نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

كان منكم تزوج امرأة الى اجل فليعطها ما سمي لها ولا يسترجع مما اعطاها شيئا وليفارقها فإن الله قد حرمها عليكم الى يوم القيامة.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المتعة.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه امرهم بالمتعة قال فخطبت انا ورجل امرأة فلقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ثلاث فاذا هو يحرمها اشد التحريم ويقول فيها اشد القول وينهي عنها اشد النهي.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه سبرة الجهني اذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المتعة فانطلقت انا ورجل هو اكبر مني سنا من اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلقينا فتاة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها انفسنا فقالت ما تبذلان قال كل واحد منا ردائي وكان رداء صاحب أجود من ردائي وكنت أشب منه فجعلت تنظر الى رداء صاحبي ثم قالت انت ورداؤك تكفيني فأقمت معها ثلاثا ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كان عنده من النساء التي تمتع بهن شيء فليخل سبيلها ففارقتها.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قضينا عمرتنا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج فعرضنا ذلك على النساء فأبين إلا ان نضرب بيننا وبينهن اجلا فذكرنا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال افعلوا فانطلقت انا وابن عم لي ومعه بردة ومعي بردة وبردته اجود من بردتي وانا اشب منه فأتينا امرأة فعرضنا ذلك عليها فأعجبها شبابي واعجبها برد ابن عمي فقالت برد كبرد فتزوجتها فكان الأجل بيني وبينها عشرا فبقيت عندها تلك الليلة ثم اصبحت غاديا الى المسجد فاذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الباب والحجر يخطب الناس يقول ألا أيها الناس قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء إلا وان الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.

ابن ماجة القزويني في سننه بسنده عن الربيع بن سبرة عن ابيه : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع فقالوا يا رسول الله ان العزوبة قد اشتدت علينا قال فاستمتعوا من هذه النساء فأتيناهن فأبين ان ينكحننا الى ان نجعل بيننا وبينهن اجلا فذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال اجعلوا بينكم وبينهن اجلا فخرجت انا وابن عم لي معه

٣٠١

برد ومعي برد وبرده اجود من بردي وانا اشب منه فأتينا على امرأة فقالت برد كبرد فتزوجتها فمكثت عندها تلك الليلة ثم غدوت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم بين الركن والباب وهو يقول ايها الناس اني قد كنت اذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئا.

هذه هي روايات سبرة التي اخرجها مسلم وابن حنبل وابن ماجة نقلناها كلها ليتضح ما في دعاواه وآرائه من الفساد وهو قد اشار إليها ص ١٣٣ مستدلا بها على التحريم المؤبد فقال وقد روى الامام احمد والامام مسلم عن سبرة الجهني التحريم المؤبد من يوم الفتح الى يوم القيامة ا ه.

(ونقول) أولا انها كما دلت على التحريم المؤبد يوم الفتح دلت على الاباحة يوم الفتح وعلى الاباحة في حجة الوداع وبه تبطل دعواه السابقة انها لم تكن مباحة في شرع الاسلام اصلا وانها من بقايا احكام الجاهلية ومبالغة في ذلك واطالة لسانه بسوء القول فكيف عرف دلالتها على التحريم وعمى عن دلالتها على الاباحة؟

(ثانيا) انها لا تصلح دليلا لما زعمه من التحريم المؤبد من وجوه.

(الأول) انها مع تسليم سندها معارضة بما مر من الروايات عن جابر وعمران ابن الحصين وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وسلمة بن الأكوع وغيرهم وتلك ارجح لكثرة رواتها وروايات سبرة انما رواها الربيع بن سبرة عن ابيه فهي بمنزلة رواية واحدة مع تأكيد تلك بالاستشهاد بآية تحريم الطيبات والتصريح ببقاء الاباحة الى خلافة الشيخين حتى نهى عنها عمر وتأكيد ابن عمر ذلك بالحلف بأنهم لم يكونوا على عهد الرسالة زانين ولا مسافحين وتصريح عمران ابن الحصين بنزول آية المتعة والعمل بها وعدم نسخها وعدم نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها طول حياته وان الذي حرمها قال ذلك برأيه

(الثاني) انها مختلفة في تاريخ الاباحة والنسخ ففي بعضها من روايات مسلم وابن حنبل انهما كانا يوم الفتح وفي بعضها من روايات ابن حنبل وابن ماجة انهما كانا في حجة الوداع. وفي بعضها من روايتهما لم يعين الوقت وإذا ضممنا الى ذلك ما ورد في اباحتها وتحريمها يوم خيبر وعمرة القضاء وحنين واوطاس وتبوك وتكون قد ابيحت ونسخت سبع مرات كما تقدم مفصلا في اوّل البحث عند

٣٠٢

الكلام على قوله ان المتعة من غرائب الشريعة وكما فصلناه في الحصون المنيعة.

(الثالث) ان مضامينها متنافية متناقضة مع كونها حكاية لواقعة واحدة مع شخص واحد فرواية سبرة الأولى التي فيها التحريم يوم الفتح فيها تناقض بين روايتي مسلم وابن حنبل فمسلم روى ان سبرة كان جميلا وبرده خلق وصاحبه من قومه كان قريبا من الدمامة وبرده جيد وان الذي تمتع بها هو سبرة دون صاحبه واحمد روى ان القريب من الدمامة هو سبرة وبرده جيد غض وبرد ابن عمه خلق وان الذي استمتع بها هو ابن عمه لا هو ورواية سبرة الأولى في صحيح مسلم ومسند أحمد ظاهرها ان الأذن كان بعد خمسة عشر يوما من دخول مكة. وروايتا مسلم واحمد الأخريان ظاهرهما ان الترخيص كان حين دخول مكة لقوله حين دخلنا مكة فلما قدمنا مكة طفنا ثم امرنا بمتعة النساء وروايتا مسلم واحمد الأولتان دلتا على ان سبرة خرج مع رجل من قومه ابن عم له ورواية مسلم الثانية على انه خرج مع صاحب له من بني سليم وسبرة من جهينة وجهينة ابو بطن من قضاعة ابن معد بن عدنان. وبنو سليم بطن من مضر بن نزاد بن معد بن عدنان وهو سليم بن منصور وبنو سليم بن فهم أيضا فرقة من الأشاقر وهم بطن من دوس ودوس فرقة من غسان وغسان بطن من قحطان وجميع العرب الموجودين يرجعون الى عدنان وقحطان وقضاعة كما في عيون المسائل فلا يتوهمن متوهم ان بني سليم من جهينة. وروايتان من روايات مسلم دلتا على ان سبرة تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد ورواية ثالثة لمسلم على انه استمتع بامرأة من بني عامر ببردين احمرين فكم مرة تمتع سبرة يوم فتح مكة مع ان في الروايات ما يدل على ان ذلك كله حكاية لواقعة واحدة صدرت معه يوم الفتح فإن راوي هذه الروايات كلها عنه شخص واحد وهو ابنه الربيع بن سبرة وهي متحدة في اكثر الخصوصيات مثل خروجه مع رجل وعرضهما انفسهما على المرأة ورفيقه دميم اكبر منه سنا وهو جميل شاب وتردد المرأة بينهما لذلك واختيارها الشاب وكونها من بني عامر وكونها مثل البكرة العنطنطة أو العيطاء التي بمعناها فكيف تتفق معه كل هذه الخصوصيات كل مرة ومع ذلك فمرة كان هذا يوم الفتح ومرة في حجة الوداع ومرة كان هو الشاب الجميل الذي برده رديء فاختارته المرأة ومرة بالعكس كل هذا مما يدل على ان هذه الروايات موضوعة مضافا الى امور اخرى ذكرناها في الحصون المنيعة لبطلان هذه الروايات.

٣٠٣

زعمه الاجماع على تحريم المتعة من الصحابة والامة

في ص ١٢٧ : اجمعت الشيعة على ان عمر نهى عن متعة النساء على ملأ من الصحابة والامام علي وشيعته عنده وسيفه بيده حاضر ولم ينكر ذلك على عمر منكر فهذا اجماع على ثبوت النهي وعلى ثبوت النسخ. والمجلس كان مجلس استشارة ولم يكن احد يسكت فيه خوفا أو وهما ولم يكن من دأب علي ان يسكت في مثل هذه الساعة على مثل هذه المسألة وفي السكوت هدم لحكم جليل من احكام الدين هو شعار له وشارة. ودعوى التقية بعد كل هذه شأن ذليل متهور يهرأ ويهزأ ويتفل على وجه الحق ثم ينجو بالسوأة وابن عباس كان قد اشتهر عنه القول بالمتعة حتى جرت مجرى الامثال وكان يقول بالمتعة جماعة من الصحابة وعن جابر انهم كانوا متمتعون من النساء حتى نهاهم عنها عمر ثم امتنعوا والنهي زمان عمر كان باجماع من الصحابة فيهم علي والاجماع اجماع على ثبوت نهي الشارع وعلى ثبوت النسخ من الشارع ثم قد اجمعت الامة على منع المتعة والامتناع عنها. وقد كانت في عهد الرسالة تثبت سنة وتخفى على جملة من الصحابة كثيرة وعلمها عند واحد أو جماعة ويرى صحابي رأيا من عند نفسه يخالفها أو لا يخالفها وابن عباس قد خفي عليه سنة في ابواب الربا والصرف كما خفي عليه وعلى جماعة من الصحابة تحريم المتعة حتى اجمعت شورى الصحابة عند عمر وعلي على ان الشارع حرمها تحريم الأبد وهذا معنى قول جابر انهم كانوا يتمتعون حتى نهاهم عمر.

وفي ص ١٣٣ قال ابن المنذر جاء من الأوائل الترخيص في المتعة ولا اعلم اليوم من يجيزها إلا بعض الشيعة وقال عياض ثم وقع الاجماع على تحريمها. وتمتع جماعة من صحابي أو تابعي ليس بحجة ثم خلاف جماعة لم يبلغها حديث التحريم أو بلغها وعملت على خلافه لا يقدح اصلا وابدا في الحجة اذ قد صح عند الامة حديث التحريم المؤبد بإجماع في شورى الصحابة حيث ان جابرا يقول ان من لم يبلغه النسخ كان يتمتع يعتقد ان الأمر باق على ما كان حتى ثبت النسخ والتحريم المؤبد في شورى الصحابة زمن عمر ووافقته الأمة.

وفي ص ١٣٥ ثبت عند أهل العلم وائمة الاجتهاد وائمة المذاهب تحريم المتعة بوجوه وذكر منها اجماع الأمة على التحريم بعد ما تقرر النهي والنسخ في شورى

٣٠٤

الصحابة زمن عمر وكان علي حاضرا بالمجلس وقد ثبت باجماع الشيعة وأهل السنة والجماعة وبرواية زيد بن زين العابدين ومحمد بن الحنفية عن امام الأئمة وامير المؤمنين علي (ع) تحريم المتعة تحريم ابدا ، الرواية ثابتة قطعا ودعوى التقية ساقطة بالضرورة فالاجماع قطعي.

وفي ص ١٢٦ روى الامام مالك والزهري عن ائمة أهل البيت عن علي امير المؤمنين (ع) ان النبي نهى يوم خيبر عن نكاح المتعة. روى الامام الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري عن الحسن (١) عن ابيه الباقر محمد بن علي عن علي بن أبي طالب ان النبي حرم نكاح المتعة يوم خيبر. روى محمد بن الحنفية بن أبيه علي بن أبي طالب ان منادي رسول الله نادى يوم خيبر ألا ان الله ورسول الله ينهاكم عن المتعة. والامام الطحاوي في معاني الآثار روى بسند ثابت ان عليا قال لابن عباس انك رجل تائه ألم تعلم ان رسول الله نهى عن متعة النساء وروى عن عبد الله بن عمر : والله لقد علم ابن عباس ان رسول الله حرمها يوم خيبر وروت كتب الشيعة بالسند عن زيد بن زين العابدين علي عن آبائه عن علي بن ابي طالب (ع) أن النبي حرم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة والشيعة لا تنكر هذه الرواية وان قالت انها وردت مورد التقية ودعوى التقية بعد ثبوت الرواية هراء وهواء وطعن على دين الامام.

وفي ص ١٤١ ثبت بسند اجمع عليه الشيعة والأمة ان شورى الصحابة وركنها الأعظم علي (ع) قررت وأقرت على تحريم المتعة تحريم الأبد زمن النبي.

وفي ص ١٤٧ بعد ما ذكر حيث ـ قيل لعمر يعيب عليك الناس ـ المتقدم قال وبه ـ أي بهذا الحديث ـ يرتد عن دينه ما ابتهرته الشيعة على لسان الامام علي انه كان يقول لو لا نهيه عن المتعة ما زنى إلا شقي أو إلّا شقا ـ قليل ـ فذلك القول من عمر رد لهذا القول الذي وضعته الشيعة على لسان علي (الى ان قال) فلو كان علي صار يقول هذا القول بعد زمن الفاروق لكان اذل الناس.

وفي ص ١٤٩ العرب قبل الاسلام كانت لها انكحة دامت حتى صارت عادة ابطلها الاسلام ومنها المتعة فدامت في صدر الاسلام حتى تقرر في شورى الصحابة

__________________

(١) هكذا في النسخة ولعل في العبارة سقطا ـ المؤلف ـ.

٣٠٥

زمن عمر ثبوت النهي والنسخ وتحريم الأبد فنهى عنها عمر فأشيع اشاعة غرض أو غفلة ان الناهي انما هو عمر فبقي الاختلاف زمن التابعين حتى رجع الأكثر الى ما كان يراه عمر فأجمعت الأمة بعده على التحريم إلا الشيعة ولم يكن بيدها من دليل الا ارغام بمجرد ولم يوجد لها من زخرفة إلا انها شارة لأهل البيت وشعار للائمة.

(ونقول) كلامه هذا كسائر كلماته قد اشتمل على امور هي عبارة عن دعاو مجردة عن دليل ومماحكات وتمحلات وتناقضات ومصادمات للبديهة ومخالفات لإجماع المسلمين ودعوى للاجماع في محل الخلاف وللقطع في موضع القطع بالعدم وغيرها من هذا النسخ فلنتكلم على كل واحد منها على حدة.

(الأول) زعمه اجماع الصحابة على ثبوت النهي واستدلاله بأنه وقع على ملأ منهم ولم ينكره احد وعلي حاضر فكان اجماعا. وفيه ان حضوره غير معلوم ومن الذي ذكره. ومما يضحك الثكلى قوله (وشيعته عنده وسيفه بيده) فهل كان الموقف موقف حرب وطعن وضرب واحداث فتنة في الاسلام هي اعظم مفسدة مما حصل ولعله يقصد بذلك الهزء وهو اولى به. ولو كان عند علي من شيعته من يغني عنه لنفعه قبل هذا الموقف ولم يكن عنده حمزة ولا جعفر ولا عبيدة. وسيفه ولم يكن في يده بل في غمده لا يؤذن له بالسل ولو فرض انه كان حاضرا وسكت فقد سكت فيما هو اعظم من تلك الساعة. ومن عند كلامه على التقية انه لم يكن اعظم من موسى كليم الله حين قال ففررت منكم لما خفتكم. ولا من هارون لما قال ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. ولا من لوط اذ قال لو ان لي بكم قوة ولا من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد فر من قومه لما تعاقدوا على قتله الى الغار فاختفى فيه ثلاثا ثم الى المدينة مستخفيا. على ان دعوى عدم انكاره كذب وافتراء فقد قال لو لا ما تقدم به فلان ما زنى إلا شفا أو ما هذا معناه وهذا غاية ما يمكنه من الانكار واما زعمه ان الشيعة ابتهرته ووضعته على لسان علي يكذبه انه انما رواه عن علي علماء غير الشيعة ممن تسموا بأهل السنة فالابتهار ليس إلا من هذا الرجل الذي لا يبالي ما يقول وبذلك يرتد عن دينه ما ابتهره (١) على الشيعة غير هياب ولا مبال من انها وضعته على لسان

__________________

(١) تبعنا لفظه في هذه الجملة مع عدم ظهور صحتها عربية ـ المؤلف.

٣٠٦

علي. ففي تفسير الطبري ج ٥ ص ٩ بسنده عن شعبة عن الحكم قال علي لو لا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شفا. ومثله عن الثعلبي في تفسيره. وفي الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور للسيوطي ج ٢ ص ١٤٠ اخرج عبد الرزاق وابو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم قال علي لو لا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شفا ومن ذلك يعلم مبلغ امانة هذا الرجل ومبلغ علمه بالأحاديث ومبلغ ادبه في قوله فلو كان علي صار يقول الخ. وما يدريه انه قاله في زمن الفاروق أو بعده. اما الروايات التي اسندت إليه روايات التحريم فهي مخالفة لما رواه عنه الأئمة من ذريته الذين هم اعرف بمذهبه من كل احد فلا يلتفت إليها. والتقية قد بينا عند الكلام عليها انها ثابتة في العقل والنقل وانها من الدين فما كلامه هذا الا هراء وهواء وطعن على دين الاسلام كما ان دعوى عدم انكار احد عليه أيضا كذب وافتراء فقد انكر عليه جماعة وأبوا عليه هذا النهي كما مر عند ذكر ثبوتها بالسنة ففي الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ١٤١ قال اخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس : رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا اشفى الحديث. وفي النهاية الأثيرية عن كتاب الهروي ما لفظه في حديث ابن عباس ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا إلا شفى أي إلا قليل من الناس. وقال الأزهري اي إلا ان يشفي أي يشرف على الزنا ولا يواقعه ا ه. النهاية وفي لسان العرب في الحديث عن عطاء سمعت ابن عباس يقول ما كانت المتعة وساق الحديث الى ان قال والله لكأني اسمع قوله إلا شفى ـ عطاء القائل ـ ودعوى رجوعه عنها باطلة مختلفة كدعوى قول علي له انك رجل تائه الخ. وابن عباس انما اخذ القول بإباحتها عن علي وابن عمر لم يكن ليقول والله لقد علم ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمها فإنه قدح في ابن عباس بمخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عالما لا يقدم عليه ابن عمر مع ان المروي عنه انكار تحريمها. وقوله والله ما كنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مسافحين وجوابه لمن قال له ان اباك نهى عنها شهور وممن رواه الترمذي عن قول عمران بن الحصين نزلت آية المتعة في كتاب الله وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات وفي رواية عنه ان الله انزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى وامرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها وما نهانا عنها

٣٠٧

ثم قال رجل برأيه ما شاء أو فقال بعد رجل برأيه ما شاء وقول جابر فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما كالصريح في ان الامتناع لنهي عمر لا لغيره وهو انكار ضمني وما اسنده الى جابر لا يدل عليه شيء من الأحاديث المنقولة المار ذكرها فهو يقول في احدها : استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وابي بكر وعمر وفي الأخر كنا نستمتع بالقبضة على عهد رسول الله وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث وفي الثالث فعلناهما ـ أي المتقين ـ مع رسول الله (ص) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. فهل في هذا الكلام دلالة على ان من لم يبلغه النسخ كان يتمتع يعتقد ان الأمر باق حتى ثبت النسخ بشيء من الدلالات كما يزعمه هذا الرجل فهو افتراء على جابر وتفسير لكلامه بما لا يرضى به ولم ينسبه احدا إليه. نعم لم ينكر عليه احد انكار ممانعة ومقاومة ومن ذا الذي يجسر على هذا وهو يقول انا احرمهما وأعاقب عليهما فيعرض نفسه للعقاب ويقول لو كنت تقدمت لرجمت. وممن افتى بها أبي بن كعب كما مر عند الكلام على آية فما استمتعتم وكانت فتواه هذه طول حياته وقال المرتضى في الشافي افتى بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين وعد من الصحابة عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري وسلمة بن الأكوع وزاد العلامة في كشف الحق المغيرة بن شعبة ومعاوية بن ابي سفيان وفي كشف الحق قال محمد بن حبيب البختري كان ستة من الصحابة وستة من التابعين يفتون بإباحة المتعة للنساء. وظاهر هذا النقل عنهم انهم كانوا يفتون بها طول حياتهم كما ان ذلك صريح ما مر عن ابن عباس وابن عمر وعمران كل هذا وهو يتحمل ويقول انه خفي عليهم تحريم المتعة حتى اجمعت شورى الصحابة على ان الشارع حرمها يحمل على ذلك قول جابر المتقدم مع انه لا يدل على الاجماع على التحريم بل على الامتناع لأجل النهي بعد سماع هذا التهديد فظهر فساد دعواه اجماع الصحابة على النهي وسخفها وانها دعوى للاجماع في محل الخلاف واغرب من ذلك دعواه انه ثبت بإجماع الشيعة ومن تسموا بأهل السنة وبرواية زيد وابن الحنفية عن علي تحريم المتعة تحريم ابد فستعرف انه لا اجماع لا من الشيعة ولا من غيرهم وكيف جمع الشيعة على روايته عن علي وتخالفه وان جميع ائمة أهل البيت كانوا يفتون عليها كما روى ذلك عنهم بالتواتر والاتفاق اصحابهم واتباعهم من شيعتهم ومحبيهم الذين

٣٠٨

هم اعرف بمذهبهم من كل احد وهو مع ذلك يشتط ويقول بلا خجل ولا مبالاة الاجماع قطعي ورواية النهي عن زيد وابن الحنفية عن امير المؤمنين علي بالتحريم باطلة قطعا لأنها مخالفة لما ثبت عنه بالتواتر المتقدم سواء أكانت دعوى التقية ساقطة أم قائمة فقوله الرواية ثابتة قطعا ودعوى التقية ساقطة بالضرورة فالاجماع قطعي كلها دعاو ساقطة لا برهان عليها أسرع مدعيها الى دعوى القطع ـ على عادته ـ في محل الشك أو القطع بالخلاف كما ظهر فساد قوله ان النهي زمن عمر كان بإجماع الصحابة فإنه وحده هو الناهي ، ولم ينقل عن احد غيره انه نهى بل جماعة أبوا عليه هذا النهي كما مر وفساد قوله لم يكن احد يسكت خوفا أو وهما وقوله أو وهما وهم منه ذكر مثله سابقا عند الكلام على التقية وبينا وهمه فيه وظهر انه وحده هو المتهور الذي يهرأ ويهزأ وينقل على وجه الحق ثم ينجو بالسوأة وان هذه العبارات السيئة التي اعتادها وتفاصح بها (يهرأ ويهزأ) لا احد احق بها منه.

(الثاني) زعمه ان هذا الاجماع اجماع على ثبوت النسخ والنهي من الشارع وفيه. مع ان الاجماع اصلا غير واقع فضلا عن ان يكون على ثبوت نهي الشارع ـ ان الناهي قد اسند النهي الى نفسه بقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) انا انهي عنهما وأعاقب عليهما بطريق الحصر وتقديم الضمير المنفصل على فعل النهي الدال صريحا على انه هو الناهي لا غيره كما تقرر في علم البيان في مثل قولنا أنا فعلت كذا ولو كان المراد نهي الشارع لكان اسناد النهي الى الشارع بأن يقال نهي الشارع عنها متعينا لأنه ادخل في القبول منه ولم يكن ليسنده الى نفسه.

(الثالث) زعمه ثبوت النهي والنسخ وتحريم الأبد في شورى الصحابة وان المجلس الذي وقع تحريمها فيه كان مجلس استشارة وفيه انه لم يكن مجلس استشارة كما زعم ولكنه مجلس انذار وتهديد وانها لم تكن شورى من الصحابة وفي ذلك المجلس الذي يدعيه وانما كان تحريم وتهديد ووعيد من رجل واحد فقط وان هذه الشورى المزعومة الموهومة لم يحضرها علي ولم يكن ركنها الأعظم ولا غير الأعظم ولم يكن لها اركان ولا بناء ولم يكن إلا تحريم رجل واحد وتهديده المخالف بالعقاب على ان الاستشارة لا محل لها في الاحكام الشرعية واحكام الشرع لا تكون بالشورى وبالآراء وانما سبيلها نص الشارع : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)

٣٠٩

وليس سبيلها آراء الرجال حتى يشيروا فيها بنفي أو بإثبات وإنما الاستشارة في الحروب وسياسة الملك وامور الدنيا وهل تكون الشورى ناسخة لوحي الله تعالى واذا كانت المتعة حرمت في زمن النبي (ص) تحريم الأبد فلا بد ان يكون اطلع على هذا التحريم كافة الصحابة لا سيما بعد ان تكرر النهي سنة سبع وثمان وتسع عشرة في آخر حياة النبي (ص) في حجة الوداع فهل يحتمل عاقل انه بقي احد يجهل هذا النهي لو كان وكيف خالفه جماعة من الصحابة واي حاجة الى شورى الصحابة في هذا الحكم بعد وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعدة سنين فهذا كله يبطل ما يقوله ويناقض ما يدعيه ويدل على ان الأمر على خلاف ما زعمه واجتماع شورى الصحابة عند عمر وعلي على تحريمها افتراء على الصحابة وما ابعد الشورى عن قول من يقول لو تقدمت لرجمت على ان هذه الشورى التي يدعيها ان كان اصحابها قالوا بالتحريم اجتهادا فهو مردود عليهم لعدم عصمتهم وان كانوا رووه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وكان النهي ثابتا عندهم فأي حاجة الى الشورى؟.

(الرابع) زعمه اجماع الأمة بعد الصحابة على التحريم وهي دعوى واضحة البطلان ، قال المرتضى في الشافي : افتى بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين وعد من التابعين أبا سعيد الخدري وسعيد بن جبير وابن جريح ومجاهد وغيرهم ممن يطول ذكره ا ه. وزاد العلامة في كشف الحق عطاء وقد اعترف صاحب الوشيعة ص ١٣٢ بانه كان يقول بالمتعة جماعة من التابعين منهم طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وجماعة من فقهاء مكة منهم ابن جريح ومر قول محمد بن حبيب البخزي كان ستة من التابعين يفتون بإباحة المتعة للنساء فهذا كله يكذب حصول الاجماع في عصر التابعين ومن بعدهم كما ثبت كذب حصوله في عصر الصحابة ويدل على انه لم يحصل لا على المنع ولا على الامتناع.

قال المرتضى في الشافي : فأما سادة أهل البيت وعلماؤهم فأمرهم واضح في الفتيا بها كعلي بن الحسين زين العابدين وابي جعفر الباقر وابي عبد الله الصادق وابي الحسن موسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا عليهم‌السلام. اما تهويله بأنه ثبت عند أهل العلم وائمة الاجتهاد وائمة المذاهب تحريم المتعة بإجماع الأمة فأهل العلم هم أهل البيت الذي أمرنا أن نتعلم منهم ولا نعلمهم وان لا نتقدمهم ولا نتأخر عنهم

٣١٠

واذا اردنا دخول مدينة علم المصطفى ان نأتي بابها علي بن أبي طالب (ع) سيد أهل البيت وكلهم افتوا باحلالها. اما ائمة الاجتهاد فدعوى افتائهم كلهم بتحريمها غير ثابت ففي حاشية مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي المطبوع بالآستانة سنة ١٣١٩ لصاحب الشرح ج ١ ص ٢٧٠ ما لفظه : وقال مالك هو ـ أي نكاح المتعة ـ جائز لأنه كان مباحا فليبق الى ان يظهر ناسخه ا ه. وذكر في الشرح المذكور انه منسوخ باجماع الصحابة ثم قال : فعلى هذا يلزم عدم ثبوت ما نقل من اباحته عند مالك ا ه. ففرع عدم ثبوت النقل على النسخ بإجماع الصحابة وحيث ان اجماعهم غير متحقق بل عدمه ثابت بافتاء جماعة منهم بذلك كابن عباس وابن مسعود وابن عمر وجابر الأنصاري وعمران بن الحصين وغيرهم ممن تقدم فالتفريع غير ثابت.

ولو فرض افتاؤهم كلهم بتحريمها فحكم القرآن الكريم والسنة النبوية واقوال اكابر الصحابة والتابعين والفقهاء امثال ابن جريح فقيه مكة مقدمة.

(الخامس) اعترافه بأن ابن عباس وجماعة من الصحابة كانوا يقولون بالمتعة وان جابرا كان يقول انهم كانوا يتمتعون من النساء حتى نهاهم عنها عمر واعتراف ابن المنذر بثبوت الترخيص في المتعة من الأوائل الذي لا يمكن ان يكون ترخيصا في حكم جاهلي مناقض ومكذب لقوله السابق انها لم تشرع في الاسلام وانها من بقايا انكحة الجاهلية وانها كانت امرا تاريخيا لا حكما شرعيا ولكنه ينقل ما يكذبه ويحتج به ولا يبالي.

(السادس) زعمه انها كانت تثبت سنة وتخفى على جماعة كثيرة من الصحابة والتباس الأمر عليهم لو امكن في غير هذا المقام فهو هنا غير ممكن بعد ما نودي بتحريمها ـ على ما زعموا ـ مرارا عديدة على رءوس الأشهاد وفي غزوات متعددة احداها يوم فتح مكة المتأخر عن صدر الاسلام كثيرا وفي آخر حياة النبي (ص) في حجة الوداع فبقاء حكمها خافيا عنهم أو عن بعضهم طول حياة النبي (ص) ومدة خلافة ابي بكر وشطرا من خلافة عمر واستمرارهم على فعلها حتى نهاهم عمر في شأن عمر بن حريث ممتنع عادة ولا يؤمن به صغار العقول فضلا عن كامليها.

(السابع) زعمه ان تمتع جماعة من صحابي أو تابعي ليس بحجة يبطله ان الصحابة الذين تمتعوا اسندوا ذلك الى ترخيص النبي (ص) وامره كما نصت عليه

٣١١

الاخبار التي نقلناها فكيف لا يكون حجة واذا كان تمتع جماعة من الصحابة مع اسنادهم الترخيص الى النبي (ص) ليس بحجة فتحريم صحابي واحد مع اسناده التحريم الى نفسه ومخالفة جماعة من صحابي وتابعي وغيرهم له كيف صار حجة والتمست له الوجوه البعيدة وسردت واولت لأجله الروايات الصحيحة. وزعمه ان الجماعة المخالفة لم يبلغها حدث التحريم أو بلغها وعملت على خلافه يبطله ان عدم بلوغها ممتنع عادة كما عرفت واحتمال بلوغها وعملها على خلافه اشنع وابشع فإنه نسبة لاجلاء الصحابة الى الاقدام على الزنا عمدا ومخالفة نهي النبي الصريح وفيهم مثل ابن مسعود الذي وصفه ص ١٢٨ ـ ١٢٩ ـ ١٣٠ بأعلى صفات الفضل ومنها ان اقوم الناس بأدب الدين واشبه الصحابة هديا بالنبي (ص) وكيف يلتئم هذا مع عدالة جميع الصحابة ومع كون عصرهم اقدس العصور وأفضلها كما قاله فيما سلف لا سيما عصر الرسالة ومع قوله ص ١٢٩ فأين قول الكتاب وليستعفف الآية. ومن كان المخاطب بقوله اصبروا وصابروا وهل يمكن ان يكون صحابة افضل نبي أوهن واوقح من صحابة أي نبي كان وقد كانوا رهبان ليل فأي تهور اعظم من هذا أو اي تناقض اقبح منه وحديث التحريم المؤيد ما صح ولن يصح وكيف يصح حديث مضطرب يقتضي ان تكون ابيحت وحرمت سبع مرات وقد بينا عدم صحة حديث التحريم في الحصون المنيعة بما لا مزيد عليه. وما اسنده الى جابر لا يدل عليه شيء من احاديثه المتقدمة وهي : استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر وعمر. كنا نستمتع بالقبضة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث فعلناهما أي المتعتين مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما فهل يتوهم احد عنده ذرة من فهم ان معنى هذا الكلام ان من لم يبلغه النسخ كان يتمتع بقبضة يعتقد ان الأمر باق تي ثبت النسخ والتحريم المؤبد فهو افتراء على جابر وتفسير لكلامه بما لا يرضى به ولا يدل عليه ولم ينسبه احد إليه.

(الثامن) زعمه ان اشيع اشاعة غرض أو غفلة ان الناهي هو عمر وهذا تمويه وستر للحقائق فقد ترك الخداع من كشف القناع بقوله : انا احرمهما وأعاقب عليهما والغفلة لا يتوهمها إلا الغارق في الغفلة وأي غفلة تبقى بعد هذا التصريح نعم اشيع اشاعة غرض لا غفلة فيه ان النهي من صاحب الشرع وليس كذلك وبقاء الاختلاف

٣١٢

زمن التابعين دليل على بطلان قرار الشورى الذي زعمه. ولم يكن بيد من قال بحرمتها من دليل إلا ارغام من احلها ومتابعة من حرمها مع الاعتراف بعدم عصمته ولم يوجد لها من زخرفة إلا اشباه هذه الزخرفات التي يذكرها هذا الرجل.

دعوى رجوع ابن عباس عن القول بالمتعة

قال ص ١٣٣ قال الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا من اصحاب ابن عباس انه ما خرج من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فإن لم يقبل رجوعه فإجماع التابعين بعده يرفع قوله والأمة ترث العلم ولا ترث ضلال احد.

(ونقول) دعوى رجوع ابن عباس عنها باطلة فقد اشتهر القول بها عنه اشتهارا ما له من مزيد حتى نظمت فيه الأشعار ففي الدر المنثور للسيوطي وغيره من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس ما ذا صنعت ذهب الركاب بفتياك وقالت فيه الشعراء قال وما ذا قالوا؟ قلت قالوا :

اقول للشيخ لما طال مجلسه

يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

هل لك في رخصة الأطراف آنسة

تكون مثواك حتى مصدر الناس

ورجوعه لم يصح والرواية بذلك عن الشعبي مع ارسالها وكون النفر الذين رووا ذلك عن ابن عباس مجهولين ومع انحراف الشعبي عن علي وبني هاشم وكونه نديم الحجاج وقاضي عبد الملك بن مروان لم تكن لتعارض ما صحت واستفاضت روايته. وفي الكشاف عن ابن عباس ان آية فما استمتعتم محكمة ـ يعني لم تنسخ ـ وكان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى ا ه. وهو يدل على عدم رجوعه وفي النهاية الأثيرية عن كتاب الهروي ما لفظه وفي حديث ابن عباس ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد (ص) لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا الأشفى أي إلا قليل من الناس وقال الأزهري أي إلا ان يشفي أي يشرف على الزنا ولا يوافقه ا ه. النهاية وروى مسلم في صحيحه بسنده ان عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال ان اناسا اعمى الله قلوبهم كما اعمى ابصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال انك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول الله

٣١٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فو الله لئن فعلتها لأرجمنك باحجارك قال النووي في شرح صحيح مسلم : يعرض برجل يعني يعرض بابن عباس ا ه. ومن ذلك يفهم ان هذه المسألة دخلتها العصبية واستمرت حتى اليوم وفي تفسير الفخر الرازي : قال عمارة سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح قال لا سفاح ولا نكاح قلت فما هي قال متعة كما قال الله تعالى قلت هل لها عدة قال نعم عدتها حيضة قلت هل يتوارثان قال لا ا ه. والظاهر ان مراده من نفي كونها نكاحا نفي النكاح الدائم بحيث يترتب عليها جميع احكامه وكأنه فهم ذلك من سؤال السائل وإلا فما ليس بنكاح فهو سفاح. على ان فتوى ابن عباس ليست هي المستند فسواء عندنا رجوعه عنها وعدمه. وقوله الأمة ترث العلم ولا ترث ضلال احد من جملة هذيانه الذي لا يرجع الى محصل ولا يرتبط بالمقام والأمة التي يتغنى دائما بذكرها كما ترث العلم قد ترث الضلال لأن العصمة ليست الا الذي الجلال ومن شاء الله. ويأتي قريبا في الحوار بين ابن عباس وابن الزبير ما يدل على اشتهار القول بالمتعة عن ابن عباس اشتهارا لا يقبل التكذيب وان اسناد الرجوع إليه مجرد تلفيق

قصة اسماء ذات النطاقين

قال ص ١٣١ فلو قلنا ان اسماء ذات النطاقين بنت الصديق اخت السيدة عائشة أمّ المؤمنين تزوجها الزبير حواري النبي (ص) نكاح متعة فمن يثبت لنا ان هذا النكاح كان متعة الى اجل فانقطع بانقضاء الأجل. والحزم قد يوجب على الصديق الاحتياط تداركا للأمر عند ظهور عدم القيام بين الزوجين فالغالب ان الصديق ـ وقد كان حازما ـ احتاط لعقيلته فشرط على الزبير امرا به تتطلق كريمته اذا تركته وشاع في الناس انه نكاح الى اجل ثم وضعت السنة الرواة على لسان السيدة اسماء ان النكاح كان متعة بأجرة الى اجل لأن سادة قريش كانت تستنكف الاتجار بشرف المرأة والصديق كان اسود واغنى من ان تمتع عقيلته نفسها بأجرة لضرورة أو ضعة هذا الذي وقع ومن ادعى غيره فقد افترى.

(ونقول) الأحكام الشرعية تشمل جميع المكلفين لا فرق فيها بين احد واحد

٣١٤

يستوي فيها ذات النطاقين وذات النطاق الواحد واخت السيدة عائشة أمّ المؤمنين واخت أم جميل زوجة ابي لهب والزبير حواري النبي وغيره. فاذا قلنا انه تزوج اسماء نكاح متعة كان هذا العقد منعقدا الى اجل فانقطع بانقضاء الأجل لأن ذلك هو معنى نكاح المتعة لغة وشرعا وعرفا وغيره يحتاج الى دليل واثبات ولا يكفي فيه التخرص بمقتضى الشهوات فقوله الغالب ان الصديق «الخ» تخرص على الغيب وقول بغير علم ولو جاز مثله لجاز لكل احد ان يقول الغالب كذا والغالب كذا فيئول كل حديث لا يوافق هواه على ما يوافق وحينئذ تقع الفوضى في الدين ولا يسلم لنا خبر ولا حديث فالألفاظ لها ظاهر يجب الأخذ به والعمل عليه ولا يجوز العدول عنه بقول الغالب ان المراد. على انه لو كان شيء مما قاله واقعا لنقل ولاعتذر به ابن الزبير وأمه اسماء حين قال له ابن عباس ان اوّل مجمر سطع في المتعة لمجمر آل الزبير وحين قال سل امك عن بردي عوسجة فإنها لم تزد حين سألها على ان قالت يا بني : احذر هذا الأعمى الذي ما اطاقته الأنس والجن واعلم ان عنده علم فضائح قريش ومخازيها كما يأتي قريبا. واذا كان الصديق حازما والحزم يوجب عليه اشتراط امر تنفسخ به عقدة النكاح عند ظهور عدم القيام فلم لم يستعمل هذا الحزم إلا في تزويج ابنته ذات النطاقين من الزبير حواري الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم لم يحتط هذا الاحتياط في تزويج اخته من الأشعث بن قيس الذي ارتد ثم تاب فردها إليه والأشعث كان أولى بأن يحتاط منه لأنه ليس في درجة الزبير وكيف لم يوجب عليه الحزم الاحتياط هناك واوجبه عليه في حق حواري الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تزوجه بذات النطاقين لشد سفرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنطاقها أو لشعة ولم يستعمل هذا الحزم غيره من الصحابة حين زوجوا بناتهم واخواتهم فلم ينقل ان احدا منهم استعمل مثل هذا الحزم واشترط مثل هذا الشرط وهم كانوا اولى بذلك فليس كل بناتهم مثل ذات النطاقين تحسن التبعل ولا كل اصهارهم مثل حواري الرسول يطيع أوامر الله في زوجته. كل ذلك يدلنا على ان هذا الشرط الذي صورته مخيلته لم يقع من الصديق وانه مجرد اختلاق. واشترط امر به تتطلق كريمته من زوجها الزبير اذا تركته قهرا عليه ينافي ما سبق منه من ان النكاح من اقوى العقود ينعقد انعقادا يبطل كل الشروط ولكن التناقض في كلامه طبيعة. ونسبة الى السنة الرواة الوضع على لسان السيدة اسماء ان النكاح كان متعة بأجرة الى اجل قدح في الصحابة أو من بعدهم من الرواة ونسبته لهم الى الكذب والوضع على

٣١٥

لسان ذات النطاقين بنت الصديق اخت أمّ المؤمنين زوجة الحواري وهو أيضا مناقض لقوله المتقدم ان الاخبار لم يبق فيها زيف أو دخيل واعترف منه بالوضع في اخباره وتكذيب لنفسه فيما ادعاه على الشيعة مرارا انها تضع ولا تحسن الوضع ولعله رأى هنا ان رواته وضعت واحسنت الوضع.

وروى ابن ابي الحديد وغيره ان ابن الزبير خطب بمكة وابن عباس تحت المنبر فقال ان هاهنا رجلا اعمى الله قلبه كما اعمى بصره يرعم ان المتعة حلال من الله ورسوله الى ان قال : وقد قاتل أمّ المؤمنين وحواري رسول الله (ص) فقال ابن عباس لقائده سعيد بن جبير بن هشام مولى بني اسد بن خزيمة استقبل بي وجه ابن الزبير وارفع من صدري وكان قد كف بصره فاستقبل به وجهه وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال يا ابن الزبير :

قد انصف القارة من راماها

انا اذا ما فئة نلقاها

ترد أولاها عن اخراها

حتى تصير حرضا دعواها

فاما العمى فإن الله تعالى يقول : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). الى ان قال فأما المتعة فسل امك اسماء اذا نزلت عن بردي عوسجة. واما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك فأنطلق أبوك وخالك (١) الى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما فلا انصفا الله ولا محمدا من انفسهما اذا ابرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما وأما قتالنا إياكم فإنّا لقيناكم زحفا فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا وان كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا وايم الله لو لا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني اسد ابن عبد العزى عظما إلا كسرته. فلما عاد ابن الزبير الى أمه سألها عن بردي عوسجة فقالت ألم انهك عن ابن عباس وعن بني هاشم فانهم كعم الجواب اذا بدهوا قال بلى وعصيتك فقالت يا بني احذر هذا الأعمى الذي ما اطاقته الأنس والجن وعلم ان عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها فإياك وإياه آخر الدهر فقال في ذلك ايمن بن خزيم بن فاتك الأسدي من ابيات :

يا ابن الزبير لقد لاقيت بائقة

من البوائق فألطف لطف محتال

__________________

(١) يريد به طلحة لأنه تيمي وأم ابن الزبير تيمية.

٣١٦

ان ابن عباس المعروف حكمته

خير الأنام له حال من الحال

عيرته المتعة المتبوع سنتها

وبالقتال وقد عيرت بالمال (١)

فأحتز مقولك الأعلى بشفرته

حزا وحيا بلا قيل ولا قال

وفي العقد الفريد عن الشعبي ان ابن الزبير حين قال لابن عباس افتيت في المتعة قال له ابن عباس في جملة كلام ان اوّل مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير.

وقوله سادة قريش كانت تستنكف الاتجار بشرف المرأة تهويش بارد فاسد فإنها اذا ثبتت حلية المتعة كان القائل بأنها اتجار بشرف المرأة رادا على الله ورسوله ومستهزئا بأحكامه وليس في حلال امتهان لشرف ويمكن ان يقال مثله في الدائم بأنه اتجار بشرف المرأة لأنها تأخذ مقابل وطئ الزوج لها ثمنا هو المهر ونفقة ونحو ذلك من العبارات الشعرية التي يقصد منها مجرد التنفير أو الترغيب ولا تستند الى حق ولا صواب والسيادة لا توجب الارتفاع على احكام الله ولا تجوز الاستكبار عنها والاستنكار لها واطاعة امر الله ليس فيها ضعة على احد وبذلك ظهر ان الذي وقع غير ما ادعاه وان دعوى وقوعه محض افتراء.

زعمه النكاح المطلق لا يشمل المتعة

وكل آية فيها النكاح تحريم لها

قال (ص ١٢٨) النكاح إذا أطلق لم يكن يشمل نكاح المتعة لا لغة ولا شرعا وفي ص ١٥٢ إذا اطلق النكاح لا ينصرف إلا على هذا العقد الدائم في تعارف هل اللغة وعرف الشرع وفي (ص ١٦٥) نسخت المتعة بكل آية نزلت في النكاح وفي ص ١٣٥ ـ ١٣٦ كل آية فيها حل النكاح أو تحريمه يدل على تحريم المتعة فإن النكاح اذا اطلق لا يشملها لا لغة ولا شرعا لا يطلق على ماء الورد اسم الماء إلا بالإضافة ولا يطلق اسم الأزواج واسم امرأة الرجل ونساء المؤمنين على المتمتع بهن. هذه بينة لغوية بيانية انكارها مكابرة واستكبار. والذين هم لفروجهم حافظون إلا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فمن ابتغى وراء ذلك

__________________

(١) لأن ابن الزبير قال لابن عباس فيما قال انه اخذ مال البصرة وترك المسلمين بها يرتضخون النوى. ـ المؤلف ـ.

٣١٧

فأولئك هم العادون. لا ريب ان التمتع ابتغاء وراء ذلك فالتمتع عدوان وذلك اشارة ولا اشارة الا الى مشاهد ولا مشاهد إلا الازواج ومطلق الأزواج لا تشمل إلا صاحبة تعيش معك في بيتك تملك عصمتها بنكاح مطلق دائم ولم يرد لا في اللغة ولا في القرآن الكريم ولا في كتب العهدين العتيق والجديد اطلاق اسم المرأة على من يتمتع بها بأجرة أو بقوة وجاء في اسفار التوراة اسم زانية وبغي على من تمتع بها بأجرة وترك عندها رهنا عصاه وخاتمه شارة رئاسة وقول النذيرة : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) حكاية لما كان عليه عصرها سمته بغاء وبغيا ثم قص القرآن قول اليهود : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) فجعل التمتع بغاء من جانب المرأة وسوء أسوأ من جانب الرجل.

ونقول : بلغ من جهل هذا الرجل وتعصبه وعناده ان يستدل في اكثر المواضع بعين الدعوى ويرتب أقيسة صغرياتها ممنوعة ويستنتج منها نتائج باطلة وكان الأولى بنا عدم تضييع الوقت في رد كلامه هذا الذي يعد من المهملات لو لا طبع كتابه وانتشاره واخذنا على انفسنا رده فزعمه ان النكاح اذا اطلق لا يشمل المتعة لا لغة ولا شرعا افتراء على اللغة والشرع بل هو نكاح لغة وشرعا. والمتمتع بها زوجة لغة وشرعا. في الكشاف في تفسيراته إلا على ازواجهم : فإن قلت هل فيه دليل على تحريم المتعة قلت لا لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج.

وفي القاموس : النكاح الوطء والعقد له. وقياس ذلك على الماء وماء الورد غير صحيح بل هو كالماء وماء البحر وماء النهر فما جعله بينة لغوية بيانية لا بينة فيه لا لغوية ولا بيانية إلا عند من يريد المكابرة والاستكبار على انه لو سلم جدلا. ان النكاح المطلق لا يشمل المتعة لم يصح ان يعلل به ، قوله ان كل آية فيها حل النكاح أو تحريمه يدل على تحريم المتعة لأن تحليل شيء أو تحريمه لا يدل على تحريم غيره فاذا قال الشارع خلق الله الماء طهورا لا يدل على انه خلق ماء الورد بخسا ولو قال الماء بخس لم يدل على ان ماء الورد بخس فهذا نوع آخر من استدلالات هذا الرجل المنبئة عن جهله المطبق. وقد ظهر انه لا ريب في بطلان قوله لا ريب ان التمتع ابتغاء وراء ذلك وان قوله الأزواج لا تشمل الا صاحبة تعيش معك في بيتك بنكاح دائم. لم يزد فيه على مجرد

٣١٨

الدعوى كأكثر دعاواه وان الصاحبة التي تعيش معك في بيتك تشمل الدائمة والمنقطعة والأجل يمكن كونه عشرات السنين وان دعواه عدم اطلاق المرأة والزوج على من يتمتع بها في اللغة والقرآن الكريم افتراء على اللغة والقرآن الكريم بل يشملهما اسمهما بلا ريب كما مر عن الكشاف وان قوله على من يتمتع بها باجرة مجرد تضليل وسوء قول دعاه إليه حب التشنيع بالباطل لسوء طويته ولا ينطق به الا جاهل وقوله او بقوة لا يفهم له معنى ولو فهم مراده منه لكان كسائر هذيانه وكلام التوراة الذي استشهد به لم ينقل لفظه ليعلم انطباقه على ما يدعيه وهبه كذلك فما لنا ولكلام التوراة المنسوخ وكتب العهدين الذين اولع وشغف بالاستشهاد بهما في كل مناسبة يكفينا عنها كتاب ربنا وسنة نبينا ولغة قومنا ودعواه ان قول مريم عليها‌السلام ولم أك بغيا حكاية لما كان عليه عصرها وان الذي كان فيه هو المتعة افتراء على البتول وبغي على الشرائع فليس في كلامها إلا انها لم تكن زانية وكذلك قول اليهود فترهاته هذه لا ترتكز على اصل ولا أساس.

زعمه آيات الطلاق ومتاع التسريح والعدة تدل على تحريم المتعة

قال ص ١٣٦ ما حاصله آية (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) دلت على ان عقد النكاح المشروع لا ينقطع إلا بطلاق ونكاح المتعة ينقطع بغير طلاق ولا يوجب متاع التسريح فلا يكون مشروعا وعلى ان العقد لا يوجب العدة إلا بعد المس والمس لا يوجب العدة إلا على الأزواج. والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا. والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فكل نكاح لا يوجب به القرآن عليها العدة باطل بالضرورة ولا آية اوجبت عدة متعة.

(ونقول) هذا استدلال غريب واستنباط عجيب قاده إليه رأي غير مصيب.

(أولا) آية (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) واردة في بيان حكم الطلاق ولا طلاق إلا في الدائم وكل مفادها ان المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها ولها المتعة وفهم من آية تنصيف المهر لمن فرض لها مهر ان المتعة لمن لم يفرض لها مهر وليست مسوقة لبيان عن عقد النكاح بما ذا ينقطع بل لبيان انه اذا انقطع بالطلاق قبل الدخول فلا عدة عليها ولها المتعة مع عدم تسمية المهر فأين هي من الدلالة على ان عقد المتعة غير مشروع لأنه

٣١٩

ينقطع بغير طلاق ولا يوجب متاع التسريح هي بعيدة عن ذلك ابعد من السماء عن الأرض ولا يستدل بها عليه من عنده ذرة من فهم.

(ثانيا) عقد النكاح المشروع ينقطع بالموت والعيب والخلع والمباراة بناء على انهما غير الطلاق فقوله لا ينقطع إلا بطلاق غير صحيح.

(ثالثا) دعواه انها دلت على ان العقد لا يوجب العدة إلا بعد المس باطلة فانها انما دلت على ان عدة الطلاق لا تجب إلا بالمس لا مطلق العدة.

(رابعا) قوله والمس لا يوجب العدة إلا على الأزواج من توضيح الواضح والتطويل بلا طائل.

(خامسا) تعليل ذلك بآية عدة الوفاة غير صحيح لأن عدة الوفاة تجب على المدخول بها وغيرها كما مر.

(سادسا) كون كل نكاح لا يوجب به القرآن عليها العدة باطلا بالضرورة لأن جميع الأحكام لا يجب اخذها من القرآن بل بعضها يؤخذ من السنة.

(سابعا) قوله ولا آية اوجبت عدة في المتعة باطل لأن آية عدة الوفاة تشمل الدائمة والمنقطعة وعليه فتوى ائمة أهل البيت وعلمائهم اما عدة انقضاء الأجل مع الدخول فثبتت بالسنة.

زعمه آيات الطلاق والصداق وغيرها تدل على تحريم المتعة

قال ص ١٣٧ من وجوه تحريم المتعة كل آيات الطلاق والصداق والعدة والمواريث والحقوق (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) تدل دلالة ظاهرة قطعية تفيد اليقين على ان العقد الحلال انما هو هذا النكاح الذي تثبت به كل هذه الأشياء وهذه الحقوق فكل عقد لا يترتب عليه طلاق ولا أرث ولا يكون فيه لها مثل الذي عليها لا يكون حلالا هذه بينته في كل الشرائع وكل القوانين.

(ونقول) : هذا استدلال آخر من استدلالاته العجيبة التي لا ترتكز على اصل معطوف على ما سبق فأحكام الشرع تابعة لأدلتها وعناوين موضوعاتها : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فاذا دل الدليل على حلية المتعة وجب الاخذ به واذا جاء في الشرع ان الطلاق لا يكون إلا في الدائم وان المتمتع بها لا يقع بها الطلاق وتبين بانقضاء العدة وجب الاخذ به ولم يكن بينهما تناف ولا مخالفة للآيات

٣٢٠