نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

المذاهب التي تقلدها مع أنه أولى بالاتباع وكان الباعث على ذلك المودة لا العداوة حتى قام موسى التركستاني اليوم يشكك في روايتهم فيقول ان كانت لهم رواية.

الصحابة والعصر الأول وأمهات المؤمنين

نسب إلى الشيعة في مواضع من كتابه امورا قال انها لا تتحملها الأمة والعقل والدين وهي (١) القول في الصحابة وفيمن غصب حق أهل البيت وظلمهم (٢) في العصر الأول (٣) في امهات المؤمنين ، ناقلا ذلك عن بعض الكتب التي فيها الحق والباطل والصحيح والسقيم ولو كان كل ما فيها صحيحا فلما ذا وضع علم الرجال وعلم الدراية هل هو إلا للبحث عن الأسانيد وتمييز الصحيح منها من السقيم والأخذ بما صح سنده ولم يخالف الكتاب والسنة والاجماع وطرح ما عداه ولا يمكن أن ينسب إلى طائفة من أهل المذاهب اعتقاد كل ما في كتب أفرادها إذ ليسوا كلهم بمعصومين ولا كل ما رووه في كتبهم صحيحا بل صاحب الكتاب لا يرى كل ما في كتابه صحيحا وإنما ذكر سنده كما وجده وإذا كان تحرى فإنما أخذ في صحة الاسناد بالظنون والاجتهادات التي يجوز عليها الخطأ ويجوزها هو على نفسه وقد يظهر لغيره ما لم يظهر له ويطلع غيره على ما لم يطلع هو عليه فيخالفه في رأيه ويكون الصواب مع ذلك الغير. ونحن نتكلم على كل واحد من هذه الأمور التي ذكرها على حدته ونبين ما هو الصواب فيه.

«١»

الصحابة

(أما الصحابة) فالنزاع بين الشيعة الإمامية الاثني عشرية وبين الأشاعرة ـ الذين سموا أنفسهم بأهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في أمر الخلافة والإمامة وفي تفاوت درجات الصحابة رضوان الله عليهم وعدالة جميعهم وعدمها ، وكون علي أحق ممن تقدمه بالخلافة أولا. ليس هو وليد اليوم بل قد مضت عليه القرون والاحقاب وحصل قبل الف ومئات من السنين قبل أن يخلق الله الأشاعرة والمعتزلة وتناولته الألسن والأقلام في كل عصر وزمان ممن لا يصل أمثاله إلى أدنى درجاتهم في العلم والفت فيه الكتب الكلامية المختصرة والمطولة من الفريقين ابراما ونقضا وبذل فيه

٤١

الفريقان وسعهم وأتوا بكل ما وصلت إليهم قدرتهم من حجج وبراهين ونقض وإبرام فكل يدلي بحجته ويدعي أن الحق في جانبه ولا مرجع لا ثبات أن الحق مع أحد الفريقين إلا الدليل والبرهان فإن كان في وسعه إقامة البرهان على شيء من ذلك فليأت به أما هذه التهويلات والكلام الفارغ والدعاوى المجردة عن الدليل أمثال لا تتحملها الأمة والأدب والعقل والدين فلا تثبت حقا ولا تنفي باطلا ولا تأتي بجدوى وكل من الباحثين مجتهد بزعمه معذور عند ربه إن أخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران أسوة بالصحابة الكرام الذين اجتهدوا فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ وللمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر واحد والقاتل والمقتول والباغي والمبغي عليه كلهم في الجنة فليسعنا من رحمة الله وعفوه ما وسعهم فإن رحمته واسعة لا تسع قوما وتضيق عن آخرين فما لنا ولهذا التهويش في زمان نحن فيه أحوج إلى الوئام والوفاق من النزاع والشقاق. ونحن نسأله عن العصر الأول أفضل عصور الاسلام وخير القرون عندك وخير أمة أخرجت للناس بنص الكتاب وعصر الخلافة الراشدة هل كان يسب ويلعن فيه علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين وولداه الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيدا شباب أهل الجنة وعبد الله ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن وفقيه الصحابة وهم خيار الصحابة وأفاضلهم وأكابرهم على المنابر الأعوام المتطاولة في كل قطر وفي جميع بلاد الاسلام في الأعياد والجمعات ويقنت بلعنهم في الصلوات وفي أعقابها وعلى منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقابل حجرته الشريفة بمسمع من أهل بيته وباقي الأمة ساكتون أو معاونون في جميع أقطار الأرض إلا نفر يسير كان جزاؤهم القتل بالسيف صبرا في مرج عذرا. ونسأله عن قتل حجر بن عدي الكندي صبرا وعن قتل عمرو بن الحمق الخزاعي وحبس زوجته آمنة بنت الشريد في سجن دمشق سنتين وهما من أفاضل الصحابة فهل كان كل ذلك من الأمور التي تحملتها الأمة والأدب والعقل والدين وقد استمر ذلك مدة ملك بني أمية إلا يسيرا منها في خلافة عمر بن عبد العزيز (١)

__________________

(١) راجع شرح النهج لابن أبي الحديد وتاريخي الطبري وابن الأثير وكتب أسماء الصحابة وغيرها. وقال كثير في عمر بن عبد العزيز لما رفع السب

وليت فلم تشتم عليا ولم تخف

بريا ولم تتبع مقالة مجرم

٤٢

فلما ذا احتملتها الأمة كل هذه المدة وبقيت صامتة أو معاونة مشاركة وجاءت الأمة بعد ذلك تجعل عذرا لمرتكبي هذه الفظائع وتحملها على الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه والأمة معصومة عندك كما ستصرح به مرارا وتكرارا فهل كان هذا من آثار عصمتها أو أن الله تعالى ـ وهو اعدل العادلين ـ من جهة قوم شديد العقاب ومن جهة آخرين غفور رحيم فمن هو يا ترى الذي سن السب واللعن وفتح باب القدح والطعن واحتملته الأمة واحتمله الأدب والعقل والدين مئات السنين ثم لم تعد تحتمله ونسأله عن قول إحدى امهات المؤمنين في بعض أكابر الصحابة من الخلفاء الراشدين اقتلوا فلانا فقد كفر وعن قول ابن أم كلاب لها :

وأنت أمرت بقتل الامام

وقلت لنا إنه قد كفر (٢)

عدالة الصحابة

قال صفحة (ما) : القرن الأول هم الصحابة عدول بالاجماع وخير هذه الأمة. وخير أمة أخرجت للناس. وكل ثناء في القرآن هم أول داخل فيه. خرج النبي عن الدنيا وهو عن كلهم راض. ولهم كان الخطاب : اليوم أكملت لكم دينكم الآية. وخطاب الوعد بالاستخلاف والتمكين. ثم ذكر آية : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان الآية. قال والمتبوع لا يكون إلا الأفضل والأشرف. فالعصر الأول هم أفضل الأمة. وأفضله الصديق والفاروق والخلافة الراشدة والصحابة ا ه ملخصا.

(ونقول) في كلامه مواقع للنظر (أولا) دعواه الاجماع على عدالة جميع الصحابة التي سبقه إليها ابن حجر هي في محل الخلاف فقد صرح ابن الحاجب في مختصر الأصول والعضد في شرحه بنسبة ذلك إلى الأكثر قال وقيل كغيرهم وقيل إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون من الطرفين ا ه. وقال الآمدي في الأحكام : اتفق الجمهور

__________________

وقال الشريف الرضي يخاطب عمر بن عبد العزيز

أنت نزهتنا عن السب والشتم

فلو أمكن الجزاء جزيتك

(٢) راجع تاريخي الطبري وابن الأثير وغيرهما ـ المؤلف.

٤٣

من الأئمة على عدالة الصحابة ، وقال قوم حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية. ومنهم من قال إلى حين ما وقع من الاختلاف والفتن فيما بينهم ا ه فإذا المسألة ذات أقوال ثلاثة فأين الاجماع (ثانيا) ينافي هذه الدعوى ما شوهد من صدور أمور من بعضهم لا تتفق مع العدالة كالخروج على أئمة العدل وشق عصا المسلمين وقتل النفوس المحترمة وسلب الأموال المعصومة والسب والشتم وحرب المسلمين وغشهم والقاح الفتن والرغبة في الدنيا والتزاحم على الامارة والرئاسة وغير ذلك مما كفلت به كتب الآثار والتواريخ وملأ الخافقين وأعمال مروان ابن الحكم والوليد بن عقبة في خلافة عثمان وبسر بن أرطاة وعمرو بن العاص أيام معاوية معلومة مشهورة وكلهم من الصحابة والحمل على الاجتهاد يشبه خدعة الصبي عن اللبن (ثالثا) العموم في باقي ما ذكره ممنوع فإن كل ذلك مقيد أو مخصص بغيره من الأدلة والآيات الدالة على اشتراط ذلك بعدم حصول ما ينافيه (رابعا) سيأتي منه في مقتل عثمان ما ينافي عدالة جميع الصحابة (خامسا) كون النبي خرج عن الدنيا وهو عن كلهم راض دعوى تحتاج إلى الاثبات وقد تبرأ إلى الله من فعل بعضهم في حياته ثلاثا (سادسا) إذا كان الله تعالى خاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين بأنه أكمل لهم الدين واتم عليهم نعمته ورضي لهم الاسلام دينا فما وجه الملازمة بين ذلك وبين عدالة جميعهم وهل يمنع ذلك من أن يكون بعضهم لم يقم بشكر تلك النعمة (سابعا) الفضل لا يكون إلا بالتفوق في الصفات الفاضلة التي نراها مستجمعة في علي بن أبي طالب عليه‌السلام لا يشاركه فيها مشارك كما قال خزيمة ذو الشهادتين :

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو مقلد (ثامنا) إذا كانت الآيات المذكورة شاملة للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فهي لا تشمل من صدرت منهم الأمور المنافية للعدالة (تاسعا) إذا كانت الأمة معصومة كما ادعاه فيما يأتي واطال فيه وملأ الصفحات والأوراق فلما ذا لم يدع العصمة في الصحابة وهم أعيان الأمة واقتصر على مجرد العدالة.

٤٤

«٢»

العصر الأول والقرن الأول

قال في صفحة (ف) الروح في كتب الشيعة هي العداء للعصر الأول وفي ص ٢٢٧ ان أول عصور كل الأديان والأمم يعتقدها اتباعها مقدسة محترمة إلا الشيعة وفي ص ٢٦ الأمة قد علمت علم اليقين أن أفضل قرون الاسلام قرن رسالته وقرن خلافته الراشدة ، وفي صفحة ٢٢٧ أن العصر الأول هو أفضل عصور الاسلام وفي ص (له) ما حاصله : ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. والمعنى أن القرون الثلاثة خير من القرون السابقة على الاسلام ولا تفاضل بين القرون الثلاثة إذ ثبت أمتي كالمطر لا يدري أولها خير أم آخرها أريد التفاضل بين القرون الثلاثة فمعنى لا يدري أولها خير أم آخرها في سعة الأرزاق واتساع البلاد والدولة.

ونقول (أما العداء للعصر الأول) فالذي بيننا وبينك ليس العداء للأعصار ولا للأشخاص انا متفقون معكم في كل شيء جاءت به شريعة الاسلام إلا في الإمامة لمن هي ومن هو الأحق بها بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي صفات الباري تعالى ورؤيته ونحو ذلك. وهذه تكون القناعة فيها بالحجة والبرهان لا بهذه التهويلات التي لا تغني فتيلا.

وأما ان اوائل عصور الأديان مقدسة محترمة باعتقاد اتباعها. فيرده انه لو سلم اعتقاد اتباعها ذلك لا يدل على انها مقدسة واقعا بل هم ان اعتقدوا ذلك فهم مخطئون في اعتقادهم لأن الوجدان على خلافه. فآدم عليه‌السلام كان له ابنان قتل أحدهما الآخر ظلما فاذا كان هذا وبنو آدم في الدنيا اثنان فقط فما ظنك بهم وقد صاروا فيها ألوفا وملايين ومليارات. ونوح عليه‌السلام من اولي العزم لبث في قومه الف سنة إلا خمسين عاما ، يدعوهم وهم يكذبونه ويسخرون منه ، وهو يبني السفينة ويقولون له صرت بعد النبوة نجارا فأهلكهم الطوفان وأهلك جميع من على وجه الأرض من انسان وحيوان إلا من حملتهم السفينة. وابراهيم عليه‌السلام من اولي العزم عاصره النمرود وادعى الربوبية ورام احراقه بالنار فنجاه الله ثم طرد وأبعد. ولوط عليه‌السلام كذبه قومه وانتشرت فيهم فاحشة اللواط حتى قلب الله مدينتهم بأهلها وجعل عاليها سافلها. وقوم صالح عليه‌السلام كذبوه وعقروا الناقة فأهلكهم

٤٥

الله. وأولاد يعقوب عليه‌السلام أرادوا قتل أخيهم يوسف عليه‌السلام ثم القوة في الجب وباعوه بيع العبيد واحزنوا أباهم حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ... وموسى عليه‌السلام من أولي العزم عاصر فرعون مدعي الربوبية ورام قتله فخرج من مصر خائفا يترقب يقتات من نبات الأرض ولاقى من بني اسرائيل الشدائد بعد ما خلصهم من فرعون الذي كان يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم ولم تجف اقدامهم من البحر حتى طلبوا منه أن يجعل الأصنام ولم تمض مدة طويلة حتى عبدوا العجل وقالوا اذهب انت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ، وحتى تاهوا في الأرض أربعين سنة وحتى مسخوا قردة وخنازير ، وخالفوا على وصي موسى يوشع ابن نون وحاربوه. وعيسى عليه‌السلام من أولي العزم كذب وحاول قومه صلبه ودل عليه بعض أصحابه وهكذا سائر الأنبياء فعل بهم الأفاعيل ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن نصيبه بأقل من نصيب الأنبياء قبله من أممهم كذب وأذوي وطرد وراموا قتله ، فخرج عنهم مستخفيا وكان طول حياته مشغولا بالحروب حتى ظهر امر الله وهم كارهون وكان في عصره كثير من المنافقين بنص الكتاب وراموا قتله يوم تبوك ، فأعلمه الله بهم وبعده توالت الفتن والحروب وانتقم اعداؤه من ذريته وأهل بيته ، بعد موته ، بما هو مشهور معروف ثم توالت الفتن والحروب في جميع دول الاسلام إلى اليوم. والعصور إنما تكون مقدسة محترمة بأهلها فهذه أوائل عصور كل الأديان والأمم كانت بهذه الصفة عند الله تعالى وعند انبيائه وصالحي عباده ولم تكن مقدسة ولا محترمة إلا عند موسى تركستان. فأين هو أول العصور الذي كان مقدسا محترما ومتى كان لا نراه وجد في زمان إلا ان يكون في عصر مؤلف الوشيعة الذي نفي من تركستان ولاقى ما لاقى ثم جاء الى هذه البلاد ينفث السموم ويوقد نيران الفتن ويثير الضغائن ويفرق الكلمة ويؤلف الكتب ويطبعها وينشرها.

ويأتي في الفصل الذي بعده ما له علاقة بهذا.

وأما ان افضل العصور وخير القرون العصر الأول والقرن الأول وان الأمة قد علمت ذلك علم اليقين. فالأمة ليس لديها ما تعلم به ذلك بل لديها من المشاهدات

٤٦

ما تعلم به عكسه علم اليقين. والحديث الذي اشار إليه نقله ابو المعالي الجويني بلفظ خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه ، وكذلك أورده نقيب البصرة كما يأتي وأرسله ابن حجر في الاصابة بلفظ خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ورواه صاحب اسد الغابة عن جعدة بن هبيرة المخزومي ورواه بعضهم عن جعدة ابن هبيرة الأشجعي كما في تهذيب التهذيب وغيره ، فهو مضطرب المتن والسند ولم تثبت صحته بل قد علم وضعه بمخالفته الوجدان فالعصور التي يقال فيها انها خير العصور انما يكون ذلك باعتبار أهلها وهي متساوية متماثلة دائما فيها الصالح والطالح من عهد آدم عليه‌السلام الى يومنا هذا والغالب على أهلها الفساد والصالحون فيها افراد قلائل (وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) سواء في ذلك اوائلها وأواسطها وأواخرها ووجود انبياء وصلحاء في كل عصر لا يجعل الغالب على أهله الصلاح ولا يجعله خيرا من غيره.

وما احسن ما قاله بديع الزمان الهمذاني من جملة كتاب له الى احمد بن فارس : والشيخ يقول فسد الزمان أفلا يقول متى كان صالحا. أفي الدولة العباسية فقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها أم المدة المروانية وفي اخبارها (لا تكسع الشول باغبارها) (١) أم السنين الحربية :

والرمح يركز في الكلى

والسيف يغمد في الطلى

ومبيت حجر في الفلا

والحرتين وكربلاء

__________________

(١) هذا شطر بيت للحارث بن حلذة (بكسر الحاء وتشديد اللام المكررة) اليشكري قال :

لا تكسع الشول بأغبارها

إنك لا تدري من الناتج

قال الجوهري كسع الناقة اذا ضرب خلفها (بكسر الخاء وسكون اللام) بالماء البارد ليزاد اللبن في ظهرها وذلك اذا خاف عليها الجدب في العام القابل قال الحارث بن حلذة :

لا تكسع الشول بأغبارها

انك لا تدري من الناتج

والشول جمع شائلة على غير قياس وهي التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة اشهر فجف لبنها (والأغبار) جمع غبر كقفل واقفال وهو بقية اللبن في الضرع. يقول لا تغزر ابلك اي تترك حلبها وتطلب بذلك قوة نسلها واحلبها لأضيافك فلعل عدوا يغير عليها فيكون نتاجها له دونك وقال الخليل هذا مثل وتفسيره اذا نالت يدك من قوم شيئا بينك وبينهم احنة فلا تبق على شيء انك لا تدري ما يكون في الغد.

٤٧

أم البيعة الهاشمية وعلي يقول ليت العشرة منكم برأس من بني فراس (١). أم الأيام الأموية والنفير الى الحجاز والعيون الى الاعجاز أم الأمارة العدوية وصاحبها يقول وهل بعد البزول إلا النزول. أم الخلافة التيمية وصاحبها يقول طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام. أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الامانة أم في الجاهلية ولبيد يقول :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الاجرب

أم قبل ذلك وأخو عاد يقول :

بلاد بها كنا وكنا نحبها

إذا الناس ناس والزمان زمان

أم قبل ذلك وروي عن آدم عليه‌السلام :

تغيرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبر قبيح

أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. وما فسد الناس وإنما اطرد القياس ولا أظلمت الأيام وإنما أمتد الاظلام وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ويمسي المرء إلا عن صباح.

والحاصل ان الحديث الذي أشار إليه لم يثبت بل يثبت كذبه وكيف يثبت وهو مخالف للوجدان. واثباته مع مخالفته للوجدان تكذيب لمن نسب إليه. وإنما وضع امثال هذه الأحاديث متعصبة الأموية مراغمة لأهل البيت وأتباعهم.

__________________

(١) يشير الى قول علي عليه‌السلام في خطبته لما بلغه غلبة بسر بن ابي ارطاة على اليمن مخاطبا اصحابه اما والله لوددت ان لي بكم الف فارس من بني فراس بن غنم.

هنالك لو دعوت اتاك منهم

فوارس مثل ارمية الحميم

قال ابن ابي الحديد وهم بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضرحي مشهور بالشجاعة ـ منهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان ومنهم ربيعة بن مكدم بن حدثان بن جذيمة ابن علقمة بن فراس الشجاع المشهور حامي الظعن حيا وميتا والبيت الممتثل به لأبي جندب الهذلي واوّل الابيات :

ألا يا أم زنباع اقيمي

صدور العيس نحو بني تميم

وقال الشريف الرضي : الأرمية جمع رمي وهو السحاب والحميم هنا وقت الصيف وانما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنها أشد جفولا وأسرع خفوقا لأنه لا ماء فيه وانما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء وذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء وإنما اراد الشاعر وصفهم بالسرعة اذا دعوا والاغاثة اذا استغيثوا والدليل على ذلك قوله هنالك لو دعوت اتاك منهم.

ـ المؤلف ـ

٤٨

حكى ابن ابي الحديد في شرح النهج عن نقيب البصرة يحيى بن زيد العلوي انه جرى في مجلسه ذكر هذه المسألة فذكر بعض الشافعية ـ فيما ذكر ـ هذا الحديث فأتى النقيب برسالة قال انها لبعض الزيدية ـ والمظنون انها للنقيب ـ : وفيها : وأما حديث خيركم القرن الذي أنا فيه الخ ، فمما يدل على بطلانه ان القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا قتل فيه الحسين وأوقع بالمدينة وحوصرت مكة ونقضت الكعبة وشرب خلفاؤه الخمور وارتكبوا الفجور كما جرى ليزيد بن معاوية ويزيد بن عاتكة والوليد بن يزيد وأريقت الدماء الحرام وقتل المسلمون وسبي الحريم واستعبد ابناء المهاجرين والانصار ونقش على ايديهم كما ينقش على ايدي الروم وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج. قال واذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها ولا في رءوسها وأمرائها والناس برؤسائهم وامرائهم والقرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر وانما هذا وامثاله من موضوعات متعصبة الأموية فإن لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث اذا عجز عن نصرهم بالسيف ا ه. وقرن الخلافة الراشدة كان قرن الفتن والحروب بين المسلمين قتل فيه الخلفاء الثلاثة ووقع فيه حروب الجمل وصفين والنهروان وما تبعها من فتن ومفاسد فكيف يكون من خير القرون اللهم إلا ان نعمي على انفسنا ونقول ان تلك الحروب والفتن كانت في سبيل مصلحة المسلمين ورقيهم وان القاتل والمقتول في الجنة لأنهما مجتهدان مثابان. ومن عنده أقل تمييز وأنصاف يعلم انه لو لا تلك الحروب والفتن بين المسلمين لفتحوا جميع المعمورة. ومر في الفصل الذي قبله ما له علاقة بالمقام.

وأما دعواه انه لا تفاضل بين القرون الثلاثة فيرده انه لو ثبت الحديث لكان ظاهرا في التفاضل لمكان ثم. ولكان معارضا لحديث أمتي كالمطر الذي ادعى ثبوته. وليس بثابت ـ بل الظاهر انه من الموضوعات ومن سنخ الحديث الآخر وعلى غراره قصد بوضعه التمويه لا رضاء بعض المتسلطين ليمكن ان يقال فيهم انهم خير ممن قبلهم أو من قبلهم ليسوا خيرا منهم. والتأويل الذي ذكره بأن المراد في سعة الارزاق واتساع البلاد والدولة ـ مع انه لا دليل عليه ـ هو بعيد عن لفظ الحديث لأنه يقول لا يدري أي الأمة خير لا أي أعصارها.

وأما آية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) فلا يمكن حملها على

٤٩

العموم لأن تعقيبها بقوله تعالى تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ظاهر في ان الذين هم خير أمة من هذه صفتهم لا عموم الأمة ولا شك ان جميع الأمة لم تكن بهذه الصفة مع انه ظهر في هذه الأمة ما هو شر صرف سواء من كان في عصر الرسالة ومن كان في عصر الصحابة فقد جاء فيهم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ونزلت في المنافقين سورة مخصوصة تتلى. ونزل فيهم : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ. وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). فعلم ان فيهم الشاكر ومن ينقلب على عقبيه فأين العموم. وفيهم من ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين والكفار. وكان فيهم الحكم ابن أبي العاص وكفاك به. وفيهم الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب. ومنهم حبيب بن مسلمة وبسر بن ارطاة اللذين فعلا في دولة معاوية ما فعلا الى غير ذلك مما يصعب احصاؤه واذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعلم المنافقين في عصره بنص القرآن فليس لنا أن نحكم على احد بدخوله في خطاب كنتم خير أمة أخرجت للناس إلا ان يظهر لنا حاله كالشمس الضاحية فكيف لنا بالحكم بالعموم.

قال ص ٢٢٧ وكل مؤمن ينبغي له ان لا تكون نسبته الى العصر الأول اضعف من نسبة مجنون ليلى الى ليلاه حيث يقول :

سأجعل عرضي جنة دون عرضها

وديني فيبقى عرض ليلى ودينها

(ونقول) كل يغني على ليلاه :

وكل يدعي وصلا بليلى

وليلى لا تقر لهم بذاكا

والمسألة مسألة حجج وبراهين وعقيدة ودين لا عشاق ومجانين فأي فائدة في هذه الألفاظ المنمقة المزوقة الفارغة.

(٣)

أمهات المؤمنين

وهذا قد تعرض له في عدة مواضع من شيعته بما يتلخص في امور أربعة : (١) للشيعة سوء أدب في امهات المؤمنين ، (٢) امهات المؤمنين كإبراهيم عليه

٥٠

السلام ، (٣) عائشة تساوي ابراهيم في ثلاثة امور عظيمة ، (٤) أهل البيت في آية التطهير هم أمهات المؤمنين.

(الأمر الأول) : قال في ص ٩٣ للشيعة في ازواج النبي امهات المؤمنين خصوصا في عائشة وحفصة وزينب سوء أدب عظيم لا يتحمله عصمة النبي وشرف أهل البيت ولا دين الأئمة ثم حكى عن الكافي ان آية ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط نزلت في عائشة وحفصة.

(ونقول) : ان احترام امهات المؤمنين عموما وامي المؤمنين خصوصا علينا لازم احتراما لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلو جاء في كتاب ما ينافي ذلك لا نقول به لما ذكرناه غير مرة من ان جميع ما في الكتب لا يمكن لأحد الاعتقاد بصحته. وعقيدة الشيعة في الأزواج وعموما وفي عائشة وحفصة خصوصا هو ما نزل به القرآن الكريم وجاءت به الآثار الصحيحة لا يمكن ان يحيدوا عنه وهو انهم جميعا امهات المؤمنين في لزوم الاحترام والتكريم احتراما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرمة نكاحهن من بعده (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ. ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ). التي كان سبب نزولها قول لبعض الصحابة معروف. وان الزوجية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ترفع عقاب المعصية بل تضاعفه كما تضاعف ثواب الطاعة : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ. وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ. يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) شرط عليهن التقوى ليبين سبحانه ان تفضيلهن بالتقوى وبالزوجية لا بمجرد الزوجية وان زوجية المرأة للنبي لا تنفعها مع سوء عملها كما ان زوجيتها للكافر المدعي الربوبية لا تضرها مع حسن عملها : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) وان بعض ازواجه افشت سره وان اثنتين منهما قد صغت قلوبهما ومالت عن طريق الطاعة وفعلتا ما يوجب التوبة وانهما تظاهرتا عليه : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) ثم قال تعالى : (إِنْ

٥١

تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) الآية. وروى الطبري في تفسيره روايات كثيرة ، والبخاري في صحيحه ان المتظاهرتين كانتا عائشة وحفصة. وان نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلن ما يوجب اعتزاله إياهن تسعة وعشرين يوما حتى نزلت آية التخيير (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً). وان أم المؤمنين عائشة كانت حافظة للحديث بصيرة بالفقه جريئة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظهر ذلك منها في عدة مواضع لا يتسع المقام لذكرها منها قولها له في غزوة فتح مكة تزعم انك رسول الله ولا تعدل ـ راجع السيرة الحلبية ـ وأنها أخطأت بخروجها على الإمام العادل مظهرة الطلب بدم عثمان وهي كانت من أعظم المحرضين عليه. وكانت تقول ما هو معروف مشهور وتخرج قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول ما هو معروف ومشهور أيضا. وقد تركت عثمان وهو محصور لم تنصره ولم تحرض على نصره وخرجت الى مكة ثم خرجت من مكة تريد المدينة فلقيها ابن أم كلاب من اخوالها ـ فيما رواه الطبري وابن الأثير ـ فأخبرها بقتل عثمان وبيعة علي فقالت ليت هذه انطبقت على هذه ـ أي السماء على الأرض ـ ان تم الأمر لصاحبك وانصرفت راجعة الى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها والله ان اوّل من امال حرفة لأنت وقال من أبيات :

منك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وانت امرت بقتل الامام

وقلت لنا انه قد كفر

وانها طلبت الى حفصة ان تخرج معها الى البصرة للطلب بثأره فقبلت فمنعها اخوها عبد الله بن عمر. وجاءت الى أم سلمة تطلب منها ان تخرج معها فوعظتها بكلام مأثور مشهور وذكرتها أشياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق علي بن أبي طالب (منها) قوله ليت شعري ايتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها ويسارها قتلى كثيرة فعدلت عن الخروج ثم جاء ابن اختها عبد الله بن

٥٢

الزبير فنفث في اذنها فعزمت على الخروج ، فلما بلغت بعض المياه نبحتها كلابه فسألت عنه فقيل لها انه ماء الحوأب ، فقالت ردوني ، فأقاموا لها خمسين أو سبعين شاهدا من الأعراب رشوهم فشهدوا لها زورا ان هذا ليس ماء الحوأب. وكانت أول شهادة زور في الاسلام فسارت وقد أمرت ان تقر في بيتها بقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) وروى ابو الفرج ومحمد بن سعد في الطبقات الكبير وذكره المرزباني في معجم الشعراء والطبري وابن الأثير في تاريخهما انه لما جاءها نعي علي تمثلت :

فألقت عصاها واستقرت بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم قالت من قتله قيل رجل من مراد فقالت :

فإن يكن نائيا فلقد نعاه

نعي ليس في فيه التراب

قال أبو الفرج ثم تمثلت :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركت كان قولك فيهم

في كل مجمعة طنين ذباب

أما خديجة أم المؤمنين فهي أفضل ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأول امرأة آمنت به وبذلت اموالها الجزيلة في سبيل الدعوة الاسلامية حتى قام الاسلام بمالها وسيف علي ابن أبي طالب. واما باقي ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكن كلهن على الصلاح وخيرهن بعد خديجة أم سلمة. هذه هي عقيدة الشيعة في أمهات المؤمنين. ومن ذلك يظهر انها لا تتعدى ما نزل في القرآن الكريم وجاءت به الآثار الصحيحة وانه ليس في ذلك سوء أدب كما زعم وان تهويله بقوله لا تتحمله عصبة النبي وشرف أهل البيت ولا دين الأمة تهويل فارغ لا محل له.

اما زينب بنت جحش أمّ المؤمنين فمن العجيب نسبته الى كتب الشيعة سوء الأدب في حقها ، فإن كتب الشيعة لم تذكر في حقها حرفا واحدا يوجب سوء الأدب وفي خبر تطليق زيد اياها نزهت كتب تفاسير الشيعة شرف مقام النبوة عما تناولته كتب تفاسير غيرها ولكن هذا الرجل يرسل الكلام على عواهنه ولا يزن ما يتكلم به.

٥٣

الأمر الثاني

زعمه امهات المؤمنين في الفضل كإبراهيم عليه‌السلام

قال صفحة (ك ي) ان الله سمى ابراهيم في قوله ملة ابيكم إبراهيم أبا لنا ولم يجعل زوجه اما لنا وسمى ازواج النبي امهات المؤمنين ولم يسم النبي أبا لهم فأفاد ان ازواج النبي في الفضل مثل ابراهيم لأن الكفاءة بين الأب والأم معتبرة قال وهذا من بدائع البيان في اسلوب القرآن.

(ونقول) ابوة ابراهيم عليه‌السلام اما مجازية لأن حرمته على المسلمين كحرمة الوالد على الولد أو حقيقية لأن العرب من نسل اسماعيل واكثر العجم من ولد إسحاق وامومة الأزواج للمؤمنين في الآية الشريفة مجازية تشبيها بالأمهات فيما علم من الشرع ثبوته لهن من الاحترام وحرمة التزويج ولزوم برهن بأولادهن وبر أولادهن بهن ولم يثبت لامومتهن معنى وراء ذلك فالمستفاد من الآيتين ان ابراهيم (ع) أب أو كالأب في لزوم الاحترام وان الازواج بمنزلة الأمهات في الأمور المذكورة اما مساواة الأزواج لابراهيم في الفضل فافتراء على القرآن وكون الله تعالى سمى ابراهيم أبا لنا ولم يسم النبي أبا للمؤمنين لا يرتبط بما نحن فيه بشيء وإن كانت ابوة ابراهيم في الاحترام فالنبي أولى بذلك. والكفاءة التي يدعيها بين الأب والأم ان كانت في الشرف والنسب فقد ألغاها الشرع الإسلام وقال المسلم كفوء المسلم وقد زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنة عمته زينب بمولاه زيد وان كانت في الدين فما يصنع بزوجتي نوح ولوط وزوجة فرعون وإن كانت في الفضل يلزم ان تكون مارية مثل النبي في الفضل لأنها أم ولده ابراهيم. فهذه الفلسفة المعوجة التي جاء بها وجعلها من بدائع البيان باردة تافهة وأسلوب القرآن بريء منها والله تعالى وسيدنا ابراهيم الأواه الحليم لا يرضيان منه ان يساوي بينه وبين نساء لا فضل لهن إلا بعملهن وامهات المؤمنين لا يرضين منه ان يساوي بينهن وبين أولي العزم من النبيين.

(الأمر الثالث)

زعمه عائشة تساوي ابراهيم عليه‌السلام

قال صفحة (ل ا) المعروف باسم أم المؤمنين هي عائشة كما ان المعروف

٥٤

باسم ابي المسلمين هو ابراهيم وان سمي القرآن سائر الأنبياء آباء العرب فإبراهيم أب إيمان وديانة وعائشة أم سنة وجماعة والله قد جعل عائشة تساوي ابراهيم في ثلاثة امور مهمة عظيمة : (١) ابراهيم بنى البيت واضافه الله الى نفسه (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) وعائشة بنت في المدينة مسجدا انزل الله فيه : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) (٢) الحج حجان اصغر يحرم له من مسجد عائشة بالتنعيم واكبر يحرم له من حرم ابراهيم ، (٣) سمى ابراهيم أبا لنا وسمى عائشة أم المؤمنين (ونقول) أم المؤمنين يعم جميع ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة وغيرها على السواء : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ).

ولا مأخذ لتسمية واحدة من الأزواج بأم المؤمنين سوى هذه الآية فدعواه انها المعروفة بذلك غير صواب ولو سلم فاصله الآية والفرع لا يزيد على أصله. وأما ان القرآن سمى سائر الأنبياء آباء العرب فلا نجد ذلك في القرآن فكان عليه ان يبينه وأما ابوة إبراهيم عليه‌السلام فقد مر تفسيرها وأما أمومة عائشة فمأخذها الآية الكريمة وتشاركها فيها سار الأزواج كما مر فهذه المساواة التي زعمها كرقم فوق ماء وأما دعواه ان آية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) نزلت في مسجد بنته عائشة بالمدينة فلم نسمعها لغيره ولم يذكرها مفسر وكل مسجد يقال له بيت الله ـ ولا عجب فهذا الرجل في آرائه مخترع ـ ففي تفسير الرازي : اختلفوا في المساجد فقال الأكثرون انها المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله. وقال الحسن المساجد البقاع كلها وقيل المساجد الصلوات حكي عن الحسن أيضا ، وقال سعيد بن جبير المساجد الأعضاء السبعة التي يسجد العبد عليها ، وعن ابن عباس المساجد مكة ا ه. ونحوه في مجمع البيان ولم يذكر الواحدي في اسباب النزول انها نزلت فيما قال ولا ندري من اين اخذه ، وفي الدر المنثور للسيوطي اخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى وان المساجد لله قال لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد ايليا ببيت المقدس ا ه. فأين دعواه انها نزلت فيما قال ولعله يريد انها بنت مسجدا فشمله وان المساجد لله. وفيه ان الأصمعي أو أبا نواس لو بنيا مسجدا لشمله ذلك فهل يلزمه ان يساويا ابراهيم (ع) والعمرة تصح من ادنى الحل لا من مسجد عائشة ولا من غيره. ولما كانت ابعاد الحرم متفاوتة وكان أقربها الى مكه التنعيم اختار الناس

٥٥

الاحرام للعمرة منه وإلا فالاحرام لها يصح من كل مكان وراء الحرم ولا يختص بالتنعيم بل لعل الاحرام من غير التنعيم أفضل لأن افضل الأعمال احمزها فأين هي الأمور الثلاثة المهمة العظيمة التي سوى الله فيها بين عائشة وابراهيم ولا نخال السيدة عائشة ترضى بأن يجعل التركستاني هذه السخافات من مميزاتها التي تشبه قول القائل :

أليس الليل يجمع أم عمرو

وإيانا فذاك بنا تداني

نعم وارى الهلال كما تراه

ويعلوها النهار كما علاني

والسيدة عائشة قد رووا لها من الفضائل اخذ ثلثي الدين عنها وانها كانت تحفظ أربعين الف حديث وان فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وغير ذلك فهي في غنى عن ان يجعل التركستاني هذه السخافات من مميزاتها.

(الأمر الرابع)

زعمه أهل البيت في آية التطهير هم أمهات المؤمنين

قال في صفحة (ط) وصفحة (ع) ان اهل البيت أمهات المؤمنين وفي صفحة (٢٢) أم المؤمنين عائشة وحفصة بنص القرآن الكريم أهل البيت.

(ونقول) تذكير الضمير في آية التطهير يمنع من تخصيص أهل البيت بالأزواج والروايات الكثيرة المستفيضة تمنع من دخولهن في أهل البيت وتنص على تخصيص أهل البيت بعلي وفاطمة وابنيهما وان كان الكلام قبل الآية وبعدها في نساء النبي لأن امثال ذلك في القرآن كثير كما يعرف بالتتبع.

وفي مجمع البيان : متى قيل ان صدر الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه ان هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم يذهبون من خطاب الى غيره ويعودون والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب واشعارهم ا ه.

أهل البيت في آية التطهير علي وفاطمة وابناهما

فمن الأخبار الواردة في ان المراد بأهل البيت في آية التطهير علي وفاطمة

٥٦

وابناهما خاصة ، ما في الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور للسيوطي قال : اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة ـ وهي الثريد ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفضل إزاره فغشاهم إياه ثم اخرج يده من الكساء وأومأ بها الى السماء ثم قال هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات قالت أم سلمة ، فأدخلت رأسي في الستر فقلت يا رسول الله وأنا معكم فقال : انك الى خير مرتين.

قال واخرج الطبراني عن أم سلمة : جاءت فاطمة الى ابيها بثريدة تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه فقال لها : أين ابن عمك قالت هو في البيت قال اذهبي فادعيه وابنيك فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي يمشي في اثرهما حتى دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأجلسهما في حجره وجلس علي عن يمينه وجلست فاطمة عن يساره قالت أم سلمة فاجتذب من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت (١).

قال : واخرج الطبراني عن أم سلمة وذكر الحديث الى ان قال قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير.

قال واخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي البيت سبعة جبرئيل وميكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على باب البيت قلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال : إنك الى خير انك من ازواج النبي.

__________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة وهي غير مضمونة الصحة ولا يخفى ان العبارة ناقصة فلعله سقط شيء من الطابع ويدل عليه ما في غاية المرام عن مسند احمد بن حنبل فى آخر الحديث. فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا على منامة في المدينة فلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخذ طرفي الكساء والوى بيده اليمنى الى ربه عزوجل وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الحديث.

ـ المؤلف ـ.

٥٧

قال واخرج ابن مردويه والخطيب عن ابي سعيد الخدري قال كان يوم أم سلمة أم المؤمنين فنزل جبرائيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب والحجاب على أم سلمة مضروب ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت أم سلمة فأنا معكم يا نبي الله قال انت على مكانك وانك على خير.

قال : واخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه ، من طرق عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثم قال هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قال واخرج ابن جرير وابن ابي حاتم والطبراني عن ابي سعيد الخدري قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت هذه الآية في خمسة فيّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قال واخرج ابن ابي شيبة واحمد ومسلم وابن جرير وابن ابي حاتم والحاكم عن عائشة ، خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاء فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قال واخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي فأدخل عليا وفاطمة وابنيهما. تحت ثوبه ثم قال اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي.

قال واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين

٥٨

يديه واجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قال واخرج الحاكم والترمذي والطبراني وابن مردويه وابو نعيم والبيهقي معا ، في الدلائل عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الله خلق الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما إلى ان قال ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرهما بيتا فذلك قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب.

قال واخرج ابن مردويه عن ابي سعيد الخدري قال لما دخل علي بفاطمة جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اربعين صباحا الى بابها يقول السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم.

قال واخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال حفظت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ليس من مرة يخرج الى صلاة الغداة إلا أتى الى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

قال واخرج الطبراني عن ابي الحمراء رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة اشهر ويقول انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

قال واخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال شهدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقت كل صلاة فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات ا ه. الدر المنثور.

واورد ابن جرير الطبري في تفسيره سبعة عشر حديثا في ان المراد بأهل البيت في الآية هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ويدخل فيها بعض ما مر عن الدر المنثور ونقلها يوجب الاطالة فليرجع إليها من ارادها.

٥٩

وأورد صاحب غاية المرام واحدا واربعين حديثا في ذلك من طريق غير الشيعة وأربعة وثلاثين حديثا من طريق الشيعة لا نطيل بنقلها فليراجعها من أرادها. وأورد صاحب مجمع البيان أحاديث كثيرة في ذلك أيضا فهذه الأخبار صريحة في ان المراد بأهل البيت علي وفاطمة والحسنان وفي خروج امهات المؤمنين منهم. ولا يصغي الى ما حكاه الطبري في تفسيره عن عكرمة انها نزلت في نساء النبي خاصة وما حكاه في الدر المنثور عن ابن عباس وعن عروة انها نزلت في نساء النبي (أولا) لأن عكرمة كان يرى رأي الخوارج كما نص عليه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب وغيره ، فهو متهم في حق علي وولده (ثانيا) لأن تخصيصها بالنساء ينافي تذكير الضمير (ثالثا) لأنها لا تقوى على معارضة تلك الروايات الكثيرة. وما في بعض الروايات من انه ادخل أم سلمة معهم لا يلتفت إليه لمعارضته بغيره مما دل على انه لم يأذن لها في الدخول معهم وقال لها مكانك وانت الى خير وانه جذب الكساء من يدها لما ارادت الدخول معهم. وفي بعض الأخبار انه قال لها قومي فتنحي عن أهل بيتي فتنحت في البيت قريبا ولكنه حين قال اللهم أليك لا الى النار أنا وأهل بيتي قالت وأنا يا رسول الله قال وانت ـ أي انت الى الله لا الى النار ـ لا أنها من أهل بيته كما لا يخفى.

زعمه الأمة شريكة نبيها

قال صفحة (خ) تحت عنوان (الأمة شريكة نبيها في كل ما كان له) ، كل ما انعم الله به على نبيه من فضل ونعمة وكل ما نزل من عرش الله الى نبيه فكله بعده لأمته والأمة شريكة نبيها في حياته ثم ورثته بعد مماته ، وكل فضل ونعمة ذكرها القرآن لنبيه فقد ذكرها لأمته (١) وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين. كنتم خير أمة أخرجت للناس (٢) ويتم نعمته عليك. واتممت عليكم نعمتي (٣) وينصرك الله نصرا عزيزا وكان حقا علينا نصر المؤمنين (٤) إنّا فتحنا لك فتحا مبينا. واثابهم فتحا قريبا ـ وفتح المؤمنين كان اوسع وأقوى من فتح النبي (٥) ان الله وملائكته يصلون على النبي. هو الذي يصلي عليكم وملائكته ـ كل الأمة في كل احوالها تصلي وتسلم على النبي وعلى امته ـ كل الأمة في كل صلواتها تسلم على النبي ثم تسلم على كل أمته فالأمة في الشرف والكرامة مثل نبيها (٦) هو الذي ايدك بنصره ـ وأيدهم بروح منه.

٦٠