نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

له ككثير من استشهاداته واستدلالاته. ويكذبه أيضا قول الخليفة نفسه متعتان كانتا على عهد رسول الله انا احرمهما وأعاقب عليهما.

(والاجماع) حكاه الامام فخر الدين الرازي في تفسيره فقال اتفقوا على انها كانت مباحة في صدر الاسلام ا ه. والاجماع مشاهد من اقوال العلماء فقد عرفت انه لم ينكر انها كانت مشروعة في الاسلام احد قبل هذا العصر.

ومن اقوال ائمة المسلمين بانها شرعت في الاسلام ما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض عن المازري انه قال ثبت ان نكاح المتعة كان جائزا في اوّل الاسلام ا ه. وقال انه كان نكاح المتعة مباحا في اوّل الاسلام ثم حرم وهو الآن جائز عند الشيعة ا ه. وقال ابن المنذر بنقل صاحب الوشيعة جاء من الأوائل الترخيص في المتعة ولا اعلم اليوم من يجيزها إلا بعض الشيعة ا ه. فبان ان دعاواه هذه مخالفة منه لاجماع ومصادمة وتكذيب لما يرويه ائمة الأمة الذين اثنى عليهم اعظم الثناء.

(ثالثا) زعمه انها كانت من العوائد التي لا تستأصل ولا تقتلع إلا بزمن وإلا بالقوة وان البعض كان يرتكبها جريا على عادة مستحلا أو جاهلا وانه لم يقتلع منها إلا بعد ان نودي بتحريمها مرات أيام خيبر والفتح وحجة الوداع وقياسها على ما جاء في آية ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم وعلى العري في الطواف وتحريم الخمر فساده اوضح من ان يبين فكونها من عوائد الجاهلية قد عرفت فساده. والعوائد الجاهلية يقتلعها الاسلام بمجرد نهي النبي (ص) عنها ولم يكن الذين آمنوا به ليبقوا عليها بعد النهي حتى يقتلعها الزمن ونسبة ذلك لهم قدح في ايمانهم وعدالتهم ومناف لما وصفهم به من انهم :

رهبان ليل يذكرون كلامه

آساد غيل في الوغى بنهار

وقوله مستحلا أو جاهلا لا بدّ ان يكون مراده به مستحلا عالما بالتحريم أو جاهلا بالتحريم بقرينة المقابلة واي شيء أفظع من نسبة استحلال الزنا الى الصحابة بعد علمهم بالتحريم واين تكون عدالتهم. وكيف يتصور عاقل ان الصحابة داوموا على فعلها ولم يقتلعوا عنها إلا بعد ان نودي بتحريمها مرات آخرها في حجة الوداع فكانوا يفعلونها الى حجة الوداع التي هي آخر حياة النبي (ص) فإن كانوا لم يسمعوا

٢٦١

هذا النداء الذي تكرر ثلاث مرات بل سبع مرات على رءوس الأشهاد في غزوات متعددة ومواضع متبددة في ضمن سنين فذلك ما لا يقبله عقل وان كانوا سمعوا واصروا وعصوا فهو نسبة لأشنع القبائح إليهم هذا هو العلم الذي هدي إليه موسى جار الله اما قياسه لها على ما جاء في آية ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم فهو قياس فاسد فذاك نكاح ثبت حصوله في الجاهلية بنص القرآن وتحريمه بنص القرآن وضرورة دين الاسلام ولم يرد فيه ترخيص أصلا وهذا نكاح لم ينقل انه كان في الجاهلية وورد القرآن بتحليله واتفق المسلمون على انه شرع في صدر الاسلام ـ وان خالفهم موسى تركستان في آخر الزمان ـ واختلفوا في نسخه وصرحت الروايات الصحيحة الآتية بأنه وقع في عصر النبي (ص) وباذنه وآية إلا ما قد سلف ليس فيها اقرار لنكاح الجاهلية بوجه من الوجوه اذ الاستثناء فيها منقطع كما نص عليه النحويون وقالوا انه استثناء من المفهوم اي فالناكح ما نكح ابوه مؤاخذ إلا ما قد سلف في الجاهلية فلا مؤاخذة عليه لأن الاسلام يجب ما قبله وهذا ليس فيه شيء من اقرار نكاح الجاهلية.

ثم انه تكلم على آية الا ما قد سلف فقال ص ١٤٩ ذكر في القرآن المحرمات خمس عشرة نسوة أولاها امرأة في نكاح ابيك واخراها محصنة لم تدخل في حيطة نكاحك ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم الآية. وفي ص ١٥٠ ـ ١٥١ يعجبني اعجابا يملأ قلبي فرحا وقناعة قول إمام الامة شمس الأئمة الامام السرخسي في كتابه المبسوط الذي لم يؤلف قلم الاجتهاد في مذاهب الاسلام كلها كتابا في فقه الشريعة مثله فقد قال في موجز إيضاحه : معنى الاستثناء في مثل هذه الآيات ان الا في معنى ولا. لئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم. ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم الآية. لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا. وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا إلا خطأ. قال : وهذا الذي قاله صاحب المبسوط في هذه الآيات الأربع معنى بديع سهل واضح. ا ه. باختصار.

وهذا الذي نقله عمن سماه امام الامة وشمس الأئمة وبالغ فيه وفي كتابه هذه المبالغة واعجبه إعجابا ملأ قلبه فرحا وسرورا لا يساعد عليه لغة ولا عرف وقد قاله ابو عبيدة في الآية الأولى وانكر عليه الفراء والمبرد كما في مجمع البيان فكيف يكون بديعا سهلا واضحا سواء أقاله شمس الأئمة أم بدرها بل هو في الأولى استثناء منقطع

٢٦٢

كقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) او ان الحجة بمعنى الحاجة فالاستثناء متصل. وفي الثانية الاستثناء منقطع كما صرح به علماء العربية والتفسير مخرج من المفهوم كما مر ووضع له فيه مكان ألا لا يصحح الكلام على انه اذا كان المعنى ولا ما قد سلف يكون نهيا عما سلف وهو غير معقول وتوجيهه بأن المراد عدم انعقاده تكلف وتعسف وفي الثالثة (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) استثناء من قوله ولا جنبا لأن لا تقربوا الصلاة يراد به مواضع الصلاة وهي المساجد أي لا تقربوها جنبا إلا عابري سبيل فإن عبور الجنب في المسجد مغتفر وفي الرابعة (إِلَّا خَطَأً) مثل (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) أي فقاتل المؤمن مؤاخذ إلا الخطأ فلا إثم فيه وإنما فيه الدية. فهذه العبارات المنمقة : يعجبني اعجابا يملأ قلبي فرحا وقناعة لا تدخل على القلب شيئا من الفرح ولا من القناعة لأن ما يخالف اللغة والعرف لا يعجب احدا ولا يفرحه ولا يقنعه.

(رابعا) قياس ذلك على العري في الطواف وتحريم الخمر قياس فاسد فالعري في الطواف ثبت انه من احكام الجاهلية ، ونظمت فيه الاشعار في الجاهلية :

اليوم يبدو نصفه أو كله

فما بدا منه فلا احله

(والمتعة) لم يروا راو ولا مؤرخ انها كانت في الجاهلية (والعري) لم يناد به إلا مرة واحدة يوم براءة (والمتعة) يدعى انه نودي بتحريمها مرارا (والعري) الظاهر ان الذين كانوا يفعلونه من المشركين لقوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فكيف يقاس عليه ما فعله المسلمون من الصحابة.

(والخمر) ورد تحريمها في آيتين في سورة المائدة (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ). وفي سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ولم ينزل تحريم الخمر في اوّل الاسلام فكيف يقاس بها ما يدعى انه نودي بتحريمه مرارا ثلاثا أو رابعا أو سبعا بعد الاباحة من مبدأ الاسلام.

(رابعا) اذا كانت لم تشرع في الاسلام ولم يفعلها احد من الصحابة وقد نودي بتحريمها في حياة النبي (ص) ثلاث مرات أو اربع بل سبع على رءوس الأشهاد وبمرأى ومسمع من الصحابة بلغ فيه الشاهد الغائب فلما ذا احتاج الخليفة ان يحرمها ويتهدد بالعقاب على فعلها في شأن عمرو بن حريث ولو لم تكن فعلت في

٢٦٣

زمانه لما احتاج الى هذا النهي والتهديد وكيف تجرأ الصحابة على فعلها بعد تكرار النهي عنها والمناداة به مرارا وهل يقبل ذلك من عنده ذرة من عقل؟

(خامسا) زعمه ان الذي تكرر هو النداء بالتحريم فتوهم الرواة منه تكرير الاباحة كما قاله أولا أو التبس الأمر على بعض الصحابة فارتكبها جاهلا أو مستحلا كما قاله ثانيا فساده اوضح من ان يبين اذ كيف يتوهم عاقل ان جميع الرواة سمعوا النداء بالتحريم مرارا فتوهموا منه الاباحة وجل الصحابة التبس عليهم الأمر فتوهموا التحريم إباحة وهبهم توهموا ذلك في المرة الأولى فهل يمكن ان يتوهموه ثلاث مرات الى سبع مرات في سنين متباعدة وهب ان واحدا منهم توهم ذلك فكيف توهم الجميع والنداء كان بمسمع الألوف مرارا في اوقات مختلفة فهل يمكن ان يتوهموا كلهم من قول المنادي المتعة حرام ان المتعة مباحة هذا ما لا يتفق لصغار الصبيان ولا من ابلد البلداء وهو يدلنا على ان هذا العذر الملفق قصد به تصحيح ما لا يمكن ان يصح.

واذا كان قد تكرر ثلاث مرات ـ على قوله ـ في اوقات متباعدة ـ وتباعد بعضها بسنين. ايام خيبر والفتح وحجة الوداع وسبع مرات ـ على ما سنبينه ـ بزيادة عمرة القضاء وحنين واوطاس وتبوك واذا كان يستحيل عادة عدم علم الجميع بتحريمها في مثل تلك الحال. يلزم ان يكون الصحابة بعد سماعهم النداء بالتحريم ثلاث مرات أو سبع مرات في أوقات مختلفة متباعدة بقوا مصرين على عمل جاهلي هو زنا وحكم جاهلي من بقايا احكام الجاهلية مداومين عليه الى آخر ايام حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن النداء بالتحريم في حجة الوداع لا بدّ ان يكون تقدمه فعلها والالم يحتج الى النداء ثم بقوا مصرين عليه طول خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر بعد ما سمعوا النداء بتحريمه في حجة الوداع. ويفعله منهم ابن مسعود الذي وصفه بما وصفه هذا ما لا يتصوره عاقل واين عدالة الصحابة ونزاهتهم وهم الذين قال عنهم ان اقلهم ـ ولا أقل بينهم ـ اجل من ان يبتذل آية. هذا علم موسى جار الله وهذه ادلته وحمل روايات البخاري ومسلم واحمد وغيرهم المصرحة بوقوعها ايام خيبر والفتح واوطاس وحجة الوداع على الوهم والاشتباه من الراوي بين التحريم والاباحة يسقط كل رواية رواها الثقات لإمكان الوهم فيها ويفتح الباب لابطال كل حديث في

٢٦٤

الصحاح وغيرها ولو ساغ التعويل على احتمال الوهم لكان كل من يسمع رواية لا توافق هواه يحملها على الوهم ولما بقي من احكام هذا الدين شيء ولعمت الفوضى في الاحكام مع ان هذا يناقض دعواه عند التكلم على متون الاحاديث من ان احاديث الصحاح قد خلت من كل شائبة وان اصحابها نقدوا الاحاديث نقد الصيارفة وانه لم يبق في احاديث الأمة زيف أو دخيل واي زيف اعظم من ان يكون فيها التحليل بدل التحريم.

(سادسا) زعمه انها ان كانت وقعت كانت تنعقد دائما ويبطل التوقيت محض تخرص وتحكم اذ ليس لذلك اثر في تلك الروايات بل هي صريحة في خلافه لا سيما قوله (ص) اجعلوا بينكم وبينهن اجلا فاذا كان التوقيت يبطل فما فائدة الأمر به وتعليله ذلك بأن النكاح من اقوى العقود ينعقد انعقادا يبطل كل شرط يناقض ما يأتي منه ان الصديق شرط على الزبير شرطا تتطلق به ابنته اسماء منه اذا فركته ولكن التناقض والتهافت في كلامه ليس له كبير اهمية عنده ، واذا كان النكاح من اقوى العقود فما باله ينفسخ بالطلاق باللفظ العامي والملحون.

(سابعا) اصاب من قال ان اقوال اهل العلم في المتعة من غرائب الأقوال وحديثها من غرائب الأحاديث وليس لقول في بابها قرار. واخطأ من قال ان المتعة من غرائب الشريعة اذ ليس في الشريعة غرائب كيف وهي الشريعة السهلة السمحة التي ما جعل الله فيها علينا من عسر ولا حرج والمطابقة لمصلحة الخلق في كل عصر وزمان وإنما اقوال أهل العلم فيها من غرائب الأقوال فإنهم لما ارادوا تصحيح ما لا يمكن ان يصح ادى ذلك الى وقوع الغرائب في اقوالهم. واختلاف الروايات التي رووها فيها هو الذي ادى بهم الى ذلك وهي لم يقتصر فيها على الاباحة في صدر الاسلام والتحريم يوم خيبر والاباحة يوم اوطاس والتحريم بعدها مؤيدا والاذن بها في حجة الوداع والمنع عنها فيها كما قال بل اختلفت في وقت النسخ اكثر من ذلك ففي بعضها انه كان يوم خيبر وكان في المحرم سنة سبع وفي بعضها في عمرة القضاء وكانت في ذي الحجة سنة سبع وفي بعضها يوم الفتح بعد ان اباحها وكان الفتح لعشر بقين من رمضان سنة ثمان. وفي بعضها في غزاة حنين وكانت في شوال سنة ثمان. وفي بعضها عام اوطاس بعد ان رخص فيها ثلاثة أيام وكانت أوطاس في شوال بعد حنين

٢٦٥

بقليل. وفي بعضها في غزوة تبوك وكانت في رجب سنة تسع. وفي بعضها في حجة الوداع بعد ان اباحها وكانت سنة عشر فعلى هذه الروايات تكون قد ابيحت ونسخت في سنة سبع وثمان وعشر سبع مرات لا مرتين فقط كما قال بعضهم. وبين حنين وفتح مكة نحو من شهر فتكون قد أبيحت وحرمت في شهر مرتين وبإضافة اوطاس تكون قد حرمت وأبيحت في نحو من شهر ثلاث مرات فهذا الاختلاف العظيم أمارة على بطلان احاديث التحريم ولزوم التمسك بالإباحة المعلومة لا على بطلان اصل الاباحة فإنها معلومة من الشرع لا تتوقف على هذه الأحاديث. وامر المتعة على ما رووه حقا انه لغريب ولكن امر غرابته ليس بعجيب فانهم ارادوا ان يصححوا ما لا يمكن ان يصح فوقعوا في هذه الغرابة التي اعترف بها هذا الرجل واجراها الله على لسانه من حيث لا يشعر وان كان قد تقدمه غيره فقالوا ان امر المتعة من غرائب الشريعة.

واغرب من امر المتعة امر هذا الرجل فإنه الذي ينبغي ان يقال فيه ان امره من اغرب الأمور فإنه خالف اجماع المسلمين وقال ان المتعة لم تكن مباحة في شرع الاسلام اصلا وحمل الاحاديث الواردة فيها في الصحاح ـ التي يقول عنها انه لم يبق فيها زيف ولا دخيل ـ على الوهم وحكى عن جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين وجماعة من فقهاء مكة منهم ابن جريح وعن أهل الحجاز القول بها كما سمت وهو يقول لم تكن مباحة في شرع الاسلام اصلا وقد تبين بما ذكرناه تبينا لا يذر من ريب لمن عنده ادنى تثبت وانصاف ان نكاح التمتع وقع في صدر الاسلام باجماع المسلمين بإذن الشارع وعلمه وان القول بعدم وقوعه مخالف للاجماع ومكذب للروايات الواردة في الصحاح وقدح في اكابر الصحابة وان انعقاده نكاح دوام نوع من الهذر لم يرد به خبر ولا أثر سواء أكان النكاح من اقوى العقود أم لا.

ثبوت المتعة بالقرآن الكريم

انكر هذا الرجل كعادته في انكار المسلمات والاجماعيات ان تكون المتعة ثبتت بالقرآن وتشدد في ذلك واطنب واساء القول وكرر الشيء الواحد عدة مرات في عدة مواضع من وشيعته البالية بغير جدوى كعادته الممقوتة.

٢٦٦

فقال ص ١٦٤ ليس بيد الشيعة في حل المتعة دلالة أو آية إلا فما استمتعتم به منهن وفي ص ٢٠٨ حيث ان متعة الشيعة كبيرة إلا على فقهاء الشيعة ثقيلة في السماوات وفي الأرض واسنادها الى الكتاب المبين عيب شديد على الدين واهانة لنساء المسلمين رأيت من موجب الادب ان انبسط بالكلام عليها ببيان سهل يفيده الكتاب واصول الشريعة وفي ص ٣٢ ان ادعى مدع ان المتعة كانت حلا بأذن الشارع فلتكن ولنقل ان لا بأس بها ولا كلام في هذه على ردها وإنما كلامي الآن على انها ثبتت بالقرآن الكريم أولا. كتب الشيعة تدعي انه نزل فيها قول الله جل جلاله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) وارى ان ادب البيان يأبى وعربية هذه الجملة الكريمة تأبى ان تكون هذه الجملة الجميلة الكريمة نزلت في المتعة لأن تركيب هذه الجملة يفسد ونظم هذه الآية الكريمة يختل لو قلنا انها نزلت فيها. وفي ص ١٥٩ وأي كلمة يمكن ان تكون اضيع من آية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) لو قلنا ان الله قبل ان يتم بيان حكم اخذ في بيانه ترك الكلام ابتر وعجل ليرضي شيعة علي كما عجل موسى ليرضي ربه فأخذ في بيان متعة الشيعة خوفا من ضياع كف من بر وحفنة من شعير. وفي ص ١٦٣ هل يمكن ان يكون متكلم اعجمي يعرف شيئا من البيان يقطع كلامه قبل اتمامه ويطفر طفرة عصفور ويأذن ان يسفد سفاد عصفور مقابل كف من بر ويطيل الكلام في اجر السفاد ثم يقول : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) هل يكون مثل هذا الكلام كلام عاقل له شأن. وفي ص ١٦٧ قال تتفلسف كتب الشيعة تروي عن هشام بن الحكم ان الله احل الفروج للرجال على حسب القدرة اربعا للقادر على مهورها وامساكها ونفقاتها ولمن دونه في الغنى والقدرة ثلاثا واثنتين أو واحدة ومن لا يقدر على مهر حرة ونفقتها فمما ملكت يمينه ومن لا يقدر على حرة ولا امساك مملوكة فله المتعة بأيسر ما يقدر عليه من مهر بلا لزوم امساك ولا نفقة يغني الله كل واحد عن الفجور بما اعطاه من القوة. وفي ص ١٦٧ ـ ١٦٨ هذه فلسفة بديعة وصنيعة جيدة اجتماعية لو قيلت في غير شرع القرآن اما في شرع القرآن فهي فلسفة مزخرفة محرمة تحرف القرآن مثل سائر تأويلات الشيعة وتنزيلاتها فآيات القرآن في قوله والمحصنات من النساء الى قوله غير مسافحين ذكر النكاح المطلق الذي ينبني عليه نظام البيت والعائلة والمجتمع ثم فرع عليه شرطية الاستمتاع بالنكاح

٢٦٧

المذكور من الأزواج فقط ثم قال من غير فاصل ومن لم يستطع منكم طولا الى قوله ولا متخذات اخدان فالاستمتاع المذكور من بين هاتين الآيتين لا يمكن ان يكون متعة الشيعة ـ على حسب هذه الفلسفة ـ إلا اذا اختل نظام الآية وبطل ترتيب البيان في القرآن وهي توجب اما اختلال نظم الآية وبطلان ترتيب البيان واما ان يكون تفلسف الشيعة هباء منبثا فمتعة الشيعة جفاء مجتثا ، وفي ص ١٢٠ ـ ١٢٢ مادة المتعة نزلت في آيات كثيرة بمعان اصلها واحد. متعة التسريح باحسان. متعة الحج. الانتفاع بطيبات الرزق. ثم قال ومن عجيب اعجاز القرآن ان المتاع وباب التفعل والتفعيل فيه قد جاء في القرآن لانتفاع موقت ولم يجيء الاستمتاع فيه إلا في الانتفاع الدائم الذي لم ينقطع إلا بانقطاع حياة الدنيا : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) اما متعة النكاح ونكاح المتعة فلم ينزل قرآن فيها وفيه ولبيان هذا المعنى عقدت هذا الباب. وفي ص ١٤٠ الكتاب الكريم يقول محصنات غير مسافحات ولا متخذات اخدان محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان ونكاح المتعة لا احصان به والمتعة فيها سفاح ماء في غير حرث والمتعة هي اتخاذ خدن في كلا الطرفين فهي حرام بنصوص القرآن الكريم. وفي ص ١٤٨ ـ ١٤٩ مهما انكر ملأ شيئا فلا انكر على الشيعة ان تتبع الظن وتعيد ما تهوى الأنفس وتهتوي حيث تستهويها دعوى الولاية وتفتري على العصر الأول وتقول على الله وعلى دين الله كل ما يوحيه عشق الوضع وهوى التقية ما انكر شيئا من ذلك لها دعاويها انما انكر القول بأن متعة الشيعة نزل فيها القرآن الكريم ثم استبعد غاية الاستبعاد ان يكون مؤمن يعلم لغة القرآن ويؤمن باعجازه ويفهم افادة النظم يقول ان الآية نزلت في متعة النساء قول لا يكون إلا من جاهل يدعي ولا يعي ثم ان اصل الشيعة قد حصر الأدب في اعيان الشيعة واحتظر ائمة الأدب في حظيرة التشيع واحتكر البلاغة والأدب في زريبة الترفض والتشيع وجعل البلاغة سمة الترفض وميزة الشيعة وبالغ واسرف في هذه الدعوى وجعل خلافها مكابرة وعنادا للحق فلو كان الأدب والبلاغة ميزة الشيعة فكيف اجمعت على قول لا يكون إلا من جاهل؟

وفي صفحة ١٤٠ الكتاب الكريم يقول : محصنات غير مسافحات ولا متخذات اخدان. محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان. ونكاح المتعة لا

٢٦٨

احصان به. والمتعة فيها سفاح ماء في غير حرث واتخاذ خدن في كلا الطرفين فهي حرام بنص القرآن الكريم.

وذكر في ص ١٤٩ ـ ١٥٩ محرمات النكاح في القرآن وما يتبعها والطلاق قبل الدخول وما يتحقق به الاحصان وان معنى السفاح الزنا والآيات المكنى بها عن المواقعة. محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان. محصنات غير مسافحات ولا متخذات اخدان. فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم. نساؤكم حرث لكم. وأطال في ذلك بدون جدوى في نحو من خمس أوراق وتجاوز الحد في البذاءة وسوء القول ، ثم قال ص ١٥٩ ـ ١٦٠ فصرف ماء الحياة على غير ما في هذه الآيات هو السفاح في وضع اللسان وأدب القرآن في عقد كان أو غيره : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).

وفي ص ٦٠ فأي عمل في مسألة حل المحصنات يمكن ان يكون حابطا وهو في الآخرة خاسرا سوى سفح ماء الحياة في غير حرثه وفي غير ابتغاء ما كتب الله : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الآيات ، وأي ضلال غشي أو يغشى قلب مسلم هو زعمه ان كل آية فيها ذكر الكفر أو الاستهزاء بآيات الله نزلت في غيره فقط يزعم ان حكمها لا يتناوله ومن يمكن ان يكون اكفر بالايمان في آية حل المحصنات من عاد يترك المحصنة ويتمتع ومن يكون اكفر أو اهزأ إلا من يؤمن بالله وكتابه ثم يتركه وينبذه وراء ظهره أو يضعه تحت قدميه يدوسه.

نادت على الدين في الآفاق طائفة

يا قوم من يشتري دينا بدينار

جنت كبائر آثام وقد زعمت

ان الصغائر تجني الخلد في النار

وهذه بلية قد غمت وعمت واعمت سلكتها في قلوبنا كتب الكلام ثم تكلم ص ١٦١ في المهر بما لا يرتبط بالموضوع بانه يجب بنفس العقد ويكون معجلا ومؤجلا ثم قال ولبيان تمام العقد وتقرر اثره قال فما استمتعتم به منهن الخ (به) أي بهذا النكاح المتقدم بيانه منهن أي من الأزواج التي ملكت ايمانكم تمام عصمتهن هذا

٢٦٩

معنى هذه الجملة وهي نص فيه وسياق الكلام ومقام البيان لا يحتمل ابعد احتمال غيره وفي ص ١٦١ ـ ١٦٢ ولو كانت هذه الجملة لبيان متعة الشيعة لاختل نظام هذه الآيات الثلاث يعني : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ. فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) ولبقي الكلام الأول في اصل النكاح ابتر ويبطل التفريع بالفاء ولكان العقد وهو الأصل في المتعة غير مذكور في الكتاب. وفي ص ١٦٤ ليس في الآية على تفسير الشيعة إلا تحقق الاستمتاع ووجوب الايثار بل لا يوجد فيها ما يدل على وقوع العقد من الطرفين ولا على رضا المرأة فإن الاستمتاع وايتاء الأجر لا يكون إلا بعد العقد ولا ذكر له في هذه الجملة ولكان اختلاف الضميرين في به ومنهن لغوا ولكان قوله ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة حشوا ولغوا اشتغالا بأمر تافه حقير بعد الاعراض عن الكلام في بيان أمر هو اهم ما ينبني عليه حياة الانسان هذا لا يكون إلا من باقل ولا من باقل يبسط كفيه ويفتح فكيه يخرج لسانه ليقول بكف من بر أو بحفنة من شعير ثم تكلم في بيان المهر بما لا يرتبط بالموضوع بأنه يجب بنفس العقد ويكون معجلا ومؤجلا ولبيان تمام العقد. وفي ص ١٦٢ ثم قوله فما استمتعتم به منهن جملة شرطية والشرطية اذا كان جزاؤها جملة انشائية يكون جزاؤها عمدة الكلام والشرط قيدا للحكم فلو كانت هذه الجملة في حل متعة الشيعة لكان حق الكلام ان يكون فما آتيتموهن اجورهن فاستمتعوا منهن ، واذا اراد قائل ان يفيد حل المتعة فقال ان تمتعت بها فأعط اجرها كان ذلك قول اعجمي لا يفهم ما يقول كان عليه ان يقول ان اعطيت الأجر فتمتع بها هذه مسألة نحوية ابتدائية اكتبها وانا خجل كيف امكن ان شيخا جليلا احتكر الأدب سمة للترفض والبلاغة ميزة للتشيع يقول ان الآية نزلت في متعة الشيعة.

وقال ص ١٣٨ ـ ١٣٩ من وجوه تحريم المتعة ان القرآن اذ ذكر حال من لا يستطيع طولا ان ينكح ذكر النكاح فقط ولم يذكر الاجارة ولم يذكر المتعة فقال : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) فهذه الآية نص قطعي يحرم نكاح المتعة لأن من لم يستطع طولا لو كان له المتعة بأجرة لذكره القرآن الكريم وألا يكون (كذا) القرآن قاصرا في بيان

٢٧٠

شرعه وبهذا يخط الى دركة الصغر فلسفة فقهاء الشيعة.

وقال ص ١٦٣ لو كان (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) في حل المتعة بكف من بر فكيف يكون قوله بعد هذه الآية : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وهل يتصور عاقل ان يكون الانسان عاجزا عن كف بر ثم يشتري ويملك يمينه جارية ومجرد نزول آية : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) بعد (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) يكفي في تحريم المتعة فإنها نقلت من لم يستطع ان ينكح المحصنة الى ملك اليمين ولم يذكر له ما هو أقدر عليه من ملك اليمين فلو كان التمتع بكف من بر جائزا لذكره فلو حل تمتع لكان بيان القرآن قاصرا والذي يبين غافلا نسي ما ذكره قبل جملتين.

وقال ص ١٦٤ آية : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) على تفسير الشيعة ليس فيها إلا تحقق الاستمتاع ووجوب الايتاء وليس فيها ما يدل على وقوع العقد من الطرفين بل ولا على رضا المرأة.

وقال ص ١٦٥ احسن الاحتمالات فيما ينسب للباقر والصادق ان فما استمتعتم به منهن نزل في المتعة ان السند موضوع والا فالباقر والصادق جاهلان. روى الوافي ان أبا

حنيفة سأل الصادق عن متعة النساء أحق هي فقال سبحان الله أما تقرأ كتاب الله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) فقال والله لكأنها آية لم أقرأها قط : هذه الحكاية كاذبة من غير شك لم يضعها إلا ادعياء الشيعة ونحن قبل ان نجل إمام الأمة نجل إمام أهل البيت من ان يقول قولا لا يقوله إلا مدع جاهل وان يفتري على كتاب الله. وقال ص ١٦٦ لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لاحد ان الآية نزلت في متعة النساء وقد اجمعت الأمة على تحريم المتعة ولم يقل احد ان الآية قد نسخت.

وقال ص ١٦٨ ومن لم يستطع طولا فالقرآن الكريم قد نقله من نكاح الى نكاح فانكحوهن بأذن أهلهن ثم لم يذكر في آية من الآيات حديث المتعة وهي استئجار باتفاق كتب الشيعة لا وقت لها ولا عدد ولو كانت نكاحا لما كان لصاحب الأربع ان يتمتع. ونقل القرآن من نكاح الى نكاح فقط ابطال للاستئجار واتفاق كتب الشيعة على ان لصاحب الأربع ان يتمتع اتفاق على انها استئجار والا بطل

٢٧١

فانكحوا ما طاب لكم الآية ، فاتفقت كتب الشيعة على بطلان متعة الشيعة بآيات القرآن وهم لا يشعرون.

وقال ص ٢٧٣ اجمعت امهات كتب الشيعة على ان الآية نزلت في متعة الشيعة ولا اتعجب من قولهم تعجبي من هذا الاجماع ومن هذه الدعوى فإنه جهل باللغة عظيم وغفلة عن أدب البيان كبيرة وخطأ في فهم الكتاب فاحش ادبيا ومنطقيا. وقال ص ١٨٤ ـ ١٨٥ وافحش خطأ عندي قول الشيعة التي لم تزل تقول ان الآية نزلت في متعة الشيعة فإن مثل هذا القول غفلة فاحشة عن مسألة نحوية ابتدائية بعد الاغراق في احتكار الأدب والبلاغة في زرائب التشيع وهو بعد ذلك فرية على الله وعلى القرآن الكريم وعلى أهل البيت وعلى الأئمة.

ونقول (أولا) كرر فيما نقلنا وفيما اعرضنا عن نقله قوله متعة الشيعة وهي سيئة منه شنيعة فهي متعة الدين والاسلام ومتعة الله وكتابه وسنة رسوله وأهل بيته الطاهرين ، ومتعة ابي بكر وعمر في بعض خلافته ومتعة الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين ، كابن جريح وامثاله ؛ وان كره ذلك واباه موسى تركستان. وقد بان بما ذكره سابقا ولاحقا من الأدلة بطلان قوله ليس بيد الشيعة دليل سوى الآية.

(ثانيا) ان متعة الاسلام التي احلها الله في كتابه وامر بها نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعلها اصحابه كبيرة على هذا الرجل وانها لكبيرة الا على الخاشعين. وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله. ثقيلة عليه. وكذاك الحق محملة ثقيل وقد اسندها الى الكتاب المبين خيار صحابة النبي الأمين كابن مسعود وابي بن كعب وابن عباس وغيرهم ، وخيار التابعين كما يأتي فجعل ذلك عيبا شديدا على الدين ليس إلا من قلة الدين جعل ما أباحه الله اهانة لنساء المؤمنين. فإنه من اخلاق الجاهليين وقد انبسط بالكلام عليها واعاد الكرة مرة بعد مرة ومرات مستمرة تعصبا وعنادا بدون فائدة ولا جدوى واساء القول ولم يأت بما يوجبه الادب ولم يزده هذا الانبساط إلا انقباضا عن الحق ولم يستطع لا ببيانه السهل ولا بيانه الصعب ان يثبت ان قوله مما يفيده الكتاب أو ينطبق على اصول الشريعة.

(ثالثا) زعمه ان كتب الشيعة وحدها تدعي نزول الآية في المتعة وانه لا يوجد في كتب غيرها قول لأحد بذلك كذب منه وافتراء فقد شاركها في ذلك كتب اجلاء

٢٧٢

العلماء ممن تسموا بأهل السنة من المفسرين والمحدثين وغيرهم ومنهم الذين قالوا بنسخها بآية إلا على ازواجهم فإن القول بالنسخ اعتراف بنزولها في المتعة وشاركها في ذلك اجلاء الصحابة والتابعين فكل هؤلاء لا يعرفون ادب البيان ونظم القرآن ويعرفه وحده موسى تركستان. وما سميت المتعة متعة إلا تبعا لتسمية القرآن الكريم. وهذه كلمات من أشرنا إليهم ننقلها لتعرف مبلغ علم هذا الرجل وصدقه.

روى الطبري في تفسيره ان ابن مسعود كان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى ا ه. وهو وان كان خبر واحد لا يثبت به القرآن كما قال الطبري أو من باب التفسير فهو يدل على انه كان يرى ان الآية نازلة في المتعة وقال الامام الرازي في تفسيره : روى ان أبي بن كعب كان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى وهذا أيضا قراءة ابن عباس ا ه. ويأتي قول عمران بن حصين نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات. وروى الطبري أيضا في تفسيره عن ابي كريب حدثنا يحيى بن عيسى حدثنا نصير بن ابي الأشعث حبيب بن ابي ثابت عن ابيه ورواه الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت عن ابيه : اعطاني ابن عباس مصحفا فقال هذا على قراءة أبي قال أبو كريب قال يحيى فرأيت المصحف عند نصير فيه فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. وفيه بسنده عن أبي نصيرة سألت ابن عباس عن متعة النساء فقال أما تقرأ سورة النساء قلت بلى قال : فما تقرأ فيها فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى قلت لا ، لو قرأتها هكذا ما سألتك قال : فإنها كذا أنزلت وبسند آخر عن أبي نصيرة نحوه. وبسند آخر عن أبي نصيرة قرأت هذه الآية على ابن عباس فما استمتعتم به منهن قال ابن عباس الى اجل مسمى قلت ما أقرؤها كذلك قال : والله لا نزلها الله كذلك ثلاث مرات ، وبسنده عن شعبة عن أبي إسحاق عن عمير أن بن عباس قرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. وبسنده عن شعبة عن ابي إسحاق عن ابن عباس نحوه. وبسنده عن قتادة قال في قراءة أبي بن كعب فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى فآتوهن اجورهن ا ه تفسير الطبري. وفي الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور للسيوطي : اخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس في حديث

٢٧٣

انه كان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. قال واخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس (الى ان قال) وكانوا يقرءون هذه الآية فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. قال واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الانباري في المصاحف والحاكم وصححه عن أبي نضرة (١) قرأت على ابن عباس فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن قال ابن عباس فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى فقلت ما نقرؤها كذلك فقال ابن عباس والله لا نزلها الله كذلك ، واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال في قراءة ابي بن كعب فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى ، واخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير قال في قراءة أبي بن كعب فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى واخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها امة محمد ولو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا إلا شقي ، قال وهي التي في سورة النساء فما استمتعتم به منهن الى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا قال وليس بينهما وراثة فإن بدا لهما ان يتراضيا بعد الأجل فنعم وان تفرقا فنعم وليس بينهما نكاح واخبر انه سمع ابن عباس يراها الآن حلالا ا ه. الدر المنثور وهذه القراءة ولو قيل انها غير متواترة وغير ما جاءت به مصاحف المسلمين ـ كما في تفسير الطبري ـ فانها تدل على ان الذين قرءوا بها كانوا يرون ان الآية واردة في المتعة ولعلها كانت من باب التفسير لا القرآن وفي شرح التحرير لشيخ الاسلام زكريا الانصاري ج ٢ ص ١٩٥ طبع مصر عند ذكر قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) الآية : المراد اولاد الأم بدليل قراءة ابن مسعود وغيره وله اخ أو اخت من أم والقراءة الشاذة كالخبر على الصحيح ا ه. وقال العلامة الشرقاوي في الحاشية قوله كالخبر أي خبر الواحد في الاحتجاج بها ا ه. وحينئذ فلتكن هذه القراءة كخبر الواحد في الاحتجاج بها على ان الآية نازلة في المتعة.

وجماعة من اكابر العلماء كانوا يقولون بورود الآية في المتعة ـ رواه الطبري في تفسيره بسنده عن السدي ومجاهد واخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد كما في

__________________

(١) كأنه ابو نصيرة المتقدم في سند الروايات الأخر وصحف احدهما بالآخر ـ المؤلف ـ.

٢٧٤

الدر المنثور. وروى الطبري في تفسيره عن شعبة انه سأل الحكم بن عتيبة عن آية فما استمتعتم به منهن أمنسوخة هي قال لا (١) قال الحكم قال علي : لو لا ان عمر نهى عن المتعة ما زني إلا شقي وهو كالصريح بأن شعبة والحكم كانا يقولان بنزولها في المتعة فشعبة انما سأله عن انها منسوخة أم لا اما كونها واردة في المتعة فكان مسلما عنده والحكم بجوابه انها غير منسوخة علم انها واردة في المتعة عنده فظهر ان قوله لم ينزل في جواز المتعة قرآن محض تعصب وعناد ومصادمة للبديهة. وان اكابر الصحابة والعلماء الذين اعترفوا بنزولها في المتعة هم اعرف منه وادرى باللغة وادب البيان وان هذا الكلام ما دعاه إليه إلا جهله واتباع هواه قصدا لتصحيح قول من يعترف بعدم عصمته واذا كان الصحابة والتابعون والعلماء والمفسرون يقولون بنزولها في المتعة وهو يقول لم ينزل في جوازها قرآن فلم يبق إلا ان ينزل عليه جبرئيل ويخبره لذلك او يكلمه الله من وراء حجاب كما كلم موسى بن عمران.

ثم اراد بتمحلاته التي صارت معروفة ان يجيب عن قراءة من قرأ الى اجل مسمى فقال ص ١٦٦ نعم روي في الشواذ زيادة الى اجل مسمى ولا ريب ان هذه الزيادة لم تكن إلا على سبيل البيان وتفسير المعنى من كتاب المصحف أو من صاحب المصحف وما يراه صحابي أو تابعي ليس بحجة على احد ولم تكن حجة على احد اصلا لأن من نسبت إليه هذه الزيادة قراءته في الأسانيد المتواترة وفي كل المصاحف بغير هذه الزيادة وقال ص ١٦٧ تسمية الأجل شرط لا رخصة فيه عند الشيعة وان لم يسم اجل ينعقد دواما فسقوط الى اجل مسمى من التلاوة ومن المصاحف يهدم مذهب الشيعة في متعة النساء لأن ارتفاع شيء بعد ما ثبت يجتث كل آثاره ثم الأجل في المتعة اجل العقد والزيادة الشاذة لو ثبتت لا تكون إلا اجل الاستمتاع والبون بين الأجلين اطول من بعد المشرقين فعقد المتعة اذا انعقد ينعقد الى اجل رغما لهوى متمتع يتمتع ارغاما لمن حرمها لأن القراءة الشاذة ردت الأجل الى الاستمتاع لا الى العقد والعقد الذي هزله جد اذا انعقد ينعقد عقد ثبات ودوام.

ونحن يكفينا وجود هذه الزيادة في مصحف أبي بن كعب وقراءته بها وقراءة

__________________

(١) كلمة قال لا ليست في النسخة المطبوعة من الطبري سقطت سهوا من الطابع والتصحيح من الروضة ـ المؤلف ـ.

٢٧٥

ابن مسعود وابن عباس بها سواء أكانت قرآنا يتلى أم لا لأنها تدل على اعتقادهم ان الآية نزلت في المتعة وهم الذين نزل القرآن بينهم وحفظوه وجمعوه وان كانت تفسيرا فالتفسير من أبي لا ممن كتبوا المصحف وان كان منهم فهم أيضا من الصحابة وهو يكذب زعمه انه لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد انها نزلت في المتعة ويكذب أيضا دعاواه السابقة بأنه لم يقل احد بنزولها في المتعة ولكنه لا يبالي ان يكذب نفسه بنفسه وقوله الأجل شرط لا رخصة فيه «الخ» نوع من استدلالاته التي خص بها. نحن نقول الآية واردة في المتعة سواء أقرئت الى اجل مسمى أم لم تقرأ ونجعل قراءة من قرأ من الصحابة الى اجل مسمى دليلا على انه كان يرى نزولها في المتعة وسقوط الى اجل مسمى من التلاوة لا يفهم له معنى فمن قرأ بها قرأ بها طول حياته ولم تسقط من تلاوته ومن لم يقرأ بها لم تكن في تلاوته من أول الأمر فما معنى سقوطها من التلاوة. وسقوطها من المصاحف لأن رسم المصاحف على غير هذه القراءة وهي القراءة المشهورة فأين هو الشيء الذي ارتفع بعد ما ثبت ارتفاع ليلة القدر؟. والأجل في المتعة اجل العقد والاجل في قراءة من قرأ الى اجل مسمى وان كان قيدا للاستمتاع إلا انه لا يخرج عن كونه اجلا للعقد والاستمتاع الى اجل لا يكون إلا في العقد الى اجل الدائم فالاستمتاع فيه غير محدود. هذا ان لم نحمل قوله فما استمتعتم على إرادة فما عقدتم عقد متعة فقوله القراءة الشاذة ردت الأجل الى الاستمتاع لا الى العقد خال عن التحصيل وقوله البون بين الأجلين اطول من بعد المشرقين ابعد عن الصواب من بعد المشرقين ، وقوله عقد المتعة اذا انعقد ينعقد لا الى اجل قد عرفت فساده فعقد المتعة لا يكون إلا الى اجل والعقود تابعة للقصود فاذا انعقد انعقد الى اجل رغما لهوى متمحل يتمحل ارغاما لمن يخالف من حرم وكذلك قوله : والعقد الذي هزله جد «الخ» مع انه لا يزيد على الاستدلال بعين الدعوى ويشبه الهزل لا الجد. وكون ما يراه صحابي أو تابعي ليس بحجة على احد صحيح ولذلك لم يكن حجة على احد ما رآه بعض الصحابة من تحريمها ولكن قوله هذا يناقض قوله السابق عند ذكر عصمة الخلافة الراشدة من انه يعتبر سيرة الشيخين تعادل سنن النبي في اثبات الاحكام الشرعية وان الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة ولكن التناقض لا أهمية له عنده. ونحن لم نستند في الحل الى اقوال الصحابة في قراءتهم هذه إلا

٢٧٦

لكشفها عن ان الآية نزلت في المتعة فيجب التمسك بها حتى يثبت الناسخ. وكونها ليست قرآنا غير معلوم بعد قراءة أبي وابن مسعود وابن عباس بها وحلف ابن عباس انها هكذا انزلت وكون من نسبت إليه قراءته في الأسانيد المتواترة بغير هذه الزيادة غير صحيح فمن نست إليه لم يرو عنه انه قرأ بغيرها فضلا عن التواتر نعم الموجود في المصاحف بغير هذه الزيادة فهل يوجب ذلك الجزم ببطلانها مع روايتها عمن ذكر وتأكيد ابن عباس ذلك بالقسم وقد ظهر أيضا فساد قوله لم ينزل في المتعة قرآن.

(رابعا) قوله وارى ان ادب البيان «الخ» هو من جملة آرائه التي علم حالها فيما مر ويأتي في مخالفتها العرف واللغة واجماع المسلمين والعقول السليمة ودعواه التي كررها مرارا وضمنها الفاظه الخشنة البذيئة بأن أدب البيان وعربية هذه الجملة وافادة النظم ولغة القرآن واعجازه تأبى ان تكون هذه الآية نزلت في المتعة. وتعليله ذلك بلزوم اختلال نظم الآيات بدعوى انه لو كانت هذه الآية نزلت في المتعة لكان الله تعالى قبل ان يتم بيان الحكم في اصل النكاح الذي اخذ في بيانه ترك الكلام ابتر وعجل الى بيان حكم المتعة مع كونه اجتهادا في مقابل النص هو اوضح فسادا من ان يحتاج الى رد ولبيان ذلك وغيره مما لا يزال يتغنى به. نذكر ما جاء من الآيات الكريمة في احكام النكاح قال الله تعالى في اوائل سورة النساء : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فبين الدائم وملك اليمين ثم قال : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فبين حكم المهر وبذلك تم بيان قسمين من النكاح نكاح الحرة الدائم وملك اليمين ثم بين بعد آيات كثيرة مثل آيات المواريث وغيرها محرمات النكاح من النساء والرضاع والمصاهرة فقال : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف حرمت عليكم أمهاتكم الى قوله وان تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ذوات الأزواج : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من سبي من كان لها زوج أو كان لها زوج فباعها.

(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) بثمن أو صداق (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) فبين انه يحل لهم ان يبتغوا بأموالهم ما عدا ما ذكر من المحرمات بشرط ان يكون نكاحا شرعيا لا سفاحا وهذا شامل لأقسام النكاح الأربعة. نكاح الحرة ،

٢٧٧

والأمة دواما والمتعة وملك اليمين ، ولما كان الأول والرابع قد نص عليهما فيما تقدم لم يحتج الى اعادتهما ونص على الثالث بقوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) وسمى المهر هنا اجرا كما سمى المهر في الدائم صداقا وبين حكم هذا المهر بأنه يجوز الحط منه بالتراضي ثم بين حكم الرابع بقوله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) (الى قوله) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (الى قوله) (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وبذلك تم الكلام على جميع اقسام النكاح فأين هو البتر الذي يحصل في الكلام واختلال النظم لو أريد بهذه الجملة المتعة لو كان يعقل ما يقول فظهر انه لا شيء من أدب البيان ولا نظم الآية يأبى ذلك بل الأمر بالعكس فإن حملها على الدائم وحمل الأجور على المهور يوجب التكرير بلا فائدة كما يأتي عن حكاية الإمام الرازي فإن الدائم قد تقدم بقوله فانكحوا ما طاب لكم والمهور بقوله وآتوا النساء صدقاتهن والمهر في الدائم يجب بالعقد لا بالاستمتاع فلا يصح جعل فآتوهن اجورهن لبيان مهر الدائم بخلاف المتعة فإن المهر لا يجب إلا بالاستمتاع هذا الذي ينافي أدب البيان ونظم الآية ولو كان في دعوى نزولها في المتعة ما يوجب ما ذكره لتفطن له العلماء السالفون وردوا به على القائلين بحليتها فأنهم قد تشبثوا في ردهم بكل رطب ويابس إلا ان يكون قد اهتدى في آخر الزمان الى ما لم يهتد إليه علماء الصحابة والتابعين وباقي علماء المسلمين (فكم ترك الأول للآخر) كما ظهر انه ان اريد بهذه الجملة المتعة لم يبق الكلام في أصل النكاح أبتر ـ وان صورت له مخيلته ذلك تمحلا وتعنتا ـ بل دعواه هذه بتراء نكراء. ولم يكن قد عجل ليرضي شيعة علي ـ التي تفتخر بأنها شيعته ، كما عجل موسى تركستان الى البهت والسخرية بغير حق ليرضي هواه. ولا عجلة موسى بن عمران. وانه لا يلزم من حمل الآية على المتعة قطع كلام قبل اتمامه ولا طفرة عصفور ولا وثبة ليث هصور. وما اذن الله فيه لا يسوغ لذي دين ان يعبر عنه بعبارات السخرية والاستهزاء. والمتعة مما اذن الله تعالى فيه بالأدلة القاطعة سواء اسماها ـ بأدبه ـ سفاد عصفور أم ملك باعلى القصور فالأحكام الشرعية لا تثبت ولا تنفى إلا بالدليل لا بمثل هذه الكلمات التي لا

٢٧٨

تشين إلا قائلها. وان قوله ويطيل الكلام في اجر السفاد ما هو إلا اعتراض على الله تعالى وتهجين لكلامه وسخرية من احكامه ولا يكون مثل هذا الكلام كلام عاقل ولا متدين ولا كلاما له شأن ولا كلام من يعرف شيئا من أدب البيان وأي كلمة يمكن ان تكون اضيع من آية يتلاعب بها على مقتضى هواه ويحملها على مشتهاه. وحفنة بر وكف شعير هي كتعليم السورة قد جاءت بها صحاح الأخبار كما يأتي وجوزها الشارع مهرا لهما والشرع جاء ببيان حكم الخطير والحقير وقد حكى هو فيما مر انه قيل لعمر كانت المتعة رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث فقال فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وان تمحل له هناك بأنه كان ينعقد دائما لكنه يكفينا كون الدائم يكون بقبضة فإبرازه بمعرض السخرية ما هو إلا استهزاء باحكام الله (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وآية (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) يأتي الكلام عليها.

وما حكاه عن هشام بن الحكم بيان شاف واف تام لا بيان اتم منه موضح للحكمة البالغة في احكام الشريعة الاسلامية ومبين انها ارقى الشرائع واسماها واشدها قمعا لمادة الزنا والفجور بحيث لا تدع مجالا لمرتكبه إلا ان يكون لا يبالي بمعصية الله ويختارها عفوا مقدما للحرام على الحلال وللفجور على العفاف. وهذا البيان كسائر بيانات الشيعة وفرائد علومهم التي ورثوها عن أهل بيت الوحي ومعادن العلم لا يصل إليها هو ولا من فوقه وابرازه لها في معرض النقد والعيب لا يضرها.

فكم من عائب قولا صحيحا

وآفته من الفهم السقيم

وفلسفته التي زخرفها ردا على ما قاله هشام بأن حمل (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) على النكاح الى اجل يحرف القرآن ويخل بنظم الآية ويبطل ترتيب البيان قد ظهر مما مر في الأمر الرابع انها فلسفة مزيفة لم تكن إلا هباء منبثا وجفاء مجتثا وتحريفا لكلام الله عن مواضعه.

(خامسا) اذا ورد لفظ الاستمتاع في آية في الانتفاع الدائم في الحياة الدنيا فهل يجب ان يكون كل لفظ استمتاع كذلك؟ على ان الذين اذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ليس كلهم كان استمتاعهم بها دائما ويأتي في احاديث البخاري ومسلم وغيرهما التعبير عن المتعة بالاستمتاع ففلسفته هذه واهية باردة.

٢٧٩

(سادسا) معنى محصنات. متزوجات غير زانيات أو عفائف غير زوان. ومعنى محصنين غير مسافحين متزوجين غير زانين أو أعفة غير زناة كما قاله المفسرون وهو الذي يظهر من اللفظ. ولا متخذات اخدان. ولا متخذي اخدان أي اخلاء في السر لأن الرجل منهن كان يتخذ صديقة فيزني بها والمرأة تتخذ صديقا فيزني بها وعن ابن عباس كان قوم في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه فنهى الله عن الزنا سرا وجهرا بقوله : (الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) فمعنى غير مسافحات ولا متخذات اخدان غير زانيات لا سرا ولا جهرا وبذلك ظهر حال هذا الرجل في استدلالاته ، وظهر كذب قوله نكاح المتعة لا احصان به. المتعة فيها سفاح ماء في غير حرث. المتعة اتخاذ خدن في كلا الطرفين وترتيبه على ذلك انها حرام بنص القرآن هذا القياس أو الأقيسة التي رتبها من الشكل الأول لا ينقصها في صحة الاستدلال بها إلا ان الصغريات فيها كاذبة. الاحصان النكاح بعقد صحيح ومن الذي قال لك المتعة لا احصان فيها. السفاح الزنا مقابل النكاح الصحيح ومن اخبرك ان المتعة سفاح والاخدان الاصدقاء ومن اين علمت ان المتعة اتخاذ اخدان في كلا الطرفين هذا نموذج من علم هذا الرجل واحتجاجه بعين لدعوى ، حكى الفخر الرازي في تفسيره عن ابي بكر الرازي انه استدل على ان ليس المراد من الآية نكاح المتعة بأن قوله غير مسافحين سمى الزنا سفاحا لأنه لا مقصود فيه إلا سفح الماء ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النكاح. والمتعة لا يراد منها إلا سفح الماء فكانت سفاحا. واجاب الفخر الرازي عن ذلك بأن المتعة ليست كذلك فإن المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل الله فإن قلتم المتعة محرمة فنقول هذا أول البحث فلم قلتم ان الأمر كذلك فظهر ان هذا الكلام رخو ا ه. كما ظهر كذب قوله : المتعة سفاح ماء في غير حرث فإن السفاح هو الزنا والمتعة اذا كانت حلالا فمن يسميها سفاحا مفتر على الله ورسوله. وهي قد تكون في حرث يقصد به النسل وقد لا تكون كذلك كالنكاح الدائم للولود والعاقر وكذب قوله هي اتخاذ خدن في كلا الطرفين فالمراد بالأخدان كما عرفت الاصدقاء في السر لأجل الزنا والمتعة نكاح بسنة الله ورسوله فجعلها زنا رد على الله ورسوله وادعاء انها حرام بنص القرآن الكريم افتراء على القرآن الكريم : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

٢٨٠