نراه من هذا الرجل حمله آيات الكتاب الكريم على معان لا مساس لها بها. فقوله : انما انا بشر مثلكم اي لست بملك بل بشر مثلكم شرفني الله عليكم بما اوحاه الي من التوحيد فقد جعل نفسه مثل فرد من امته في

٨٣

البشرية لا في غيرها واي فضل في ان يكون الفرد من امته مثل نبيها في البشرية.

وقال في صفحة (لح) كل حادثة اذا وقعت فالامة لا تخلو من حكم حق وصواب جواب يريه الله لواحد من الامة. وقال صفحة (لط) وليس يمكن في العالم نازلة حادثة ليس لها جواب عند الامة.

(ونقول) : لو سلمنا ذلك وانها اذا وقعت حادثة واختلفت الامة في حكمها على قولين او اقوال لا بد ان يكون احدها صوابا فما الفائدة في ذلك والقول الصواب من بينها مجهول وهل يكون ذلك مغنيا عن امام معصوم يبين الصواب.

وشبه في صفحة (لح) كلية العلوم بكلية الصناعات وقال لا يوجد صانع يصنع كل المصنوعات ومعلوم بالضرورة ان الإمام لم يكن يفتي في جميع علوم الدين. ولا يعلم التاريخ إماما له علم يبلغ به الى درجة امام من آحاد ائمة الامة في علم من العلوم.

(ونقول) : الشريعة ليست كلية مدارس ولا كلية صناعات ان هو الا وحي يوحى نزل به جبرئيل على خاتم الأنبياء فهذه الخزعبلات لا تفيد الا التطويل وتضييع الوقت ودعواه الضرورة في ان الإمام لم يكن يفتي في جميع علوم الدين ان تمت فانما تتم في بعض من كانوا في منصب الإمامة اما ائمة اهل البيت فهذه الدعوى فيهم باطلة بالضرورة فقد قال ابو الائمة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام سلوني قبل ان تفقدوني. في الاستيعاب بسنده عن سعيد بن المسيب ما كان احد من الناس يقول : سلوني غير علي بن ابي طالب. وفي الاستيعاب : روى معمر عن وهب بن عبد الله عن ابي الطفيل : شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء الا اخبرتكم. ورواه السيوطي في الإتقان بهذا السند مثله. وروى ابو جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية عن ابن شبرمة : ليس لاحد من الناس ان يقول على المنبر سلوني الا علي بن ابي طالب. وكان باب مدينة علم المصطفى وقد رجع إليه جميع الصحابة في علوم الدين ولم يرجع الى احد وفتاواه العجيبة في مشكلات مسائل الدين مشهورة وفي المؤلفات مذكورة وقد افردت بالتأليف باسم (عجائب قضايا امير المؤمنين علي بن ابي طالب) وقد جمعناها في كتاب وطبعناه وقال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقضاكم علي ، وقول عمر فيه ورجوعه الى

٨٤

قوله معروف مشهور وورث علومه اولاده الائمة واحدا بعد واحد وقد جاء عنه وعن اولاده في علوم الدين والفتاوى في ابواب الفقه من الطهارة الى الديات ما ملأ الطوامير واناف على ما في الصحاح الستة وغيرها بكثير ولا يتسع المقام للإشارة الى جميعها. واين هو الواحد من آحاد الامة الذي لا يبلغه علم امام من ائمة اهل البيت ما هي الا الدعاوي المجردة عن كل مستند كما قال القائل :

وعالم قد جاءنا

يفتي بما لم يخلق

يفتي هنا ويدعي

دليله في الدورق

الامام الباقر عليه‌السلام

قال صفحة (لح) : الباقر كان يدعي ان عنده اصول علم يتوارثه اهل البيت الا انه كان يكنزها كما يكنز الناس الذهب والفضة.

(ونقول) : الباقر لقب بذلك لتوسعه في العلم لقبه به جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وارسل إليه السلام مع جابر بن عبد الله الانصاري واعترف بعلمه الناس كافة وقال ابن حجر في صواعقه : اظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الاحكام واللطائف ما لا يخفى الا على منطمس البصيرة او فاسد الطوية والسريرة ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه. فذكره بهذه العبارة عبارة الاستخفاف ما هو الا عناد للرسول (ص) الذي سماه باقر العلم ، وما ندري الآن صحة ما حكاه عن الإمام الباقر واذا صح لم يكن فيه استغراب ولا استبعاد من قوم هم ورثة علوم جدهم. واذا كان يكنزها عن غير اهلها ويبذلها لاهلها لم يكن في ذلك غرابة.

علوم الائمة عليهم‌السلام

قال صفحة (لط) : والشيعة اذا اتت بما عند الائمة من العلوم تأتي بتفسير الجهد وبما يقوله الناقوس والطبول ثم بغرائب تسميها غرائب العلوم إن دلت على شيء فانما تدل على جهل كاتبيها وقائليها والائمة من كلها بريئة.

(ونقول) : قد ابطل في حصره مرويات الشيعة عن الائمة من العلوم في ذلك. فالشيعة روت عن ائمة اهل البيت في انواع العلوم ما لا يحصى. فروت عنها في

٨٥

التفسير. والكلام والجدل والاحتجاج. والتوحيد. واصول الفقه. والمواعظ والحكم والآداب والفقه من الطهارة الى الديات وغير ذلك ما جمع في مجلدات كثيرة العدد ضخمة الحجم جمة الفوائد ، فرووا عن علي امير المؤمنين كتابا املى فيه ستين نوعا من علوم القرآن ، ورووا عن الباقر كتابا في التفسير واشار إليه ابن النديم في فهرسته والامام الصادق رووا عنه في انواع العلوم ما ملأ الخافقين وروى عنه راو واحد وهو ابان بن تغلب ثلاثين الف حديث ، والامام الحسن العسكري رووا عنه كتابا في التفسير واشتملت كتب التفسير للشيعة كمجمع البيان والتبيان المطبوعين وغيرهما وتوحيد المفضل المطبوع المروي عن الصادق هو احسن كتاب في رد الدهرية وكذلك توحيد الصدوق المطبوع المروي عن ائمة اهل البيت ، وكتاب الاهليلجة في الكلام مروي عن الصادق موجود في البحار. وكتاب تحف العقول المطبوع جمع علي بن شعبة الحلبي في مواعظهم وحكمهم وآدابهم التي هي كنوز لا تنفد ، والجزء السابع عشر من البحار كذلك ، ونهج البلاغة معروف ، وغرر الحكم ودرر الكلم جمع الآمدي مشهور مطبوع ، ونثر اللآلئ جمع الطبرسي صاحب مجمع البيان مطبوع كلاهما من كلام امير المؤمنين علي عليه‌السلام ، ورسالة الحقوق لزين العابدين جمعت ادب الدنيا والدين مطبوعة واستقصاء ما اثر عنهم ان ذلك لا يسعه المقام وما روي عنهم في الفقه كتب كثيرة كل منها في مجلدات ضخمة وقد فصلها صاحب الوشيعة في موضع آخر وهنا يقول : الشيعة اذا اتت بما عند الائمة من العلوم تأتي بتفسير ابجد «الخ» هذا انصافه ومعرفته. وهذا الكلام منه ان دل على شيء فانما يدل على جهل قائله او على عناده وتمحله. ما رووه عنهم في غرائب العلوم كتفسير ابجد وامثاله ليس بمستغرب ولا مستبعد واذا لم توجد غرائب العلوم عندهم فعند من توجد وهم وحدهم وارثو جميع علوم جدهم جامع العلوم والغرائب. مع ان ذلك ان صح أم لم يصح لا يعد عيبا فكم في كتب غيرهم مما يشبه ذلك كخبر الجساسة المروي في صحيح مسلم وامثاله. روى الامام احمد في مسنده بسنده عن زر بن حبيش : تسحرت ثم انطلقت الى المسجد فمررت بمنزل حذيفة بن اليمان فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال ادن فكل فقلت اني اريد الصوم فقال وانا اريد الصوم فأكلنا وشربنا ثم اتينا المسجد فاقيمت الصلاة ثم قال حذيفة هكذا فعل بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٨٦

قلت أبعد الصبح قال نعم هو الصبح غير ان لم تطلع الشمس قال وبين بيت حذيفة وبين المسجد كما بين مسجد ثابت وبستان حوط وقال حذيفة هكذا صنعت مع النبي وصنع بي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وبسنده عن حذيفة : كان بلال يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتسحر واني لا بصر مواقع نبلي قلت أبعد الصبح قال بعد الصبح الا انها لم تطلع الشمس. وبسنده عن عاصم : قلت لحذيفة اي ساعة تسحرتم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هو النهار الا ان الشمس لم تطلع. وبسنده عن زر بن حبيش قلت يعني لحذيفة يا أبا عبد الله تسحرت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال نعم قلت أكان الرجل يبصر مواقع نبله قال نعم هو النهار الا ان الشمس لم تطلع. فما رأي صاحب الوشيعة في هذه الاخبار أهي اعجب أم تفسير أبجد؟!.

هشام بن الحكم وعمرو بن عبيد

قال صفحة (لط) تقول الشيعة ان الحواس والجوارح قد تغلط وتحتار والله قد جعل القلب لها إماما به يندفع شكها وغلطها واحتياج الناس الى امام يندفع به الحيرة الزم واحكم فمن جعل للحواس إماما لا يترك الناس بلا امام. تقول الشيعة ان هشام ابن الحكم افحم بهذه الحجة عمرو بن عبيد وهذه مغالطة وان افتخرت بها الشيعة فان الله لم يترك يوما من الايام امة من الامم سدى بل جعل لها من ابنائها ائمة ثم جعل لها عقلا يهديها (إلى آخر نغمته السالفة التي كررها عشرات المرات). العقل العاصم فوق الامام في العصمة ، الامة بعد ان بلغت وصارت رشيدة ببركة الرسالة وختمها عقلها ورشدها يغنيها عن إمام بل هي الامام وابناؤها بعقولها ائمة.

ايها الغران خصصت بعقل

فاسألته فكل عقل نبي

(ونقول) : لا بد أولا من نقل خبر هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد الذي اشار إليه لتكون على بصيرة منه ثم بيان فساد ما تعقبه به. روى الكليني في الكافي والطبرسي في الاحتجاج بالاسناد عن يوسف بن يعقوب قال كان عند ابي عبد الله جماعة من اصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال ابو عبد الله يا هشام قال لبيك يا ابن رسول الله قال الا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته (الى ان قال) قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة

٨٧

وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة واتيت مسجد البصرة فاذا بحلقة كبيرة واذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتديها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فافرجوا لي فقعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثم قلت ايها العالم انا رجل غريب أتأذن لي فأسألك عن مسألة قال اسأل قلت له ألك عين قال يا بني اي شيء هذا من السؤال فقلت هذه مسألتي فقال يا بني سل وان كانت مسألتك ، حمقاء قلت اجبني فيها فقال لي سل فقلت ألك عين قال نعم قلت فما ترى بها قال الالوان والاشخاص ، قلت ألك انف قال نعم قلت فما تصنع به قال اشم به الرائحة ، قلت ألك لسان قال نعم قلت فما تصنع به قال اتكلم به ، قلت ألك اذن قال نعم قلت فما تصنع بها قال اسمع بها الاصوات قلت ألك يدان قال نعم قلت فما تصنع بها قال ابطش بهما واعرف بهما اللين من الخشن قلت ألك رجلان قال نعم قلت فما تصنع بهما قال انتقل بهما من مكان الى مكان قلت ألك فم قال نعم قلت فما تصنع به قال اعرف به المطاعم على اختلافها قلت أفلك قلب قال نعم قلت فما تصنع به قال اميز به كلما ورد على هذه الجوارح ، قلت أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب قال لا قلت وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة قال يا بني ان الجوارح اذا شكت في شيء شمته او رأته او ذاقته ردته الى القلب فتيقن بها اليقين وابطل الشك قلت فانما أقام الله عزوجل القلب لشك الجوارح قال نعم ، قلت لا بدّ من القلب والا لم تستيقن الجوارح قال نعم ، قلت يا أبا مروان الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتقي ما شكت فيه ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك فسكت ولم يقل لي شيئا ثم التفت الي فقال انت هشام قلت لا فقال لي جالسته فقلت لا قال فمن اين انت؟ قلت من اهل الكوفة قال فانت إذا هو ، ثم ضمني إليه واقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت فضحك ابو عبد الله ثم قال يا هشام من علمك هذا قلت يا ابن رسول الله جرى على لساني أه. فهشام ان قال بان القلب كالإمام للجوارح فهو قد اتى بشيء واضح يفهمه كل من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد وليس هو امرا يختلف فيه ذوو العقول حتى يقال فيه تقول الشيعة كذا بل ابداء امر يفهمه كل ذي لب وفهم. ولكن من اخذ

٨٨

على نفسه الشغب في كل شيء فهو يشاغب حتى في البديهيات والمحسوسات وليست المسألة مسألة افتخار ومفاخرة بل مسألة ادلة وبراهين وزعمه انها مغالطة هو اقل وافسد من ان يسمى مغالطة فهشام قد الزم عمرو بن عبيد بما لا مناص منه فلذلك سكت ولم يتكلم حتى قام هشام وقد كان عمرو واحد عصره في قومه ولا يصل صاحب الوشيعة الى ادنى درجاته فلو رأى ان في كلام هشام شيئا من المغالطة لما سكت وصاحب الوشيعة يعترف بأن الله لم يترك الامة سدى لكنه يدعي انه جعل لها ائمة من ابنائها ونحن نسأله عن هؤلاء الائمة فان كانوا منزهين عن الخطأ فهو ما نقوله وان لم يكونوا فالاعمى لا يهدي اعمى والمخطئ لا ينقذ من الخطأ بل يوقع فيه وكلماته التي كررها في عصمة الامة وابنائها قد بينا سابقا سخافتها وانه لا محصل لها والاحكام الشرعية يجب اخذها من صاحب الشرع فقط ولا تصل إليها العقول.

ايها الغر إن خصصت بعقل

فاسألته فكل عقل نبي

فهو ينبيك ان عقلك عن اد

راك حكم الإله ناء قصي

قال صفحة (م) التي هي ص ٤٠ رأيت في كتب الشيعة بيانات لائمة الشيعة لو تركوها مكنوزة مكتومة لكان احسن واستر اذ ليس في ظهورها الا شيوع الجهل ـ جهل الإمام بالقرآن ـ وحكت كتب الشيعة كلمات جرت بين الصادق وابي حنيفة لو صدقت لدلت على جهل الصادق جهلا لا ينفع فيه التعليم أه. ولم يذكر تلك البيانات ولا تلك الكلمات.

(ونقول) : كلامه هذا لو تركه مكتوما لكان احسن له واستر اذ ليس في ظهوره الا شيوع جهله فالصادق عليه‌السلام امام اهل البيت في عصره والقرآن نزل في بيت جده وأخذ علوم القرآن بواسطة آبائه عن جده عن جبرئيل عن الله تعالى وشيعته اخذت عنه ما رواه الثقات عن الثقات. وهو قد احال على مجهول ولو ذكر تلك البيانات لبينا له انه هو الجاهل بالقرآن وعلومه.

بين الصادق وابي حنيفة

والكلمات التي جرت بين الصادق وابي حنيفة معلومة مشهورة حكتها كتب من تسموا باهل السنة كما حكتها كتب الشيعة ولم تقتصر حكايتها على كتب الشيعة

٨٩

وحدها وهي صادقة بينة تدعمها الحجة والبرهان وانكاره صدقها يدل على جهله جهلا لا ينفع فيه التعليم وعناده عنادا حاد به عن الطريق المستقيم. فممن رواها من السنيين الحافظ ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء ومن الشيعة الشيخ ابو جعفر الطوسي في أماليه وغيرهما بسنديهما انه دخل ابن ابي ليلى وابو حنيفة على جعفر بن محمد فقال لابن ابي ليلى من هذا معك قال هذا رجل له بصر ونفاذ في امر الدين قال لعله يقيس امر الدين برأيه قال نعم فقال جعفر لابي حنيفة هل قست رأسك بعد هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الاذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين قال لا فبين له وجه الحكمة في ذلك بما يطول الكلام بذكره فليطلب من محله ثم قال حدثني ابي عن جدي ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال اوّل من قاس امر الدين برأيه ابليس قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، وروى ابو نعيم في الحلية بسنده عن عبد الله بن شبرمة : دخلت انا وابو حنيفة على جعفر بن محمد وذكر مثله وزاد ابن شبرمة ثم قال جعفر ايهما اعظم قتل النفس او الزنا قال قتل النفس قال فان الله عزوجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا الا أربعة ثم قال ايهما اعظم الصلاة أم الصوم قال الصلاة قال فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، وفي رواية الطوسي في أماليه : ثم قال البول اقذر أم المني قال البول قال يجب على قياسك ان يجب الغسل من البول دون المني وقد اوجب الله الغسل من المني دون البول. ثم قال ما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان ايهما في رأيك المالك وايهما المملوك وايهما الوارث وايهما الموروث ، ثم قال فما ترى في اعمى فقأ عين صحيح واقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد. ثم قال فانت الذي تقول سانزل مثل ما انزل الله قال اعوذ بالله من هذا القول قال اذا سئلت فما تصنع قال اجيب من الكتاب أو السنة أو الاجتهاد قال اذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله قال نعم قال وكذلك وجب قبول ما انزل الله فكأنك قلت انا انزل مثلما انزل الله. وفي كنز الفوائد للكراجكي ذكروا ان أبا حنيفة اكل طعاما مع جعفر بن محمد فلما رفع جعفر يده من اكله قال الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك ومن رسولك فقال ابو حنيفة يا أبا عبد الله أجعلت مع الله شريكا فقال له ان الله

٩٠

يقول في كتابه (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) ويقول (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) فقال ابو حنيفة والله لكأني ما قرأتهما قط ولا سمعتهما الا في هذا الوقت.

في تاريخ الإسلام أمران أمران قتل عثمان وقتل الحسين

قال صفحة (ك) وقع في تاريخ الإسلام أمران أمران كل منهما أمر من الآخر لا ندري ايهما افجع واشد وقعا واذهب بالدين والشرف (الاول) قتل الامام عثمان في الحرم النبوي وهو خليفة رسول الله في الرسالة المحمدية ورئيس الامة في الدولة الاسلامية رابع الامة في اقامة الدين وثاني الامة في المصاحف وفتوحات المؤمنين. واهل الثورة فئة حقيرة بطرت معيشتها فبغت وثارت بغيا وتمردا وقوة الدولة هم الانصار والمهاجرون وعلي على رأسهم بالمدينة وكليمة همس من علي او اشارة لمح من صاحب ذي الفقر تكفي في طرد الفئة الثائرة من ارض الدولة وتكفي الاسلام الخزي والسوء بايدي اعدائه. اهين الإسلام واهينت كل حرماته بايدي فئة باغية حقيرة وقوة الدولة هم الانصار والمهاجرون بالمدينة لم اجد في هذا الامر عذرا لاحد كلا لا وزر ينجي من عزمات اللوم من حضر. وقال في صفحة (م) ان في تاريخ الإسلام أمرين أمرين لا يدري ايهما اكبر خزيا ولا اشد سوءا (اولهما) شهادة خليفة الإسلام في ايدي فئة حقيرة باغية وقوة الدولة الإسلامية حاضرة قوية كانت متمكنة من دفعها ولم تدافع. وقال صفحة (ب س) الفئة التي ثارت على عثمان اثارتها دعاة ماكرة كابن سبأ او مغفلة كأبي ذر فانه كان يذكي نيران هذه الفتنة بنظره القاصر هو وان اشتهر بالزهد والورع والتقوى فقد اثر فيه دعوة اهل المكر فافتتن بها فكان آلة عمياء ولم يكن يعلم ان عثمان اعلم منه واورع وازهد واتقى وانصح للدين والامة ثم ذكر صفحة (ب س) ما نقمة الناس على عثمان ثم ذكر مقتله صفحة (ج س) فقال قتلوه شر قتلة ثم تركوا جنازة الإمام جيفة محتقرة وقوة الدولة وقوة الإسلام حاضرة ناظرة خاذلة تصلي الجمعة ـ والفرض تلك الساعات غيرها ـ اقول مثل هذه الاقاويل الشنيعة مضطرا اذ لم اجد لفاجعة الإمام ذي النورين عثمان من عذر وقد ثبت في

٩١

كتب الاحاديث والاخبار ان عثمان استنصر عليا ومعاوية قال العباس لعلي اني ارى ان عثمان قد اخذ في امور والله لكاني بالعرب قد سارت إليه حتى ينحر في بيته وان كان ذلك وانت بالمدينة لزمك الناس به ولم تنل من الامر شيئا الا من بعد شر لا خير معه فوقع كل ما انذر به وكنت اظن ان عليا كان متمكنا تمام التمكن من دفع الفتنة ولم يكن له ان يعتزل ولم يكن له عذر ابدا في الاعتزال واعتزاله هو الذي فتح ابواب الشرور بعده وآثار كل حروبه حتى ان شهادة الحسين قد عدها العدو يوما بيوم

(ونقول) في كلامه مواقع للنظر والنقد (أولا) انه وقع في تاريخ الإسلام امور وامور كل منها إمر وكلها مر ومآسي محزنة وفظائع مخزية وبعضها كان هو السبب في هذين الامرين فاقتصاره على امرين ليس بصواب وابتدأت تلك الامور من زمن حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال في بعضها يوم الغميصاء اللهم اني أبرأ أليك مما فعل خالد ثلاثا وبعضها في غزوة تبوك حين حاول المنافقون الفتك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرفهم حذيفة وكان حذيفة اعرف الناس بالمنافقين وبعضها في مرضه حين طلب الدواة والكتف وحين امر بتنفيذ جيش اسامة وبعضها بعيد وفاته حين قتل مالك بن نويرة وجرى لا مرأته ما جرى واختلف رأي الخليفة وبعض اكابر الصحابة في القاتل والفاعل.

وحدثت امور اخر خلال تلك المدة كل منها إمر مر نضرب عن ذكرها صفحا ونطوي دونها كشحا. ثم حصلت فتنة قتل الخليفة الثالث التي سببها امور جرت قبلها كل منها إمر مر لا حاجة الى شرحها لاشتهارها. ثم حرب الجمل طلبا بثأر الخليفة والطالبون بثأره هم القاتلون في الحقيقة وأي أمر إمر اعظم من يوم الجمل وافظع قتلت فيه الالوف من المسلمين لما ذا ونتفت فيه شعور اللحى والشوارب والاجفان والحواجب واتي برجال عبد القيس يجرون كالكلاب فيقتلون لا لذنب. ثم حرب صفين وحق ان يقال فيه إنه امر إمر وسبب هذين الحربين الخطأ في الاجتهاد لا حب الدنيا فنشأ من هذا الاجتهاد المخطئ قتل الالوف من المسلمين ونهب الاموال وضعف شوكة الإسلام وتمكن الضغائن والاحقاد في النفوس وتشتت امر المسلمين وتفرقهم شيعا ومذاهب وجعل بأسهم بينهم. ومسببو هذه الفظائع معذورون ومثابون مأجورون. ثم امر الحكمين وهو امر إمر مر ومنه نشأت فتنة

٩٢

الخوارج التي سفكت فيها الدماء واستحلت الاموال وانتهكت الاعراض وقتل بسببها خليفة المسلمين علي بن ابي طالب واستمرت بلواها وحروبها في دول الإسلام قرونا كثيرة واثر محنتها باق الى اليوم وارسل صاحب الشام بسر بن ارطاة يغير على بلاد المسلمين مكة والمدينة حرم الله وحرم رسوله واليمن يقتل الرجال ويذبح الاطفال وينهب الاموال ويسبي النساء ثم كانت وقعة كربلاء. ثم وقعة الحرة التي قتل فيها المهاجرون والانصار وابناؤهم وابيحت مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا حتى ولد مئات من الاولاد لا يعرف لهم اب وكان الرجل من اهل المدينة اذا اراد ان يزوج ابنته لا يضمن بكارتها يقول لعله اصابها شيء يوم الحرة وبويع المهاجرون والانصار وابناؤهم على انهم عبيد رق ليزيد بن معاوية ان شاء استرق وان شاء اعتق ومن ابى ضربت عنقه. أفليس هذا امرا إمرا في نظر صاحب الوشيعة واي أمر إمر افظع منه وافجع واشنع ثم جاءت دولة بني مروان فكان فيها كل أمر إمر مما شاع وذاع وحفظه التاريخ سلط عبد الملك بن مروان الحجاج على الحجاز ثم على العراق فهدم الكعبة المعظمة وختم على ايدي المهاجرين والانصار واعناقهم كما يفعل بالروم وكان يحبس الرجال والنساء في مكان واحد في سجن ليس له سقف ووجد في سجنه بعد هلاكه ألوف مؤلفة لا يعرف لهم ذنب وفعل بنو ابيه بعده الافاعيل وعملوا الاعمال الشنيعة مما هو معروف مشهور كصاحب حبابة والوليد رامي القرآن بالسهام وغيرهما ممن يحملون لقب الخلافة وإمرة المؤمنين. ولم تكن الدولة العباسية في قبح افعالها بأقل من الدولة الاموية بما فعلوه مع العلويين وغيرهم حتى بنوا عليهم الحيطان احياء وهدموا عليهم سقوف الحبوس الى غير ذلك مما هو مشهور معروف واشرنا الى بعضه في غير هذا المكان ، وارسل السفاح اخاه يحيى عاملا على الموصل فقتل منهم احد عشر الفا من العرب ومن غيرهم خلق كثير في المسجد بعد ما اعطاهم الامان وسمع في الليل بكاء نسائهم واطفالهم فامر بقتلهن فقتلن مع الاطفال وكان معه أربعة آلاف زنجي فاخذوا النساء قهرا كما في تاريخ ابن الاثير. وآل الامر ببعض من تسمي باسم الخلافة وإمرة المؤمنين منهم ان جعل يستهزىء بامير المؤمنين علي بن ابي طالب ويسخر منه في مجالسه وحرث قبر الحسين ومنع من زيارته والملقب بالقاهر منهم علق أم الخليفة الذي كان قبله وهي مريضة برجل واحدة وضربها بيده في المواضع الغامضة

٩٣

ليستخرج منها الاموال. هذه نبذة مما وقع في تاريخ الإسلام من الامور التي كل منها إمر ومر. وهناك غيرهما مما ينبو عنه الحصر فهي مئات وألوف لا امران فقط.

(ثانيا) كلامه هنا ينافي ويناقض ما سلف منه بقوله انه في العصر الاول وعهد الخلافة الراشدة كان المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض قد الف الله بين قلوبهم فانا نرى المؤمنين في العصر الاول وعهد الخلافة الراشدة كانوا بالنسبة الى الخليفة الثالث ـ وهم في عصر الخلافة الراشدة ـ بين قاتل وخاذل وقد اعترف بذلك صاحب الوشيعة في قوله وقوة الدولة هم المهاجرون والانصار بالمدينة وقد ذهب حواري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّ المؤمنين والمؤمنات من المدينة الى مكة والخليفة محصور لم يدفعوا عنه ولم يدافعوا ثم قاموا يطلبون بثاره ممن دفع ودافع جهده.

(ثالثا) الم يكن من المؤمنات أمّ المؤمنين التي كانت تقول في الإمام المحرم عثمان خليفة رسول الله ورئيس الامة ما تقول حتى قال لها ابن أم كلاب ما مر من الشعر وغيره. وتنصب قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول ما نقول أكان هذا من الولاية بين المؤمنين والمؤمنات والتآلف بين القلوب.

(رابعا) نراه قد انحى باللائمة من طرف خفي على علي بقوله وكليمة همس من علي او اشارة لمح من صاحب ذي الفقار «الخ» بل جاهر بذلك واظهر بقوله لم اجد في هذا الامر عذرا لاحد الخ. ونرى ان كلمات اجهار واعلان من علي لم تكن لتكفي في اقل من هذا حينما كان علي ينصح للخليفة الثالث ويصلح الامور ومروان يفسدها. ولو كانت كليمة همس او اشارة لمح من صاحب ذي الفقار تكفي في اخماد ثورة لكفت في غيرها مما تقدمها من الامور التي جرت على علي مما لسنا بحاجة الى بيانه لظهوره واشتهاره ولو كان لذي الفقار عمل لعمله يومئذ.

(خامسا) ان عليا حامى عن الخليفة الثالث جهده فيما رويتم وارسل ولديه لحمايته ولنا ان نعذره في سكوته لانفراده كما سكت فيما سبق له من المقامات التي كان عليه ان ينتصر فيها لنفسه ويطالب بحقه فسكت لفقد الناصر الا قليلا ضن بهم وبنفسه عن القتل ولو رام خلاف ذلك لا صابه ما اصاب الخليفة الثالث ولكن باقي المهاجرين والانصار كانوا اقل عذرا من علي في قعودهم وسكوتهم وخروج بعضهم من المدينة والخليفة محصور الى مكة وغيرها والله تعالى اعلم بعذرهم. وابن عمه

٩٤

صاحب الشام كانت له قوة ومنعة وجنود وعدة وقد استغاث به فلم يغثه وارسل جيشا وامرهم بالبقاء في وادي القرى حتى يأتيهم امره فبقوا هناك حتى قتل فدخلوا كما ذكره المؤرخون وهذا عذره في خذلان ابن عمه ظاهر فانه اراد ان يستغل قتله ليلصقه بغيره وتتم له الإمرة ولو لا ذلك لما تمكن من حرب علي ومنابذته والصاق قتله به وتحريك حوارها لها لتحن وقد تم له ذلك.

(سادسا) : ما قاله يبطل القول بعدالة جميع الصحابة الذين كانوا في ذلك العصر بتهاونهم في نصر عثمان واشتراك بعضهم في حصره حتى قتل فحصل للإسلام الخزي والسوء واهين الاسلام واهينت كل حرماته وشملهم اللوم ولم يكن لأحد منهم عذر إلا الاجتهاد المصطنع.

(سابعا) مر منه مكررا مؤكدا ان الأمة معصومة قد بلغت رشدها فهل كان قتل الإمام المحرم ثالث الخلفاء وقتل الحسين سيد الشهداء وما تقدم ذلك وتخلله من الفتن والفظائع من آثار عصمة الأمة وبلوغها رشدها.

(ثامنا) قوله اثارتها دعاة ماكرة كابن سبأ سيأتي عند ذكر الأمر الثاني بيان ان ابن سبأ أقل واذل من ذلك ومن هو الذي أثارها.

(تاسعا) قد قال فيما يأتي انه يعد من لغو الكلام وسقطه القول فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة وتراه يقول ويبسط لسانه فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة وينسى ما قاله قبل اسطر فينسب أبا ذر الى انه مغفل قاصر النظر ولذلك كان يذكي فتنة قتل الخليفة وانه افتتن بدعوة أهل المكر فكان آلة عمياء وان عثمان اعلم منه واورع وازهد واتقى وانصح للدين وللأمة فهو قد قال فيما جعل القول فيه من لغو الكلام وسقطه وادخل نفسه في الحكم بين اكابر الصحابة ابي ذر والخليفة واين هو من ذلك وفضله عليه بالعلم وعلي يقول في ابي ذر انه حوى علما جما فأوكأ عليه وفضله عليه في باقي الصفات والوجدان يكذبه واساء الأدب بهذه الألفاظ الخشنة الجافية التي هي به أليق في حق من قال فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء على ذي لهجة اصدق منه ، وقال فيه الوصي ما سمعت وهو من اهل العصر الأول افضل العصور عنده وخير امة اخرجت للناس.

٩٥

(عاشرا) قوله قتلوه شر قتلة «الخ» هذا أيضا قد خالف فيه ما قاله قبل اسطر من انه يعد من لغو الكلام وسقطه القول فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة ونراه قد قال فيه بملء فيه. وطالما تغنى بأن الأمة معصومة راشدة رشيدة ، وان قرن الخلافة الراشدة خير القرون أفكان قتل الامام شر قتلة وترك جنازته جيفة محتقرة من آثار عصمة الأمة ورشدها ورشادها.

(حادي عشر) : قوله ثبت ان الخليفة استنصر عليا ومعاوية كأنه يريد بذلك ان ينحي باللوم على علي ولكنه اشرك معه معاوية وشتان بين علي ومعاوية في ذلك فعلي نصره جهده ودافع عنه بنفسه وولده ولم يكن متمكنا من دفع القتل عنه ولا من دفنه فإن الحاضرين قد منعوا من دفنه حتى دفن بالليل سرا في بعض البساتين. اما معاوية فأرسل جيشا حين استنصره عثمان وامرهم بالبقاء في وادي القرى فبقوا حتى قتل عثمان ثم جعل ذلك حجة ووسيلة لنيل ما اراد فقام يطالب عليا بثأره.

(ثاني عشر) كأن ما اشار به العباس هو الذي دعاه الى ان يقول فيما يأتي عند ذكر الشورى : كان العباس انفذ نظرا واقوى حدسا يرى الأمور من وراء الستور واذا كان نظر العباس وحدسه كذلك فهو قد رأى ان الخليفة اخذ في امور يحلف على ان العرب ستسير إليه فتنحره في بيته لا جلها وهو يدل على ان الأمر قد كان متفاقما لا حيلة فيه لعلي ولا لغيره إلا بالإقلاع عن تلك الأمور. ثم لا يخفى ان هذا التعليل الذي علل به العباس لزوم خروج علي من المدينة عليل ـ ان صح انه قاله ـ فمعاوية الذي جهد في الصاق قتل عثمان بعلي ـ وهو يعلم براءته منه ـ ليتم له ما اراد لا يصعب عليه ان يقول لعلي خذلته ودسست الرجال ليقتلوه وفارقته وهو محصور لم تدفع عنه فكان خروجه من المدينة اقرب الى دعوى الخذل وبقاؤه أقرب الى النصر وقد دافع وحامى جهده واصلح الأمور بين عثمان والثائرين عليه مرارا ومروان يفسدها ومع ذلك الصق به معاوية تهمة خذل عثمان.

(ثالث عشر) : ظنه ان عليا كان متمكنا من دفع الفتنة الى آخر ما قاله حقيق ان يقال فيه :

ان بعض الظن اثم

صدق الله تعالى

٩٦

وهو ينافي ما ذكره سابقا من براءة علي من دم عثمان. والذي نعتقده ونجزم به ان عليا لم يكن متمكنا من دفع الفتنة لا تمام التمكن ولا بعضه وحاشاه ان يتمكن من دفع فتنة كهذه ولا يدفعها وانه لم يعتزل ولم يتهاون زنة ذرة ولكنه كان يصلح الأمور ويفسدها مروان كما مر وقد فصلته كتب التواريخ والآثار ولما حوصر الخليفة لم يكن باستطاعته ان يفعل اكثر مما فعل وليس اعتزاله فتح ابواب الشرور لأنه لم يعتزل ولكن عزله عن الأمور هو الذي فتح ابواب الشرور في عصره وبعده وآثار كل حروبه وشهادة الحسين عدها العدو يوما بيوم بدر وان اظهر انها بيوم قتل الخليفة وشهادة الحسين لم تكن بيد من قتله بل بيد من مكنه ومهد له :

سهم اصاب وراميه بذي سلم

من بالعراق لقد ابعدت مرماك

قال صفحة (س د) ارتقى علي ـ وهو اعلم من في زمنه ـ وافضل الصحابة بعد الثلاثة ـ عرش الخلافة بعد ان جعلت شهادة الخليفة كل الامة الاسلامية هائجة ثائرة ، وبعد ان لم يبق للخلافة من ورعة وجلال وللإمام من قول يطاع فاضطرب كل اموره ولم يصف له ثانية من يومه وليله ـ وامرأة من بني عبس ردت عليه وهو يخطب في منبر الكوفة فقالت ثلاث بلبلن القلوب عليك : رضاك بالقضية واخذك بالدنية وجزعك عند البلية ، بدوية تجترىء بمثل هذه الكلمات على الإمام وهو يخطب في منبر الكوفة ولا ينكر عليها احد ثم يفحم الإمام ويسكت كل ذلك يشهد على اضطراب امره ولم يكن هذا العيب في علي وقد حكى القرآن الكريم امثاله لأولي العزم من الرسل وإنما هو امر قضاه الله وقدره صرفا للأمر عن أهل البيت به أتى تأويل انت مني بمنزلة هارون من موسى وبه ينهار ما تقولته الشيعة الامامية في الأمة.

(ونقول) : أولا ـ الصواب انه اعلم الناس بعد ابن عمه كلهم لأنه باب مدينة علمه وكان الصحابة يرجعون إليه ولم يرجع الى احد وانه افضل الصحابة كلهم لامتيازه عنهم في جميع الصفات التي بها يكون استحقاق الفضل وذلك ملحق بالبديهيات لو لا التقليد والعناد.

(ثانيا) ان الأمة كانت هائجة ثائرة في زمن الخليفة نقمة عليه وان شهادته لم

٩٧

تجعل الامة الاسلامية هائجة ثائرة. ولو كان كذلك لنصرته هذه الأمة ـ المعصومة عند التركستاني ـ وقد بقي محصورا مدة طويلة لم ينصره فيها إلا من طولب بدمه وان الذي هيج جماعة من الأمة وأثارها على علي بعد مقتل عثمان هو جلوس علي عرش الخلافة حسدا له وحبا بالأمارة وحطام الدنيا لا شهادة الخليفة فقالت من لها المكانة في الإسلام لما بلغها قتله ايها ذا الأصبع تعني ابن عمها طلحة تتمنى له الخلافة فلما بلغها ان عليا بويع بالخلافة قالت وددت ان هذه انطبقت على هذه ـ السماء على الأرض ـ ولم يكن هذا الأمر راجع الطبري وابن الأثير. وخرج اصحاب الجمل الى البصرة ليهيجوا الناس ويثيروهم على علي بحجة الطلب بدم الخليفة وهيج صاحب الشام اهلها وآثارهم على علي بحجة الطلب بدمه وكلهم يعلمون انه بريء من دمه وانهم هم الذين خذلوه والبوا الناس عليه وان الخلافة لم يبق لها روعة وجلال قبل شهادته وعادت الى روعتها وجلالها بعد بيعة علي الذي رد على الناس ما كان من القطائع ونشر العدل والمساواة بينهم. واذا اردت ان تعرف ذلك فانظر الى صفة دخول علي البصرة في مروج الذهب وان اقواله كانت مطاعة واصحابه اطوع له من يده واتبع له من ظله وبما ذا قاد الجيوش الجرارة لحرب الجمل وصفين أبالطاعة أم بالمعصية؟ وكان في عسكره اعلام الصحابة وجل المهاجرين والانصار ووجوههم واستوسقت له الامور واستقامت وصفت لو لا الناكثون والقاسطون والمارقون. نقول هذا لا بطال ما يريد ان يرتبه على كلامه من ان اضطراب امره لأن الله صرف الأمر عن اهل البيت.

(ثالثا) استشهاده بكلام المرأة العبسية التي يظهر انها من الخوارج ـ ان صح ذلك ـ لا شاهد فيه وهو من السخافة بمكان وان دل على شيء فإنما يدل على حلمه لا سيما عن النساء وكذلك سكوت اصحابه كان ترفعا وتأدبا. وقوله ثم يفحم الامام ويسكت مما يضحك الثكلى فالإفحام الإتيان بما يعجز المخاطب عن جوابه كقول تلك المرأة للخليفة حين اعلن عن رد الزيادة في المهر الى بيت المال فردت عليه بآية وان آتيتم احداهن قنطارا فقال كل الناس افقه منك حتى المخدرات اما هذه فجوابها واضح لكل احد. وقوله بدوية تصغيرا لامرها مع ان المرأة العربية سواء أكانت بدوية أم حضرية تجترىء وتبين عن مرادها ببلاغة وفصاحة. وقوله تجترىء

٩٨

بمثل هذه الكلمات تعظيما للأمر وليس في هذه الكلمات ما يوجب ذلك لكنه اراد بالتصغير والتعظيم زيادة الإيهام في اضطراب الأمر وهو كما عرفت والله تعالى لم يصرف الأمر عن أهل البيت بل جعله لهم وجعله حقهم دون غيرهم وإنما صرفه عنهم الناس ولم يضرهم ذلك ولم يعبهم فهم ائمة الخلق ان قاموا وان قعدوا وان ظهروا وان استتروا وان تكلموا وان سكتوا وستعرف ان حديث المنزلة لا مساس له بذلك وانه دال على الإمامة باوضح دلالة والشيعة الإمامية لا تتقول بل تعتمد في اقوالها على الحجج والبراهين الساطعة واقوالها وعقائدها في الأئمة ثابتة راسخة بأدلتها الواضحة تنهار الجبال ولا تنهار وبذلك ينهار ما تقوله وافتراه على الشيعة الإمامية.

قال صفحة (ك) الثاني ـ أي من الأمرين الأمرّين في تاريخ الاسلام ـ قتل الحسين وكل من معه من أهل بيت النبوة بقساوة فاحشة ووحشية متناهية. تدعوه شيعة أهل البيت بآلاف من الكتب والرسائل وعدد كثير من الوفود دعوة نفاق وخداع ثم تسلمه لأعداء أهل البيت اسلام خذل يخزي كل جبان ولو كان في نهاية الضعف ويقتله وكل من معه ويمثل به مثلات بكل إهانة جيش الدولة الإسلامية ابتغاء مرضاة مسرف مفسد ماجن.

ودعوى الشيعة مثل دعوة الكوفة اولها كتب نفاق وخداع وعقباها خذلان ثم نتيجتها اسلام المعصوم الى ايدي اعدائه. وقال صفحة (م) : وشهادة ابن بيت النبوة بخيانة من شيعته وقوة الدولة الإسلامية هي التي قتلته واهانته ومثلت به مثلات. وقال صفحة (ل) انا لا اكفر يزيد لأن عمله اشنع وافحش من كل كفر ولا ألعنه لأن اسلام الشيعة بعد ان دعوه واطاعة الجيش وقائديه امر يزيد ابتغاء لمرضاته اشنع وافحش من امر يزيد اضعافا مضاعفة. وان قال قائل ان الحسين قتل في حرب أثارها هو فهذا القول يكون تبرئة ليزيد وتخطئة عظيمة للإمام الحسين عليه‌السلام أنا لا اقول بهذا القول حتى لو قالته الشيعة. ولو قال قائل ان الحسين قتل في حرب اثارتها الشيعة التي دعته دعوات ثم خذلته فهذا مثل القول الأول تبرئة ليزيد والذنب كل الذنب يكون على الشيعة التي خدعته ثم خذلته واسلمته ولم يكن البكاء على الشهداء إلا احتيالا الى لعن من هو يعاديه أو مكرا ودهاء وتقية ودين الأمة كان ارفع من كل ذلك.

٩٩

(ونقول) كل كلامه هذا اخطاء وحياد عن الحق.

(أولا) : زعمه ان شيعة أهل البيت دعته دعوة نفاق وخداع ثم اسلمته لا عدائه ، وقوله بخيانة من شيعته هذر من القول فشيعة أهل البيت هم اتباعهم ومحبوهم وهؤلاء لا يمكن ان يكون غرضهم بدعوته النفاق والخداع ولا ان يخونوه وإلا لم يكونوا من اتباعه ومواليه وإنما هذا شأن الاعداء فأول هذه الجملة يكذب آخرها. والذين دعوه من أهل الكوفة جلهم كانت دعوتهم دعوة اخلاص لا نفاق فيها ولا خداع وربما كان فيهم من هو على خلاف ذلك مثل شبث بن ربعي وحجار ابن ابجر ويزيد بن الحارث بن رويم ومحمد بن الأشعث واضرابهم الذين كتبوا إليه ثم خرجوا لحربه كما هو الشأن في امثال هذه الحال في كل عصر وزمان. واسلام من كان بالكوفة من الشيعة له بعد ان دعوه انما هو للخوف ممن بيدهم السلطان وفي قبضتهم الجنود والأموال وحبسهم عن الخروج الى نصره ، فقد نظم ابن زياد الخيل ما بين واقصة الى القطقطانة فلا يدعون احدا بلج ولا احدا يخرج ، ومثله جار في كل عصر وزمان في سكوت أهل الحق عما يكون بيد الظلمة الذين بيدهم القوة والسلطان مع عدم قدرتهم على الدفع. ومع ذلك فقد خرج من قدر منهم على الخروج متخفيا مخاطرا بنفسه امثال حبيب بن مظاهر الاسدي ونافع بن هلال الجملي وغيرهما فجاهدوا معه وقاتلوا حتى قتلوا والعادة الجارية في مثل هذه الحال ان يستولي الخوف على الأفراد فتذهب قوة المجموع الذي لم يتألف بعد. وليس ذلك بأعجب من فرار المسلمين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد حتى رجع بعض اكابر الصحابة بعد ثلاث. وليس باعجب من مخالفة الرماة يوم أحد امر قائدهم عن امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركهم مواقفهم طمعا في النهب إلا قليلا منهم حتى قتل القائد وقتلوا معه وفرارهم يوم حنين وهم اثنا عشر الفا حتى لم يبق مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير عشرة انفس لكن وجود راية يفيئون إليها معها الرسول (ص) وعلي وجماعة من بني هاشم ثبتوا بثباته اوجب كرّهم بعد فرهم واجتماعهم بعد تشتتهم ولم يكن في الكوفة مثل ذلك. ولا بأعجب من جبنهم عن عمرو يوم الخندق وبيدهم جيش ومعهم الرسول فأيهما اعذر أشيعة الكوفة الذين لا جيش لهم وهم محصرون أم هؤلاء؟ ولئن كان أهل الكوفة غير معذورين في

١٠٠