نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

(ونقول) هذا الكلام كسائر كلماته لا يخرج عن ان يكون زخرفة مجردة لا طائل تحتها فالأمم من عهد آدم عليه‌السلام الى اليوم فيها الصالح والطالح كما نبهنا عليه مرارا عند تكريره لهذه المزخرفات ، وقد اخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الأمة بقوله لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، وهذا يمنع ان تكون جميع افرادها مقدسة وانها لم تكن متبعة سنن من كان قبلها بل يدل على ان اكثر افرادها ليس كذلك لتوجيه الخطاب الى العموم ، ولكن الله تعالى ميز هذه الأمة بمميزات اكراما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرفع عنها المسخ والخسف وغير ذلك مما كان يجري في الأمم السالفة. وإن فعلت ما يوجب ذلك من افعال الأمم السابقة وجعلها خير أمة أخرجت للناس بنبيها وشريعتها التي فاقت جميع الشرائع وبأنها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر كما في آخر الآية. وهو كالتعليل فمن لم تكن صفته ذلك فهو خارج عن الآية. واما انها شريكة نبيها في كل ما كان له وفي كل نعمة وفضل انعم الله بها عليه فالله تعالى انعم على نبيه بالنبوة والعصمة وبظهور المعجزات على يديه وانه على خلق عظيم والتأييد بالوحي السماوي وان قوله وفعله وتقريره حجة وانه اولى بالمؤمنين من انفسهم وانه رحمة للعالمين الى غير ذلك فهل صارت الأمة شريكة نبيها في كل هذه الأمور. فكل واحد منها نبي وموسى جار الله نبي وكل منها معصوم من الخطأ والذنب وظهرت على يده المعجزات وهو على خلق عظيم ، مؤيد بالوحي السماوي وافعاله واقواله حجة وهو اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو رحمة للعالمين ، وكثير من افراد الأمة كان نقمة عليها بما أثار من الفتن والمفاسد والحروب وفي الأمة ما لا يحصى من أهل الفساد والشقاوة والشر ان لم يكن الأكثر كذلك (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ. وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) فهل هؤلاء شركاء للنبي في فضله وكماله وورثوه منه بعد مماته؟ فالله تعالى انعم على نبيه بنعم فشكرها وشملت جملة من تلك النعم امته فشكرها أقلهم وكفرها اكثرهم فوعد الله من شكرها المزيد وتوعد من كفرها بالعذاب الشديد بقوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي

٦١

لَشَدِيدٌ) وكل نعم الله على العباد أو جلها قد شملت المؤمن والكافر والنبي وغيره كنعمة الايجاد التي هي أول النعم ونعمة العقل والسمع والبصر وسائر الحواس ونعمة الهواء والماء والشمس والقمر وانبات النبات والحب والشجر والثمر وتسخير الحيوانات وتذليلها (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) وتسخير البحر يأكلون منه لحما طريا ويستخرجون منه حلية يلبسونها ، والتسيير في البر والبحر الى غير ذلك مما ذكر في القرآن وما لم يذكر (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) فهل في ذلك دلالة على مساواة في فضل أو مشاركة فيه وتذكرنا هذه المشاركة التي يزعم الرجل ان الأمة شاركت فيها نبيها بالمشاركة التي ذكرها الشاعر بقوله :

أليس الله يجمع أم عمرو

وإيانا فذاك بنا تداني

نعم وارى الهلال كما تراه

ويعلوها النهار كما علاني

وما زعمه خطابا للأمة في هذه الآيات التي استشهد بها هو في الحقيقة خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولو سلم لا يفيد ان الأمة شاركت النبي في فضله. والفتح القريب. في مجمع البيان هو فتح خيبر عن قتادة واكثر المفسرين وقيل فتح مكة عن الجبائي ا ه. إذا فهو فتح النبي لا فتح المؤمنين الذي قال عنه انه كان اوسع واقوى من فتح النبي. ولكن من فتح من الأمة لا عزاز دين الله ونشر الاسلام كان له اجره ومن فتح لتوسعة ملك وأمارة وغنائم فذلك ثوابه. من كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى امرأة يتزوجها أو مال يصيبه فهجرته الى ما هاجر إليه. والصلاة من الله الرحمة ومن عيره الدعاء والسلام هو التحية وكل ذلك يكون على الصالح والطالح فكيف صار ذلك دالا على ان الأمة مثل النبي في الشرف والكرامة على ان السلام في الصلاة قد خص بعباد الله الصالحين.

واستشهد صفحة (د) لمشاركة الأمة لنبيها بآيتي (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) قال : والميراث تأخذه الاحياء بعد الأموات والكتاب محفوظ الى الأبد فالأمة احياء الى الأبد. واصطفى الامة بنون العظمة بنفسه لنفسه. ولم يكل الاصطفاء الى غيره. وسائر الأمم لم تكن مصطفاة فانحرفت عن كتابها والأمة ببركة الاصطفاء لا تنحرف.

٦٢

وأضاف الاصطفاء الى نون العظمة لقطع امكان الانحراف والضلال بالاغواء أو بغيره (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) فلا يمكن الضلال في الأمة بنص آية ان عبادي. ذكر الاصطفاء بعد قوله ان الله بعباده لخبير بصير ، والاصطفاء بعد العلم بالاهلية لا زوال له. ونقول (أولا) ان ايراث الكتاب للذين اصطفاهم الله من عباده لا لجميع الأمة لان الاصطفاء هو الاختيار والانتقاء ولو كان الايراث عاما لجميع الأمة لما كان للاصطفاء معنى (ثانيا) من في الآية للتبعيض فهو نص في ان المصطفى بعض الأمة (ثالثا) الاضافة الى نون العظمة كما وقع في القرآن الكريم بالنسبة الى الاصطفاء وقع بالنسبة الى الاهلاك وشبهه فهو لا يدل على عظمة ما اضيف إليه بل على عظمة الله خاصة (رابعا) آية ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ينص على ان المراد البعض لا الكل فهو عليه لا له فهل يقول ان الشيطان لا سلطان له على احد من الأمة وان الذين عصوا وضلوا إنما اغواهم واضلهم الرحمن لا الشيطان (خامسا) كون الكتاب محفوظا الى الأبد يدل على ان من اصطفاهم احياء الى الأبد وهم من قال فيهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض لا جميع الأمة (سادسا) الله تعالى لم يصطف الأمة كلها بنون العظمة فدعوى ذلك كذب على الله (سابعا) اذا كان الله تعالى اصطفى الذين اورثهم الكتاب لنفسه بنفسه ولم يكل الاصطفاء الى غيره فلم قلتم ان اختيار الامام الى الرعية لا الى الله؟. وهل احد احق بإيراث الكتاب من الامام واحق بالاصطفاء منه؟ (ثامنا) ان كان سائر الأمم غير مصطفاة فلذلك انحرفت عن كتابها وهذه الأمة ببركة الاصطفاء لم تنحرف فلما ذا قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتتبعن سنن من كان قبلكم من الأمم «الخ» في الحديث المتكرر ذكره. (تاسعا) ان كانت اضافة العباد الى نون العظمة لقطع امكان الانحراف وكان الضلال في الأمة غير ممكن فلما ذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستفترق امتي ثلاثا وسبعين فرقة. فرقة ناجية والباقون في النار. (عاشرا) الاصطفاء بعد العلم بالاهلية لا زوال له لكنه لبعض الأمة لا كلها فبان ان فلسفات هذا الرجل الباردة الممقوتة لا تصدر من صغار الأطفال فضلا عن رجل ينسب الى علم.

واستشهد أيضا صفحة (ض) لمشاركة الأمة لنبيها بآيات (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما

٦٣

تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ. إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ). قال ومغفرة الذنب في النبي كانت بالفتح والنصر ونحن نأمل ان الله يغفر كل ما تقدم وكل ما تأخر من ذنوب الأمة بفتوحاتها في سبيل الدين والتمدن والعلوم والمعارف. واستقامة الأمة مثل استقامة نبيها في اقامة الدين معصومة ثم (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) يتناول كل الأمة الى يوم القيامة حيث جعل المعية في مجرد التوبة.

وقال صفحة (ظ) : كان النبي بلسان الشكر يقول شيبتني هود واخواتها (عبس والنازعات والمرسلات) يشير بذلك إشارة نبوية على ان الأمة ستستقيم استقامة النبي وروح النبوة ستبقى فيها فكأن النبي حي بحياتها اشيب بشيابها.

(ونقول) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اعتقادنا معصوم من الذنوب فلا يحتاج الى المغفرة لذلك احتاج القائلون بعصمته إلى تأويل ليغفر لك الله بوجوه من التأويل لأن ظاهر النقل اذا خالف الدليل القطعي وجب تأويله. ومما روي في تأويله ان المراد ما تقدم من ذنبك وما تأخر عند أهل مكة. اما الأمة التي ليست افرادها بمعصومة كلها فالذنب الواقع منها ذنب حقيقي محتاج الى المغفرة والله تعالى قد وعد التائب النادم المغفرة فاين مشاركة الأمة للنبي في المغفرة وامل الغفران للأمة ليس بفتوحاتها وحدها بل تأمل الغفران لكل مذنب تائب برحمة الله وعفوه والفتوحات التي كانت لمعونة الظالمين على ظلمهم وتوسيع ملكهم سبيلها سبيل من كانت هجرته لا مرأة يتزوجها أو مال يصيبه ان لم توجب ذنبا لا توجب مغفرة. والنبي ومن تاب معه امروا بالاستقامة ونهوا عن الطغيان فالنبي امتثل واستقام وغيره منهم من امتثل واستقام فكان له فضله ومنهم من لم يستقم وطغى فان عليه وزره ومجرد الأمر لا يدل على الامتثال فالتفريع الذي ذكره فاسد سواء أكان من تاب معه يتناول كل الأمة. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيبتني هود واخواتها يشير به الى ما فيها من التهديد والوعيد للعاصين وما أصاب الأمم الماضين المذكورين فيها من الخسف والغرق والهلاك فكان يخاف على امته ان يصيبها مثله ويخاف على العاصين منهم ويعرض له الخوف من الله تعالى على قدر معرفته يقول ذلك بلسان الخوف لا بلسان الشكر ولذلك شيبته. واما انه يشير الى ان الأمة ستستقيم «الخ» فمع عدم دلالة شيء من الألفاظ على ذلك يكذبه الوجدان فالأمة بامرائها وقد دبت فيها بعد الخلفاء الراشدين روح الفساد ولم تبق فيها روح النبوة ولا ريحها ومات النبي

٦٤

باماتتهم سنته واحكامه فلم يكن فيها شابا ولا أشيب وكان صوفية الاسلام التي ينتحلها لنفسه كما جاء في بعض كلامه الآتي قادته الى هذه التمحلات والتأويلات التي لا يدل عليها لفظ كما في اكثر تأويلاته.

واستشهد صفحة (ظ) بآيات أخر لمشاركة الأمة لنبيها لا شاهد فيها منها : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) آمن الأمة كما آمن نبيه من كل خزي وسوء الى يوم القيامة. ومنها : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) فمخالفة الأمة مثل مخالفة الرسول والوعيد في مخالفة الرسول على المشاقة وفي مخالفة الأمة على مجرد عدم الاتباع ومثل هذا البيان بلاغة معجزة بيان رجحان كفة الأمة. ومنها (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) عطف على المبتدأ فالذين معه رسل الله الى الأمم فكل فضيلة تستوجبها الرسالة تكون في الأمة. وهذا الوجه يؤيد قراءة اشداء رحماء بالنصب على الحالية. ومن هذا اخذ النبي (علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل) ويؤكده تأكيدا لا يذر ذرية ريبة قوله : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) لأن القسم لا يكون إلا للمستقبل

وقال صفحة (غ) قول الله في عيسى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) إذا تلوناه بعد (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) نفهم ان الآية عرضت للأمة المحمدية الرسالة الى الأمم فالأمة المحمدية خلف لنبيها في الرسالة الى الأمم. ومنها : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) اشترك الأمة مع نبيها في الشهادة على الأمم فإن النبي مثل اعلى في أدب الحياة للأمة ... ومن وظائف الأمة ان تكون في أدب الحياة مثلا اعلى لسائر الأمم. يقول الصادق لا يجوز ان تستشهد الأمة يوم القيامة. اما انا فاعتقد ان كلية الأمة اصدق من الصادق واعلم من كل الأئمة ، يقول الصادق عن الأمة ونحن شهداء الله على خلقه. ونحن الشهداء على الناس يوم القيامة فمن صدقنا صدقناه يوم القيامة ومن كذبنا كذبناه يوم القيامة اما نحن فنقول ان شهادة القرآن تغنينا عن كل شهادة (ومنها) صفحة (كط). (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ

٦٥

الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) الآية. اضاف الدين الى الأمة وقال دينهم الذي ارتضى لهم فدل على ان دين الأمة وسياسة الخلافة الراشدة هو الذي ارتضاه لهم (ومنها) صفحة (ك ي): لقد جاءكم رسول من انفسكم. اشهر آية واشرف آية خطاب لكل الناس في كل العصور ولا يمكن بقاؤه إلا اذا كان الأمة خلفا للرسول. وقال صفحة (كج): قول النبي (يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له يدخل فيه القرآن الكريم لقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).

(ونقول) : الذين آمنوا معه في آية يوم لا يخزي الله النبي خاص بمن آمن به إيمان اخلاص وكان معه ولا يشمل من تأخر وأي خزي على الأمة اعظم من ان يليها مثل يزيد بن ميسون ويزيد صاحب حبابة والوليد والحجاج واضرابهم وهي ساكتة مطيعة. واتباع غير سبيل المؤمنين عبارة عن عدم الايمان وسبيل المؤمنين هو سبيل الرسول فوعيد متبع غير سبيل المؤمنين لأنه كفر بالله وخالف الرسول لا لأنه خالف الأمة فمخالفة الأمة وموافقتها سيان اذا لم يكن فيه خلاف للرسول فقوله مخالفة الأمة مثل مخالفة الرسول ساقط كفلسفته في بيان رجحان كفة الأمة على كفة الرسول. وما قيمة الأمة لو لا الرسول. والعطف في آية محمد رسول الله على المبتدأ بعيد. ودعوى ان كل فرد من الأمة كذلك ابعد فإن في الأمة من لا يستحق ذلك ولا ما دونه وقراءة النصب لا تنافي الاستئناف فإن الخبر ما بعد اشداء رحماء. والاخبار بذلك ينافي العموم لمشاهدة كثير ممن ليس فيهم هذه الصفة. وعلماء أمتي مخصوص بالعلماء العاملين لا يشمل جميع الامة ولا علماء السوء. وكونه اخذ ذلك من الآية افتراء عليه وهو فرع كونها على العطف. وكتب الله لأغلبن أنا ورسلي حكاية عن الماضي فلا ينافي القسم. ورسله انبياؤه لا افراد الأمة. وآية لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة مفادها ـ والله أعلم ـ لو نشاء لأهلكناكم يا بني آدم وجعلنا بدلكم ملائكة يكونون خلفا لكم وعوضا عنكم في الأرض. والآية الأولى نفي لربوبية عيسى عليه‌السلام ليس إلا سواء أتلوناها بعد الآية الثانية أم قبلها وما فهمه منهما لا تساعد عليه دلالة ونرى الله تعالى يخاطب الأمة المحمدية فيقول : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) فجعلها منقلبا على عقبيه وشاكرا ولم يجعلها

٦٦

جميعها مقدسة معصومة مشاركة لنبيها في الرسالة. ويقول : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) واذا كان من وظائف الأمة التي يتغنى بذكرها ويدعي مشاركتها لنبيها في كل ما كان له ـ ان تكون في أدب الحياة مثلا اعلى لسائر الأمم هل قامت كلها بهذه الوظيفة بعد نبيها أو اشتغلت بالفتن والحروب بينها ولما يمض على وفاة نبيها زمن طويل وهل كانت الحروب بينها لأجل القيام بهذه الوظيفة ولتكون مثلا اعلى لسائر الأمم. كل ذلك يدلنا على ان المقصود بهذه الآية وامثالها طائفة مخصوصة من الأمة لا جميعها وان جميعها بعيد عن العدالة فضلا عن العصمة. وانها كسائر الأمم فيها الصالح والطالح وان الصالح أقل من الطالح والوجدان على ذلك وحديث لتتبعن سنن من كان قبلكم المتكرر الاشارة إليه نص في ذلك. وكلية الامة التي يقول عنها انها اصدق من الصادق واعلم من كل الائمة لا فضل لها الا بوجود اهل البيت النبوي ومنهم الصادق فيها واتباعها لهم لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. مثل اهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله كان آمنا) سواء في ذلك كلية الامة وجزئيتها. والامة فيها الصادق والكاذب حتى في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد قام في الناس خطيبا وقال ما معناه : كثرت علي الكذابة أو القالة فمن كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده من النار وفيها العالم والجاهل فكيف تكون كليتها اصدق من الصادق واعلم من كل الائمة احد الثقلين وعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي امرنا الرسول بالتمسك بها وجعلها شريكة القرآن لا يضل المتمسك بهما ولا تفارقه الى ورود الحوض وامر بالتعلم منها ونهى عن تعليمها لانها اعلم ممن يريد تعليمها. والامام الصادق ما سمي بذلك الا لصدق حديثه وهو الذي نشر العلم واخذ عنه الناس وتخرج على يده من العلماء ما لا يحصى وروى عنه من الرواة عدد لا يستقصى وهو امام العترة في عصره. فاعتقاد صاحب الوشيعة ان كلية الامة اصدق من الصادق واعلم من كل الائمة ما هو الا جهل وعناد خالف فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واذا كان الامر كما ذكر فحق للصادق ان يقول نحن الامة ونحن شهداء الله على خلقه ونحن الشهداء على الناس يوم القيامة «الخ» بعد ما بان ان لفظ الامة الوارد في القرآن لا يمكن ان يراد به جميع افرادها فلا بد ان يكون المراد به جماعة مخصوصة واولى ان تكون

٦٧

هذه الجماعة ائمة العترة فالقرآن شاهد لنا لا لك وتغنينا شهادته عن كل شهادة سواها. والتقييد في آية (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) يعملوا الصالحات ينافي العموم لجميع افراد الامة وعلى فرض اضافة الدين الى الامة فأي فضل لمن لم يقم بواجبات الدين من الامة وتلبس بالمعاصي والله تعالى لا شك بأنه مكن للمسلمين دين الاسلام واظهره على الدين كله ونشره في اقطار الارض وارتضاه للمسلمين واستخلفهم في الارض فملكهم اياها كما استخلف الذين من قبلهم من امم الأنبياء الذين آمنوا بعيسى وموسى وغيرهما ولكن هذا لا يجعل جميع المسلمين رسلا وانبياء وصلحاء متمسكين بجميع واجبات الاسلام كما لم يجعل الذين من قبلهم كذلك ولا ربط له بذلك ولا بسياسة الخلافة الراشدة لا سلبا ولا ايجابا. واستدلاله بآية لقد جاءكم رسول من انفسكم على ان الامة خلف للرسول في رسالته من الاعاجيب ولا عجب فاغلب استدلالاته من هذا القبيل. فكونه خطابا لكل الناس في كل العصور ان سلم بناء على شمول خطاب المشافهة للغائبين على قول بعض الأصوليين لا يدل على ان كلا منهم رسول اذ معنى من انفسكم اي من بني آدم لا من الملائكة فلا يدل على ان منكم في كل عصر رسولا اذا فبقاء هذا الخطاب لا يستلزم ان تكون الامة خلفا للرسول في الرسالة ولا ربط له بذلك سواء كانت اشهر آية واشرف آية أم لم تكن.

ولا ندري وجه كونها اشهر واشرف والقرآن الكريم ليس فيه مشهور واشهر ومشروف واشرف. ولفظ عدوله في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفي ما يدعيه من العموم في الامة في جميع ما سبق سواء ادخل في العلم القرآن الكريم أم لم يدخل فهو عليه لا له. ومما ذكرناه فيما مر عليك يظهر الجواب عن كل ما استشهد به واطال فيه من الآيات مما لم ننقله روما للاختصار.

قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلوب اصحابه

قال صفحة (كج) : اصدق قول قاله قائل قول من يقول ان الله نظر في قلوب العباد فوجد خيرها قلب محمد فاصطفاه لنفسه ثم وجد قلوب اصحابه خير القلوب بعد قلب محمد فجعلهم وزراءه. وقال صفحة (كد) ما حاصله : فان لم يكن هذا في الواقع كذلك بل كان الواقع ما تزعمه الشيعة فالله هو الجاهل حيث يقول : ان الله

٦٨

بعباده لخبير بصير. ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا. اذ لن يكون خبيرا بصيرا بعباده من قد اخطأ خطأ كبيرا في اصطفائه فاصطفى نبيه وزراء وصحابة ليسوا بأهل.

(ونقول) : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واصحابه لا يحتاجون في بيان فضلهم الى قول مجهول القائل ، وقد بان باستدلاله هذا انه هو الجاهل حيث ضم قول هذا القائل الذي لم يبينه ولم يبرهن على صحته الى قول الله تعالى وجعل منهما دليلا والذي اصطفاه الله وزيرا لنبيه هو الذي قال فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انت مني بمنزلة هارون من موسى وقال الله تعالى حكاية عن موسى واجعل لي وزيرا من اهلي هارون أخي وقال له الله تعالى قد أوتيت سؤلك يا موسى وهو الذي نصره ووازره وحامى عنه وجاهد بين يديه في كل حرب وكشف عنه كل كرب وصبر معه في كل شدة ولم يفر في حرب قط. فان كان الواقع ما تزعمه الشيعة ـ وهو الواقع ـ فقد اجرى الله تعالى الامر على الحكمة والصواب ويكون الجاهل من يتوهم ان ذلك يستلزم نسبة الجهل إليه تعالى.

الامة او الائمة

قال صفحة (ث) تحت هذا العنوان : اني لا انكر الا مسائل فيها ضرر للاسلام وللشيعة وللامة في قوتها ووحدتها وائتلاف قلوبها. لا ابحث عن ضلال المسائل وصوابها وانما اقوم عليها قيام من ينكرها لضررها وقال صفحة (ث) أيضا : الولاية والامامة كتب الشيعة تعدها من اصول الدين واهم اركان الايمان وهي عندنا ـ اهل السنة والجماعة ـ من امهات المسائل وان كنا لا نجعلها من اركان الايمان.

(ونقول) : زعمه انه لا ينكر الا مسائل فيها ضرر ولا يبحث عن ضلالها وصوابها وابرازه نفسه بمنزلة الناصح المشفق ودعواه هذه الطويلة العريضة بهذه العبارات المنمقة المزخرفة التي اعتادها مثل فيها ضرر للاسلام وللشيعة وللامة في قوتها ووحدتها وائتلاف قلوبها وامثال ذلك لا يساعده على ما يأتي منه من الاقتصار على مجرد التهجين والانكار ونفث السموم بغير دليل ولا برهان. مع ان الواجب في كل مسألة البحث عن ضلالها وصوابها فان كانت صوابا لم يعقل ان يكون فيها ضرر

٦٩

لاحد ولا للامة في قوتها ووحدتها وائتلاف قلوبها ولم يسغ لاحد انكارها وان كانت ضلالا لم يعقل ان يكون فيها نفع للامة ووجب انكارها ولكن ذلك انما يكون بالدليل والبرهان لا الدعاوي المجردة.

اما الامامة فهي عندنا وعندكم من اصول الدين لانها راجعة الى العقيدة لا الى العمل كما هو الشأن في فروع الدين. واذا كنتم لا تجعلونها من اركان الايمان فلما ذا تعادون من يخالفكم فيها هذا العداء العظيم وتنسبونه الى العظائم.

وقال ص ٦٢ والامة اسبق اخذا بكل ما ثبت عن امام الائمة علي امير المؤمنين ليس من دأب الامة ان تضع على لسان احد من الائمة شيئا بهوى وانما دأبها ان تأخذ ما ثبت بسند.

(ونقول) : زعمه انها اسبق اخذا بكل ما ثبت عن امام الائمة يكذبه رفضها قوله في العول والتعصيب وغيرهما مما مر الى قول غيره ومبالغته هو في ذلك وتشدده والتماسه التأويلات الفاسدة والوجوه المتمحلة كما يعلم مما مر والامة باعراضها عن ائمة اهل البيت وعن مذاهبهم واقوالهم لا يخشى منها ان تضع على احد منهم شيئا لا يهوى ولا بغير هوى وذلك يكذب انها تأخذ ما ثبت عنهم بسند فلم ترها أخذت عنهم شيئا ولا عملت بفتوى احد منهم ولا جعلتهم كمحمد بن الحسن الشيباني وابي يوسف على الاقل.

زعمه عصمة الامة

قال صفحة (ث) : اني اعتقد في الامة عقيدة الشيعة في الائمة. الامة في عقيدتي معصومة بعصمة نبيها والاصل في عقيدتنا ان الامام كبير الامة. وممثل كلية الامة فان لم تكن الامة معصومة فلا عصمة للامام. والاصل في الشرف والعصمة هي الامة وإليه يرشد : ان ابراهيم كان امة. انا لا انكر عصمة الائمة فاني في عصمة ائمتنا فرح اكثر من فرح الشيعة اذا سار غيري في التشيع برجليه اللتين لا يغسلهما فاني اطير باجنحتي التي امسح بها واذا مت سواي في ولاء اهل البيت بلمحة تقية فاني اتوسل بغرة لائحة نقية وللآخرة ولائي لا للحاضرة الا ان عصمة الائمة لا تغني الامة في شيء ولا تغنيها عن شيء. وعقيدة انحصار الائمة في عدد

٧٠

محدود قد اضطرت الشيعة الاثني عشرية الى ان تقول اقوالا كلها مستحيلة وعقيدة عصمة الائمة قد بناها الشيعة على حرمان كل الأمة من عقل عاصم ومن ايمان هادئ هاد فان الامة ان كان لها عقل يعصمها وإيمان يديها فهي بالغة رشيدة خرجت عن الوضيعة وكبرت عن طوق الشيعة فلذلك عرضت للشيعة هذا السؤال الامة او الائمة فان قالت الشيعة بعصمة الائمة فانا اقول بعصمة الامة اذ لا حكمة للدين ولا مصلحة للامة في مجرد عصمة الائمة فان الامة ان لم يكن لها عقل يعصمها وايمان يهديها وقوة تحميها فلا وجود للامة.

وقال صفحه (لز) والامة معصومة عصمة نبيها في تحملها وحفظها وتبليغها وادائها حفظت كل ما بلغه النبي مثل حفظ النبي وبلغت كل ما بلغه النبي مثل تبليغ النبي. حفظت كليات الدين وجزئياته اصلا وفرعا وبلغتها لم يضع من اصول الدين وفروع الدين شيء حفظته الامة كافة عن كافة عصرا بعد عصر ولا يمكر ان يوجد شيء من الدين غفل عنه او نسيه (كذا) الامة فالامة بالقرآن والسنة اعلم من جميع الائمة واهتداء الامة اقرب من اهتداء الائمة وعلم الامة بالقرآن وسنن النبي اليوم اكثر واكمل من علم علي ومن علوم كل اولاد علي. ومن عظيم فضل الله على نبيه وعلى الامة ان جعل في الامة من ابنائها كثيرا هم اعلم من الائمة ومن الصحابة وهذا معلوم بالضرورة فان كل لاحق يرث كل ما كان للسابق ثم يكسب ويوفر والامة ما قصرت بل ورثت ثم وفرت ودونت والقرآن وعلومه والسنة وعلومها واجتهاد الائمة وكل ثمراته تناله اليوم ايدينا بسهولة من كثب فابن الامة اليوم في علومه هو الامة في علومها كلها وخلافه كسل دائب واستصعابه وهم رائب كان صعبا عسيرا او متعذرا من قبل اما اليوم فهمة الامة وجهودها العظيمة في عصور متوالية قد يسرته للذكر تيسيرا فهل من مدكر وكل ما تدعيه (كذا) الشيعة وجوده في الائمة موجود بتمامه قطعا في الامة وابن الامة احفظ واعلم وافقه. وقال صفحة (لح) : والامة التي ورثت نبيها وصارت رشيدة ببركة الرسالة وختمها ارشد الى الهداية والى الحق من كل امام والامة مثل نبيها معصومة ببركة الرسالة وكتابها وعقلها العاصم ، الامة بلغت وصارت رشيدة لا تحتاج الى الامام رشدها وعقلها يغنيها عن كل امام. وقال صفحة (لط) انا لا انكر على الشيعة عقيدتها ان الائمة معصومة وإنما انكر عليها عقيدتها ان امة محمد

٧١

لم تزل قاصرة ولن تزال قاصرة تحتاج الى وصاية امام معصوم الى يوم القيامة. والامة اقرب الى العصمة والاهتداء واهدى الى الصواب والحق من كل امام معصوم لان عصمة الامام دعوى أما عصمة الامة فبداهة وضرورة بشهادة القرآن. وعقلنا لا يتصور احتياج الامة الى امام معصوم وقد بلغت رشدها ولها عقلها العاصم وعندها كتابها المعصوم وقد جازت بالعصوبة كل مواريث نبيها وفازت بكل ما كان للنبي بالنبوة. وقال صفحة (م) التي هي ص ٤٠ والعقل نور إلهي يهدي الله لنوره من يشاء. ومن يؤمن بالله يهد قلبه فان الايمان يهدي القلب الى العلم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) فالعقل العاصم والايمان بالله وكتاب الله الذي نزل تبيانا لكل شيء يغني الامة عن كل امام معصوم. ولو احتاجت الامة الى الامام المعصوم ذرة احتياج لما ختم النبوة برسالة محمد ولم يكن محمد خاتم النبيين الا لزوال الاحتياج ببركة القرآن الكريم فدعوى الاحتياج الى الامام المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة فان الاحتياج اما لقصور في بيان الكتاب او في روح النبوة او في التبليغ فدعوى عصمة الامام طعن في اصل الدين. وقال صفحة (ما): والامة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوة اكرم واعز وارفع من ان تكون تحت وصاية وصي تبقى قاصرة الى الابد. وقال صفحة (ب س) والامة رشيدة راشدة ارشد من كل من ادعى الوصاية. وقال صفحة (ح م): ان العصمة في الامة مطلوبة معقولة ممكنة اما عصمة الائمة فلا حاجة لنا إليها ولا امكان لوقوعها. وقال ص ٦٢ اما انا فأرى جميع المذاهب محترمة واوافق شيخ شريعة الشيعة في قوله ونحن فوق المذاهب ـ اصل الشيعة ١٣٤ ثم ازيد والقرن الاول سلفنا وفي الدين فوقنا والامة والقرن الاول امامها معصومة ـ اولئك هم خير البرية. وقال صفحة (كج) العصر الاول افضل الامة والامة معصومة.

(ونقول) كرر في كلامه دعوى عصمة الامة ورشدها وما الى ذلك على عادته الممقوتة في التكرير والتطويل بلا طائل ظانا انه قد فتح فتحا جديدا واهتدى الى كنز ثمين ودعاويه هذه كلها كرقم فوق ماء.

(اما دعواه) ان الامة معصومة مثل نبيها فاولى بأن تلحق بالهذر والهذيان من ان تدرج في كتاب يطبع وينشر على الملأ. فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم من الذنوب

٧٢

ومن الخطأ والنسيان في الاحكام الشرعية فهل صار كل فرد من هذه الامة كذلك ببركة موسى تركستان الذي ظهر في هذا الزمان وهل صار كل واحد منها نبيا وبعض اهل نحلته انكر عصمة الأنبياء والامة التي يعتقد بعصمتها وخلقت لها مخيلته العصمة جل افرادها غير معصوم اتفاقا وكل واحد منها غير معصوم عند اهل نحلته فكيف يكون معصوما من جل افراده او كلها غير معصوم بل جل افرادها بعيد عن العدالة فضلا عن العصمة فاي هذر وسخافة ازيد من هذا الذي لم يسبقه إليه احد وخالف به الضرورة والبداهة هذا ان اراد بالامة كل فرد من افرادها وان اراد مجموع الامة بحيث يكون اجماعا فهو حجة لما بين في الاصول لكن لا لأن الامة معصومة وهو لا ينفع فما اختلفت فيه الامة وهو كثير فلا بد من الرجوع الى امام معصوم والرسالة والكتاب والعقل والايمان لا تجعل احدا معصوما ولا تغني عن الامام المعصوم والا لما وقع الاختلاف بين الامة ولا ضل احد من الامة وها قد اختلفت الامة في امور لا تحصى بل اختلفت في كل شيء من اصول الدين وفروعه وعقولها معها وايمانها ثابت والكتاب الذي نزل تبيانا لكل شيء بين ايديها فلم يكن ذلك مزيلا لاختلافها الموجب لخطأ بعضها فاختلفت في مسائل الغسل والمسح في الوضوء وهو في كتاب ربها وكل يدعي ان الكتاب معه ولا يزال الخلاف قائما بينها من الصدر الاول الى اليوم وبعد اليوم ولم يغنها ما ذكره في رفع خلافها شيئا وقد اختلفنا نحن وانت فلم تكن هذه مزيلة لاختلافنا وكتاب الله فيه تبيان كل شيء من اصول الاحكام اما تفاصيلها فتؤخذ من السنة التي لا يؤتمن عليها غير المعصوم كما يأتي. ثم اذا كانت الامة معصومة فلا تحتاج الى امام معصوم فبالاحرى ان لا تحتاج الى امام اصلا لا معصوم ولا غير معصوم وهذا مخالف لاجماع المسلمين فقد اجمعوا على انه لا بد من امام وانما اختلفوا في وجوب عصمته وعدمها. ومخالف لقوله عليه‌السلام : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ولو كان العقل وحده عاصما كافيا والايمان بمجرده هاديا لما احتاج الى امام اصلا لا معصوم ولا غير معصوم كما مر ولا الى ارسال الأنبياء في كل فترة بل كانت تكفينا نبوة ابينا آدم عليه‌السلام. واما تعليله ذلك بأن الامة معصومة بعصمة نبيها وان الامام كبير الامة وممثل كليتها فان لم تكن معصومة فلا عصمة له فهو طريف جدا اذ اي ملازمة بين عصمة النبي وعصمة امته والوجدان على

٧٣

خلافه. واذا كان الامام كبير الامة وممثل كليتها فاي ملازمة بين عدم عصمتها وعدم عصمته بل الملازمة بالعكس فانها اذا كانت غير معصومة لزم كونه معصوما ليردها عن خطئها. ثم ان الامام عندك غير معصوم فما الذي اوجب عصمة الامة وهي لا تختلف عنه بل اذا كان كبيرها فهي دونه. وكون الاصل في الشرف والعصمة هي الامة وشرف الامام وعصمته تابعان لها الامة فيها الاصل والامام الفرع لا يفهم له معنى ولا يدل عليه دليل والامة لا عصمة لها والامام عنده لا عصمة له. وآية (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) لا ترتبط بشيء من ذلك ففي مجمع البيان : اختلف في معناه فقيل قدوة ومعلما للخير. قال ابن الاعرابي يقال للرجل العالم امة وهو قول اكثر المفسرين. وقيل امام هدى عن قتادة. وقيل سماه امة لان قوام الامة كان به وقيل لانه قام بعمل امته. وقيل لانه انفرد بالتوحيد عن مجاهد. فاي ربط لهذه الاقوال بكون الاصل في الشرف والعصمة هي الامة. واما تعليله ذلك أيضا بان الامة معصومة عصمة نبيها في تحملها وحفظها وتبليغها وانها حفظت كل ما بلغه النبي من كليات الدين وجزئياته اصوله وفروعه لم يضع منها شيء ولم تنس شيئا فهو كسابقه في غاية السخافة فاذا كان النبي معصوما في تحمله وحفظه وتبليغه فما الذي اوجب ان تكون الامة كذلك وكل فرد منها ليس بنبي حتى تكون له صفة النبي واذا كانت الامة قد حفظت كليات الدين وجزئياته فلما ذا اختلفت في صفات الباري تعالى وامكان رؤيته وفي وجوب عصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها وفي خلق الافعال والحسن والقبح العقليين وفي الامامة وغير ذلك وفي مسائل من فروع الدين من الطهارة الى الديات ولما ذا اختلف عمر وابن عباس في العول والمتعة واختلف في العول والتعصيب ائمة اهل البيت مع غيرهم ولما ذا اختلفت أمّ المؤمنين وابن عمر في حديث ان الميت يعذب ببكاء اهله ولما ذا اختلفت الزهراء والخليفة في إرث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وماتت وهي واجدة عليه ولما ذا اختلف ابو ذر وعثمان وكعب الاحبار في ان بعض الآيات عام لنا ولغيرنا او خاص بغيرنا ولما ذا اختلف سعد وغيره في الامامة والامارة ولما ذا اختلف علي واصحاب الجمل وعلي وحزبه ومعاوية وحزبه في امر الخلافة والامارة فهل كان هؤلاء كلهم من غير الامة او كان امر الخلافة ليس من كليات الدين ولا من جزئياته ولما ذا اختلف من تسموا بأهل السنة والمعتزلة والامامية في جملة من مسائل الاصول

٧٤

والفروع ولما ذا اختلف ائمة المذاهب الاربعة في مسائل الفروع ووقع الخلاف من غيرهم من الفقهاء كمحمد بن الحسن الشيباني والقاضي ابي يوسف وداود الظاهري وغيرهم ولما ذا اختلف الحنابلة وغيرهم في المسائل المعروفة في العقائد. ولما ذا اختلف الخوارج وغيرهم ولما ذا افترقت الامة ثلاثا وسبعين فرقة أكل هؤلاء لم يكونوا من الامة أم ما جرى بينهم ليس خلافا في كليات الدين ولا في جزئياته ولا في اصوله ولا في فروعه بل هو خلاف في مسائل الحساب والهندسة والطب وان اراد ان الحق في ذلك لا يخرج عن الامة فهذا لا ينفع فيما اختلفت فيه الامة ولا يرشد المخطئ الى الصواب ولا يقال فيه ان الامة حفظت كليات الدين وجزئياته اصوله وفروعه ولم يضع منها شيء ولا يمكن ان ينسى او يغفل منه عن شيء فالمخطئ من الامة لم يحفظ ذلك وقد نسي وغفل عما هو الصواب. واما تعليله ذلك بان الامة اذا لم يكن لها عقل يعصمها وايمان يهديها وقوة تحميها فلا وجود للامة واستشهاده بآية يهدي الله لنوره من يشاء وان العقل نور إلهي وبآية ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم فهو في السخافة كما سبقه فان العقل بمجرده لا يكون عاصما كما عرفت وكونه نورا إلهيا لا يمنع ان تغطي عليه ظلمات الشهوات ممن لم يهدهم الله لنوره فان هذا النور الالهي لم يخلقه الله تعالى قادرا على ادراك كل شيء. والايمان وحده لا يكون هاديا سواء أكان هادئا أم متحركا. والذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم والذين عملوا السيئات لا تشملهم هذه الهداية. والقوة التي تحمي الامة يجب ان تكون في يد امام معصوم لئلا يستعملها من هي في يده في هدم كيان الامة وفيما يضرها ويصرفها حسب شهوات نفسه لا حسب مصلحة الامة كما وقع ذلك في دولة الاسلام كثيرا وكفلت بحفظه التواريخ وهو اظهر من ان يحتاج الى بيان مع ان الامامة لا يمكن ان تزيد عن النبوة فالانبياء الذين كذبوا وقتلوا وطردوا ولم يكن لهم قوة تحميهم ولا تحمي اممهم هل كان ذلك قادحا في نبوتهم وموجبا لان نقول ان اممهم حيث انه ليس لها قوة تحميها لا وجود لها ولوط عليه‌السلام يقول لو ان لي بكم قوة فكون الامة التي ليست كذلك لا وجود لها مجرد تزويق وتنميق لا يرجع الى محصل.

واما زعمه ان الامة اقرب الى العصمة والاهتداء من كل امام معصوم وتعليله ذلك بأن عصمة الامام دعوى وعصمة الامة بداهة وضرورة بشهادة القرآن. فيكذبه

٧٥

ان عصمة الامام ليست بدعوى بل هي الثابتة بالبداهة والضرورة وشهادة القرآن. وذلك لما اشرنا إليه غير مرة من ان الدليل الدال على عصمة النبي هو بعينه دال على عصمة الامام فالنبي مبلغ للشريعة والامام حافظ لها بعد النبي من الزيادة والنقصان وامين عليها ومرجع للأمة في امورها الدينية والسياسية للاتفاق على ان الامامة رئاسة عامة في امور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي فكما يجب ان يكون النبي معصوما من الذنوب لأن صدور الذنب منه يوجب سقوط محله من القلوب وعدم الوثوق بأقواله وافعاله وذلك ينافي الغرض المقصود من ارساله. كذلك يجب ان يكون الامام معصوما لهذه العلة بعينها فانه ان لم يكن معصوما لم يكن مأمونا على الشريعة وعلى امور الأمة الدينية والدنيوية ولكان وقوع المعصية منه موجبا لسقوط محله من القلوب وعدم الوثوق باقواله وافعاله وهو ينافي الغرض المقصود من إمامته. واما شهادة القرآن بعصمة الامام فهي قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين والخلافة والإمامة عهد من الله تعالى اتفاقا ولو كانت باختيار الأمة لأن من اختارته الأمة يصير خليفة واجب الاطاعة بأمر الله تعالى عند القائلين بانها باختيار الأمة لقوله تعالى واولي الأمر منكم وغير المعصوم ظالم لنفسه فلا يناله هذا العهد الى غير ذلك من الأدلة المذكورة في كتب الكلام فكان عليه ان يبطلها بالدليل والبرهان لا بمجرد دعوى انها دعوى. ودعواه عصمة الأمة بالبداهة والضرورة بشهادة القرآن باطلة بالبداهة والضرورة وبشهادة القرآن. اما بطلانها بالبداهة والضرورة فيعلم مما مر. واما بطلانها بشهادة القرآن فبقوله تعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). فهذا نص في ان الأمة بعد نبيها منها من ينقلب على عقبيه ومنها من يكون شاكرا فاين العصمة.

والآيات التي ذكرها لا ترتبط بما يحاوله من اثبات عصمة الأمة واستغنائها عن امام معصوم فان الهداية هي إراءة الطريق وقد تفضل الله بها على عباده بما وهب لهم من العقول وارسل إليهم من الرسل ولكن ذلك لا يكفي عن وجود امام له رئاسة عامة في امور الدين والدنيا يكون حافظا للشرع من الزيادة والنقصان ومنصفا للمظلوم من الظالم.

٧٦

واما زعمه ان الأمة بلغت رشدها وانها ارشد من كل امام يدعى له الوصاية عليها ببركة الرسالة وختمها وانها اكرم واعز وارفع من ذلك فلا تحتاج الى امام لأن الوصاية تكون على القاصر لا على البالغ الراشد فهو كما سبقه في السخافة فان المسألة ليست مسألة بلوغ سن وحصول رشد بل مسألة احتياج الأمة الى امام يكون بالصفات الآنفة الذكر وهذا قد اتفق عليه المسلمون فاجمعوا على وجوب نصب الإمام قبل ان يخلق الله صاحب الوشيعة وبعد ما خلقه وانما اختلفوا في ان الإمام هل يجب ان يكون معصوما أو لا ، وفي ان نصبه من الله تعالى او باختيار الرعية وعلى مقتضى كلامه لا حاجة الى امام لا منصوب من الله ولا من الرعية لا معصوم ولا غير معصوم هذا علم موسى جار الله وهذه ادلته وهذه انظاره التي خالف بها اجماع المسلمين ولم يأت بدليل سوى تكرير عبارات وتسجيع الفاظ وتجنيسها لا طائل تحتها بل هي كرحى تطحن قرونا تسمع جعجعة ولا ترى طحنا. والأمة قد اتفقت على انه لا بد لها من امام معصوم او غير معصوم تكون تحت وصايته الى الا بد وبين لها صاحب ختم النبوة ذلك بقوله من مات ولم يعرف امام زمانه الخ. والأمة لم يمنعها عقلها وكما لها ورشدها ـ الذي يدعيه لها ـ بعد ختم النبوة من الاختلاف في مسائل الدين والامرة من الحروب والفتن وضلال جمع منها عن طريق الحق ولا ينافي ذلك وقوع هذا مع وجود الإمام لأنهم اذا لم يتبعوه ولم يطيعوا قوله كان الذنب عليهم. والأنبياء أعلى درجة من الإمام وقد وقع هذا مع وجودهم وتطاول الايد لا يزيد الامة في العقل والرشد والكرامة والعز والرفعة كما نراه بالعيان. بل نرى انها كلما كبرت سنها فقدت رشدها وخرفت وشاخت وولي عليها امثال يزيد والحجاج وشرب خلفاؤها الخمور وارتكبوا الفجور فاتصفت بالوضيعة ولم تكبر عن طوق الشيعة وسواء أكانت الامة قد بلغت رشدها أم كبرت وشاحت واضاعت رشدها فنحن قد رضينا من هذه الامة اهل بيت نبينا فاتبعنا طريقتهم واهتدينا بهداهم واستننا بسنتهم كما اوصانا رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وانت ترى نفسك في غنى عنهم وتتمسك من الامة بسواهم فلك ما تمسكت به ولنا ما تمسكنا بهم.

نحن بما عندنا وانت بما عن

دك راض والرأي مختلف

٧٧

فظهر ان قوله بعصمة الامة سخف عار عن التحصيل لم يسبقه إليه عاقل ولا جاهل وانها غير ممكنة ولا معقولة وان المصلحة في عصمة الإمام والضرورة والحاجة إليها ظاهرة بينة وانها ممكنة وواقعة وانها تغني الامة في كل شيء ولا يغني عنها شيء. وائمته عنده غير معصومة فليفرح بعدم عصمتهم وائمة اهل البيت ليسوا بأئمته وهو ينكر عصمتهم وهو بهذا الإنكار فرح اكثر من فرح الشيعة. ومن القول بعصمتهم متغيظ. واذا كان الدليل قادنا الى اعتقاد عصمتهم فلا نبالي بفرحه ولا بحزنه فليطر بجناحيه الى مخالفتهم ومنابذة اوليائهم ومحبيهم الذين يمسحون بارجلهم كما امر بذلك كتاب ربهم ولا يغسلونها. واذا مت غيره في ولاء اهل البيت بلمحة تقية خوفا من اعدائهم فانهم يرجون بذلك اجرا عند ربهم وعده الصابرين اما هو فبعيد بقوله هذا عن ولائهم وليس له فيه غرر ولا حجول ولا يريده لا للحاضرة ولا للآخرة. وحديث القرون الثلاثة قد مر انه من الموضوعات وخير البرية لا يعم جميع افراد الامة ولا اكثرهم واظهر من دخل في عمومه محمد واهل بيته عليه وعليهم‌السلام وعلى ذكر عصمة الامة التي يدعيها نذكر ابياتا لنا من قصيدة :

امة تلعن الوصي ترى ذ

لك دينا نأت عن التسديد

امة يغتدي خليفتها مث

ل يزيد ما حظها بسعيد

امة تقتل ابن بنت رسول الل

ه ظلما لشر بيض وسود

وما دعواه ان الامة اعلم بالقرآن والسنة من جميع الائمة ومن الصحابة وان علمها اليوم بذلك اكثر واكمل من علم علي واولاده وان اهتداء الامة اقرب من اهتداء الائمة وان الامة اهدى الى الصواب والحق من كل امام معصوم فهي لا تنقص عن سابقاتها في السخافة وظهور البطلان فان كون الامة اعلم بالقرآن والسنة من جميع الائمة يكذبه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العترة ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم وقوله (ص) انا مدينة العلم وعلي بابها وقول لو لا علي لهلك عمر قضية ولا ابو حسن لها ورجوع الناس الى الائمة واخذهم العلم عنهم وعدم رجوعهم الى احد. وكون علم الامة اليوم بالقرآن والسنن اكثر واكمل من علم باب مدينة علم المصطفى وابنائه الذين اخذوا علومهم عنه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله

٧٨

تعالى الذي لا يمكن ان يكون علم اكثر منه واكمل محض عناد وضلال وهل علم اكثر ابناء اليوم وقبل اليوم بالسنن الا تقليد في تقليد

لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها وحتى استامها كل مفلس

لقد جاء زمان بفضل فيه موسى التركستاني ابناء اليوم على علي وولده في العلم وعلى الصحابة.

اذا وصف الطائي بالبخل مادر

وعير قسا بالفهاهة باقل

وقال السهى للشمس انت ضئيلة

وقال الدجى للصبح لونك حائل

وفاخرت الارض السماء سفاهة

وكاثرت الشهب الحصى والجنادل

فيا موت زر ان الحياة ذميمة

ويا نفس جدي ان دهرك هازل

ولا شيء اعجب من ادعائه ان ذلك معلوم بالضرورة وتعليله ذلك بارث اللاحق ما كان للسابق وان الامة ورثت ذلك ووفرت ودونت وانها ورثت نبيها فان الامة باعراضها عن علوم اهل البيت مفاتيح باب مدينة العلم وينابيع الحكمة ومن امرت بان تتعلم منهم ولا تعلمهم لانهم اعلم منها قد افلست ولم توفر ولم ترث الا النزر اليسير والذين ورثوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الامة في علومه كلها هم اهل بيته دون سواهم وهم الذين نزل القرآن في بيوتهم على جدهم الرسول (ص) وعنه اخذ جدهم علي بن ابي طالب القرآن وعلومه والسنة وعلومها وعلمه من القرآن محكمه ومتشابهه وعامه وخاصه ومطلقه ومقيده وناسخه ومنسوخه وفرائضه وسننه ورخصه وعزائمه وتنزيله وتأويله فقد كان ملازما له في سفره وحضره وليله ونهاره وعشيه وابكاره من طفولته الى وقت وفاته فلم تكن من آية الا وهو يعلم متى نزلت واين نزلت وفيم نزلت وهو الذي قال سلوني قبل ان تفقدوني ولم يقلها بعده إلا كاذب واخذ الائمة من ابنائه علومهم عنه خلفا عن سلف. أفهؤلاء يقال ان في الامة اليوم او قبل اليوم من هو اعلم منهم بكثير واخذها عنهم فقهاء شيعتهم الذين لم يقصروا وورثوا ووفروا ودونوا. وهل الاجتهاد المأخوذ بالآراء والمقايس والاستحسان ـ سواء أتناولته الايدي بسهولة من كتب أم بصعوبة من بعد ـ اقرب الى الصواب من العلم المأخوذ خلفا عن سلف عن امام عن ابيه عن جده عن الرسول (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى. وابن الامة اليوم لا يزيد عن ابيه الذي قد وصفنا حاله وتسجيع العبارات

٧٩

وتنميقها لا يغير من حال الابن والأب شيئا. وما تدعيه الشيعة وتثبته في الائمة استنادا الى كتاب ربها واقوال نبيها لا يمكن وجوده في احد غيرهم لا بتمامه ولا ببعضه فضلا عن ان يكون فيها من هو احفظ واعلم وافقه ودعوى القطع في ذلك هي عين الوهم. وكون الله تعالى جعل في الامة من هو اعلم من الصحابة بكثير ينافي حديث خير القرون قرني الذي اعتمد عليه فيما سبق ـ فان القرن باهله ولا شيء خير من العلم وكيف يكون اهتداء الامة اقرب واصوب من اهتداء الائمة والائمة اخذوا اهتداءهم عن آبائهم عن اجدادهم عن الرسول (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى وغيرهم اهتدوا بآرائهم ومقاييسهم واستحساناتهم فأي الفريقين احق بان يكون اهتداؤه اقرب الى الصواب والحق. واما دعواه ان الامة حازت بالعصوبة كل مواريث نبيها وفازت بكل ما كان له بالنبوة فيقال له أكل فرد من افراد الامة حاز ذلك وفاز به بالعصوبة أم طائفة مخصوصة من الامة فان قال بالاول كذبه العيان والوجدان وان قال بالثاني فمن هي الطائفة من الامة التي هي احق بميراث نبي الامة من اهل بيته وابنائه وعصبته الادنين الذين ورثوا علومه خلفا عن سلف واخبر ان المتمسك بهم لا يضل ابدا والذين جعلهم في ذلك شركاء القرآن وبمنزلة باب حطة وسفينة نوح والذين امر بلزومهم وعدم التقدم عليهم وعدم التأخر عنهم وانت تحيد عنهم وتنتقد اقوالهم في غير موضع من وشيعتك الواهية البالية وتنابذ شيعتهم ومتبعيهم فالامة في نبذها اقوالهم وهجرها لم تحز من مواريث نبيها لا بالعصوبة ولا بالعول الا النزر اليسير.

واما دعواه ان احتياج الناس الى الإمام المعصوم ينافي حكمة ختم النبوة لانه اما لقصور في بيان الكتاب او في روح النبوة او في التبليغ فدعوى الاحتياج طعن في اصل الدين فهي طنطنة وتهويل بغير معنى. فانا نسأله أتحتاج الامة الى امام غير معصوم أم لا فان قال لا فقد خالف اجماع الامة وان قال نعم فكيف لم يرفع ختم النبوة برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبركة القرآن الكريم الاحتياج الى الإمام الغير المعصوم ورفع الاحتياج الى المعصوم مع ان رفعه الاحتياج الى غير المعصوم اولى وحينئذ يقال دعوى الاحتياج الى الإمام الغير المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة الى آخر ما ذكره. وحكمة ختم النبوة اولى بان تثبت الاحتياج الى امام معصوم من ان تنفيه فاذا

٨٠