نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

المستندة الى آراء الرجال والى المقاييس والاستحسانات وكذلك الجفر والجامعة ومصحف فاطمة التي حفظنا ما فيها وضيعها هو وقومه وطامور الوصايا مر الكلام عليه عند ذكر شهادة الحسين عليه‌السلام. والمصحف كتب فيه علي عليه‌السلام التأويل والتنزيل وذكره السيوطي وقال لو ظفر به لكان كنزا ثمينا او ما هذا معناه واما الجفر فقد وردت روايات عن ائمة اهل البيت عليهم‌السلام بانه كان عند علي مسك جفر (جلد جدي من الماعز) مكتوب فيه من العلوم وهو املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي بيده وتوارثه ابناؤه من بعده وورد نحو ذلك في صحيفة الفرائض والجامعة وغيرها وهذا ليس من الامور المستحيلة ولا من الامور المشينة بل فضيلة تنضاف الى فضائل اهل البيت الكثيرة فاذا وردت به الرواية وجب قبوله فقوله ومن ينظر في الجفر ويتيه في جداول الاحرف فهو معرض تائه واهم متوهم قد دل على انه هو وحده معرض تائه واهم متوهم ليس الجفر علما من العلوم وان توهم ذلك كثيرون ولا هو مبني على جداول الاحرف ولا على علم الحرف ولا ورد به خبر ولا رواية وان اقتضى ذلك كلام كشف الظنون بقوله : ادعى طائفة ان الامام علي بن ابي طالب وضع الثمانية والعشرين حرفا على طريق البسط الاعظم في جلد الجفر يستخرج منها بطرق مخصوصة وشرائط معينة والفاظ مخصوصة ما في لوح القضاء والقدر الى آخر ما قال. الجفر كما قدمناه جلد كتب فيه علي عليه‌السلام من املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انواعا من العلوم والحوادث المتأخرة هكذا جاءت الرواية عن ائمة اهل البيت عليهم‌السلام ولم يتحقق غير ذلك ولكن الناس توسعوا في تفسيره وقالوا فيه اقاويل لا تستند الى مستند شأنهم في امثال ذلك. ولو ثبت انه كما قال كشف الظنون لم يكن فيه استبعاد ولا استنكار بل استنكار ذلك واستبعاده حجر على قدرته تعالى وتضييق لسعة علمه وعجائب قدرته لا تحيط بها العقول ولا تصل إليها الاوهام ، فجعل جفر الامام مثل نجامة منجم وعرافة العرب وكهانة اليهود وفقر الهند جهل وتعصب في غير محله ، في الجفر علم إلهي بلسان خاتم النبيين وقلم سيد الوصيين فجعله كالامور المذكورة لا يخرج عن الجهل والتعصب الذميم ، نعم الامام اعلم من منجم ولكن صاحب اللزوميات ضرب لذلك مثلا مرآة المنجم :

والله قد ضرب الاقل لنوره

مثلا من المشكاة والنبراس

٢٤١

ومن ذلك تعلم انه اوّل داخل في قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية.

وقد سبقت دعوى الشيعي هذه دعوى من قال ان بعض الصحابة كانت تحدثه الملائكة حتى اكتوى كما مر والشيعي لم يدع ان امامه ينظر في جداول الجفر كما عرفت لكن هذا الرجل يتيه في وادي التعصب ويتعب نفسه عبثا.

والعالم والامام يتحدث بنعمة الله (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وليس ذلك منافيا للتواضع وطلب المزيد هذه هي ادلة هذا الرجل وهذه هي انتقاداته.

واراد بعيبه الائمة الطاهرين بالام القيصرية والجدة الكسروية متفاصحا باثر وارث. الاقتداء بسلفه الاموي احد اركان الامة المعصومة هشام بن عبد الملك حين قال لزيد الشهيد : تطلب الخلافة وانت ابن أمة فقال : الخلافة اعظم أم النبوة وقد كان اسماعيل ابن امة وكان من ذريته سيد النبيين وكان إسحاق ابن حرة وكان من ذريته القردة والخنازير. وبعد فما يقصر برجل جده رسول الله وابوه علي امير المؤمنين وجدته خديجة وأمه الزهراء ان يكون ابن امة فلا عيب على ائمة اهل البيت وجدهم الرسول وابوهم الوصي وامهم البتول بان امهم قيصرية وجدتهم كسروية. ومفاتيح بيت النبوة لم تكن بيده ليعرف ما جاء منه بواسطة السيدة فاطمة من الذي جاء بواسطة شهربانو كلام فارغ يأسف المرء على وقت يضيعه في رده.

وعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد افضى به الى اخيه وابن عمه وباب مدينة علمه ووارث علمه فصار كأنه عاين كل ما لدى الله في أمّ الكتاب الى آخر ما زوقه من عبارات الصوفية حتى وصل الى التدليات واملى عليه من ذلك ما كتبه في مسك جفر توارثه منه اولاده واحدا بعد واحد وكانوا ينظرون فيه. وهذا هو العلم للنبي الذي له علوم الاولين والآخرين وورثها منه اخوه وابن عمه سيد الوصيين وورثها لا بنائه الائمة الطاهرين لا هذا الكلام الفارغ الساقط الذي بحث عليه هذا الرجل واستخرجه من مزابل فكره.

والجفر بعد ما وردت به الروايات عن الائمة الهداة بانه مسك جفر فيه علم من املاء النبي بخط الوصي ولم يكن مانع يمنع من ذلك عقلي ولا نقلي وجب التصديق به ويكون آية من آيات الله تعالى فمنكره اقل ما يقال فيه انه داخل في قوله تعالى وكأين

٢٤٢

من آية الى قوله وهم مشركون. ولكن التركستاني بانصافه وعلمه الجديد واقواله التي لا تتجاوز حد الاستبعاد والسخرية والاستهزاء ينكر ذلك كله وقبله قد استبعد اناس البعث والحشر والنشر وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا واستهزءوا بالرسل وسخروا منهم فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون.

التعصيب

هو اعطاء ما زاد عن سهام الورثة المفروضة في الكتاب للعصبة كميت خلف بنتا او بنتين فللواحدة بنص الكتاب النصف وللبنتين الثلثان يبقى نصف او ثلث. فعندنا يرد النصف على البنت فتأخذ جميع المال ويرد الثلث على البنتين فيكون المال بينهما بالسوية وليس للعصبة شيء وهكذا جميع المسائل التي يزيد المال فيها عن سهام الورثة يرد الزائد على اصحاب السهام بنسبة سهامهم بتفصيل مذكور في محله عدى الزوج والزوجة فلا رد عليهما كما لا ينقص نصيبهما عند العول. وعند من قال بالتعصيب يكون الزائد للطبقات المتأخرة من العصبة الذكور كالاخ وابن الاخ والعم وابن العم دون الاناث فلا تعطى الانثى وان كانت اقرب من الذكر في النسب شيئا.

قال ص ٢١٦ في توريث العصبة خلاف طويل عريض بين الامة والشيعة. سئل الصادق المال لمن هو للاقرب او للعصبة فقال المال للاقرب والعصبة في فيه التراب وتوريث الرجال دون النساء قضية جاهلية.

قال ص ٢١٧ دليل الامة قول النبي : الحقوا الفرائض باهلها فما ابقته الفرائض فلأولي رجل ذكر وحديث جابر ان سعد بن الربيع قتل يوم احد وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زار امرأته فجاءت بابنتي سعد فقالت يا رسول الله ان اباهما قتل واخذ عمهما المال كله ولا تنكحان الا ولهما مال فقال النبي سيقضي الله في ذلك فانزل الله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) حتى ختم الآية فدعا النبي اخا سعد وقال اعط الجاريتين الثلثين واعط امهما الثمن وما بقي فلك. ورأينا المعنى الجوهري في الوارث هو التعاون والتناصر حتى اذا لم يوجد في القريب كان في صدر الاسلام يحرم من الارث (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ

٢٤٣

حَتَّى يُهاجِرُوا) والتناصر في نظام الابوة كان ينتشر في عمود النسب بين العصبة وعلى نظام الابوة وعلى روح التناصر بين نظام المواريث في الاسلام.

وقال ص ٢١٨ والله سمى للبعض حظه ولم يسم حظ الآخرين وهم العصبة ولم يكن عدم التسمية في الآخرين لضعف في القرابة او الاستحقاق بل لشدة القرابة وقوة الاستحقاق بدليل ان الكتاب لم يسم الا حظ الاناث فقط البنت والام والاخوات ولم يسم حظ الابناء والأب والاخوة. بين القرآن حال اكبر عصبة وهو الأب ليتبين حال سائر العصبات بدلالة النص.

وقال ص ٢١٩ والسنة وهي قول الشارع الحقوا الفرائض باهلها وما ابقته الفرائض فلأولى رجل ذكر بيان لبعض ما تفيده آيات الكتاب الكريم فان الكتاب قد سمى حظ ذي الفرض ولم يسم حظ العصبة وهم اقوى الورثة. وقد طاش طيش كتب الشيعة فقالت انما هذه السنة كلمة القاها الشيطان على السنة العامة وان طاوسا راوي هذا الحديث عن ابن عباس قد تبرأ منه وان ابن عباس انكر رواية طاوس وان العصبة في فيه التراب هذه تقولات الشيعة على بيان الكتاب الكريم والسنة الكريمة وعلى نظام التوريث في الاسلام تقولات وتهم عن غفلة واوهام فان السنة ان نسيها ناس او انكرها منكر فان الذين هم احفظ منه واعدل قد حفظوها والامة قد تلقتها حتى ان لم تثبت هذه السنة فان بيان الكتاب يغنينا كما قدمنا بيان الكتاب في الفروع وهم احق وفي الاصول وهم اكبر وفي الاخوة في الكلالة ثم يشمل كل هؤلاء العصبات (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ)

وقال ص ٢٢٢ فتوريث العصبة ثابت بجميع آيات المواريث في الفروع والاصول والاخوة وفي فروع الاصول البعيدة وكل آيات الارث فيها إرث العصبة فتراب الشيعة ان اصاب فليس يصيب آلافا الكتاب.

(ونقول) كرر ما اعتاده من مقابلة الشيعة بالامة لظلمة في رأيه مدلهمة. وقال المرتضى في الانتصار كما قال الباقر عليه‌السلام : توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربى والدرجة من احكام الجاهلية وذم الله من اقام عليها بقوله (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) ورواية ما ابقته الفرائض «الخ» رواها عبد الله بن طاوس عن ابيه عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الشيخ

٢٤٤

الطوسي في التهذيب : الذي يدل على بطلان هذه الرواية انهم رووا عن طاوس خلاف ذلك وانه تبرأ من هذا الخبر وذكر انه لم يروه وانما هو شيء القاه الشيطان على السنة العامة روى ذلك ابو طالب الانباري قال حدثنا محمد بن احمد البربري حدثنا بشر بن هارون حدثنا الحميدي حدثني سفيان عن ابي إسحاق عن قارية بن مضرب قال جلست الى ابن عباس وهو بمكة فقلت حديث يرويه اهل العراق عنك وطاوس مولاك يرويه ان ما ابقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر فقال أمن اهل العراق انت قلت نعم قال ابلغ من وراك اني اقول قول الله عزوجل (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) وقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وهل هذه الا فريضتان وهل ابقتا شيئا ما قلت هذا ولا طاوس يرويه عني قال قارية بن مضرب فلقيت طاوسا فقال لا والله ما رويت هذا على ابن عباس قط وانما الشيطان القاه على ألسنتهم قال سفيان اراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس فانه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على هؤلاء القوم حملا شديدا يعني بني هاشم ا ه.

واجاب الشيخ الطوسي عن الخبر الثاني بان رواية رجل واحد وهو عبد الله بن محمد بن عقيل وهو عندهم ضعيف ولا يحتجون بحديثه وهو منفرد بهذه الرواية وما هذا حكمه لا يعترض به ظاهر القرآن الذي بينا وجه الاحتجاج منه ا ه. واشار بذلك الى ما ذكره قبل هذا فقال : والذي يدل على بطلان القول بالعصبة قوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) فذكر تعالى ان للنساء نصيبا مما ترك الوالدان والاقربون كما ان للرجال نصيبا مثل ذلك فلو جاز لقائل ان يقول ليس للنساء نصيب جاز ان يقول آخر ليس للرجال نصيب واذا كان ذلك باطلا فما يؤدي إليه ينبغي ان يكون باطلا قال ويدل عليه أيضا قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فحكم الله تعالى ان ذوي الارحام بعضهم اولى ببعض وانما اراد لذلك الأقرب فالأقرب بلا خلاف ونحن نعلم ان البنت اقرب من ابن ابن ابن اخ ومن ابن العم أيضا ومن العم نفسه لانها انما تتقرب بنفسها الى الميت وابن العم يتقرب بالعم والعم بالجد والجد بالأب والأب بنفسه ومن يتقرب بنفسه أولى ممن يتقرب

٢٤٥

بغيره بظاهر التنزيل واذا كان الخبر الذي رووه يقتضي ان من يتقرب بغيره اولى ممن يتقرب بنفسه فينبغي ان نحكم ببطلانه ا ه.

وجعله المعنى الجوهري في الوارث هو التعاون والتناصر خبط وخلط فالتعاون والتناصر كان سببا للارث في صدر الاسلام لحكمة موقتة اقتضت ذلك ثم نسخ وجعل الميراث بالقرابة فقط بقوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) فجعله المعنى الجوهري في الوارث هو التعاون والتناصر ـ مع انه رجوع الى امر منسوخ ـ لا دليل عليه حتى قبل النسخ بل المعنى الجوهري في الوارث هو القرابة وتفريعه على ذلك ان التناصر في نظام الابوة كان ينتشر في عمود النسب بين العصبة تفريع لا محل له سواء أصح في نفسه أم لم يصح كقوله انه على روح التناصر بني نظام المواريث في الاسلام بل بني على القرابة لا سيما بعد نسخ التوارث بالتناصر.

وكون التسمية لضعف القرابة والاستحقاق وعدمها لشدة القرابة وقوة الاستحقاق وعدمها فلسفة باردة وما علل به فاسد فالله سمى للأب (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) وسمى للكلالة وفيهم الذكر والانثى وسمي للزوج فالتسمية ليست تابعة لضعف القرابة والاستحقاق ولا عدمها لضد ذلك وهبه كذلك فاي ربط له بالتعصيب.

وكون بيان القرآن لميراث الأب اكبر عصبة ليتبين منه حال سائر العصبات بدلالة النص لا يرجع الى محصل كاكثر كلامه ولم يقله احد قبله وما وجه الدلالة ككون حديث الحقوا الفرائض بأهلها بيانا لبعض ما تفيده آيات الكتاب فالآيات لا تدل على التعصيب بوجه من الوجوه ليكون الحديث بيانا لمداليل بعضها كما اقتضته مخيلة هذا الرجل.

وكتب الشيعة لا يطيش طيشها لان الطيش شأن من لا يرجع في اموره الى اصل ثابت ومرجع الشيعة في كتبها الى اقوال الائمة من اهل بيت نبيها التي اخذوها امام عن امام حتى انتهت الى جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ورويت لنا عنهم بالاسانيد الصحيحة ولا يقولوا بالرأي والقياس والاستحسان وكون ذلك القاه الشيطان على السنة العامة مبالغة في انكاره الذي قاله طاوس وتبرؤ طاوس المنسوب إليه رواية الحديث

٢٤٦

منه وانكار ابن عباس ان يكون طاوس رواه عنه كل ذلك لم تروه الشيعة وانما رويتموه انتم وروته الشيعة عنكم واخذته منكم كما مر في رواية ابي طالب الانباري ومر ان سفيان احد رواته قال اراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس وكان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على بني هاشم حملا شديدا ولو لا ذلك ما جعله سليمان على ديوان الخاتم فروى ضد ما يراه بنو هاشم عداوة لهم وإرادة للخلاف عليهم. فالذي طاش طيشه وجاش تعصبه وذهب رشده حتى لم يعد يميز بين رواية الشيعة ورواية غيرهم ولا يعرف مناحي الكلام هو هذا الرجل لا كتب الشيعة.

والشيعة لم تتقول على بيان الكتاب الكريم الذي هو بريء مما تقوله عليه هذا الرجل ونسبه إليه من دلالته على التعصيب بدعوى انفرد بها لم يسبقه إليها سابق ولا يلحقه لاحق فاي تقول على بيان الكتاب الكريم افظع وافحش من هذا. كما انها لم تتقول على السنة الكريمة بل هو تقول عليها وحاول اثباتها برواية يبرأ منها من رويت عنه وترك ما قاله فيها ائمة اهل البيت الذين هم اعرف بسنة جدهم من كل احد ومنهم لا من غيرهم يجب ان يؤخذ نظام التوريث في الاسلام. ولا تكون التهم الباطلة والغفلة والاوهام الا ممن اعرض عنهم وترك وصاية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسك بهم اذ جعلهم شركاء القرآن لا يضل المتمسك بهما ابدا فمن هو الاحق بالتقول والغفلة والوهم والسنة ان نسيها ناس او انكرها منكر فمن يكون احفظ لها منهم ومن ذا الذي يصل الى درجتهم في العدالة والحفظ فضلا عن ان يكون اعدل واحفظ منهم أهو عبد الله بن طاوس احد اعوان فراعنة الملك العضوض الذي كان يحمل على أهل البيت حملا شديدا ويجاهر بعداوتهم وقد فرض الله مودتهم وجعلها اجر الرسالة. وما أن الأمة تلقتها فافتراء على الأمة فقد ردها حبر الأمة وردتها ائمة أهل البيت سادات الأمة. واما بيان الكتاب فقد عرفت انه بريء من ذلك. ومن اعجب الأعاجيب قوله ثم يشمل كل هؤلاء العصبات للرجال نصيب. وأولو الأرحام فإن الآية الأولى لو قال قائل انها صريحة في نفي التعصيب لم يكن بعيدا من الصواب لان اهل التعصيب يخصونه بالرجال دون النساء والآية تجعل الميراث شاملا للرجال والنساء ولذلك قال المرتضى كما مر ان توريث الرجال دون النساء سنة جاهلية وآية اولي الارحام ان لم تدل على نفي التعصيب لا تدل على ثبوته وقد عرفت انها فسرت من قبل ائمة اهل البيت بان

٢٤٧

الاقرب اولى من الابعد فهي الى الدلالة على بطلان التعصيب اقرب. وبذلك يظهر سخف قوله : توريث العصبة ثابت بجميع آيات المواريث الذي لم يسبقه إليه احد وان جميع آيات المواريث لا مساس لها بالتعصيب الذي وقع النزاع فيه فاذا دلت الآيات على توريث من هو عصبة في طبقة واحدة فهل تدل على توريث العصبة في طبقة متأخرة لان كلا منهما عصبة استدلال سخيف عجيب فتراب افترائه لم يصب الا فم الكتاب بل فمه وحده.

وقال ص ٢٢٠ وللشيعة في نفي التعصيب سنة محفوظة هي ان حمزة عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قتل يوم أحد اعطى النبي ابنة حمزة كل الميراث ولم يعط العباس شيئا ولا اعلم الآن وجه الحديث هل كان قضاء النبي حرما للأخ كما تدعيه الشيعة او لأن العباس كان غنيا وهو الاظهر.

(ونقول) الاحاديث لا تدفع بالاحتمالات وما استظهره لا مستند له وغنى العباس لا يسوغ منع حقه منه.

وقال ص ٢٢٠ ـ ٢٢١ يترتب على الاختلاف في توريث العصبة اختلاف في حظوظ الورثة وذكر لذلك شواهد (منها) زوج وابوان للزوج النصف وللام الثلث بنص الكتاب والأب وارث بنص الكتاب (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) ولم يسم له حظ فهو عصبته له الباقي ومن يقول ان الام لها هنا السدس ثم يعبر عنه بثلث ما بقي فقد احتال على ان يستر خلافه لله ولكتابه. بها يبطل قول الشيعة بطولا لا يقوم بعده ابدا لان الأب ليس بصاحب فرض هنا إذ لا فرض له الا عند وجود الولد وارثه منصوص لا يكون الا بالعصوبة وادعاء ان حظ الأب هنا السدس رد لنص الكتاب فان السدس مشروط بوجود الولد.

(ونقول) قد خبط في المقام خبط اعمى ركب متن عمياء في ليلة ظلماء.

(أولا) ان هذه المسألة ليست من مسائل التعصيب المصطلح فزجها في مسائله غلط.

(ثانيا) علماء الشيعة متفقة على ان للزوج هنا النصف وللام الثلث وللاب الباقي وهو السدس كما هو نص القرآن الكريم. لم يقل احد منهم ان للام هنا السدس الا مع الحاجب ولا ان لها ثلث الباقي وانما حكوا عن غير الشيعة ان للام

٢٤٨

ثلث الباقي مطلقا كما عن بعض. وعن بعض آخر الفرق بين الزوج والزوجة فنقوله ان القائل بذلك احتال لستر حلافه لله ولكتابه هو اشارة الى قول يختص باصحابه والشيعة مجمعة على خلافه فتأمل واعجب.

(ثالثا) قوله بها يبطل قول الشيعة الخ بها اي بهذه المسألة يبطل قول الشيعة بعدم توريث العصبة مع ذوي السهام لان الأب عصبة لم يسم له نصيب فله الباقي وادعاء ان له السدس رد لنص الكتاب لان السدس مشروط بوجود الولد هذا توجيه كلامه. وفساده اظهر من ان يخفى فالخلاف في العصبة التي هي من طبقة متأخرة والأب من الطبقة الاولى مجمع على توريثه ونص عليه الكتاب فتوريثه لا يبطل قول الشيعة ولا يثبت قول غيرهم ولو فرض انه يسمى عصبة فاذا كان لرجل دين على تركي من اهل استانبول هل له ان يطالب به تركيا من اهل بخارى لان كلا منهما تركي.

(رابعا) من قال ان نصيب الأب هنا السدس لم يقل انه فرض له بنص الكتاب حتى يقال ان قوله هذا رد لنص الكتاب لان السدس فيه مشروط بوجود الولد وانما قال ان له الباقي واتفق ان الباقي هنا هو السدس.

اعتراضات على التعصيب

قال ص ٢٢٠ للشيعة على اصول توريث الامة اعتراضات (منها) في بنت وبنت ابن وعم ان يكون الباقي بعد النصف للعم لانه اولى رجل ذكر وان لا يكون لابنة الابن شيء وفي اخت لاب وأم واخت لاب وابن عم ان يكون الباقي لابن العم والاخت لاب محرومة وللامة متمسك من الكتاب لان حظ البنات وحظ الاخوات الثلثان فاعطاء السدس تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة وعند الشيعة لا إرث لاحد من اولاد الولد عند وجود البنت والشقيقة لا يرث معها العم ولا الاخت لاب فان الميراث كله للاقرب.

(ونقول) الحكم في المسألة الاولى عند اهل التعصيب ان للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين وللعم الباقي وهو الثلث فتوجه عليهم الاعتراض بانه

٢٤٩

ينبغي على القول بالتعصيب ان يكون الباقي بعد النصف الذي هو فرض البنت للعم وحده لانه اولى عصبة ذكر وان لا يكون لابنة الابن شيء لانها ممنوعة بالبنت التي هي اقرب منها وليست عصبة وجعل السدس لها تكملة للثلثين لا دليل عليه لانها ان دخلت في آية (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) لزم ان يكون الثلثان بينها وبين البنت بالسرية ولا يكون للبنت حينئذ النصف لانه فرضها مع انفرادها وان لم تدخل ـ وهو الصواب ـ لم يكن دليل على اعطائها السدس.

والحكم في المسألة الثانية عند اهل التعصيب ان للاخت للابوين النصف وللاخت للاب السدس تكملة للثلثين والباقي وهو الثلث لابن العم فتوجه عليهم الاعتراض هنا بمثل ما توجه في المسألة الاولى من انه ينبغي ان يكون الباقي بعد النصف الذي هو فرض الاخت للابوين لابن العم وحده وان لا يكون للاخت للاب شيء لما مر في المسألة الاولى حرفا بحرف. وحكم المسألتين عندنا هو ما ذكره عملا بتقديم الاقرب ولا نراه جاء في الجواب عن هذا الاعتراض بشيء وزعمه ان لهم عليه متمسكا من الكتاب لان حظ البنات والاخوات الثلثين فاعطاء السدس تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة واضح البطلان لان الله تعالى جعل في الكتاب العزيز الثلثين فرض البنتين فما زاد والاختين لاب وابوين فما زاد ولم يجعله فرض البنت وبنت الابن ولو سلم فيجب ان يقتسماهما بالسوية لا بالنصف والسدس. وكذلك الله تعالى فرض الثلثين للاختين للابوين او للاب ولم يفرضهما للاخت للابوين والاخت للاب بل فرض الأولى هنا النصف وليس للثانية فرض لان تلك اقرب منها ولو سلم فيجب ان يقتسماهما بالسوية لا بالنصف والسدس فانه لا دليل عليه في المقامين فدعوى ان ذلك تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة افتراء على الكتاب والسنة.

وقال ص ٢٢٢ ومن اعتراضات الشيعة على اصول الامة ان يكون الابن الصلبي اضعف من ابن ابن ابن عم في رجل مات وخلف ابنا و ٢٨ بنتا المال يقسم على ثلاثين للابن منها اثنان وان كان بدل الابن ابن ابن ابن عم لكان للبنات عشرون وللابعد عشرة من ثلاثين فيكون حظ الابعد خمسة امثال حظ الاقرب. وما تقولون ان ترك هذا الميت هؤلاء البنات معهن بنت ابن فان قلتم ان البنات لهن

٢٥٠

الثلثان والباقي للعصبة وليس لبنت الابن شيء. يقال المسألة بحالها الا انه مع بنت الابن ابن ابن فان قلتم ان البنات لهن الثلثان والباقي بين ابن الابن وبنت الابن للذكر مثل حظ الانثيين فقد خالفتم اصلكم وخالفتم حديثكم في اي كتاب واي سنة وجدتم ان بنات الابن اذا لم يكن معهن اخوهن لا يرثن شيئا واذا حضر اخوهن ورثن بسبب اخيهن.

هذه اعتراضات الشيعة ظاهرة الورود ذكرتها اعجابا بها واستحسانا لها ومن نظرة فيما تقدم فاجوبتها بين يديه.

(ونقول) من نظر نظرة فيما تقدم منه لا يجد شيئا من اجوبتها لا بين يديه ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن شماله ولا فوقه ولا تحته. ومن نظر نظرة فيما قدمناه يجدها واضحة الورود.

مخالفته اجماع المسلمين وضرورة الدين بتوريث ولد الولد مع الولد

قال ص ٢٢٤ خلف ابنه واولاد ابنه المتوفى في حياته او اولاد بنته المتوفاة في حياته اتفقت الشيعة والامة على ان الميراث لابنه وليس لاولاد ابنه او بنته شيء. والذي اراه ويطمئن إليه قلبي ان المال في الصورة الاولى نصفه للابن ونصفه لاولاد الابن وفي الصورة الثانية ثلثاه للابن وثلثه لاولاد البنت. والاصل ان القريب ان كان واسطة يحجب الابعد والا فلا اذ لا تكون نقطة اقرب من نقطة لا اذا كانتا على حظ واحد فان زال الاقرب فالابعد يحل محله فيكون هو الاقرب اذ لا بعد الا بوجود الواسطة فاذا زالت اقترب البعيد وحل محل القريب هذا هو الذي بني عليه بقاء النوع الانساني وهو الذي يقتضيه نظام المجتمع وهو الذي يرشد إليه القرآن الكريم فانه يعتبر اولاد المتوفى خلفا عنه فيدخلون في قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية دخول الاولاد دخولا اوليا. وكيف ينادينا الكتاب الكريم يا بني آدم اذا لم نكن خلفا حقيقيا وابنا صلبيا لآدم ذهب الاصول فحللنا محلها وأول الاصول ابن فنحن ابن آدم بل نحن آدم لا يحجبنا حاجب بعد ما ذهب.

(ونقول) بعد اجماع المسلمين كافة بل حصول الضرورة من الدين على ان

٢٥١

الابن يجوز الميراث دون ابن الابن وابن البنت فلا مسوغ لقوله الذي اراه ويطمئن إليه قلبي فانه ابتداع في الدين فالاحكام الشرعية لا تصاب بالآراء واطمئنان القلب ولا يجوز لاحد ان يخالف اجماع المسلمين وضرورة الدين لرأي يراه وهوى يهواه هذا مثال من امثلة مرت وتأتي من معرفة هذا الرجل وآرائه وتهوره والانكى من ذلك استدلاله عليه بان القريب ان كان واسطة يحجب الابعد والا فلا الى آخر ما تفلسف به فان ذلك مع مخالفته الاجماع لا يصح في نفسه اذ القرب الى الميت والبعد عنه يدور مدار وجود الواسطة في الولادة والانتساب وعدمها ووجود واسطة واحدة لا وسائط وهذا لا يتفاوت الحال فيه بين حياة الواسطة وموتها فان الابن ينتسب الى جده بواسطة ابيه سواء أكان ابوه حيا أم ميتا فان جده قد ولد اباه واباه قد ولده فاذا مات ابوه لم يصح ان يقال ان جده قد ولده الا بواسطة ابيه وهو ابن ابن الجد سواء أكان ابوه حيا أم ميتا فالابن ان كان حيا حجب ابنه وان كان ميتا حجبه عمه لانه اقرب منه وموت ابيه لم يجعله في درجة عمه في القرب وهذا واضح وقوله هذا هو الذي بني عليه بقاء النوع الانساني وهو الذي يقتضيه نظام المجتمع كلام ليس تحته محصل فالاحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه الالفاظ بقاء النوع الانساني نظام المجتمع فمن شرع الاحكام وسنها اعرف بما يبتني عليه بقاء النوع الانساني وبنظام المجتمع من كل احد والاشد من ذلك نكاية دعواه انه الذي يرشد إليه القرآن الكريم. يوصيكم الله في اولادكم الآية فانه ان سلم شمول الولد لولد الولد فآية اولي الأرحام دالة والاجماع قائم والسنة ثابتة على لزوم تقديم الاقرب على الابعد والا لورث ابن الابن مع وجود ابيه ونداء القرآن لنا ببني آدم لا يوجب ان تكون في درجة واحدة في القرب إلى آدم فكلنا بنو آدم لكن بعضنا أقرب من بعض وكوننا نحن آدم يقتضي ان نكون انبياء لأن آدم نبي وحينئذ فلا عجب أن يأتي هو بما يخالف شرع الاسلام فإنه نبي. آراء سخيفة وتمحلات ممقوتة.

عرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرثه على العباس

قال ص ٣٢ ـ ٣٣ حديث عرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحبه وسلم إرثه لعمه سيدنا العباس وابن عمه علي امير المؤمنين ان ثبت يكون اصلا عظيما في اصول المواريث. في الوافي ـ ٢ ـ ١٣٣ عن الكافي : دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمه العباس

٢٥٢

وعليا امير المؤمنين قبيل وفاته فقال لعمه العباس : تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته فرد العباس عليه وقال : شيخ كثير العيال قليل المال فقال النبي سأعطيها من يأخذها بحقها وقال يا علي : أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه. هذا حديث مهم جليل لم اره في كتب الاحاديث غير كتب الشيعة عددته اذ رأيته كنزا غنيا يستخرج منه أصول في ابواب الفقه وعرض الارث ان صح لكان له شأن جليل جزيل فإن ذلك يقلب اصول الإرث في الإسلام قلبا يمكن ان يكون فيه صلاح وحكمة اجتماعية فإن الإرث عند الفقهاء خلافة في الملك وفي الحقوق ليس فيها لا للمورث ولا للوارث اختيار. الوارث يكون خليفة في ملك الميت وحقوقه. عرض المورث او لم يعرض شاء الوارث او لم يشأ وهل الارث نقل يتوقف على إرادة المورث او انتقال لا يكون الا بقبول الوارث في هاتين المسألتين لاهل العلم انظار واقوال. لاجل ذلك عددت حديث عرض الارث كنزا فيه علوم واصول لو صح لكان له اصل جليل ولكن راويه قد افسده افسادا بحديث عفير عن ابيه عن جده عن نوح صاحب السفينة التي استوت على الجودي ثم لا إرث للعصبة عند الشيعة اما عند فقهاء الامة فابن العم لا يرث عند وجود العم وحرم الوارث ليس في اختيار المورث في شريعة صاحب القرآن وكيف يكون قول الشيعة في التعصيب ان ثبت حديث العرض. وسيدنا العباس كان غنيا وكان اعقل وارفع من ان يرد عرض النبي بخلا او غفلة عن عظيم الشرف والعباس كان اشرف قريش وانفذهم نظرا والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكرم العباس اكرام ابيه وكان العباس للنبي اطوع اقربيه نعم كان العباس عمه لابيه وكان سيدنا ابو طالب عمه لابيه وأمه ولنا ان نقدم اولاد سيدنا ابي طالب على عم النبي لا بأس فيه بل هو الغالب لان سيدنا أبا طالب قد قام مقام عبد الله بعد عبد المطلب فاولاده اخوة للنبي والاخ مقدم على العم هذا هو الاصوب وهذا هو الكافي.

ونقول : يلزم قبل التكلم على ما قاله في هذا الحديث ان نبين ما يظهر منه.

والظاهر ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض ممتلكاته على عمه العباس ليهبها له في حياته او يكون وصيه عليها على ان يقضي دينه وينجز عداته فان الدين مقدم على الميراث فأبى واعتذر بانه شيخ كبير السن عاجز عن القيام بهذا المهم الذي يحتاج الى مزيد تعب. كثير العيال. قليل المال فربما لا تفي تلك الممتلكات بدينه وعداته الكثيرة

٢٥٣

فيحتاج الى التضحية بقسم كبير من ماله فيكون قد اضر بعياله الكثيرين مع قلة ماله وكان قد غلب على ظنه ذلك وعرض ذلك على علي فقبل ويدل عليه ما في تتمة الحديث من انه نزع خاتمه من اصبعه فقال تختم بهذا في حياتي ودعا بالمغفر والدرع والراية وذي الفقار والسحاب (العمامة) والبرد والابرقة والقضيب ثم دعا بزوجي نعال عربيين وبالقميص الذي اسري به فيه ليلة المعراج والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجمع وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع اصحابه وبالبغلتين الشهباء والدلدل والناقتين العضباء والقصواء والفرسين ذا الجناح وحيزوم والحمار عفير وقال اقبضها في حياتي الحديث.

وحينئذ نقول له كيف يكون هذا الحديث قالبا لاصول الارث في الاسلام قلبا فانا نراه لا يؤثر شيئا على اصول الارث فضلا عن ان يقلبها قلبا اما عندك فالانبياء لا تورث وما تركوه صدقة فاذا كانوا قد وهبوه في حياتهم او سلموه لمن يقضي به ديونهم لم يبق موضوع للارث كمن انفق ماله في حياته ولم يترك شيئا او اوصى بصرفه في دينه. اذا فما هو الذي يقلب اصول الارث قلبا. وكانه توهم ان المراد بقوله تأخذ تراث محمد تكون وارثا له دون وارثه فيفهم منه ان للانسان ان يجعل ميراثه لغير وارثه بشرط قبول ذلك الغير فلذلك جعله قالبا لاصول الارث وهو توهم فاسد فالمراد بقوله تأخذ تراث محمد اي ما يكون تراثا بعد موته لو لم ينقله عن ملكه في حياته ولم يوص به ولم يكن عليه مقابله دين فهو من باب اني اراني اعصر خمرا اي عنبا يؤول الى الخمر والارث كما ذكره أو لا اضطراري لا اختياري ولم يقل ولم يحتمل احد من العلماء انه اختياري وهو حكم لا عقد حتى يتوقف على القبول فما بناه عليه من دلالة الحديث على انه اختياري فاسد فانهار كل ما بناه عليه وقد ظهر انه لو صح هذا الحديث او لم يصح ليس فيه علوم ولا اصول سوى جواز ان يهب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يملكه في حياته او يسلمه لمن يقضي به دينه وهذا ليس به شيء يخالف ما يذهب إليه فقهاء الاسلام واشار بقوله ان راويه قد افسده «الخ» الى ما ذكره صاحب الكافي بعد هذا الحديث بقوله : وروى ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال ان ذلك الحمار كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال بابي انت وامي ان ابي حدثني عن ابيه عن جده عن ابيه انه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال يخرج من صلب

٢٥٤

هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم الحديث فاي شيء في هذا يفسد ذلك الحديث افسادا أهو تكليم الحمار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رما فيه من المعجز والبوصيري يقول :

والجذع حن إليه والبعير شكا

لسيد الرسل ما يلقى من الالم

وقد رويتم ان بعض الصحابة كلمه الذئب أم حكايته عن ابيه عن جده عن ابيه انه كان مع نوح في السفينة واذا جاز في الحيوانات ان تكلم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاز ان تفهم لغة آبائها وتحكي عنها كما جاء نظيره في نمل سليمان عليه‌السلام. وهب ان هذا الحديث كان كذبا فاي ربط له بالحديث الذي قبله المروي بسند متصل الى ابي عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق حتى يقال ان راويه قد افسده افسادا بحديث عفير فاذا ذكر عالم في كتابه حديث مسندا ثم ذكر بعده حديثا مرسلا مكذوبا او غير مكذوب فهل يستلزم كذب احدهما كذب الاخر. هذا علم لم نجده لاحد قبل موسى جار الله. وفقهاء الامة هم اهل بيت النبوة الذين جعلهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شركاء القرآن وبمنزلة باب حطة وسفينة نوح والذين لا يحصى ما انتشر عنهم من العلم والفقه وعندهم ان الارث مع وجود العم وابن العم والبنت للاقرب وهو البنت بالفرض والرد واستعمال حرم بكسر الراء في مصدر حرم بدل حرمان مع ثقله وخفة حرمان واشتهاره ليس له من داع الا حب الشذوذ. والتعصيب لا علقة له بالمقام سواء أثبت حديث العرض أم لم يثبت.

والأحاديث لا ترد بالاجتهاد والاستبعاد فسيدنا العباس رضوان الله عليه نعم كان غنيا ولكن المال عزيز على الانسان في كل عصر وزمان وقد قال العباس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اسر يوم بدر وقال له الرسول افد نفسك وابني اخيك عقيلا ونوفلا وحليفك : انه ليس لي مال فقال اين المال الذي وضعته حين خرجت عند أمّ الفضل الحديث. فهذا يرفع استبعاد انه كيف رد ما عوضه عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكون النبي كان يكرم العباس اكرام ابيه لا مساس له بالموضوع وكونه اطوع اقربيه غير مسلم بل كان اطوعهم له وأذبهم عنه واحبهم إليه علي بن ابي طالب واين مرتبة العباس الذي خرج يوم بدر لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وابنا اخويه عقيل ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب حتى أسر وبقي في مكة ولم يهاجر حتى ضرب الاسلام بجرانه من مرتبة

٢٥٥

علي بن ابي طالب الذي لم يفارقه طرفة عين وبات على فراشه ليلة الغار وفداه بنفسه وجاهد امامه في كل مواقفه حتى قام الاسلام بسيفه واين مرتبته من مرتبة ابي طالب الذي حمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحامى عنه وقاسى البلاء والشدة في حمايته واوصى اولاده بنصره وقال في ذلك الاشعار وما زالت قريش كاعة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات ابو طالب فنالت قريش عند موته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قال : لشد ما وجدنا فقدك يا عم. وكون العباس عمه لابيه وابو طالب عمه لابيه وأمه لا يوجب تقديم اولاد ابي طالب فانه ليس لنا ان نقدم احدا لزيادة وصلته في النسب ولا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل ذلك وانما هذا من فعل الملوك وابناء الدنيا بل المستحق للتقديم من امتاز بفضله واعماله وجهاده في الاسلام ومحاماته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت هذه الخصال متوفرة في علي بن ابي طالب من بين سائر بني هاشم وفي ابيه ابي طالب من قبله ولو كان ذلك كافيا لما كان لنا ان نساوي بين عقيل بن ابي طالب الذي خرج لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر وبين اخيه علي لتساويهما في النسب واستعمال «بل» هو الغالب هنا غير مناسب والاولى بل هو المظنون او المحقق او نحو ذلك وكيف يقول سيدنا ابو طالب وهو كافر مشرك مات على شركه في ضحضاح من نار باعتقاد قومه وكون اولاد ابي طالب بمنزلة اخوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاخ مقدم استدلال ركيك واه لا محصل له ولا يوجب تقديما ولا تعظيما ولا توجب هذه الاخوة الموهومة شيئا من الفضل بل موجب الفضل ما قدمناه ومن موجبه الاخوة التي خص بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا دون سائر اصحابه.

المتعة

وهي النكاح الى أجل ذكرها في عدة مواضع من وشيعته وكرر واطال تطويلا مملا ممقوتا كعادته وزاد ونحن نجمع ما فرق ونفرق ما اجتمع بحسب المناسبة كعادتنا.

قال ص ٣١ كتب الشيعة اذا تعصبت على المسألة فهي تجازف في الكلام تتجاوز حد التشدد في المبالغة مثل ما روت في المتعة والمسح على الخفين وغيرهما كان الباقر

٢٥٦

والصادق يبالغان في المتعة ويقولان من لم يستحل متعتنا ولم يقل برجعتنا فليس منا.

(ونقول) كتب الشيعة بعيدة عن التعصب والتشدد وان تشددت في بعض مسائلها فتشددها ناشئ من التشدد والتعصب عليها. والتشدد مع الحق لا يضر. والتساهل مع الباطل لا ينفع فالمهم تمييز الحق من الباطل. وقد نسي او تناسى مجازفات قومه في الكلام اذا تعصبوا على المسألة وتجاوزهم حد التشدد في مواضع يضيق عنها الاحصاء ونسي نفسه في تعصباته وتشدداته في كل مسألة ذكرها بما قد تجاوز كل حد حتى ادى به ذلك الى مخالفة الاجماعات وانكار المسلمات. ومنها هذه المسألة فله فيها سلسلة دعاو انفرد بها وجاوز وتجاوز الحد.

(الدعوى الأولى) انها من بقايا الانكحة الجاهلية ولم تكن مباحة في الاسلام. فذكر في مطاوي كلامه في ص ٣١ ـ ١٢٠ ـ ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ١٣١ ـ ١٣٢ ـ ١٣٥ ـ ١٣٩ ـ ١٤٤ ـ ١٤٦ ـ ١٤٧ ـ ١٦٥ ما حصل مجموعه :

ارى ان المتعة من بقايا الانكحة في الجاهلية كانت امرا تاريخيا لا حكما شرعيا بقيت في صدر الاسلام بقاء العوائد التي لا تستأصل الا بزمن فالعرب قبل الاسلام كان لها انكحة دامت حتى صارت عادة ابطلها الاسلام. منها. البغاء. المخادنة. الاستبضاع. المتعة يمكن ان البعض كان يرتكبها في صدر الاسلام جريا على العادة مستحلا أو جاهلا. ويمكن ان الشارع اقرها لبعض في بعض الأحوال من باب ما نزل فيها ما قد سلف وقد نزل في اشد المحرمات ونسخت وحرمت تحريم ابد. ولم يكن نسخها نسخ حكم شرعي بل نسخ امر جاهلي. ولم يكن في الاسلام نكاح متعة. ليس بيد احد دليل لاباحتها في زمن من صدر الاسلام ولم تقع من صحابي في الاسلام ولو وقعت فلا يتمكن احد ان يثبت انها كانت بإذن من الشارع بل دوام عمل كان في الجاهلية وعادة معروفة راسخة لم يقتلع منه البعض حتى نودي بتحريمه مرات يوم خيبر ويوم الفتح وأيام حجة الوداع فوهم الرواة ان تكرار النداء كان لتكرير الاباحة مثل العري في الطواف حرم في صدر الاسلام ولم ينقطع إلا بعد زمن والا بالقوة بعد البراءة حتى عدت المتعة من غرائب الشريعة. وكما تكرر نزول تحريم الخمر تقريرا لتحريم كان من قبل فدعوى إباحة الشارع في صدر الاسلام ساقط

٢٥٧

(كذا) وقال في ص ٤٤ العرب قبل الاسلام كانت لها انكحة دامت حتى صارت عادة ابطلها الاسلام ومنها المتعة والعادة لا يقتلعها إلا الزمن فدامت المتعة في صدر الاسلام والتبس الأمر على البعض فارتكبها جاهلا أو مستحلا ، وفي ص ١٣١ اما العقد الى اجل فإن اثبت مثبت انه كان يقع في صدر الاسلام وانه كان بعلم من الشارع فنحن نقول ان النكاح كان ينعقد ويبطل التوقيت لأن النكاح من اقوى العقود وينعقد انعقادا يبطل كل الشروط فتبين تبينا لا يذر من ريب لمتثبت ان نكاح المتعة لم يقع في صدر الاسلام وعلى هذا البيان يحمل كل حديث ثبت سنده في صحاح الأئمة مثل البخاري ومسلم واحد والحمد لله الذي هدانا لهذا ومر رواية الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس انما كانت المتعة في اوّل الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه يقيم تحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) قال ابن عباس فكل ما سواهما حرام والظاهر ان العقد في مثل هذه الصورة كان ينعقد انعقاد دوام يترتب عليه كل آثاره ولا ينقطع إلا بالطلاق أو بالموت. قيل لعمر يعيب عليك الناس انك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ثم نفارق عن ثلاث فقال ان النبي انما احلها زمن الضرورة وقد رجع الناس الى سعة ثم لم اعلم احدا من المسلمين عاد إليها ولا عمل بها فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد اصبت والله يعلم يريد ان النكاح بقضيته ينعقد انعقاد دوام ثم ينقطع بطلاق بعد ايام وأي ضرورة كانت في عهد النبي تضطر الناس الى المتعة إلا انها كانت عادة معروفة رسخت في الجاهلية لم يمكن قلعها إلا بعد زمن لم يكن غير هذه الضرورة حتى استأصلها الفاروق ومن غرائب أقوال أهل العلم ان المتعة من غرائب الشريعة لأنها أبيحت في صدر الاسلام ثم حرمت يوم خيبر ثم ابيحت يوم اوطاس ثم حرمت بعد ذلك تحريم الأبد ، ثم ليس لقول في هذا الباب فرار فقد قيل اذن بها في حجة الوداع ومنع عنها في حجة الوداع. وحديث المتعة من غرائب الأحاديث كان يقول بها جماعة من الصحابة حتى قال بها جماعة من التابعين منهم طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وجماعة من فقهاء مكة. روى الحاكم في علوم الحديث عن الامام الاوزاعي انه كان يقول يترك من قول اهل الحجاز خمس منها المتعة.

٢٥٨

(ونقول) في هذا الكلام خبط وخلط وافتراء وتهافت وتناقض من وجوه.

(أولا) الاحكام الشرعية مصدرها الكتاب والسنة واجماع المسلمين لا الآراء والتخمين فقوله ارى كذا ويمكن كذا ويمكن كذا هذر من القول ولو كانت تؤخذ بالآراء والشهوات لما بقي لهذا الدين اثر.

(ثانيا) زعمه ان المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية وانها لم تكن في صدر الاسلام وانها لم تقع من صحابي وان وقعت فبغير اذن الشارع وانها كانت أمرا تاريخيا لا حكما شرعيا وان نسخها نسخ لامر جاهلي لا لحكم شرعي هو من مخترعات هذا العصر وليس له اثر في كلام العلماء السالفين فهو من الأكاذيب الملفقة والأباطيل لدحض الحق ولم ينقل ناقل انه كان في الجاهلية نوع من النكاح يشابه المتعة ويماثلها ولو كان لنقل فإن شرائع الجاهلية كثر تناقل الرواة لها ولم يذكروا فيها شيئا من هذا القبيل فادراجها مع البغاء والمخادنة والاستبضاع كذب وافتراء فالبغاء الزنا (والمخادنة) اتخاذ الرجل امرأة والمرأة رجلا يزني بها (والاستبضاع) في النهاية نوع من نكاح الجاهلية كان الرجل منهم يقول لأمته أو امرأته أرسلي الى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها حتى يتبين حملها يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد اما المتعة فلم يذكر محدث ولا مؤرخ ولا لغوي ولا غيرهم انها من انكحة الجاهلية إلا بعض أهل هذا العصر كالآلوسي في بلوغ الإرب ومحمد ثابت المصري في كتاب جولة في ربوع الشرق وصاحبنا في وشيعته وقد دلت الأدلة القاطعة التي لا يمكن لأحد ردها ولا انكارها ولا التشكيك فيها من الكتاب والسنة واجماع المسلمين واقوال ائمتهم على انها كانت مشروعة في صدر الاسلام مباحة بنص الشارع وان كثيرا من الصحابة فعلوها في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمره واذنه وترخيصه وبعد وفاته وان نسخها عند من يقول به نسخ لحكم شرعي وهو مع ذلك يماحك ويتحمل ويعاند ويكابر ويقول انها لم تكن في صدر الاسلام وان نسخها نسخ لأمر جاهلي وحسبه بهذا جهلا وعنادا (فالكتاب) آية فما استمتعتم ويأتي الكلام عليها عند تعرضه لها (والسنة) الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة ـ ان لم تكن متواترة ـ الآتية التي رواها ائمة الحديث في صحاحهم البخاري ومسلم واحمد بن حنبل والنسائي والترمذي وغيرهم الدالة على اذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها وعلى وقوعها في عهد الرسالة ومدة حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢٥٩

وفي خلافة الشيخين وعدم نسخها. وكذلك الروايات الآتية التي ذكروها دليلا للنسخ فإنها لو ثبتت لكانت دالة على انه نسخ لحكم شرعي فهي تكذب دعاواه وكل هذه الروايات نص صريح لا يقبل شيئا من تأويلاته وتمحلاته الفاسدة.

ومن جملة الروايات رواية الترمذي عن محمد بن كعب المار ذكرها في كلامه آنفا للتصريح فيها بأن المتعة كانت في اوّل الاسلام وان الرجل كان يتزوج المرأة الى اجل بقدر ما يرى انه يقيم وهي تكذب قوله لم يكن في الاسلام نكاح متعة. واستظهاره ان النكاح كان ينعقد دائما ليس في الكلام ما يشير إليه إلا ان يكون وحيا نزل عليه ومن جملتها رواية يعيب عليك الناس المار ذكرها أيضا في كلامه وتفسيره لها بما فسر به الأولى لا دلالة في الكلام عليه بشيء من الدلالات وما يرضى به صاحبه تفسيرا لكلام وإنما اراد انه يمكنه ايقاع النكاح من اصله دائما ثم يطلق لا انه اذا اوقعه الى اجل انعقد دائما ولا يتوهم ذلك من عنده شيء من فهم وهي دالة على انه كان مشهورا بين الناس ان الله رخص في المتعة وانه هو الذي حرمها فلذلك عاب الناس عليه تحريمها لأنه ضيق عليهم فيما كان رخصة من الله وهو لم ينكر انه حرمها وانما اعتذر بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احلها زمن الضرورة ورجع الناس الى سعة ولم يبق لها لزوم ولم يعتذر بأن النبي (ص) حرمها بعد ما احلها بل ظاهره ان احلالها باق ولكنه لم يعلم ان احدا عاد إليها ولا عمل بها لكونهم في سعة وغنى عنها لا لانها محرمة وفي هذا رد صريح لما ادعاه من انها من بقايا عوائد الجاهلية وفي قوله أي ضرورة الخ رد على الخليفة الذي قال ان النبي احلها للضرورة ورجع الناس الى سعة فإنه كالصريح في ان الضرورة عدم السعة لا ما زعمه من انها عادة جاهلية لم يمكن قلعها إلا بعد زمن. ثم اعتذر بعذر اوسع من ذلك وهو انه لو فرض بقاء الضرورة الى التزوج بقبضة فالآن من شاء نكح بقبضة نكاحا دائما وفارق بعد ثلاث بطلاق فالضرورة لا تدعو الى المتعة لإمكان الاستغناء عنها بالدائم بمهر مثل مهر المتعة والفراق بالطلاق بدلا من انقضاء الأجل وقد اصبت في تحريمي المتعة ولم اضيق على الناس فليس لهم ان يعيبوا عليّ تحريمها هذا هو معنى الحديث لا ما تمحله ولسنا الآن بصدد ان هذا العذر مقبول أو لا وان التزوج دائما بقبضة لا يتيسر غالبا وانما كلامنا في ان ما ذكره هذا الرجل لا مساس له بالحديث وقد ظهر ان ما استشهد به من الحديثين هو عليه لا

٢٦٠