نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

مثقال ارشاد إلى أنه ينبغي أن يكون ربح المائتين خمسة وعشرين لا أزيد أو أن ربحها في الغالب كذلك تخرص بلا دليل والربح ليس له حد ولا غلبة في ذلك والزكاة في الذهب والفضة على المال المخزون سنة إذا بلغ النصاب ولم يغير وزكاة مال التجارة غير هذا فهذه الفلسفة التي تبجح وافتخر بأن الله أراه إياها لم تصادف محلها.

والخمس ثلاثة أسداسه للامام أو نائبه والثلاثة الاسداس الباقية للفقراء من بني هاشم ومنهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لأن المراد يتامى بني هاشم ومساكينهم وأبناء السبيل منهم كما صح عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فلا ينهار ما يقولونه لا تمام الانهيار ولا بعضه وإنما تنهار أقاويله وتمحلاته الفاسدة.

وكتاب الله جعل الزكاة مقابلة للخمس قبل كتب الشيعة ، واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه. أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. إنما الصدقات للفقراء فجعله الزكاة قسما من الخمس مجرد تمحل وإذا كان بيان المقادير لم يجيء في القرآن إلا في آية الخمس فقد جاء بيانها في السنة المطهرة.

وأشكاله على كون الغنائم من خصائص هذه الأمة بأن القرآن ذكر غنائم الغلبة في سور متعددة لا يتعلق لنا به غرض فلم يصح عندنا انه من خصائصها وسواء أصح أم لم يصح لا فائدة فيه. أما استشهاد بحديث الامام أحمد وتفسيره له بما يوافق هواه فيشبه ما ذكره سابقا من أن آل محمد لاحق لهم في الخلافة لأن لهم الله أو ما هذا معناه وهنا يقول الخمس لا يستحقه آل محمد لأنه جعل لأجل الضعف بحديث لا يدري ما هو ولا مبلغ صحته وضعفه وليس ذلك بشرف لهم فينبغي أن يحرم آل محمد من الخمس وأن يموت فقراؤهم جوعا لئلا ينقص شرفهم كما حرموا من الخلافة محافظة على شرفهم وكون الجهاد لم يشرع إلا لوجه الله والدين فقط لا للغنائم طريف جدا فإذا كان الجهاد شرع لذلك فهل يلزم أن يحرم المجاهدون من الغنائم إذا فالله تعالى حيث أمر بقسمة الغنائم في المجاهدين قد خالف شرعه والرسول (ص) في قسمتها في المجاهدين مخطئ وإذا كان لله ولرسوله فيها حق مع كون حلها ضرورة لأجل الضعف وليس بشرف فلآل محمد اسوة بالله وبرسوله فشرفهم لا يزيد على شرف الله والرسول هذه فلسفات موسى جار الله وتعمقه في فهم الآيات والأحاديث. والآية التي ذكرها صدرها (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ

٣٨١

عَرَضَ الدُّنْيا) نزلت يوم بدر حين رغب المسلمون في أخذ الفداء من الأسرى وكان الاسلام ضعيفا أما بعد قوته فقد قال الله تعالى فإما منا بعد وإما فداء وبذلك يظهر أنها خارجة عما أراد.

وحرمة الصدقة على النبي وأهل بيته تنزيه عظيم لهم من الأوساخ أما أنه تنزيه من ريبة فلا. والنقصان الذي يلحقهم بحرمانهم من الزكاة نقصان مالي لا نقصان أدبي فجبر بالخمس.

والعوض لا يجب أن يساوي المعوض من كل وجه مع أن نصف الخمس لا يستحقه إلا الفقراء من بني هاشم ومنهم اليتامى والمساكين وابن السبيل أما النصف الآخر وهو سهم الله وسهم الرسول فيصرفه الرسول أو الامام أو نائبه فيما ينوبه وفي مصالح المسلمين. على أن هذا اجتهاد منه في مقابل النص فإن الأخبار صرحت بأن الخمس جعل لبني هاشم مقابل الزكاة تنزيها لهم عن أوساخ الناس كما ستعرف عند ذكر ما رواه الطبري في آية الخمس. ولا يفهم معنى لقوله ولا يستأهل الفقير إلا على وجه جواز الصرف فإن الفقير أحد مصارف الزكاة وأقله الوجوب التخييري.

وكون الخمس حقا فرضا لآل محمد قد عرفت معناه بما لا مزيد عليه ولكن فلسفة موسى جار الله اقتضت أن يبقى فقراء آل محمد حفاة عراة جياعى يتكففون الناس لأنهم أكرم على الله وعند الله من أن يجعلهم الله فقراء إلا إليه. وجعل نصيبهم في خمس الغنائم يغنيهم عن سؤال الناس ويقوم بحاجتهم ينافى كرامتهم كما اقتضت فلسفته فيما سبق أن جعل نصيب لهم في الخلافة ينافي كرامتهم فالواجب أن يبقوا رعايا يحكم فيهم من لا يساويهم لئلا تنقص كرامتهم وإذا كان الله لم يجعلهم فقراء إلا إليه فقد جعل لهم الخمس من ماله الذي رزقه عباده.

وهبني قلت أن الصبح ليل

أيعمى العالمون عن الضياء

والأقوال التي نقلها عن الشيعة في الخمس قد أخطأ في جعلها في الخمس كله بل في نصف الخمس أما النصف الثاني فيصرف على فقراء بني هاشم جبرا لما فاتهم من الصدقة المحرمة عليهم. وقوله لم تقلها ولا تقولها شريعة دعوى في بابها شنيعة فقد قالتها شريعة علماء آل محمد المأخوذة عن ثقات أئمتهم عن جدهم الرسول (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى فبطل تعجبه بقوله ونحن ـ أي الشيعة ـ لا ننكرها

٣٨٢

تعجبا من عدم انكارهم لها. والأقوال التي نقلها عن الأئمة في آية الخمس تخالف ما حكاه الطبري في تفسيره حيث قال اختلف أهل التأويل في ذلك فقيل فإن الله خمسه مفتاح كلام ولله الدنيا والآخرة وما فيهما وإنما معنى الكلام فإن للرسول خمسه فخمس الله وخمس رسوله واحد وقال أبو العالية الرياحي كان رسول الله (ص) يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة أربعة لمن شهدها ثم يأخذ الخمس فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم ما بقي على خمسة سهم للرسول وسهم لذي القربى وثلاثة للثلاثة الباقية. وقال آخرون ما سمي لرسول الله (ص) من ذلك فإنما هو مراد به قرابته وليس لله ولا لرسوله منه شيء فإما من قال سهم الرسول لذوي القربى فقد أوجب الرسول سهما وإن كان (ص) صرفه إلى ذوي قرابته فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم ا ه فصرح في القول الأخير بأن المراد بذي القربى قرابة الرسول وبه صرح الطبري أيضا وهو لم يذكره وهو مما يبطل تفسيره يأتي ذوي القربى فيما يأتي وجعل السهام على القول الأول خمسة وهو جعلها أربعة وإنما الذي جعلها أربعة من قال أن سهم الرسول لذوي قرابته. والصواب أن سهم الرسول من الخمس باق بعد وفاته وأنه للامام بعده وهو نصف الخمس والنصف الثاني لفقراء بني هاشم كما ثبت عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. والمشهور بين أصحابنا اختصاص سهم ذوي القربى ببني هاشم دون بني المطلب أخي هاشم وصرف النبي (ص) ذلك إلى الهاشميين أو هم والمطلبيين دليل على أنهم المرادون في آيتي الخمس والفيء. وزعمه الاجماع على قسمة الخمس ثلاثة أسهم. دعوى مجردة مخالفة لنص القرآن كسائر اجماعاته المتقدمة التي أعدها لكل نازلة ومن أين لنا أن نعلم أنه لم ينكره أحد أو أنهم تمكنوا من انكاره فلم ينكروه. والذي قسمه النبي (ص) من أموال بني النضير بين المهاجرين دون الأنصار ليس هو سهم ذي القربى بل سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل بناء على أن المراد بهم غير بني هاشم كما ستعرف المدلول عليه بقوله تعالى بعد آية الفيء الآتية للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم إلى آخر الآية أو ان أموال بني النضير مما أوجف عليه بخيل وركاب فالذي قسمه بين المهاجرين هو سهم المجاهدين من الغنيمة.

٣٨٣

وما حكاه عن الشافعي في الأم مع كونه من أخبار الخمس ولا محل لذكره في فدك صريح في أن لبني هاشم حقا في الخمس متميز لا سمها في الاخماس الأربعة الباقية كما يزعمه هو وأن الفاروق كان يعتقد ذلك فطلب إلى علي ترك حقهم في الخمس موقتا جبرا لخلة المسلمين ولو كان المراد حقهم في الاخماس الأربعة الباقية لما كان لطلب تنازلهم وحدهم وجه لتساويهم مع غيرهم فيها فالحديث عليه لا له سواء أراد الاستدلال به على مسألة فدك بدليل ذكره فيها أم على مسألة الخمس وكون أهل البيت أحق الناس بالايثار وأكرم الخلق وارحم الناس بالأمة لا ربط له بما فيه الكلام وهو أنه هل لهم حق في الخمس وهو سهم ذي القربى أولا وإيثارهم وكرمهم ورحمتهم لا تنفي ذلك ولا تثبته ولا ترتبط به وإذا كانوا كذلك ـ عند هذا الرجل ـ فهل يكون جزاؤهم أن ننكر حقوقهم التي فرضها الله لهم في كتابه ليتم لهم الايثار والكرم والرحمة ، وهذا الخبر قد روى نظيره السيوطي في الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور فقال : اخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : سألت عليا فقلت يا أمير المؤمنين أخبرني كيف كان صنع أبي بكر وعمر في الخمس نصيبكم فقال أما أبو بكر فلم يكن في ولايته اخماس وأما عمر فلم يزل يدفعه إلى في كل خمس حتى كان خمس السوس وجنديسابور فقال وأنا عنده هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس وقد اخل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت نعم فوثب العباس بن عبد المطلب فقال لا تعرض في الذي لنا فقلت ألسنا أحق من أرفق المسلمين وشفع أمير المؤمنين فقبضه فو الله ما قبضناه ولا قدرت عليه في ولاية عثمان ثم أنشأ علي يحدث فقال إن الله حرم الصدقة على رسوله فعوضه سهما من الخمس عوضا عما حرم عليه وحرمها على أهل بيته خاصة دون أمته فضرب لهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهما عوضا مما حرم عليهم وهذا الخبر دال على أن عمر كان يرى أن نصيبهم في الخمس لهم بعد وفاة الرسول (ص) وأنه غير السهام الأربعة كما مر في الذي قبله وأنه إنما شفع إليهم شفاعة في صرفه على المسلمين المعوزين وان العباس لم يرضى بذلك وأن عليا دعاه كرم نفسه أو ما الله به أعلم إلى القبول وأنه في ولاية عثمان لم يقدر على أخذه ولعله قبلها أيضا كذلك وقول عبد الرحمن كيف كان صنعهما في الخمس نصيبهم دال على أنه كان يعتقد أنه حق لهم حيث وصفه بأنه نصيبهم مرسلا له ارسال المسلمات وأن كونه

٣٨٤

نصيبهم كان معروفا مشهورا وما في هذه الرواية من أنه لم يكن في ولاية أبي بكر أخماس قد ينافي ما في روايتي سعيد بن جبير والحاكم الآتيتين قريبا من أن أبا بكر رد نصيب القرابة وجعل يحمل به في سبيل الله وأن عليا كان يلي الخمس حياة أبي بكر لكن الظاهر أن المراد بذلك العقارات الثابتة فلا منافاة والتولية لم يعلم ثبوتها قال واخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغبت لكم عن غسالة الأيدي لأن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم. واخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد : كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس. واخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي : قلت يا رسول الله ألا توليني ما خصنا الله به من الخمس فولانيه. واخرج الحاكم وصححه عن علي : ولأني رسول الله (ص) خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر ا ه الدر المنثور ويأتي عند ذكر المراد بذي القربى ماله علاقة بالمقام.

الفيء

قال ص ٧٤ أما الفيء. ما أفاء الله على رسوله ولم توجف عليه الأمة من خيل ولا ركاب فكله لا خمسه لله ولرسوله. ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل أما بعد النبي فالفيء كله لكل الأمة.

(ونقول) آية الفيء هي قوله تعالى في سورة الحشر : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ، لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).

فقوله كله لله ولرسوله الصواب أن يضيف إليه الأربعة الباقية المذكورة في الآية وكونه كله لكل الأمة بعد النبي غير صواب بل الصواب أنه للامام القائم مقامه ولذوي قربى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم بنو هاشم كما ثبت عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ولليتامى والمساكين وابن السبيل ويأتي بيان المراد منهم وفي تفسير الطبري عن

٣٨٥

الواحدي كان الفيء في زمن الرسول (ص) مقسوما على خمسة أسهم أربعة منها له خاصة والخمس الباقي يقسم على خمسة أسهم له أيضا والأربعة لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وأما بعد وفاته فللشافعي فيما كان له قولان «أحدهما» أنه للمجاهدين «والثاني» أنه يصرف إلى مصالح المسلمين.

من هم ذوو القربى في آيتي الخمس والفيء

قال في ص ٧٥ ومن ذوو القربى في آية الفيء وقد جاء ذكره في آيات كثيرة وحيثما ذكر فقد ذكر بعده اليتامى والمساكين ولم يوجد في آية من قرينة تدل على أنه ذو قربى الرسول. والقرآن الكريم بين ذوي القربى في آية الفيء فقال (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) للفقراء لا يمكن أن يكون بدلا من لله ولا من لرسوله فلم يبق إلا أن يكون بدلا من لذي القربى فذو القربى من ترك دياره وأمواله وبذل نفسه ونفيسه ونصر الله ونصر رسوله يبتغي فضلا من الله ورضوانا لا عرضا من الدنيا وهم المهاجرون فذوو القربى في آية الفيء هم المهاجرون بنص القرآن الكريم لا يدخل فيهم ذوو قربى النبي إلا بوصف كونه هاجر مع النبي.

وفي ص ٧٦ ـ ٧٧ أما ذوو القربى في آية الغنائم فهو مثل ذوي القربى في آية وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين ذو القربى من صاحب المال وذو القربى من أصحاب الغنائم قريب النبي وقريب غيره سواء من غير فرق. وخمس الغنائم حق الله. وحق الشرع من الغنائم فيه معنى الزكاة والصدقة لم يكن يأخذه ذو قربى النبي الكريم ولم تكن تصرفه الخلافة الراشدة الرشيدة إلا في اليتامى والمساكين وابن السبيل ومجد النبي الكريم وشرف ذوي قرابته الكرام كان يبعدهم عن أن يكون أحد منهم مع اليتامى والمساكين وابن السبيل ولم يكن النبي يعطي أحدا من ذوي قرباه الأسهم من الأخماس الأربعة الباقية لا من الخمس الذي كان يعتبر من أوساخ المال حقا للمساكين. وقد رأينا في تاريخ التشريع وتاريخ الاسلام ان الله تعالى كان ينجي أهل البيت وينجيهم من كل مظان التهم تثبيتا لدينه يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا. نعلم علم اليقين أن النبي كان يؤثر أهل الصفة والأرامل على أهل

٣٨٦

بيته وعلى أحب الخلق إليه السيدة فاطمة. وحين شكت إليه الطحن والرحى وسألته أن يخدمها من السبي وكلها إلى الله وقال لها ولعلي : ألا أدلكما على خير مما سألتمانيه؟ ... كان هذا رأي النبي وكانت السيدة سيدة نساء العالمين فاطمة أقرب الناس إلى أبيها في كل آدابه واحق من الأنصار بأدبهم إذ يقول القرآن فيهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

(ونقول) مر قوله في الخمس أن أسهم ذوي القربى كان يصرفه النبي (ص) إلى بني هاشم وبني المطلب وهو يدل على الدوام والاستمرار فيدل على أنه ما كان يصرفه إليهم إلا لأنه حقهم فما الذي أسقط حقهم منه بعد وفاته. وفي تفسير الرازي بعد ذكر آية الفيء ما لفظه : واعلم أنهم أجمعوا على أن المراد من قوله ولذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب ا ه فلو فرض أنه ليس في الآيات التي فيها ذو القربى قرينة تدل على أنه ذو قربى الرسول ففي الاجماع المدعي من الرازي وغيره وفي صرف النبي (ص) سهم ذي القربى إليهم في حياته وفي الأخبار الآتية ما يدل على ذلك أفلا يكفي هذا قرينة على إرادتهم مع أن المتبادر لأول وهلة منه هو ذلك ولا يحتاج إلى قرينة أخرى فإن أل في القربى للعهد ولا قربى معهودة سواهم مضافا إلى الأخبار الكثيرة الواردة في أن المراد بذي القربى في آيتي الخمس والفيء قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق أهل البيت وغيرهم التي لا يبقى معها مجال للشك والريب أما من طريق أهل البيت فكثيرة لا حاجة بنا إلى نقلها وأما من طريق غيرهم. فما رواه الطبري في تفسيره بسنده عن ابن عباس : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها لمن قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يأخذ النبي (ص) من الخمس شيئا والخمس الثاني لليتامى والثالث للمساكين والرابع لابن السبيل. ثم قال الطبري : وأما قوله ولذي القربى ـ يعني في آية الخمس ـ فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم فقيل هم قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم ـ وذكر من قال ذلك فروى بسنده عن خصيف عن مجاهد : كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. وبسند آخر عن خصيف عن مجاهد : كان النبي (ص) وأهل بيته لا يأكلون الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. وبسند آخر عن خصيف عن مجاهد قال قد علم الله أن في

٣٨٧

بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس فكان الصدقة. وبسنده عن السدي عن أبي الديلم قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام أما قرأت في الأنفال (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) قال نعم قال فإنكم لأنتم هم قال نعم. وبسند آخر عن خصيف عن مجاهد قال هؤلاء قرابة رسول الله (ص) الذين لا تحل لهم الصدقة. وبسنده عن عطاء عن ابن عباس أن نجدة كتب إليه يسأله عنه فكتب إليه كنا نزعم انا نحن هم فأبى ذلك علينا قومنا. قال الطبري وقيل بل هم قريش كلها وذكر من قال ذلك فروى عن سعيد المقبري قال كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى فكتب إليه ابن عباس قد كنا نقول انا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها ذوو قربى. وفي الدر المنثور : اخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس وذكر مثله. ثم قال واخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس أن نجدة الحروري ارسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذين ذكر الله فكتب إليه انا كنا نرى أنا هم فأبى علينا قومنا وقالوا لمن تراه فقال ابن عباس هو لقربى رسول الله قسمه لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك. قال الطبري وقيل سهم ذي القربى كان للرسول ثم صار من بعده لولي الأمر من بعده. عن قتادة أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال كان طعمة لرسول الله «ص» ما كان حيا فلما توفي جعل لولي الأمر من بعده. قال وقيل بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصة وممن قال ذلك الشافعي وكانت علته في ذلك ما روى بالاسناد عن جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب مشينا أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. ثم شبك يديه إحداهما بالأخرى. ثم قال الطبري وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال سهم ذي القربى كان لقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم وحلفائهم من

٣٨٨

بني المطلب لأن حليف القوم منهم ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله (ص). ثم قال : واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين ـ سهم رسول الله (ص) وسهم ذي القربى ـ بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال بعضهم يصرفان في معونة الاسلام وأهله. وعن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية كما صرح به في الدر المنثور اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله (ص) فقال قائلون سهم النبي لقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقال قائلون سهم القرابة لقرابة الخليفة واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة. وقال آخرون أنهما إلى والي أمر المسلمين. وقال آخرون سهم الرسول مردود في الخمس والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم على اليتامى والمساكين وابن السبيل وهو قول جماعة من أهل العراق ، وقال آخرون الخمس كله لقرابة رسول الله (ص) ثم روى بسنده عن المنهال بن عمرو : سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس فقالوا هو لنا فقلت لعلي ان الله يقول اليتامى والمساكين وابن السبيل قال يتامانا ومساكيننا ثم قال : والصواب من القول في ذلك عندنا ان سهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مردود في الخمس والخمس مقسوم على أربعة أسهم على ما روي عن ابن عباس للقرابة سهم وللثلاثة الباقية ثلاثة أسهم لأن الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين وقد اجمعوا أن حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم وغير جائز ان يخرج عنهم إلى غيرهم كما غير جائز ان تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه إلى غير أهل السهمان الأخر ا ه. وفي الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور للسيوطي : اخرج ابن أبي شيبة عن السدي ولذي القربى قال بنو عبد المطلب واخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب. واخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال آل محمد الذين اعطوا الخمس آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل. واخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله : واعلموا انما غنمتم من شيء يعني من المشركين ان لله خمسه وللرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي «ص» (إلى أن قال) وكان المسلمون إذا غنموا في عهد النبي اخرجوا خمسه فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع فربعه لله وللرسول ولقرابة النبي فما كان

٣٨٩

لله فهو للرسول والقرابة وكان للنبي نصيب رجل من القرابة والربع الثاني للنبي إلى أن قال فلما توفي النبي رد أبو بكر نصيب القرابة فجعل يحمل به في سبيل الله. ا ه الدر المنثور.

وقد ظهر بما مر أن جل الروايات متوافقة على أن المراد بذي القربى هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم بنو هاشم لأنهم القرابة القريبة المتبادرة عند الاطلاق أو هم وبنو المطلب وان القول بأنهم قريش كلهم ما هو إلا تحامل على بني هاشم وحسد لهم كما يشير إليه قول ابن عباس السابق كنا نزعم أو نقول أو نرى انا نحن هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها ذوو قربى الدال على أن ابن عباس لم يزل متمسكا بأن بني هاشم هم ذوو القربى وأن سائر قريش أبت عليهم ذلك بدون حق فأشار إلى معتقده من طرف خفي وصرح بعض التصريح إذ لم يمكنه التصريح التام وأصرح من ذلك ما في حديثه الثاني حيث قال هو لقربى رسول الله وان عمر كان عرض عليهم من ذلك عرضا رأوه دون حقوقهم فردوه عليه ولم يقبلوه كما ظهر أن غير بني هاشم قد طالب بذلك في حياة النبي (ص) فمنعه. والحجة التي مرت عن الطبري حجة قوية وهي قاضية بأن ذوي القربى هم بنو هاشم وغير جائز ان يخرج سهمهم إلى غير أهل السهمان الأخر وان الذين قالوا بخلاف ذلك ما قالوه إلا بالظن والتخمين ولم يستندوا إلى مستند.

وكما أن للفقراء المهاجرين إلى آخر الآية لا يمكن أن يكون بدلا من لله ولرسوله لا يمكن أن يكون بدلا من لذي القربى لما مر من ظهوره في قربى النبي (ص) ودلالة الاجماع والروايات على ذلك فتعين كونه بدلا من اليتامى والمساكين وابن السبيل فزعمه كونه ذو القربى في آية الفيء هم المهاجرون بنص القرآن هو كسائر مزاعمه لا نصيب له من الصحة.

وإن سلم أن ذا القربى في آية وآتى المال على حبه ذوي القربى أريد به ذو القربى من صاحب المال فلا يلزم أن يكون ذو القربى في آية الغنائم مثله يراد به ذو القربى من أصحاب الغنائم بعد ورود تفسيره في الأخبار وكلام العلماء بأن المراد به قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوى الاجماع على ذلك كما مر.

وكون خمس الغنائم فيه معنى الزكاة والصدقة ليس بصواب فإنه مأخوذ

٣٩٠

بالسيف والقهر والغلبة لا بالصدقة. وجملة من الأخبار السابقة قد نصت على أن الخلافة الراشدة كانت تصرفه فيهم وأنها صرحت بأنه حقهم على أنها خالفت ما ثبت من الشرع ـ ولم يدع أحد فيها العصمة ـ لا يجب اتباعها وقد ثبت بما مر أن ذوي القربى في آيتي الخمس والفيء هم بنو هاشم.

ولذوي قرابة النبي الكرام اسوة بالله وبرسوله في كونهما مع اليتامى والمساكين وابن السبيل فلو كان ذلك يخل بمجد أو شرف لما ذكر الله ورسوله معهم والمجد والشرف ليس بالغنى والمال بل بمحاسن الصفات والأفعال وكان النبي (ص) يفتخر بالفقر ويقول الفقر فخري ولم يكن الغنى شرفا إلا عند الجهال. على أن المراد بالثلاثة هم يتامى بني هاشم ومساكينهم وابن السبيل فهم كما يأتي فإذا كان أحدهم يتيما أو مسكينا أو ابن سبيل فما الحيلة حتى لا يكون مع اليتامى والمساكين وابناء السبيل. ومجد النبي الكريم وشرف ذوي قرابته الكرام يقتضي ـ على رأي هذا الرجل ـ أن يحرموا من كل شيء. من الخلافة والامارة. ومن خمس الغنائم ومن الفيء ليبقوا رعايا فقراء يتكففون الناس ويتم لذلك مجدهم وشرفهم. مع أن هذا اجتهاد في مقابل النصوص الكثيرة المتقدمة وزعمه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يعطي أحدا من ذوي قرباه إلا من الأخماس الأربعة تقول على النبي (ص) فقد كان يعطي بني هاشم سهم ذوي القربى وقد اعترف بذلك فيما سبق من كلامه في الخمس ولكنه لا يبالي بتناقض كلامه ويقسم الأخماس الأربعة في الباقية في المجاهدين ولا يعطي بني هاشم منها شيئا إذا لم يكونوا مجاهدين ويمنعهم من الزكاة التي هي من أوساخ الناس تنزيها لهم وتشريفا والخمس لا يعتبر من أوساخ المال لكونه غنيمة أخذ بالسيف والقهر والغلبة وكون بعضه حقا للمساكين الذين هم مساكين بني هاشم وفقراؤهم لا يجعله من أوساخ المال. وقد عرفت تصريح الأخبار الكثيرة بان الله تعالى جعل الخمس لبني هاشم عوضا عن الزكاة التي هي أوساخ الناس وغسالة الأيدي تكريما لهم وتشريفا وهذا الرجل يصادم بآرائه الشاذة قول الله ورسوله.

وإذا أعطى النبي (ص) أهل البيت حقهم المفروض لهم في الكتاب العزيز لم يكن في ذلك تهمة لينجيهم وينجيهم منها ومنعهم من حقهم ظلم وتاريخ التشريع وتاريخ الاسلام الذي انفرد بفهمه والتجنيس بين ينجهم وينجيهم لا يفيد شيئا من

٣٩١

ذلك واذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم لا يكون بمنعهم حقهم.

وكلامنا في أن سهم ذي القربى من الخمس هل هو حق لأهل البيت وبني هاشم أولا ونحن نقول دلت الأدلة السابقة على أن سهم ذي القربى من الخمس هو حق لهم فكون النبي (ص) كان يؤثر الفقراء من الغرباء على حب الناس إليه من أهل بيته لا ربط له بذلك بوجه من الوجوه لا نفيا ولا اثباتا فإذا كان يؤثر الغرباء على القرباء فهل هذا معناه أن قرابته ليس لهم حق في الخمس. كما أن كون سيدة نساء العالمين أقرب الناس إليه في كل آدابه ليس له ربط باستحقاقها من الخمس وعدمه فتنميق الألفاظ وتزويقها لا يكون دليلا للأحكام.

من هم اليتامى والمساكين وابن السبيل في آيتي الخمس والفيء

في مجمع البيان انهم من بني هاشم أيضا لأن التقدير ولذي قرباه ويتامى أهل بيته ومساكينهم وابن السبيل منهم قال وروى المنهال ابن عمرو عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل قال هم قربانا ومساكيننا وابناء سبيلنا. وقال جمع من الفقهاء هم يتامى الناس عامة وكذلك المساكين وابناء السبيل وقد روي ذلك أيضا عنهم عليهم‌السلام. روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال كان أبي يقول لنا سهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسهم ذي القربى ونحن شركاء الناس فيما بقي ا ه.

الزكاة

قال ص ٧١ تقول كتب الشيعة : زكاة الشيعة للشيعة فإن لم يجد ينتظر سنين ثم يطرحها في البحر. ثم ذكر آيات الإنفاق وآيات الزكاة وقال الانفاق والزكاة في عرف القرآن شيء واحد ولم يكن في الملك نصاب كانوا ينفقون من كل شيء من غير حد وكانوا في كل ما يؤمرون يأتون بغاية الكمال لذلك كان القرن الأول أفضل الأمة وخير البرية.

(ونقول) طرحها في البحر كذب وافتراء فمصرف الزكاة أصناف ثمانية بنص

٣٩٢

القرآن الكريم احدها سبيل الله وهو عندنا كل مصلحة أو قربة فمهما عدمت المصارف لا يعدم سبيل الله فكيف يتصور عاقل أنها تطرح في البحر ولكنه اعتاد أن لا يتورع عن كذب ولا بهتان. وإرادة الزكاة من الإنفاق ممكن وليس بمتعين وإذا لم يكن في الملك نصاب فليس ذلك بزكاة وكونهم كانوا ينفقون من كل شيء من غير حد ويأتون فيما يؤمرون بغاية الكمال إن أريد أن ذلك كان في جميعهم فهو خلاف المحسوس. وقد بخلوا بدرهم أو بعض درهم أو بعض درهم يقدمونه بين يدي نجواهم صدقة ولم يعمل بذلك إلا علي بن أبي طالب حتى نسخ. وتركوا النبي (ص) يخطب يوم الجمعة وخرجوا للنظر إلى العير لما سمعوا صوت الطبل حتى لم يبق معه إلا نفر قليل وعاتبهم الله تعالى بقوله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) وبنو آدم لم يتساووا في الصفات في عصر من الأعصار. وحديث كون العصر الأول أفضل الأمة مربيان فساده.

فدك

قال ص ٧٧ ـ ٧٨ ـ ٧٩ : فدك قرية خارج المدينة قرب خيبر ذات نخل كانت من صفايا النبي خالصة له اذ لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولم ترها السيدة فاطمة قط ولا تتصرف فيها في حياة النبي اصلا كان النبي من غلاتها ينفق على اهل بيته وعلى احب الخلق إليه السيدة فاطمة وأهل بيتها ، قدر الكفاية وعلى ذوي الفاقة من أهل المدينة وعلى الدافة وبعد النبي دفعها الصديق الى علي يصرف غلاتها في الجهات التي كان النبي يجعلها فيها كما سلم لعلي السيف والبغلة والعمامة وكثيرا غير ذلك من الآثار المباركة ولم يكن له من جهة الارث لأن ابن العم لا يرث عند وجود العم قام علي بإدارة فدك مدة ثم في السنين الاخيرة من خلافة عمر قال علي لأمير المؤمنين عمر بنا عنها العام غنى وللمسلمين إليها حاجة فأجعلها على المسلمين تلك السنة. والسيدة سيدة نساء العالمين راجعت الصديق ميراثها من ابيها إرثا او نحلة واذ سمعت حديث النبي فيما تركه الأنبياء اكتفت به وانصرفت اذ رأت الحق ثم لم ترجع ولم تنازع وكانت ارفع واعلى من كل ما ترويه كتب الشيعة وكانت غنية غنى النفس مستغنية غنى المال وكان قلبها بموت ابيها وحسراتها عليه اشغل من ان يحمل

٣٩٣

شيئا على صاحبيه في الدنيا والآخرة ... ولما انتهى الأمر الى علي سلك في فدك وسهم ذوي القربى مسلك الخلافة الراشدة ترك فدك على ما كانت عليه. ولم يكن من شأن الامام المعصوم وهو امير المؤمنين وبيده القوة لا يخالفه احد ان يقر الباطل على بطلانه وان يبطل الحقوق. وقيل له في فدك فقال اني لأستحيي من الله ان اراد شيئا منعه الصديق وأمضاه الفاروق والشيعة لا تنكر هذه الرواية عن محمد بن إسحاق سألت أبا جعفر محمد بن علي قلت أرأيت عليا حين ولي العراق وما ولي من امر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى وفدك قال سلك طريق ابي بكر وعمر قلت وكيف ذلك وانتم تقولون ما تقولون قال اما والله ما كان اهله يصدرون الا عن رأيه فقلت فما منعه قال كان يكره ان يدعى عليه مخالفة ابي بكر وعمر. وانما تدعي ان عليا كان في آخر الأمر على بقية من التقية قوية. هذه دعوى فارغة ليس للشيعة عليها من دليل ودعوى تطعن في دين الامام وتذهب بعصمته. ونحن لا نرتاب ان عليا كان يرى الحق مع الصديق والفاروق فيوافق وفاق عقيدة لا وفاق نفاق وتقية. وان السيدة فاطمة راجعت الخليفة في الارث وقالت أيرثك اولادك ولا إرث انا رسول الله؟

فروى لها إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وصدقت روايته ثم لم تجد في نفسها حرجا مما قضي به ولم تهجره هجر مغاضبة بل ان كانت هجرته فهجر اشتغال عنه بأبيها وبشوق اللحاق به.

(ونقول) اما ان فاطمة عليها‌السلام لم تر فدكا فممكن رأتها في سترها المتناهي بحيث انها كانت تخرج لزيارة مقابر الشهداء ليلا ولم تشأ ان يرى جنازتها احد فاتخذ لها النعش المغطي شبه الهودج يمكن ان لا تخرج الى فدك واما انها لم تتصرف فيها في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصلا فباطل روى ابو سعيد الخدري انه لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) اعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام فدك. حكاه المرتضى في الشافي الذي يرده به على المغني للقاضي ابي بكر الباقلاني من علماء المعتزلة : ثم قال وقد روي من طرق مختلفة غير طريق ابي سعيد انه لما نزل قوله تعالى ؛ (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام فاعطها فدك. وفي نهج البلاغة بلى كانت في ايدينا فدك من كل ما اظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين.

٣٩٤

واذا كان قد دفعها الصديق الى علي وقام بإدارتها مدة فما وجه غضب فاطمة حتى ماتت واجدة عليه كما رواه البخاري في صحيحه وهجرته. ولما ذا دفنها علي ليلا سرا واخفي قبرها بوصية منها حتى انه لا يعرف قبرها على التعيين الى اليوم واما السيف والبغلة والعمامة وغيرها من الآثار المباركة فالذي ثبت عندنا ورواه ثقاتنا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعها كلها في حياته في مرض موته الى علي بمحضر جمع كثير من المهاجرين والانصار ولو لا ذلك لكانت إرثا لفاطمة وحدها والصحيح ان عليا لم يقم بادارة فدك ولم تدفع إليه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرجت عن يده ويد زوجته الزهراء ولم تعد الى ورثة الزهراء إلا في خلافة عمر بن عبد العزيز وخلافة السفاح والمهدي والمأمون وان ما ذكره من قول علي لعمر نبأ عنها العام غنى «الخ» مختلق لا صحة له. وفي آخر خلافة عمر كانت قد كثرت الفتوحات وفتحت على المسلمين مملكتا كسرى وقيصر وكثرت عليهم الأموال وتقلبوا في النعيم فلم يكن بهم حاجة الى نخلات بيد علي وابنيه لو فرض انها في ايديهم وعلي قعيد بيته لا يلي ولاية ولا يؤمر على جيش أو لا يقبل التأمير وإنما يعمل في ارضه بينبع أو غيرها ولم يكن ذا ثروة ليتنازل للمسلمين عنها لغناه وحاجتهم. وقد روي ابو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة ـ على ما حكاه ابن ابي الحديد بسنده ان أبا بكر كان يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم ويقسم الباقي وكان عمر وعثمان وعلي يفعلون كذلك فلما ولي معاوية اقطع مروان بن الحكم ثلثها وعمرو بن عثمان بن عفان ثلثها ويزيد بن معاوية ثلثها فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان ايام خلافته فوهبها لعبد العزيز ابنه فوهبها عبد العزيز لابنه عمر فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وقيل علي بن الحسين فردها عليه. ويمكن ان يكون دعاهما معا. وكانت بيد أولاد فاطمة مدة ولاية عمر بن عبد العزيز فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم فصارت في يد بني مروان كما كانت يتداولونها حتى انتقلت الخلافة عنهم فلما ولي السفاح ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ثم قبضها المنصور لما حدث من بني حسن ما حدث ثم ردها المهدي ابنه على ولد فاطمة ثم قبضها موسى بن المهدي وهارون اخوه حتى ولي المأمون فردها على الفاطميين فلم تزل في ايديهم حتى ولي المتوكل فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار

٣٩٥

وكان فيها احد عشرة نخلة غرسها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها فاذا قدم الحاج اهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك الثمر وجه رجلا يقال له بشر بن ابي أمية الثقفي الى المدينة فصرمه ثم عاد الى البصرة ففلج ا ه. هذه هي فدك التي كانت بيد أهل البيت من كل ما اظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين فأنظر في هذا الخبر تجد فيها العبر لمن ابصر وتدبر ولله در دعبل حيث يقول :

أرى فيئهم في غيرهم مقتسما

وايديهم من فيئهم صفرات

ويظهر ان نخلها كان كثيرا يعتد به بحيث يقطعه معاوية اثلاثا لثلاثة اشخاص كبراء كما مر. اما دعواه انها اذا سمعت الحديث فيما ترك الأنبياء اكتفت وانصرفت الخ ـ التي قلد فيها غيره ـ فكان الأولى به عدم نبش هذه الدفائن وان لا يضطرنا الى ذكر ما لا نحب ذكره ولو اتى على دعاواه هذه الطويلة العريضة بدليل أو شبه دليل لكان لنا ان نجيبه عنه ، اما وقد اقتصر على الدعاوي المجردة فكان الأولى ان لا نجيبه بشيء ولكننا لا نترك جوابه بأمور يسيرة نشير إليها اشارة الضرورة ، فنقول دعواه هذه يكذبها ما رواه الامام البخاري في صحيحه من انها ماتت وهي واجدة عليه. وقد ادعى نحو هذه الدعوى القاضي عبد الجبار الباقلاني في كتاب المغني فقال انها لما سمعت ذلك كفت عن الطلب ، واجابه المرتضى في الشافي بقوله لعمري انها كفت عن المنازعة والمشاحنة لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة والأمر في غضبها وسخطها اظهر من ان يخفى على منصف ، فقد روى اكثر الرواة الذين لا يهتمون بتشيع ولا عصبية من كلامها في تلك الحال وبعد انصرافها عن مقام المنازعة ما يدل على ما ذكرناه من سخطها وغضبها ، ثم روى ما يدل على ذلك ، وفي شرح النهج لابن ابي الحديد عند ذكر فدك قال انه يذكر الاخبار والسير المنقولة من افواه أهل الحديث وكتبهم في امر فدك لا من كتب الشيعة ورجالهم قال لأنا مشترطون على انفسنا ان لا نحفل بذلك وجميع ما نرويه من كتاب ابي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة وفدك وابو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع اثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته ، ثم ذكر روايته خطبة فاطمة لما بلغها اجماع أبي بكر على منعها فدك وهي صريحة بخلاف ما يدعيه ثم ذكر كلامها في مشهد الانصار وهو أيضا

٣٩٦

صريح في خلاف ما يدعيه شرح النهج ج ٤ ص ٧٩ الى ان قال : قالت والله لا كلمتك ابدا قال : والله لا هجرتك ابدا ، قالت : والله لأدعون الله عليك ، قال : والله لا دعون الله لك ، فلما حضرتها الوفاة اوصت ان لا يصلي عليها فدفنت ليلا ا ه. ثم ذكر روايته كلامها لنساء المهاجرين والانصار وهو أيضا دال على خلاف ما يدعيه هذا الرجل ومن قلدهم شرح النهج ج ٤ ص ٨٧ وخير استئذانهما عليها في مرضها يدل على خلاف ما يدعيه شرح النهج ج ٤ ص ١٠٤ ، وذكر قول عبد الله بن الحسن بن الحسن كانت امي صديقة بنت نبي مرسل فماتت وهي غضبى على انسان فنحن غضاب لغضبها واذا رضيت رضينا ج ٤ ص ٨٦ ، وكتب الشيعة لم ترو إلا مطالبتها بحقها ولم نسمع في كل بني آدم ان احدا كان ارفع واعلى من ان يطالب بحقه ويحتج عليه لكن هذا الرجل ـ متابعة لنصر هواه ـ رأى آراء شذ فيها عن جميع الخلق فهو يرى ان جعل نصيب لأهل البيت في الخلافة نقص عليهم وان جعل نصيب لهم في الخمس والفيء يوجب التهمة لهم كما مر ، وهنا يرى ان مطالبتهم بحقهم تنافي رفعتهم وعلوهم فانظروا واعتبروا يا اولي الابصار. وكونها غنية غنى النفس لا يمنعها من المطالبة بحقها ولا ينافيه اما غنى المال فلم يكن لها من كل ما اظلته السماء غير فدك. وتفننه بتعبيره تارة بغنية واخرى بمستغنية لا يخرج عن البرودة. واذا كان قلبها بموت أبيها وحسراتها عليه اشغل من ان يحمل شيئا على صاحبيه في الدنيا والآخرة فقد كان الأولى بهما ـ ولم يحصل لهما شرف في الدنيا والآخرة إلا بصحبة ابيها ان لا يرداها عن شيء طلبته ويرضيا المسلمين من مالهما ـ لو فرض انه لا حق لها فيما طلبته ـ او يسترضياهم لها كما فعل ابوها يوم بدر فاسترضاهم ليردوا ما بعثت به ابنته زينب في فداء بعلها ابي العاص ابن الربيع ويطلقوه لها ففعلوا وما كانت زينب تبلغ منزلة فاطمة سيدة نساء العالمين ولا أبو العاص ـ وهو يومئذ كافر ـ يبلغ رتبة علي بن ابي طالب. والقلوب لا يمنعها شغلها بالحزن على موت الاحباء وبالحسرات عليهم مهما بلغ من ان تحمل وجدا وغيظا على احد اذا اقتضى الحال ذلك بل يزيدها. ودعواه انه لم يكن يخالف امير المؤمنين عليه‌السلام في زمن خلافته احد دعوى فارغة فما اكثر المخالفين له فهل تمكن منعزل شريح القاضي ومن ابطال الجماعة في نافلة شهر رمضان حين كانوا يصيحون واسنة ... ومن القضاء في

٣٩٧

المواريث على مقتضى فتواه حين قال لقضاته اقضوا كما كنتم تقضون. ولو كانت التقية والخوف تطعن في دين الامام وتذهب بعصمته ـ كما زعم لطعنت في دين موسى كليم الله واحد اولي العزم من الرسل وفي نبوته وعصمته حين قال ففررت منكم لما خفتكم في دين هارون وذهبت بعصمته حين قال ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني في دين لوط وذهبت بعصمته اذ قال لو ان لي بكم قوة أو آوي ، وفي دين محمد ونبوته وعصمته حين فر من أهل مكة هاربا واختفى ثلاثا في الغار وقبل ذلك كان يعبد ربه بمكة مستخفيا والرواية الأولى عن علي في فدك التي ذكرها لا تعرفها الشيعة بل تنكرها وكم من فرق بينها وبين الثانية عن الباقر عليه‌السلام التي صرحت بأن الذي منعه عن اخذ فدك وسهم ذوي القربى كراهة ان يدعي عليه مخالفة الشيخين الذي لا يحتمله الناس منه لا انه ليس له فيهما حق وهي أيضا ليست من روايات الشيعة وانما رواها ابو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة شرح النهج ج ٤ ص ٨٦ وهو بنص ابن ابي الحديد ليس من الشيعة فظهر بما ذكرنا ان دعوى ان عليا كان على بقية من التقية ليست دعوى فارغة وإنما دعاوي هذا الرجل كلها جوفاء فارغة.

واذا كان لا يرتاب فيما نسبه الى علي والزهراء فنحن لا نرتاب في ان دعاواه لا تستند الى دليل ولا برهان ومنها دعواه هذه على علي والقلوب لا يعلم ما فيها إلا خالقها وقوله لا وفاق نفاق وتقية جهل منه ونفاق فقد بينا ان الخوف حصل للانبياء والرسل فأحرى ان يحصل لعلي ـ وهو لا يراه بالعين التي تراه بها الشيعة ـ لا يراه إلا فردا من افراد الأمة كما صرح به في بعض كلامه واذا كان اظهار الوفاق خوفا نفاقا فأحرى ان يكون امرا بالنفاق قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وأما ان الزهراء صدقت ولم تجد في نفسها حرجا فيكذبه ما مر مفصلا ولا حاجة الى اعادته واما انها ان هجرته فهجر اشتغال عنه بأبيها وبشوق اللحاق إليه فما هو الذي اوجب ان تحزن على ابيها كل هذا الحزن حتى اوجب ان تهجر الخليفة وتشتغل عنه بشوق اللحاق بأبيها وهل كانت تجهل ما امر الله به من الصبر على المصائب وما نهى عنه من الجذع وهي لم يؤت إليها بشيء يغضبها بل كانت محترمة

٣٩٨

معظمة مرفهة منعمة اديت إليها جميع حقوقها فما الذي يحزنها كل هذا الحزن ويشغلها كل هذا الشغل ويشوقها الى اللحاق بأبيها هل هو الا امر عظيم اشتهت معه الموت ولكن هذا الرجل لا يدري ما يقوله أله أم عليه.

التفويض

ذكره في ص ٨٦ وذكر له معاني باطلة وقال ان الشيعة تعتقد ببطلانها وان معتقدها كافر غال ولكنه اطال بذكرها لغير فائدة.

وقال في ص ٨٧ من معاني التفويض ان الله خلق نبيه على احسن ادب وارشد عقل ثم أدبه فأحسن تأديبه فقال خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين ثم اثنى عليه فقال : وإنك لعلى خلق عظيم ثم فوض إليه دينه وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. ومن يطع الرسول فقد اطاع الله ، ثم فوض النبي ذلك الى الأئمة فلا يختار النبي ولا الامام إلا ما فيه صلاح وصواب ولا يخطر بقلبه ما يخالف مشيئة الله وما يناقض مصلحة الأمة مثل الزيادة في عدد ركعات الفرض وتعيين النوافل فرض الله الصلوات ركعتين ركعتين واضاف النبي الباقي فأقره الله وسن النبي النوافل اربعا وثلاثين ركعة فأقر الله ذلك وذلك اظهارا لكرامة النبي والامام ولم يكن اصل التعيين إلا بالوحي ثم لم يكن الاختيار إلا بالالهام وله في الشرع شواهد حرم الله الخمر وحرم النبي كل مسكر فاجازه الله ولا فساد في مثل ذلك عقلا وقد دلت الاخبار عليه.

وفي ص ٨٩ من معاني التفويض ، التفويض في بيان العلوم والاحكام وفي تفسير الآيات سأل ثلاثة الصادق عن آية فأجاب كل واحد بجواب واختلاف الاجوبة كان يقع اما على سبيل التقية واما انه كان للامام ان يبين معنى الآية فالتفويض ثابت في التفسير مثل ثبوته في الاحكام والتفويض في الحكم كما كان لصاحب موسى في سورة الكهف وكما وقع لذي القرنين. والتفويض في الاعطاء والمنع كما وقع لسليمان : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

(ونقول) عقيدة الشيعة في النبي وفي جميع الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم لا تعد وانهم لا يقولون على الله إلا الحق لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وكل نقل اتى عنهم لا يمكن رده الى هذا فهو باطل أو موكول علم تأويله إليه تعالى وفي الامام

٣٩٩

انه قائم مقام النبي (ص) لا يخالفه ولا يخالف حكم الله في قول ولا عمل اما حديث الزيادة في الفرائض وتعيين النوافل فاذا صح سنده فليس فيه شيء ينافي ذلك فالله تعالى فرض الفرائض والنبي زاد في عدد ركعاتها بالهام منه تعالى ، أو بغيره وسن النوافل كذلك وحرم كل مسكر كذلك فأمضاه الله أي خلل أو نقد في ذلك او اتباع لغير امر الله ، ثم ان هذا الذي حكاه عن النبي (ص) من الزيادة في عدد ركعات الفرض وتعيين النوافل وتحريم المسكر وجعله نقدا لعقائد الشيعة قد ذكر مثله في حق الخليفة الثاني فقال انه كان يقول قولا أو يرى رأيا فيقبله النبي ويوافقه الله من فوق عرشه فكيف صار ما هو من فضائل الفاروق عيبا ونقدا لغيره. وان صح ما نقله عن الصادق في الجواب عن الآية كان محمولا على انه بين لأحدهم بعض ما تدل عليه وللآخرين البعض الآخر بما لا ينافي مدلولها.

الغلاة والمفوضة وسبب الغلو

حكي ص ٨٩ قول الصدوق في رسالة العقائد : اعتقادنا في غلاة الشيعة والمفوضة انهم كفار وانهم اضل من جميع أهل الأهواء المضلة ثم قال : ومن بين الشيعة ليس بغال : الشيعة تفرط افراطا في الأئمة ثم تفرط تفريطا في الأمة وفي القرن الأول يدعون العصمة وتمام الاحاطة في الأئمة ويطعنون على الأمة والقرن الأول افضل قرون الأمة.

وفي ص ٩١ ـ ٩٢ هل لا نسب ولا قرابة بين تلك العقائد التي يعدها صدوق الشيعة سفاهة وضلالة وبين تلك الدعاوي المسرفة التي تسندها كتب الشيعة الى الأئمة اسناد افتخار عنه المنافرة وتعداد الفضائل. للائمة على ما ترويه كتب الشيعة كلمات ثقلت في السماوات والأرض ولهم دعاوي عريضة تخترق السماوات الى العرش ان كانت اكثرها لموضوعة. إلا اني اتوهم ان بعضها ثابت بالضرورة وإلا لما ترك ائمة الفقه وائمة السنن والأحاديث اخبار الأئمة من ولد الامام علي امير المؤمنين ولما عادت الأئمة من أهل البيت ائمة الاجتهاد وائمة السنن. ثم اورد عدة احاديث فيها ما لا تعتقده الشيعة وفيها ما لا يضر اعتقاده. وتمادى في اساءة الأدب وسوء

٤٠٠